إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩ فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۩ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ۩ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ۩ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ۩ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ۩ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۩، عجيب أن يأتي هذا الأمر العُلوي في هذا السياق، وسيظهر وجه العجب أو قد ظهر وانتهى ظهوره حين شرعنا في نقاش التشغيبات والمُجازَفات – حتى لا ترقى إلى أن تكون شُبهات، فضلاً عن أن تكون أدلة – التي ساقها أحد المُستشرِقين الجُدد بصدد مكة المُكرَّمة وكعبتها المُشرَّفة، وإذا بمكة ليست بمكة، وإذا بالكعبة في الأصل لم تكن في مكة الحجاز، وإنما في بتراء الشام جنوبي الأردن.

قال – تبارك وتعالى – قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۩ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ۩، شيئ غريب! عليكم معاشر المُؤمِنين أن تُصدِّقوا بخبر الله – تبارك وتعالى -، ولا يستهولنكم ولا يحرفنكم عن دينكم وعن خبر ربكم ورسوله – صلى الله عليه وآله – مثل هؤلاء الذين إن أطعتموهم أعادوكم من بعد إيمانكم كافرين.

نُتابِع ما انقطع من نقاش هذا الموضوع، لا أقول المُهِم بل المُقلِق، وصدِّقوني لقد عانيت الأمرين وأنا أحمل نفسي على مُتابَعة كل هذه المُجازَفات وكل هذه التشغيبات، وسأُرهِقكم معي بالحري حين تُتابِعون أيضاً مثل هذه التشغيبات للأسف الشديد، لكن للأسف الشديد مرة أُخرى ندفع ثمن الجهل أضعافاً مُضاعَفة، أكثر شيئ في اعتقادي يُمكِن أن يكون مُكلِفاً هو الجهل، للأسف الشديد شبابنا، أبناؤنا، حتى الكبار فينا، وحتى المُثقَّفون للأسف غير مُحصَّنين.

هذا الوثائقي لدان جيبسون Dan Gibson بالفعل يلعب على هذا الوتر، ويُوجِّه ضربة مُخزية للعقل الإسلامي، للعقل المُسلِم! كأنه يقول لنا بصريح العبارة لستم هناك، لا تعرفون شيئاً، يُمكِن أن ينطلي عليكم كل شيئ، لذلك هو يأتي بكل ما هب ودب، بكل ما يخطر على باله، شيئ غريب، شيئ غريب جداً! ثم يزعم فريق العمل في آخر هذا الوثائقي أنهم توجَّهوا إلى مراكز ومُؤسَّسات وأئمة وعلماء ورجوهم أن يُعلِّقوا وأن يتحدوا وأن يدحضوا هذا الوثائقي، قالوا وإلى الآن لم يستجب أحد، لا! قد استجاب كثيرون، نحن مِن ضمن مَن استجاب، ونُسجِّل ردودنا، هي مُسجَّلةً وتنزل على اليوتيوب YouTube، والناس لها عقل ويُمكِن أن تعود إلى المصادر وأن تُقارِن في الشرق والغرب.

أكثر ما قد للأسف يُشوِّش ويُقلِق بعض المُسلِمين مِمَن لا دراية لهم متينة حصينة بالعلوم الإسلامية أو حتى بالشأن الثقافي الإسلامي عموماً قضية القبلة، الرجل قال لك أنا عُدت وتقصيت بصدد أحد عشر مسجداً، تُمثِّل أوائل المساجد التي بُنيت في الإسلام، والتي لا تزال إلى الآن موجودة، هي أو آثارها مع حوائط قبلاتها، ودائماً دائماً دائماً في الأحد عشر مسجداً أو قصراً نجد الآتي.

هذه القصور بعضها فيها مساجد داخلية ولها حائط قبلة، لم يُصرِّح أن فيها مساجد داخلية، لكن بعضها فيها مساجد داخلية ولها حائط قبلة، لأن المحراب لم يكن معروفاً آنذاك، هو يُسميه الــ Niche، الــ Niche أي النتوء هكذا أو البروز، وهو مُصطلَح أيضاً في البيولوجي، معناه العُش، العش البيئي هو الــ Niche، لكن هو يُريد به النتوء، مع أن المحراب ليس بالضرورة أن يكون نتوءاً، هناك محاريب مُسطَّحة، هناك محاريب على الأرض تُرسَم، كما في ساحة المسجد الأقصى، المحراب المُسطَّح، وهذا المحراب المُجوَّف، وهناك المحاريب المُتنقِّلة، تُنقَل من مكان إلى مكان، وبالحري تكون ماذا؟ تكون مُعظَمها مُجوَّفة، ويُمكِن أن تكون أيضاً مُسطَّحة، كحائط يُنقَل ليدل الناس على القبلة.

طبعاً بعد دقائق يشرح لك شرحاً مُقتضَباً سريعاً كأنه يختلك، ونبَّهنا على هذا الختل، علماً بأن وجوه الختل كثيرة، وطبعاً لا يُمكِن أن تتسع خُطبة جُمعية لذلك، هذا يحتاج إلى مُحاضَرة دقيقة، نأتي بالفقرة ثم نُعلِّق عليها بدقة، وهذا سيجعل التعليق يتجاوز ربما الثلاث ساعات، وجوه الختل كثيرة، من ضمنها أنه بدأ بمسجد في الصين، ادّعى أنه أقدم هذه المساجد، على الأقل خارج طبعاً مدينة رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وقال هذا المسجد بناه سعد بن أبي وقاص قبل وفاة رسول الله ببضع سنين، بزُهاء خمس سنين، قبل فتح مكة بسنة أو سنتين، أي قبل الوفاة بحوالي ست سنين، وهذا غير معقول! هل سعد بن أبي وقاص خرج إلى الصين؟ أصلاً الإسلام لم يكن دخل هناك.

هذا هو قدر هذا المُستشرِق من العلم والتحقيق، قيل إنه مُستشرِق ومُؤرِّخ، مُؤرِّخ ماذا؟ لا علاقة له بالتاريخ، لا علاقة له به مُطلَقاً، وأنا وضح لي هذا في عشرات المواضع والمحال، لا علاقة له بالتاريخ، وواضح أن هذا الوثائقي – واضح جداً جداً بالمُناسَبة – دعائي، حتى لو جاء مُلحِد – لا أقول مُسلِم أو مسيحي أو كذا، وإنما أقول مُلحِد، لكنه مُلحِّد مُتحصِّن ومُثقَّف، عنده دراية تاريخية، ودارية مناهجية أيضاً – وتابع هذا الوثائقي سيقول هذا فيلم دعائي، هذا فيلم مشحون بالتحيزات وبالأيديولوجيا، هذا فيلم مُوجَّه لتشكيك المُسلِمين في دينهم، للبصق في وجوههم، انتبهوا! قبلتكم لم تبق محفوظة، مكتكم ليست هي مكة، نبيكم غير موجود أصلاً، شخصية مُزوَّرة، قرآنكم اكتمل في آخر القرن الثاني الهجري، أنتم كأمة أمة قتلة وأمة مُجرِمين، تحرقون المكتبات، هذا ما قاله هذا الرجل، وأتى بأكذوبة تحرقون المكتبات، والعجيب – رمتني بدائها وانسلت، هذا الذي يغيظ وهذا الذي يحُنِق – أن في آخر هذا الوثائقي قالوا يختلف الفكر الإسلامي عن الفكر الغربي في قضية التأريخ، من حيث ماذا؟ قالوا لك في الفكر الغربي الاعتماد والتوثيق والاعتداد والاعتبار للمصادر المُتقدِّمة، لكن هذا موجود في الفكر الغربي وفي الفكر الهندوسي والبوذي وعند كل العالم، عند كل العالمين طبعاً كلما كان المصدر مُتقدِّماً – أي قريباً من الحديث – كان أوثق، قالوا لا، إلا عند المُسلِمين، كلما كان المصدر أكثر تأخّراً فهو أكمل وهم يعتبرونه، ما هذا؟ ما الكذب هذا؟ ما هذا؟ ما هذه الرقاعة؟ رقاعة ووقاحة، شيئ لم يُسمَع – والله العظيم – بمثله قط.

يا أخي حتى المُستشرِقون الكبار لم يقولوا هذا، فرانز روزنتال Franz Rosenthal عنده كتاب ضحم عن مناهج التأريخ عند المُسلِمين، عودوا إليه أيها المُستشرِقون، هذا مُستشرِق عظيم، وهو من أحسن مَن كتب في هذا الموضوع، وهذا كتاب ضخم هكذا في بضع مئات من الصفحات عن مناهج التاريخ عند المُسلِمين، يا سيدي منهج التاريخ أصلاً قريب إلى حد بعيد من منهج التحديث والرواية لدينا، الرواة العلماء – علماء الحديث – يعشقون الأسانيد العالية، كانت تُجشِّمهم وتُكبِّدهم أحياناً مئات إن لم يكن ألوف الكيلومترات الزائدة يُسافِرونها من أجل أن يُصيبوا الحديث عالياً، وما معنى السند العالي؟ أن يكون أقرب إلى المصدر، أقل رجال رواية، قال لك لا، في الفكر الغربي الأمر مُختلِف، وهذا كذب، ماذا أقول؟ أنا على المنبر، لابد أن أكون مُهذَّباً وأن أضبط أعصابي، هذه رقاعة وسخافة باسم العلم، وقيل إنه المُستشرِق، المُستشرِق الكندي دان جيبسون Dan Gibson الذي عاش في العالم العربي مُعظَم حياته، عاش فيه مُعظَم حياته ولا يفهم حتى مبادئ اللُغة العربية! على طول الفيلم يقول لك المسجد، كلمة مسجد ماذا تعني؟ مَن يعيش بين العرب وبين المُسلِمين ولا يعرف معنى السجود؟ والسجود في اللُغة العربية لا علاقة له بمعنى الجمع، أي الــ Gathering، هذا جمع الثمار وجمع الأشياء في مُصطلَحات الحضارة والثقافة، يقولون لك الــ Fruit gathering، أي جمع الثمار، الصيد وجمع الثمار، الــ Gathering أي الاجتماع والتجميع، هل تعرفون لماذا قال هذا؟ أنا في الأول لم أفطن للسبب، الرجل خلط بين المسجد والجامع، جامع، يجمع، Gather، و Gathering، وقال لكم الــ Forbidden gathering place، مكان التجمع المُحرَّم، هذا المسجد الحرام، أهذه ترجمة؟ والله عبقري يا أخي، عباقرة هؤلاء!

تحتاج أن تكون عبقرياً في الجهل ولابد أن تكون مغلوباً على مبادئ الثقافة لديك حتى تفهم كيف يستدل هؤلاء الناس، شيئ غريب! أنا فهمت هذا بعد حين، قلت نعم، ظللت أُفكِّر – اللُغة العربية لُغتي – وقلت ما علاقة السجود بالــ Gathering؟ تجميع ومكان الاجتماع! لا تُوجَد أي علاقة، واسمه المسجد الحرام، ليس اسمه الجامع الحرام أبداً أبداً، ولا مرة الله سماه الجامع الحرام، أم أن هذا موجود؟ اسمه المسجد الحرام، عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۩، هذا هو! في القرآن الكريم اسمه المسجد الحرام، لا علاقة بين Gathering وبين مسجد، وقيل إنه مُستشرِق، وأتى لكي يُعيد لكم كتابة التاريخ، أتى لكي يُعلِّمكم، أتى لكي يُصحِّح لكم أكبر أخطائكم.

نعود إلى قضية القبلة، حتى لا أُطوِّل بالمُقدِّمات، لكن لابد للمصدور أن ينفث.

إخواني وأخواتي:

يتزلزل بعض الناس حين يروا الأحد عشر مسجداً وأولهم مسجد الصين الذي قال إن سعد بن أبي وقاص بناه، سعد بن أبي وقاص لم يصل إلى الصين أصلاً، لا في حياة الرسول ولا بعد وفاة رسول الله، لم يدخل الصين سعد بن أبي وقاص، وأنا ذكرت في الجُمعة الفائتة أو السابقة أنني عُدت إلى كتاب لعالم صيني مُسلِم عن تاريخ المساجد في الصين، والكتاب عندي، وهو السيد محمود يوسف لي هو اين، قال هذه الرواية أصلاً غير مُرجَّحة بالمرة، ولا يُقطَع بها، أن ماذا؟ أن سعد بن أبي وقاص بنى هذا المسجد في حياة رسول الله، غير صحيح، لكن على كل حال ما القضية؟

بعد ذلك يأتيك بقصور، يُدلِّس عليك، يقول لك انظر إلى هذا القصر، لكن هل هناك مسجد؟ يسكت، أتى بأحد عشر مسجداً – في الأردن، في فلسطين، في لبنان، في العراق، في مصر، في الصين، وفي غيرهم -، وقال لك هذه المساجد لا تتوجَّه وقبلاتها لا تتجه إلى مكة، وبعد ذلك أخرج منها خطوطاً بالكمبيوتر Computer – بالحاسوب – فإذا بها تتوجَّه إلى البتراء، إلى Petra، فقال أرأيتم؟ تتوجَّه إلى البتراء كلها.

لا أُريد أن أقف – انتبهوا ودقِّقوا – مع هذه الحالات الإحدى عشرة حالة حالة، أنا سأُعطيكم المفتاح الــ Key، المفتاح! العمل العلمي ليس كذلك، والنقاش العلمي ليس كذلك، وشغل المُؤرِّخين ليس كذلك، وأنا سأقول لكم كيف يكون الشغل العلمي الحقيقي، لو تقدَّمت برسالة ماجستير وليس دكتوراة بهذه الطريقة – والله – سيطردني الــ Mentor، مُباشَرةً سيقول لي اخرج من هنا، سيقول لي أنت غير طبيعي، مغلوب على عقلك، ما هذا؟ أهذا عمل علمي؟ العمل العلمي يكون كذلك – انتبهوا -:

أولاً أنت تأتيني بهذه الأشياء، جميل جداً! عليك أولاً أن تتفحَّص مفهوم القبلة عند المُسلِمين في النصوص المُؤسِّسة، حتى في الكتاب الكريم، فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۩، الشطر، التلقاء، الناحية، الوجاه، التُجاه، الإزاء، شَطْرَهُ ۩ تُوحي بمفهوم أُفقي، ولذلك صح عن رسول الله – وصحَّحه من المُؤرِّخين الألباني رحمة الله عليه – في جامع الترمذي من حديث أبي هُريرة – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – أنه قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما بين المشرق والمغرب قبلة، قال ما بين المشرق والمغرب قبلة! فالأمة مُطبِقة على أنه لا يتوجَّب في التوجه إلى القبلة استقبال عين المكان، عين البيت الحرام أو عين الكعبة حتى، لا! إنما ماذا؟ الجهة، الجهة! هذه تُؤدي إلى وجود فرق في بعض الدرجات، إذا كانت هي في المُنتصَف فأنت يُمكِن أن تتوجَّه إلى المدى الموجود بجانبها لأنه في نفس الاتجاه، لا تُوجَد مُشكِلة، لكن لا يُمكِن أن تتوجَّه إلى أقصى المشرق أو المغرب أو إلى الخلف، تتوجَّه هكذا في المدى الموجود في نفس الاتجاه، انتبه، والآن ما بين المشرق والمغرب قبلة، هذا لأهل المدينة ومَن كان على سمتهم إذا توجَّه، بمعنى ماذا؟ انتبه، الآن مكة هنا، والمدينة هنا فوقها، في شمالها – المدينة شمال مكة -، فلابد أن يكون التوجه إلى ماذا؟ إلى الجنوب، وليس إلى الشمال، إلى الجنوب! وهذا الشرق وهذا الغرب في الخريطة، ما بين الشرق والغرب قبلة، فالمدني يُمكِن أن يتوجَّه إلى هذا المدى، لأن كل هذا قبلة، لكن لا يتوجَّه إلى العكس.

الآن اليمني يقع في جنوب مكة وليس في شمال مكة، أين يتوجَّه؟ إلى الشمال، وليس إلى الجنوب طبعاً، ولا إلى المُحيط، لا! إنما يتوجَّه إلى الشمال، هذا الشرق وهذا الغرب، وما بين الشرق والغرب قبلة، جميل!

إذن هذا يصح كما قال ابن عبد البر، قال هذا صحيح، لا مدفع له، ولذلك هو مروي عن الإمام عليّ – عليه السلام – وعن عمر بن الخطاب الذي قال إذا توجَّه، بمعنى ماذا؟ إذا كان من أهل الجنوب توجَّه شمالاً، إذا كان من أهل الشمال توجَّه جنوباً، وما بين الشرق والغرب قبلة، هذا معنى قول عمر إذا توجَّه، أي إلى البيت، ولذلك قال الإمام الأثرم – رحمة الله عليه – سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حديث أو خبر ما بين المشرق والمغرب قبلة، يُؤخَذ به؟ قال نعم، هي قبلة، قال فإن صلى هكذا ما بين المشرق والمغرب تصح صلاته؟ قال نعم، ويتحرى الوسط، دائماً لابد أن يكون قريباً من الوسط، أي لا يذهب هكذا إلى آخر المشرق أو إلى آخر المغرب، لا! يتحرى الوسط، هذا الذي يحدث.

ولذلك هذه الأسهم التي تذهب إلى البتراء تذهب أيضاً إلى مكة، وما بين المشرق والمغرب قبلة، ليس هذا المُهِم، انتبهوا! طبعاً قال أحمد بن حنبل إلا إذا كان عند البيت، في البيت نفسه ممنوع أن تنحرف عنه، كأن تكون الكعبة أمامك وأنت تنحرف عنها، هذا خطأ أنت وقعت فيه، ولذلك الصفوف كلما اقتربت من الكعبة كانت أكثر تقوساً، تُصبِح دوائر! الصفوف كلما اقتربت تُصبِح أكثر تقوساً، حتى تُصبِح دائرة كاملة، من على بُعد لا تكون كذلك، يختفي هذا التقوس، ويبقى ما بين المشرق والمغرب قبلة لمَن كان على سمت أهل المدينة، هل هذا واضح؟ انتبهوا!

ليس هذا المفتاح، المفتاح في العمل العلمي شيئ آخر، وهذه من بسائط – لا حضَّرنا فيها ماجستير ولا دكتوراة – ما ينبغي على الباحث أن يطرحه في البداية لكي يختبر فرضيته، مكة تقع على دائرة عرض تقريباً واحد وعشرين، وتعرفون أنتم معنى دائرة عرض، عندنا خط الاستواء، من تحت في الجنوب هناك دوائر عرض، ومن فوق هناك دوائر عرض أيضاً شمالية، ويُوجَد خط غرينتش Greenwich وتُوجَد خطوط طول، هل هذا واضح؟ لكن نحن نُريد دوائر العرض، جميل! مكة تقع على دائرة عرض تقريباً إحدى وعشرين، تقع على دائرة عرض إحدى وعشرين درجة وخمس وعشرين دقيقة وتسع عشرة ثانية شمالاً، أيضاً شمال خط الاستواء، فوق! أليس كذلك؟ هذا هو طبعاً، هذا خط الاستواء، وهي فوق وليست تحت، البتراء فوق، في جنوب الأردن، في معان، تقع أيضاً في الشمال، على دائرة ثلاثين تقريباً، إذن عندنا إحدى وعشرون إلى ثلاثين، البحث العلمي الآن بكل بساطة يقول على دان جيبسون Dan Gibson وغير دان جيبسون Dan Gibson أن يتفحَّص البلاد التي تقع بين دائرتي عرض ثلاثين وإحدى وعشرين، أي في حدود ثماني درجات أو ثماني دوائر عرض، هناك بلاد كثيرة، سوف يأتيك شيئ في مصر، شيئ في السوادن، وشيئ في الجزائر، هذه بلاد إسلامية، وأكيد فيها مساجد، ومساجد قديمة وغير قديمة، لابد أن نتفحَّص هذه البلاد، هل هذا واضح؟ بمعنى ماذا؟ بمعنى أننا نُريد أن نصل إلى بلاد فيها مساجد تقع ماذا؟ جنوب البتراء، ليس شمال البتراء، ليس فوقها، وإنما تحتها، الآن انتبهوا، لو وجدنا مسجداً واحداً فضلاً عن بضعة مساجد يقع بين هذين النطاقين وتتوجَّه قبلته إلى الشمال سنقع في مُشكِلة، سيعني هذا أن البتراء فعلاً كما قال، ولن نجد هذا، هذا مُستحيل، هذا الفحص العلمي بكل بساطة، السيد دان جيبسون Dan Gibson لم يفعل هذا، وهذا كان ثانياً.

هكذا هو البحث العلمي، هل وجد السيد دان جيبسون Dan Gibson هذا؟ وأكيد هذا خطر له، لكن هذا لم ينفع معه بالمرة، لم ينفع معه بالمرة! لذلك ذهب يُحدِّثنا عن مساجد بني أُمية في الأندلس والمغرب العربي، وطبعاً هذه ستُحرِجه جداً، لأنه يزعم أن العباسيين هم الذين ثبتوا قبلة ابن الزُبير في مكة المُكرَّمة، بعد أن كانت قبلة النبي والخلفاء الراشدين وبني أُمية أين؟ في البتراء، ابن الزُبير نقلها – كما شرحت لكم -، وهذا كلام فارغ، تهويمات! لا يُوجَد أي دليل، نقلها لأن عنده الحجر الأسود، فجاء العباسيون وثبَّتوا، ولم يقل لنا لماذا فعل العباسيون هذا؟ لماذا؟ ما المزايا؟ لم يقل! أي لماذا لعبوا بدين الناس؟ ما مصلحتهم في أن يلعبوا بدين الناس وهو دين ابن عمهم رسول الله – أعني العباسيين على هذا الأساس -؟ لم يقل لنا هذا، لكن المُشكِلة أين؟ المُشكِلة في الخلافة الأموية في الغرب الإسلامي، الأندلس وشمال إفريقيا، ماذا عن هذا؟ قال نعم، أنا عُدت إلى تلك المساجد ودرستها، والعجيب أنني وجدت أن قبلاتها لا تتجه إلى البتراء ولا إلى مكة، قل لنا بالضبط أين تتجه؟ وواضح أنها تتجه بينهما، أي في جهة ماذا؟ في الجهة – كما قلنا لكم – التي يسمح الشرع بأن يُتوجَّه إليها، أي ليس إلى مكة مائة في المائة، لكن في نفس الجهة، شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۩، قال شَطْرَ الْمَسْجِدِ ۩، هي قبلة، وهي صحيحة، وهذا ما أمكنهم أن يُحدِّدوه بمقاييس ذلك العصر وتقنياته وفنياته، لم يكن عندهم جي بي إس GPS طبعاً لكي يُحدِّدوا بدقة.

بعد ذلك – ثالثاً أو رابعاً أو خامساً، ليس مُهِماً الترقيم – لم يقل لنا دان جيبسون Dan Gibson ولم يُحدِّثنا دان جيبسون Dan Gibson عن ألوف – لا أقول حتى مئات وإنما ألوف – المساجد حول الأرض التي بُنيت قبل عهد الجي بي إس GPS، انتبهوا! قبل ثلاثين وأربعين سنة بُنيت، وقبلاتها فيها خطأ، وأحياناً بسبع عشرة وبثماني عشرة درجة، موجودة في العالم كله! كيف ستُفسِّرها؟ وستستطيع أن تقع على المئات – كما قلت إن لم تكن الألوف – من هذه المساجد، كيف ستُفسِّر هذا؟ سكت عن هذا! الغرض مرض، واضح أن قضية الأسهم هذه لا تُفيده بالمرة، هذا كلام فارغ.

أخيراً – حتى لا نُطوِّل، وعندنا الكثير في موضوع القبلة، لكننا نُريد أن ننتقل إلى المواضيع الأُخرى بسرعة جداً، هناك نقاط كثيرة، كلها مُشوَّهة ومُشوِّشة ومُشوَّشة – لماذا لم يُحدِّثنا دان جيبسون Dan Gibson أصلاً عن مسجد قبة الصخرة حين حدَّثنا عن المسجد الأقصى رُغم أنه بُنيَ قبله؟ جاء وقال لك هناك الأقصى، يُسمونه المسجد القبلي، المسجد الأقصى – قال لك – حتى قبلته ليست إلى مكة بشكل دقيق، واترك الأقصى الآن، هناك شيئ بُني قبل حتى الأقصى، الذي بُني قبل أن يُبنى الأقصى البناء المعروف مسجد قبة الصخرة، بناه عبد الملك بن مروان، قبل ابنه الوليد، الوليد جاء خلفاً له، وأمامك هذه التحفة المعمارية، هذه تحفة فنية، تُمتِع الناظرين حول العالم، لِمَ لَمْ تُحدِّثنا عن قبلة قبة الصخرة وهي لبني أُمية أصحاب قبلة البتراء؟ طبعاً لأن قبلة قبة الصخرة إلى مكة، ليست إلى البتراء، انظروا إلى أي درجة وصل الخداع! هذا Deception، خداع واضح ومفضوح، لم يُحدِّثنا عن مساجد أقدم، انظر إلى هذه، هذه في الخامسة والستين إلى السابعة والستين، عندنا نحن مسجد البصرة، اختُطَ سنة أربع عشرة هجرياً، لم يُحدِّثنا عنه ولم يقل لنا أين قبلته، لم يُحدِّثنا عن مسجد الكوفة، اختُطَت الكوفة ومسجدها سنة خمس عشرة، لم يُحدِّثنا عن مسجد القيروان الذي بُنيَ سنة خمسين للهجرة، وحتى حين أُعيد بناؤه كل كتب التاريخ قالت بقيَ محرابه كما هو، خلوه! نفس الاتجاه، وهو إلى ماذا؟ إلى مكة، لم يُحدِّثنا عن مسجد في الهند اسمه اسمه شيرامان جمعة Cheraman Juma، هذا أقدم مسجد في الهند، اسمه شيرامان جمعة Cheraman Juma، هذا مسجد في الهند، وهو أقدم مسجد هناك، وقبلته إلى الكعبة، أقدم مسجد في الهند!

مثل هذه المساجد القديمة موجودة وكثيرة جداً، لم يُحدِّثنا عنها، حاول أن يُقنِعكم بأن كل المساجد المُتاحة أحد عشر مسجداً، وجُملة لا بأس بها منها في قصور، هي في قصور، مساجد داخلية في قصور، وهذه تتوجَّه إلى البتراء وليس إلى مكة، مع أنه نفس الاتجاه، شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۩، هل هذا واضح؟ فكونوا حذرين وكونوا دقيقين، لا يُلعبن بدينكم، وأتحدَّث بهذا خاصة لأبنائي وإخواني الشباب والشواب – أي الشابات -، كونوا حذرين.

أكثر ما آذاني وجرحني – والله – في هذا الفيلم ظهور أشخاص من العرب والمُسلِمين فيه، عرب – عرب من العالم العربي – ظهروا فيه، قسماً بالله أشعر بالخزي، وأتى شخص لكي يقرأ بالإنجليزية، أي لكي يقرأ نصوصاً بالإنجليزية، نقول له هذا عيب في حقك، أأتيت لكي تعبث بدينك؟ هم وظَّفوك في هذا الوثائقي الذي لا يسوى شيئاً، وهذه العبارة مُهذَّبة جداً، هذا الوثائقي الذي لا يسوى شيئاً، لا يسوى شروى نقير، أأتيت لكي تقرأ هذا؟ والباحث الكويتي هذا نقول له هذا عيب، عيب في حقك وفي حقه، علماً بأن هذا الباحث ليس عنده إلا أن يقول غريب وعجيب وكيف؟ فقط! فقط هذا هو، هذا هو! أبلعوه أشياء وقالوا له وجدنا كذا وكذا، فقال غريب وعجيب، لماذا؟ لماذا لم يعملوا؟ لماذا لم يسألوا؟ ما هذا؟ عيب، سذاجة هذه، كيف يكون الإنسان ساذجاً بالطريقة هذه؟ الأفضل لك أن تبحث بطريقة علمية، هو قال لك أنا أتحداك، قم بعمل Refutation، قم بعمل ادحاض لفيلمي، تحده أنت، ابحث ونقِّر، ابحث وتعلَّم، سوف تتعلَّم أشياء جديدة في التاريخ والثقافة والأفكار والدين والفقه والحديث، اذهب وتحد، لا تُلق بنفسك هكذا، وبعد ذلك كل شيئ يُمكِن أن يُلعَب به إلا الدين، مَن شاء أن ينسلخ من هذا الدين فلينسلخ براحته، هو حر! لكن لا تأت وتزعم أن هذا الدين مُحرَّف وليس له أُسس وليس له كذا وتُصدِّق هؤلاء المُخرِّفين، هؤلاء مُخرِّفو المُستشرِقين، والله لا يسوون أي شيئ.

بعد ذلك حدَّثك عن سور مكة، ونرجع مرة أُخرى إلى السور، قال لك البتراء فيها سور، مكة ليس فيها سور، مكة ليس فيها هذا، مع أن النصوص تقول إن فيها سوراً، وهذا يعني أنها ليست مكة الحجاز، لو وجدت أي نص يُحدِّثك عن أسوار مكة اعلم أن هذا يُحدِّثك عن أسوار البتراء، وبعد ذلك هم جاءوا ركَّبوه أو علَّموك – قال لك هذه البروباجندا Propaganda العباسية – أن مكة هذه في الحجاز، وهذا لا يركب عليها، ما هذا؟ ما الكلام هذا؟ لماذا؟ قال لك هناك حديث رواه أهل السُنن في قصة مرثد بن أبي مرثد الغنوي، الذي كان يحمل الأسارى من مكة إلى مدينة، أعني قصته مع عناق هذه – القصة المشهورة -، وعلى كل حال هذه كانت صديقة له – أي صاحبة – للأسف الشديد، وبعد ذلك قال لك حتى انتهيت إلى حائط من حوائط مكة في ليلة مُقمِرة، أي ضحيانة، قال لك هذا هو، قال لك هناك حائط! الحائط، الــ Wall، السور، هل مكة عندها سور؟ هذا هو.

طبعاً لا يُستغرَب هذا الكلام من أمثال دان جيبسون Dan Gibson، ونسأله هل هو قال لك حتى انتهيت إلى حائط مكة؟ لو قال حتى انتهيت إلى حائط مكة لكانت هناك شُبهة، أي هناك حائط واحد مُفرَد، هناك حائط مكة، أي سور مكة، أين سور مكة؟ هو لم يقل لك حائط مكة، وإنما قال لك حائط من حوائط مكة، عُد إلى أبسط Dictionary أو أبسط مُعجَم عربي، ثم انظر إلى كلمة حائط، الحائط من حاط يحوط، ما أطاف يُطيف بالشيئ، ولذلك حائط الدار – المنزل أو البيت – يُسمى حائطاً، البساتين إذا كانت مُسوَّرة – لا حوائط لها – تُسمى ماذا؟ الحوائط، مجازاً تُسمى ماذا؟ الحوائط، لكنه قال لك غير ذلك.

وهناك عشرات – لن أقول لك مئات وإنما عشرات – الأحاديث التي ورد فيها هذا اللفظ، مثل افتقدنا النبي فوجدناه في حائط لبني سلمة، كيف هو في حائط؟ فوجدناه في حائط! أي هل فتح الحائط ودخل فيه؟ ما معنى في حائط؟ في بُستان، البُستان إذا سُوِّر يُسمى ماذا؟ حائطاً، الحوائط هي البساتين، حوائط بني فلان، وحائط بني فلان، وفي الحديث الشريف المشهور وعلى أهل الحوائط – أي الحيطان – حفظها بالنهار، في الليل شيئ آخر، النبي يُعلِّمك حُكماً فقهياً، ما معناها؟ البساتين، فهذا انتهى إلى حائط من حوائط مكة، وهذا قد يكون بُستاناً فيه بعض الأشجار البسيطة، ومكة فيها أشجار ولم تزل، إلى الآن فيها بعض الأشجار والنباتات، وأكثرها ذات طبيعة برية، ومذكورة في كُتب التاريخ والجغرافيا، كلها مذكورة! ويُوجَد عندك أكثر من نوع، بالميت كما يُقال – أي على أقل تقدير – هناك سبعة أو ثمانية أو تسعة أنواع معروفة من هذه النباتات الصحراوية، وهناك أشجار صحراوية كثيرة، تُنبِت ولها بعض الثمر، ومنها السدر والنبق هذا، موجود! كله موجود، ومنها الإذخر الذي لا يفهمه ولا يعرفه ويستغربه في حديث بلال، ومنها الثمام، هناك أشياء كثيرة!

على كل حال هذا الحائط إما أن يكون بُستاناً من البساتين، وإما أن يكون حائط منزل، لكن الأرجح أنه بُستان صغير، قال لك هناك سور، هل هو قال لك انتهيت إلى حائط مكة؟ قال لك انتهيت إلى حائط من حيطان مكة، ومعناها هو ما ذكرناه، فأين يُقال مثل هذا الكلام؟ ما الكلام الفارغ هذا؟ واضح أن الرجل ليس عنده أي دراية بالعربية، مسكين!

بعد ذلك حدث نفس الشيئ حين أتى لكم بحديث عائشة، وطبعاً هذا مذكور في الصحيح، في مقدم النبي طبعاً ومَن معه إلى المدينة المُنوَّرة، على مُنوِّرها ألف تحية وألف سلام، وفيه أن بلالاً طبعاً أخذته الحُمى، فكان يقول ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بوادٍ وحولي إذخر وجليل؟ قال لكم أرأيتم؟ نحن قلنا لكم هذا، مكة ليس فيها نباتات، وها هو يقول لكم إذخر، لكن الإذخر كان ولا زال في مكة، ويعرفه كل أهلك مكة عبر عصورهم، ويُتخَذ في الأعراس لأنه طيب الريح، ويستخدمه القين – أي الحدّاد -، يُوقِد به التنور كما في حديث العباس، قال إلا الإذخر يا رسول الله، فإنه لعروسنا وقيننا، قال إلا الإذخر، لكن هو قال مكة ليس فيها نباتات، هو يتخيَّل أن مكة ليس فيها أي نوع من الخُضرة إطلاقاً، كما قطع وجزم أن مكة ليس فيها أي نوع من الآثار الأركيولوجية، ليس فيها أي دليل أركيولوجي، ومَن قال لك هذا؟ هل أنت نقَّبت؟ هل هم سمحوا لك بهذا؟ لأن المُشكِلة تكمن في أن حكومة السعودية هناك للأسف الشديد لا تسمح بالتنقيب، أم هي سمحت لكن أنتم لم تجدوا شيئاً؟ وبعد ذلك حتى لو سمحت ماذا سوف تلقى؟ القرآن قال لك هذه بلد بسيط، بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ۩، اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۩.

وبالمُناسَبة – حتى لا أنسى – الذي غاظ المُستشِرقين – مثل باتريشيا كرون Patricia Crone التي ذكرتها في الخُطبة السابقة وهذا الرجل المسكين أيضاً – أنهم قالوا لك ما معنى أن محمداً هذا بُعِث في مكة؟ ومكة لا تكاد تُعرَف عند الآخرين، لأنها في وسط الجزيرة! وهذا صحيح، التواريخ الفارسية وبالذات البيزنطية وحتى البابلية يذكرون وسط الجزيرة على أنه أرض الظلمات، هكذا! وهناك أساطير شائعة عند هؤلاء الذين ذكرت وربما عنده غيرهم أيضاً، تُفيد بأن هذه البلاد بلاد الظلمات وأرض الظلمات، وأنتم تعرفون بحر الظلمات، أي الأطلسي، واتضح أن لا علاقة له بالظلمات وما إلى ذلك، قالوا هذه بلاد الظلمات وفيها أفاعي طائرة، وتلتهم الناس وتنهشهم، ليس عندهم أي شيئ، ولذلك قال أحد ملوك بابل الذي عاش في الجزيرة العربية عشر سنوات، قال عشر سنوات لم أعد إلى مملكتي في بابل، وذكر مدناً، وكان أكثر ما ذكر المدينة، يثرب Yathrib، ولم يذكر شيئاً عن مكة، لأن بعد ذلك سيكون هذا صعباً.

فعلاً هذه البُقعة من الأرض كانت شبه مجهولة، لم تكن مجهولة بالكامل طبعاً، ذُكِرت – كما قلنا – أشياء، ولكن كانت شبه مجهولة، غاظهم هذا، أولاً كيف فعلاً يُبعَث في بلد ليس فيها حضارة حقيقية وهي ليست مُلتقىً حقيقياً للثقافات والأفكار وما إلى ذلك؟ هذا يعني أن الشُبهة الثانية سوف تأتي، هذا كان أُمياً، ومكة – كما قال البلاذري وغيره – كل المُتعلِّمين الذين كانوا فيها بضعة عشر رجلاً، هؤلاء الذين كانوا يكتبون ويقرأون، تخيَّلوا! من بين ألوف الناس بضعة عشر رجلاً فقط، فقط! ليس عندهم شيئ، لم يكونوا أهلاً لهذا، وكانوا يحتقرون مَن يخط بالقلم أصلاً، يحتقرونه! ربما لأنهم لا يعرفون الشيئ هذا كانوا يحتقرونه، على أساس أن عندهم ذكاء، ثم بُعِث نبي أُمي، فقالوا لك سنضرب الشيئين، سنُثبِت أن محمداً بُعِث في مدنية وفي حضارة، وبالتالي أيضاً بالحري هو كان مُتعلِّماً، إذن النتيجة أنه اقتبس دينه من أهل الكتاب ومن الــ Holy Bible، هذا الذي يُريدونه، لا! وربك – تبارك وتعالى – بحكمته شاء أن يبعثه بالذات في مكة هذه، أم القرى، محج العرب، وستكون محج الأمة إلى يوم الدين – بفضل الله تبارك وتعالى -، لماذا؟ لكي يُثبِّت برهان نبوته، كان يقدر على أن يبعثه في أثينا، أليس كذلك؟ كان يقدر على أن يبعثه في مكان مُتحضِّر، كان يقدر على أن يبعثه في برجا أو في فارس أو في مصر أو حتى في الشام، لكنه لم يفعل، وبعثه بالذات في هذا المكان، لا تُوجَد حضارة حقيقية، لا تُوجَد حضارة! ما هذا؟ حضارة ماذا؟ حضارة الشعر والنثر والسيف، لا يُوجَد شيئ، فهذا يغيظهم، لذلك يُريدون أن يضربوا النُقطة هذه بالذات، يُريدون أن يضربوها! فبدأوا يشغبون عليها هذا الشغب.

كان يقول بلال ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بوادٍ وحولي إذخر وجليل؟ وهل أردن يوما مياه مجنة؟ وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ هذان جبلان عند الجمهور، قال الخطّابي كنت إلى حين – أي دهراً – أظنهما جبلين حتى نُبِّهت أنهما عينا ماء، ويبدو أن هذا راجح، والله أعلم! على كل حال هو مُستغرِب من هذا، كيف يُوجَد هناك إذخر وجليل؟ ولم يتكلَّم عن الجليل، وهو الثمام، الجليل هو الثمام، يُقال لك أقرب إليك من الثمام ومن كذا، هذا هو الثمام، وهو نبات صحراوي، موجود! فهو يستغرب، ويقول لك هذه ليست مكة الحجاز، مكة ليس فيها الإذخر والجليل، وهو لا يعرف لا الإذخر ولا الجليل، كلامه غير صحيح، مكة فيها الإذخر والجليل.

بعد ذلك يأتي الأعجب من هذا، حدَّثكم عن الثنايا، مع العلم بأن هذا الرجل غريب جداً، وهنا تحتاجون إلى عبقرية جهل حتى تفهم كيف استدل، أنا أتحدى أن مُعظَم مَن سمعه لم يفهم كيف استدل، لذلك لم يردوا على هذه النُقطة أصلاً، ولم يأتوا من ذكر عليها، ذكر الثنايا وقال لكم البتراء فيها الثنايا، ثنية كذا وثنية كذا، وورد في كُتب المُسلِمين أن النبي حين حج – وفي غير الحج أيضاً – نزل من الثنية العُليا وطلع من الثنية السُفلى، ونحن أثبتنا أن البتراء فيها الثنايا، فالبتراء هي مكة إذن، كيف هذا؟ كيف؟ أعِرني عقلك! صعب أن تفهموا هذا، صعب جداً، لابد أن تكونوا عباقرة في الجهل، والله! لابد أن تفقدوا الحد الأدنى من الفهم لكي تقدروا على أن تفهموا، أنا سوف أُفكِّك لكم اللُغز هذا، فعلاً هذا Puzzle، ودائماً هم يتحدَّثون عن الــ Puzzle والــ Puzzling ويقولون Very puzzling، هو هذا الــ Puzzle حقيقةً، اللُغز الحقيقي ما هو؟ ما علاقة هذا بهذا؟ أنا سأفك لكم اللُغز، هو يظن الثنية والثنايا هذه أسماء أعلام، اسم علم! يُوجَد شيئ اسمه ثنية هكذا، هذا علم، انتهى! هو هكذا، علم، ليس موجوداً منه إلا هو، مثل فلان ابن فلان ابن فلان أو مكة المُكرَّمة، أي اسم علم، لا يا حبيبي، هذا ليس اسم علم، الثنية ما هي في اللُغة العربية؟ الثنية هي العقبة، والعقبة ما هي في اللُغة العربية؟ هي الطريق في الجبل يكون وعراً، بيعة العقبة، العقبة الكُبرى، العقبة الصُغرى، وهكذا، العقبة! العقبة هي الطريق في الجبل يكون وعراً، تُسمى ثنية، معناها أينما وجدت جبلاً تقريباً وجدت ماذا؟ ثنايا، والسلام عليكم ورحمة الله.

ما علاقة الثنية والثنايا التي أتيت بها يا دان جيبسون Dan Gibson بما تقول؟ هلكتنا! والله لاقيت الأمرين وأنا أُتابِع هذا الرجل، أُقسِم بالله! لأول مرة تعتريني هذه الحالة، ما الجهل المُركَّب هذا؟ وأجهل منه مَن يُروِّج له، وظنوا أنهم سدَّدوا وصوَّبوا إلى قلب الإسلام سهماً صائباً نافذاً، أي في مقتل، أًصابوا الإسلام في مقتل، كأنهم يقولون نحن أضعنا كل المُسلِمين، لا هم ولا دينهم على شيئ، ما الكلام الفارغ هذا؟ عبقرية الجهل! هذا مُصطلَح جديد.

نفس الشيئ تكرَّر، قال لك ورد في صحيح البخاري أن النبي سعى ببطن المسيل، قال لك ما الذي في مكة؟ قال هذان جبلان، هناك جبلان! يقصد ماذا؟ الصفا والمروة، لكن تعالوا ننظر إلى البتراء، انظروا إلى هنا وهنا، هنا كان يُوجَد مسيل ماء، ويُمكِن أن يكون السعي الحقيقي فعلاً هنا، أرأيتم؟ إذن النبي سعى هنا! لا يعرف ما هو المسيل، المسيل هو الوادي، الوادي يُسمى مسيلاً، مكة أصلاً كلها ماذا؟ وادٍ، ومكة فعلاً تأتيها الأمطار، أليس كذلك؟ وتأتي سيول، وهذه السيول أين تكون؟ تكون في الوادي، في بطن الوادي تأتي، وارجع إلى المُخصَّص لابن سيده، وانظر إلى كلام العرب في مجاري المياه، قال ابن السكيت هو المسيل من الوادي، ومُنتصَفه هو البطن، البطن! والحميل، يقولون لك بطن المسيل وحميل المسيل، بطنه هنا، وهو لا يُنبِت، لا ينبت فيه شيئ، لأنه لا يستقر، وبعد ذلك قال لك هذا هو اسمه، وما يبقى فيه من الحصباء وما إلى ذلك يُسمى ماذا؟ البطحاء، ونحن نسمع عن بطحاء ماذا أيضاً؟ مكة، يا سيدي – يا دان جيبسون Dan Gibson – بكل بساطة النبي سعى ببطن المسيل، أي ببطن الوادي، الوادي يُسمى مسيلاً، ليس بالضرورة فعلاً أن يكون هناك ماء سائل وما إلى ذلك لكي تقول لي هنا يُوجَد جبلان وهنا يُوجَد الماء السائل، هذا غير معقول يا أخي!

على كل حال هناك ما هو أكثر من هذا، حدَّثكم عن غار حراء، وكأن غار حراء في المريخ، انتبهوا! كأن من الصعب أن تصلوا إلى غار حراء لكي تعرفوا مكانه، كأنه في المريخ، تقريباً ما بقيَ أحد حج أو اعتمر إلا ذهب ورأى غار حراء، أليس كذلك؟ قال لكم سوف نرى غار حراء، ما له يا دان جيبسون Dan Gibson غار حراء أيضاً؟ أتُريد أن تغلبنا عليه؟ أتُريد أن تُفقِدنا إياه وأن تُعدِمنا إياه؟ ما قصته؟ قال لكم ورد في سيرة ابن هشام الآتي، علماً بأن هذا الرجل مُتخصِّص في قبول واعتماد كل ما يروقه ويُوافِق غرضه من ماذا؟ من المقطوعات والمُعضَلات وما لا يستند أصلاً من كلام ابن إسحاق وغير ابن إسحاق، هذا إذا وافق غرضه فقط، وهو يُريد التشكيك في القرآن المُتواتِر طبقياً، ليس مُتواتِراً لفظياً فقط وإنما هو مُتواتِر بشكل طبقي أيضاً، القرآن مُتواتِر طبقياً، والأمة لا تحتاج أصلاً لو خُيِّرت ولو اضطرت أن يكون القرآن مكتوباً، لأنها تحفظه عن ظهر قلب، ملايين يحفظونه عبر العصور، كما في حديث عياض بن حمار المجاشعي وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرأه نائماً ويقظان، لماذا لا يغسله الماء؟ لأنه محفوظ في الصدور، وليس في السطور، ولو قد كان حفظه مقصوراً على محفوظيته في السطور لغسله الماء، لكن هو لا يعرف هذا، وشكَّك في آخر الفيلم حتى في القرآن، قال لك القرآن كذا وكذا، وأعطاك ثلاث دقائق فقط، لكي يقول إنه ضرب فيها صدقية القرآن، ما هذا العبث؟ لا نقول هذا عبث علمي، هذا عبث صبياني للأسف الشديد.

فنرجع، حدَّثك عن غار حراء، وقال ورد في ابن هشام أن الخطّاب كان يُضيق ويُؤذي زيداً، حتى أخرجه إلى غار حراء، مُقابِل مكة، ثم قال لك غار حراء لا يُقابِل مكة، ويقصد ماذا؟ إذا نزلت في الغار وقعدت فيه فلن تكون قُبالة مكة، وهذا صحيح، لكن لو وقفت – طلعت إلى الغار ووقفت هكذا – ستكون مكة أمامك، تراها أمامك كلها! وترى الحرم بعينيك، هل هذا واضح؟ هذا معنى أن الغار يُقابِل مكة، طبعاً هو يُقابِلها، أنت تراها كلها، فكيف لا يُقابِلها؟ قال لك نرجع إلى البتراء، فجاء لك على كهف هكذا عنده أصنام – بقايا أصنام، أصنام وثنية – وقال لك هذه بقايا الآلهة، نعم! حس وثني، ما شاء الله، محمد كان يذهب إلى هناك، وهو رائد التوحيد، مُجدِّد التوحيد – عليه السلام -، والأمين الأكبر على توحيد الله، كان يذهب يتحنَّث ويتعبَّد أين؟ في مكان كله أصنام، وليس هذا فحسب، وقال لك هنا يُوجَد رمز الهلال، يُوجَد رمز آله القمر، كبير الآلهة! هل محمد كان يقعد تحته ويتعبَّد؟ أكان يتعبَّد تحت إله القمر؟ ما شاء الله عليك!

قال لك هذا المكان يصلح لهذا، أرأيت؟ تجلس فيه فتُواجِه طبعاً ما ذكرت، نحن لا نرى الكعبة، هنا لا تُوجَد الكعبة طبعاً، فأين الكعبة إذن؟ وأين آثارها؟ قال لك جرفها السيل الذي جاء بعد الزلزال، أرأيت؟ قال لك أتى زلزال في سنة سبعمائة وثلاث عشرة وضرب البتراء، وهذه مُصيبة سوف ترتد عليه أيضاً بعد قليل، لم نسمع في مرة واحدة أن مكة ضربها زلزال، لم نسمع هذا مرة! أليس كذلك؟ والله قال ماذا؟ حَرَمًا آمِنًا ۩، أول ما يكون الأمان وأهم ما يكون الأمان من ماذا؟ من الخسف، والخسف يكون بماذا؟ بالزلازل، أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ۩، أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۩، آيات الخسف كثيرة جداً جداً، الأمان! أن تأمن من الخسف ومن الزلازل، الله قال حَرَمًا آمِنًا ۩، مكة لم تُزلزَل – بفضل الله -، أنت بعظمة لسانك – إن كان فيه عظم – قلت ماذا؟ قلت إن البتراء – Petra – ضُرِبت في سنة خمسمائة وإحدى وخمسين – قبل ميلاد محمد بقليل – مرة، وضُربِت مرة ثانية في سنة سبعمائة وثلاث عشرة، أي إن هذا مُتقارِب، في قرنين من الزمان ضُرِبت بالزلازل، ما هذا الحرم الآمن؟ ثم هل البتراء هذه كانت مَثَابَةً لِلنَّاسِ ۩؟ مكة من يوم عرفناها وسمعنا بها – على الأقل من أيام رسول الله – وهي مثابة للناس، مكة كانت – ولا تزال – مَثَابَةً لِلنَّاسِ ۩، ملايين الناس زاورها، والذي يذهب إليها مرة يُحِب أن يذهب ثانية وثالثة ورابعة وخامسة، إلى اليوم هي مثابة للناس.

بعد ذلك نأتي إلى إبراهيم وإسماعيل، أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ ۩، وأين الذين يطوفون ويعتكفون ويركعون ويسجدون؟ البتراء ليس فيها كل هذا، لكن مكة فيها – بفضل الله تبارك وتعالى – هذا، أنت تقول مكة ضربها الزلزال وأخذها الفيضان – الماء – بعد ذلك، وتقول إنه ضيَّع مُعظَم آثارها هذه التي لها علاقة بالمُقدَّسات الإسلامية ولا يُجبى إليها ثمرات شيئ، وهذا غير صحيح، مكة الحجاز يُجبى إليها الأرزاق من كل العالم ولا تزال، كل الصفات تنطبق على مكة الحجاز! كل الصفات القرآنية – بفضل الله تبارك وتعالى – تنطبق على مكة، بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ۩، وادٍ جاف، البتراء ليست كذلك، البتراء فيها خضار وفيها أشجار وفيها ثمار كثيرة، كانت وإلى الآن هي هكذا، وما حولها أيضاً على هذا النحو، فيها أشجار كثيرة – ما شاء الله – وبساتين، لكن الله قال بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ۩.

ولا تغتر ولا نغتر نحن بفرضيتك التي افترضها لامنس Lammens – هذا مُستشرِق أصله لبناني، وهو نصراني يسوعي – أو مونتجمري وات Montgomery Watt أو غيرهما، وقد تقبَّلها برنارد لويس Bernard Lewis ومكسيم رودنسون Maxime Rodinson وفلان وعلان، وهي أن مكة كانت مركزاً تجارياً عالمياً – قالوا إنها لم تكن حتى مركزاً إقليمياً فقط، وإنما كانت مركزاً تجارياً دولياً، أي كانت مركزاً كبيراً – وأن القيم التجارية أثَّرت فيها وشكَّلت القيم الدينية والاجتماعية، هذه فرضية من عندكم! نحن ليس عندنا الاعتقاد هذا، هذا كله غير صحيح، هذه مدينة مُتواضِعة، وأهلها – كما قلت – عندهم هذه الرحلات، ويأتي إليها الناس كحجّاج، وعندهم طبعاً بعض الأرزاق والتجارة، والله أشار إلى هذا، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ ۩، أي قال الاتجار، وفقط! لكن ليست مركزاً تجارياً عالمياً، هذه الفرضية أنتم افترضتموها، وبعد ذلك لما وجدتم أنها داحضة قلتم هذا يعني أن مكة ليست بمكة، يا أخي ما هذا؟ هل أنت تبني على رمل؟ هل تبني قصراً على أساس من رمل فإذا انهار حمَّلتنا المسئولية؟ نحن لم نقل هذا، ولا كتابنا قال هذا، كتابنا قال بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ۩، كتابنا قال رزقها يُجبى إليها جبياً، لأن لا تنبت فيها هذه الثمار بالشكل الكافي ولا تنبت فيها هذه الخضروات بالشكل المُلائم أبداً، تبقى على طبيعتها الأصلية.

على كل حال هذه حكاية غار حراء أيضاً، هذا كله كلام فارغ، وغير صحيح، غار حراء يُقابِل مكة تماماً، قف أنت هناك وسوف ترى مكة أمامك، بدل أن تتدلى فيه – وهو يتسع إلى أربعة أو خمسة – قف هناك تر مكة تماماً، تحتك كلها، كيف لا يُقابِلها؟ وقال لك غار حراء سيكون في البتراء، والأعجب من هذا الحُميمة، أيضاً في جنوب الأردن، في معان، أي في مُحافَظة معان، الحُميمة! قال لك إذا البتراء هي مكة التي بُعِث فيها محمد ونُبيء فيها وعليه أُنزِل القرآن فإذن لابد أن نجد في البتراء أو قريب منها أهل محمد، أليس كذلك؟ أهل بيت محمد، أي قريش! قال لك بحثنا وتحدَّث عن ثلاثة وأربعين كيلو متراً، وذكر هذا الرقم بالأميال عن قصد، أي لكي يُصغِّر المسافة، ذكره بالأميال، حوالي سبعة وعشرين أو ثمانية وعشرين ميلاً Mile، أي ما يُعادِل ثلاثة وأربعين كيلو متراً، في الحُميمة، ماذا يُوجَد؟ قال لك هنا كان يُوجَد مُستقَر لبني العباس، وكان يُوجَد قصر هنا لهم، إذن انتهى، قريش كانت هنا، يا أخي ما هذه الطريقة في التفكير؟ شيئ – سامحوني – لا يكاد يُصدَّق، هؤلاء الذين كانوا هنا هم أبناء عمومة النبي – أي هم العباسيون -، وبين ظفرين – كما يقول التوانسة – أو بين مُزدوَجين (الحُميمة هنا فعلاً قريبة من البتراء، في جنوب الأردن، مَن الذي أعطاها لهؤلاء العباسيين؟ ومَن الذي سكنها وفعلاً به عُرِفت؟ هل تعرفون عبد الله بن عباس؟ الصحابي الجليل والمُفسِّر عبد الله بن عباس – العباس عم النبي -، ابنه اسمه عليّ، أي عليّ بن عبد الله بن عباس، وكيف جاء وسكن هذه واستقر؟ أهدى هذه المنطقة أو أقطعها له مَن؟ الوليد بن عبد الملك الأموي، هو! قال له خُذها لك هدية، فأقطعه إياها، وفي الحُميمة – سُبحان الله من هذه الحُميمة – سينطلق التخطيط للثورة العباسية، ثورة المُسوِّدة، ثورة الخراسانيين، من الحُميمة! لكن ليس هذا هو، السؤال هو أين آل محمد فعلاً؟ أين عليّ بن أبي طالب؟ وأين ذرية عليّ بن أبي طالب؟ موجودون في الحجاز وفي العراق وفي الكوفة وفي مصر، في العالم كله! هل كلها أصبحت بتراوات؟ هل كلها مكات؟ موجودون في هذه المناطق بشكل أكبر من تواجد بعض العباسيين في الحُميمة، وهؤلاء ليسوا ماذا؟ ليسوا نسل النبي، أليس كذلك؟ أبناء عمومة النبي، أنا أُريد نسل النبي، أهل بيت النبي، أين هم؟ موجودون في الحجاز يا حبيبي، بشكل أكبر بكثير، لكنه لا يعرف هذا، شيئ – كما قلت لك – لا يُصدَّق، عنده طريقة غريبة هذا المسكين، هو يتصيَّد – هذه تصيدات – ويُجمِّع ويُلفِّق ويُجازِف، ويتمنى – نفسه ومُنى عينه كما يُقال – أن تستقيم له هذه النظرية وأن يضرب المُسلِمين فعلاً في مقتل، وذلك التشكيك في كعبتهم وفي قبلتهم).

نأتي إلى الطفيل بن عمرو الدوسي، قال لك البتراء كان فيها آلهة، فيها العُزى، وفيها ذو الشرى، علماً بأنه قال ذو الشُرا، وهذا غير صحيح، قال ذو الشُرا في حين أن الصحيح هو ذو الشرى، ما له ذو الشرى هذا؟ قال لك موجود في الأخبار والآثار وعند ابن هاشم – أي عند ابن إسحاق أيضاً – الآتي عن الطفيل بن عمرو الدوسي، وهو صحابي جليل هذا من دوس، من الأزد، دوس من الأزد، أي أزد عمان، حدَّثك عن الطفيل بن عمرو هذا وعن أنه رأى فيما بعد امرأة كانت صاحبةً له، لأن دوساً كانت معروفة بالزنا كما قال الطفيل لرسول الله، قال يا رسول الله هؤلاء منعهم منك وعنك الزنا، ادع الله عليهم، قال اللهم اهد دوساً وائت بهم مُسلِمين أو قال مُؤمِنين، على كل حال فعلاً كان عنده صديقة يتعاطى معها الفاحشة – والعياذ بالله -، بعد ذلك قالت له تعال، فقال لها لا، فرَّق الإسلام بيني وبينك، كذا وكذا، فقالت له ديني دينك، أنا على دينك، فقال له فاذهبي اغتسلي، أين؟ في حنا ذي الشرى، وطبعاً مُستحيل أن يعرف دان جيبسون Dan Gibson ما الحنا هذه، هذه قصة طويلة، وهي غلَّبت قليلاً العرب أيضاً، فقال لك هي الحمى، حمى ذي الشرى، كما قال ياقوت في مُعجَم البُلدان، وتكلَّم قليلاً عن ذي الشرى وعن هذا المكان، وأتى بأشعار لأبي مليح الهذلي، لكن لا علينا من هذا، فقال له فاذهبي اغتسلى عند حنا ذي الشرى، يُوجَد وشل من ماء هناك، ينزل بعض الماء فيُمكِن أن تغتسلي، فلم تلبث أن ذهبت واغتسلت ورجعت، فجاء دان جيبسون Dan Gibson وهو مُستغرِب، طلع علينا بتعجبه واندهاشه، قال غريب! هل هذا يُمكِن وهو على بُعد آلاف الكيلومترات؟ هل ذهبت واغتسلت بعد أن قطعت آلاف الكيلومترات ثم رجعت؟ لماذا؟ لأن ذا الشرى أين؟ في البتراء، ها هو وصنمه معروف – الأسود هذا -، هو في البتراء.

أولاً – سنتحدَّث باختصار لأن لابد أن نختم الآن بسبب صلاة العصر – وباختصار يا دان جيبسون Dan Gibson مَن قال لك إن دوساً في مكة؟ هو ظن أن دوساً في مكة، على كل حال دوس ليست في مكة، دوس وأهل دوس وقبائل دوس وأفخاذ دوس في الباحة، أي سعودي يعرف أين الباحة، في الجنوب الغربي من المملكة، على جبال الحجاز، تبعد ثلاثمائة وأربعة كيلومترات عن ماذا؟ عن مكة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اللهم زِدنا ولا تنقصنا، وأكرِمنا ولا تُهينا، وأعطِنا ولا تحرمنا، اللهم وانصرنا ولا تنصر علينا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اغفر لنا ولوالدينا، وللمُسلِمين والمُسلِمات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وثبِّت علينا إيماننا، حتى نلقاك غير شاكين ولا مُبدِّلين ولا مُرتَدين، برحمتك ولُطفك الخفي، يا رب العالمين، يا خفي الألطاف.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 فيينا (26/1/2018)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: