هناك مَن قال عدنان يترحَّم على هوكينغ Hawking، وأين مُحاضَراتك عن الإلحاد يا عدنان؟ وأين شجبك لإلحاد هوكينغ Hawking؟ لكن بالله عليك هل أنا أُعطي أيضاً فيزا Visa لهوكينغ Hawking لكي يُلحِد؟ لا، وما زلت أشجب إلحاده إلى اليوم، والذي قلته في شجب إلحاده أقوله إلى اليوم، وأنا أعلم ماذا قلت، وهو كلام دقيق، ودقيق جداً، هوكينغ Hawking عالم فذ، عالم استثنائي، لكنه ليس فيلسوفاً، أنا أعرف ماذا أقول، وليس لاهوتياً عظيماً، والعلم بحد ذاته يا إخواني - العلم كعلم هكذا، العلم المُجرَّد، أي الــ Mere science - لا يُثبِت وجود الله ولا ينفي وجود الله، هل تعرفون لماذا؟ لأن العلم ليس ميتافيزيقا، العلم لا يهتم بما وراء الطبيعة، إن كان يُؤمِن به أصلاً، العلم يهتم بعالم الشهادة فقط، ولذلك كل الحقائق العلمية يُمكِن أن تُستخدَم مُقدِّمات - أي Premises - في قياسات وفي استنتاجات - أي Reasonings - وفي استدلالات تُثبِت أشياء وربما تُثبِت نقائضها، بحسب ماذا؟ بحسب الفلسفة العلمية أو اللاهوتية أو الموقف الميتافيزيقي الذي يصدر عنه العالم.

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ۩ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ۩ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ۩ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۩ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

ما مصير مَن مات على غير الإسلام؟ ما مصير غير المُسلِمين هكذا بالجُملة، من يهود، ونصارى، وبوذيين، وطاويين، وكونفوشيوسيين، وملاحدة، ولا أدريين، ووثنيين؟ الأديان والمِلل كثيرة جداً، فما مصير مَن مات على غير دين محمد وشرعة محمد مِن البشر، مِن الآدميين؟

مسألة غدت في السنوات الأخيرة مطروحة بشدة، ترددها أو تواترها آخذ في الازدياد باستمرار في السنوات الأخيرة، وأيضاً مرة أُخرى هذا أمر طبيعي ومفهوم جداً في ظل التواصل غير المسبوق بين البشر، نحن في عصر النت Net، البشر يتواصلون، ولا يتواصلون بدنياً أو كفاحياً وجاهياً فقط، بل يتواصلون فكرياً، فلسفياً، جدلياً، نقاشياً، حجاجياً، وسجالياً، كل يوم! المُنتديات بعشرات الألوف، وهذه الجدالات والنقاشات بالملايين، بمُختلِف اللُغات – ليس طبعاً باللُغة العربية وحدها، لعلها أقل اللُغات حظاً في هذا الباب – حول العالم، فما مصير هؤلاء من المنظور القرآني؟

طبعاً هناك الذي يُحرِج شبابنا وشوابنا، أبناءنا وبناتنا، إخواننا وأخواتنا، يُحرِجهم كثيراً أنهم نشأوا ولُقِّنوا ما ظلت الأمة تُردِّده تقريباً عبر تاريخها الطويل، أن مَن مات على غير الإسلام مات كافراً، أياً كانت أو تكن مِلته أو نِحلته، مات كافراً! والقرآن صريح فصيح وواضح ولائح في أن مَن مات كافراً فعليه غضب من الله ولعنات، وهو من أهل جهنم خالداً فيها، وأن مَن مات مُشرِكاً فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ۩، والقرآن واضح الوضوح نفسه بمثل قوله – تبارك وتعالى – إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۩، ولذلك يُحرَج أبناؤنا وبناتنا، يُحرَجون حرجاً شديداً جداً، حين يُقال لهم وباستمرار – ما شاء الله – معنى هذا أن الله خلق هذه الخليقة وهؤلاء البشر الآدميين لكي يُعذِّب مُعظَمهم، لأن حتى مِن المُسلِمين مَن سيدخل جهنم، وعلى طريقة المُعتزِلة وطريقة الإباضية وطريقة مَن وافقهم كل مَن مات أيضاً وهو يجترم أو يحتقب الكبائر ولم يتب منها سيدخل جهنم خالداً فيها، هذا على طريقة المُعتزِلة والإباضية ومَن وافقهم، فكثيرون إذن من المُسلِمين سيدخلون جهنم خالدين فيها، هذا على طريقة المُسلِمين أنفسهم، أعني المذاهب التي ذكرتها، فهذا يعني أن مُعظَم الخلق في جهنم، أين رحمة الرحمن الرحيم؟ أين رحمة الرحيم الذي وسع كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ۩؟ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩، أين هذه الرحمة الواسعة؟ أين هذه الرحمانية الفيّاضة ومُعظَم هؤلاء الخلق سيصلون جهنم خالدين فيها، لأنهم ماتوا على غير دين الإسلام ومِلة التوحيد؟

كلام خطير جداً، وكما قلت لكم مُحرِج، المُشكِلة أن الأمر لم يعد ليقف عند حد الحرج والإحراج، الأمر تطرَّق وتمادى وتبيَّغ بمَن يُشارِك فيه إلى خروج أعداد وأعداد كبيرة من أبنائنا وبناتنا من الإسلام، ولا نقول هذا تهويلاً، بعض الناس يظن أن الأمر لعب وهزل، ويظن أني وأمثالي نُهوِّل، ليس تهويلاً، عليك فقط أن تدخل في هذه العوالم، لكي تعلم صدق أو تقف على ما صدق ما قلت وما أقول، أنفار وأعداد هائلة من أولادنا – أبنائنا وبناتنا – يخرجون من الإسلام، لماذا؟ لأنهم يجدون هذه الاعتراضات معقولة، يقولون لك يا أخي هذا كلام معقول، في نهاية المطاف هو معقول، خلقنا دون أن يُخيِّرنا، وبعد أن خلقنا سيسوق مُعظَمنا إلى جهنم خالدين فيها، تحطمنا إلى أبد الآبدين، شيئ لا يكاد يُصدَّق!

ولذلك يقولون يستحيل أن هذا الإله الذي يتحدَّث عنه أتباع محمد، يستحيل أنه هو الإله الحق، فربما أنكروا دين الإسلام وشرعة النبي والقرآن جُملةً، وربما أنكر بعضهم الله، وجود الله – تبارك وتعالى – أصلاً، داهية ومُصيبة كبيرة!

طبعاً هذا العرض وهذا الفهم الذي لُقِّناه وعُوِّدنا على ترداده ويصك مسامعنا ليل نهار كأنه من مُحكَمات الدين وكأن القضية قطعية وهي هكذا يتناقض من وجهة نظري وعلى طول الخط مع روح القرآن، وفعلاً يتناقض مع رحمانية الرحمن الرحيم، أكثر اسم تردد بعد اسم الله المُفرَد – لفظ الجلالة الله، لا إله إلا هو – الرحمن، ما رأيك؟ إذا احتسبنا البسملة آيةً من السور باستثناء طبعاً براءة أو التوبة فسنجد الآتي – تفضَّل – مع أن البسملة أيضاً في سورة النمل، لديك إذن مائة وأربع عشرة آية فيها بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن الرحيم! أما في تضاعيف القرآن – طبعاً بما فيها آية النمل – فتردَّد اسم الرحمن سبعاً وأربعين مرة، اقترن فيها باسم الرحيم في ستة مواضع، ولم يقترن بغير الرحيم، لا يُوجَد عزيز – مثلاً -، لا يُوجَد رحمن عزيز أو رحمن غفور، لا يُوجَد هذا، يُوجَد الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۩، يُوجَد الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ۩، وما إلى ذلك، لكن الرحمن لم يقترن إلا بالرحيم، وهذه طبعاً لها نُكتة وجهها ظاهر طبعاً لمَن تدبَّرها، لا إله إلا هو!

ولذلك ذهب كثيرٌ من المُحقِّقين وكثير من علماء السلف إلى أن الرحمة صفة للذات ضداً على ما ذهب إليه المُعتزِلة والأشاعرة، ضداً على مذهب الأشاعرة والمُعتزِلة ذهب كثيرون جداً من علماء السلف والخلف إلى أن الرحمة صفة للذات، من صفات ذات المولى، وليست من صفات أفعاله، الغضب من صفات أفعاله، الرحمة صفة قديمة، كالحياة، كالعلم، كالإرادة، كالقدرة، كالسمع، كالبصر، وكالكلام، أو السبع الصفات التي سماها السادة الأشاعرة صفات المعاني، واعتباراتها الصفات المعنوية، وكفَّروا مَن أنكر المعنوية، وبدَّعوا مَن أنكر المعاني، بالقياس الدقيق وبالنظر الحقيق بالقبول الرحمة صفة كهاته الصفات، وينبغي أن تُعَد من صفات المعاني، وهي صفة ذات، هي صفة ذات قديمة، صفة ذات قديمة كسائر صفات الذات، لا إله إلا الله، جميل! والقضية خلافية طبعاً، هذا مُهِم لكي نعلم أن القضية ليست إجماعية، كما قلنا هذا ضد مذهب الأشاعرة وضد مذهب المُعتزِلة، لكن عليه جماعة من المُحقِّقين، من مُحقِّقي السلف والخلف.

ولذلك قال الإمام عبد الكريم بن هوازن القُشيري في لطائف الإشارات – تفسيره الشهير -، قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩، علَّق التعذيب، علَّق العذاب، بماذا؟ بالمشيئة، فإن شاء عذَّب، وإن شاء رحم فلم يُعذِّب، أما الرحمة فلم يُعلِّقها بالمشيئة، قال الإمام القُشيري – قدَّس الله سره – لأنها صفة ذات قديمة، والقديم لا تتعلَّق به الإرادة، هكذا قال، على أنه قد يُورَد عليه بقوله يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ ۩، لكن على كل حال هذا رأي القُشيري – رحمة الله تعالى عليه – في لطائف الإشارات، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩، ولم يُعلِّقها.

الإشارة أيضاً إلى أنها صفة ذات بقوله – تبارك وتعالى – في الحج نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۩، قال أَنِّي أَنَا ۩، ثم قال وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ۩، صفة فعل، التعذيب صفة فعل، قد يُعذِّب وقد لا يُعذِّب، أما الرحمة فهي فيّاضة.

هل تُريدون أكثر وأبلغ وأبعد في تصوير مدى فيّاضية ومدى سعة هذه الرحمة والرحمانية من قوله – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث الذي نعرفه ونتحفَّظه جميعاً إن الله – تبارك وتعالى – جعل الرحمة مائة جُزء، فأرسل – وفي رواية فأنزل – في الأرض جُزءاً منها – من مائة جُزء -، فمن ذلك الجُزء تتراحم الخلائق؟ يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – حتى ترفع الفرس حافرها لئلا تطأ ولدها، شفقةً ورحمةً، من هذا الجُزء، الله أكبر! أي الآن البشر سبعة مليارات، هناك سبعة مليارات من البشر! في قلب كل كائن بشري نبع من الرحمة، باستثناء طبعاً قلة قليلة من هؤلاء المخلوقين لجهنم، المذروئين ليكونوا حطباً لجهنم، من القتلة ومن المُجرِمين الذين قد يقتلون أطفالهم وأولادهم، فضلاً عن أطفال الناس، ولا يطرف لهم جفن، هؤلاء أهل جهنم، حقيقون بها، وليس من العدل أن يُنعَّموا أو يُعفى عنهم، هؤلاء لعنة على أنفسهم وعلى مَن حولهم وعلى البشرية كلها، باستثناء هؤلاء وهي قلة منزورة جداً الناس تنطوي على رحمة عجيبة، على الأقل ينطوي الإنسان عليها لأهله وولده وذويه، رحمة غير طبيعية، الإنسان يفدي ولده بنفسه، من غير تردد، ومن غير تفكير.

إذن هناك سبعة مليارات، وماذا عن الأنواع الحيوانية؟ هناك عشرة ملايين نوع الآن، هذا الآن! الآن تعمر الأرض، وقيل لا، بل ثلاثون نوعاً، وقيل لا، بل مائة نوع، وأنا أحكي لك عن علماء الأحياء وعن علماء التصنيف، اختلفوا! منهم مَن قال الأنواع في حدود عشرة ملايين، وهذا الرقم تقريباً مُعظَم علماء التصنيف وعلماء الأحياء يُوافِقون عليهم، ومنهم مَن قال لا، بل هي في حدود ثلاثين مليوناً، ومنهم مَن بلغ بها المائة، مائة مليون! على أن هذه العشرة أو الثلاثون أو المائة المليون – مائة مليون نوع – تُساوي كم؟ الإنسان أو البشر – أي الــ Humans – نوع واحد، Species واحدة هذه، السبعة مليارات هؤلاء نوع واحد، انتبه! الخنافس – الــ Beetles – وحدها كم؟ ثلاثمائة ألف نوع، ثلاثمائة ألف تشكيلة من الخنافس وحدها، كل هذه المخلوقات أودع الله فيها رحمة، هذه الرحمة جُزء واحد، الله أكبر! علماً بأن هذا في الأرض، فإن كان – وهذا الذي يترجَّح، هذا الذي يترجَّح عقلاً ونظراً ونصاً حتى، هناك ما يشهد له – هناك كواكب أُخرى وحيوات أُخرى ومخلوقات أُخرى ومُبدَعات أُخرى فسيعني هذا أيضاً أن هناك رحمة لديهم، مع أن الحديث قال أرسل في الأرض، أنا لا أستبعد أن يكون كل ما في الوجود من رحمات هو من هذا الجُزء الواحد، جميل جداً! بقيَ كم؟ تسعة وتسعون جُزءاً، الله أكبر، هناك ملايين المخلوقات، وأنا لم أُكمِل جُملتي، قلت لك هذه العشرة أو الثلاثون أو المائة مليون نوع تُساوي كم؟ واحداً في الألف أو واحداً من الألف من الأنواع التي عمرت الأرض، أي الأرض هذه شهدت أنواعاً، وانقرضت هذه الأنواع، كثيرة جداً، بالمليارات! ولك أن تتخيَّل هذا، أي أنت عندك مائة مليون أو ثلاثون مليون أو عشرة ملايين، وهذه تساوي واحداً من الألف من الأنواع التي عمرت الأرض في يوم من الأيام، وكل هذه الأنواع كانت تتراحم بجُزء من رحمة الله، جُزء واحد من مائة جُزء، الله أكبر، انتبه، لابد أن نقف هنا قليلاً طبعاً، لأن مثل هذه الرحمة الواسعة جداً لا تُتخيَّل، لا يأت إلى واحد ضيق جداً لكي يقول عكس هذا، وأنا ضيق وأنت ضيق وكل واحد منا ضيق، هل تعرف لماذا؟ أرحم الرحماء من البشر وهو محمد – صلى الله عليه وسلم – ضيق، ضيق أن يستوعب هذه الرحمة، أضيق منها مليارات المرات، لذلك لم يكل الله حساب أمته ولا حساب أهل بيته ولا حساب صحبه وأتباعه إليه، قال له لا، أنت تُحاسَب وهم أيضاً يُحاسَبون، أنا أُحاسِب الكل، مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ۩، نحن نُحاسِبهم ونُحاسِبك أيضاً، لماذا؟ لأن طبعاً رحمة الله تسع أكثر بكثير مما يُمكِن أن تسع رحمة محمد وهو الرؤوف الرحيم، أرحم بكثير من محمد، فكيف لا تكون هذه الرحمة مُشكِلة غامضة؟ لابد أن تكون مُشكِلة، لابد أن تكون مُركَّبة ومُعقَّدة جداً جداً، فلا يأتني ضيق وضيق جداً واستناداً إلى عقله وفهمه الصغير المُتواضِع البسيط – وكلنا ذلكم الرجل – يقول لا يا أخي، المسألة ليست ضيقاً وسعةً، المسألة مسألة نصوص، لدي نصوص! أقول له اربع، اربع على ظلعك قليلاً، تواضع قليلاً، تواضع يا أخي أطال الله عمرك، أدرك ضيقك العلمي والنفسي في الأول قبل أن تندفع هكذا تتحكَّم في رحمة الله وتحكم على مُعظَم خلق الله أنهم في جهنم، وكأنك واثق أنك وأمثالك في أعلى فراديس الخُلد، بماذا؟ لست أدري، بماذا؟ بأنك تحمل عنواناً، أنني مُسلِم، لا إله إلا الله، مَن هو الإله الذي آمنت به؟ قل لي بأي معنى آمنت به؟ قل لي ما هي الصورة المُعتقَدية التي لديك عن هذا الإله – لا إله إلا هو -؟ قل لي بأي معنى تُؤمِن به وأنت تأكل الحقوق أحياناً، وأنت تغتاب بالحق وبالباطل والغيبة كلها باطل، وأنت تنم وتقطع الصلات، وأنت مُتوسِّع في الأهواء والشهوات التي حرَّمها الله، وأنت قاسٍ غليظ جشب عنيد أيضاً، وفيك كبر، وفيك غرور، وفيك عُجب، وفيك تيه، وفيك بأو، وفيك زهو؟ وقل لي بأي إله آمنت؟ ترفع عنواناً وتظن أنك تستحق بهذا العنوان الشيئ الكثير على الله، لذلك حذَّرك الله، وحذَّرك نبيه حين قال فيما صح عنه والذي نفسي بيده لن يُدخِل أحدكم الجنة عمله، وفي ألفاظ أُخرى وروايات أُخرى لن يَدخُل أحدكم الجنة بعمله، قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله برحمة منه، بالرحمة وليس بالعنوان، مُسلِّم مُوحِّد، وماذا بعد؟ تحت هذا العنوان افعل ما تشاء، والآخر المسكين لم يسمع بمحمد، وإن سمع به ربما سمع به مُشوَّهاً مقلوباً معكوساً منكوساً، وهو يرى أفعال بعض المُسلِمين – ما شاء الله – وفظائع بعض المُسلِمين، وأقول بعض حتى لا نظلم أنفسنا، نحن ضحايا أيضاً لهذه الفظاعات، المُسلِمون ضحايا أكثر من غيرهم بالمُناسَبة، أكثر من غيرهم! سمع أو لم يسمع، سمع به مُشوَّهاً أو لم يسمع أصلاً، لكنه طيب، رحيم، كريم، إنساني، ومُناضِل من أجل إخوانه في الإنسانية، ومُناضِل من أجلك ومن أجلي ومن أجل قضايانا في العراق وفي فلسطين وفي أفغانستان وفي كل مكان، لكنك تقول هذا كافر، إلى جهنم وبئس المصير، وهكذا عليه من الله اللعنات، ما شاء الله عليك، ما شاء الله عليك! وتُريد من الناس أن تُحِب هذا الدين وتُحِب هذا الإله وتُحِب هذا القرآن وتُحِب نبيك، أنت مغرور، ويبدو أنك إنسان غير مُهتَم أصلاً بأن الناس تُحِب الله أو تُبغِض الله، تُحِب محمداً أو تكره محمداً، وتُؤمِن بالله أو تكفر بالله، أنت واضح أنك غير مُهتَم، ولذلك تُلقي الكلام هكذا على عواهنه وباستخفاف، كأن المسألة مقطوعة لديك، ولا أدري كيف قطعت بها.

هذا جُزء من موضوع خُطبة اليوم إخواني وأخواتي، الموضوع طبعاً طويل بلا شك وعريض، على أنه في الحقيقة طفيف، لا أدري إلا هذا، تصوري أن المسألة طفيفة، أي خفيفة، مسألة طفيفة، هوَّلها الجهل، وهوَّلها الضيق والتعصب والقسوة والتقليد والآبائية، أي العلماء قالوا هذا والعلماء أجمعوا على هذا، صحيح للأسف الشديد! أنت تقول العلماء أجمعوا، وأنت يا أخي عندك كتاب الله، تأمَّل في كتاب الله، وقد يُفتَح عليك بما لم يُفتَح به على بعض مَن سبقك، وقد يُوجَد في الأسقاط ما لا يُوجَد في الأسفاط، وقد يتحصَّل عند المفضول ما ليس عند الفاضل، لماذا تجحد نعمة الله عليك؟ بيننا وبينك كتاب الله، اقرأ هذا الكتاب العزيز.

لو نظرنا في كتاب الله – تبارك وتعالى – أيها الإخوة والأخوات كما قلت لكم لوجدنا أن القرآن يُؤكِّد وعلى طول الخط أن الرحمة واسعة والرحمة فيّاضة، وأنه لا يُحرَم منها إلا مَن مات كافراً مُشرِكاً، سوف يقول لي أحدكم انتهى، أنت قطعت، لكن عليه أن ينتبه، مَن هو الكافر ومَن هو المُشرِك الذي قطع القرآن بمحروميته من رحمة الله ومن جنة الله؟ هل تعرفون مَن هو؟ قرآنياً ليس كل مَن هو غير مُسلِمين، هذا كلام فارغ، وقلت هذا أنا في خُطب، ربما في ألفين وأحد عشر عقدت خُطبة كاملة عن الموضوع هذا، هذا كلام فارغ، ولا أفرغ منها، وظالم! هذا كلام ظالم، تتنزَّه عنه رحمة الله وعدل الله وحكمة الله، أي بما أنه غير مُسلِم فهو في جهنم، وحتى لا تظن أن عدنان إبراهيم هو الذي أتى بهذه البدع وأتى بهذه التقاليع أنا سأنقل لك ما نقلته أيضاً غير مرة عن إمامنا وإمام المُسلِمين بل حُجة الله على عباده، الإمام أبي حامد الغزّالي – رضوان الله تعالى عليه -، الفقيه، الأصولي، العارف بالله، المُفسِّر، والنظّار.

الإمام الغزّالي باختصار وفي كتابه فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة – عودوا إليه، مطبوع عدة طبعات – يقول الآتي، يقول – رحمة الله تعالى عليه أوسع رحمة، أي هذا الإمام الجبل الجهبذ العارف، هذا عارف، عارف حقيقي، وعنده قلب عارف، وعنده رحمة عارف، ليس قسوة مقطوع من الله ومن رحمة الله وهو لا يدري المسكين، يقول الإمام الغزّالي الآتي، وتقريباً هذا كلامه بالحرف – مُعظَم النصارى فيما نأى من بلاد الترك والروم فيما أرى داخلون في رحمة الله، وهو يتحدَّث عن الأمم التي كانت لها علاقة بالأمة الإسلامية، علماً بأن كانت هناك علاقة عدوانية، علاقة حرب! يتحدَّث عن بلاد الروم، أي بيزنطة، عن البيزنطيين، (من يوم يومهم) عندهم مشاكل حتى مع الرسول طبعاً، وأرادوا غزو المدينة، هناك قصة طويلة مع بيزنطة هذه، هؤلاء الروم وهذه بيزنطة! قال مُعظَم النصارى في البلاد البعيدة من بلاد الروم والترك – قال في رأيي، في اجتهادي، في فهمي لدين الله، في فهمي للقرآن والسُنة – داخلون في رحمة الله، تشملهم رحمة الله، كيف يا إمام؟ أليسوا كفّاراً؟ أليسوا يموتون على الكفر؟ أليسوا كذا وكذا؟ هذا الغزّالي، هذا يفهم جيداً، ليس مُتعجِّلاً.

قال وهم عند التحقيق ثلاثة أصناف، يُمكِن أن تُصنِّفهم – قال – في ثلاثة أصناف، الصنف الأول منهم مَن لم يسمع أصلاً بمحمد ولا درى عنه شيئاً، لم يصله خبر هذا الدين، لم يصله له أبداً! قال هذا داخل في رحمة الله، من أين أتيت بها يا إمام الغزّالي؟ ألم يقل الله إنهم كفّار؟ هذا غير صحيح، الغزّالي أذكى من ان يتهوَّك هذا التهوك ويتورَّط هذه الورطة، كفّار ماذا؟ الكافر هو الذي ستر الحُجة والدليل، الكَفر لُغةً ما هو؟ كَفر الشيئ يَكفره كَفراً، الكَفر بالفتح هو الستر مُطلَقاً، تَكفر بَذرة في الأرض، أَعْجَبَ الْكُفَّارَ ۩، والكفّار هم الزرّاع، نفس الشيئ! الليل كما قلنا غير مرة يُسمى كافراً، لماذا؟ لأنه يستر ما يُظهِره النهار، أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمينَها في كافرِ، والذكاء هي الشمس، إلى آخره! هذا معروف، هذا الكَفر، الكَفر بالفتح هو الستر مُطلَقاً، والكُفر بالضم ستر النعمة خصوصاً، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً ۩، هذا كُفر نعمة وليس كُفراً بالله، ليسوا جحدوا وجود الله، كُفر نعمة! أليس كذلك؟ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ۩، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ۩، وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ۩، كُفر نعمة! الكُفر بالضم هو ستر النعمة خصوصاً، والكَفر بالفتح هو التسر عموماً، للنعمة وغير النعمة، ومن هنا اشتُق الكُفر الشرعي، لماذا؟ لأن الكافر عُرِضت عليه ماذا؟ الأدلة والبراهين والحُجج، وانقطع عُذره، وهذا مُهِم جداً جداً! وكما قلت عشرات المرات هذه عدالة الله، وهذه رحمة الله، لا يأتني واحد صعلوك من عُرض الناس لا يعرف كيف يقرأ آيتين على بعضهما ومن المُستحيل أن يُعرِب كلمة أصلاً في آية لكي يقول لي أنا والله ناقشت الفيلسوف الفلاني وألزمته الحُجة، ما شاء الله عليك، هنيئاً لنا بك يا أخي، هل ألزمته الحُجة؟ أنت أصلاً لا تعرف ما هي الحُجة، أنت لو قيل لك ما الفرق بين الدليل البرهاني والخطابي والجدلي لن تعرف أصلاً، أنت لا تعرف، لا تعرف ما هو الدليل، ما هي الحُجة، ما هو الاستقراء، ما هو الاستنباط، ما هو القياس، وما هو كذا وكذا، لا تعرف شيئاً، ثم تقول لي أنا ألزمته الحُجة، يا أخي دع هذا أطال الله عمرك.

ألا تُلاحِظ أن هناك فرقاً كبيراً جداً جداً بين مَن ذكرنا وبين الكافر الذي كفر بما أقام عليه من حُجج الله وبيّناته وآياته نبي مُرسَل، هذا نبي! نبي مبعوث، الأنبياء أذكى البشر، ويُفرِغون عن منطق ماذا؟ السماء، وهم مُؤيَّدون من السماء، وبعد ذلك هناك نظر من ناحية التداعيات السيكولوجية، هناك شيئ يُسمونه التداعيات السيكولوجية، أي شكله لا يُعجِبني، طوله لا يُعجِبني، لونه لا يُعجِبني، وطريقة حثه لا تُعجِبني، لكن الأنبياء مُنزَّهون عن هذا، وهم أجمل الناس، أجمل الناس فعلاً، كانوا قسيمين وسيمين، حتى الأصوات عندهم كانت جميلة، لا يُوجَد صوت لنبي هكذا يكون مُنفِّراً، ما رأيك؟ الصوت حتى حين يكون مُنفِّراً أنت تنفر، الإنسان ضعيف، سوف تقول لي هذه مُصيبة، نحن دخلنا هكذا في المُصيبة، هذه المُصيبة، ماذا عن معاذير الخلق؟ هناك المعاذير، أنت لا تتسع للمعاذير، إلا في حق نفسك، حين تغلط وتُخطئ أو ترتكب خطيئة تُصبِح – ما شاء الله – فيلسوفاً كبيراً، في ماذا؟ في اشتقاق المعاذير، تعتذر لنفسك، يا رجل اعتذر لخلق الله، لئلا يدخلوا جهنم ويخلدوا فيها بشيئ مما تعتذر به لنفسك على الأقل، ضيق، أنت ضيق! أنت ضيق وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۩، لا إله إلا هو، ورحمته واسعة.

هناك ما يضيق عنه عطننا وما تضيق عنه نفوسنا الضيقة، يا إخواني بالله العظيم اختبروا أنفسكم، كل واحد فينا ليختبر نفسه، ما الذي يحصل حين يتخفَّف الإنسان قليلاً من حسده وغيظه وضغنه أو ضغينته وكرهه وضعفه البشري وإرادة الثأر والانتقام وإرادة التميز والعلو وكل صور الضعف البشري؟ حين يتخفَّف من هذه ما الذي يحصل؟ يتسع أمامه وبين يديه جداً إعذار الخلائق، يُعذِر! وهذا عجيب، يُعذِر حتى أو يَعذُر حتى مَن أساء إليه ومَن تعدى عليه، يقول لعله المسكين كان مُحتاجاً لهذا الشيئ، لعله اضطُر إليه، ولعله كذا وكذا، لأنه أصبح واسعاً، ولذلك هؤلاء كبار، وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا كما قال الأول، أي الشاعر الجاهلي، هؤلاء الكبار، يقولون لكم هذا إنسان كبير، كبير! ليس لأن عنده فقط قوة التجاهل والإغضاء وما إلى ذلك، لا! الكبير يعذر، لأن عقله كبير، ونفسيته كبيرة، وهو بارئ مُتخفِّف من ماذا؟ من فواحش الحسد والغيظ والحقد والغيرة الأشياء السخيفة هذه، فحذاري حذاري أن تُحكِّم نفسك أو تُسوِّل لك نفسها أن تُحكِّمها في رحمة الله فتبدأ تقضي على هوى من نفسك في عباد الله، ظناً منك أنك تفهم عن الله مُراده في كلامه، لا! تواضع أكثر من هذا، هذا أحسن، ارجع ودع هذه المسألة لمَن يُحسِنها مِن الأولياء الكبار، مثل الإمام الغزّالي هذا، الغزّالي يفهم أن الكافر قرآنياً هو الذي كفر بعد أن قامت عليه الحُجة، سوف يقول لي أحدهم من أين أتيتم بها هذه؟ أتينا بها من القرآن الكريم نفسه، القرآن يقول وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ۩، لماذا؟ الرسول لماذا؟ هل سيقول لهم أنا الرسول ثم يمشي؟ هل سيقول لهم أنا الرسول ثم ينتهي الأمر؟ لا، رسول يسعى بين الناس، يسعى بين الناس بكمالاته ومحامده التي لا تُنفِّر ولا تكون فتنة للناس، كحال بعض المُسلِمين اليوم، بأفعالهم وفعالهم ومقالاتهم، لا! نبي هذا، ألين الناس، وأرحم الناس، وأطيب الناس عشرةً، وأكرم الناس خُلقاً، وأحسنهم ملفظاً ومنطقاً، هناك لين وجمال، وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا ۩، حتى الصحابة! قال له حتى أصحابك كانوا انفضوا عنك، هذه القسوة والغِلظة تُنفِّر حتى المُسلِمين يا رجل.

يا إخواني:

والله أنا قلبي مُمتلئ وعقلي فسامحوني، النبي يقول لمُعاذ يا مُعاذ أفتّان أنت يا مُعاذ؟ أفتّان أنت يا مُعاذ؟ أفتّان أنت يا مُعاذ؟ ثلاث مرات! لماذا؟ لماذا؟ ماذا فعل مُعاذ؟ فقط يُطيل الصلاة بالناس، والناس فيهم صاحب الحاجة، والشيخ الكبير، والأم عندها أطفالها وعندها مشاغلها، وما إلى ذلك، لماذا تُطيل؟ نسبه إلى الفتنة، نعته بالفتنة، أو أوشك، فكيف بالذي يأتي العظائم والفواحش والحرق والذبح والسلخ والتكفير ويقول الدنيا كلها في جهنم ونحن كذا ونحن كذا ويسب ويلعن؟ طبعاً انظروا إلىّ – أنا العبد الفقير الآن – بعد هذه الخُطبة، سترون السب الذي سينهال على أم رأسي، كما انهال من قبل، فقط لأنني أُحاوِل أن أعرض وجهة نظر أُخرى، وبطريقة علمية مُحترَمة رصينة، لا! ممنوع طبعاً، طبعاً هذه رحمتهم، الله أقطعهم هذه الرحمة، الرحمة الإلهية الله أقطعهم إياها، يتصرَّفون فيها كيف شاءوا وذلك بفهومهم، وهم يزعلون كثيراً، يا أخي سلِّموا الأمر على الأقل لله، قولوا لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۩، كونوا كالأنبياء واسعين قليلاً، قليلاً فقط وليس كالأنبياء تماماً، لأن الأنبياء واسعون جداً، إبراهيم – عليه السلام – ماذا قال؟ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ۩ رَبِّ إِنَّهُنَّ – عن الأصنام – أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۩، أي بمُجافاة الأصنام وعبادتها وتمحيض الله العبودية والتفريد، وبعد ذلك ماذا قال؟ وَمَنْ عَصَانِي ۩، وهذا يعني أنه ماذا؟ أنه ظل وأقام على عبادة الأصنام، فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، انظروا إلى هذا، هذا إبراهيم، لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ ۩، قال أَوَّاهٌ ۩، إبراهيم أواه، يبكي! يبكي قلب العارف، يبكي القلب الرقيق الشفيف حين يسمع حتى هذا النعت، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ۩، وتقرأون في التفاسير مَن هو الأواه؟ الأواه كثير التوجع والتفجع لما ينزل بالناس من مضرة، يقول لك آه، أواه، هو أواه، يبكي لما يحيق بالناس من عذابات ومرائر، إبراهيم أواه، لا يتمنى لهم جهنم.

خُطبة مثل هذه نُريد أن نرد بها عن ديننا وعن ربنا وعن قرآننا بالعلم وبالقسطاس المُستقيم – بإذن الله -، ولا تزال هذه كلها مُقدِّمات، هذه ليست أدلة، تخيَّل! ومع ذلك نستحق عليها اللعنات، يقولون كذا فيك وفي كذا، وسعَّر الله بك جهنم، ما شاء الله، انظر إلى هذا، انظر إلى الرحمة التي عندهم، رحمة كبيرة، ونحن نُصلي ونصوم ومن أهل لا إله إلا الله، ونسأل الله أن نحيا وأن نموت وأن نُبعَث عليها، ونقول هذا على منبر رسول الله، منبر المُسلِمين هذا، ليس منبر غير المُسلِمين، ومع ذلك يلعنونك ويلعنون مَن كذا وكذا، شيئ عجيب! ويُصدِّقون أنفسهم في أنهم يفهمون عن الله الرحمن الرحيم.

غير المُسلِم حين يرى هذا يقول لك أي رحمة؟ وأي رحمن رحيم؟ يا أخي خلوا عنا، اتركونا، افرحوا بدينكم، خلوه لكم هذا، كما قلت لك أبناء هذا الدين بدأوا يخرجون منه أفواجاً، بسبب هذه الفهوم السقيمة، الفهوم القاسية، الفهوم الغليظة والفاحشة – والعياذ بالله -.

عيسى – عليه السلام – عُبِد وأمه من دون الله، حاققه الله، استفصله، وساءله يوم القيامة، قال له أبداً! قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۩، إلى آخر الآيات، ثم قال إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩، يا الله! أيغفر لهم وقد أشركوا وعبدوا معه سواه؟ لا تُوجَد مُشكِلة، الأمر واسع – قال له – جداً، لأن الله عنده معاذير الخلائق، وهذا عيسى، فماذا عن المُنافِقين؟ المُنافِق هنا ليس المُنافِق الذي إذا حدَّث كذب ووعد أخلف واؤتُمن خان وعاهد غدر وخاصم فجر، لا! وإنما هو مُنافِق العقيدة، أي الزنديق، هذا هو الزنديق، أي في قلبه لا يُؤمِن، لا بإله ولا بنبوة، لا يُحلِّل ولا يُحرِّم، ويُظهِر الإيمان والإسلام ظاهراً، يُظهِر الإسلام ظاهراً وقلبه خلو من الإيمان، هذا ألعن من الكافر المُعلِن، أليس كذلك؟ هذا أسوأ حالاً وشر حالاً من الكافر المُعلِن، لأن الكافر المُعلِن نعلم حقيقته وحقيقة موقفه منا، أليس كذلك؟ لكن هذا – والعياذ بالله – مدسوس بيننا، يبغينا ماذا؟ يبغينا الدخل، يبغينا الخبال، يبغينا الفتنة، ويُرجِف فينا، والقرآن ذكرهم بكل هذه الأوصاف والنعوت، ويُرجِف فينا بما يُضعِف ويُوهِن حبلنا وصفنا، ومع ذلك النبي ظل يُحِب أن يستغفر لهم، القرآن صرَّح بكفرهم، كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، ومع ذلك النبي ظل يُحِب أن يستغفر لهم، يقول يا رب، هذا النبي، ليس أنت، ليس فقيهك، ليس شيخك، ليس شيخاً من شيوخ الفضائيات وفضائيات المُنتديات وأصحاب العلم الكبير القاسي، هذا النبي، والله يقول له الآتي، انظر إلى هذه الآية، فيها حتى تحبب وفيها نوع من إرخاء العنان كما يُقال، اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، قال له هؤلاء كفّار، والنبي كان يستغفر.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن أُبي – أُبي بن سلول – أنه لما مات حدث الآتي، وطبعاً الحديث هذا يرويه عمر، يرويه عمر! أنه لما مات عبد الله بن أُبي – والعياذ بالله – جاء ابنه عبد الله – أيضاً اسمه عبد الله، عبد الله بن عبد الله بن أُبي – إلى الرسول، جاء ابنه وهو صحابي كريم وجليل، واستهدى رسول الله قميصه، قال له أعطني القميص لكي أُكفِّن فيه أبي، انظر إلى هذا، انظر! انظر إلى الحنان، طبعاً هذا حنان البنوة، هذا يظل أباه، يظل أباه! يظل أباه ولا يتمنى له أن يصلى النار – والعياذ بالله – ويخلد فيها، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ۩، لأنهم كفّار وكذبة أيضاً، رأوا الآيات والبيّنات وكذبوا وخاتلوا وخادعوا، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ۩، فأعطاه النبي قميصه، قال له خُذه، خلع ثوبه وقال له كفِّنه، يا سلام! وهذا لم يُعجِب بعض الصحابة، لكن هذا النبي، رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، رحمته من رحمة الله، وكان يُحِب النبي أن يفتن في تصوير شيئ يدل على رحمة الله وعلى سعة رحمة الله، يُحِب هذا الكلام، وسوف نرى كيف، هناك أشياء كثيرة.

وبعد ذلك هناك ما هو أكثر، ليس هذا فحسب، وهو في البخاري، لم يكتف النبي بهذا، ولما غُسِّل وكُفِّن بجُبة رسول الله – بثوب رسول الله – تقدَّم رسول الله ليُصلي عليه، أي نُصلي عليه وندعو له بالمغفرة وما إلى ذلك، نقول غفر الله له وما إلى ذلك، لكن هذا كافر مُنافِق زنديق! ليس موضوعنا – قال – هذا، الأمر لله، الدعاء قُصاراه ما هو؟ طلب، أنت تطلب وتضرع، تسترفد المولى الحق، الرحمن الرحيم، فقط! قد يقول لك أحدهم لا، هذا كفر، مَن دعا لمَن مات على كفر فقد كفر أو تعرَّض للكفر! من أين يا أخي أنه تعرَّض للكفر؟ مسكين أنت، ها هو إبراهيم يقول فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩، أليس كذلك؟ وكذلك الحال مع موسى حتى بعد أن فعل قومه ما فعلوا وطلبوا أن يروا الله جهرة، لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ۩، قالوا لا نُصدِّق، كل الموضوع صار قيد الشك، حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ۩، أليس كذلك؟ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ۩، أليس كذلك؟ فقال له إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ۩ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۩، قال له تُبنا وما إلى ذلك، قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ۩، إلى آخر الآية التي تليها بعد ذلك، حتى موسى! هذا إبراهيم، وهذا عيسى، ومن قبله موسى، وهذا محمد.

فتقدَّم عمر، فأخذ بثوب رسول الله، وعند الترمذي رواية تقول فجذبه من ثوبه، قال يا رسول الله أخِّر أو تأخَّر أو أخِّر عنك، ألم تُنه عن الصلاة عليهم؟ فقال يا عمر إني خُيّرت فاخترت، قيل لي اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۩، ولو علمت أني لو استغفرت فوق السبعين غُفِر له لاستغفرت له، وفي رواية وسأزيد فوق السبعين، يا الله! قال له أنا محمد، أنا رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، أنا أُحِب أن الخلائق تدخل الجنة، لا أُحِب لأحد أن يدخل النار، هذا محمد! محمد الذي رُويَ عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – الآتي، وكانت هناك معركة، أي ذات معركة – إن جاز التعبير -، ذات معركة ويبدو أن الحرب وضعت أوزارها أو كانت جولى واستراح الناس، استراح الفريقان، فرأى النبي امرأةً مذهولةً أو ذاهلةً، عقلها ليس معها، أي المرأة، عزب عنها عقلها، تبحث هكذا بخوف، قلبها واجف وعيناها إلى السماء، صغيري صغيري، رضيعي، صغيري، كالمجنونة المسكينة! ولهى على ابنها الصغير، فالنبي تأمَّل فيها، وطبعاً قلبه يتوجَّع، هذا أكيد، النبي أواه حليم، يتوجَّع على المسكينة هذه، ولعله دعا لها الله أن تلقى ولدها، إذ أصابته، فأخذته، فضمته إلى صدرها، ألقمته ثديها، النبي قال أرأيتم هذه؟ أرأيتم هذه المرأة؟ أرأيتم هذا المشهد؟ قالوا نعم يا رسول الله، نعم رأيناه وتابعناه، تابعنا المشهد العجيب المُؤثِّر والحزين هذا، قال أرأيتم هذه المرأة قاذفةً ابنها في النار وهي تقدر ألا تفعل؟ أي الأمر بالخيار، هي مُخيَّرة، هل يُمكِن أن تختار أن تذهب وتحط ابنها في جهنم؟ أتُلقي به في النار هكذا؟ أترمي به في النار وتحرقه؟ قالوا كلا، أبداً يا رسول الله، كلا، قال فالله أرحم بعباده من هذه وولدها، النبي يُحاوِل أن يُصوِّر لنا، انتبهوا! الرحمة – قال – شيئ كبير، كبير جداً.

الأب وكثيرٌ منا آباء – بفضل الله عز وجل – يفهم هذا، ونسأل الله لمَن ليس مُتزوِّجاً وليس أباً بعد أن يصير أباً أو أماً، الأب والأم – الأب الحنون والأم الشفوق العطوف – يفهمان هذا، مهما كان الواحد منهما صارماً، مهما كان جاداً ومسؤولاً في قضية التربية، إذا أخطأ ابنه أو ابنته فإنه يتحيَّل، ويُريد شُبهة عُذر، ليرفع عنه ماذا؟ طائلة العقاب، أليس كذلك؟ هذا الأب، وكلنا نُجرِّب هذا، يقول لا، واضح أنه ضل، انتهى يا بُني، كل شيئ على ما يُرام، لكن لا تعد في هذا مرة ثانية، واضح أنك غلطت، أنت لا تعرف، أنت لا تقصد، لم يكن قصدك ما حصل، وما إلى ذلك، حنان! رب العالمين يفعل هذا؟ يفعل أكثر من هذا مليارات المرات، مليارات المرات! معذوريات العباد لا يعلمها إلا الله.

وبالمُناسَبة قد يقول لي أحدهم انتبه، لا تُدلِّس على الناس يا مُدلِّس، هؤلاء عندهم لسان طويل في السب والشتم، هكذا مُباشَرةً، ويُحاكِمون النوايا، قد يقول أحدهم لا تُدلِّس على الناس يا مُدلِّس، قال تعالى فَسَأَكْتُبُهَا ۩، لماذا لم تقرأ فَسَأَكْتُبُهَا ۩؟ الله لم يقل وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩ وسكت، قال وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ۩، إذن كما قال علماؤنا وساداتنا – رضيَ الله عنهم – الآية مخرجها عام، ومعناها خاص، أو ما يُعبَّر عنه بلسان علماء أصول الفقه عموم أُريد به خصوص، ليس عموماً مخصوصاً، لا! عموم أُريد به خصوص من أصله، هذا يُسمونه ماذا؟ مخرجه عام، ومعناه خاص، بمعنى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩ أي وسعت المُؤمِنين، لكنك ستقول لي واضح أن هذا الكلام ضعيف، وهذا بالنسبة لي شديد الضعف، شديد الوهاء، ما رأيك؟ ومما يشهد بضعفه ووهائه أن الله – تبارك وتعالى – قرن الرحمة الواسعة بالعلم الواسع، وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ۩، وبدأ بالرحمة، رَحْمَةً وَعِلْمًا ۩، فهناك سؤال بالله عليك، الآن هل هذا العلم الواسع مخرجه عام ومعناه خاص فنجد أن الله يعلم أشياء ويجهل أشياء – أستغفر الله، اللهم غفراً -؟ مُستحيل، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، لا في الأرض ولا في السماء، أليس كذلك؟ أبداً! وكذلك لا يخلو من رحمته مثقال ذرة، لا في الأرض ولا في السماء، بل الكون كله مُفاض مخلوق أثر من آثار رحمانيته، ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ۩، بعدما خلق السماوات والأرض ودبَّر الأمور واستوى على العرش قال الرَّحْمَٰنُ ۩، قال لك هذا الوجود كله فيض الرحمانية.

كما قال فلاسفتنا الإسلاميون من قديم، قالوا الوجود قطعاً خيرٌ من العدم، ولذا – هذا أول معاني الرحمة الواسعة – ما من موجود أوجده الله إلا ورحمه، وهذه أول الرحمات، ومن أكبرها، بماذا؟ بإيجاده، أخرجه من كتم العدم، إلى أنور الوجود، شعشعان الوجود! كيف لا تكون رحمة هذه؟ رحمة واسعة، لا إله إلا الله! فلذلك هذه الرحمة وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩، من إنس وجن، من بشر وحجر، من ملك وشيطان وإنسان، وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩ هذه الرحمة، قد يقول لي أحدكم فما معنى التفريع؟ قال فَسَأَكْتُبُهَا ۩، هذه بلُغة العلماء تفريع، الآن حدث تفريع، وهذا صحيح، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا ۩، وهنا الجمال، هنا الجمال في القرآن، الذي للأسف أخطأنا طريق التقاطه وفهمه وإدراكه، وواضح أن الآية كما قلنا مخرجها عام، ومعناها خاص، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩ تماماً كما وسع علمه كل شيئ، ولا يعزب عن علمه شيئ، ورحمته وسعت كل شيئ، أما هذا التفريع فهو تفريع على سعة الرحمة، فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۩، هذا التفريع يا إخواني جاء بثمابة – بل هو كذلك – ماذا؟ جاء بمثابة وعد وطمأنة للموصوفين وللمنعوتين بالنعوت المذكورة، أي المُتقين، الذين يُؤتون الزكاة، والذين يُؤمِنون بآيات الله، وبعد ذلك ماذا أيضاً؟ قيل هذا عطف عليهم، وقيل هذه لا تزال أيضاً تكملة للنعوت، الذين يُؤمِنون بالنبي الأُمي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، قال الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ۩، هذه طمأنة، هل تعرفون ما هو المعنى إذن؟ انظروا إلى الجمال الموجود في القرآن الكريم، كأن الله – تبارك وتعالى وهو أعلم وأحكم – قال بخصوص رحمتي هي تسع كل شيئ، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩، معناها لا يزال هناك طريق وصراط – لن أقول لكم هناك هامش، بل هناك طريق وصراط – وسيع ووسيع جداً لرحمة خلائقه، مَن أذنب ومَن أخطأ ومَن ضل، بحسب ما تقضي به الحكمة، بما أحاط به العلم.

قد يقول لي أحدهم ما معنى هذا الكلام؟ ما معنى تقضي به الحكمة وأحاط به العلم؟ ما هذا الكلام؟ أي ماذا تُريد أنت؟ لعلك تكون زنديقاً، يخافون للأسف، يخافون أن يتعلَّموا من المعاني الجميلة والعميقة، يقولون لعله يكون زنديقاً، زنديق! زنديق يدفع عن دينه وعن ربه، زنديق! أما مَن يضع الناس كلهم في جهنم فهو المُؤمِن التقي المُمتاز، هذا ما شاء الله عليه، لا! أنا أقول لك كما قلنا مرة أُخرى لابد أن تتخفَّف من ميكانيزماتك السيكولوجية التي تُريد بها محو أشياء وإثبات أشياء، واقرأ في علم النفس عن الميكانيزمات الدفاعية، أي الــ Defence Mechanisms كما يُسمونها، مثل الإسقاط ومثل الغيرة وما إلى ذلك، لابد أن تتخفَّف من كل هذه، ومن ثم تصير إنساناً واضحاً وبسيطاً وصريحاً وجميلاً ورحيماً، مرة أُخرى يتسع الفضاء أمامك وينداح، وينداح ربما إلى غير مدى أو إلى مدى واسع جداً، لمعذورية الخلائق، هل هذا واضح؟ فالآن ربك ورب الرحيمين ورب البشر أجمعين ورب الخلائق من عند آخرها أولى بهذه الرحمة – لا إله إلا هو – وأولى بهذا الإعذار، هو وحده – صدِّقني – مَن يعلم مدى معذوريتك، أكثر منك، ما رأيك؟ يا مسكين أنت ربما حدث لك شيئ حين كنت في بطن أمك، وهذا الكلام ليس من عندي، هذا الكلام الآن موجود في علم الــ Genetics وفي علوم أُخرى، علوم شبه صُلبة، أنت كنت جنيناً في بطن أمك، ولكون أمك مرت بظروف نفسية مُعيَّنة وتعاطت مواداً مُعيَّنة، حدثت استقلابات مُعيَّنة في بعض المسارات التي يُسمونها الحيوية في كيانك الغض الطري البسيط، أثَّرت على شخصيتك إلى اليوم، يا رب! قد تقول لي ما المُصيبة هذه؟ أي إن الأمر لا يتعلَّق فقط بالبيئة والتربية والتعليم، حتى وأنا جنين؟ حتى وأنت جنين، علمياً هناك أشياء تحدث لك وأنت جنين، انتهى! تحكم شيئاً في شخصيتك، ما رأيك؟ وكلنا نُلاحِظ هذا بصراحة، نُلاحِظه! أولادنا يُولَدون في نفس الأسرة وفي نفس الظروف تقريباً، لا يتغيَّر فيها شيئ حتى، علاقة الأب بالأم هي نفسها، وكذلك العلاقة المادية، لا يتغيَّر فيها شيئ أبداً! وقد يكون الفرق بين اثنين من أبنائنا سنة، ثم نجد أن هذا له شخصية وهذا له شخصية أُخرى، يُوجَد شيئ ما، تُوجَد قابليات، وتُوجَد أشياء، فضلاً عن تأثير البيئة وتأثير الظروف وتأثير أشياء كثيرة، وقلنا هذا حين تحدَّثنا عن الاستغلال الجنسي لأولادنا – لأولادنا الصغار للأسف الشديد -، وهذه المسألة لا تزال تتسع للأسف الشديد، مرة أُخرى هناك طفل اعتُديَ عليه وهو دون الثامنة من عمره أو في العاشرة أو في الثانية عشرة، اعتُديَ عليه من قريب له أو من أستاذ أو أو من جار أو من شيطان من شياطين البشر – لا كثَّر الله في البشر من أمثالهم -، فاختفلت شخصيته، أصبح شاذاً المسكين، أصبح هو مَن يعتدي، هذا ليس كآخر يعتدي دون أن يسبق أن اعتُديَ عليه، هذا عند الله حسابه شيئ وهذا حسابه شيئ، أليس كذلك؟ قد تقول لي لو فتحنا هذا الباب لن نستطيع بعد ذلك إلا بوحي من لدن الله أن نحكم، الله يُنزِّل جبريل هكذا علينا، ويقول نعم، انتبهوا، فلان في النار، وأنا أقول لك نعم، أنا مع هذه الوجهة والله، أنا مع هذه الوجهة، لا أستطيع أن أحكم لأي أحد بالجنة ولا لنفسي طبعاً – أعوذ بالله -، ولا أستطيع أن أحكم على أي أحد بعينه أنه في النار إلا بوحي، والوحي مُنقطِع – بفضل الله -، إلا أن يأتينا مُتنبئ كذّاب، الوحي انقطع مع رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -، آخر مَن أُوحيَ إليه من النبيين، هل هذا واضح يا إخواني؟

ولذلك لا نستطيع أن نقول فلان هذا مات كافراً أو مات مُلحِداً وهو في النار، ما أدراك؟ لا نعلم، الله أعلم – عز وجل -، قد يُدخِله النار، قد يُخلِّده فيها، وقد يغفر له، وقد يعذره ويُدخِلها الجنة، وقد يسبق حتى إلى الجنة بعض المُسلِمين، ستقول لي كيف؟ الله أعلم، هذا أمر الله، الله يُدخِل في حسابه كل العوامل، ما علمنا منها وهو قليل جداً جداً وما لم نعلم وهو كثير جداً جداً، بل وما لم يعلم صاحب الجناية كما قلنا قُبيل قليل، هناك أشياء تتعلَّق بالكيمياء، كيمياء الدماغ، كيمياء الجهاز العصبي، كهرباء الجهاز العصبي، والهرمونات، هناك أشياء حدثت معه وهو في الثانية أو في الثالثة أو في الأولى حتى – في الشهور الأولى – من عمره وهو لا يعلمها، لكن الله يعلمها، ويضعها في الموازين، وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۩.

ومنا هنا أعتقد الآن أنه بدأ يلوح لكم فهم الآية العظيمة من سورة الأعراف، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩، قال هي واسعة، أوسع مما تتخيَّلون، فَسَأَكْتُبُهَا ۩، قد يقول لي أحدكم هل يكتب الرحمة كلها؟ مُستحيل طبعاً، لا يُعرَف هذا في أساليب البيان العربي، لماذا؟ لأنه قال فَسَأَكْتُبُهَا ۩، والضمير المنصوب هنا – سأكتبهَا – يعود على ماذا؟ على رحمتي، أليس كذلك؟ ضمير جنس، وضمير الجنس في علم اللُغة العربية يُساوي في العموم المُعرَّف بلام الجنس، ولا يُعرَف في الاستعمال العربي أن مثل هذا العموم يُوهّب لفرد أو لأفراد، مُستحيل! وإنما ماذا؟ أفراد منه، صور منه، فَسَأَكْتُبُهَا ۩، أي فسأكتب فرداً من هذه الرحمة أو أفراداً من هذه الرحمة لمَن هذا نعتهم، وإلا رحمة الله وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩، إذن هذا واضح، الآية طمأنة، طمأنة ووعد لفريق مخصوصين، هم الموصوفون بالصفات المذكورة، أهلاً وسهلاً، جميل! هذا شيئ حلو جداً، وماذا عن غيرهم؟ وما معنى فَسَأَكْتُبُهَا ۩؟ ما معنى سأكتبها؟ معنى سأكتبها سأفرضها، أي هي حتم لازم، كتاب الله عليكم فرض، حتم لازم، كما قال عمر بن أبي ربيعة:

كُتِبَ القَتْلُ والقِتَالُ عَلَيْنَا                             وعلى الغانياتِ جرُّ الذيولِ.

أليس كذلك؟ يَا بِنْت عَمِّي كِتَاب اللَّه أَخْرَجَنِي، يقول الشاعر كِتَاب اللَّه أَخْرَجَنِي، ما معنى كتاب الله؟ قضاء الله وحتمه، القضاء الحتم اللازم اسمه ماذا؟ الكتاب، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ۩، أي فُرِض عليكم، حُتِّم عليكم، مفروض عليكم، هذا هو المعنى، فمعنى فَسَأَكْتُبُهَا ۩ سأفرضها، الله يُعطينا طمأنينة، يقول لا تشكوا يا مَن اتصفتم بهذه الصفات أن رحمتي ستنالكم، لكن مَن لم يتصفوا بهذه الصفات ماذا عنهم؟ يبقى أمرهم بيد المشيئة الإلهية، هل هذا واضح؟ بيد المشيئة الإلهية، على أن الأرجح في حق كثيرين أو الأكثرين من خلائق الله ماذا؟ أن الرحمة تسعهم، لما قام من أعذارهم عند الله – تبارك وتعالى -، التي لا يعلمها إلا الله.

ماذا قال الإمام الغزّالي عن نصارى الروم ونصارى الترك؟ في الخُطبة الثانية، ثم نمضي إلى صلاتنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

نأتي إلى تتمة كلام حُجة الإسلام الغزّالي – أعلى الله مقامه في دار التهاني -، قال والفريق الثاني أو الصنف الثاني منهم مَن سمع بمحمد، وسمع بأدلة محمد وحُجج محمد وبيّنات محمد، لكنه جحد وعاند وكابر، قال فهؤلاء هم الكفّار المُلحِدون، هؤلاء في جهنم، قال هذا الكافر، ليس الكافر غير المُسلِم، ليس هذا الكافر، علماً بأن هذه تجري على ألسنتنا كالماء ما شاء الله، يقول لكم أحدهم هؤلاء كفّار، هؤلاء هم الكفّار، ونقول له اتق الله في الناس، كفّار ماذا؟ هل عرضت على أحدهم الإسلام؟ هل عرف أحدهم الإسلام؟ هل أقمت على أحدهم الحُجة فكفر؟ لا تقل هذا عن الناس، قل غير المُسلِمين فقط، كُن مُتواضِعاً، كُن موضوعياً، قل غير المُسلِمين فقط، لا تُؤذ أحداً، أما الكافر فهو هذا، الذي قامت عليه الحُجة وانقطع عُذره، ولكنه ماذا؟ كابر وجحد وعند وركب رأسه، هذا كافر، أنا أقول معكم هذا كافر، علماً بأنه سيذهب إلى جهنم، إن مات على ذلك فسيذهب إلى جهنم بحسب ظاهر القرآن الكريم، هذا في الأصل، وقد يُعذَر بأعذار لا نعلمها، الله يعلمها، الله حُر مُختار فيه، لا إله إلا هو! نحن لا نتحكَّم في البشر، لكن نحن نقول الأحكام الإجمالية، إجمالاً مَن كان هذا حاله فهو من أهل النار، هل هذا واضح؟ لكن لا نفعل هذا تعييناً مع فلان وعلان، نقول الله أعلم، لا ندري، هل هذا واضح؟ حتى وإن مات على الكفر.

وماذا عن الفريق الثالث يا إمامنا؟ قال الفريق الثالث منهم سمعوا باسم محمد، ولم يسمعوا وصفه ونعته على الحقيقة، سمعوا أن هناك رجلاً عربياً، وهو مُتنبئ – أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله -، كذّاب، مُدّعٍ، مُتقوِّل على الله – وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ۩ -، زير نساء، قتّال، ذبّاح، يقتل وهو يضحك، قتل الألوف من الناس، هو ذبّاح، وهو كذا وكذا، يقول الغزّالي – الإمام الغزّالي – كلها بواطل هذه، كلها! النبي ليس هذا، النبي لم يعمل هذا، عن ماذا تتحدَّثون؟ هكذا هي الصورة، أوروبا هنا كانت تشيع هذا في القرون الوسطى، وهناك كُتب عن هذا، أنا عندي كُتب بالألمانية وبالإنجليزية طبعاً – بالإنجليزية كثيرة طبعاً، لكن بالألمانية هناك مُجلَّدة أو موسوعة – عن صورة محمد في الآداب الأوروبية الوسيطة، أي الــ Medieval literatures في أوروبا، شيئ فظيع! أكاذيب كلها، مُتراكِمة كثيفة، بعضها فوق بعض، كلها أكاذيب، والمُتديَّنون هم أكثر مَن كانوا وراءها، الكنيسة! كانوا يُضِلون الناس عن سبيل محمد، فموجود هذا من قديم، اليوم هناك الكثير من الناس هكذا بالمُناسَبة، حتى في مواقع التواصل الاجتماعي هذا كثير كثير كثير، هناك صور كلها باطلة وكذب على محمد، والله العظيم! يُقال إنه زير النساء، الذي فعل كذا، الذي عمل كذا، المُجرِم، والكذا، حاشاه، حاشاه، كذب، كله كذب هذا، محمد لم يكن كذلك، التاريخ الوثيق المُتواتِر يقول لم يكن هكذا، ولن يغرني أن تأتي لي بحديث من هنا، لا تهمني الأحاديث، هناك تواريخ مُتواتِرة، هناك شهادات حتى لغير المُسلِمين، من كبار رؤوس أهل الأديان الأُخرى، حكوا عن محمد وجيش محمد وأتباع محمد وأصحاب محمد وكيف كانوا، لم يكونوا كما تكذبون عليهم وعليه، صلى الله عليه ورضيَ الله عن أصحابه.

المُهِم فالغزّالي يقول لكم سمع بمحمد ولم يسمع وصفه الحقيقي، سمع أوصافاً ونعوتاً كاذبة، أنه كذا وكذا وكذا، قال فهؤلاء عندي بمنزلة الصنف الأول، ومشمولون برحمة الله، يا الله! يا إمامنا ما هذا؟ هذا أبو حامد الغزّالي، أبو حامد الغزّالي! هذا هو طبعاً، وهذه رحمة الله، ليس أنه سمع فقط بالإسلام، كيف سمع؟ علماً بأن الناس اليوم لا تسمع، الناس ترى، الناس ترى الناس وهي تُحرَق وتُذبَح باسم الدين، والله أكبر، وهناك رؤوس وشخت ونحت وذبح وغلظة وقسوة ومظاهر مُخيفة مُتجهِّمة، ويقولون لك هذا الإسلام، وسنأتيكم وسنفتح روما ونحرق أوروبا، ما هذا؟ ما الجنون هذا؟ ما هذا الهبل الذي أنتم فيه؟ تفتح ماذا؟ وتحرق ماذا يا أهبل؟ اذهب وابحث عن رزقك، أنت جائع، أنت عارٍ، أنت تعبان، أنت لا تعرف كيف تحكم نفسك، أتأتي وتُهدِّد لي العالم؟ ماذا قدَّمت للعالم أنت؟ قدَّمت لهم هذا السلخ والذبح والنفخ، وهم يُقدِّمون لنا الميكروفون Microphone هذا الذي أتكلَّم فيه، واليوتيوب YouTube الذي سأضع عليه الخُطبة هذه، والكاميرا Camera هذه التي تُسجِّل، والأنوار هذه، والتهوية التي نحن فيه، كل شيئ! كل شيئ نحن فيه هم الذين قدَّموه، وأنت أتيت تُريد أن تحرق وأن تذبح، لماذا؟ لماذا؟ لماذا ترى أنك مِن ذهب وأن الناس مِن خشب؟ مَن أنت إذن؟ مَن أنت؟ مَن أنت؟ مرة أُخرى سائل نفسك حين تُكاشِفها بإيمانك، أنت تُؤمِن بإله، بأي معنى أنت تتعاطى مع هذا الإله؟ ما هذا الإله عندك – لا إله إلا هو -؟ هل هذا واضح؟ اطرح على نفسك السؤال هذا.

الذين كفروا بالله من غربيين وغير غربيين قل عنهم لعل الله أو يُمكِن لله يوم الدينونة، يوم الحساب، ويوم الدين، أن يسألهم، تعالوا! تعال يا ستيف Steve، تعال يا فلان، تعال يا كذا، تعال يا ستيفن Stephen – أي ستيفن هوكينغ Stephen Hawking، دعنا نأتي بستيفن Stephen أيضاً -، تعال يا هوكينغ Hawking، تعال! أنت كفرت بالله، بالإله، الإله الذي كفرت به ما هو؟ سوف يقول له يا ربي أنا الذي عُلِّمته وأنا صغير أن الإله أقنوم في ثالوث، وهذا الأقنوم الذي اسمه Jesus أو Christ – عليه السلام – ارتُكِبت باسمه مذابح مُروِّعة عبر التاريخ، كانت هناك مجازر، حروب صليبية، قتل لأناس وثنيين، تنصير لشعوب وثنية، تم ذبح الناس في العالم الجديد، تم ذبح الناس في العالم الجديد كالهنود الحمر المساكين، الذين تم ذبح الملايين منهم باسم عيسى وباسم الإنجيل، ثم قالوا هذا الرب، ورأيت رجال هذا الدين يعيشون في أكوام من الذهب، صُلبانهم من ذهب، بيوت العبادة من ذهب – كان طبعاً أكثر ما يُوجَد هو الذهب، ما شاء الله، الذهب الكثير -، سوف يقول له أنا كنت عالماً وعالماً كبيراً، أنا كان عندي مُخ كبير وأنت أعطيتني الموهبة هذه، أنا كنت أستاذاً، وكان عندي Lucasian Chair – أي كان عندي الكرسي الخاص بلوكاس Lucas هذا، الــ Lucasian Chair، أي الكرسي اللوكاسي هذا -، كنت أنا أستاذاً فيه بعد نيوتن Newton وبعد أيزيك بارو Isaac Barrow وبعد بول ديراك Paul Dirac وهو أحد أعمدة ميكانيكا الكم وبعد تشارلز بابيج Charles Babbage، هؤلاء عباقرة في العلم في بريطانيا، أنا جئت وجلست هنا، هذا الكرسي جلس عليه عدد محدود جداً جداً، وأنا واحد منهم، لم أكن إنساناً عادياً، أنت أعطتني موهبة رياضية هائلة، هائلة وكبيرة! كان عندي عقل علمي جبّار، ولم يُعجِبني هذا الشيئ، فكفرت بهذا الإله.

سوف يقول له الله – ربما، هذا ربما، لا نفتري على الله – لست أنا، هذا الإله الذي كفرت به لست أنا، لم أكن أنا، وحق أنك كفرت به، لكن ماذا لو علمت يا ستيفن Stephen بحقيقة الأمر؟ بماذا كنت تُؤمِن يا ستيفن Stephen؟ وسوف يقول له يا رب أنا آمنت بالإنسانية، أنا وقد عذَّبتني وامتحنتني – الآن آمنت بك وعلمت أن هذا امتحان وابتلاء – بمرض التصلب الجانبي هذا عبر أكثر من خمسين سنة، مرت خمس وخمسون سنة وأنا أعيش العذاب المُستمِر هذا، الذي كان يتبيغ ويتمادى بي باستمرار، حتى شُلت كل أعصابي وكل عضلاتي، لم أعد أستطيع حتى أن أنبس بربع كلمة، ومع ذلك آمنت بوحدة الجنس البشري يا الله، أنا إنجليزي، قومي، وحكوماتي السابقة هي التي أقامت إسرائيل – دولة العدوان – وسرقت أرض شعب وحقوق شعب، لكنني حين عرفت مظلومية هذا الشعب نصرتهم في أكثر من واقعة وفي أكثر من مرة، آمنت بالحقيقة يا رب، وآمنت بالعدالة، وصُبت على رأسي صنوف المسبات، أقلها أنني مُعادٍ للسامية وأنني… وأنني… قيل إنني ناكر للجميل – وطبعاً مَن يُتابِع يعرف هذا – بعد حرب ألفين وثمانية وألفين وتسعة يا رب – سوف يقول له هذا -، وذلك في السابع والعشرين من ديسمبر والثامن عشر من يناير في ألفين وثمانية وألفين وتسعة، الحرب التي أُحرِقت بها غزة وأهل غزة ظلماً وعدواناً بالفوسفور الأبيض، سوف يقول أنا خرجت يا رب وصرَّحت، ورفضت الذي يحصل في غزة، وقلت ضرب أهل غزة بهذه الطريقة البشعة لا يتناسب بالمرة مع إطلاقهم الصواريخ، إن ما يحدث في غزة لا يُمكِن أن يستمر، وهو يُشبِه إلى حد بعيد ما كان يحدث في جنوب إفريقيا قبل ألف وتسعمائة وتسعين، قلت هذا وأغضبتهم يا رب، في حين أن كثيراً من المُسلِمين يا رب – من أتباع محمد وهو النبي الحق – كانوا يُبيِّضون سواد إسرائيل، ويُدافِعون عنها، وعلى الأقل يغضون الطرف، ويلومون الضحية، أنا لم أفعل.

أنا في ألفين وثلاثة عشر يارب دُعيت إلى مُؤتمَر أكاديمي عالمي في إسرائيل، يستضيفه شيمون بيريز Shimon Peres – رئيس الدولة آنذاك -، وُجِّهت لي دعوة على أعلى مُستوى، وبعد مُداولات مع زملائي الأكاديميين الفلسطينيين من جماعة المُقاطَعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات – أي الــ BDS – اقتنعت بوجهتهم، وأرسلت رسالة إلى بيريز Peres ودولته، أعتذر فيها، وذكرت سبباً من بين أسباب لاعتذاري، أن مُعامَلة الحكومة الإسرائيلية للفلسطينيين غير لائقة وغير مقبولة، مُعامَلة ظالمة، ينبغي أن تتوقَّف، وإن استمر الوضع على ما هو عليه فسيُفضي إلى كارثة، قلت هذا وأغضبتهم يا رب، الله!

سوف يقول يا رب حين كنت شاباً صغيراً كنت عضواً نشطاً في حركة ضد الحرب في فيتنام، ووصفت قبائح وجرائم الأمريكان في فيتنام بأنها جرائم حرب، تماماً كما وصفت يا رب – سوف يقول له – الحرب على العراق وغزو العراق الذي دمَّر العراق – العراق مُدمَّر الآن تقريباً، نسأل الله أن يُنعِشه وأن يبنيه من جديد – بأنه جريمة حرب، وأن هذا الغزو تأسَّس على كذبتين – أنا أحكي لكم ماذا هوكينغ Hawking قال بالضبط – كُبريين، كذبة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وكذبة أن الحكومة العراقية لها ارتباط بالقاعدة وابن لادن، قلت ما حدث في العراق جريمة حرب.

يا رب أنا قضيت حياتي وأنا أُناهِض الأسلحة الكيميائية والأسلحة النووية، وخضت معارك في هذا السبيل، يا ربي أنا كنت مهووساً ومهجوساً ومهموماً بمُستقبَل الجنس البشري، إزاء حتى التقدم العلمي والتقني وما يحدث، يا ربي أنا لم أُسئ إلى أي أحد، لم أسب حتى أحداً، لم أُؤذ أحداً، لم أقتل ذبابة، أنا حاولت أن أفهم كيف خلقت هذا الكون؟ ضللت في آخر حياتي، وظننت أن الكون خلق نفسه من نفسه، إن كنت تعلم أنني فعلت هذا جحداً وكبراً وعناداً لك فأنت تتصرَّف في بعد ذلك، وكذلك الأمر لك إن كنت تعلم أن عقلي المُشوَّش هو الذي قادني إلى هذا الاستنتاج الباطل لأنني لم أكن فيلسوفاً.

وبالمُناسَبة هناك مَن قال عدنان يترحَّم على هوكينغ Hawking، وأين مُحاضَراتك عن الإلحاد يا عدنان؟ وأين شجبك لإلحاد هوكينغ Hawking؟ لكن بالله عليك هل أنا أُعطي أيضاً فيزا Visa لهوكينغ Hawking لكي يُلحِد؟ لا، وما زلت أشجب إلحاده إلى اليوم، والذي قلته في شجب إلحاده أقوله إلى اليوم، وأنا أعلم ماذا قلت، وهو كلام دقيق، ودقيق جداً، هوكينغ Hawking عالم فذ، عالم استثنائي، لكنه ليس فيلسوفاً، أنا أعرف ماذا أقول، وليس لاهوتياً عظيماً، والعلم بحد ذاته يا إخواني – العلم كعلم هكذا، العلم المُجرَّد، أي الــ Mere science – لا يُثبِت وجود الله ولا ينفي وجود الله، هل تعرفون لماذا؟ لأن العلم ليس ميتافيزيقا، العلم لا يهتم بما وراء الطبيعة، إن كان يُؤمِن به أصلاً، العلم يهتم بعالم الشهادة فقط، ولذلك كل الحقائق العلمية يُمكِن أن تُستخدَم مُقدِّمات – أي Premises – في قياسات وفي استنتاجات – أي Reasonings – وفي استدلالات تُثبِت أشياء وربما تُثبِت نقائضها، بحسب ماذا؟ بحسب الفلسفة العلمية أو اللاهوتية أو الموقف الميتافيزيقي الذي يصدر عنه العالم.

قلت لكم في وقت قريب – وأختم بهذه الجُملة، أطلت عليكم – بل في وقت قريب جداً قبل أسابيع الآتي، محمد عبد السلام – رحمة الله على روحه، العالم الباكستاني المُسلِم الكبير، عالم الفيزياء النظرية العالمي – اشتغل مع ستيفن واينبرج Steven Weinberg وثالث على موضوع مُتخصِّص جداً في الفيزياء، هل هذا واضح؟ له علاقة بالتوحيدية، توحيد القوى، وأخذوا ثلاثتهم نوبل Nobel عليه، محمد عبد السلام مُؤمِن، وثيق الإيمان، عميق الإيمان – رحمة الله عليه -، ستيفن واينبرج Steven Weinberg مُلحِد صلب، ولا يزال مُلحِداً، عبد السلام تُوفيَ إلى رحمة الله، ونسأل الله الهداية وصلاح الحال لستيفن واينبرج Steven Weinberg – إن شاء الله -، وأن يُختَم له بالسعادة، أن يُومِن وأن يُوحِّد الله، واشتغلوا على نفس الموضوع، هذا مُؤمِن وهذا مُلحِد، ليس لها علاقة!

تُفكِّر في السير جيمس جينز Sir James Jeans – الرياضياتي والفلكي والفيزيائي الأمريكي الكبير – فتجد أنه مُؤمِن، تُفكِّر في آرثر إدنغتون Arthur Eddington فتجد أنه مُؤمِن، تُفكِّر في ألبرت أينشتاين Albert Einstein فتجد أنه مُؤمِن، وكلهم رجال علم ورياضة – أي رياضيات -، لكن جيمس جينز James Jeans له فلسفة علمية، وهذا موضوع واسع، أوسع من العلم بكثير، دخلنا الآن في الفلسفة العلمية، ينظر إلى القضايا العلمية من خلال زاوية هذه الفلسفة، ما فلسفته؟ مثالية أفلاطونية – نسبة إلى أفلاطون Plato -، آرثر إدنغتون Arthur Eddington ينطبق عليه نفس الشيئ، هو عالم، يتشارك مع إخوانه العلماء المُؤمِنين والملاحدة الحقائق العلمية ذاتها، لكنه ينظر إلى هذه الحقائق من زاوية فلسفة تختلف عن فلسفة مَن؟ السير جيمس جينز Sir James Jeans، وهي فلسفة مثالية ذاتية، ألبرت أينشتاين Albert Einstein فيزيائي أيضاً، عالم، ومُؤمِن، وله فلسفة، هي فلسفة نقدية كانطية – نسبة إلى كانط Kant -، برنال Bernal مُلحِد، وعالم، وله فلسفة مادية ديالكتيكية – أي جدلية -، وهكذا! هكذا يجب أن نفهم، وهذا يعني أننا لا نُلحِد حين يُلحِد عالم ما ولا نقول إن العلم ألحد، العلم لا يُلحِد، دعوا هذا الهبل، هذا اسمه هبل، وأقول هذا لإخواننا الملاحدة، هذه رسالة استهبالية لإخواننا الملاحدة، نتحبَّب إليهم، دعوا عنكم هذا الهبل ولا تتحدَّثوا عن أشياء أنتم لا تفهمونها، لا تقولوا لي العلم ألحد، العلم لا يُلحِد، لا يُلحِد ولا يُؤمِن، مَن الذي يُلحِد؟ ومَن الذي يُؤمِن؟ العالم، وفقاً لماذا؟ ليس للعلم، وفقاً لاستدلالات واستنتاجات وفلسفات تستعين بماذا؟ بحقائق العلم، القضية بكل بساطة هي هكذا.

نحن نقول الآتي عن ستيفن هوكينغ Stephen Hawking، ونسأل الله له الرحمة مرة أُخرى، هذا الرجل الطيب الإنساني لم يكن فيلسوفاً، لم يكن لاهوتياً، كان فيلسوفاً ضعيفاً جداً جداً جداً، بقدر ما كان ماذا؟ بقدر ما كان عالماً فاذاً، وهذا ليس عيباً، هذا لا يعيبه، هذه تخصصات، لكن ما هو العيب بصراحة؟ العيب هو الآتي، ويا ليته ما فعله، علماً بأن هذا ليس كلامي، هذا كلام كُتِب قبل أسبوع، كتبه علماء كبار في بعض المجلات المرجعية العلمية، قالوا هناك أشياء مُعيَّنة كنا نتمنى ألا يعملها ستيفن هوكينغ Stephen Hawking، وذكروا أربعة أشياء، هل تعرفون ما هو رابعها؟ قالوا الشيئ الرابع هو هذا، أنه أدخل نفسه في أشياء ليست من تخصصه ولا تندرج تحت شغله، أدخل فيها العلم، أدخل العلم في أشياء ليس له علاقة بها، الله موجود أو غير موجود؟ هذه قضايا ميتافيزقية فلسفية، لا تُدخِل فيها العلم يا هوكينغ Hawking، تكلَّم عن العلم البحت وفقط، لكن هو لم يعمل هذا، عمل مثل دوكنز Dawkins، أدخل العلم في الدين في الأيديولوجيا، وأدخلهم في أشياء أُخرى، فعمل سلطة كبيرة، قالوا هذا غلط منه، ويا ليته ما عمل هذا، لأن هذا حتى يُسيء إلى العالم، انتبهوا! في الأدبيات العلمية الغربية هذا يُسيء إلى العالم.

فأنا أقول إنه لم يكن فيلسوفاً، وهذا لا يُسيء إليه ولا يغض من مكانته، أي هذا الرجل الكبير، كما لم يُغَض من مكانة أرسطو Aristotle، وأين عقل هوكينغ Hawking من عقل أرسطو Aristotle – أرسطو طاليس -؟ أرسطو Aristotle آية من آيات الله، هذا أرسطو Aristotle الجبّار، صاحب العقل الجبّار، ماذا لو عاش هذا في القرن الحادي والعشرين؟ لو عاش فيه لأحرق الدنيا بذكائه، تخيَّل أن هذا كان يعيش قبل ألفي سنة، وكل هذا العلم والفلسفة والفكر أنتجه عقل واحد، مُذهِل! مُذهِل إلى حد فعلاً غير طبيعي، أرسطو Aristotle كان مُؤمِناً بالله وبوجود الله، أرسطو Aristotle كان فيلسوفاً عظيماً جداً، وفيزيائياً مُتواضِعاً جداً، لأن الفيزياء في تلك الأيام لم تكن مُتقدِّمة، كانت عملية تأملية، فقالوا لك لا يُضارِع فلسفة أرسطو Aristotle في عظمتها إلا حقارة فيزياء أرسطو Aristotle في وضاعتها، وضيعة ومُتواضِعة ومسكينة، ونحن نقول نفس الشيئ بصراحة من غير أن نغض من أرسطو Aristotle ومن غير أن نغض من هوكينغ Hawking، وأين نحن من أرسطو Aristotle؟ وأين نحن من هوكينغ Hawking؟ نحن لا شيئ، ما نحن بالقياس إليهم إلاّ كبَقْلٍ في أُصولِ نَخْلٍ طُوالٍ، لكن هوكينغ Hawking عالم فذ وفيلسوف مُتواضِع جداً، ويا ليته ترك هذه المسألة لأُناس آخرين يُحسِنونها، عُذره عند الله تبارك وتعالى – إن كان معذوراً -، أمره إلى الله، نحن لا نتألى على الله، لا نحلف، لا نجزم، ولا نُؤكِّد، نحن نضرع إلى الله، ونسأله الله له الرحمة، لهذا الإنسان الطيب، الذي نصر قضايانا، ونصر الإنسانية، وخدمنا، وقرَّب العلم إلينا وإلى أولادنا، وأمتعنا بكُتبه أيضاً ودراساته الجميلة التي وُزِّع منها ملايين النُسخ عبر العالم بأكثر من أربعين لُغة، أمره يبقى إلى الله، ونضرع إلى الله أن يغفر له، والله وحده هو الأعلم والأحكم إن كان من أهل المغفرة والرحمة أو ليس من أهلها، بما علمه الله، لكن لو قلنا – ولكم ولغيركم أن يُنكِروا هذا علينا بل أن يقمعونا قمعاً ويصكونا صكاً – ستيفن هوكينغ Stephen Hawking في الجنة حتماً وستيفن هوكينغ Stephen Hawking كذا وكذا، لكنا كذبنا على الله، وافترينا وافتأتنا على الله، وليسألنا الله يوم القيامة آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ۩؟ وأين مقام التقرير والإخبار والجزم من مقام الدعاء والطلب؟ مرة أُخرى وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

اللهم اغفر لي ولإخواني ولسائر مَن قام عُذرهم لديك يا رب العالمين أوسع مغفرة، وأدخِلنا في رحمتك، إنك أنت الغفور الرحيم، البر الكريم، لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً.

اللهم لا تفتنا في أنفسنا، ولا تجعلنا فاتنين ولا مفتونين، نعوذ بالله من الحور بعد الكور، ونسألك رحمةً وسعةً، تهدي بها أمورنا، وتلم بها شعثنا، وترد بها غائبنا، وتحفظ بها شاهدنا، وتُزكي بها عملنا، وتُبيِّض بها وجوهنا ونواصينا يا رب العالمين، وتمهد لنا بها طريقاً واسعاً قصيراً مُوجزاً إلى جنتك ورحمتك برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا  (23/3/2018)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقان 2

اترك رد

  • السلام عليكم يا دكتور عدنان إبراهيم , إني واحد من محبيك في الله ومتتبعيك ,وعندي نصيحة لك بشأن الكرامات التي تحدث لك كما قلت بالمئين وأنا من المصدقين لما تقول لا من الحاسدين الحاقدين ووالله لست من السلفيين الوهابيين,أظن أن ما يحدث لك من كرامات إنما هو من صنيع الجن وليس من الله , وقد استنتجت هذا مما قلته أنت بأنك قد تمثل لك جني في صورة امرأة أو فتاة شقراء وأنك سمعت الجن يقولون لك يا أخانا ادع لنا فالجن يتربصون بك ليفتنوك ولقد قرأت لابن تيمية ‘الفرقان بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان’ فقال بأن صنيع الجن بك قد حدث لكثير من الشيوخ ليقولوا ربي أكرمني بهذه الكرامات فيظنوا أنها رفعة منزلة عند الله وهي أصلا ليست كرامات بل خوارق من الجن ولو كانت كرامات لكانت قليلة وبقدر الحاجة للتثبيت أو لإعانة الغير للضرورة وكما قال تعالى ‘ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن’ وقال ابتلاه فحتى لونسبت ما يحدث لله و تظن أنك شاكر لله عليه سيكون لك دخل في نفسك مااختصني الله بهذه الكرامات إلا لأني عنده من المقربين فسيصيبك العجب والإطمئنان ,وحتى أبوبكر وعمر رضي الله عنهم وهم أقرب إلى الله منك لم تحدث لهم كرامات بهذا الكم

%d مدونون معجبون بهذه: