الدرس السادس والعشرون
تفسير سورة الأنعام من الآية السادسة والعشرين إلى الآية الخامسة والستين

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمداً يُوفي نعمه ويُكافئ مزيده، لا نُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، اللهم تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أعمالنا أواخرها وخير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين. اللهم آمين.

۞ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ۞

أما بعد، أيها الإخوة والأخوات:

كما ذكرت لكم – إن شاء الله – أمس واليوم سنُكمِل – إن شاء الله تبارك وتعالى – دروس التفسير التي ابتدأناها في السنة الماضية، مَن أحب أن يُتابِع معنا من المُصحَف الشريف فليفتح هذا المُصحَف وهذه الطبعة على الآية السادسة والعشرين من سورة الأنعام، يقول – المولى جل وعز – وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ۩، الضمير هنا يعود على الكفّار – والعياذ بالله – الذين يصُدون عن سبيل الله والذين أيضاً يصِدون عن سبيل الله، هم في أنفسهم صادون ويصُدون غيرهم والعياذ بالله، قال تعالى وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ۩، أي ينهون الآخرين عن اتباع الحق، والضمير في عَنْهُ ۩ إما أن يكون عائداً إلى القرآن وإما أن يكون عائداً إلى الإسلام وإما أن يكون عائداً إلى رسول الله وهي معانٍ مُتقارِبة مُتوافِقة لا مُتشاكِسة، يعود الضمير إلى القرآن أو الإسلام أو الرسول، نفس الشيئ! الرسول – عليه السلام – جاء بالإسلام وجاء بالقرآن، والقرآن عماد الدين، وهكذا! معانٍ مُتقارِبة، هذا كما يقول العلماء ليس اختلاف تضاد. 

وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۩، أي ينهون غيرهم عنه والعياذ بالله، يصُدون غيرهم عن اتباع الحق أو الرسول أو القرآن أو الإسلام، وينأون في أنفسهم، ما معنى ينأى؟ يبتعد، فهم يبعدون عنه، هم أيضاً يبتعدون عن الحق ويُريدون لغيرهم ومن غيرهم أن يكون بمبعدة من الحق والعياذ بالله، فجمعوا المقبحتين، اجتمع لهم الشران والسوءان والعياذ بالله، هذا هو التفسير المشهور لدى جماهير المُفسِّرين.

من المُفسِّرين كالقاضي البيضاوي – رحمة الله عليه – وغيره مَن قال وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ۩، أي ينهون عن محمدٍ، عن أذيته والإضرار به، يُدافِعون عنه، ولكنهم في نفس الوقت والآن ينأون عنه، هذه نزلت في مَن إذن على هذا؟ في أبي طالب، كان يعلم أن محمداً وما جاء به محمدٌ – عليه الصلاة وأفضل السلام – هو الحق، ولذلك كان ينهى عنه، وله في ذلكم شعرٌ طويلٌ معروفٌ، ذكره ابن هشام وغيره، رحمة الله على الجميع، لكنه نأى بنفسه عن الحق، وهذا من الخذلان، نعوذ بالله من الخذلان.

وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ۩، ما يعملون إلا على إهلاك أنفسهم، وما يسعون إلا في وبال شأنهم.

۞ وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞

وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ۩، هناك قراءة: وَقَفَوا، بالبناء للفاعل، لكن هنا بالبناء للمفعول: وُقِفُواْ ۩، الملائكة تقفهم، فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ۩، نُرد إلى أين؟ إلى الدنيا، وَأَنَّىٰ لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ۩، بعيد جداً! فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۩. 

۞ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۞

قال – سُبحانه – بَلْ بَدَا لَهُم ۩، أي ظهر لهم ووضح واستبان جلياً، مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۩، ما هو هذا الشيئ الذي كانوا يُخفونه مِن قَبْلُ ۩؟ الذي كانوا يُخفونه مِن قَبْلُ ۩ قد يكون هو الإيمان الداخلي والتصديق بما جاء الحبيب عليه الصلاة وأفضال السلام، كانوا يعلمون ذلك! هذا كالذي قاله موسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – لفرعون عليه لعنة الله، قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ – والإشارة بــ هَٰؤُلَاءِ ۩ إلى ماذا؟ إلى الآيات التسع التي بُعِث بها الكليم إلى فرعون وقومه، أي هؤلاء الآيات التسع أو التسعة، يجوز الاثنان – إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ – أي ما أنزلها إلا بَصَائِرَ ۩ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ۩، المُهِم والشاهد: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ۩، أنت تعلم ذلك يا فرعون وأنت مُوقِن أنها من عند الله، وسيبدو لك هذا يوم القيامة، بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۩، وكما قال – سُبحانه وتعالى – أيضاً في فرعون وقومه وَجَحَدُوا بِهَا – أي بالآيات المُبصِرة، قال فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً ۩وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ – لماذا؟ – ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ۩، هذا الذي كانوا يُخفِونه مِن قَبْلُ ۩، بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۩، وطبعاً سيأتي مزيد إيضاح لهذا المعنى بُعيد قليل إن شاء الله تعالى.

وَلَوْ رُدُّواْ ۩، أي إلى الدنيا، لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ۩، أي من الكفر والتكذيب والجحد والنُكران، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩، أي في قولهم، يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۩، أكذبهم الله – تبارك وتعالى – في زعمهم.

۞ وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ۞

وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ۩، هذا واضح.

۞ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ۞

وَلَوْ تَرَى ۩، مرة أُخرى، إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ ۩، الإشارة بــ هَذَا ۩ إلى ماذا؟ إلى المعاد، هذا المعاد، الحشر وما يكون الدينونة أو يوم الدين، أليس هذا المعاد بحق وقد أُنذِرتموه؟ أليس هذا بحق؟ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا ۩، الآن: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۩، يُوم يُبعَثون ما أسمع منهم وما أبصر منهم! ما شاء الله يُقِرون بكل شيئ، قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا ۩، ويحلفون ولم يُستحلَفوا، قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ۩، الإيمان هناك لا ينفع طبعاً، حتى في الدنيا إذا أشرقت أو طلعت الشمس من مغربها لا ينفع الإيمان، فكيف في الآخرة؟ لا ينفع طبعاً!

۞ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ۞

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ۩، أي فُجاءة أو فُجأة، بغته الأمر إذا فجأه، تأتي فُجاءةً أو فُجأةً، قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ۩، الضمير في فِيهَا ۩ يعود إما على الدنيا بمعنى ما فرَّطنا في الدنيا وإما على الأعمال بمعنى ما فرَّطنا في الأعمال الصالحة وإما على الدار الآخرة بمعنى ما فرَّطنا في الدار الآخرة، أي فرَّطنا في شأنها ولم نستعد لها ما يليق لها من وجوه الاستعداد والتُقاة، فهذا كما قال يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ۩، إذن فرَّطنا في الآخرة أو فرَّطنا في العمل الصالح أو فرَّطنا في الدنيا أيضاً باحتقاب الأوزار وترك المبرات وعمل الأبرار، فهذا المُراد بــ فِيهَا ۩.

وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ ۩، أي أثقالهم، لأن الذنوب هي أثقال، وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ۩ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ۩، أي سُمِع له نقيض، ما معنى النقيض؟ هو صوت الفِقار، صوت العِظام، إذا حُمِّل الإنسان وزراً أو ثقلاً أو حملاً ثقيلاً جداً فربما سُمِع لفِقار ظهره نقيض، أي صوت طقطقة، فهذا هو الإثم، ما أثقل من الآثام والعياذ بالله!

أيها الإخوة:

كل ذنب أسلفه المرء ولم يغفره الباري تبارك وتعالى – لأنه ربما لم يتب منه أو لم يشأ الله أن يغفره المُعبَّر عنه في اصطلاح أهل السُنة والجماعة بخطير المشيئة، كل إنسان عمل ذنباً هو في خطر المشيئة، إن شاء الله عفا وتجاوز وإن شاء أخذه بذلك، هذا اصطلاح لأهل السُنة والجماعة، فهو في خطر المشيئة – سيكون ثقلاً يُحمَل يوم القيامة، يُحمَل حقيقةً ويُحمَل على الظهر والعياذ بالله، فتخيَّلوا امرأً يأتي – والعياذ بالله – بذنوب كجبل كبير وربما كسلسلة جبال! سيحملها على ظهره، وسيُحشَر فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ۩ وهي محمولة على ظهره، الوِزر هو الثقل، ومنه سُميَ الوزير وزيراً، لماذا سُمي الوزير وزيراً؟ هذا ليس شرفاً، هذا تكليف خطير جداً في الدنيا والآخرة، سُمي الوزير وزيراً لأنه يحمل بعض أثقال الملك، أليس كذلك؟ الملك يضع عليه بعض المهام وبعض الأشياء، يقول له تحمَّل هذه المصائب وخُذها، فسُميَ وزيراً لأنه يحمل بعض أوزار – أي بعض أثقال – ومهام الملك، هذا معنى الوزير، من الوِزر! وأما الوَزر فهو الكهف الذي يُتقى به، اسمه الوَزر وليس الوِزر.

وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ۩، أي ألا ساء ما يحملونه، وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ۩ كما في طه.

۞ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ۞

وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۩، مُعظَمها أو غالبها، ليس كل ما فيها، هذه الآية فيها مجاز، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۩، أي مُعظَمها أو عظمها أو أغلبها أو جلها، إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۩، وإلا فيها الإيمان، فيها المبرات، فيها ذكر الله، فيها العمل الصالح، وفيها العلم الشرعي النافع، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – الدنيا ملعونة، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه أو عالماً أو مُتعلِّماً، كل شيئ عدا ذلك ملعون والعياذ بالله، كل شيئ ملعون في هذه الدنيا، وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ۩. 

۞ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۞

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ۩، حزنه يَحزنه وأحزنه يَحزنه أيضاً، وهذه على غير قياس، اللُغة فيها أشياء لا تُقاس، هذا من ضمن المواد التي لم تجري على القياس في اللُغة الحربية، حزنه يَحزنه وأحزنه يَحزنه، والقياس يُحزِنه، لأنه رباعي، لكن هو قال يَحزن على غير قياس.

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۩، أي ما يقولونه، فَإِنَّهُمْ ۩، فاعلم يا حبيبنا ويا صفوتنا ويا خيرتنا من خلقنا، لاَ يُكَذِّبُونَكَ ۩، اعلم يا نبينا أنهم لا يُكذِّبونك، ليست القضية قضيتك أنت، ليست قضية شخصية، بالعكس! هم يُصدِّقونك، ولكن يُكذِّبون ما جئت به من الحق، قال فرعون هذه الأمة أبو جهل – لعنة الله تعالى عليه – أما إنا لا نُكذِّبك يا محمد – نعلم أنك الصادق الأمين، مَن الذي يُكذِّب رسول الله؟ هو الذي يُكذَّب مُباشَرةً، فيبوء بعالها وتئيض عليه وصمتها – لكن نُكذِّب الذي جئت به، وصدق الله! قال وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۩.

روى الإمام ابن جرير في تفسيره والإمام ابن هشام في سيرته – رحمة الله تعالى عليهما – أن أبا سُفيان بن حرب – وأسلم بعد بحمد الله – والأخنس بن شريق وأبا جهل – أبا الحكم بن هشام لعنة الله عليه، فرعون هذه الأمة – ذهب ثلاثتهم لا يدري أحدهم بالآخر – أي بصاحبه – يستمعون إلى قراءة رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – هذا في مكة عند الكعبة في الليل ولا يدري أحدهم بالآخر، كل واحد في مكان أو في زاوية ويستمعون إلى قراءة النبي، شدهم هذا القرآن وجذبهم إليه، جاذبة إلهية – حتى أصبحوا ثم تفرَّقوا فجمعتهم الطريق، فسأل بعضهم بعضاً ما الذي أتى بك؟ فقال  ما أتى بي إلا الذي أتى بك، نفس الشيئ! ثم تعاهدوا أن تكون آخر مرة، أن تسمع بهم شباب قريش فتُفتَن، أي لئلا تسمع بهم الشبيبة فتُفتَن، إذا كان هؤلاء هم السادة ومُقدَّمو الكفر ورؤوسه – والعياذ بالله – جذبهم القرآن بجاذبة فكيف بالشباب الأغرار الأغمار؟ فتعاهدوا، قالوا عهد بيننا وميثاق أن تكون هذه آخر مرة، أول مرة وآخر مرة! فلما أصبحوا خرج الأخنس بن شريق، أخذ عصاه وقصد بيت أبي سُفيان، فلما دخل والتقاه قال له سألتك بالله أبا سُفيان – أحياناً كانوا يستحلفون بالله ويحلفون بالله، ليس دائماً باللات والعُزى، لأنهم يُؤمِنون بالله لكن رباً لا إلهاً، يُؤمِنون به رباً، أي خلق وسوى وقدَّر ودبَّر ويرزق ويُحي ويُميت، لكن لا يُؤمِنون به إلهاً يستحق العبودية وحده، يُعبَد هو والآلهة من دونه أيضاً والعياذ بالله، أشركوا في إلهيته ومحضوه الربوبية، سُبحانه وجل مجده – أبا حنظلة – وبها كان يُكنى أبو سُفيان – ما تقول فيما سمعت من محمد؟ أما إني سمعت منه أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها، وسمعت منه أشياء لا أعرفها ولا أعرف ما يُراد بها، أشياء مُفتَجرة مُبتكَرة، أشياء جديدة عجيبة، أي تهز الأعطاف، فقال أبو سُفيان بعد ذلك وأنت سألتك بالذي سألتني به، ما تقول فيما سمعت من محمد؟ قال ما أقول إلا ما قلت، نفس الشيئ! عرفت أشياء وأشياء لم أعرفها، ثم أخذ عصاه وقصد إلى أبي الحكم، أبي جهل لعنة الله تعالى عليه، فاستفتح عليه فأُذن له فدخل وسأله مثل سؤاله لأبي سُفيان، فقال له أبو جهل – أبو الحكم – يا أبا ثعلبة – وبها كان يُكنى الأخنس بن شريق – تنافسنا الشرفَ – أي تنافسنا في الشرفِ، منصوبة على نزع حرف الحجر أو كما يقول الكوفيون على نزع الخافض – نحن وبنو عبد مناف، فأطعموا فأطعمنا وسقوا فسقينا وأعطوا فأعطينا وحملوا – أي على الظهر – فحملنا حتى إذا تجاثينا بالركب وكنا كفرسي رهان – أي في الشرف، مثلنا مثلهم تماماً، نحن مثلنا مثلهم – خرج منهم مَن يقول إنه نبيٌ يأتيه الوحي من السماء، فأنى نُدرِك هذه؟ من أين لنا نُدرِك هذه وليس فينا واحد مثل محمد في صدقه وفي سابقته وفي أخلاقه؟ فوالله لا نُؤمِن به أبداً ولا نُصدِّقه، فتركه الأخنس بن شريق، إذن هم يعلمون أنه آتاهم بالحق مثل الشمس في رائعة النهار ورابعته، هم يعلمون! 

وَلَيسَ يَصِحّ في الأفهامِ شيئٌ                                إذا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ.

فهذه تسلية لرسول الله، هم لا يُكذِّبونك شخصياً، إنما طبيعة كل ظالم أن يجحد الحق، لماذا؟ لأن الحق يُعبِّده لله، أما هو فخطته في الحياة أن يكون عبداً لهواه، هذه هي القضية فقط، خطته في الحياة ومُبتناه على أن يكون عبداً لهواه والعياذ بالله تبارك وتعالى، وهذا شأن الظالمين في كل أين وآن، قال وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۩.

۞ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ۞

وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۩، وهذه كلمة سابقة من رب العزة، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۩ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ ۩، وكما قال أيضاً – سُبحانه وتعالى من قائل – كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۩، وكما قال – سُبحانه – إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ۩.

قال حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۩، وهذا أيضاً تسلية وتعزية لرسول الله، لست أول مَن كُذِّب فيما جاء به قومه، هذه سُنة الرُسل، أن يُكذَّبوا في رسالاتهم وفي وحي السماء الذي يأتيهم، وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۩، ما المقصود بكلمات الله هنا؟ كلمات الله في نُصرة أوليائه وأنبيائه والتي تلوت عليكم شيئاً منها، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا ۩، كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ ۩، هذه هي، هذه كلمات الله، أنه ينصر رُسله ويُؤيِّدهم ويُعِز جانبهم ويرفع رايتهم.

وَلَقَدْ جَاءَكَ ۩، يا حبيبنا ويا صفوتنا، مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ۩، أيضاً تسلية، مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ۩ فيما كُذِّبوا وكيف كانت لهم العاقبة بأخرة، كيف كانت لهم العاقبة في آخر أيامهم.

۞ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ۞

وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ ۩، أي عظم عليك، إِعْرَاضُهُمْ ۩، عن الحق الذي بُعِثت به، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا ۩، أي سرباً، فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۩، ما المقصود بالآية هنا؟ ليست الآية الشرعية، وإلا فقد آتاهم بالقرآن، وإنما بخارقة، هم اقترحوا غير مرة أن يأتيهم بخارقة كونية، ينزل عليه ملك أو يأتيهم بكنز أو يرقى في السماء أو يُنزِّل عليهم كتاباً مخصوصاً لهم يُخاطِبهم وربما بأسمائهم وبمُقترَحاتهم، أشياء عجيبة ومُقترَحات جاهلة تُناسِب عقليتهم الجاهلية المادية الحسية، والقرآن أراد أن يرفعهم من وهدة هذه الحسية الجاهلية المادية إلى يفاع العقلانية، قال فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۩ فافعل، الجواب محذوف، إن استطعت ذلك فافعل، ولن تستطيع، لأن الله لا يُريد ذلك، لماذا لم يُجِبهم الله – تبارك وتعالى – إلى مُقترَحاتهم في إظهار آيات وخوارق كونية؟ لماذا؟ لأنه لو فعل سُبحانه وتعالى – هذا مُقتضى الحكمة ألا يفعل، وهذه آخر أمة وآخر نبي وآخر دين وآخر كتاب وآخر رسالة – ثم ظلوا في عمهم سادرين لاستُئصلوا، وهذه سُنة الله، أنه إذا اقترح الكفّار خارقةً ولباهم وأجابهم ثم لم يُؤمِنوا استئصلهم، قال وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۩ فأهلكناهم – هذا الجوب أيضاً – واستئصلناهم، وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ۩، ثم مَن هو الرب ومَن هو العبد؟ 

قرأت مرة وأنا صبي صغير للأديب والفيلسوف والكاتب الأيرلندي والمسرحي الكبير برنارد شو Bernard Shaw – جورج برنارد شو George Bernard Shaw الذي يتبجَّح ويعتبر نفسه من سادة العُقلاء ومن جامعي الحكمة من أطرافها – شيئاً يقول فيه حين كنت شاباً استطعت أن أُثبِت لجماعة من الناس تحدوني في قضية الإيمان والإلحاد أن ليس ثمة إله، والعياذ بالله، كيف؟ ما هي الحُجة؟ ما هو البرهان؟ قال تحديته، قلت له إذا كنت موجوداً فالآن أدخل أنا وأنت في صراع، ورفعت يدي لكي يكسرها ولم يفعل، قال دقائق وهكذا ألحد هؤلاء وأيقنوا أنه غير موجود، جاهل! لأن أنت كسفيه يا برنارد شو Bernard Shaw ربما لو تحديت واحداً من رصناء البشر ورزنائهم من أصحاب الزكانة والذكاء والعقل لن يستجيب لهذا، العب مع الصبيان، أتكسر أنت يدي؟ العب مع الصبيان، لا أفعلها، أليس كذلك؟ أي عاقل يفعل هذا؟ لا أُريد أن أفعل هذا، ما هذا العبث؟ فكيف برب العزة؟ أتُريد من الله – تبارك وتعالى – أن ينزل دائماً لمُستواك حتى تُثبِت أنه موجود؟ وقد حصل أن تحداه غير واحد فقسمه الله – تبارك وتعالى – في لحظة، هذا حصل وتُوجَد عليه عشرات بل مئات القصص.

سمعتم عن الرجلين الذين أتيا إلى النبي وقالوا له يا محمد صف لنا ربك أمن ذهبٍ أو من فضةٍ أو من خشبٍ هو؟ فحوقل النبي واسترجع، فانطلقا ونزلت صاعقة من السماء، واليوم قرأنا في الرعد وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ۩، هذا سبب نزول هذه الآية من سورة الرعد، لا يستطيع أحد أن يُحاوِل الله، لا يستطيع! هو شديد المحال، فأنزل عليهما صاعقةً فجعلتهما حُممةً، أي فحمة، في لحظة هذا! تتساءلا أمن ذهبٍ أو من فضةٍ أو من خشبٍ هو؟ تفضَّلا.

الكاتب المصري أحمد زين في اللواء الإسلامي – أيضاً قرأت هذا وأنا صبي صغير في اللواء الإسلامي – ذكر قصة وكتب على إثرها كُتيباً صغيراً اسمه رأيت الله عن شاب من أبطال الأجسام في جامعة القاهرة كان مُلحِداً، لم يشكر نعمة ربه على العافية والنعمة السابغة الكاسية، لم يشكر وخرج مرة وقد تعرَّى الجزء العلوي من بدنه ونفش عضلاته وقال إذا كنت موجوداً فاصرعني، فلم يُكمِلها وسقط مُباشَرةً، فأجهشت الفتيات والفتيان بالبكاء وصاروا في حالة عظيمة جداً، شيئ غريب! قسمه الذي أخذ الجبابرة في لحظة، لأنه أحياناً يغضب، لا يعلم هؤلاء الجهلة مثل برنارد شو Bernard Shaw وأمثاله أن لله تجليات، أحياناً يتجلى – تبارك وتعالى – بالجمال وأحياناً يتجلى بالقهر والغضب والجلال، في ساعة مثل هذه لا يرحم أحداً، كل إنسان يُخطيء في حقه يُؤخَذ، قال – تبارك وتعالى – فَلَمَّا آسَفُونَا ۩، ما معنى آسَفُونَا ۩؟ أغضبونا، الأسف هو الغضب، فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۩، مُباشَرةً جرى لهم الانتقام في لحظة غضب، ولذلك يخشى المُؤمِن حتى – ليس الكافر وإنما المُؤمِن – المُصِر على الذنوب وخاصة الذي يحتقب الذنوب في الأوقات الشريفة والأماكن الشريفة أن يُوافِق – والعياذ بالله – وقوعه في هذا الذنب ساعة تجلٍ من الله – تبارك وتعالى – بالجلال والغضب، فيُؤخَذ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ۩، فلينتبه الإنسان، لا يحتقرن أدنى وأصغر الذنوب.

قال وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ۩.

۞ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ۞

إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۩، ما هو السمع؟ ليس سمع هذه الأُذن المادية وإنما الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۩ سمعاً شرعياً ينتفعون به ويُطيعون به، فكأن الله – بل هو كذلك سُبحانه وتعالى – جعل الذين لا ينتفعون بهذا الوحي وبما أنزل الله من الهُدى والنور صُماً، وصفهم في عشرات الآيات بأنهم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ۩، وقال هنا وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ۩، شبه موتى القلوب بموتى الأجساد وإنهم لكذلكم، ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ۩، وهذا تهكم من الله أن شبَّههم بالموتى.

۞ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ۞

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۩، هي التي ذكرنا قُبيل قليل، يُريدون آية كونية، يُريدون خارقة، طلبوا منه مرة أن يُجري معه الصفا ذهباً، قالوا إذا أردت أن نُؤمِن لك يا محمد فحوِّل لنا الصفا ذهباً، وهذا مُقترَج عجيب، فناجى ربه وقال له يا رب قومي يقترحون علىّ كذا وكذا، فأوحى الله إليه وأنزل له جبريل قائلاً يا محمد إن شيئت أجرينا معك الصفا ذهباً ولكن مَن كفر بعد ذلك منهم أُعذِّبه عذاباً لا أُعذِّبه أحداً من العالمين، وإن شئت يا محمد أبقيت لهم الاستغفار، أي يُمكِن أن يُذنِبوا ويستغفروا، فقال لا، بل الاستغفار، لأنه أوسع، أوسع للأمة، لكن لو أنزل شيئاً مرة واحدة وانتهى الأمر لكانت مُصيبة، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ۩، شرحناها قُبيل قليل.

۞ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ۞

وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ ۩، كل ما دب على الأرض فهو دابة من كل صنوف الحيوان ونوعه، وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ ۩، أي جماعات مُصنَّفة صنوفاً ومُنوَّعة أنواعاً، مُحصاة في علم الله ومحصورة في غيب الله، في لوح الله – سُبحانه وتعالى – وكتابه المحفوظ، قال إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۩، وأعتقد شرحاناها شرحاً مُوسَّعاً إلى حدٍ ما في خُطبة النمل قُبيل أسابيع.

مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، قيل في هذا الكتاب، لأن فيه جوامع العلم ومفاتيح العلم، قال عبد الله بن مسعود مَن أراد علم الأولين والآخرين فليقرأ القرآن الكريم، وقال عبد الله بن عباس – رضوان الله تعالى عليهما – والله لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله، هذا ابن عباس، رباني هذه الأمة، فقيه الكتاب، كيف؟ الله أعلم، قال كل شيئ في هذا الكتاب، مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، قال تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، وقيل ليست الإشارة إلى هذا الكتاب، وإنما إلى اللوح المحفوظ، أي ما فرَّطنا في لوحنا المحفوظ وفي الإمام المُبين من شيئ، فعلمه – سُبحانه وتعالى – مُستوعِب وحاصل لكل شيئ، وكتابه مُقيِّدٌ لكل شيئ مما كان ومما سيكون، كما أجرى الله بذلك كتابةً فيه، والله – تبارك وتعالى – أعلم، كما قال – عز من قائل – في هود وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۩، فهذا الذي يُؤكِّد التفسير الثاني، أن المُراد بالكتاب اللوح المحفوظ.

ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ۩، كل هذه البهائم والعجماوات والخلائق الحية ستُحشَر إلى ربها، وسبق أيضاً في خُطبة النمل أن ذكرنا – بحمد الله تبارك وتعالى – عن حبر الأمة عبد الله بن عباس – رضيَ الله عنهما – أنه فسَّر الحشر هنا بالموت، ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ۩ أي يموتون، كل سيموت، قال هذا هو الحشر، والأرجح تفسير الحشر بالحشر يوم الدين كما تُحشَر الخلائق، لقوله – تبارك وتعالى – وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ۩، وسياق الآيات في سورة التكوير كله عن يوم الدين ومشاهد يوم القيامة.

روى الإمام ابن جرير وغيره –  الأحاديث كثيرة جداً في هذا الباب وذكرنا طائفةً منها إن شاء الله، لكن روى هذا ابن جرير وغيره – عن أبي ذر أنه قال انتطحت شاتان أمام رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – وأنا أرى، فقال يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا؟ قلت لا، قال ولكن الله يدري وسيقضي بينهما، إذن ستُحشَران، قال ولكن الله يدري وسيقضي بينهما!

۞ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۞

وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۩، صُمٌّ ۩ لا يسمعون، وَبُكْمٌ ۩ لا ينطقون، وهم مع ذلك فِي الظُّلُمَاتِ ۩ يتخبَّطون ويتلمَّسون، أي لا يُبصِرون، فكأنه قال وعُميٌ أيضاً، فمثل هذا هل يهتدي طريقاً؟ هل يضح له سبيل؟ اللهم كلا.

قال مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۩.

۞ قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۞

قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ۩، إما هذا وإما هذا، أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩، أترغبون إلى غيره؟ أتجأرون إلى غيره؟ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩ في ماذا؟ في دعواكم إلهية الأوثان والأصنام وعبادتكم هذه المزعومات من دون الله، لو كنتم صادقين فلماذا لا تدعونها إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ۩؟ وإنما تجأرون مُباشَرةً إلى الله بالشكوى وبالدعاء، لا إله إلا هو!

۞ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ۞

بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ۩، أي مَا تُشْرِكُونَ ۩ به من الأوثان والأصنام والحجر والشجر والشمس والقمر.

۞ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ۞

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ۩، ما هي البأساء؟ البأساء هي الفقر والفاقة وضيق العيش، هذه هي البأساء، وأما الضراء فهي الآلام والجراحات في المعارك والأسقام والمصائب، اسمها الضراء! وأما البأساء فهي في المال، أي الفقر وضنك العيش وضيق ذات اليد، هذه البأساء وهذه الضراء. 

لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ۩، أي يخشعون، يتطامنون، يذلون لله تبارك وتعالى، هلا فعلوا ذلك؟

۞ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ۞

قال فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن ۩، لا، لماذا؟ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۩، السبب قسوة القلب، نعوذ بالله من قسوة القلب وجمود العين، قال وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۩، وما سبب قسوة القلب؟ كثرة الذنوب، تعاقب الذنوب عليه حتى تُحيط به – والعياذ بالله – وتُغلِّفه.

قال وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ۩.

۞ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ۞

فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ۩، فَلَمَّا نَسُواْ أو تناسوا أو تجاهلوا مَا ذُكِّرُواْ بِهِ ۩ من وجوه النذارة فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ۩، أي من وجوه النعم والأرزاق على ما يُحِبون مكراً بهم واستدراجاً لهم، لماذا؟ لنأخذهم عما قليل وعما قريب أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ۩، قال حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ۩، فُجاءةً، مرةً واحدة، فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ۩، آيسون، انقطع أملهم وطاح تأميلهم.

قال الحسن البِصري – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – مَن بُسِط له – أي في رزقه – ولم ير أنه مُكِر به فلا رأي له، ومَن قُتِّر عليه ولم ير أنه نُظِر له فلا رأي له، حتى إذا قتَّر الله عليك قد يكون هذا من مصلحتك، محبةً من الله لك وفيك، يُحِبك فيحميك عن الدنيا، كما قال النبي إن الله – تبارك وتعالى – ليحمي أولياءه عن الدنيا كما يحمي أحدكم صفيه عن الماء والطعام، رحمةً به! الطبيب أوصى بالحمية، لو أكل هذا يهلك ويموت، فالله – عز وجل – يعلم أنه لو بسط لك في الرزق في الباب الفلاني أو العلاني أو الكذائي لربما تهلك وتبطر المعيشة وتكفر والعياذ بالله، فيقبض عنك الدنيا رحمةً بك، الحسن البِصري يقول إنه هكذا يفهم الأمور، لا تفرح قائلاً أنا – الحمد لله – لو لمست الحائط بيدي يستحيل ذهباً، يا مسكين ابك، هل أنت فرحان جداً بهذا الشيئ؟ هل أنت فرحان؟ أعطاك الله ذلك، فهل تُعطي؟ هل ترضخ؟ هل تُعطي للمُسلِمين، للإسلام، للفقراء، وللمساكين أم أنت مُتعبَّد لهذا المال فتجمع وتمنع؟ هل أنت فرحان لأنك تُثمِّره وتُكثِّره؟ عما قليل تُفارِقه، لذا قال هذا لا رأي له، الذي لا يعلم  حين يفتح الله له ويبسط عليه الرزق والنعمة أنه ممكور به فهو لا رأي له، لا فهم له ولا عقل، والذي يُقتِّر عليه ولا يرى أنه نُظِر له – أي الله يصنع له الخير إن شاء الله وهو لا يعلم ذلك – فهو أيضاً لا رأي له، ثم تلا هذه الآية، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ۩، وقال الحسن البِصري مكرٌ بالقوم والله، ويُمكِن أن تُضبَط مُكِرَ بالقوم والله، حتى أخذهم بغتةً سُبحانه وتعالى، حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ۩ والعياذ بالله، أي آيسون، أبلس إذا انقطع أمله، لا أمل له، ينتهي الأمل!

قال الإمام عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه إذا رأيتم نعمة الله تتوالى على العبد وهو مُقيم على المعصية فاعلموا أنه ممكورٌ به، هذا مكر! الله يُريد أن يُهلِكه والعياذ بالله، وفي المُقابِل إذا أحب الله عبداً أصاب منه، الله إذا أحبك يُصيب منك، يُصيبك منك بمرض أو أوجاع أو فقد حبيب أو فقد مال أو أشياء لا تتحقَّق لك، هناك أشياء كثيرة والحمد لله، هذا من فضل الله تبارك وتعالى، حتى الهم والغم تكفير لخطاياك طبعاً، أعظم الناس بلاءً مَن هم؟ الأنبياء، لو كان البلاء ليس رفعةً وليس كرامةً لما ابتُليَ الأنبياء، هذه سُنة الله.

۞ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۞

فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ۩، حين أخذهم الله قطع دابرهم – والعياذ بالله – في يوم عقيم أو في ليلة عقيمة، أي لا تجعل لهم أثراً ولا نسلاً، فيُصبِحون أثراً بعد عين والعياذ بالله، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، لأنه هو المُدبِّر، رب العالمين!

۞ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ۞

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم ۩، الأخذ بالسمع والأبصار قد يكون حقيقةً بأن يعمى الإنسان ويُصاب بالصمم، وقد يكون مجازاً بأن يأخذ الله بسمعه وبصره فلا ينتفع بوحي الله والهُدى الذي أنزل، لا ينتفع! فهذا مأخوذ، والدليل الذي يُرجِّح هذا المعنى قوله وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم ۩، هذا الختم ليس شيئاً حسياً يراه الجرّاح، وإنما هو شيئ معنوي، فليكن إذن أخذ السمع والأبصار معنوياً أيضاً، فهذا أرجح، أي هذا المعنى أرجح، تراه يُبصِر وهو لا يُبصِر ويسمع وهو لا يسمع، كما قال الشاعر:

يَا نِاظِرًا يَرْنُو بِعَيْنَيْ رَاقِدٍ                            وَمُشَاهِدًا لِلأَمْرِ غَيْرَ مُشَاهِدِ.

إلى آخر الأبيات! 

مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ۩، ما معنى نُصَرِّفُ ۩ ؟ أي نُكرِّر ونُعيد، من التصريف! نُكرِّر ونُعيد تبيان وإيضاح هذه الآيات على أنحاء وبوجوه مُختلِفة، مرةً من باب الترغيب والترهيب ومرةً من باب التذكير بالأولين وما جرى عليهم من كوائن وحوادث ومرةً بتمهيد الدلائل العقلية المُخاطِبة للعقل، وإلى غير ذلكم وإلى غيره،  ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ۩، أي يبتعدون ويلوون كشحاً عن الحق والعياذ بالله تبارك وتعالى.

۞ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ۞ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۞

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ۩ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۩، الخوف يكون من ماذا؟ والحزن يكون على ماذا؟ الخوف يكون مما يُستقبَل، أليس كذلك؟ إذا شيئ وقع فأنت لا تخف منه، وقع وانتهى هذا، تتذكَّره فتأسى لكن الشيئ الذي تنتظره فأنت تخاف منه، لا تعرف ماذا سيكون غداً، ماذا سيكون ساعة الموت، ماذا سيكون في يوم البعث والنشور، هذا شيئ مُخيف، فأنت تخاف، لكن المُؤمِن الذي عمل الصالحات – إن شاء الله تبارك وتعالى – سيُؤمِّنه الله من خوفه يوم القيامة، قال – سُبحانه وتعالى – في الحديث القدسي الجليل وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي أمنين كما لا أجمع على عبدي خوفين، إذا خافني عبدي في الدنيا أمَّنته في الآخرة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة، هذا هو طبعاً، والمُؤمِن لا يأمن الله في الدنيا، مُستحيل! حتى الأنبياء لا يأمنوه، ويبقى النبي خائفاً، حتى جبريل ينطبق عليه هذا، جبريل كان يخشى على نفسه من مكر الله ويبكي وينزل يتدارس مع أخيه رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – فيبكيان كلاهما، أوحى الله إليهما ما الذي يُبكيكما؟ فقالا كذا وكذا، فقال نعم، هكذا فكونا، دُوما على هذه الحالة، فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ۩، قال الله لا أجمع على عبدي أمنين كما لا أجمع على عبدي خوفين، إذا خافني عبدي في الدنيا – اللهم اجعلنا مثله – أمَّنته في الآخرة، الذي آمن وعمل صالحاً  له الأمن، قال إبراهيم الخليل – عليه السلام – في هذه السورة فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۩، ويأتي الجواب: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ۩، اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنّك، إذن هذا الخوف مما يُستقبَل، والحزن على ماذا؟ على ما بدر وفات، يحزن على الدنيا، يحزن على ما ترك وراءه من الدنيا التي خُوِّل ومن الدنيا التي صنع واصطنع، لكن المُؤمِن لا يحزن، مع السلامة الدنيا، تذهب في ستين داهية الدنيا، لماذا؟ لأنه سيرى سرعة تقضيها، ليس المُؤمِن فقط بل كل مَن يُحشَر يوم القيامة، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ۩ الله – عز وجل – يقول في آخر الروم، سيقولون ساعة، والله ساعة، كيف ساعة؟ مائة ساعة عشت يا كافر يا بعيد، وبعضهم يعيش أقل من مائة سنة، لكنه يراها ساعة، ونعم هي ساعة طبعاً، في الآخرة وفي الأبد هي ساعة، هل المُؤمِن يحزن عليها؟ لا يحزن، تذهب في ستين داهية الدنيا هذه، لا يحزن ولا يخاف مما يستقبل، وأما الكافر فيعظم خوفه مما يستقبل ويعظم حزنه على ما فات، ذهبت الدنيا وذهب كل شيئ، طبعاً ذهب كل شيئ وانتهى، خسارة والعياذ بالله، خسارة عُظمى، أي والله!

۞ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ۞

وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ۩، واضحة.

۞ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ۞

قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ ۩، فأتصرَّف فيها كيفما أُريد فأُعطي وأمنع، لا! لا أستطيع، هذا لله، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ۩، أي ولا أقول لكم إني أعلم الغليب، هنا إلا ما أطلعني الله عليه، قال – تبارك وتعالى – عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ۩ إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ۩، والآيتان من آخر سورة الجن، ولذلك وقف النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يوماً موقفاً طويلاً – كما في حديث حُذيفة أَسِيد بن وليس حُذيفة بن اليمان ويغلط فيه بعضهم، هذا حُذيفة بن أَسِيد الغفاري، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – من لدن صلاة الصبح حتى الليل، لا ينزل إلا للصلاة، ثم يعود، خُطبة مُتواصِلة، نهار كامل! يقول حُذيفة ما ترك شيئاً كائناً إلى يوم القيامة إلا أخبرنا به وما ترك صاحب فتنة يتبعه خمسون فأكثر من الناس إلا ذكره باسمه واسم أبيه وقبيلته، يقول حُذيفة ذكر مَن ذكر ونسيَ مَن نسيَ كما رواه أبو داود، وهنا قد يقول لي أحدكم هل هذا غيب؟ نعم، هذا غيب من غيوب الله، هذا ليس كل الغيب، قال – عز من قائل – في سورة النمل قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ۩، الغيب كله لله، لكن بعض الغيوب أو أجزاء من الغيوب كثيرة أو قليلة قد نعلمها، يُطلِع الله مَن شاء مِن عباده عليها وبالذات الأنبياء والمُرسَلين، يُطلِعهم على ذلك طبعاً، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ۩، أي كل الغيب، الغيب المُطلَق لله، لكن ما أطلعه الله هو يعلمه، مثل هذا وأشياء كثيرة.

وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ۩، وأنتم مأمورون باتباعي، هذا المعنى، إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ۩، فأنتم من باب أولى أن تتبعوا ما أُوحيَ إليّ، وهذه سُنة الأنبياء، كما قال شُعيب وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۩، النبي يقول أنا أول الناس، سألتزم بهذا الشرع وبهذا الدين، شُعيب يقول هذا ومحمد – عليه السلام – يقول هذا، نفس الشيئ! قال إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ۩، أنا أتبع هذا الذي أُوحيَ إليّ، فأنتم أولى وأجدر بهذا الاتباع.

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ۩، مَن هو الأعمى؟ الذي نَكَب وجَحَد الحق ونَكَب عن طريقه أو نَكَّب عن طريقه، وأما البصير فهو الذي سار في سبيل الحق، أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ۩.

۞ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۞

وَأَنذِرْ بِهِ ۩، بماذا؟ بالوحي، بالقرآن! الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ۩، إذن النذارة حاصلة لمَن؟ ليست لكل مَن سمع القرآن حتى من المُسلِمين، للأسف بعض الناس يخر عليه أصم أعمى، وإنما تنفع النذارة والتخويف بهذا الكتاب لمَن هذا نعته، الذين يخشون ربهم، الذين يخافون ربهم، قال فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ۩، أي وعيد الله، وهنا قال  وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ ۩، هؤلاء الذين يُجدي معهم القرآن، لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ۩ كما في يس.

 لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ ۩، أي قريب حميم، وَلاَ شَفِيعٌ ۩، أي شفيع يشفع لهم عند الله، وعلى ذكر كلمة شفيع أُحِب أن أُقدِّم كلمةً عجلى وسريعة جداً إن شاء الله تبارك وتعالى، أسأل الله أن يُعينني فيها على أن ألم أطراف الحق كما يراه أهل السُنة والجماعة – بحمد الله – المهديون في هذه المسألة الشائكة، لأن إلى الآن للأسف نجد بعض الناس أحياناً يُنازِع في هذه المسألة، تعلمون أن طوائف من المُبتدِعة وعلى رأسهم وفي مُقدِّمتهم المُعتزِلة أنكروا الشفاعة مُطلَقاً، قالوا لا تُوجَد شفاعة إطلاقاً، لكن الله أثبت الشفاعة، قالوا لا، الشفاعة معناها دعاء النبي، النبي يدعو لأمته وفي الدنيا، كأن يقول اغفر لأمتي واهد أمتي، قالوا هذه الشفاعة، وهذا كلام فارغ، هذا الكلام فارغ يُناقِض القرآن وصحيح السُنة التي لم يُقيموا لها وزناً، وبعض العصريين ما زال أيضاً يُناقِش ويُجادِل في هذه المسألة إلى اليوم ويقول الله نفى الشفاعة، الحق في هذه المسألة باختصار وبجُمل جامعة – إن شاء الله تبارك وتعالى – أن الله – تبارك وتعالى – ما نفى الشفاعة مُطلَقاً إلا في آية واحدة، ثم نفاها بعد ذلك مُقيَّدةً، ثم أثبتها مُقيَّدةً، فالنفي جاء في موضع واحد على الإطلاق، وهو قوله – تبارك وتعالى – في سورة البقرة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩، قال وَلا شَفَاعَةٌ ۩ هكذا، الآية الوحيدة التي نُفيت فيها الشفاعة على الإطلاق من غير قيد، أما الآيات الأُخرى التي انتفت أو نُفيت فيها الشفاعة فجاءت مُقيَّدة، فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ۩، ليست مُطلَقة، شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ۩، مِمَن؟ مِن الكفّار، لا تستطيع الأصنام ولا الأوثان ولا رؤوساؤهم ولا كبراؤهم من الكفّار أن يشفعوا فيهم، مُستحيل أن يشفع كافر في كافر، هذا هو، وهكذا تُوجَد آيات كثيرة بهذا المعنى، وأما التي جاءت مُقيَّدة فجاءت بالإذن، بالإذن للشافع وفي المشفوع، يأذن الله للشافع ويأذن للشافع أن يشفع في هذا المشفوع وليس في كل أحد، ومن هنا – وسيأتينا هذا في آيات إبراهيم عليه الصلاة وأفضل السلام – إبراهيم وعد أباه أنه سيستغفر له الله – تبارك وتعالى – ما لم يُنه عنه، ولكن لما تبيَّن له أنه عدو لله تبرأ منه، متى تبيَّن له؟ حين مات على الكفر، وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ – متى كان هذا التبيّن؟ بالموت، مات أبوه على الكفر، فقال انتهى الأمر، كفر ولا فائدة، سيدنا إبراهيم كان عنده أمل أن أباه يُسلِم ويُذعِن لكنه مات على الكفر فتبيَّن أنه عدو لله – تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ۩، الشخصان الوحيدان اللذان وُصِفا في القرآن بالحلم – حَلِيمٌ ۩ – إبراهيم وابنه إسماعيل فقط، لم يُوصَف بهذا الوصف إلا إبراهيم وإسماعيل، وهما حقيقان بذلكم وجديران، عليهما الصلوات والتسليمات.

المُهِم أنه دعا الله – تبارك وتعالى – ولباه الله، قال وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ۩، الله قال له ذلك، لن أُخزيك يا إبراهيم يوم أبعث الخلائق، فيوم القيامة كما في الصحيحين يُبعَث إبراهيم ويرى أباه آزر فيأتيه أبوه ويقول له يا بُني اليوم لا أعصيك، آلان؟ آلان لا تعصي وقد مت على المعصية؟ قال اليوم لا أعصيك، يوم شديد، يوم مُخيف، لا إله إلا الله! أعاننا الله عليه، قال يا بُني اليوم لا أعصيك، فيُريد أن يشفع – هذا معنى الشفاعة الآن – له، فيقول إبراهيم – عليه السلام – يا رب ألم تعدني أنك لا تُخزيني يوم القيامة؟ وفي بعض الروايات لا تُخزِني على الحكاية ربما، أي على حكاية دعائه وَلَا تُخْزِنِي ۩، وإلا أنك لا تُخزِني لا يتجه نحوياً إلا على الحكاية، وموجودة في الصحيحين هذه الرواية، قال فيقول الله – تبارك وتعالى – له يا إبراهيم انظر وراءك، إبراهيم يقول لا تُخزِني وأي خزيٍ – إبراهيم يقول – أخزى من أبي الأبعد! أخزى شيئ والعياذ بالله، كافر يرتعد وفي خوف، ومحشور أكيد في شِكلة وفي خِلقة بشعة، ولا يزال هناك ما هو أبشع منها، فينظر إبراهيم إلى أبيه فيجد زيخاً قد تلطَّخ والعياذ بالله، أي سيجد زيخاً مُتلطِّخاً، الله أعلم كان مُتطلِّخاً بماذا، بقذورات أو بالعذرة أو بالطين أو بالوساخة، لن يجد زيخاً فقط وإنما سيجد زيخاً مُتلطِّخاً، ما هو الزيخ؟ ذكر الضبع، كلمة الضبع أُنثى، فحين نقول ضبع هي أنثى، وأما ذكر الضبع فهو المعروف بالزيخ، لا يُوجَد ضبع وضبعة كما يقول العوام، يُوجَد زيخ وضبع، الضبع هي الأُنثى والزيخ هو الذكر، فيجد إبراهيم زيخاً والعياذ بالله، فإذا بزيخٍ قد تلطَّخ، فيُؤخَذ بقوائمه ثم يُلقى في نار جهنم، كافر! الله لا يأذن حتى للخليل ولشيخ الأنبياء ولأبي الأنبياء أن يشفع في كافر.

إذن الشفاعة مُقيَّدة بماذا؟ الشفاعة مُقيَّدة بالإذن الإلهي، قال – تبارك وتعالى – مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۩، وقال في الملائكة وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ۩ في الأنبياء، يشفعون! حتى الملائكة تشفع، لكن لمَن؟ لِمَنِ ارْتَضَىٰ ۩، وهناك قال  مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۩، هو إذن للشافع وإذن في المشفوع أيضاً، وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ۩، إذن تُوجَد شفاعة، كيف؟ القرآن واضح جداً بصراحة، واضح جداً، يوم القيامة تُوجَد شفاعة لكن بالإذن، إذن للشافع وإذن في المشفوع.

أخيراً حتى أختم هذه النُقطة – الموضوع طويل لكن هذا مُهِم حتى تذهب بعض الشكوك والأوهام – يقول بعض هؤلاء – هداهم الله وهدانا الله وإياهم إلى ما فيه الحق إن شاء الله والصراط المُستقيم – نحن نفينا الشفاعة لأنها من باب المحسوبية، أستغفر الله العظيم، هذا في الحقيقة تجاسر على كلام الله وعلى كلام رسول الله، أن نُعبِّر بمثل هذه التعبيرات الجريئة جداً لا يجوز، يقولون هذه محسوبية، وأنا سأحجهم بحُجة واحدة واستمعوا وأنصفوا لأنهم يقولون هذه محسوبيات ومُحاباة!

أيها الإخوة:

هل سيكون من رحمة الله يوم القيامة – كما في الكتاب العزيز – أنه يغفر للمُوحِّدين – إذت مات مُوحِّداً، ليس كافراً، لم يُشرِك – ما شاء لأنه ليس مُشرِكاً؟ نعم، بنص كتاب الله، إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۩، هذا واضح جداً في كتابه العزيز، قال أنا حر، أنا لي المشيئة المُطلَقة، ما دام لقيني غير مُشرِكٍ بي فربما أغفر له ما شئت، هل هذا واضح أم لا؟ إذن مُمكِن أن يغفر الله لزانٍ أو لقاتلٍ أو لسارقٍ أو لغير مُصلٍ أو لغير صائمٍ لكنه مُوحِّد، لم يُشرِك بالله، المُهِم الشرك ينتفي، أليس كذلك؟ مُمكِن هذا، النبي ماذا قال؟ النبي ما زاد على أن قال شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، المُؤمِن الصالح التقي لا يحتاج الشفاعة، لماذا؟ هو نفسه صاحب شفاعة إن شاء الله تعالى، هذا هو طبعاً، الشافعة ليست فقط للأنبياء والملائكة، هؤلاء أعظم الشافعين، لكن هناك شفاعة للمُؤمِنين العلماء والأولياء الأتقياء، هناك شفاعة للمُؤمِن الذي أسدى يداً بيضاء ومعروفاً لأخيه المُؤمِن، يُشفَّع فيه يوم القيامة، حتى لو سقاه شربة ماء يُشفَّع فيه يوم القيامة، وهذا في الصحيحين، فهناك أنواع من الشفاعات – بحمد الله تبارك وتعالى – في مواقف عدة.

إذن النبي قال شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، وثبت بالقرآن الكريم أن لله أن يغفر لصاحب كبيرة، أليس كذلك؟ إلا الشرك، طبعاً لا مغفرة له، وهذا واضح جداً، الآن هذا الزاني أو هذا السارق أو هذا التارك أو هذا القاتل – والعياذ بالله – الله – تبارك وتعالى – يُريد أن يُدخِله الجنة وأن يغفر له، هؤلاء يقولون لا بأس، نُسلِّم بهذا، هذا ظاهر الكتاب، لكن من غير شفاعة، نقول لهم لماذا؟ ما الفرق؟ الشفاعة – انتبهوا – لا تزيد عن كونها رحمةً للمشفوع فيه وكرامةً للشافع، مَن الذي رحم؟ الله، مَن الذي غفر يا أخي؟ الله، إذن ما دخل هذا الشافع في البين؟ دخله أن الله أراد أن يُظهِر كرامته للناس، هذا هو طبعاً، الله يُريد أن يقول أنا سأرحم وهذا سأُدخِله في البين، لكي أُظهِر أن له كرامة ومنزلة عندي، هذا هو طبعاً، فلا تقل لي هناك محسوبيات ومُحاباة، هذا كلام فارغ لا معنى له أصلاً، لأن لله أصلاً أن يغفر لمَن شاء وأن يُدخِل الجنة مَن شاء مِن عباده، فإذا فعل ذلك بواسطة شفاعة فإنما هي – ولا تزيد عن محض ذلك – رحمةً للمشفوع فيه وكرامةً للشافع، وهذا يقبله العقل – إن شاء الله – ويرتاح له قلب المُؤمِن، وليس فيه شيئ بإذن الله تعالى.

 قال لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۩.

۞ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ۞

وَلاَ تَطْرُدِ ۩، أي يا نبينا ويا صفوتنا، الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ۩، ما معنى دعاء الله؟ الدعاء قد يكون بمعنى الدعاء فعلاً وقد يكون بمعنى العبادة، والدعاء بلا شك عبادة، كما قال – سُبحانه وتعالى – وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۩، ثم قال مُباشَرةً إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ۩، لم يقل دعائي وإنما قال عِبَادَتِي ۩، لأن الدعاء من العبادة، بل الدعاء مُخ العبادة، بل الدعاء هو العبادة في رواية أُخرى، قال الدعاء مُخ العبادة وفي رواية الدعاء هو العبادة، أي أن هذا ليس من باب حصر الخبر في المُبتدأ ولكن من باب المُبالَغة، كأن العبادة أوشكت أن تكون فقط دعاءً، كما نقول المال الإبل والحج عرفة وفلان العالم وبنو فلان الناس كأنهم هم الناس وغيرهم ليسوا بأُناس، هذا من باب المُبالَغة وليس من باب حصر الخبر في المُبتدأ، كأنه هو فقط، والله أعلم.   

بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ۩، كثيرون من المُفسِّرين يرون أن المقصود بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ۩  – أي بالأصابح والأماسي – الصلوات المكتوبات، يقولون المقصود الصلوات المكتوبات.

يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۩، أي يحتسبون له، أهم شيئ في العبادة ليست صورة العبادة وإنما باطن العبادة الذي يُترجِم احتساباً لله تبارك وتعالى، لا يُريد بهذه العبادة إلا وجه الله وإلا رضوان الله وليس أي شيئ آخر، هذا أهم شيئ طبعاً.

مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ۩، هذا كما قال نوح عليه الصلاة وأفضل السلام، قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩ إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ۩، قال أنا لا أُحاسِبهم، والنبي قيل له نفس الشيئ، وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ۩.

۞ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ۞

وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ۩، كيف فتن الله بعضهم ببعض؟ فتن الكافرين بالمُؤمِنين، لماذا؟ وذلكم أن الكافرين كانت – والعياذ بالله – ساطية بهم نخوة الجاهلية وحُمياها وكبرياؤها وحميتها، ويرون أن صغار الناس مما لا مال له ولا شرف ولا مكانة في المُجتمَع ولا أصل ولا حسب ولا نسب هؤلاء بعيدون جداً من أن تُرشِدهم عقولهم إلى الحق وإلى الصراط المُستقيم، فالحق والصراط المُستقيم حكر على علية القوم، فإذا نحن لم نُصِب ذلك كيف يُصيبه هؤلاء الأوباش وأراذل الناس؟ كما قال أيضاً قوم نوح لنوح وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ۩، أي من غير تفكير، ما معنى بَادِيَ الرَّأْيِ ۩؟ هكذا من أول وهلة اتبعوك، لم يُفكِّروا! لكن نحن مُتعمِّقون، نحن مُتفلسِفون، كما يقول أحدهم الآن عندي شهادة دكتوراة في الفلسفة أو أربع شهادات في القانون، ما هذا الكلام؟ طبعاً هذا تراه الآن من جهلة بل من أجهل خلق الله، يغتر الواحد منهم بشهادته في الفلسفة، قال أحد العلماء المُعاصِرين أكثر مَن وجدنا يُناكِد ويُناقِض الأنبياء دارسو الفلسفة، وهذا صحيح طبعاً، انظروا إلى مصر وبلاد الشام وإلى كل مكان، ثلاثة أرباع ملاحدة وتسعة عشر ملاحدة والعياذ بالله، هناك مَن يسخر من كتاب الله ومن رسول الله ثم يقول أنا مُسلِم أو أنا إسلامي، يقول أنا يسار إسلامي وهو زنديق من درجة أولى والعياذ بالله، والله هو زنديق، فرَّغ العقيدة من كل مُحتوياتها، فرَّغ الإسلام! فهؤلاء فلاسفة، يتفلسفون ولا يفهمون شيئاً حقيقة، ليس عندهم أي شيئ ويتخبَّطون، لو كانت الفلسفة تهدي إلى الحق لاهتدى إليه فلاسفة الغرب الذين هم فعلاً فلاسفة حقيقيون، ليس عندنا الآن في العالم العربي أي فيلسوف، لا يُوجَد فيلسوف واحد، وهم يعترفون بهذا، كلهم أساتذة فلسفة يحملون شهادات، لكن لا يُوجَد فلاسفة، وإلا أين فلسفتهم؟ لكن فلاسفة الغرب كلهم تُعساء وكلهم يتخبَّطون، علماً بأن هذا حديث طويل قد يستغرق ساعات، لكن هؤلاء يتخبَّطون تخبطاً لا أعجب ولا أغرب منه، كلهم والعياذ بالله!

ابن سينا المسكين – رحمه الله وغفر الله – كان عقلاً كبيراً، أكبر من كل هؤلاء العرب الذين درسوا الفلسفة، كلهم مرة واحدة هذا الرجل أعظم منهم عقلاً، باقعة من بواقع الدهر كان هذا، ومع ذلك كان يُدرِك أن النبوة غير الفلسفة، مُستحيل! كما قلت مرة في خُطبة يُوجَد الآن يهود ومُسلِمون ومسيحيون وبوذيون – إذا ثبت أن هذا الديانة لها أصل سماوي والله أعلم، قد يكون هذا وإليه الإشارة بقوله وَالتِّينِ ۩، على كل حال هذه قضية خلافية – وهم تقريباً مُعظَم البشر، أتباع ثلاثة أو أربعة من أنبياء الله فقط، موسى وعيسى ومحمد وبوذا Buddha إذا كان نبياً، والله أعلم! لا تُوجَد عندنا أدلة على ذلك، إنما هي فقط بعض الاجتهادات، لكن أرسطو Aristotle – أعظم الفلاسفة على الإطلاق – وكانط Kant وهيجل Hegel وديكارت Descartes و و و و أين أتباعهم؟ مئات في الجامعات فقط، وأتباع الفلاسفة الآخرين مئات أيضاً، وهكذا! البشرية إلى الآن تأبى إلا أن تسير في خُطة الأنبياء، في طُرق الأنبياء، النبي يختلف، النبي شيئ غريب وعجيب، حين تقرأ عن مباذل وسخافات الفلاسفة وقلة أدب الفلاسفة وحقارات الفلسفة تكره الفلسفة والفلاسفة، شخصيات حقيرة جداً جداً جداً،   ويبعثونها من جديد، تقرأ عنها أشياء مُقزِّزة، شخصيات مُقرِفة! وحين تقرأ عن الأنبياء تجد شيئاً مُختلِفاً تماماً، القُدى والأُسى والأنوار والسُوى والمنائر! النور ذاته – سُبحان الله – الأنبياء.

ابن سينا طبعاً – كما قلت لكم – كان باقعة من بواقع الدهر، داهية من دُهاة العقول، الرجل لم يترك شيئاً، درس الفلسفة والمنطق وحتى اللُغة، درسها لفترة بسيطة وأصبح فيلسوفاً فيها، شيئ غير عادي الرجل هذا، وكذلك الحال مع الطب طبعاً والفلسفة، فقال له أحد تَلاميذه يا شيخنا – كان يُلقَّب بالصدر الأعظم، مثل رئيس الوزراء الآن – ويا سيدنا، أيها الصدر الأعظم، لِمَ لا تحمل نبوةً؟ أي ادّع أنك نبي لأنك عقل كبير والناس سوف يتبعونك لأن عندك أدلة، لكن انظروا ابن سينا، فهو لم يكن غبياً، كان أذكى بكثير من هؤلاء الأغبياء الذين لم يُحِبوا أن يكونوا أنبياء بل أحبوا أن يهدموا الأنبياء، هناك مَن يُريد أن يهدم النبي، ادّع النبوة لأن هذا أحسن لك، ادّع النبوة لأن هذا أفضل، لكن لا يُمكِن أن تقتل النبي، مُستحيل! مَن أنت يا أخي؟ صعلوك طبعاً!

كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها                         فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ.

هذا هو بالضبط، فابن سينا كان أذكى بكثير – رحمة الله عليه وغفر الله له ما كان منه طبعاً من سيئات كثيرة – فقال له أنا أُجيبك فيما بعد وليس الآن، انظروا إلى هذا، كان فظيعاً، قال له فيما بعد سأُجيبك، وفي يوم من الأيام – هما كانا في سفر، جمعتهما سفرة – وفي ليلة شديدة البرد والزمهرير قال ابن سينا لهذا التَلميذ الغُلام يا فلان – وهو طبعاً كان مُتلحِّفاً ومُتدثِّراً في الطريق والصحراء – وائتني بالشيئ الفلاني، فقال يا شيخنا يُوجَد برد، فقال له يا بُني قُم، فقال له فيما بعد – إن شاء الله – يحصل، وظل المسكين يترجاه وهو أستاذه، قال له يا أخي قُم، فقال له لا أقدر على هذا، وبعد ساعة من الزمن أذن الأذان فقام مُباشَرةً وقال أشهد أن لا إله إلا الله، فقال له تعال، أعلمت الآن لماذا لا أعمل نبياً؟ قال لماذا؟ قال له هو مات مُنذ مات السنين – محمد مات من أكثر من أربعمائة سنة – وأنت سمعت نداءه وسمعت أشهد أن محمداً رسول الله فقمت من فراشك على الفور، ذهبت تجري لكي تتوضأ، وأما أنا – قال له – فأترجاك وأتوسَّل إليك ساعة ولم تُجِبني، أليس كذلك؟ هذا هو!
أنا خلف محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – أُلقي إليه بقيادي كله، يأخذني هكذا ويقودني من رقبتي، أين يُسيِّرني سأسير على الرحب والسعة وأنا راضٍ، ولن يُسيِّرني إلا فيما فيه سعادتي في الدنيا والآخرة، ولكن الفيلسوف سيذهب بي إلى الجحيم، سيذهب بي إلى جهنم من أقصر طريق طبعاً بفلسفته وبكلامه الفارغ، فهذا هو!

هذه فتنة، فتنة من قديم والعياذ بالله، أعني فتنة التعمق، أننا مُتعمِّقون وفلاسفة، والآخرون ماذا عندهم؟ بَادِيَ الرَّأْيِ ۩، هذه القصة كلها من أجل بَادِيَ الرَّأْيِ ۩، قالوا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ۩، قالوا ليس عندهم تعمق، ليس عندهم تفلسف، لكن نحن أساتذة، نحن أساتيذ كبار فعرفنا أن هذا دجل وكلام فارغ، لكن سوف نرى الحق مع مَن.

هذه فتنة، قالوا عن سلمان وصُهيب وعمّار وأبيه ياسر وسُمية مَن هؤلاء الناس؟ هؤلاء مساكين، وقالوا حتى محمد نفسه يتيم أبي طالب، قالوا هو حتى يتيم، ليس إنساناً غنياً، لم يكن مليارديراً، لو كان مليارديراً لقبلنا بهذا، كان يُمكِن أن يكون مليارديراً من ثقيف أو مليارديراً من قريش، وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ۩، ما المقصود بــ الْقَرْيَتَيْنِ ۩؟ الطائف أو قريش، لو كان رجلاً كبيراً من مكة أو الطائف لقبلنا بهذا، لأن هذا من طرازنا، لكن هذا يتيم، فهو حتى فقير ويتيم والعياذ بالله، وهذا موجود إلى الآن بالمُناسَبة، وهو موجود في بعض المُسلِمين، ما رأيك؟ والله العظيم موجود في بعض المُسلِمين، ترى هذا أحياناً حين يأتي رجل غني إلى مكان ويكون أميراً أو شيخاً، لكن ليس شيخ علم وإنما شيخ نفط، وقد رأيت هذا مرة واحتقرت هؤلاء القوم بصراحة مِمَن أعرفهم، احتقرتهم! وإلى اليوم كلما تذكَّرتهم حقرتهم إلا أن يتوبوا بصراحة، كانوا يجلسون يا أخي – بعضهم أطباء ومُهندِسون وبعضهم طلّاب علم شرعي – بين يدي هذا الشيخ النفطاوي كأنهم تَلاميذ – سُبحان الله – خولى، وأقصد بخولى أنهم عبيد وغِلمان، وهو كان يتكلَّم بكلام فارغ ولا معنى له حقيقةً، سمعت كلامه وخالفته في كل ما قال، قلت له يا أستاذ كذا وكذا، وطبعاً هو يتكلَّم بكلام خاطئ وهؤلاء يهزون رؤوسهم فلابد أن أتكلَّم، كلامه كله غلط يا أخي، يتكلَّم كلاماً غير علمي، مُجرَّد كلام فارغ كله، وكانوا يهزون رؤوسهم طمعاً في خمسة آلاف يورو أو خمسة آلاف شلن في تلك الأيام، ما هذا الكلام الفارغ؟ ما هذا؟ لا يُمكِن! احترم نفسك، احترم شخصيتك، احترم عقلك، احترم كيانك، لا تقل لي هذا غني أو غير غني، الحق أحق أن يُتبَع سواء أتى على لسان غني أو لسان فقير وسواء أتى على لسان مشهور أو لسان مغمور، لا تقل لي هذا غير معروف، لا يا أخي! ولذلك الإمام عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – قال كلمة في صراعه مع أصحاب الجمل وصفين هامة، قال طه حسين – رحمة الله عليه وغفر الله له – لم يقولها بشرٌ في أي لُغة من لُغات الدنيا، في كل اللُغات لم يقل بشر كلمة مثل هذه الكلمة، وصحيح كلام طه حسين، كلمة عجيبة! جاءه رجل – هو من أتباع عليّ، لكن المسكين كان مُتهوِّكاً ومُتحيِّراً لأن لُبِس عليه الأمر – ذات مرة وقال له يا أبا الحسن يا إمامنا أنت الآن على حق وطلحة على باطل والزُبير على باطل ومُعاوية على باطل وعائشة على باطل؟ أي أن الحكاية بالعقل، هذا المسكين مُتهوِّك، قال له أنت الوحيد؟ قال له إنك لملبوس عليك، أي أنك تُخبِّص وحكايتك كلها دخلت في بعض، قال له إنك لملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله، لا يُعرَف الحق بالرجال إنما يُعرَف الرجال بالحق، الله أكبر على الكلمة هذه يا أخي! قال له إنك لملبوس عليك، هل تقوم بالعد، أهذه ديمقراطية آراء؟ أربعة ضد واحد وينتهي الأمر، كلام فارغ هذا، هذا من جاهلة حتى الغرب بصراحة، ما هذه الديمقراطية الغريبة في الرأي؟ أنت ضعت بسببها، في الديمقراطية أنت ضيَّعت عقلك بالطريقة هذه، إذا أخذت بالديمقراطية في الرأي فسيذهب عقلك، أنت تتبع العدد ولا تتبع الحق، أليس كذلك؟ لا ترى الدليل وتتبع العدد، أنت مع الكثرة، لا يا أخي! الله قال وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۩، أكثر البشر فعلاً ضالون – والعياذ بالله – مُتهوِّكون ومُتحيِّرون، وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ۩، قال له إنك لملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله، الحق هو المعيار الذي يُعيَّر به، نحن الآن نقيس المتر بالأشياء أم نقيس الأشياء بالمتر؟ لا يُمكِن أن يقول لي أحدكم سأقيس المتر بالشيئ، لن تعرف ولن تقيسه أبداً لأنك سوف تُخربَط، لا يُمكِن أن تقول سأقيس المتر بالكوب أو بكذا وكذا، لن تعرف أيضاً، لكن أنا آتي بالمتر – المتر مائة سنتيمتر – وأقيس به كل شيئ، لا تُوجَد عندي مُشكِلة، أقيس به خمسين ألف مليون شيئ، هذا هو، هذا المعيار، أنت تحتاج إلى المعيار، هذا المعيار Measurement، إذا عندك المعيار فالأمر انتهى، سوف تقيس عليه كل البشر، الأحياء والأموات ومَن سيأتي أيضاً، سوف تقيسه أيضاً بهذا الحق، هذا الحق، مَن اتبعه كان مُصيباً ومَن نكَّب عنه فهو مُبطِل، انتهى الأمر! قال له إنك لملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله، لا يُعرَف الحق بالرجال إنما يُعرَف الرجال بالحق، هذا هو، لكن هذه فتنة، هذه فتنة إلا على العقول الكبيرة مثل الإمام عليّ – عليه السلام – وأمثاله، هذه عقول كبيرة لا يهمها شيئ، ولذلك سأل هرقل في الشام في لقائه الشهير جداً مع أبي سُفيان – هذا في بدء الوحي ومن صحيح البخاري، من أوائل الحديث – قائلاً أأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قال له هل مَن يتبعه العلية والأغنياء وأصحاب الوجهات والمثابات أم الفقراء والمساكين؟ قال بل ضعفاؤهم، قال نعم وهم أتباع الرُسل، هرقل عنده حكمة كبيرة، كان هذا الرجل فظيعاً، ولذلك لما النبي بعث إليه بالكتاب – أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، إلى آخر ما قال – أخذه ويُقال قبَّله ووضعه على رأسه ثم وضعه في قصبة من ذهب، أي أنه احتفظ به لأنه يعرف قيمته، وهذا الرجل كان يتمنى أن يُسلِم لكنه غُلِب على أمره وعلى رأيه من قومه طبعاً، وطبعاً آثر الدنيا وآثر المُلك للأسف، المسكين لم يكن أقوى من نفسه، هوى نفسه صرعه، وإلا كان يُمكِن أن يقول لا أُريد المُلك وسأُسلِم لكي آخذ الجنة، لكنه لم يقل هذا للأسف، لكن النبي شكر له هذا الصنيع وقال ثبَّت الله مُلكه كما وقَّر كتابي، يُقال هذا الكتاب – والله أعلم – قد يكون إلى اليوم في الفاتيكان Vatican، لأنه ظل يُتناقَل من إمبراطور إلى إمبراطور، أي أنهم يحتفظون به، وهو بخاتم رسول الله، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم أسلم تسلم، أسلم يُؤتَك الله أجرك مرتين، قال تعالى أُوْلَٰٓئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ ۩، لماذا؟ أجر الإيمان بنبيه وأجر الإيمان بالخاتم عليه السلام وأفضل السلام، مرتان إذن! والنبي قال ثلاثة يُؤتَون أجرهم مرتين، إلى آخر الحديث.

على كل حال قال وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۩، أهؤلاء – سلمان وعمّار وفارس وسُمية وزوجها وابنها ومَن معهم – هم؟ قال تعالى أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ۩، مَن هم الذين يشكرونه ظاهراً وباطناً بقلوبهم وجوارحهم وألسنتهم؟ هذه هي القضية.

۞ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۞

وَإِذَا جَاءَكَ ۩، يا محمد، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا ۩، فأكرِمهم ورد عليهم السلام، فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ۩، الذين يُؤمِنون بآياتنا لهم الكرامة، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۩، لا أدري لماذا كلما قرأت هذه الآية أو خطرت على بالي يتداعى إلى ذهني مُباشَرةً ذلك النبأ العجيب، نبأ شيخ الإسلام القاضي الكبير والعلّامة الحافظ والمُحدِّث الإمام مُنذِر بن سعيد البلوطي رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، هذا إمام عجيب، هذا سُلطان العلماء في بلاد الأندلس كان في وقته، حدَّثتكم مرة عنه في خُطبة عن القضاء، شيئ غريب جداً، ذكر على ما أذكر الإمام المقري في نفح الطيب مِن غصن الأندلس الرطيب وقبله – هو أخذ منه – أبو الحسن النباهي في تاريخ قُضاة وعلماء الأندلس أن مُنذِر بن سعيد كان أعجوبة في البيان، يتدفَّق هكذا ويسترسل على الببديهة، شيئ عجيب، كلامه من أعجب ما يكون، مفتوح عليه، من أهل الله كان، علّامة كبير جداً، وكان صُلباً متيناً لا يلين في الحق، حتى مع الكبار، حتى مع الخليفة، وله على الأقل موقفان شديدان جداً جداً مع الخليفة، يقول كلمة الحق دائماً، وكان مُستجاب الدعوة، ويُستسقى به، يعلمون أن هذا الإمام الجليل والقاضي من مُجابي الدعوة، فكانوا يستسقون به، فمرة قحطوا فاستسقوا وطلبوا من الغمام مُنذِر أن يؤمهم في الصلاة فراث عليهم، أي تأخَّر، تأخَّر كثيراً حتى إذا احتشد الناس فهم يُوزَعون – غصت الساحات بالناس، الكبار والصغار، جاءوا بغلمانهم وبدوابهم وبهائمهم، شيئ عجيب – خرج الإمام عليهم من طريق مُنفرِداً فطمحت إليه الأبصار، كل الناس نظروا إلى هذا العلّامة الكبيرو القاضي، جاء ووقف وكأنه عُضِل به وأُرتِج عليه لأول مرة، كأنه لا يعرف كيف يتكلَّم، وهو خطيب مُتدفِّق مُسترسِل، ثم نظر إليهم وأشار بيده، سَلامٌ عَلَيْكُمْ ۩، سَلامٌ عَلَيْكُمْ ۩، سَلامٌ عَلَيْكُمْ ۩، فأجهش الناس بالبكاء، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، ما فعل الحكم؟ عن أمير المُؤمِنين الأُموي، قالوا هو ذاك ساجد لله في الأرض وقد عفَّر وترَّب نفسه بالتراب، يقول يا رب أنا مُذنِب، هذا أمير المُؤمِنين، كان فيهم خير، سُبحان الله! لا تقس الآن الزنادقة الذين عندنا بصراحة بهم، هؤلاء الحكّام زنادقة والعياذ بالله، أولاد حرام، قالوا عنهم هذا في هذا الشهر الكريم، والله أعلنوها حرباً شعواء على الإسلام والمُسلِمين والعياذ بالله منهم، نسأل الله أن يستئصلهم عن آخرهم – والله العظيم – وأن يُبدِّلنا خيراً منهم، والله هم سبب نكبتنا، ليس فيهم أي خير، حين تُحاوِل أن تلتمس لهم عذراً لا تجد لهم أي عذر، لكن الذين عاشوا قديماً حتى الطُغاة – طُغاة بني أُمية وبني العباس – كان فيهم خير وكان فيهم إيمان يا أخي، كانوا أُناساً مُؤمِنين، لم يكونوا زنادقة، فانظر إلى هذا الحكم، هذا بنى قصراً أجزاء منه كانت من ذهب، كان عنده قراميد من ذهب، أي أنه كان مُسرِفاً فعلاً، لكنه كان مُؤمِناً، لا يُفرِّط في جماعة ولا جُمعة هذا الرجل، لما وعظه مرة الإمام مُنذِر بن سعيد بهدله، وعظه مُوعِظة على رؤوس الخلائق، بهدله والناس بكت، بُهدل الخليفة! بعد ذلك قال لابنه لقد تعمدني مُنذِر بن سعيد بموعِظته تعمداً شديداً وقرَّعني حتى كاد يضربني بالعصا، أي لم يبق إلا أن يضربني بالعصا أمام الناس، قال له كان شديداً جداً علىّ وأنا غاضب، قال له يا أبتِ ما أراد إلا الخير الإمام، قال له أنا غاضب، والله لا صليت خلفه الجُمعة قط، هذا أكبر عقاب، لن أُصلي وراءه، وأين كان يُصلي المُنذِر؟ في الزهراء، هذا مسجد كبير ويُوجَد قصر كبير جداً، إلى اليوم يُوجَد قصر الزهراء وهو عظيم جداً ومُخيف، كان يُصلي إماماً به في قرطبة، قال له أنا غضبت ولن أُصلي خلفه، وصار يُصلي خلف إمام آخر، فابنه قال له يا أبتِ لِمَ لا تُصلي في الزهراء وأنت بنيتها وأنفقت فيها الملايين؟ قال له أنا حلفت، ولوددت أنني أتحلل يميني هذه، لكنني غير قادر، قال فلِمَ لا تعزله؟ قال اسكت، لا أم لك قال له أبوه، أمثل مُنذِر بن سعيد في علمه وتقواه وورعه يُعزَل لنفس خاطئة ناكبة عن الهُدى؟ قال له، قال له الغلط كله مني أنا، أنا نفسي كالزفت – قال له – وأعرف نفسي، أأعزل هذا الإمام؟ قال له والله ما أحسب أن هذه الأمة تُكرَم بمثلي أو كما قال، قال هذا رجل نادر، نادر أن نجد رجلاً مثله، كيف أعزله؟ انظر إلى هذا الحكم رضيَ الله عنه وأرضاه، إنسان عظيم هذا، كان يغزو غزوة بالصيف وغزوة بالشتاء، كان من المُجاهِدين أيضاً وهو إمام كبير، وكان عنده إسراف في الدنيا، المسكين كان مُبتلى، رحمة الله عليه وغفر الله له ورضيَ الله عنه بأمثال هذه المواقف، ففي صلاة الاستسقاء عفَّر نفسه بالتراب، وضع التراب على لحيته وعمامته وقال يا رب أنا مُذنِب، أنا ناكب، أنا خاطئ، أفتحرمهم لأجلي؟ أنا لن أفوتك، أنا في قبضتك وتقدر أن تفعل بي ما تُريد، أنا أعرف أنني في قبضتك، أنت تقدر أن تُهلِكني في الدنيا والآخرة، أنا أعرف هذا ولن أفوتك، فلا تحرمهم من أجلي، فنقلوا هذا إلى القاضي مُنذِر بن سعيد، قال هو قال هذا؟ قالوا نعم، فقال الله أكبر، أبشروا بالسُقيا، إذا خشع جبّار الأرض رحم جبّار السماء، فلم يعودوا إلا وقد غرقوا بالماء، ماء شديد جداً نزل عليهم جميعاً، أمة فيها خير يا أخي، والله أمة فيها خير، كما قال عبد الله بن عمر في أحد الأشخاص – لا أُحِب أن أذكر اسمه لأنه شخص جليل وصحابي عظيم، من صغار الصحابة – أمة أنت شرها لأمة خير، بعد المشاكل التي تسبَّبت فيها وبعد فتنك – وأنت شر هذه الأمة – ظلت أمة عظيمة، ما أعظم هذه الأمة! ونحن نقول أمة شرها في عهده مثل الحاكم هذا هي أمة عظيمة، ما أعظم هذه الأمة! لكن أمة شرها مثل شرار اليوم هي أمة مسكينة، تستحق الرثاء والبكاء والدعاء لها، اللهم ارحمها وانصرها وأيِّدها وأبدلها خيراً من هؤلاء المُجرِمين الناكبين يا رب العالمين، فلا أدري لماذا كلما قرأت هذه الآية تأتيني هذه القصة خاصة حين قال سَلامٌ عَلَيْكُمْ ۩، وأتخيَّل ما حدث، كان موقفاً مُؤثِّراً من هذا الإمام الجليل.

أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ۩، أي مُتلبِّساً بجهالة، أيها الإخوة انتبهوا، غير مرة ذكرنا ليس معنى مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ۩ أنه عمله – أي عمل هذا السوء – وهو يجهل هذا السوء، وإلا تكون الآية مُصيبة علينا، انتبهوا إلى هذا، هذه الآية للترغيب أو للترهيب؟ هذه الآية للترغيب، الله يقول حين تعمل السوء بجهالة وتستغفر أغفر لك، يا رب لك الحمد، أي أن هناك مغفرة، لكنها ستصير آية رهيب وستصير آية تُخوِّف وتقطع نياط القلب إذا فهمتها بشكل غالط كما يفهمها العوام، كيف يفمونها؟ مَن عمل سوءاً وهو يجهل أنه سوء، هذا يعني أن كل مَن عمل سوءاً وهو يعلم أنه سوء لن يُغفَر له، أرأيت؟ هذا فهم غلط، ما المعنى الصحيح للآية؟ كل مَن عمل سوءاً فهو جاهل، ولذلك مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ۩ أي مُتلبِّساً بجهالة، فالجاهل هو مَن يعصي الله، طبعاً هو يعلم أن هذا الزنا حرام ويزني فهو جاهل، يعلم أن عقوق الوالدين حرام ويعق والديه فهو جاهل، هذا معنى بِجَهَالَةٍ ۩ فكل مَن عصى الله جاهل، أي أنها لا تعني يجهل حُرمة الذنب، لو كان معناها وهو يجهل حُرمة الذنب تُصبِح الآية آية ترهيب، سوف تسد الأبواب دوننا، كل واحد فيكم يعصي الله ويعرف أنها معصية لن يُغفَر له، واحد فقط سوف يُغفَر له وهو الذي لا يعرفه، وهذا يعني أننا سنضيع بسببها، لكن الفهم الصحيح ليس كذلك، وعلى ذلك الصحابة والتابعون وجمهور المُفسِّرين إن لم يكن كل المُفسِّرين، قالوا المعنى هو مَن عمل السوء مُتلبِّساً بجهالة، فكل مَن أساء وعصى الله فهو جاهل، لا معنى أنه يجهل حُرمة الذنب، فانتبهوا إلى هذا المعنى الدقيق لأنه مُهِم جداً.

ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، انظروا إلى هذا، لم يتب فقط، وإنما تاب وأصلح، من علامات التوبة الصادقة أنه يعقبها الإقبال على الصالحات، لا تقل لي تُبت وتظل كما أنت، لابد أن نرى هذه التوبة، أي غيِّر وبدِّل، المُؤمِن واهٍ راقعٍ، أي يُمزِّع ويُمزِّق الثوب ثم يعود ويُرقِّعه، لا يتركه مُمزَّعاً، لا تقل لي أنا مزعته ثم تركته وأنا تُبت، أنت لم تتب، لو تُبت لرقعته، ارقع ما وهيت، المُؤمِن واهٍ راقعٍ فطوبى لمَن مات على رقعٍ، أي يكون راقعاً – إن شاء الله – وتائباً، فهذا طوبى له.

۞ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ۞

وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ۩، تفصيل وزيادة بيان، وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ۩، آيات ماذا؟ الآيات التي نُبيِّن بها نعوت المُصلِحين الصالحين وصفات الناكبين المُصِرين المُجرِمين، فإذا فصَّلنا هذا التفصيل استبانت سبيل المُجرِمين وعُرِفَ أن هذه هي سبيل المُجرِمين.

۞ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ۞

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ ۩، أي لو فعلت ذلك، فأنتم تتبعون أهواءكم، قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ۩.

۞ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ۞

قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۩، بالحق الذي بُعِثت به أو بهذا القرآن، مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۩، وما الذي يستعجلون به؟ العذاب، قال مَا عِندِي ۩، وما المعنى؟ المعنى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ۩، معنى خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ۩ هنا أي الذي يُفصِّل القضايا والمسائل أو خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ۩ بمعنى الذي يفصل بين عباده بالحق، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۩، هذا أو هذا، إما أن يُفسَّر بالقضايا والمسائل وهو اختيار الحافظ ابن كثير وإما أنه يفصل بين عباده بالحق وبالعدل إن شاء الله.

۞ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ۞

ثم قال قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۩، ماذا كان سيحدث؟ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۩، كيف إذن سيُقضى؟ سيُقضى بأنني سأُنزِل بكم ما أنتم له أهل من الهلكة والعذاب، ستُستئصلون النبي قال لهم، لا فائدة! لو الأمر بيدي لأهلكتكم النبي قال لهم، فهنا يظهر عظمة رحمة الله تبارك وتعالى، النبي  يقول لو الأمر بيدي لأهلكتكم، فسُبحانه على حلمه بعد علمه، وهذا من تسبيح الملائكة، هناك ملائكة تُسبِّح الله فقط بهذا التسبيح، تقول سُبحانه على حلمه بعد علمه، عالم وقادر أيضاً ولكنه يحلم سُبحانه وتعالى، يحلم على عباده ويُمهِل لكنه لا يُهمِل، لا إله إلا هو، هذه هي!

قال  لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ۩، ولقد يسأل سائل ويقول كيف يُمكِن أن نُوفِّق بين هذه الآية على ما فسَّرت وبين قوله – عليه الصلاة وأفضل السلام – لملك الجبال؟ قال له قد سمع ما قال لك قومك وما ردوا عليك وقد بعثني إليك استئذنك، فإن شئت – يقول له ملك الأخشبين، والأخشبان يكتنفان مكة شمالاً وجنوباً – أطبقت عليهم الأخشبين، فقال لا، وفي رواية أخذ بيد الملك، علماً بأن هذا الحديث أصله في الصحيحين من رواية عائشة رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، فقال لا، ولكن أرجو الله أن يُخرِج مِن أصلابهم مَن يشهدوا أن لا إله إلا الله، هنا قد يقول لي أحدكم كيف هذا؟ بالعكس! النبي لم يقل اهلكهم وقد جاء إليه الملك، لكنه قال لا، فكيف نُوفِّق بين هذه الآية وبين هذا الحديث وهو في الصحيحين؟ التوفيق على هذا النحو إن شاء الله، وهو نحو مُستجاد مرضيَ إن شاء الله تبارك وتعالى:

ما في الآية أنهم يستعجلونه فيقول في هذه الحالة التي تستعجلون به العذاب لو كان الأمر بيدي والعذاب في مكينتي لأنزلته بساحتكم، لكن ليس في حديث الأخشبين أنهم استعجلوه بالعذاب أبداً، لم يكن هناك استعجال، لم يكن هناك تحدٍ، ولذلك استئنى لهم، ما معنى استئنى لهم؟ طلب لهم الإمداد والمُهلة من الله تبارك وتعالى، أي ليس الآن، سامحهم إلى حين، والله – تبارك وتعالى – أعلم. 

۞ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۞

وَعِندَهُ – سُبحانه وتعالى – مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ۩، جمع مِفتح، هذا الذي يُسمونه الآن المِفتاح الأم أو الأصل الذي يفتح الباب الرئيس الذي يفتح كل الأبواب فيما بعد، فهو ليس مِفتاح وإنما هو مِفتح، هذا المِفتاح الكبير.

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ۩، ما هي مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ۩؟ أيضاً في الصحيح قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله خمسٌ، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ۩، آخر سورة لُقمان عليه الصلاة وأفضل السلام، هذه هي مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله.

وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۩، علم حاصل ومُستوعِب، وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ ۩، هذه جماد أو حيوان؟ جماد، حتى حركات الجمادات محصية ومحصورة ومرصودة، فكيف بحركات الحيوان؟ فكيف بحركات المُكلَّفين إنسهم وجنهم؟ هذا هو المعنى، أي أن هذا تنبيه، إذا الشيئ الجامد – ورقة – نحصره فكيف بحركتك أنت أيها المُكلَّف من الإنس والجن؟ كله مرصود! مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۩. 

قال إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۩.

۞ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۞

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ۩، انتبهوا، هل قوله يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ ۩ يعني به الموت؟ لا، انتبهوا! التوفية توفيتان أو الوفاة وفتان، التوفية توفيتان: توفية صُغرى وتوفية كُبرى، ها هنا ذكر المولى – سُبحانه وتعالى – كلا نوعي التوفيتين، كما في سورة الزمر أيضاً ذكر النوعين كليهما، قال – سُبحانه وتعالى – هناك أيضاً اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ – أين يتوفاها؟ – فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ – انتهى الأمر، تبقى عنده هذه في المكانة والمثابة التي تليق بها، إن في سجين وإن في عليين – وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۩، إذن هنا توفيتان، وهنا أيضاً توفيتان، كيف؟ ما هي التوفية الصُغرى؟ التوفية في المنام، هي نوع من الموت، الإنسان حين ينام – سُبحان الله – يكون أشبه بالميت فعلاً، لا يحس ولا يُدرى بأي شيئ مما حوله، ويكون نهباً مُستباحاً لمَن حوله، أليس كذلك؟ تنظر إليه وقد تنظر إلى عورته، قد يُخرِج ريحاً، قد يفعل شيئاً غريباً، مسكين! مثل الميت، لا يملك من أمر نفسه شيئاً لأنه ضعيف، من علامات الضعف الإنسان النوم هذا، أليس كذلك؟ هذا هو طبعاً، الإنسان مقهور! لذلك الله – عز وجل – لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۩، لأنه عزيز، لا إله إلا هو! لكن الإنسان ليس عزيزاً، الإنسان ذليل، ينام ويكون نصف ميت أو ثلاثة أرباع ميت، الموت الأصغر هو النوم، قال النوم موت أصغر والموت نوم أكبر، هذا صحيح! فالتوفية الصُغرى هي النوم، والتوفية الكُبرى هي قبض النفس، فهنا يقول وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ ۩، هذه التوفية الصُغرى أم الكُبرى؟ الصُغرى، أي بالنوم، وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ۩، أي ما كسبتم بالنهار، كل الأعمال التي احتقبتموها في النهار، ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ۩، في ماذا؟ في النهار مرة أُخرى، يبعثكم من التوفية الصُغرى بالليل في النهار، النبي كان يقول الحمد لله الذي أحيانا بعدما أو بعد إذ أماتنا وإليه النشور، هذا موت! حين يقوم من النوم يقول الحمد لله الذي أحيانا، كنا موتى وقُمنا فالحمد لله، كُتِبت لنا حياة جديدة، قال لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ۩، ما هو الأجل المُسمى؟ هو أجل كل نفس على حدة، أي التوفية الكُبرى لكل واحد منا على حدة، كل واحد له أجل مُسمى لن يتعداه، إذن هنا ذكر التوفيتين، هل هذا واضح؟ بِاللَّيْلِ ۩: التوفية الصُغرى، لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ۩: التوفية الكُبرى، كما في الزمر، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۩.

۞ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ۞

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۩، كلهم في قبضته وتحت قهره وفي سُلطانه، لا يفوته واحد منهم أصلاً، وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ۩، ما معنى حَفَظَةً ۩؟ ملائكة يحفظون أبدانكم ويحفظون أعمالكم، يحفظون أعمالكم كما قال وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ۩ كِرَامًا كَاتِبِينَ ۩، يكتبون الأعمال! يحفظون أبدانكم كما قال في الرعد – وتلوناها أيضاً في العشاء – لَهُ مُعَقِّبَاتٌ – أي للبشر، للإنسان الكافر والمُؤمِن – مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ – حفظة – مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۩، ما هو أمر الله الذي يُحفَظ منه هذا العبد بالملائكة الحافظة؟ ما هو؟ فسَّره حديث أبي يعلى المُوصلى في مُسنَده، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – ملائكة من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من عدوه من الشياطين، من الجن! ولولا هؤلاء الملائكة لتخطفته الشياطين إرباً إرباً، تُمزِّقه تمزيقاً الشياطين طبعاً، فالحمد لله كل بشر أو كل إنسان فينا في حفظ الملائكة، انتبهوا! يُوجَد معنى هنا يُستنبَط وهو معنى دقيق وصحيح، أحياناً تتخبَّط الشياطين الإنسان، أليس كذلك؟ يُقال هذا عنده مرض نفسي ويقول علماء النفس عنده كذا وكذا، لكن كيف يكون عنده مرض نفسي؟ تعالوا عالجوه! هل تعرفون لماذا؟ يكون هذا الإنسان بلغ من التمرد والعتو والعصيان والفسق والكفر والجحود – والعياذ بالله – ربما ما نفَّر الملائكة منه، لا تستطيع! تجفل منه، تتباعد منه لشدة ما أتى والعياذ بالله، فتتخطَّفه الشياطين، يضربونه وما إلى ذلك فيصاب المسكين بالهبل في لحظة، ورأينا كيف أُصيب فلاسفة ومُفكِّرون بالهبل، مجانين! كانوا مصروعين، تجد هذا حين تقرأ عنهم.

قبل فترة قرأت مُفصَّلاً لتاريخ حياة رجل مشهور جداً اسمه ماركيز دي ساد Marquis de Sade الذي تُنسَب إليه السادية Sadism – كان سادياً وكان مازوخياً – وهو فرنسي عاش في القرن السادس عشر، حين تقرأ حياته تقول هذا مجنون أو هذا شيطان، طبعاً هو شيطان حقيقي، تعلم هذا حين تقرأ عن مُمارَساته وعن أفعاله، وهو أديب ألَّف آلاف الصفحات، عنده كُتب ومسارح وأشياء غير طبيعية، وقضى آخر عشر سنوات من حياته في مُستشفى المجانين طبعاً، وأنشأ مسرحاً – Theater – هناك وكان يحضره كبار الناس أيضاً، لكن هذا شيطان رجيم والعياذ بالله، حين تقرأ عنه تقول فعلاً هذا شيطان، والعجيب طبعاً أن هناك أُناساً يُعظِّمونه ويقولون بالعكس هذا كان فيلسوفاً في غير زمانه، طبعاً ماركيز دي ساد Marquis de Sade أحسن كلمة قرأتها عنه كلمة قالها الفيلسوف الوجودي المُلحِد كامو Camus، ألبير كامو Albert Camus من الجزائر الإفريقية وهو معروف، مات شاباً وهو مُتمرِّد، قالوا تمرَّد على الله وعلى البشر وعلى كل شيئ، فسيارته اصطدمت بشجرة فقطعت له رأسه، ومات المُتمرِّد! مات شاباً صغيراً، فكامو Camus كان يقول لو بُعِثَ ماركيز دي ساد Marquis de Sade حياً لجلس مُتواضِعاً بين الناس العاديين اليوم، وهذا صحيح ومضبوط، لأن الأفكار – أفكار الفلاسفة والحداثيين والتنويريين ومَن يقولون إنهم يُريدون حرية الإنسان وكرامة الإنسان – جعلت كل شذوذات وكل عتو وكل كفر وكل جنون لماركيز دي ساد Marquis de Sade نمط حياة عادية، وهذا معنى كلمة كامو Camus، قال لو بُعِثَ هو لن يرى أنه شاذ وغريب، سوف يجلس مع أي واحد في الغربيين هنا بشكل عادي وطبيعي، عادي – Normal – جداً! لأن للأسف هناك أُناساً تفوَّقوا عليه في النذالة إلى أسفل طبعاً، هذا هو! فهذا شيطان، فلا يُوجَد حفظ إلا بشرع الله، وإلا فالإنسان هذا أسخف مخلوق من غير حفظ الله تبارك وتعالى.

قال حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ۩، طبعاً ورد في أخبار وآثار كثيرة أن ملك الموت – عليه السلام – له أعوان من الملائكة تُعينه على استخراج أو على قبض نفس العبد المُؤمِن، حتى إذا بلغت الحلقوم جاء هو بحربته إما من نار وإما من نور فانتزعها، هذا آخر شيئ، المرحلة الأخيرة تكون لملك الموت، وقبل ذلك تكون للملائكة الأعوان، ولذلك ماذا قال؟ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ۩، في سورة السجدة ماذا قال؟ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ۩، هناك قال مَلَكُ ۩، هنا قال رُسُلُنَا ۩، أي ملائكة، كيف إذن؟ كما قلنا المراحل الأولى يُوكَّل بها الملائكة الأعوان والمرحلة الأخيرة النهائية يُوكَّل بها ملك الموت بذاته عليه الصلاة وأفضل السلام، وبالمُناسَبة ليس اسمه عزرائيل، عزرائيل اسمه بالعبرية والإسرائيلية، ليس عندنا أي حديث نبوي يقول إن اسمه عزرائيل، اسمه ملك الموت، لا يُوجَد حديث واحد يقول إن اسمه عزرائيل، فالأحسن ألا نُسميه عزرائيل، كيف يُقال عزرائيل؟  

تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ۩، ما معنى لاَ يُفَرِّطُونَ ۩؟ يحفظون هذه النفس المُتوفاة، لا يُضيِّعونها، ويُنزِلونها بالمثابة التي تليق بها، إن كان من الأبرار الصالحين أو المُقرَّبين فمنزله عليون وإن كان – والعياذ بالله – من الآخرين أو كانت الأُخرى فمنزله في سجين، هذا معنى لاَ يُفَرِّطُونَ ۩، يأخذونها ويضعونها في المكانة اللائقة بها، اللهم اجعلنا من أصحاب عليين وإخواننا من المُسلِمين والمُسلِمات أجمعين يا رب العالمين.

۞ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ۞ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۞

ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ۩ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۩، الآية الثانية مُتكرِّرة في كتاب الله كثيراً، ليس النص نفسه ولكن المعنى، هذه مُكرَّرة جداً، في حال الرفاهية يُشرِكون بالله ويتنكَّرون، وفي حال الاضطرار لا يجأرون إلا إلى الله، وهذا – سُبحان الله – الإنسان، قبل قليل ذكرنا كامو Camus وذكرنا ماركيز دي ساد Marquis de Sade وهناك سارتر Sartre، جان بول سارتر Jean-Paul Sartre رأس في الإلحاد، هو صاحب وجودية مُلحِدة، صاحب الوجود والعدم، مُلحِد حتى النُخاع، وهو تَلميذ الفيلسوف الألماني المُلحِد هايدجر Heidegger، فمارتن هايدجر Martin Heidegger أيضاً مُلحِد والعياذ بالله منهما، فسارتر Sartre كان مُلحِداً، طيلة حياته عاش في الإلحاد وفي قلة الأدب، كان أسوأ من ماركيز دي ساد Marquis de Sade طبعاً لكن لا علينا من هذا، بعد ذلك لما أوشك على الموت ماذا حصل؟ سوف نرى! هل ظل وفياً لإلحاده؟ هل ظل مُؤمِناً بكفره ووفياً لتنكره الله تبارك وتعالى؟ لا والله يا إخواني وهذا معروف، هذا ثابت عنه، لم نُؤلِّفه فهو ثابت في كل الكُتب التي تحدَّثت عنه، رفع يديه واستصرخ وقال ائتوني بالقسيس، طبعاً لما بدأ يُحتضَر عرف الحق، قال ائتوني بالقسيس، أراد مجيء القسيس، ظن أن القسيس سيُدخِله الجنة وسيغفر له وسيحمل عنه خطاياه، لكن ضاع عليك هذا يا سارتر Sartre وانتهيت طبعاً، في حالة الاضطرار الكل يعرف الله تبارك وتعالى، وهذا بحد ذاته دليل على برهان الفطرة، يُوجَد دليل أقوى من كل أدلة العقل على أن الله موجود ورب يُعبَد – لا إله إلا هو – وهو الوحيد الخليق بالعبادة وهو برهان الفطرة، والفطرة هذه طبعاً تكون مُدساة تحت ركام الثقافة والفلسفة والشهوات والأهواء والضلالات المُختلِفة، متى تستيقظ؟ متى تتحرَّك؟ متى تنفض هذا الركام؟ في حال الشدة، في حال الرفاهية تبقى في الأسفل، ليس عندها مُشكِلة، مُدساة! قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۩ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ۩، يدسها – والعياذ بالله – في الضلالات، لكن في حال الاضطرار والشدة تستيقظ الفطرة وتقول يا الله، يا الله! 

ذات مرة نزل ضابط روسي بمظلته من الطائرة – هذا الضابط كان مُلحِداً وهذا كان أيام الاتحاد السوفيتي، وهو الذي حكى هذا عن نفسه، ثم كتبته مجلة المُختار – ولم تُفتَح المظلة، لم تُفتَح! هذا يعني أن الرجل سينتهي في ثوانٍ، قال لكن في لحظة نسيت ما أنا فيه ونسيت المصير المحتوم ورمقت ما حولي من كون وآفاق وإذا بلساني يُردِّد رُغماً عني: الله الله الله، قال فآمنت في تلك اللحظة، فُتِحَت في آخر لحظة ولم يمت، فظل وفياً لإيمانه، في لحظات مُعيَّنة يحدث هذا، هذا موجود في الداخل، كل الذين يتفلسفون ويقولن أشياء عكس هذا يُضلِّلون أنفسهم، ليس أكثر من هذا!

۞ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ۞

قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ۩، هذه الآية واضحة.

۞ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ۞

 ثم قال – ونختم بهذه الآية – قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ ۩، في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله لما أنزل الله – تبارك وتعالى – هذه الآية – قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ ۩ – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – أعوذ بوجهك، لا يا رب، لا تفعل هذا بأمتي، قال عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ ۩، ماذا يُمكِن أن يكون هذا؟ قد يأتي حاصب يحصب هذه الأمة كما حصب أقواماً أو بركان ينزل عليها حمماً والعياذ بالله، هناك أشياء أُخرى كثيرة مثل الطير الأبابيل والجراثيم وأشياء كثيرة لا نعرفها، فهناك عذابات كثيرة، قال أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ۩، قال أعوذ بوجهك، للمرة الثانية يقول الرسول هذا، لا يا رب، هذا صعب جداً أيضاً، الخسف أو الزلازل أو فيضانات البحار، هناك أشياء كثيرة تأتي من تحت الأرجل، قال أعوذ بوجهك، قال أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ۩، قال هذه أيسر وأهون، وهذه التي وقعت، ولذلك في صحيح مُسلِم وفي مُسنَد أحمد وعند غيرهما – والألفاظ مُختلِفة لكن سنختار هذا اللفظ مثلاً – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – سألت ربي – تبارك وتعالى – ألا يُهلِك أُمتي بالغرق فأعطانيها، أي أعطاني هذه الخصلة الله عز وجل، وسألته – تبارك وتعالى – ألا يُهلِك أُمتي بالسنة، ما المقصود بالسنة؟ القحط والجدب، أي أن يموتوا بالشر وبالجوع، قال فأعطانيها، وهذا ما يحدث، انظروا إلى أمة محمد، رغم كل هذا النهب وكل هذه السرقة من حكّامها وما إلى ذلك لا تموت بالشر – والحمد لله – وعندها خير وعندها أشياء كثيرة، سُبحان الله! لأنها أغنى منطقة، كما قال أحد الصحفيين الأجانب الفقر العربي فقر يمشي على أرض من ذهب، طبعاً هي ذهب، لأن الأرض ليس فيها بترول فقط فهناك معادن وأشياء وثروة حيوانية ونباتية، كل شيئ عندنا في منطقتنا يا أخي، سُبحان الله العظيم! فقرنا يمشي على أرض من ذهب بحسب ما قال، فالحمد لله لم نمت بالشر إلى الآن، نحن نعيش ونجد لقمة العيش على الأقل، قال فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم شديداً، قال فمنعني هذا، انظروا إلى هذا، فهذا علم من أعلام النبوة، والله العظيم! أمة محمد عانت أكثر ما عانت من العدو الخارجي أم من نفسها؟ والله من نفسها، والله! وما فُتِح باب للعدو الخارجي إلا بمعونة من الداخل دائماً، بخيانة داخلية دائماً عبر التاريخ، سُبحان الله العظيم! وإلا هذه الأمة لا تُخترَق، هذه الأمة صعب جداً اختراقها، لو لها حكّام وقادة أوفياء فسوف يكون من الصعب أن تُقهَر، أمة لا تُقهَر، عندها عقيدة وإيمان، شيئ غريب يا إخواني!

 قرأت في بروتوكولات شياطين كولورادو – ليس بروتوكولات حكماء صهيون – أن البروتستانت الأمريكان في سنة ألف وتسعمائة وسبع وثمانين اجتمعوا في كولورادو وعقدوا مُؤتمَراً حضره آلاف القسس وعلماء الدين البروتستانت، لماذا؟ هم الذين قالوا السبب بشكل واضح وتُرجِم حتى هذا الكلام ونُشِر، إحدى المُقرَّرات في ألف صفحة! قالوا نُريد أن نُنصِّر العالم الإسلامي وعندنا أمل أن ينتصَّر كله في عام ألفين وخمسة عشر، مساكين! الصحوة الآن تجتاح الدنيا.

بالمُناسَبة قبل أسابيع كتبت بعض الجرائد البريطانية – قرأت هذا بنفسي قبل أقل من أسبوعين – هناك شيئ يُؤرِّق الحكومة ويُؤرِّق حتى الصفوة Elite، ما هو؟ قالت لقد أسلم أكثر من أربعين ألف إنجليزي ومن الصفوة Elite، ليس من الناس العاديين، كلهم من المُثقَّفين Intellectuals، كانوا من المُثقَّفين والدارسين والأكاديميين، لم يكونوا من الناس العاديين، كانوا من الصفوة Elite، أكثر من أربعين ألفاً! هؤلاء ليسوا كل المُسلِمين الإنجليز، هم أكثر من هذا بكثير، هؤلاء – أي الأربعون ألفاً – أسلموا لأنهم تأثَّروا بكتاب اللورد إيتون Lord Eaton، هذا لورد Lord وأسلم، عنده كتاب اسمه الإسلام وقدر الإنسان، قرأوا هذا الكتاب وأسلم أربعون ألفاً، بسبب هذا الكتاب فقط! يبدو أنه كتاب عبقري، غير عادي! أحببت أن أطلبه من أمازون Amazon، وهناك مواقع تبيعه بتسعة وستين يورو، لأنه مطلوب بشكل غير عادي، وهو من مائتين وعشرين وصفحة، وهناك مواقع تبيعه بثلاثين يورو، مطلوب بشكل غير طبيعي الكتاب هذا، ولابد أن يُقرأ حتى لو بمائة يورو، يبدو أن فيه عرض غير طبيعي للإسلام، أربعون ألفاً من صفوة المُجتمَع البريطاني أسلموا، فهذا دين عظيم! وقالوا أنهم يُريدون تنصيره، ونحن نقول لهم اذهبوا فقط ودافعوا عن أنفسكم ضد هذا الدين ولا تخافوا، نحن لا نخاف على الإسلام هذا والحمد لله، قالوا في ألفين وخمسة عشر سوف يتنصَّرون، ما شاء الله عليهم، واثقون جداً من أنفسهم!

المُهِم أغرب شيئ ذكرته في مُقرَّرات كولورادو أو شياطين كولورادو كما أُسميه – بروتوكولات شياطين كولورادو – أنهم ذكروا هذه العبارة، قالوا – والله بالنص – هذا الدين – هم يُحارِبونه طبعاً وعقداو مُؤتمَراً لحربه وحرب أهله – يفي بكل حاجات الحياة – السياسية، الاقتصادية، الأخلاقية، الأدارية، الاستراتيجية، وكل ما تُريد – بطريقة تُؤكِّد أنه معمول وفق ما لا يقدر عليه البشر، حسبنا الله ونعم الوكيل! أتعرفون هذا؟ قسماً بالله يعترفون بشكل واضح، هذه العبارة كما هي! قالوا هو مُخطَّط ومُفصَّل بطريقة لا يقدر عليها بشر، مُستحيل! مَن محمد وغير محمد؟ لا يستطيع أن يفعل هذا الشيئ، مُستحيل! هذا ليس كتاب محمد، هذا كتاب الله تبارك وتعالى، وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ۩، قال له وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۩، هذا ليس من عندك، هذا من عندي الله قال له، عندي كتاب ديني، قالوا فوق القدرة البشرية، شيئ غير طبيعي، إذن لماذا تُحارِبونه يا سادات؟ لن تقدروا عليه، مُستحيل بإذن الله تبارك وتعالى، ويُوجَد وعد نبوي – كما ذكرنا في الخُطبة قُبيل أسابيع – لم يتحقَّق وسيتحقَّق بإذن الله تبارك وتعالى، لا شك لدينا في ذلك، لن يبقى بيت وبر ولا مدر – أي حجر، بمعنى لا في صحراء ولا في مدينة – إلا سيُدخِله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، وفي أول الحديث ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، سوف يلف الأرض كلها بإذن الله تبارك وتعالى، وسوف يكون الدين رقم واحد، لم يحصل هذا لكنه في طريقه الآن، يُسلِمون بعشرات الآلاف في المُجتمَع البريطاني الحاقد على الإسلام، هذا أكثر مُجتمَع حاقد على الإسلام وعلى تاريخ الإسلام وعلى المُسلِمين وعلى الأمة الإسلامية، عندهم ثارات تاريخية معنا غير عادية يا إخواني، ومع ذلك أسلم أربعون ألفاً بسبب كتاب واحد لرجل لورد Lord أسلم، إيتون Eaton هذا لورد Lord وأسلم، تخيَّلوا! هذا شيئ غير عادي، شيئ غير طبيعي، سُبحان الله العظيم! هذا دين الله وسيتحقَّق ما قلنا بإذن الله تبارك وتعالى.

قال وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم شديداً، قال فمنعني هذا، وإلى اليوم – سُبحان الله – بأس هذه الأمة المرحومة بينها شديداً، فقط! لو ارتفع هذا الشيئ لصارت أمة مُختلِفة، قال وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ۩.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، الحمد لله والسلام على عباده الذين اصطفى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: