إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – تبارك وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ۩ وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ۩ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ۩ وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ۩ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ۩ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

ما من موضوعٍ تقريباً شُنِّعَ ولا يزال يُشنَّع فيه وبسببه على الإسلام الحنيف كموضوعِ تعدد الزوجات وبالذات في الغرب الأوروبي والأمريكي وما دار في مدارهما، من مئات السنين تتوالى التشنيعات والتثريبات والافتراءات أيضاً على الإسلام العظيم في هذا الباب وكأنه هو الذي ابتدأ شرع هذا الموضوع وكأن ليس الكتاب المُقدَّس فتح الباب على مصاريعه أو مصراعيه وسيعاً لهذا الموضوع بحيث لا يُنتهى فيه إلى عدد، الموضوع كان مفتوحاً وبإمكانك أن تتزوَّج مئة أو مائتين أو ألفاً أو الفين، ولذلك الملك وهو ملك من الملوك العهد القديم وليس نبياً عندهم وإن يكن عندنا – عليه السلام – تزوَّج في العهد القديم بسبعمائة من الحرائر وثلاثمائة من الإماء، في الكتاب المُقدَّس – بالذات العهد القديم طبعاً – زُهاء أربعين شخصية عدَّدت الزوجات وأول هذه الشخصيات هو لامك Lamech الذي أتى بعد آدم – عليه السلام – بستة أجيال فقط، أي قبل الطوفان العظيم وكان مُعدِّداً، أما الملوك الجنتايل أو الأمميون الذين ذُكِروا في العهد القديم على أنهم من الذين عدَّدوا فأربعة مذكورون بأسمائهم، أنبياء إسرائيل وملوك إسرائيل، كثيرون الذين عدَّدوا، إبراهيم الخليل أبو الأنبياء وشيخهم – عليه الصلوات والتسليمات – كان مُعدِّداً وهذا معروف، صحيح أن ابنه إسحاق لم يُعدِّد ولكن يعقوب بن إسحاق عدَّد أربع زوجات، أخوه عيسو أو عيصو عدَّد بخمس زوجات، أليفاز بن عيسو عدَّد أيضاً، موسى كان مُعدِّداً وهذا معروف ومُقرَّر، عيزرا كان مُعدِّداً، وطبعاً داود وابن سليمان ملكان عدَّدا، أربعون شخصية عدَّدت، فلماذا يُسكَت عن هذا ويُبدأ في الإسلام كأنه شرع على أن الإسلام لم يشرع التعدّد، يعني لم يبتدأ شرعه، لم يفتجره ولم يتركه سائباً مُرسَلاً لا يقف عند حدٍ محدود فلا ينتهي إلى عدد، بل ردَّه إلى عدد؟!
بالقياس إلى هذا الفتح الإرسالي الواسع في الكتاب المُقدَّس يُعتبَر تقييداً صارماً وشحيحاً، أربعة فقط وبشروط كثيرة، لماذا لا يُحتسَب هذا للإسلام على أنه من ضمن الإصلاحات المِلية في الأديان المُوحِّدة ودائماً يُبتدأ به على أنه انتهى بشيئ عظيم؟!

 زوجات وأولاد جوزيف ف. سميث، ابن أخ جوزيف سميث الابن، قرابة عام 1900.
زوجات وأولاد جوزيف ف. سميث، ابن أخ جوزيف سميث الابن، قرابة عام 1900.
جوزيف سميث
جوزيف سميث

وبالمُناسَبة لم يتفق المسيحيون أو النصارى في الغرب والشرق على حُرمة تعدد الزوجات، وإلى اليوم هناك مَن لا يزال يُعدِّد، ليس فقط طائفة المورمون أتباع جوزيف سيمث Joseph Smith في القرن التاسع عشر الذي حظيَ بثماني وأربعين زوجة ولكن – علماً بأن جوزيف سميث Joseph Smith على أنه مات شاباً في حدود الأربعين من عمره حظيَ بثماني وأربعين زوجة، ويُقال طائفة بسيطة الآن تُعَد سبعة ملايين أو أقل أو أكثر – البروتستانت في تسعينيات القرن العشرين المُتصرِّم عما قريب أو قريباً انتشر فيها ظاهرة التعدد كظاهرة ثقافية وقالوا “نحن نختلف عن طائفة المورمون لاهوتياً لأننا نعتقد أن الكتاب المُقدَّس أباح هذا، وهذا إعادة اعتبار للكتاب المُقدَّس”، ومن المعروف طبعاً أن البروتستانت بالذات يُولون العهد القديم أهمية أكثر مما لدى الكاثوليك على أنهم يعترفون به، فالبروتستانت يهتمون بالعهد القديم أكثر وقالوا “هذا في العهد القديم”، ولذلك المُؤسِّس مارتن لوثر Martin Luther كان مُناضِلاً مُتحمِّساً لفتح باب التعدد خلافاً للكنيسة، والكنيسة الرسمية الأولى لم تُحرِّمه إلا بعد مجمع نيقية – Council of Nicaea – أي ثلاثمائة وخمس وعشرين ولكن قبل ذلك كان سائداً وشائعاً وكان موجوداً، حرَّمته فينيقيا في القرن الرابع إذن – في الثلث الأول من القرن الرابع الميلادي – ثم والت تحريمه في فُرص وفي مُناسَبات أُخرى كان من أشدها أيضاً مُؤتمَر ترينت Trent – The Council of Trent – في القرن السادس عشر من ألف وخمسمائة وأربع وخمسين إلى ألف وخمسمائة وست وثلاثين، فيThe Council of Trent حرَّموه بأشد اللهجات ثم بالغوا بعد ذلك – يعني الكاثوليك – فزعموا بعد أن جعلوا الزواج أحد الأسرار السبعة المُقدَّسة – Sacrament – قائلين “العزوبة والعُذرية عزوبة مُمتدة ابتداءً وامتداداً – أن تبقى المرأة عذراء – أكثر قداسة من الزواج”، ثم قالوا “مَن يزعم أن الزواج مُقدَّس على قدمٍ سواء مع العذرية أو العزوبة كافر ويُلقى عليه الحِرم” أي يُحرَم ويُطرَد وهذا شيئ عجيب، ولذلك اُغريَت وأُقنِعَت ألوف الفتيات العذراوات أو العذارى بأن يكن عرائس للمسيح، فقالوا لهن لا تتزوجن في هذا العالم وكُن عرائس للسيد المسيحBrides of Christ، إسمهن هكذا عرائس المسيح – Brides of Christ – عليه السلام، وطبعاً هذا مسلك عجيب جداً، فجاء مارتن لوثر Martin Luther وهو يقول: هذا غير صحيح، لابد أن نفتح هذا الباب وعلى أُسس كتابية، أنبياء العهد القديم كانوا يُعدِّدون، إبراهيم عدَّد، لماذا؟!

وعيسى لم يأت لينقض الناموس، نعم هناك عبارات غامضة جداً في إنجيل مرقس – Gospel of Mark – يُفهَم منها منع التعدد لكنها ليست صريحة وليست واضحة بالمرة فلم يقتنع لوثر Luther وطبعاً أدرك حجم التحرج في الأوضاع الاجتماعية بما يخص هذا المُشكِل فاقترح مُقترَحات بعضها عجيب ولافت، قال “خيرٌ من أن يُطلِّق الرجل امرأته حين يكون عاجزاً جنسياً فتنفصم هذه العروى الوثقى والميثاق الغليظ – بتعبير القرآن الكريم – أن يُسمَح لأخية – لشقيقه – إن تيسَّر بأن يكون زوجاً لها ثانياً”، وهذا شيئ عجيب، أي زوجان لأمراة واحدة وبالتالي دخلنا في تعدد الأزواج Polyandry، ثم قال “الثمرة أو الناتج أو الوليد يُنسَب للأول، فإن لم يتوفَّر أخ فليكن رجلاً أجنبياً أيضاً ولا مُشكِلة في هذا”، أي يأتي رجل أجنبي وينكح هذه المرأة إلى جانب زوجها الأصيل، فهذا هو ما اقترحه مارتن لوثر Martin Luther وهو شيئ عجيب، وطبعاً في سير أو في أثر مارتن لوثر Martin Luther سار خليفته المُتحمِّس فيليب ميلانكتون Philip Malancton، ميلانكتون Malancton أيضاً ناضل من أجل فتح هذا الباب، دُعاة إعادة التعميد Anabaptists – Anabaptists هم دُعاة إعادة التعميد – وهم من الإصلاحيين أيضاً صرَّحوا وخاصة في مدينة مونستر Münster بألمانيا بأن المسيح الحق هو الذي يُعدِّد الزوجات، فقالوا “هذا هو المسيح الحق، ومَن يفعل هذا فإنه يتشبَّه بالمسيح”، ولذلك لم نعدم أيضاً مُفكِّرين كباراً مسيحيين وبعضهم دُعاة ووعاظ ومُبشِّرين لافتين مثل جون ميلتون John Milton صاحب الفردوس المفقود الذي دعا إلى تعدد الزوجات وقاوم فكرة منع تعدد الزوجات، فهل كان مُسلِماً وهل كان مُهرطِقاً مثل لوثر Luther وميلانكتون Malancton وأمثال هؤلاء وكثيرون عبر العصور؟!

اليهودية طبعاً من حيث الأصل تقول بتعدد الزوجات، الربانيون يُحدِّدونه بأربع – وهذا شيئ عجيب – كالقرآن العظيم استناداً ليس إلى التوراة، ليس العهد القديم وإنما إلى التلمود، التلمود يُحدِّده بأربع ضمن شروط، لأن الربانيين يعتمدون إلى جانب العهد القديم التلمود والمشناه، أما القراؤون – القراؤوت بالعبرية – لا يعترفون بغير التوراة، هؤلاء الذين نشأوا في بغداد العباسية الإسلامية مع عنان بن داود أو عنان ديفيد Anan Ben David، والقراؤون موجودون حتى الآن في دولة الاحتلال موجودن ولهم كنائس ومُصليات، القراؤوت أو القراؤون قالوا “لا نقول بهذا لأننا لا نلتزم إلا بالتوراة وبحدود التوراة”.

إذن من خلال هذا التطواف السريع والمُخِل جداً أعتقد يضح لنا أن الإسلام لم يبتديء هذا ولم يفتجر هذا، الإسلام جاء لكي يُدخَل إصلاحات على هذا الموضوع وهى إصلاحات إنسانية واجتماعية عالية القيمة فلابد أن تُحسَب له بحساب المُوجَب وليس بحساب السالب، أي لابد أن تُحسَب للإسلام وليس على الإسلام.
الأحاديث التي يُذكَر فيها أنه جاء فلان ابن فلان كغيلان الثقفي إلى رسول الله وكان تحته عشر نسوة تدل على وجود التعدد عند العرب، ثقيف بالذات يبدو أنها كانت تُعدِّد كثيراً، وقريش كذلك تُعدِّد، فكل العرب كانوا يُعدِّدون وإلى غير عدد أيضاً، فلا ينتهون إلى عدد أو إلى حد، لكن ثقيف يبدو أنها كانت مشهورة ولذلك حين نُراجِع المُحبَّر لابن حبيب – رحمة الله عليه – نجد أنه أتى بأسماء جماعة – List قائمة – مِمَن أسلموا وكان تحت كلٍ عشر نسوة، والنبي يقول لكلٍ – أي لكل واحد – أمسك أربعاً وفارق سائرهن كما في حديث غيلان الثقفي ونوفل بن مُعاوية والحارث بن قيس ورجل من ثقيف وغيرهم وغيرهم، وهذه الأحاديث إن كان فيها ضعف من جهة الإسناد إلا أنه يشد بعضها بعضاً كما قال العلماء الحفّاظ المُحدِّثون، فالنبي قال إذن أمسك أربعاً وفارق سائرهن.

سأهتبل هذه الفرصة لكي لا أنسى وأُجيب عن سؤال مُهِم يتردَّد كثيراً ولكن قبل أن أُجيب سأقول مرة أُخرى أنني أشعر بالثقل وبالحرج أننا أيضاً بعد مائة سنة من نهضة الفكر الإسلامي والإصلاحي لا نزال نُبديء ونُعيد في هذه الموضوعات، ظننت أنه أتى علينا حينٌ من الدهر قبل عهد النت Net انتهينا فيه من هذه المسائل بل حقيقةً صرنا نسخر مِمَن يُبديء فيها ويُعيد ويُعيد منطق شُبهات حول الإسلام مثل الكتاب الشهير للأستاذ محمد قطب – رحمة الله عليه – ولكن الآن اضطِّررنا اضطراراً أن نتحدَّث في هاته الموضوعة لكي نسد فجوة الجهل والتشوّش والضياع لدى أبنائنا مرة أُخرى الذين يدخلون على المُنتديات وعلى النت Net وعلى غير ذلك ويُعيدونها جذعة ويقولون: ولماذا محمد تزوَّج تسعة؟!

جورج برنارد شو
جورج برنارد شو

ويقولون أيضاً: لماذا شرع لنفسه واستباح لنفسه ما حرَّمه على أُمته؟!
لكن محمد لم يفعل هذا وإن اعترض البعض بالقول أنه مات عن تسع، فصحيح أنه مات عن تسع لكنه لم يفعل، فالذي رميته وقارفته به – صلوات ربي وتسليماته عليه – غير صحيح، ولو كنت مُستشرِقاً أو غير مسلم وقرأت السيرة والقرآن وأسباب النزول قراءة علمية منهجية لما فُوهت بهذا الإثم في حق الشخص العظيم بل الأعظم – عليه الصلاة وأفضل السلام -، سورة النساء هى السورة التي قيَّد الرحمن الرحيم فيها التعدد بهذا القيد الغليظ وذلك بأن يُوقَف فيها عند أربع بشرط العدل وإلا صار الموضوع مُحرَّماً وعليه جماهير من العلماء الكبار وفي رأسهم شيخ المُفسِّرين أبو جعفر بن جرير الذي قال “مُحرَّم”، فإن لم تثق من نفسك بالعدل فهذا مُحرَّم، أي يحرم عليك أن تُعدِّد، ومع ذلك تجد مَن يقول لك أن الإسلام ليس إصلاحاً، وهذا غير صحيح فهو أعظم إصلاح، وطبعاً دعك من اليهودية والنصرانية، فالمصريون كانوا يُعدِّدون إلى غير حد، الهندوسية سمحت بهذا الشيئ أيضاً في الهند، صحيح في ستينيات القرن العشرين القانون العلماني حرَّم التعدد لكن كديانة وعبر العصور تُعدِّد بشكل مُريع، مِن شخصياتهم المُقدَّسة مَن كان يجمع بين عشرة آلاف امرأة، أكثر ما عُرِفَ عنهم تقريباً ستة عشر ألف امرأة ونيف لشخص واحد في الهندوسية، ولذلك حين أتى الأديب العظيم جداً والمُفكِّر الجريء الاشتراكي الفابي أو الفابياوي – Fabian – جورج برنارد شو George Bernard Shaw قدَّم مسرحية إسمها التزوج أو الزواج – Getting Married – وتكلَّم فيها كلاماً في مُنتهى الإنصاف والتبجيل لشرع محمد ودين محمد، ثم قال “يُحسَب لدين محمد ويُحسَب للشرع الإسلامي مُقارَنةً مع الهندوسية والمُورمونية أنه قيَّد الموضوع”، أي أنه وقف به عند أربع فقط، لأن عند المُورمون مفتوح وعند الهندوس مفتوح وكذلك في شريعة التوراة الأصلية إذا لم نُحكِّم التلمود والمشناه فالعدد مفتوح أيضاً، وهذا مذهب القراؤوت أو القرائين أو الظاهر منهم، على كل حال جورج برنارد شو George Bernard Shaw قال “يُحسَب هذا للشرع الإسلامي”، وطبعاً تكلَّم برنارد شو Bernard Shaw وهو رجل ذكي ومعروف ويُعَد باقعة من بواقع الدهر كلاماً قد أجلبه بعد قليل في حق الإسلام وفي حق محمد بالذات وذكر إسم محمد بين اثنين وهما الملك الشاب الإنجليزي هنري الثامن Henry VIII الذي كان زير نساء وبين الملك سليمان وهو ملك التوراة في العهد القديم لأنه تزوَّج بسبعمائة من الحرائر وثلاثمائة من الإماء، أما هنري الثامن Henry VIII فهو الذي شقَّ وفصل كنيسة إنجلترا عن كنيسة الفاتيكان Vatican بسبب آن بولين Anne Boleyn وقضية العهد والميراث والولد وإلى آخره، المُهِم أن عدد الزيجات الرسمية له هو ستة، أعدم ثنتين مِن زوجاته لأن مُعامَلته كانت من أسوأ ما يكون لهن، فإذا كان استراب في واحدة أو كره منها شيئاً يُعدِمها، ومن ثم أعدم الثانية وأعدم الخامسة، أما الثالثة فماتت بقدرها ونفذت بجلدها، والباقيات أو البواقي واجهن مصيراً بائساً جداً، ويقول المُؤرِّخون أن المحظيات والخليلات والعشيقات – Mistresses – فلا عدد لهن عند هنري الثامن Henry VIII، ومن هنا أتى جورج برنارد شو George Bernard Shaw بمحمد في المُنتصَف كأنه يقول لك اعقد مُقارَنة وذلك بعد أن قال “هذا الموضوع لا يُفتينا فيه شخصٌ تزوَّج واحدة مرة، يُفتينا فيه مَن يعرف ما معنى التعدد، اسألوا لو كان حياً هنري الثامن Henry VIII”، وبعد ذلك يقول: ثم ماذا عن الملك سليمان الحكيم – عليه السلام -King Solomon؟!

ونأتي إلى محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – لكي نتساءل متى نزلت الآية الثالثة من سورة النساء وهى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ۩؟!

متى نزلت النساء أصلاً؟!

في أُخريات السنة الثامنة للهجرة، ولكم أن تتخيَّلوا هذا فهى من أواخر السور نزولاً بعد المُمتحِنة أو المُمتحَنة – كلاهما صحيح – علماً بأن المُمتحِنة نزلت بعد الأحزاب، وهذا شيئ جميل يعني أن في الأحزاب نزل قول الحق جل مجده وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا ۩، فحرَّم الله على رجال هذه الأمة – وخاصة الصحابة – أن ينكحوا إحدى أزواج النبي بعد موته لأنه قال له أيضاً في السورة ذاتها لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ۩، فالنبي محصور في هؤلاء المعدودات، والنبي – كما قلت – تُوفيَ عن تسع من النساء، وفي حياته تُوفيَت اثنتان، فهو نكح إحدى عشرة امرأة لكن برناردشو Bernard Shaw يقول أربع عشرة امرأة وهذا غير صحيح، النبي نكح إحدى عشرة فقط، وماتت خديجة في حياته وماتت زينب بنت خُزيمة، وبقيت طبعاً سائرهن، حيث بقيت سودة بنت زمعة وبقيت عائشة وحفصة وأم سلمة هند بنت أبي أُمية المخزومية وصفية بنت حُيي وأم حبيبة رملة بنت أبي سُفيان وميمونة بنت الحارث وجويرية بنت الحارث وإلى آخره، المُهِم هو أن النبي مات عن تسع – عليه الصلاة وأفضل السلام – وكان ممنوعاً عليه أن يُضيف إليهن جديدة وكان ممنوعاً أن يستبدل واحدة مكان واحدة، فحصره الله في المعدود، والأهم من هذا هو أنه كان ممنوعاً على أي رجل في الأمة أن ينكح إحداهن بعد وفاة رسول الله أو إذا فارقها الرسول، فتخيَّلوا لو أن الرسول الآن بعد أن نزلت آية التقييد للتعديد في أُخريات السنة الثامنة للهجرة سرَّح ما فوق الأربعة ماذا سيحصل؟!

سيقضين بقية حياتهن في حرمانٍ رهيب، فممنوع أن تتزوَّج هذه المُطلَّقة، فلو سرَّح خمس نسوة – خمس نساء – سيكون ممنوعاً على أي منهن أن تتزوَّج أو يتزوَّجها أحد من هذه الأمة أو من سواها فتعيش بقية حياتها في حرمان رهيب، وأنا أقول لكم ما هو أكثر رهبة من هذا الحرمان الرهيب كسر قلبها في الدنيا والآخرة، فهى ستفقد مزايا أنها كانت زوجةً لخاتم الأنبياء والمُرسَلين وتُبعَث يوم القيامة زوجة له وتدخل معه الجنة لأنها تُوفيَت كزوجة و تُوفيَ عنها زوجاً، ستفقد كل هذه المزايا من أجل ماذا؟!

طبعاً من المعلوم وليس بنا أن نُعيد تقرير هذا والتذكير به أنه ما تزوَّجهن في الجُملة للمُتعة، مُتعة ماذا؟!
باستثناء عائشة كلهن أيَامَى، كُن أرامل ومُطلَّقات وأنتم تعرفون هذا، وكثير منهن كن عاليات السن، ولسنا يعني باستثناء البعض القليل – صفية وزينب بنت جحش، وقلنا عائشة هذه حالة استثنائية وكانت بكراً – لم يُعرَفن بالجمال، ثم أين المُتعة في حياة رجل يعيش أزواجه كلهن في حُجرات صغيرات جداً؟!

إذا وقف النبي – عليه السلام – تكاد رأسه الشريفة أو يكاد رأسه الشريف يضرب بالسقف بسبب صغر حجم الحُجرات التي كان يعيش فيها، إذا أراد أن يُصلي ضاق به المكان، وعائشة كانت تصف هذا في أحاديث في صحيح مسلم وغيره فهو كان يُصلي من الليل لأنه يقوم الليل ولا يقضي الليالي الحمراء، فلا يُوجَد مثل هذا الكلام عند الرسول، وطبعاً يبيت طاوياً مُعظَم الليالي ويبيتن طاويات أيضاً بلا أكل – أي بلا عشاء – لأن ما يتحصَّل عليه من مال يُعطيه للفقراء والمساكين والأرامل ويتألَّف به قلوب ضعاف الإيمان، فأين المُتعة هنا والقصور الوحور والسرور في هذه الحياة؟!

هل هذه حياة رجل مُتعي شهوي أو شهواني؟!

والله لا يقول هذا رجل عنده مُسكة من عقل أو ذرة من إنصاف، وسنعلم بَعْدَ اَللَّتَيَّا وَ اَلَّتِي وبعد كل هذا الكلام، ومع ذلك سيظل يدأب أُناس على ترديد مخاريقهم وحماقاتهم فلا شأن لنا بهذا لأن الهداية من الله – تبارك وتعالى – والإنصافُ عزيز، فلا يُمكِن أن تجد مُتخندِقاً مُنصِفاً، لا يُمكِن لرجل أن يتخندق في زاوية مُعيَّنة ثم يُنصِف، فقط الذي يُنصِف هو عاشق الحقيقة مُؤمِناً كان أو مُلحِداً، برنارد شو Bernard Shaw قضى مُعظَم حياته مُلحِداً – Atheist – لا يُؤمِن بالله ولكنه أنصف محمداً وأنصف الإسلام في مواقف كثيرة لأنه رجل غير مُتخندِق بل هو حر ومُستقِل، وكان برنارد شو Bernard Shaw يكره جداً التعالي الإنجليزي والشوفينية الإنجليزي حيث أنهم كانوا يعتقدون أنهم استثناء – علماً بأن الآن في أوروبا عموماً مازال فيهم نوع من هذ التعالي على الشرق وخاصة الشرق العربي والمسلم، كأن العرب لا يفهمون شيئاً – ومن هنا صاح على لسان أحد أبطاله في بداية Getting Married في قومه الإنجليزي قائلاً: تباً لكم، ما الذي يجعلكم تظنون أنكم أفقه في قضايا الإصلاح وخُطط الإصلاح من كونفوشيوس 孔夫子 أو محمد أو أدرى بهما؟!

وحقيقةً نطرح هذا السؤال والجواب عندكم أو لديكم: بالله عليكم – وأنا أُناشِد وأستحلف ضمير كل إنسان مُنصِف – هل الغرب خُطته الاجتماعية بالذات في ميدان الزواج والأسرة خُطة جيدة ومُمتازة؟!

لا يقول هذا أيضاً رجل مُحترَم، لا يقول هذا مَن يحترم الإحصاءات والأرقام، فنسبة الأنغال أو الأطفال الذين يُولَدون خارج مُؤسَّسة الزواج – أي Out of wedlock كما يُقال بلغتهم – وصلت إلى شيئ مُريع، في إستونيا Estonia النسبة وصلت إلى تسعة وخمسين في المائة عند البلطيق – منطقة بحر البلطيق – هناك، وتعرفون طبعاً إستونيا Estonia فهى من دول الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو،أي أن كل عشرة أولاد تراهم ذكوراً أو إناثاً يُوجَد منهم تقريباً ستة لا يعرفون آباءهم، فهم ليسوا شرعيين، ومع ذلك سيأتيك مَن يعترض على كلمة وماذا ليسوا شرعيين، فيا سيدي ويا سيدتي ليس لدينا مُشكِلة في كونهم شرعيين في نظرك، لكن هذا الطفل كيف يكون شرعياً وهو لا يعرف أباه؟!

ما شاء الله، فالمسألة ليست مسألة مُصطلَحات، المسألة مسألة واقع اجتماعي وسيكولوجي ونفسي مُدمِّر مُخيف، واقرأوا الأبحاث النفسية التي هى قليلة في هذا الباب وهذا أمر لافت طبعاً، فهناك توجه عام إلى ترسيخ كل هذه المباديء الفلسفية والاجتماعية للحداثة، ولا يُوجَد إرادة للعودة، فكيف نعود وننقض سعي لمائتين سنة؟!

صعب جداً جداً أن نعود، كل هذه الحياة أُعيَد صوغها وبناؤها على جميع المُستويات حتى مُؤسَّساتياً على أساس هذه الأعمدة الفلسفية الجديدة للمنظور الفلسفي الغريب للحياة وخاصة الحياة الاجتماعية وخاصة مُؤسَّسة الزواج والأسرة، فأنا أقول المُشكِلة ليست لديك وليست لدي ولكن المُشكِلة لدى هذا الطفل المسكين، لدى هذا الولد أو هذا الابن أو هذه البنت التي لا تعرف أباها، سلهم أنت بعد أن تسل طبعاً الخبراء النفسيين عن المشاكل التي يُعاني منها هؤلاء، وهى مشاكل معروفة طبعاً فكلها مشاكل عُصابية وتتعلَّق بالاكتئاب وفرط النشاط والإحباط والجنوح إلى الجريمة، ومن هنا نجد أن سبعين في المائة في المملكة المُتحدة – UK – من المُجرِمين هم أطفال غير شرعيين، ماذا ستفعل إذن؟!

فسِّر لي هذا دون أن تقول لي هذا شرعي وهذا غير شرعي فأنا لا أهتم بالمُصطلَحات ولا أهتم بالتوصيفات، ولكن أنا أهتم بالواقع المُر الصعب، فالأداء المدرسي والمُستقبَل الوظيفي ومُستقبَل الزواج لهؤلاء الأطفال سيء جداً، مُعظَم الذين لا يعرفون آباءهم أو أمهاتهم أو آباءهم وأمهاتهم من نُزلاء دور الرعاية والملاجيء لا أب ولا أم لهم وطبعاً ناهيكم عن الذين يُقتَلون ويُرمَون في القمامة والبلوعات وهم صغار، فيُلقَون في القمامة وهم أبناء يوم وأبناء ساعة، علماً بأن أعدادهم بالألوف وهذا شيئ مُخيف ومُريع، فمُستقبَل هؤلاء الزواجي أيضاً يفشل قياساً بالأطفال الشرعيين، فالواحد منهم يفشل أيضاً في الزواج لأنه ناقم على فكرة الزواج لأن فكرة العلاقة بين الذكر والأنثى هى التي أتت به إلى هذه الحياة لكي يحمل ويُكابِد كل هذه الأبهاظ وصنوف وصور المُعاناة، ومع ذلك تجد مَن يقول لك أنه لا مُشكِلة تتعلَّق بالأطفال غير الشرعيين وأن هذا يُعَد أمراً عادياً، وطبعاً سيُقال لك أنني أُعَد مُتخلِّفاً حيث أنني نصير التعدد، وهذا غير صحيح فأنا لست نصير التعدد وإنما أنا نصير العقل والحكمة، وسأقول موقفي من التعدد بعد قليل وسأعرض لمواقف العلماء الكبار المُجدِّدين والمُصلِحين لكن لابد دائماً أن نُقرِّر الحقيقة، فليس المطلوب من العالم المُفكِّر أن يُناغي أهواء الساسة أو الجماهير أو بعض المُنشَقين عن المُجتمَع بإسم أنهم دُعاة إلى كذا، يجب على العالم أن يقول ما يعتقد كحقيقة، والآخرون لهم وعليهم أن يُناقِشوه، فالمفروض أن المُثقَّف المُلتزِم دائماً ينظر إلى مصلحة شعبه ومُجتمَعه وأمته وحتى البشرية، وأن يكون أميناً على الحقيقة مهما أسقط هذا السُلطات الأُخرى بكل أنواعها، وإلا يكون خائناً للحقيقة وسيلعنه التاريخ في يوم من الأيام.

أتذكر بخصوص قضية الأطفال غير الشرعيين أن هذا الإسم هو أكثر إسم مُهذَّب ومُؤدَّب لأنه طبعاً لا يجوز شرعاً ولا أخلاقاً أن يُجرَح هؤلاء المساكين أو أن يكونوا ضحايا مرتين، فهم ضحايا لآباء فاشلين مُجرِمين في حقهم ثم ضحايا لمُثقِّفين نرجسيين، فلا يجب أن نصفهم بأنهم مثلاً بالأنغال أو بأولاد الحرام لأن هذه الكلمات صعبة جداً، ولكن نقول أن هذا الطفل – مثلاً – هو طفل غير شرعي أو طفل مولود خارج مُؤسَّسة الزواج – كما يُقال بالإنجليزية Out of wedlock – فهذا سيكون معقولاً جداً ومُهذَّباً إلى أن أن نجد كلمة واحدة غير مُركَّبة وتكون غير جارحة للتعبير عن حالة هؤلاء لأنهم مساكين ويحتاجون كل دعم وكل تعاطف ولا ينبغي أن نُميِّز ضدهم بأي شكل من أشكال التمييز، وهذا موقف سابق في الفكر الإسلامي، فابن حزم – رحمة الله عليه -يقول عن ابن الحرام في عهدهم “هذا قد يكون أفضل من سيد شريف عند الله، لا ينبغي أن نُميِّز ضده المسكين”، فلماذا نُدفِّعه ثمن جريمة لم يرتكبها هو ولم يخترها؟!

هذا ما قاله ابن حزم وكم لهذا الرجل من إيقاظات وإلماعات إنسانية رائعة، فالطفل غير الشرعي ليس له أي ذنب، أمه تُحاسِب نفسها وضميرها يُحاسِبها والمُجتمَع وكذلك أبوه السرّاق ومُختلِس اللذة والمُتعة، لكن هذا المسكين ليس له أي ذنب ومع يُعاني ولا يزال يُعاني.

وبالمُناسَبة تذكَّرت المُؤرِّخة الألمانية ميريام جيبهارت Miriam Gebhardt التي كتبت كتاب إسمه Als die Soldaten kamen ، أي عندما أتى الجنود أو عندما قدم الجنود، فهى تعني جنود الحُلفاء ضد المحور الذين جاءوا ليُحرِّروا بلدها ألمانيا، وطبعاً المُوثَّق كما قالت في كتابها المُثير جداً هذا والمُؤلِم والجارح مليون حالة اغتصاب، حظ الأمريكان منها مائتا ألف حالة، هذا هو المُوثَّق فقط غير الأشياء التي لم تُوثَّق والنساء التي اغتُصِبن وقُتِلن، وطبعاً الاغتصاب لم يكن وقفاً على النساء ولم يكن مُعظَمه على النساء كما تقول السيدة جيبهارت Gebhardt لكن الأطفال اُغتصِبن وكذلك المُسِنات والشيوخ الرجال اُغتصِبوا، وهذه أشياء مُخيفة لا تدل أبداً على الأخلاقية العالية، ومع ذلك يقولون لك لا مُشكِلة، وهذا غير صحيح فهناك مُشكِلة أخلاقية ومُشكِلة في فلسفة الحياة، هناك مُشكِلة حين تبتعد عن الله، وأنا لا أستطيع أن أقتنع بغير هذا، كم قرأت وكم أُحاوِل وكذا ولكنني لم أستطع إلا أن أقتنع بهذا، فهناك مُشكِلة غير طبيعية حين يبتعد الإنسان عن أصله السماوي وعن الرقابة الدائمة عليه حين يكفر به ولا يُقِر بها، هناك مُشكِلة حقيقية إذا ارتفعت القبضة فقط عن هؤلاء قليلاً، وأنا مُتأكِّد أن مَن قاموا بهذه الاغتصابات كانوا دائماً في بلادهم هناك يُعرِبون ويُكشِفون عن صورة مُمتازة للمُواطِن الصالح -Good Citizen – الطيب الذي يُلقي التحية ويتبسَّم للكل ولكنه أول ما سنحت له الفرصة انقلب إلى وحش كاسر فاغتصب النساء والأطفال، وانظروا إلى مُعتقَل أبو غريب وغيره من المُعتقَلات، فهذا شيئ عجيب ويدل على وجود مُشكِلة إذن، وطبعاً نحن الآن لسنا برءاء من هذه المُشكِلة، فيُوجَد مُشكِلة أخلاقية أيضاً عُظمى عند المسلمين لأن الدين كف أن يكون ديناً، الدين أصبح كل شيئ إلا أن يكون ديناً، أصبح سياسة وأصبح حزبية وأصبح تنفيساً عن أحقاد وأصبح طائفية وأصبح كل شيئ إلا أن يكون ديناً يُربي الضمير ويُهذِّب النفس ويصل حبل العبد بالله – تبارك وتعالى – ليس آناء الليل وأطراف النهار بل في كل وقت وفي كل ساعة وفي كل حين، هذا هو الدين وإلا لا أعبأ بكل الطقوس والشعائر التي يتكثَّر بها المُتكثِّرون مع أنهم خلوٌ من الحد الأدنى من الأخلاقية والإنسانية، وإلا عن أي دين تُحدِّثني إذن؟!

ميريام جيبهارت
ميريام جيبهارت

Als die Soldaten kamenالمُهِم هو أن السيدة ميريام جيبهارت Miriam Gebhardt تقول وفقاً لحالات كثيرة حدثت “أحد هؤلاء المسكين – علماً بأن في ألمانيا يُوجَد طبعاً نصف مليون رجل وامرأة الآن وبعضهم في العقد الثامن من عمره أو في بداية العقد الثامن ويسألون عن آبائهم وأمهاتهم، وخاصة الآباء بالذات – هو رجل سبعيني – عمره إحدى وسبعون سنة – يقول لها يبدو أنني سأموت مُهدَر الكرامة فقد حاولت وحاولت ولم أتوان في أن أعرف مَن هؤلاء أبي، ولكنني لم أعرف إلى الآن ابن مَن أنا، وبالتالي يبدو أنني سأموت وأنا مُهدَر الكرامة”.

إذن إياكَ وإياكِ أن تُحدِّثني أو أن تُحدِّثينني عن أن مُشكِلة الأولاد غير الشرعيين تُعَد مُشكِلة بسيطة لأنها ليست بسيطة بالمرة بل هى مُشكِلة رهيبة، وطبعاً الدراسات السيكولوجية التي قارنت بين الأطفال غير الشرعيين وبين الأيتام وجدوا أن الميزان ماتع ومائل لصالح الأيتام بشكل واضح، فاليتيم يعرف مَن هو أبوه حتى وإن مات أبوه أو قُتِل واُغتيل أو مات ميتة ربنية أو مات في الحرب، يعرف هذا اليتيم هاته الأشياء وبالتالي هو مُستقِر إلى حد بعيد جداً جداً وعنده حاجات أُخرى أيضاً زائدة عن الطفل في ظل أُسرة مُتكامِلة ولكن ليس لديه كل هذه المُعاناة التي يُعانيها الطفل غير الشرعي الذي لا يعرف مَن هو أبوه أو مَن هما أبواه، إذن هذه المسألة هى مسألة مُهِمة جداً.

التليجراف The Telegraph أعتقد في شهر سبعة – July – ألفين وثلاثة عشر على ما أعتقد كتبت تقريراً – علماً بأن هذا التقرير يُوجَد على النت Net لمَن أراد أن يقرأه كاملاً – مُهِماً ومُثيراً، يقول التقرير “في سنة ألف وتسعمائة وتسع وسبعين كانت نسبة الأطفال غير الشرعيين في المملكة المُتحِدة – UK – أحد عشر في المائة فقط”،وستتعجب من هذا وستقول أنه يُعَد شيئاً رهيباً وهو طبعاً كذلك بالقياس إلى ألفين وثلاثة عشر حيث وصلت النسبة إلى سبعة وأربعين فاصل خمسة في المائة في المملكة المُتحِدة، أي قريبة من حد الخمسين في المائة، فقالوا “واضح جداً أن التصارع مُثير ومُقلِق، في ألفين وستة عشر سنتخطى حدود خمسين في المائين، أي سيُصبِح أكثر من نصف المُجتمَع أولاد حرام”، ثلاثمائة وخمسين ألف طفل في ألفين وثلاثة عشر في المملكة كانوا لا يعرفون آباءهم أو خارج مُؤسَّسة الزواج، وهذا شيئ مُريع ومُخيف، فلا تقل لي لا يُوجَد مُشكِلة، هناك مُشكِلة حقيقية في هذه المسائل.

CR7ERyIWUAELTlP

نعود إلى موضوعتنا الأصلية بعد أن فرغنا من هذا السؤال والجواب عنه، فالنبي إذن لم يشرع لنفسه ما لم يشرعه لأمته، وذلك لأن آية التقييد في التعديد جاءت مُتأخِّرة وسبقتها آية الأحزاب التي منعته أن يستنبدل بأزواجه أو يُضيف عليهن كما منعت رجال أمته أن ينكحوا إحداهن، وأنا أقول لكم أن التصرف الأكثر إنسانية هو أن يستبقي هؤلاء التسع بكل أعبائهم ومشاكلهم طبعاً لأن هذا سيكون أفضل كثيراً من أن يُطلِّق خمس نسوة فيحدث لهن الحرمان بعد ذلك، وطبعاً إبقاء هذا العدد يُمثِّل أعباءً على رسول الله، ومعروف طبعاً نوعية هذه الأعباء مثل التغاير وطلب النفقة وطلب أشياء كثيرة أيضاً، ومن هنا ذكرت سورة الأحزاب جانباً من هذه الأعباء النفسية الثقيلة على رسول الله وعلى أزواجه رضوان عليهن وعنهن جمعاوات. نعود إلى موضوعنا وهو: ما موقف المُسلِمين من تعدد الزوجات؟!

طبعاً هناك فرق إسلامية قليلة وهى فرق كما يٌقال أقلوية مثل الإسماعيلية وابنتها القرمطية – القرامطة – والدروز – علماً بأن علاقتهم بالإسماعيلية واضحة أيضاً – حرَّموا التعدد، فهذه الفرق الثلاث حرّمت تعدد الزوجات وقالت”لا يُوجَد عندنا تعدد أزواج”، وهذا طبعاً رأيهم.

صورة تقريبة لأبو العلاء المعري
صورة تقريبة لأبو العلاء المعري

الشاعر والأديب والفيلسوف أبو العلاء المعري كان حامل لواء مُناهَض تعدد الزوجات ولكنه لم يكن عالماَ شرعياً فلم تُحدِث دعوته هذه أثراً يُذكَر، لكن كان واضحاً جداً في كل كُتبه وفي أشعاره وفي رسالته أنه كان مُناهِضاً لفكرة تعدد الزوجات.
بعض المُعتزِلة أو بالأحرى فريق قليل من المُعتزِلة في عهد الخليفة العباسي الشهير عبد الله المأمون ذهبوا إلى تحريم تعدد الزوجات بتأويل لكتاب الله تبارك وتعالى، فذهبوا إلى الآية التسعة والعشرين بعد المائة من سورة النساء التي تقول وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۩ وقالوا “الله هنا ينفي بشكل واضح إمكان تحقيق العدل أو التحقق بالعدل، والعدلُ شرطٌ في إباحة التعديد أو التعدد والله ينفيه، إذن فهو حرام”، لكن واضح طبعاً أن هذا تلاعب بالقرآن، فلو اكملوا الآية لوجدوا أنها تقول فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۩، إذن واضح أن بعض الميل مأذونٌ فيه وهو ميل القلب، فالرجل – مثلاً – قد لا يعدل بين أولاده ولكن من غير المعقول أن يأتيني فيلسوف مُتفلسِف مُتخاذِل الكلام ومُتهافِته وهو يقول لي “يحرم علينا أن نُعدِّد الإنجاب، وينبغي أن نكتفي بولد واحد سواء كان ابن أو ابنة حسب حظ الشخص لأننا لن نعدل بين أولادنا في المحبة”، وفعلاً لا يُمكِن لأحد أن يزعم أنه يُحِب أولاده على قدم سواء بسبب وجود تفاوت في المحبة ولكنه يعدل في الجميع العدل الظاهري ويُظهِر للجميع أيضاً المحبة المُتساوية، أما القلب فواضح جداً أنه يميل إلى البعض دون البعض حتى في الأولاد – لا إله إلا الله – لأن هذه هى طبيعة الإنسان.

النبي هو أعدل البشر وأكثرهم تحققاً بالأخلاق والقيم وروت عنه أمنا عائشة رضوان الله عليه قائلة ” كان – صلى الله عليه وسلَّم – يقسم بين أزواجه ويعدل ويقول اللهم هذا قسمي – أي قسمتي – فيما أملك، فلا تُؤاخِذني فيما تملك ولا أملك، ويُشير إلى قلبه”.

هذا هو القلب إذن، فأنا لا أستطيع أن أعدل في المحبة القلبية ومن هنا هذه معفوٌ عنها، إذن لابد من العدل المشروط وهو صعبٌ جداً، وبالتالي محمد عبده وإن بالغ قليلاً لم يُبعِد النجعة حين قال “لو وجدت في المليون واحداً سيكون خيراً”، أي إذا وجدت في كل مليون مُعدِّد واحد يعدل العدل الذي اشترطه جماهير الفقهاء سيكوم جيداً، والعدل الذي اشترطه الجمهور هو العدل في المسكن والعدل في المبيت والعدل في الملبس والعدل في المطعم والمشرب والعدل في النفقة والعدل في حُسن الصُحبة والعِشرة، هذه وجوه العدل التي اشترطها جماهير الفقهاء خلافاً للسادة المالكية الذين لم يشترطوا إلا العدل في المبيت، ومع ذلك قالوا – المالكية أعني – كما في مواهب الجليل للحطاب وغيره”إذا لم يعدل كانت جُرحةً في إمامته وشهادته”، والنبي حذَّر جداً من هذا الجور ومن هذ الظلم وقال “مَن كانت له زوجتان فلم يعدل بينهما أتى يوم القيامة – أي بُعِثَ وقام من قبره – وشقه مائل”، يُبعَث هكذا كالمفلوج والعياذ بالله، وطبعاً واضح أن شقه مَن مائل ميزانه مائل، إلا الظلم إذن وبالتالي من الصعب جداً جداً جداً أن نجد مَن يعدل، ولذلك شيخ المُفسِّرين أبو جعفر بن جرير الطبري – رحمة الله عليه – له كلام صدمني شخصياً، ابن جرير كان يعيش في القرن الثالث وتُوفيَ في أول الرابع أو في صدر الرابع ومع ذلك عنده هذا الفهم العميق، فلم يفهم الآية كما يفهمها الآن – ما شاء الله – غِلمان المسلمين حيث ترى بعضهم يتندَّر في مقاطع على اليوتيوب YouTube ويقول ” هذه ثمرة تُفاح وهذه ثمرة إجاص وهذه ثمرة مانجو”، فما هذا الكلام الفارغ؟!

هل أنت تجلس في المطبخ؟!

أنت تتكلَّم بعقلية طبائخية ولا عقل لك، وطبعاً واضح أنك طبَّاخ بل أن الطبّاخ أشرف من أن يتكلَّم بهذه الطريقة التي تتكلَّم بها عن النساء وهن شقائق الرجال، فأنت تتحدَّث عن أمك وعن أختك وعن ابنتك بعقلية مانجو وجوافة، فما هذا الهبل الذي نحن فيه؟!

هؤلاء أولاد صغار وغِلمان سُدى ضائعون، لكن شيخ المُفسِّرين أبو جعفر بن جرير وهو مَن هو علماً باللغة وبالقراءات وبالتفسير وبالتاريخ وبخلفيات التشريع فهم من الآية أنها إنما أتت أصالةً للنهي لا للأمر وقال “الأمر الأصل فيها أن يكون للإيجاب والتحتيم والإلزام، ولكنه يخرج أحياناً عن الإلزام ليكون للإرشاد والتأديب والإعلام”، فما نحن بصدده فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ۩من هذا أو من هذا؟!

قال “من النوع الثاني أي من الأرشاد والتأديب والأعلام، فهو ليس من الإلزام، وإن أُخرِجَ مخرج الأمرِ”، فهكذا هو الكلام الذي قاله تقريباً بنصه وفصه، فالمُراد بهذه الآية النهي، ولذلك لم يتشدَّد شيخ المُفسِّرين أبو جعفر بن جرير – رحمة الله عليه – بل بالعكس فهم روح التشريع وقال “مَن خاف من نفسه الظلم والجور إذا عدَّد حُرِمَ أو حُرِّمَ عليه أن يُعدِّد”، ورشيد رضا أكَّد هذا المذهب طبعاً ولكن ليس مُتابَعةً لابن جرير وإنما لشيخه المُصلِح محمد عبده طبعاً علماً بأن المذهب مُتشدِّد عنده في التعدد ووجوب تقييده، ويأمر الدولة بأن تحظره لأن هذا من صلاحيات الإمام الرسمية، فعلى أعلى رأس في الدولة أن تفعل هذا، وقال رشيد رضا “فبالأحرى والأولى مَن أيقن مِن نفسه أو مَن كان عازماً على عدم العدل ألا يُعدِّد”.

وطبعاً هناك رجال كثيرون لا يتزوَّج الواحد منهم الثانية أو الثالثة إلا انتقاماً من الأولى ونكايةً في الأولى، فكأنه يقول لها سوف أدِّبك، وعندنا مثل عامي في العريش في مصر وفي فلسطين يقول “اضرب العصا بالعصا – صحيح أن العصا تُقرَع بالعصا – واضرب النسا بالنسا”، وهذا طبعاً ليس من الفقه الجيد، فلا يُمكِن أن يُقال “اضرب العصا بالعصا واضرب النسا بالنسا”، ومع ذلك هم يقولون إذا أردت أن تُؤدِّب زوجتك وأن تُقيمها على الصراط المُستقيم ومن ثم تسير على البيض دون أن تُكسِّره فينبغي أن تتزوَّج عليها، وهذا غير صحيح ويدل على أنك عازم على الظلم منذ البداية، فأين الدين هنا يا رجل؟!
لا يُوجَد دين، دين الناس قليل، فلا يُوجَد إلا المظاهر والطقوس والشكل، فسهل جداً أن تُطلِق لحية وسهل جداً أن تلبس جلباباً وسهل جداً أن تُصلي في المسجد ولكن صعب جداً أن تعدل ليس فقط في النساء وإنما في كل شيئ، كأن تعدل في قولك وفي شهادتك على الناس وفي تقييمك للبشر وفي إعطاء الناس حقوقها، إذن صعب جداً جداً أن تعدل في كل شيئ، وأنا أقول لك في هذا اليوم المُبارَك من رمضان في جُمعة في بيت الله: واللهِ – بكسر الهاء – الطريق طويلة وغير سالكة ووعرة هذا إن وصلت بوعورتها إلى الله لمَن لم يُقِم ميزان الحق والعدل، وأقصر طريق إلى الله – لا إله إلا هو – العدل والقسط، فالأصل في إنزال الشرائع لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ ۩، ولذلك اعدل ولو في نفسك وقل “أنا الباديء، أنا الظالم”، اعدل لأن الله هو الحق، ولا يُوصَل إلى الحق – لا إله إلا هو – إلا بالقيام بالحق، أي لابد من القسط الكامل بأخذ الحق وإعطاء الحق، فينبغي أن تكون شديداً على نفسك وأن تكون أشد من شدة شريكك الشحيح الحريص عليك، وأنا يجب أن أكون كذلك لأن هذه مصلحتي الأُخروية ومصلحتي الروحية، فسعادتي الآن أن أعيش مع الله – عز وجل – في سبوحات مجده، فالآن أنا اعيش مع الكنز بل مع كنز الكنوز – لا إله إلا هو – لكن هذا لا يأتي بالظلم وبالتبريرات والتسويغات والكذب، وإنما يأتي بالقسط، فلا تقل لي أنه من المُمكِن أن يتزوَّج ويعدل لأن هذا صعب جداً جداً جداً، علماً بأن أبا حنيفة كان من روّاد أيضاً التزهيد في التعديد، أبو حنيفة لم يُحِب التعديد بالمرة وهو لم يُعدِّد وهو الإمام الأعظم، فقد كان بإمكانه أن يتزوَّج ألف واحدة، عن طريق يتزوَّج ويُطلِّق ويتزوَّج ويُطلِّق لأنه إمام والكل يتشرَّف أن يُعطيه، ولكنه لم يفعل واكتفى بواحدة لأنه كان يكره هذا.

الخليفة العباسي الجبّار والبخيل العباسي أبو جعفر المنصور بعث لأبي حنيفة مرة يطلب الرأي الشرعي في مسألة، ولكن قبل أن أذكرها أُحِب أن ألفت إلى الأدب الشديد في هاته وإن كنت لا أُحِب هذا الرجل ولكنني أحبيت فيه هذا الشيئ ورجوت له الخير عند الله، فرغم أن هؤلاء كانوا ظلمة إلا أنه كان يُوجَد رجولة ومروءة بل ودين أيضاً ولو قليلاً، فهم أحسن منا بالقياس إلينا، فلو كنا مكانهم لأهلكنا الحرث والنسل بالأخلاق التي لدينا وبالبذاءات التي نعيش فيها، المُهِم هو أن الخليفة المنصور كان عنده كان مُشكِلة لأنه تزوَّج زوجته الأولى ولم يتزوَّج غيرها لأنها شرطت عليه ألا يتزوَّج عليها، قالت له” هذا شرط”، وسوف نرى أن هذا الشرط يجوز فقهياً طبعاً لأن الإسلام تقدّمي منذ يومه الأول فلم يكن مُتأثِّراً بالعلمانية وأوروبا أو ما إلى هناك، الإسلام من اليوم الأول وهو دين عظيم لأنه دين إلهي وليس دين محمد أو دين الصحابة، هذا دين إلهي أتى من أعلى من عند الله، والله رب الذكر والأنثى، وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ۩، وبالتالي الله ليس – أستغفر الله العظيم – مُتحيزاً وشرع الله ليس شرعاً ذكورياً ولا أمموياً، هو شرع إنساني إذن.

المُهِم هو أن زوجة المنصور شرطت عليه ألا يتزوَّج عليها ثم ذهبت الأيام وأتت ووقعت مُشاكَسات بينهما ومُشاحَنات، وهى الآن في موقف قوة ولا يستطيع أحد أن يطال رأسها الآن لأنها قوية، فبعث إلى أبي حنيفة وأحضر زوجته وقال له “يا أبا حنيفة حدِّثها أن الله أباح التعدد”، وانظروا الآن الإمامة الحقة، فما أفقهك يا أبا حنيفة، والله العظيم شيئ يبكي، واليوم صعاليك رجال الدين والعلماء يُفتون بذبح الناس، ويقول الواحد منهم “اذبحهم لأنهم كفّار زنادقة” فقط من أجل أن يملأ الحاكم جيوبه بالمال أو من أجل أن يُظهَره على المحطة الرسمية أو أن يُعطيه منصب الإفتاءأو غير ذلك، فلعنة الله على الظالمين أين كانوا ومَن كانوا، لأن هذه الأمة ذهبت بهذا الظلم وباللعب وبضعف الشخصية، فأنت يا رجل حين تكون إماماً عليك حقيقياً وتتوفَّر على علم حقيقي فأنت باعتبار من الاعتبارات أرقى من هذا الرجل الذي أمامك وهو باعتبار آخر طبعاً أرقى منك وهو اعتبار السُلطة، لكن العلم له جلال فهو علم إلهي رباني وليس لعباً أو أكلاً وشرباً أو ثمرة مُوز أو تفاح أو مانجو، المُهِم هو أن أبا حنيفة قال له “يا إمير المُؤمِنين إنما أباح الله التعدد أو التعديد لمَن عدل، ومَن لم يُوقِن مِن نفسه العدل حرامٌ عليه أن يُعدِّد”، فأُسقِط في يد المنصور وفرحت المرأة وأخذت تُهلِّل المرأة لأبي حنيفة وتقول “يعيش أبو حنيفة” لأن أبا حنيفة لا يُحِب التعدد لأنه يعلم أنه يُعَد ظلماً بل هو باب من أبواب الظلم وأن الله سوف يسأله عنه ويقول له: لماذا أفتيت؟!
أتى رجل ذات مرة إلى أبي حنيفة وقال له “يا إمام استمعت إلى مُحادَثة طريفة بين اثنين”، فقال له: ماذا استمعت؟!

قال أحدهما يقول للثاني ” لو كان عندي أربعمائة درهم لتزوَّجت”، فسأله الآخر: أوليس تحت امرأة؟!

أي أنه يسأله هل هو مُتزوِّج من امرأة أم لا، فقال “بلى، واحدة إذا حاضت حضتُ”، لأنه رجل يُحِب النساء وبالتالي عندما تحيض زوجته لمدة تصل إلى سبعة أو ثمانية أيام يظل هو كالحائض لأنه يشعر بالتعب، فعلَّق أبو حنيفة علَّق قائلاً “صاحب الواحدة في سرور وصاحب الثنتين في شرور، ومَن لم يُصوِّبني فليُجرِّب”، أي كأنه يقول له جرِّب يا أبا العُرِّيف وسوف تأكلها ساخنة – كما يُقال بالعامية الآن – جداً.

الفقيه والأديب والواعظ أبو الفرج بن الجوزي قال كلاماً جميلاً في صيد الخاطر، علماً بأنني لو سُئلت عن موقفه من التعدد دون أن أقرأ كلامه لاعتقدت أنه من المُعدِّدين فهو أديب وشاعر وما إلى هنالك، ولكنه قال “مُعظَم ما يدخل من الشر والسوء على الإنسان إنما بسبب كثرة النساء” أي بسبب التعديد، وبدأ يُعدِّد لك أضرار مُصيبة التعديد، ثم ختم – رحمة الله عليه – قائلاً “العاقلُ هو مَن يرضى بواحدة إذا وافقت غرضه”، أي إذا أعجبتك امرأتك بسبب أخلاقها أو جمالها أو غير ذلك فعليك أن تكتفي بها يا رجل، وطبعاً ذكر في حنايا وفي أثناء وأنحاء كلامه شيئاً عظيماً ذكياً فقال ” المُعدِّد يظن أنه إن تزوَّج الثانية سيشبع وسيرضى ولكنه ما إن يأخذ الثانية إلا وتطمح نفسه إلى الثالثة، فيأخذ الثالثة ومن ثم تطمح نفسه إلى الرابعة، فيأخذ الرابعة وبالتالي لابد أن يُطلِّق إحداهن ليأخذ الخامسة وهكذا”، ومن هنا شيخ الدُعاة المُعاصِرين محمد الغزالي – روَّح الله روحه في عليين – قال “كلما ذاق جديداً طلب مزيداً” فيعيش كزير نساء ومن ثم يُصاب بالتعب والخرف ثم يهلك، وهذا غير صحيح لأنك كرجل لست مخلوقاً للمُتعة ولكن أنت خُلِقت لأشياء أرقى من ذلك، إذن اكتف بالمُتعة بالواحدة التي عندك يا رجل وكُن عاقلاً، لكن المُشكِلة هى انك تتحدَّث عن إنسان ليس عنده لا ثقافة ولا علم ولا وعي، ثقافته هى ثقافة جاهلية كالجاهلية الأولى بل وأسوأ منها، فنحن عندنا الآن بعض الأشياء شديدة الجاهلية وخاصة تلك التي تتعلَّق بالموقف من المرأة.

مصطفى السباعي
مصطفى السباعي

العلّامة مُصطفى السباعي – رحمة الله عليه – يقول “أعظم الناس تحملاً للأعباء – أي عنده أعباء كبيرة – صاحب الثنتين”، كأنه يقول ادعوا له أن يُعينه الله على هذه المُصيبة الكبيرة، ومن هنا يقول الشاعر:

تزوجت اثنتين لفرط جهلي                   وقد حاز البلى زوج اثنتين

فعلاً حاز البلى، علماً بأن هذه الأبيات لأعرابي قديم غير معروف وليست للشيخ الغزي كما ظن مُصطفى السباعي، لأن الغزي هذا كان في القرن العشرين، أما هذه الأبيات فهى لأعرابي قديم جداً غير معروف وأوردها أبو علي القالي في النوادر وفي الأمالي، ثم أن الشيخ السباعي – رحمة الله عليه – قال “وأقرب الناس إلى الهلاك – يهلك كأن يُصاب بجلطة أو يُصاب بأمراض عصبية عقلية فينفلج وينقهر ويموت مقهوراً – صاحب الثلاث”، أي أن المُصيبة ستكون كبيرة ومُثلَّثة، ثم قال “وصاحب الأربع أقرب إلى الجنون”، أي أنه يُجَن، فلا تُصدِّقوا إذن هؤلاء المشائخ الذين يظهرون في مقاطع على اليوتيوب Youtube – – وغيره وهم يرقصون ويُغنون حين يتحدَّثون لك عن التعدد، وإلا فأنت رجل مسكين وتُخاطِر بدينك فضلاً عن أنك تُخاطِر ببدنك وصحتك وعقلك واستقرارك.

مَن ذا يُخالِف ويُجادِل ويُماري في أن التعدد في هذا العصر – أي في ظرف عصري أو في دولة عصرية أو في مُجتمَع عصري – أصعب بكثير منه في مُجتمَع تقليدي؟!

أصعب بكثير جداً جداً جداً جداً ولا يستطيع أحد أن يُناقِش في هذه الجُزئية، لكن قديماً كانت الأمهات والجدات – والله – مسكينات وساذجات وبسيطات ومن ثم يقبلن ما يُملى عليهن ويرضين بما يُلقى إليهن، فتحصل الواحدة منهن على ثوب واحد كل سنتين وترى أن زوجها أتى لها بالدنيا وما فيها ومن ثم تخرج تتمخطر أمام جاراتها بهذا الثوب الذي تحصل عليه كل سنتين أو كل خمس سنين، لكن المرأة اليوم – لا نذمها لأننا مثلها أيضاً – اختلفت طبعاً لأنها تعيش في مُجتمَع عصري يُنادي بحقوق المرأة وتحرير المرأة، وتقول لك “حقوقي والله قال والرسول قال وفلان قال وفلان ألَّف” لأنها مُثقَّفة طبعاً فهى بنت مدارس وجامعات، وبالتالي هذه ليست ساذجة وبسيطة مثل أمك ومثل جدتك،هذه تعرف حقوقها جداً بل وتُفضِّل أنت تُطلَّق على أن تعيش بلا حرية فتقول لك “طلِّقني يا أخي ولتذهب إلى الجحيم وخُذ أولادك معك، لأنني أُريد حُريتي وأُريد شخصيتي”، فالوضع اليوم أصبح صعباً جداً ولذلك علّامة المغرب في وقته المُصلِح الكبير والمُناضِل الشهير علّال الفاسي في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها دعا الدولة رسمياً أن تسد باب التعديد، وقال أن هذا يجوز لأمير المُؤمِنين أو الخليفة أو للسُلطان أو للرئيس أو للملك، وهذا هو الصحيح إن اعترض البعض قائلاً أن هذا يُعَد لعباً بالدين ومن ثم فهو غير جائز، لكن هذا يجوز طبعاً لأن النبي – عليه السلام – منع الصحابة في مُجتمَع المدينة أن يدخروا بعد ثلاثة أيام شيئاً من لحوم الأضاحي على الرغم من الادخار يُعَد جائزاً، ولكن بصفته إماماً وسُلطة عُليا قال لهم يُوجَد ظرف طاريء لم يتنبَّهوا إليه وهو قدوم جماعة من الناس على المدينة كضيوف ومن ثم هم يُريدون أن يأكلوا، فممنوع أن يدخر أي أحد شيئاً وعلى الجميع أن يتصدَّق بما لديه من لحوم الأضاحي دون أن يدخر شيئاً من أجل كفالة مَن طرأوا على المدينة.

أي دولة عصرية مثل النمسا وفي ألمانيا وفي بريطانيا تُنشيء المحميات الطبيعية وتقول لك ممنوع الصيد هنا على الرغم من أن الصيد يُعَد حلالاً، ولكن هنا ممنوع بأمر الدولة فيُصبِح حراماً لأنها قالت ممنوع الصيد هنا أو ممنوع الصيد هنا من الساعة كذا إلى الساعة كذا أو ممنوع الصيد في موسم كذا أو ممنوع صيد السمك هنا أو فروخ السمك ممنوع وهكذا، فكل الدول تفعل هذا، إذن المسلمون كانوا مُتقدِّمين ولم يكونوا بدعاً من الأمم حين أعطوا الخليفة هذه الصلوحية وقالوا رأي الإمام وقرار الإمام يرفع الخلاف ويجوز له أن يُقيِّد ألمُباحات إن علم أن في تقييدها ما يدفع مفسدةً شائعة غالبة، ثم يُخرَّج هذا على قاعدة أُخرى وهى أن المفسدة الغالبة تُعطى حُكم المفسدة العامة الشاملة الكُلية، فهذا يكون أمراً عادياً لأنها غالبة، والآن مفسدة التعديد – والله – غالبة، وأحلف عليها وأنا صائم ومن ثم فأنا أُغامِر ولكن مفسدة التعديد – والله – غالبة لأن مُعظَم مَن يُعدِّد – كما قلت لكم – لا يعدل لا في أزواجه ولا في أولاده.
إذن مرة أُخرى التعديد في دولة عصرية أو في مُجتمَع عصري أو في سياق عصري صعب ليس فقط لأن المرأة مُثقَّفة وتشعر بشخصيتها واستقلالها وتُطالِب بحقوقها ولكن لأن الأطفال سيضيعون أيضاً، لأن تربية الأطفال في مُجتمَع عصري مُركَّبة ومُعقَّدة جداً جداً جداً، ولا أحد يُخالِف في هذا طبعاً لأن الآن مُعظَم الأُسر أصبحت أُسراً نووية، فلا يُوجَد أُسر مُمتَدة يُربي فيها الكل مثل العم والخال والجد والجدة والأخ، هذا لا يحدث الآن طبعاً فكل رجل يُربي أولاده بنفسه مع امرأته فقط، وطبعاً أنت كأب تتواجد في مكان عملك وزوجتك كذلك أما الأطفال فيعيشون في المدرسة والمُجتمَع ثم تتغيَّر شخصياتهم ويُصبِحون شيئاً مُختلِفاً تماماً فتُصاب بالصدمة والأمراض وتبدأ تتساءل عن السبب وراء هذا دون أن تعلم أنك السبب لأنك لم تُرب، فالتربية صعبة جداً جداً جداً في المُجتمَع العصري، قديماً كان الطفل يذهب ليتعلَّم عند أستاذ يحفظ كتاب الله ويحفظ الألفية ولامية الأفعال ومقصورة ابن دريد والأخلاق لأنه رجل مُلتزِم، لكن الآن الأمور مُختلِفة تماماً فتجد في مُجتمَع مُسلِم رجلاً يكون ابناً لشيخ بل أن أباه هو شيخ الإسلام ومع ذلك هو رجل علماني أو ليبرالي بل ونصف مُلحِد ومع ذلك يجلس مع أولادك ليتعلَّموا منه، إذن الأمور اختلفت واختفى التجانس الثقافي فضلاً عن أننا قدَّمنا قيمة عجيبة إسمها الحُرية وكأن الحُرية بحد ذاتها هى قُدس الأقداس، علماً بأن في أواخر القرن العشرين في السويد ظهرت تظاهرة نسائية ليست من عشرة آلاف امرأة فقط وإنما من مائة ألف امرأة خرجن يُطالِبن فيها بتغيير فلسفة الحياة في المُجتمَعات الغربية وذلك لأنهن دُمِّرن بسبب الخيانات وكثرة أولاد الحرام وانعدام الاستقرار والأُسرة حسبما قالوا، وبالتاي هم يُريدون هذا الشيئ القديم التقليدي من أجل أن يحيوا حياة سوية.

Edward Westermarck
إدوارد وسترمارك

لذلك الخبير العالمي الذي لا أعلم لحد الآن أنه أتى مَن يُساميه في هذه الخبرة والفيلسوف الفنلندي – Finnish – وعالم الاجتماع والسوسيولوجي المشهور جداً الذي يُعَد أول مَن أسَّس كرسياً للسوسيولوجيا – Sociology – في المدرسة المُتحِدة إدوارد وسترمارك Edward Westermarck صاحب كتاب تاريخ الزواج – موسوعة من ثلاث مُجلَّدت كبيرة – قال “الغرب الذي أغلق هذا الباب وحرَّم تعدد الزوجات قانونياً سيرى نفسه مُضطراً الكرة بعد الأُخرى أن يُعيد النظر في موقفه هذا كلما تحرَّجت أوضاع المُجتمَع لجهة مشاكل الأُسرة والنسل”، علماً بأن هذا الرجل يعرف كل شيئ يتعلَّق بالزواج تقريباً في مُعظَم المُجتمَعات البشرية عبر العصور، فهو الخبير رقم واحد في هذا المجال ومع ذلك قال هذا القول حين تحدَّث عن تعدد الزوجات Polygyny أو Polygamy.

وأنا أقول إذا أغلقت باباً فتحه الرحمن حتماً ستلج باباً فتحه الشيطان، ولذلك نسبة الخيانة – كما قلت – مُخيفة، فالخيانة الزوجية في الدنمارك – مثلاً – وصلت إلى ستة وأربعين في المائة على مُستوى الرجل والمرأة معاً ولك أن تتخيَّل هذا، أما في بريطانيا فوصلت النسبة إلى تسعة وثلاثين في المائة وهذا قبل حوالي ثلاث سنوات والآن أكيد النسبة زادت، فنسب الخيانات تُعَد شيئاً مُرعِباً الخيانات فضلاً عن بعض النسب التي ذكرناها لكم سريعاً عن أولاد الحرام ذكرنا لكم بعض النسب سريعاً، إذن إن سددت باباً فتحه الرحمن حتماً ستلج باباً فتحه الشيطان أو بالأحرى ستلج أبواباً وليس باباً واحداً فتحها الشيطان والعياذ بالله.

ألفرد راسل والاس
ألفرد راسل والاس

وسترمارك Westermarck إذن يقول “الغرب الذي أغلق هذا الباب وحرَّم تعدد الزوجات قانونياً سيرى نفسه مُضطراً الكرة بعد الأُخرى أن يُعيد النظر في موقفه هذا كلما تحرَّجت أوضاع المُجتمَع لجهة مشاكل الأُسرة والنسل”، ولذلك الفيلسوف التربوي والشكّاك الإنجليزي الشهير برتراند راسل Bertrand Russell عنده عشرات الكتب في التربية والتعليم الرجل فهو ليس فقط فيلسوفاً معرفياً إبستمولوجياً، بل هو رجل تربوي أيضاً وعندما جاء يدرس مُشكِلة هو يعيشها قال “الآن في بلدي – أي في إنجلترا – يُوجَد مليونا فتاة وامرأة مُؤهَّلات للزواج – أي في سن الزواج ومن ثم هن صالحات للزواج – زائدات بالقياس إلى الرجال المُؤهَّلين” وطبعاً العدد زاد الآن، علماً بأن أمريكا كل سنة تقريباً مُعدَّل الزيادة لديها يصل من حوالي سبعة مليون إلى ثمانية مليون لأن عدد النساء أكثر، أما روسيا فمُعدَّل الزيادة من عشرة إلى أحد عشر مليون، فهم كل سنة في زيادة دائماً وفقاً للإحصائيات التي تثبت هذا كل سنة وتُؤكِّد على وجود هذذه الأعداد هائلة، ولذلك الخبير المُتخصِّص آشلي مونتاجيو Ashley Montagu قال “في مُعظَم الدول حول العالم عدد النساء يفوق عدد الرجال”، إذنت نحن أمام مُشكِلة طبيعية فطرية فماذا نفعل الآن؟!

برتراند راسل Bertrand Russell قال “يُوجَد اثنان مليون امرأة زائدة”، وذلك طبعاً بعد أن يتزوَّج كل الرجال، فماذا نفعل إذن؟!

برتراند راسل
برتراند راسل

لأن برتراند راسل Bertrand Russell يُعَد فيلسوفاً كبيراً فهو لديه القدرة على أن يدخل ويخرج من خمسين ألف مدخل ومخرج وبالتالي عنده قدرة رهيبة على التحايل الفكري، فقال “تركهن عوانس حرمان رهيب” علماً بأن بعض الناس يرى أن هذا الحرمان لا يُمثِّل شيئاً بل ويقول لك عليها أن ترضى بقضاء الله في حين أنه لا يرضى هذا لابنته إن وصلت إلى سن الثلاثين وأصبحت عانساً بحكم الدراسة أو لأنها لا نقول دميمة ولكن ليست على ذات القدر من الجمال أو لأي ظرف آخر طرأ عليها فجعلها لا تحظى بزوج، فلا يجب إذن أن نقول أن الأفضل هو أن تعيش محرومة حتى تلقى الله، ومن هنا راسل Russell قال لك “هذا حرمانٌ رهيب” وهذا صحيح لأن هذا بمثابة قتل لإنسانيتها طبعاً في ظل هذا الحرمان الرهيب، لكن نحن نُريد الحل يا عم راسل Russell أو يا شيخ راسل Russell!
قدَّم راسل Russell حلاً غريباً وذلك حين قال “الحل هو أن يُسمَح لهن قانونياً وعُرفياً – أي أن نُقنِّنها ومن ثم العُرف يتساهل في هذا – باصطياد الرجال مُتزوِّجين وعُزاباً دون أي مُشكِلة، فتصطاد النساء الرجال ويقضين مُتعتهن خلسة ثم يستولدنهم الأولاد، وبعد ذلك البقية ستكون على الحكومة التي ستكفل هذه المرأة المسكينة التي بلا زوج وبلا أسرة طبعاً وربما تكون بلا نفقة وتكفل ابنها معها”، وشدَّدر راسل Russell على ضرورة أن تكفل الحكومة الابن بالذات، فبالله عليكم هل هذا الحل يُعَد حلاً أخلاقياً؟!

هل هذا الحل يُعَد حلاً مُرضياً وإنسانياً يا برتراند راسل Bertrand Russell ؟!

حل راسل Russell لا يُقدِّم إلا المُتعة مسروقة والولد المسروق، فلا يُوجَد أسرة أو أبوان يعيشان معاً فيُحرَم الابن المسكين حق الأبوة لأنه لا يعرف أباه ولن يعيش مع أبيه في ظل حمايته، علماً بوجود ارتباط – Correlation – حقيقي بين هذه الحالات للأولاد غير الشرعيين الذين لا آباء وبين الجنسية المثلية، واقرأوا الدراسات العلمية التي تتحدَّث عن الجنسية المثلية، وذلك يحدث لأن الأولاد يتماهون بأمهاتهن، فالواحد منهم يعيش مع الأم في مُعظَم الحالات وليس مع الأب ما أدى إلى ارتفاع الجنسية المثلية، فراسل Russell إذن لم ينتبه إلى اعتبار أن المسألة تحرجت مزيد تحرج ليس لأن النساء أزيد عدداً فقط ولكن أيضاً لأن هناك نسبة لا يُستهان بها من الرجال أصبحوا لا يرغبون في النساء أصلاً، فهم لا يرغبون لا الزائدات ولا الأصليات فيكتفي بعضهم ببعض، وصدق مولانا رسول الله حين قال “من علمات الساعة اكتفاء الرجال بالرجال واكتفاء النساء بالنساء”، فمَن أراه هذا؟!

عندما تُفكِّر في هذا الحديث بالعقل ستجد أن الرسول كان يعيش في مُجتمَعه العربي الذي لم يُعرَف فيه إتيان الرجال قطُ في هذه الحقبة، فهذا لم يكن معروفاً أبداً عند العرب لكنه عُرِفَ فيما بعد عندما اختلطوا بالأعاجم أيام الأمويين لأول مرة، ثم أن الشذوذ الجنسي استفحل أيام العباسيين وظهر أبو نواس لكن طبعاً استفحل استفحالاً نسبياً، ورغم كل هذا نجد أن النبي يقول “من علمات الساعة اكتفاء الرجال بالرجال واكتفاء النساء بالنساء”، أي أنه يقصد الليسبية – Lesbianism – والسدومية – Sodomy – التي تحصل الآن، علماً بأننا على استعداد أن نتقبَّل أي رأي يُقنِعنا بشيئٍ ثانٍ عكس ما نقوله، فنحن – والله – مُستعِدون ومرنون جداً لهذا لأننا نُحِب أن نقتنع وإن كنا لسنا مع التعدد بحماس أو بحب، لكن التعدد لا نراه ضرورةً أبداً كما يرى بعض الناس وإنما نراه علاجاً لضرورة، أي نلجأ له في حال الضرورة، فهناك مُشكِلة قائمة وهى مُشكِلة صعبة جداً وتستدعي وتقتضي حلاً أخلاقياً وإنسانياً رحيماً أكرم، فما هو الحل الأكرم والأرحم إذن: أن تبقى المرأة محرومة حتى تلقى الله – علماً بأن هذا الحل ليس في أي رحمة بل هو في حذ ذاته جحمة ونِقمة – أو أن تُصبِح ملكية عامة؟!

آرثر شوبنهاور
آرثر شوبنهاور

آرثر شوبنهاور Arthur Schopenhauer على الرغم من أنه يُعَد عدواً للمرأة إلا أنه قال كلاماً منطقياً في كتابه المشهور كلمة عن النساء وذلك حين ذكر أن في في لندن في وقته كان يُوجَد ثمانون ألف بنت عمومية – يقصد ثمانون ألف من بائعات الهوى، وطبعاً الآن العدد ذات – سُفِكَ دم شرفهن على مذبح اعتماد قانون الزوجة الواحدة، أي بسبب أن التعدد كان ممنوعاً ما أدى إلى أن هؤلاء الفتيات أصبحن ملكية عامة، كما قال أن مُغالاة المرأة الحديثة في حقوقها بغطرسة وكبر ساهم في ذلك أيضاً، فهى تُطالِب فقط بحقوقها دون أن تنظر إلى حق أُختها في الإنسانية.

فمَن أكرم إذن: أن تعيش ملكية عامة مسفوكة دم الشرف في الشوارع وفي الحنايا أو أن تعيش نصف زوجة إذا كانت ثانية أو ثلث زوجة إذا كانت زوجة ثالثة أو ربع زوجة إذا كانت زوجة رابعة؟!

وبالمُناسَبة واحد هنا لا يُساوي أربعة، ولكن الواحد هنا سيكون مقسوماً على أربعة، فلا يُمكِن بصراحة أن تقول لي أن الواحد يُساوي أربعة، هو لا يُساوي أربعة ولكن هو واحد على أربعة، أي أن الواحد سيكون مقسوماً على أربعة، فالمقام والبسط سيدفعان الثمن، فالمرأة والرجل سيدفعان الثمن معاً، لأن المرأة إن كانت زوجة رابعة ستعيش كربع زوجة وكذلك الرجل المسكين سيكون مُوزَّعاً بين أربعة، وبالتالي سيكون أقرب إلى الجنون كما قال مُصطفى السباعي، والنساء المسكينات أيضاً كلهن أو كل واحدة منهن ستحظى بربع رجل، ولكن هناك سؤال سنطرحه فقط ونُريد حلاً لهذه الإشكالية وهو هل ربع رجل أفضل أم الملكية العامة أم الحرمان؟!

قد يسألني أحدكم عن موضوع الشرط وموضوع الاختيار ولكن هذا سنُجيب عنه ثم نمضي – إن شاء الله – في الخُطبة الثانية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

تعدد الزوجات ليس كما يحلو للبعض أن يفهمه أو أن يتوهمه على أنه نوع من الخطيفة، بمعنى أن الرجل يخطف ثلاث نساء او أربع نساء ويحتجزهن في البيت، هذا غير صحيح ويُعَد كلاماً فارغاً وخيالاً واهماً، لكن الذي يحصل هو أن أي رجل يرغب في التعدد يكون لسبب أو لآخر مثل مرض زوجته الذي يُمنَع عليه أن يُواقِعها بأمر الطبيب لأنها مُصابة بجلطة وبالتالي ممنوع عليه أن يُواقِعها وإلا تموت، أو بسبب أمراض أُخرى كثيرة قد تُصيب الزوجة غير الجلطة أو لأنها امرأة عاقر، فهو عاش معها لمدة تصل إلى ثلاثين سنة دون أن تُسعِده بالفم الصغير البسّام – أي بالابن أو ابنة – ولكن الآن المسكين بدأ يكبر وبدأ يشعر بذبول الحياة والحيوية وبخريف العمر فيُريد أن يُنجِب ولداً قبل أن يموت من أجل أن يحمل إسمه، فهذه غريزة في الإنسان وبالتالي كانت موجودة الأنبياء مثل زكريا الذي قال يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ۩، علماً بأن الزوجة قد لا تود أن تُطلَّق وتقول له “أنا أرضى أن أبقى زوجتك إن شاء الله”، وهذا طبعاً يكون صعب جداً عليها وذلك أنا اقترحت أن يُسمى تعدد الزوجات بالضرائرية، أنا سوف أُترجِم هذا الشيئ بالضرائرية لأن هذا الشيئ يضر طبعاً وهو شيئ مُتعِب جداً للاثنين، لكن هذا المُضِر كالدواء المُر، فمهما كان الدواء مُراً فسوف نأخذه لأنه يُوجَد أي حل آخر للمُشكِلة إلا هو، فالعقل هو الذي يقول هذا ومن ثم سوف نأخذه.

طبعاً سأُنكِر على كل مَن ظن في نفسه الفحولة الزائدة ومن ثم أراد أن يُعدِّد ويتوسَّع في بنات الناس، فهذا بالعكس نحقر مسلكه وخاصة إذا كان يعيش أمثال هذا الرجل في دول لا يجد فيها الشباب العربي والمسلم زوجة أولى ومع ذلك هو يتزوَّج أكثر من عشرين امرأة عن طريق أن يتزوَّج ثم يُطلِّق وهكذا، فهذا الرجل من الأفضل له – كما قلت مرة من قبل – أن يُزوِّج الشباب والشابات بهذا المال، هذا سيكون أكرم له وأحسن عند الله في الدنيا والآخرة، وإلا فإن هذه السلوكات تُنبيء عن أنانية محقورة بلا شك.

إذن الرجل لا يختطف النساء بل هو يذهب ويخطب إحداهن، والآن السؤال: بالله عليكم لماذا تُوافِق امرأة أو فتاة تُوافِق أو يُوافِق أولياؤها – أبوها وأخوها وأمها طبعاً وهكذا – أن تكون ثانية في حين أن هناك خيار آخر للرفض؟!

لابد أن نكون واقعيين، هم لن يرضوا بهذا إذا كان عندهم خيار ألا يُوافِقوا، فلا يُوجَد أب عاقل ورحيم يرضى بهذا لابنته حتى ولو كان كان فقيراً، علماً بأنني لا أتحدَّث عن الآباء المُجرِمين القتلة الذين قد يبيعون بناتهن ويدفعوهن للفاحشة، قطع الله – والله العظيم – عرق هؤلاء الآباء، لكن هؤلاء قلة والنادر لا حكم له، أما مُعظَم الآباء فلا يرضى الواحد منهم لابنته أن تتعذَّب بأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة إلا أن يكون هو وهى مُضطَرين إلى هذا كأن يكون فات القطار وبالتالي من الأفضل أن تُصبِح زوجة ثانية أو ثالثة على أن تعيش محرومة سائر عمرها.

قد يتساءل أحدكم: هل للبنت الخيار في زواجها؟!

طبعاً لها الخيار شرعاً، فالبنت البكر أو الثيب لها الخيار في زواجها وأمها لها الخيار أيضاً، وهذه مسألة فقهية طويلة لن نخوض فيها ولكن هذا هو خُلاصة التشريع فيها حيث قال الرسول “آمروا النساء في بناتهن”.

آخر شيئ سأختم به – كما قلت – هو موضوع الشروط، هل يجوز لابنتي أو لابنتك أو لأختي أو لأي امرأة أن تشرط في عقد زواجها؟!

أي شرط بعد العقد لاغٍ ولا أهمية له، لكن الشرط يجب أن يكون عند العقد وفي صلب العقد أو يُتفَق عليه قبل العقد ولكن يُثبَّت في العقد ويُشهَد عليه.

هل يجوز للمرأة شرعاً أن تشرط على زوجها ألا يتزوَّج عليها؟!

نحن نُرجِّح أنه يجوز خلافاً للجمهور، الشافعي والمالكي والحنفي والظاهري قالوا لا يجوز وهذا الشرط لاغٍ لو شُرط لكن الزواج سيبقى صحيحاً عند الثلاثة حتى ولو الشرط لاغٍ، لكن عند الظاهرية وابن حزم سيكون الزواج باطلاً أيضاً وهذا غير صحيح، أما الإمام عمر بن الخطاب وهو إمام أهل الرأي الذي هو أتى قبل أبي حنيفة طبعاً قال هذا يجوز مع أي شرط لم يُنَص على تحريمه ولا يُشترَط فيه أن يأتي مُؤكِّداً لمُقتضيات العقد ولكن يُشترَط فيه ألا يكون مُنافياً للعقد ومُقتضياته، ولكن ما هو مُقتضى العقد على الزوجة؟!

مُقتضى العقد هو أن تدخل بها فتتمتع بها وتتمتع بك، ومن ثم سيكون هناك فرصة ومُناسَبة للحياة المُشترَكة والتخليف والإنجاب.

إذن هذا هو مُقتضى العقد، فهل شرط إلا يتزوَّج من امرأة ثانية يُناقِض هذا المُقتضى؟!

لا يُناقِضه، لأن المُتعة موجودة وإمكان الإنجاب موجود والعِشرة المُشترَكة موجودة.

إذن شرط عدم الزواج من امرأة أُخرى لا يُناقِض العقد ومُقتضياته، ومن هنا أجاز مذهب سيدنا عمر هذا فضلاً عن جواز هذا وفقاً لاختيار الأوزاعي وابن شهاب الزُهري علماً بأن هذا هو مذهب الحنابلة أيضاً، فالحنابلة أوسع الناس في هذا الباب – باب الشروط عموماً – حيث قالوا “هذا الشرط صحيحٌ ومُلزِمٌ ويجعل العقد غير لازم”، والعقد غير اللازم هو العقد الذي يستطيع صاحب الشرط فيه أن يفسخه متى أخل الثاني بالشرط، فيُصبِح العقد قابلاً للفسخ ومن ثم يُفسَخ بأمر القاضي، إذن المرأة تستطيع أن تفسخ العق، أي بعبارة عادية كأنها تُطلِّق نفسها ولكن هذا لا يُسمى طلاقاً وإنما يُسمى فسخاً، والدليل عليه حديث عُقبة بن عامر الذي رواه الشيخان وأصحاب السُنن الأربعة حيث قال – صلى الله عليه وآله وسلَّم – فيه “إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج”، أي أن أكثر الشروط التي يجب أن يلتزم الإنسان بالوفاء بها هى التي استحل بها الفروج، أي يجب أن تلتزم بالشروط التي تتعلَّق بالنكاح بالذات وهذا شيئ جميل.

وقعت واقعة جميلة أيام سيدنا عمر عندما كان خليفة حيث يقول الراوي: كنت معه – تماماً جنباً إلى جنب – إذ جاء رجل مع امرأته وقال “يا أمير المُؤمِنين تزوَّجت هذه وشرطَت – ومُمكِن شرطتُ أيضاً بمعنى أنني أعطيتها الشرط – أن لها دارها – أي أنها تمكث في منزلها الذي تُحِبه ولا تتحوَّل عنه – وإني أجمع لنفسي أن أتحوَّل إلى أرض كذا وكذا – أي أنه لا يُريد أن يُطبِّق الشرط لأنه يُحِب أن يذهب إلى مكان آخر ويبني بيتاً أو يشتري بيتاً جديداً”، فقال له عمر “لها شرطها” أي أنك ستظل في المنزل وإلا تُطلِّقها وتملك نفسها، فصُدِم الرجل المسكين وقال “هلكت الرجال إذ لا تشاء امرأةٌ أن تُطلِّق زوجها إلا طلَّقته”، أي أن الرجل لم يُعجِبه الكلام على عادة كثير من الناس الذين يتبعون الهوى، لكن هذا عمر وهو خليفة وفقيه كبيرة فلا مجال للعب معه وإلا ضربه بالدرة على الرأس، لكن على كل حال الرجل قال”هلكت الرجال إذ لا تشاء امرأةٌ أن تُطلِّق زوجها إلا طلَّقته”، فقال عمر – رضوان الله عليه – الفاروق “المُسلِمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم”.

عليكم أن تحفظوا هذه القاعدة جميلة جداً جداً جداً “المُسلِمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم”، ولكي تفهموا هذه القاعدة اتركوا رواية سعيد بن منصور – على ما أذكر – وعبد الرزّاق في المُصنَّف وخذوها بشكل أوضح من رواية ابن أبي شيبة حيث قال “مقاطع الحقوق عند الشروط”، فهذه الرواية أوضح إذن لأنه يقول ببساطة “مقاطع الحقوق عند الشروط” علماً بأن المقاطع جمع مقطع، كأن نتساءل من أين سنقطع تورتة Tart، فقد نقطعها بطريقة تحصل فيها أنت على الثلثين وأحصل أنا على الثلث لكن إذا اشترطنا أن القسمة ستكون بالعدل – Fifty-Fifty – فسوف نقطع من مُنتصَف التورتة Tart، إذن معنى “مقاطع الحقوق عند الشروط” أي بحسب الشروط، ولذلك قال له عمر “مقاطع الحقوق عند الشروط”، وهذا هو مذهب أحمد بن حنبل أيضاً ويبدو أن هذا هو الصحيح، ولذلك نحن نقول للمرأة العصرية انفخي صدرك وارفعي رأسك لأنكِ مسلمة مُتقدِّمة فاشرطي يا ابنتي ويا أختي على مَن يرغب في الزواج منك من ألا يتزوَّج عليكِ وإلا فليذهب إلى غيرك لأن هذا هو شرطك، علماً بأن النبي – والله – هو الذي علَّمنا وعلَّم عمر وعلَّم الأمة كلها هذا وذلك في حديث المسور بن مخرمة المُخرَّج في الصحيح حيث أتى له جماعة من بني هشام بن المُغيرة لكي يستأذنونه أن يُزوِّجوا ابنة أبي جهل – أبو جهل هو هشام بن المُغيرة – وهى جويرية بنت هشام بن المُغيرة التي أسلمت وبايعت للإمام عليّ بن أبي طالب على فاطمة عليها السلام، فغضب النبي وأخذ ثوبه ليخطب في الناس قائلاً “أما بعد فإن بني هشام بن المُغيرة جاءوا يستأذونني أن يُنكِحوا ابن أبي طالب ابنتهم على ابنتي فاطمة، أما إني لا آذن، لا آذن، لا آذن، أما إني لا أُحلِّل حراماً ولا أُحرِّم حلالاً ولكن فاطمة بضعة مني، يريبني ما يريبها، يُغضِبني ما يُغضِبها، وإن أبا العاص بن الربيع – زوج زينب الكُبرى عليها السلام،وهى ابنة رسول الله التي ماتت في السنة الثامنة على ما أذكر – قد وعدني وأوفى بوعده”، ففهم بعض العلماء من ظاهر السياق أن أبا العاص وعده ألا يجمع على ابنته ضرة، لكن هذا لا يعني أن عليّاً وعده، عليّ لا يُمكِن – عليه السلام – أن يعد ثم يُخلِف وعده، لكن العبقري الكبير ابن قيم الجوزية الذي له أنظار أحياناً خارقة في الشريعة – رحمة الله عليه وجزاه الله خيراً – قال في زاد المعاد “إذا كانت المرأة من قبيل – أي قبيلة – أو عشيرة عُرِفَ من مُعتاداتها أنهم لا يُدخِلون ولا يسمحون بأن يُدخَل على بناتهم ضرائر – أي أن عادتهم هى أن تأخذ ابنتهم ولا تتزوَّج غيرها وفقاً للمعروف لديهم – فالمشروط عرفاً كالمشروط لفظاً – وهذه قاعدة فقهية مُهِمة فاحفظوها، أي قاعدة المشروط عرفاً كالمشروط لفظاً – وكذلك إذا كانت هى في جلالها وحسبها وحشمتها مِمَن لا ترضى ولا يُعرَف أن مثلها ترضى بأن تُدخَل عليها ضرة”، وبالله عليكم مَن مثل فاطمة – عليها السلام – في حسبها وفي حشمتها وفي جلالها؟!
مُستحيل أن نجد مَن هى مثل فاطمة في حسبها وحشمتها وجلالها، علماً بأن النبي كان يُجاهِر بأنه من المُستحيل إن يُزوِّجك ابنته ثم تذهب أنت فتتزوَّج عليها وهى ابنة محمد، فهذا كان معروفاً عنه ومن ثم يأبى الله ورسوله أن تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في بيت واحد وتحت سقف واحد، فهذا كان معروفاً وفقاً لما جرى عليه العُرف.

إذن النبي هو الذي علَّمنا هذا فالمشروط عُرفاً كالمشروط لفظاً، أختم بهذا وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

  (انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (17/6/2016)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقات 4

اترك رد

  • السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    رمضان مبارك و كل عام و أنتم بخير
    لم أرى داعيا لربطك الانحلال الاخلاقي في الغرب بتحريم تعدد الازواج
    و من الانصاف ذكر الفساد في الدول العربية الاسلامية التي تبيح التعدد
    عموما تحيللك التاريخي كان تحفة الا أنك توترت و شبكت المواضيع ببعضها
    و تحيلك للضواهر الاجتماعية كان سطحي جدا
    وكأن ازاء فرد تريد اقحامح في مسألة معينة
    هناك فجوات كبيرة جدا في هذه الخطبة ليست من مستواك .
    انصاف دين محمد ليس بالمسألة السهلة و المكائد و المخططات هذا شيء أكيد و لا يحتاج تفكيرا ….داعش هو انجاز مزدوج بين البنية الملغمة للمجتمعات العربية المسلمة وبين المخطط العالمي لغزو و تفكيك العالم العربي و التشكيك في الدين الاسلامي بآيقاض هذه التساؤلات و غيرها عند أبنائه … نحن بحالتنا السلبية نلهم أعدائه بل نساعده و نوججه الى الطري الصحيح لأفنائنا
    عموما مشكل تعدد الزوجات مشكل حقيقي في مجتمعاتنا العربية المسلمة بحيث أن الرجل يقتحم الزواج و هو يضع بابا للخروج من مسؤولياته بآستبدال أو قهر زوجته بزوجة أخرى …. وهذا لأن المجتمع غير مؤسس على أفكار حقيقية تدرس الابعاد النفسية العميقة التي تخلفها هذه الفكرة في الفرد و على شخصيته و أخلاقه و تعاطيه مع الآخر عموما و مع الحياة الزوجية خاصة ..فالاسرة هي بناء أولا أساس مجتمعي من خلاله يأخد المجتمع هويته … الاسر العربية مفككة و مضطربة لأسباب شتى من أهمها البعد عن الله و عدم تأسسها من أي جهة لا آجتماعيا و لا اقتصاديا (محطمة ) في حين أن المجتمعات الغربية تعاني من التفكك و الانحلال لكنها تتمتع بالوعي و القدرة و القوة المالية و الاقتصادية التي تمكنها من الاهتمام بنفسها بشكل لا يجعلها عالة على غيرها و هي و ان كانت تتجه نحو منعطف خطير الا أنني أتوقع أنها ستهتدي الى ربها و تعوض القص الروحاني لتعتدل و تقونن حياتها بالشكل الذي تراه مناسبا لأنها دول عاقلة و ليست مجنونة بعكس الدول الاسلامية التي تخفي تحت تدينها الويلات من المشاكل التي تتعب النفس لذكرها و لا زالت تعتم عليها بدليل أن ليست ثمة احصاءات حقيقية و مع هذا و للانصاف لا تتفشى نسب الانغال فقط بل زنى المحارم و الجرائم بشتى أنواعها و بين قوسين الانغال أو أالابناء الذين يجهلون أبائهم تعريف ضيق لأولاد الحرام فكل أسرة مبنية على النكد و الانشطار و عدم التفاهم بين الازواج تثمر نباتا مرا غير صالح لأي شيء …. الوهم و الضياع هو الحالة الوهمية التي تعيشها الدول العربية بصريح المعنى …
    تعدد الزوجات موضوع بسيط يستهلك لأسباب كبيرة غير معالجة .

  • الخطبه دون التوقعات … كلام عام . أعجب لعدم تطرق الشيخ لتفسير المعني الصحيح في ايه الزواج من سورة النساء. واضح جدا من المعني المشروط في النكاح هو القسط في اليتامى عن طريق الزواج من أمهاتهم والعدل بينهم وبين أولاد الزوج … أرى أن ألشيخ يعي هذا تماما وحاول أن يتجنب الخوض في تفسير الايه مما قد يجلب واقع مغاير لمجمع الروايات التاريخية واصل التعدد .. والله أعلم

  • زبدة الحديث أن التعدد لا يُستحب لمن لا يعدل آو لا يستطيع التحكم بأعماله فيميل كل الميل لإحدى النساء عن الأخريات أما بعض الميل فلا بأس به و هذا التحكم لا يقدر عليه إلا من كان حازم الأمر في دينه و يراقب الله تعالى و يهتم لمرضاته سبحانه أما الأشخاص العاديون فمحال إلا أن يظلموا ، و من هنا نستطيع أن نجد حلاً لمشكلة العنوسة في صدق الاتجاه الديني و طلب رضوان الله بإخلاص فهذا لا بد أن يوفَق و يؤيَد من قبله سبحانه في حياته كلها الدنيوية و الأخروية فإيكال الأمر للنفس دوماً يعود بالخيبة حتى في أصغر الأمور أما إيكاله إلى الله فيعود بأفضل النتائج حتى في أكبر الأمور …

  • إن التعدد هو الحل الصحيح والوحيد لمشاكل العنوسة . وهو ما مايميز الامة الاسلامية الآن (بغض النظر عن تراث الاديان الاخرى وما تفعله) لكن لا ادري لماذا نقولها على استحياء ونحاول ان نحرمه عن طريق تمرير الفكرة على استحياء او بوضوح من خلال تفاسير شاذة . إن التعدد هو دواء لعدة أمراض مجتمعية ومتى زاد المرض يجب ان نزيد الجرعات ولا نستحيي من الحق وان لانخاف من نقد المنتقدين أو تأخذنا في الله لومة لائم .

%d مدونون معجبون بهذه: