إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه سُبحانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ۩ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفاضلات:

يُلاحَظ أن الله – سُبحانه وتعالى – دائماً في كتابه العزيز يتوجَّه بأمره ونهيه ووعظه إلى جماعة المُسلِمين، إلى جماعة المُؤمِنين، لا يتوجَّه إلى آحادهم، إلى أفرادهم، وإنما يتوجَّه إلى جماعتهم، إلى مجموعهم، حتى في أخص القضايا وأشدها وأظهرها فرادة، قضية الاعتقاد، قضية الإيمان، قضية ما ينطوي عليه القلب والآضايا كما يُقال، إنه أيضاً يتوجَّه في هذه القضية إلى جماعتهم، لا إلى آحادهم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ۩، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ۩، خُذوا الإسلام بشرائعه جُملةً، ولا تجعلوه تفاريق وأبعاضاً وعزين، ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ۩.

في هذه الآية الجليلة من آخر سورة الحج – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ نفس الشيئ، وفي آخر السورة أوامر على نحو قريب، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ۩.

بعض الناس قد يظن أن هذه مسألة بيانية وحلها ميسور، فإنه – سُبحانه وتعالى – إذا خاطب الجماعة بمجموعهم اقتضى هذا القسمة آحاداً كما يقول البلاغيون، إذن ليفعل كلٌ كلاً مما أُمِر به، ليُصلي كلٌ، ليركع كلٌ، ليسجد كلٌ، ليُزكي كلٌ، ليُجاهِد في سبيل الله كلٌ، وهكذا تضيع حكمة الآية! كان – سُبحانه – يستطيع بداءةً أو ابتداءً أن يتوجَّه إلى الأفراد، إلى آحادنا أو إلينا آحاداً، لكن من وراء هذه الطريقة الربانية المُثلى سر كبير وحكمة بالغة.

هذا الدين يقوم ضمن ما يقوم عليه على مبدأ وعقيدة أن الخلاص الفردي مُستحيل، في إسلامنا طلب الخلاص الفردي مُستحيل، لا يُمكِن أن تنجو وأنت لم تسع في إنجاء غيرك، لا يُمكِن أن تُعَد عند الله مُهتدياً تقياً صالحاً ولياً مقبولاً مبروراً وأنت لم تُساهِم في دعم هذه المعاني وهذه المسالك في المُجتمَع، في الآخرين، مُستحيل! والقضية أكثر تعقيداً مما قد تبدو عليه وتظهر.

قلنا غير مرة إن في كتاب الله آيات ظاهرها عجيب، وقد حصل أيضاً إهدار حكمتها ودلالتها بطريقة الاعتماد على بعض القواعد الصناعية البيانية، وضاعت الحكمة وأُهدِرت الأسرار! في كتاب الله نحو قوله – سُبحانه وتعالى – يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ۩، من سورة الإسراء، أي من سورة بني إسرائيل! في كتاب الله وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۩ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۩، وأشباه ونظائر هاتين كثير، في آية الإسراء أقوال ثلاثة في تفسير المُراد أعني بِإِمَامِهِمْ ۩، يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۩، قال فريق من العلماء المُراد بالإمام هو الذي كان يُؤتم به ويُقتدى، أي النبي! كل أمة تُدعى بنبيها، وهذا يُروى عن مُجاهِد وعن قتادة، رضيَ الله تعالى عنهما، وهو الذي رجَّحه ابن كثير، ولسنا نطمئن إليه، رجَّحه على عجل مع أن الآيات لا تُرجِّحه كما سيأتيكم بيانه، وقال أكثر من هؤلاء – عبد الله بن عباس، الضحّاك، أبو العالية، والحسن البِصري، رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم – يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۩ أي بكتاب أعمالهم، بكتاب أعمالهم وليس بنبيهم، ويشهد له – نعم هو ليس صريحاً ولكن يُستأنس به على طريقة التفصيل بعد الإجمال – قوله – عز اسمه وجل مجده – يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۩ – في ذات الآية، أي في الآية ذاتها – فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۩، إنها تتعلَّق بالكتاب إذن، الإمام هو الكتاب، أين المهرب من آية الجاثية؟ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ۩، يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ – أي كل أمة وكل جماعة – بِإِمَامِهِمْ ۩، هل هذا الإمام هو النبي أو الكتاب؟ هو الكتاب، لأن الله قال كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۩ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۩.

إلى الآن القضية ليست فيها جديد، ما الجديد الذي نُريد له أن يُقال أو يُذكَر؟ نعم كل إنسان يُدعى إلى كتابه، لكن الجديد أنه تحدَّث عن أن الأمة في مجموعها لها كتاب، كلٌ منا له كتاب، نسأل الله أن يُيمِّن كتابنا وأن يُيسِّر حسابنا وأن يُبيِّض غُررنا ووجوهنا، اللهم آمين، هذا مفهوم! وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ۩ اقْرَأْ كِتَابَكَ ۩، لكن ما في هاتين الآيتين أن الأمة في مجموعها لها كتاب، يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ – كل جماعة من الناس – بِإِمَامِهِمْ ۩، ولا يجوز أن تُفسَّر الأمة بنحو ما هو شائع الآن في ثقافتنا الإسلامية بالأمة الإسلامية في مجموعها، هذا غير صحيح! الأمة هي الجماعة من الناس، نحن الآن أمة من الناس، الجيل من المُسلِمين في بلد مُعيَّن أمة من الناس، أو الجيل من المُسلِمين في عصر مُعيَّن أمة من الناس، وهكذا في كل جيل وفي كل سقع وفي كل عصر ومصر أمم من الناس، قد يختلفون، قد يجتمعون، تجمعهم العقائد، تُفرِّقهم المصالح، كما تُفرِّقهم أيضاً العقائد والآراء والمذاهب والمِلل، إلى آخره!

على كلٍ إذن كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ۩ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۩، شيئ غريب! إذن هناك – كما قلنا غير مرة وإن بدا جديداً – حساب مجموعي لكل جيل من الناس، انتبه! ستُحاسَب فردياً لا مناص، الحساب الفردي! كما سنُحاسَب أيضاً في دورة أُخرى حساباً مجموعياً، لماذا؟ هذا عدل، هذا منطق، وهذا عقل! لأن من الأعمال ما لا تستقل به طاقة فرد، من الأعمال ما لا يستطيعه وأن جعله وكده واستفرغ فيه جُهده ما لا يستطيعه فرد من الأفراد، مُستحيل! هل يستطيع الآن فرد – مثلاً – أن يُحرِّر فلسطين أو أن يرد العراق أو أن يُعيد للمُسلِمين مجدهم وأن يُعيد لهم حضارتهم ليقتعدوا مكانتهم اللائقة بهم تحت الشمس كما يُقال؟ مُستحيل! لا يستطيع فرد هذا، هل يستطيع فرد أن يُصلِح الناس وأن يُغيِّر الأوضاع؟ يستحيل، هذا ما لا تستقل به إلا جهود الأمم والجماعات من الناس تُضفَر أو يُضفَر بعضها مع بعض، لابد من صيغة مجموعية في العمل، صيغة مجموعية في الانبعاث، في النشاط، في الاجتهاد، في الإنجاز، وفي الإنتاج، هذا هو طبعاً! والأمم لا تتقدَّم بجهود الأفراد فقط، بالعكس! جهود الأفراد مهما كانت نبيلة وعظيمة تبقى الأقل، على عكس أصحاب نظريات البطولة، المُقدِّسين للأبطال، والذين يظنون أن الأمم تدين لأفراد فقط، لا! ليس لأفراد فقط، بالعكس! منطق الدين يُؤكِّد أن الأمم تدين للجماعات أكثر من دينها للأفراد، والنبي هو القائل ثم نُوديت أسلمت وأسلموا وآمنت وآمنوا وهاجرت وهاجروا، قال حتى لم أر لنفسي فضلاً على أحد منكم إلا بالنبوة، الله يقول له هكذا! أنت نُصِرت بهم، أنت عُزِّزت بهم.

لذلك بعد قسمة الأفياء والغنائم في حُنين وجد بعض الأنصار – خاصة الشباب، الحدثة أسنانهم، الصغيرة أعمالهم – في أنفسهم شيئاً فتكلَّموا، فقالوا يغفر الله لرسول الله، يُعطي هؤلاء ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! فسمع النبي المقالة، نميت إليه! فجمعهم في قُبة من أدم، ولم يأذن لأحد من غير الأنصار أن يكون فيها، ثم قال لهم يا معشر الأنصار ألم آتكم وأنتم ضلّال فهداكم الله بي؟ قالوا بلى يا رسول الله، لله الفضل والمنّ، قال ألم آتكم وأنتم قلة فكثَّركم الله بي؟ قالوا بلى، قال ألم آتكم وأنتم عالة فأغناكم الله بي؟ قالوا بلى، لله الفضل والمنّ يا رسول الله، ثم انعطف وانبرى وغيَّر وجهة حديثه – صلى الله عليه وسلم – ليقول أما لو شئتم معشر الأنصار لقلتم أتيتنا مُهاجِراً فأويناك، وأتيتنا فقيراً فأغنيناك،  وأتيتنا ضعيفاً فنصرناك، لقلتم ولصدقتم! فبكوا وقالوا لله الفضل والمنّ، الله أمنّ وأفضل ورسوله، قال هذا صدق أيضاً، حق! أنتم الذين نصرتموني، أنا بغيركم ما عساني أُساوي وأنا رسول الله؟ ما عساني أُساوي؟ رسول الله بهؤلاء الذين نصروه، بهؤلاء الذين عزَّروه ووقَّروه واتبعوا النور الذي أُنزِل معه ليكونوا وكانوا من المُفلِحين، رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم.

هذا هو المنطق الصحيح، المنطق العملي الذي تُصدِّقه شواهد التاريخ، الفرد وحده بلا أمة وبلا جماعة تقوم بحقه وبحق دعوته ومبدأه وعلمه وفضله ومسلكه يعيش ويموت ولا يفعل شيئاً، يموت مكانه، تُقبَر دعوته، كالذي قاله الشافعي في فقه الإمام الليث بن سعد، قال الليث أفقه من مالك، لكن مَن الآن يسمع بالليث بن سعد؟ فقط طلّاب العلم، العالمون يسمعون بالإمام مالك، أحد الأئمة الأربعة، مالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل! لكن مَن يسمع بأبي جعفر – الليث بن سعد – إمام أهل مصر؟ ضاع هذا الرجل، قال الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به، ذهب العلم! لم تقم جماعة بهذا العلم وبهذا الفضل، هذا هو المنطق الصحيح!

ولذلك سيُحاسَب المرء يوم القيامة في دورتين، سيُحاسَب في دورة فردية على ما يُمكِن أن يستقل به من عمل، سيُحاسَب عليه! أنت تستطيع أن تُصلي وحدك، أليس كذلك؟ لكن لا تستطيع أن تُصلي جماعةً إلا في جماعةٍ، أليس كذلك؟ على مَن قال إن جماعة المسجد واجبة، سنُحاسَب أيضاً على هذه الصلاة، على صلاة الجماعة مثلاً! تستطيع أن تُصلي وأن تصوم وحدك، لكن لا تستطيع أن تُجاهِد وحدك، تُجاهِد العدو! كأن تُجاهِد جيش الكفار – مثلاً – وحدك، مُستحيل! لا يُمكِن لواحد أن يُجاهِد جيشاً، جيش يُجاهِد جيشاً، جماعة تُناضِل جماعة، وهكذا! ولذلك سنُحاسَب في دورة ثانية على ما لا يستقل به واحدنا، على ما لا يستقل به الفرد منا من العمل أو من الأعمال، وسيكون الحاسب مجموعياً.

في هذا الإطار أود أن أُفسِّر جماعة حديث أو جمهرة أحاديث أو جُملة أحاديث وردت عن رسول الله –  صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – قد يُساء تفسيرها، وقد يظن بعض الناس أن فيها ما لا يُعقَل، شيئ غير مفهوم وغير معقول! أعني الأحاديث التي يُذكَر فيها ليس مني أو لست منه أو ليس منا أو ليس من هذه الأمة، أحاديث مُخيفة، ظاهرها البراءة، أن ذمة الأمة بارئة أو بريئة مِمَن هذا وصفه، أن ذمة الرسول بريئة مِمَن هذا نعته، هذا ما كان هذا وصفاً له فهو ليس من هذه الأمة، ومنها على طرف المُخالَفة والمُشاقة! ولكن قد يظن بعض العامة أو مَن لم يتمرَّس بدرس حديثه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – على أصوله وقواعد النظر الصحيح فيه والاستنباط الدقيق اللطيف أن هذا يُمكِن أن يُؤشِّر حتى إلى خروج الإنسان من حظيرة الإيمان وخلعه لربقة الدين، وهذا غير صحيح! فمثلاً بعض هذه الأحاديث تتحدَّث عن قضايا عقدية، هي من الأهمية والخطر بمكان، قضايا عقدية فعلاً! لكن بعضها يتحدَّث عن قضايا مسلكية بسيطة، وبعضها يتحدَّث عن قضايا بين ذلكم وذلكم، ليست في أعلى رُتب الخطر والشرف لكنها ليست في أدنى رُتب لا نقول رُتب الصغارة وإنما رُتب البساطة كما يُقال بالعامية، وإن كانت البساطة في الفُصحى تعني السعة والاندياح والامتداد.

على كلٍ كقوله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مثلاً مَن لم يتغن بالقرآن فليس منا أو ليس منا مَن لم يتغن بالقرآن، إذا ماذا يعني؟ هل هو كافر؟ هل ليس مِن أمة محمد مَن لم يقرأ القرآن بصوت جيد؟ لا، مُستحيل أن يُؤوَّل الحديث على هذا النحو، النبي يقول مَن لم يتغن بالقرآن فليس منا أو ليس منا مَن لم يتغن بالقرآن، واختلفوا في تأويله بعضهم، كالإمام عطاء رحمة الله عليه، قال ليس منا مَن لم يتغن بمعنى مَن لم يستغن بالقرآن، فينبغي أن يكون القرآن غناءً عن كل شيئ، فمَن كان معه القرآن أغناه، مَن أُوتيَ القرآن أغناه عن أي شيئ من عرض الدنيا، أما الإمام الشافعي فيما يروي عنه الربيع – رضيَ الله تعالى عنهما – فقال لا، قيل له مَن لم يتغن بمعنى مَن لم يستغن، فقال لا، مَن لم يتغن بمعنى مَن لم يقرأه حدراً بتحزين، أي بصوت جميل فيه حزن وتخشع، هذا معنى مَن لم يتغن، ويشهد له حديث البراء بن عازب زيِّنوا القرآن بأصواتكم مرفوعاً، ويشهد له حديث أبي سلمة وحديث أبي موسى الأشعري وكثير من الأحاديث، حديث أبي سلمة في صحيح مُسلِم، وعند الترمذي على ما أذكره أيضاً، قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – ما أذن الله لشيئ أَذَنه لنبي يتغنى بالقرآن، يجهر به، في السُنن ما أذن الله لشيئ أَذَنه لنبي أو قال لرسول حسن الصوت، يتغنى بالقرآن، ومعنى أَذَن الله أَذَنه أي استمع، ما استمع الله لشيئ، ليس من الإذن وإنما من الأَذَن، والأَذَن هو الاستماع، يُقال أذِن لك فلان في الأمر، أذِن في الأمر، ليس أذِن لك الأمر وإنما أذِن لك في الأمر، أي استمع لك أو استمع إليك، وهذا معروف حتى عند أطفالنا! سلوا طفلاً صغيراً عن معنى قوله – تبارك وتعالى – إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ ۩ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ۩، ما معنى وَأَذِنَتْ ۩؟ أي واستمعت أمر ربها طواعيةً، واستمعت أمر ربها! وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا ۩ أي واستمعت، واستمعت أمر الله، وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ۩، كل شيئ يأذن لأمره، لا إله إلا هو! يأذن لأمره، أي ينصاع، فهي تنصاع وتسمع وتُطيع في تصدعها وتشققها لأمر ربها سُبحانه وتعالى.

على كلٍ هذا لا يُفسَّر على هذا النحو، أنه ليس من هذه الأمة بمعنى أنه خلع الربقة أو فارقه الإيمان، أعوذ بالله! فما عساه أن يكون معناه؟ النبي يقول في شؤون كهذه الشؤون اليسيرة – مثلاً – وإن لم تكن يسيرة جداً ليس منا مَن وطئ حُبلى، المرأة في حبلها مُعتَدة، المرأة في حبلها تكون مُعتَدة! وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۩، مُستحيل هذا! لابد أن تضع حملها، لا تخرج من عدتها إلا بوضع الحمل، فمَن وطئها وهي في عدتها – النبي يقول – ليس منا، ليس منا مَن وطئ حُبلى مثلاً، الذي يخاف قتل الحيات والثعابين ليس منا، وفي الحديث ما سالمنهن مُنذ حاربنهن، فمَن خشيَ أو قال خاف شرهن أو سُمهن فليس منا، ليس منا! وفي حديث آخر فمَن تركهن خيفتهن فليس منا، ما معنى هذا؟ الإنسان يخاف من قتل الحيات، أنا أخاف من قتل الحيات، هل برئت مني الذمة؟ هل نحن كفرنا بهذا؟ بعض الناس يخاف جداً منها، أنا أخاف جداً من الحيات والثعابين، يقول ليس منا، الذي يتقدَّم الجِنازة – يُقال جِنازة وجَنازة، ولُغة رديئة جداً جُنازة، أردأها الجُنازة! الجِنازة أو الجَنازة – ليس منا، روى الإمام أحمد عن ابن مسعود، قال سألناه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – عن السير بالجَنازة أو بالجِنازة، فقال السير دون الخبب، لا تُسرِعوا كثيراً، لكنه أقل من الخبب، طبعاً وأكثر من الدبيب، أسرع من الدبيب – هذا المعنى – وأقل من الخبب، السير دون الخبب، الإسراع! قال أَخُبُّ فيها وَأَضَع، كناية عن أنه اجتهد وأعمل حيلته ووكده في الأمر، السير دون الخبب، فإن يكن خيراً تُعجَّل إليه، اللهم اجعل ما أمامنا خيراً لنا، بأسمائك الحُسنى سألناك ربنا وصفاتك العُلا، اللهم فأعطنا ذلك ولا تحرمنا، يوم عظيم وساعة مُخيفة! يوم يُوضَع أحدنا على الآلة الحدباء ويُسيَّر إلى مصيره، ما هو إلا أن يُوضَع حتى يعرف مصيره، لا إله إلا الله! يقول عمر بن الخطاب – قدَّس الله سره – لو أن لي ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتديت به من هول المُطلَع، والمُطلَع في هذه الساعة التي يطلع فيها المُؤمِن أو المرء على مصيره الأُخروي، حين يُدلى في حُفرته، لا إله إلا الله! قال النبي – وانظروا إلى هذا التعبير النبوي الشريف الجزل – فإن يكن خيراً تُعجَّل إليه أو قال – الشك من الراوي – فلتُعجَّل إليه، عجِّلوها إليه، سيروا دون الخبب، فإن يكن خيراً فلتُعجَّل إليه، وإن تكن الأُخرى فبُعداً لأهل النار، لا إله إلا الله! وإن تكن الأُخرى فبُعداً لأهل النار، قال والجِنازة متبوعة ولا تتبع، مَن تقدَّمها فليس منا، هذا أمر ليس خطيراً جداً، ليس أمراً عقدياً، الكثير الآن من الجهلة يتقدَّمون الجنائز، لم يسمعوا بهذا الحديث، ليس عندهم علم، فهل كفروا؟ لا، مَن تقدَّمها ليس منا، يقول هذا عليه الصلاة وأفضل السلام.

هناك شؤون أخطر، ليس منا مَن خبَّب امرأةً على زوجها، حديث عبد الله بن بُريدة في مُسنَد أحمد وفي مُستدرَك الحاكم وفي مُعجَم الطبراني وفي غيرهم، قال: قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – ليس منا مَن حلف بالأمانة، الناس الآن يتحالفون بالأمانة، وهذا غير صحيح! لا تُحلِّف أخاك بالأمانة ولا تحلف أنت بالأمانة، النبي يقول ليس منا مَن حلف بالأمانة، إذن ليس منا أيضاً مَن استحلف بالأمانة، لأنه يتوسَّل إلى تحليف أخيه أو إلى حلفه بالأمانة، وهو منهيٌ عنه، وأصل النهي عن الحلف بالأمانة في الصحيح، ثابت في الصحيح! لكن هذا الحديث فيه شاهد آخر، ليس منا مَن حلف بالأمانة، وليس منا مَن خبَّب على امرئٍ زوجته أو مملوكاً على سيده، هذا شأن خطير! ليس في أعلى درجات الخطر لكنه خطير وخطير جداً، ليس منا – انتبهوا، أحكي هذا للإخوة والأخوات – مَن خبَّب امرأةً على زوجها، وهنا قال ليس منا مَن خبَّب على امرئٍ زوجته أو مملوكاً على سيده، يأتي رجل أو امرأة إلى امرأة ويُوغِر صدرها ويُثير غضبها وحميتها ويُشوِّش خاطرها على زوجها، يا أختي ما هذا الزوج؟ أعوذ بالله، أراحك الله منه، هذا البعيد لا يفعل كذا وكذا لكِ، انظري إلى الأزواج الآخرين، ما شاء الله، والله أنا عندي زوج كذا وكذا وكذا، والعياذ بالله! ماذا تُريدين بهذا أيتها الشيطانة؟ أنتِ الآن شيطانة، شيطانة حقيقية، تنطقين بلسان الشيطان، تُفرِغين عن الشيطان والعياذ بالله، تُفرِغين ليس عن الرحمن، إنما تُفرِغين عن الشيطان والعياذ بالله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأنكِ ستتسببين ربما – لا قدَّر الله ولا سمح – إلى الطلاق، الذي هو بعد الشرك بالله أحب الأعمال إلى إبليس، من أكثر الأعمال التي يعشقها إبليس – لعائن الله عليه مُتتابِعة إلى يوم الدين – أن يُطلِّق رجل زوجته، يفرح جداً جداً، يُجَن من الفرح! لأن هذا باب لشرور كثيرة، الطلاق باب لشرور كثيرة، ليس أقلها ضياع الأولاد ربما، انتبهوا! خطر جداً جداً والعياذ بالله، فضلاً عن انتشار العداوات والبغضاء وتصرم الأوصار وتقطع الحبال والصلات بين عباد الله، وبين العوائل أحياناً بسبب الطلاق، أبغض الحلال إلى الله، وهذه تُخبِّب امرأةً، أي تُفسِدها، تُوغِر صدرها وتُشوِّش خاطرها على زوجها، لماذا يا أختي؟ لماذا؟ هل تكونين في حالة الآن يرضى عنكِ الله تبارك وتعالى؟

طبعاً أقول هذا أيضاً للإخوة، نفس الشيئ! لا تُخبِّب امرأةً على زوجها، في حديث آخر أو خبَّب رجلاً على امرأته، نفس الشيئ! تأتي إلى الأخ وتقول له والله – ما شاء الله – أنت ألف مَن تتمناك، ست ستها تتمناك، والله أنت أجمل منها، نحن لا ندري كيف أخذتها؟ ما الذي أعجبك فيها؟ يقول يا أخي لكن هي زوجتي وأم أبنائي، فيقوله لا يا سيدي، أمهات الأبناء كثير، وأنت الآن – ما شاء الله – ميسور، كما يُقال شم ريحه، عندك – ما شاء الله – سعة وبسطة في المال، ماذا تُريد من هذه العجوز الغابرة؟ عليك بغادة خمصانة، رخصة الأطراف، وبضة، ماذا تُريد؟ موجودة وتتمناك، النساء على قفا مَن يشيل كما يقولون، ما هذا أيها الشيطان؟ يا أخي أنت شيطان، أنت تحوَّلت إلى شيطان، انتبه! استفق على نفسك واستيقظ وسوف ترى أن نفسك تلعب دور إبليس وأنت لا تدري، إبليس يُعيرك عقله، وبالمُناسَبة هؤلاء – ما شاء الله – هنا يُبدِعون إبداعاً غير طبيعي، لأنه يُعيرهم عقله ولسانه، تأتي وتتفتق أذهانهم عن حيل وعن أفكار وعن برامج وعن مُغريات وعن جُمل وعن تعابير وعن كنايات وعن استعارات وعن ضرب أمثلة، شيئ عجيب! يا ليتهم يُبدِعون إذا قرأوا كتاب الله، يا ليتهم  يُبدِعون إذا صفوا أقدامهم بين يدي الله ليُصلوا له كما ينبغي، لا يُبدِعون! يا ليتهم يُبدِعون في الإصلاح أو في العلم سواء في تعليمه أو في طلبه، يا ليت! لكنهم يُبدِعون في أمثال هذه الأمور الإبليسية والمقالات الشيطانية، النبي قال ليس منا، هنا الأمر خطير، انتبهوا!

في الترمذي عن أنس، يقول جاء شيخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رجل كبير في السن، ليس الشيخ هو العالم، الشيخ هو الرجل الكبير.

زَعَمَتْنِي شَيْخًا ولَسْتُ بِشَيْخٍ                              إِنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدِبُّ دَبِيبَا.

لأنه كبير، علت سنه ووهن عظمه واشتعل رأسه شيباً، شيخ كبير! قال أنس فأبطأ أصحابه – أي أصحاب النبي – أن يُوسِعوا له، لم يقوموا له على عجل لكي يقعد، لم يقولوا له تفضَّل وما إلى ذلك، لأنه كبير في السن يا أخي، لابد أن يُحترَم لسنه على الأقل، وهو مُسلِم من أهل المِلة والدين، أبطأوا! تثاقلوا أن يقوموا له، فكأن النبي غضب، هذا من عندي، هذا ليس كلام أنس! كأن النبي غضب، طبعاً مقالته تُؤكِّد غضبه وعدم رضاه بهذا المسلك، قال هذا المسلك لا يُمثِّل أصحابي، لا يُمثِّل أمتي، لا يُمثِّل هذه الأمة المُحترَمة، هذه الأمة مُحترضمة وعندها قيم، فقال ليس منا مَن لم يحرم ويُوقِّر كبيرنا، لِمَ لَمْ تقوموا له؟ هذا المعنى! لِمَ؟ لو قال لِمَ لَمْ تقوموا له لكانت أخف وأيسر وقعاً على نفوسهم، لكنه شدَّد فقال ليس منا، تشديد هذا! أشد بكثير مما لو قال لِمَ لَمْ تقوموا له؟ هلا لقمتم له؟ ارحموا تُرحَموا، لكنه لم يقل هذا، قال ليس منا، كأنه يقول إذن اجهدوا بعد ذلك واعملوا، أي أعمالكم فالصو  Falso، كلام فارغ! أنتم أصحابي وتُصلون وتُجاهِدون وتحجون، وليس عندكم أدب، ليس عندكم توقير للكبار ولذوي الأسنان منكم، ذوو الأسنان الله يُوقِّرهم، ما رأيكم؟ إن الله يستحي أن يُعذِّب شيبة شابت في الإسلام، الله يستحي من هذا! لذلك احترموا الكبار، وقِّروا ذوي الأسنان، خاصة الذين نشأوا وأسنوا في طاعة الله تبارك وتعالى، علت أسنانهم في بيوت الله، في محاريب الله، مع صحائف كتاب الله! هؤلاء يُحترَمون، هؤلاء تُلتَمس بركاتهم وتُطلَب وتُنتجَع دعواتهم وتُطلَب حكمتهم وسداد رأيهم بلا شك، الله يستحي أن يُعذِّب شيبةً شابت في الإسلام.

وتلونا عليكم مرة الحديث الذي أخرجه الترمذي وغيره، إذا بلغ العبد – خمسين أو ستين أو سبعين أو ثمانين أو تسعين؟ – تسعين يُقال هذا عتيق الله في الأرض، الله يوم القيامة لا يُرصِد له لا حساباً ولا سؤالاً، يا فلان تفضَّل على الجنة مُباشَرةً، تفضَّل! فنسأل الله أن تطول أعمارنا وتعلو أسناننا في طاعة الله، خيركم مَن طال عمره وحسن عمله، إن الله إذا أحب عبداً عسله، قالوا ما عسله يا رسول الله؟ قال بسط له في العمر وهداه إلى حُسن العمل أو كما قال، الله إذا أحب عبداً فإنه يُعطيه عمراً ويُعطيه أعمالاً صالحاً، اللهم اجعلنا منهم، تعسيل! خيركم مَن طال عمره وحسن عمله.

المُهِم النبي لم يرتض هذا المسلك الردي، هذا المسلك الوبي، وقال ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويُوقِّر كبيرنا، ويُروى ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويُوقِّر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه، كما يُروى ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويعرف لكبيرنا شرفه، كما يُروى ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويُوقِّر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينهى عن المُنكَر، ليس منا! ليس منا مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، بالذات هذه الصفة يشهد لها كتاب الله، كيف؟ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ۩، ليس منا، من هذه الأمة إذن، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩، أول خصلة – وقدَّمها على الإيمان كأنها شارة على الإيمان، كأنها علم دال على الإيمان – الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، فقال تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۩، مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر حتى في أمثال هاته الشؤون والأمور آثم، حين تجد رجلاً يُخبِّب رجلاً على امرأته عليك أن تنهاه عن هذا المُنكَر وأن تأمره بضده الذي تعرف من المعروف، وكذلك الحال إذا رأيت رجلاً لا يحترم الكبار، يجلس ويضع رجلاً على رجل هكذا في وجه شيخ كبير، قلة أدب! يفعلها الغربيون وهذه قلة أدب، ليسوا حُجة علينا وليسوا قدوةً لنا وأُسىً، قلة أدب! الكبير كل ما يكسر خاطره ينبغي أن نتحاشاه، ينبغي أن يشعر الكبير أنه يُعامَل مُعامَلة تخصه، أضع رجلاً على رجل مع أصحابي وأندادي وأترابي، إن جاء كبير أنزلتها، لكي يشعر أن هذا كان احتراماً مني له، على الأقل لميزة كبر سنه، الآن أستشعر وأنا حزين جداً أن بعضاً منا – أنفاراً منا – لا يُربون ولا يُنشئون أولادهم – أبناءهم وبناتهم – على احترام هذه القيم، ترى صغيراً مفعوصاً – كما يُقال – لا يعرف كيف يُعامِل الكبير، قلة أدب يا أخي! هنا حتى في هذا المسجد تجد طفلاً صغيراً ينظر في الكبير هكذا! لا يذهب إليه لكي ليُصافِحه على الأقل، تنظر إلى ماذا أيها الطفل الذي يتلق حظه من الأدب؟ ما هذا؟ علينا أن نُعلِّمه الأدب، قل له كلما رأيت كبيراً أُهرَع إليه وصافحه، قل له كيف حالكم يا عم؟ هل أنتم بخير إن شاء الله، بارك الله فيكم، وخاطبه بلُغة الإجلال، قل له كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف حال حضرتكم؟ وهكذا! هذا من الدين، ليس منا – قال – مَن لم يُوقِّر كبيرنا، علينا أن نتعلَّم هذا، ومَن لم يتعلَّم توقير الكبار – الكبار أسناناً والكبار قدراً – آثم، والنبي علَّمنا أن نُوقِّر الكبار قدراً أكثر من توقيرنا للكبار أسناناً، وهناك جُملة أحاديث صحيحة في هذا، لذلك أكثر آراء العلماء على أن مَن أتى مجلساً لا ينبغي له أن يبدأ بالصغير، الأصل أن يُبدأ باليمين، أليس كذلك؟ هذا الأصل! لكن هذا إذا تساوت الرُتب، أما إذا كان فيهم مَن أعلى قدراً منهم أو أعلى سناً فالبداءة به، وعنه تُؤخَذ جهة اليمين، بعد ذلك يبدأ الترتيب، لا تبدأ بطفل صغير وتترك شيخاً كبيراً أو رجلاً فاضلاً من أولياء الله أو عالماً جليلاً لكي تبدأ بطفل ثم تقول لي هذا اليمين، ما أجهلك بالسُنة!

في الصحيحين – في البخاري ومُسلِم – حينما أوتيَ النبي بلبن أعطاه لأنس لكي يُعطيه للأشياخ الكبار أو للناس، فبدأ برجل فقال كبِّر كبِّر، النبي قال كبِّر، لا تبدأ مُباشَرةً باليمين، انظر أيهم أكبر قدراً فابدأ به، ثم وال بعد ذلك عن يمينه، هذا الأدب طبعاً، هذا هو فعلاً! لأن هذا يستحيل، الدين بالعقل، العقل التام، عقل الفطرة كما يُقال، عقل الفطرة، العقل القيّم، الكبير يستوحش – يشعر بالوحشة – من دين أو من سُنة تجعل البداءة بمَن هو أصغر منه، يحدث هذا باسم الدين، لكن الدين لا يأتي بهذا، الدين يأتي بالقيم، الدين يأتي بالمعروف، خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ۩، ما هو العُرف؟ الشيئ المعروف الذي يتعارفه الناس ذوي الأحلام الكاملة وذوي العقول النافذة التامة، لا ينبغي أن نأتي بقلة الأدب على أنها سُنة، فإن كانت قلة أدب فليست سُنة، إنما هي من سوء فهمنا في السُنة، الرجل الذي عنده نصف علم أو نصف عقل يفهم السُنة على هذا النحو، لكن هذه ليست السُنة يا أخي، ليست السُنة! إنما هو سوء الفهم في سُنة المُصطفى، أكبر مُؤدِّب وأكبر مُعلِّم وخير البشر، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، قال كبِّر كبِّر.

هذا أيضاً من الموارد التي ورد فيها أمثال هذا اللفظ الكريم: ليس منا! هناك ما هو أخطر، قال يا كعب بن عجرة – روى ابن حبان هذا، والحديث مُخرَّج في دواوين كثيرة، لكن حديث كعب في الصحيح، صحيح ابن حبان – أُعيذك من إمرة السُفهاء، إنه سيكون بعدي أمراء – يعني ظلمة، وهذا واضح طبعاً من السياق، يعني أمراء ظلمة، سفهاء! لقوله سُفهاء، قال أُعيذك، أي بالله، من إمرة السُفهاء، إنه سيكون بعدي أمراء – فمَن دخل عليهم فصدَّقهم – هنا قال على كذبهم، في أحاديث أُخرى قال فصدَّقهم بكذبهم، ولعلها أشبه – على كذبهم أو بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني، ولست منه، وليس يرد علىّ الحوض يوم القيامة، وفي حديث آخر ولن يرد علىّ الحوض يوم القيامة، الشأن خطير جداً الآن! لماذا؟ لأن الشأن الآن اشتد واحتبك، وأصبح يتعلَّق بماذا؟ بمصالح العموم، بمصالح الأمة عامة! هذا أمير أو سُلطان أو والٍ أو رئيس أو ملك أو مُتصرِّف كبير ظالم، كيف تُصدِّقه بكذبه؟ لماذا تحرق له البخاخير؟ لماذا تفرش له السجّاد الأحمر؟ هذه كنايات طبعاً! لماذا تُفهِمه أنه ما خُلِق قبله ولا بعده مثله وأنه مُستودَع الحكمة وأنه إذا قال فقد صدق؟ لماذا؟ لماذا تُفهِمه أن كل ما يُؤتاه وكل ما يأتيه إنما هو عن إلهام رباني ووحي سماوي؟ لماذا تقول له أنت – ما شاء الله – مُوفَّق؟ لماذا؟ لماذا هذا الكذب؟ لماذا تكون ذا وجهين وذا لسانين في قضية خطيرة مثل هذه؟ قال فمَن دخل عليهم، أي الدخول وحده ليس مُحرَّماً، بالعكس! ليس كذلك إن كان من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، لكن الآن الحديث عن الدخول وما يعقبه، قال فمَن دخل عليهم فصدَّقهم على كذبهم – في حديث آخر بكذبهم – وأعانهم على ظلم فليس مني، ولست منه، قال وليس يرد علىّ الحوض يوم القيامة، ومَن لم يُصدِّقهم على كذبهم – أو بكذبهم – ولم ينصرهم على ظلمهم فهو مني، وأنا منها، وسيرد علىّ الحوض يوم القيامة، كما قلنا هذه الخصلة – وخاصة إذا تعلَّق الأمر بأصحاب الأمر، أي بأولياء الأمر! وهي خصلة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر – أكثر خصلة يُمكِن أن تجعلك مُحمَّدياً من هذه الأمة المُوحِّدة المُسلِمة المُصطفوية أو تعزلك عنها، تنزع عن رأسك أو تضع عن رأسك تاج شرف الانتماء إلى هذه الأمة، الانتماء إليها شرف كبير! أن تكون من هذه الأمة شرف كبير، لكن هذا الشرف لا يكون بالدعوى ولا يكون بالزعم ولا يكون بالنية، كأن تقول أُحِب أن أكون منها، لكن هذا ليس على قد خاطرك، ليس على قد ما تُريد، لا! على قد ما شرع الله تبارك وتعالى، أي وفق ما شرع الله، لا وفق ما تتشهى وتتمنى.

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩، الآية عجيبة! يروى ابن جرير في تفسيره عن قتادة بن دعامة رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، قال كان عمر بن الخطاب – رضيَ الله عنه وأرضاه – في حجة حجها، فرأى من الناس رعةً، ما معنى رعة؟ سوء أدب وسوء هيئة، يتناقشون بطريقة سيئة، قلت يا فاروق الأمة رضيَ الله عنك وأرضاك، كيف لو بُعِث حياً ورأى الناس اليوم في الحج؟ الله أكبر! يقتل بعضهم بعضاً، ويدوس بعضهم بعضاً، ويضرب بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، شيئ عجيب! رأينا ما لا يسر الخاطر – ما لا يفرح به لا صاحب ويشمت به كل ناقم عدو والعياذ بالله، شيئ عجيب – من أمر هذه الأمة، قال ذهبوا يحجون، يا ليت المُطوِّفين الوعّاظ يُفهِّمونهم أن أمثالهم لعل لا حج لهم أصلاً، بل لعلهم يذهبون ويعودون بأوزار وأثقال من الذنوب، كفاء ما فعلوا مع إخوانهم ومع أهليهم ومع أمتهم والعياذ بالله، ما هذا؟ ما هذا الجهل؟ عمر رأى رعةً، ويبدو أنه سوء أدب وتهاوش بسيط في المشي وما إلى ذلك، يسير! هذا ما يُعطيه لفظ رعة، الأمر ليس مُنتظَماً، إذن هم كانوا مُنتظَمين، كانوا وقورين حليمين في مطافهم، في مسعاهم، في مقيلهم، في مُعرّسهم، في مجلسهم، وفي كل شيئ، كانوا على وقار وحلم وهدوء، كانوا ربانيين، رضوان الله تعالى عليهم، تَلاميذ محمد يا أخي! هل تظن أنهم مثلنا اليوم؟ لا، فعمر رأى هذه الرعة، فقام خطيباً مُباشَرةً، حز في نفسه وأقلقه هذا الأمر، فقال أيها الناس يقول الله تعالى كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩، الآية! مَن سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها، قال هذا ليس من شرط الله، هذه الرعة ليست من شرط الله، أنتم الآن لم تعودوا إذن بهذه الرعة وبهذه الفعلة على الأقل في نطاق هذا الموضوع أو هذه القضية من أمة خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩، لا! تراجعتم الآن، تنزَّلتم قال، انتبهوا! كيف يا أبا حفص لو رأيت أمة محمد اليوم يذبح بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً ويُكفِّر بعضها بعضاً ويغتال بعضها بعضاً ويكيد بعضها لبعضٍ حتى في بيوت الله وفي حرم الله وفي مساجد الله؟ ما رأيك؟ على جميع المُستويات، على مُستوى دول وممالك وحكومات، وعلى مُستوى جماعات وأحزاب وجمعيات ومساجد، الله أكبر يا أخي على هذه الحالة، الله أكبر! الله أكبر والله، أنا لا أدري كيف لا تتفتت أكباد مَن بيدهم الأمر مِن العلماء والأمراء على هذه الحالة لو كانوا يفقهون؟ لكن يبدو أن كثيراً منهم لا يفقهون والعياذ بالله، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ – الله يقول – فَرِحُونَ ۩، كيف يحزنون؟ هم فرحون أصلاً!

ولذلك اسمعوا إلى هذا الحديث الجليل الذي أخرجه أبو عوانة في مُستخرَجه، والحديث أصله في مُسلِم، يقول – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مَن قاتل تحت راية عمية – ما معنى عمية؟ العمية هو الأمر الذي لا يستبين وجهه، أنت غير فاهم لماذا بدأت بالقتال ولا تعرف إلى أين سيذهب بك هذا القتال، أنت غير مُدرِك إلى أين تنتهي بك هذه المسالك وإلى أين يُفضي بك والعياذ بالله هذا الفعل الخطير، القتال تحت راية عمية! لا يهمك هذا لأنها راية عمية، أنت في عمى من أمرك -، يُقاتِل للعصبية، وينصر للعصبية، ويغضب للعصبية، فميتته جاهلية، لن يموت مُوحِّداً، لن يموت مُحمَّدياً مُصطفوياً.

ولذلك من على هذا المنبر الشريف الكريم في هذا اليوم العظيم أُحذِّر نفسي وإخواني وأخواتي من العصبية الحديثة، من القبلية الحديثة! الآن ندر أن تسمع هذا من قبيلة كذا وهذا من قبيلة كذا، لكن يكثر أن تسمع هذا مصري وهذا سعودي وهذا تونسي وهذا ليبي وهذا فلسطيني وهذا خليجي، وهلم جرا! هذه هي العصبية الحديثة، هذه هي القبلية المُعاصِرة، فانتبهوا ودعوا هذا النتن، يقول فميتته جاهلية، قال ومَن خرج على أمتي – انتبهوا – يضرب برها وفاجرها ولا يحتشم مُؤمِنها – هذا حديث أبي عوانة في المُستخرَج، أما في مُسلِم ولا يتحاشى من برها، هنا قال ولا يحتشم مُؤمِنها – أو من مُؤمِنها – نفس الشيئ – ولا يفي لذي عهد – أي عهده كما صُرِّح به في صحيح مُسلِم – فليس مني أو قال – يقول الراوي – ليس من أمتي، ليس منا! القضية الآن خطيرة إذن، أصبحت خطيرة جداً.

ولذلك مرة أُخرى – هذا يعم ويخص، يعم الأمة في عمومها ويخص ذوي النُهى والعلم والذكر والألباب من هذه الأمة الذين لهم مقام ولهم كلمة ولهم قول يُسمَع – نقول علينا أن نتواصى بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر بالذات في هذه الشؤونات، في هذه الأمور بالذات! لأنها خطيرة جداً، ومَن فعل هذا فله شرف أن يكون أدنى من النبيين بدرجة، الله أكبر! له شرف أن يكون قريباً رُتبةً من رُتبة النبيين والمُرسَلين، أخذ هذا الإمام الحسن البِصري من قوله – عز من قائل – إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ۩، قال تقي الدين – الحسن البِصري – ففُهِم من الآية أن الأمّارين بالمعروف، النهّائين عن المُنكَر هم أدنى من الأنبياء درجة، أقل منهم بدرجة! أي هم قريبون جداً رُتبةً من رُتبة النبيين والمُرسَلين، مَن كان عنده طموح وشرف نفس وعلو ونفاذ عزم عليه أن يأخذ بهذا، عليه أن يبلغ بطموحه أن يكون قريباً من أنبياء الله تبارك وتعالى، بماذا؟ بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، لا بالأهوية والمُشتهيات والآراء والعنديات، لا! بشرع الله، غضب مَن غضب ورضيَ مَن رضيَ.

روى البيهقي في شُعب الإيمان عن عبد الله بن عباس، قال: قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مَن رأى منكم أمراً لله فيه مقال فليقل، ولا تمنعه خشية الناس أن يقول، انتبه! لا تقل أخجل، أخاف، سوف تزعل مني جماعتي أو حزبي أو أهلي أو أهل بلدي، كلام فارغ! كل هذا كلام فارغ، لا تقل هذا أخي من أبي وأمي أو هذا شقيقي، هذا كلام فارغ! قل ما يُرضي الله تبارك وتعالى، لأنك سيُقال لك يوم القيامة فالله أحق أن تخشاه، خفتهم وخشيتهم لكن الله أحق أن تخشاه، يقول – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عباس – هذا في الشُعب – فإنه لن يُقرِّب له أجلاً ولم – هكذا بصيغة لم الآن – يمنعه رزقاً هو له، فإنه لن يُقرِّب له أجلاً ولم يمنعه رزقاً هو له، قل بما يُرضي الله، قل بالحق، لن تموت قبل أوانك، ولم تُبخَس رزقك إن شاء الله تعالى، لا تقل سأُطرَد من العمل، يا أخي رزقك ليس عليهم، الله هو الرزّاق، حتى إن لم تقل ستُطرَد يا مسكين وعليك خساستها وإثمها ولن تظفر برحمتها وأجرها، قل وإن شاء الله لن يتأخَّر الرزق ولن يتقدَّم الأجل بإذن الله تعالى، هذا هو الصحيح.

أيها الإخوة:

للأسف أدركنا الوقت، ما أحببت أن أقوله – وبقيَ في الحديث بقية طويلة – هذه الأحاديث وأشكالها وأضرابها تُحمَل على هذا المعنى، ما هو؟ النبي – صلى الله عليه وسلم – حين جاء وحين ابتُعِث أراد ألا يُرسي دعائم دينٍ  فقط، إنما أراد أن يُرسِّخ بناء أمة، جماعة من الناس، أمة! وهذه الأمة لكي تكون أمة مِلية دينية مُتروحِنة لابد أن يكون لها طابعها العقدي، كل ما خالف هذا الطابع أو انتقص منه النبي عبَّر عنه بــ ليس منا، لأن هذا يُفسِد طابعنا العقدي، لذلك مَن لم يُؤمِن – مثلاً – بالقضاء والقدر ليس منا، كما هو في حديث عُبادة بن الصامت في أبي داود، قال سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول ليس منا مَن مات على غير هذا، ليس منا مَن مات وهو يعتقد أن الله لا يعلم كل شيئ ولم يُقدِّر ولم يكتب كل شيئ، قال ليس منا، هذا طابع عقدي! ليس منا مَن تطيَّر أو تُطيِّر له أو تكهَّن أو تُكهِّن له أو سَحَر أو سُحِر له، ليس منا! هذه الأمة لابد أن يكون لها طابعها العبادي، فمَن رغب عن سُنتي فليس مني.
هناك أحاديث كثيرة تُؤكِّد هذا الطابع العبادي، الأمة لابد أن يكون لها طابعها العلائقي، الممهور بماذا؟ بمهر الرحمة والتآزر والتكاتف والتضافر، هذا هو! هذا طابعها العلائقي، ليس منا مَن بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم، ليس منا! أين العلاقات؟ أين الرحمة؟ أين التكافل؟ مَن أصبح وأمسى ولم يهتم بأمر المُسلِمين فليس منهم، طابع علائقي!

للحديث بقية، لعلنا – إن شاء الله – نستبقيها إلى خُطبة قادمة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

اللهم إنا نسألك في هذا اليوم الكريم في هذا المقام الكريم ألا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا أطلقته، ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه.

اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، أصلِحنا وأصلِح بنا، واجعلنا إلهنا ومولانا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك ونضرع إليك أن تنصر الإسلام وأن تُعِز المُسلِمين وأن تُعلي بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم أصلِح ذات بين المُسلِمين، اللهم أصلِح ذات بين المُسلِمين، اللهم وحِّد صفوفهم واجمع كلمتهم على ما تُحِبه وترضاه يا كريم، يا رحيم، يا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.

______________

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله. 

(2/11/2007)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: