الدرس الخامس والعشرون
تفسير سورة الأنعام من الآية الأولى إلى الآية الثامنة والعشرين

 

بسم الله الرحمن الرحيم، اليوم – إن شاء الله – أيها الإخوة والأخوات نحن مع سورة الأنعام، وسورة الأنعام سورةٌ مكية، قال ابن عباس – رضوان الله تعالى عليهما – نزلت سورة الأنعام بمكة جُملةً واحدة، هذه السورة نزلت مرة واحدة، كلها! وهي من السبع الطوال، نزلت جُملة واحدة على رسول الله في مكة، إذن هي سورةٌ مكية، وقال ونزل معها يحفها سبعون ألف ملك، يضجون بالتسبيح لله تبارك وتعالى، سورة عظيمة! نزل معها سبعون ألف ملك، وكذا رُويَ عن عبد الله بن مسعود، قال نزل مع سورة الأنعام سبعون ألف ملك.

ابتدأها المولى – عز شأنه وجل مجده – بقوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ۩.

۞ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ۞

الْحَمْدُ لِلَّهِ ۩، حمد نفسه تبارك وتعالى، كما قلنا في تفسير سورة الفاتحة حمد نفسه لأنه يعلم أنه لا يستطيع أحدٌ أن يستقل بحمده ولا يستطيع أحد أن يقوم بواجب حمده مهما حمدناه تبارك وتعالى، في الآثار والأخبار أن ملائكةً خلقها الله – تبارك وتعالى – مُذ خلق السماوات والأرض وهي إما راكعة وإما ساجدة تُسبِّح الله تبارك وتعالى، أي عمر السماوات والأراضين، فإذا نُفِخَ في الصور فزعت وقالت سُبحانك ما عبدناك حق عبادتك، ملايين وربما بلايين السنين في سجود وفي ركوع وفي تسبيح ثم تقول سُبحانك ما عبدناك حق عبادتك، ولذلك تكفَّل الله – تبارك وتعالى – بحمد نفسه، فحمد نفسه لكي يُعلِّمنا كيف نحمده.

الْحَمْدُ لِلَّهِ ۩، طبعاً كل أحد يقول هذه الكلمة، الْحَمْدُ لِلَّهِ ۩، وكل أحد يقولها بحسب مقامه وحاله، قد يقولها بعضهم ولا يفقه منها إلا أنها لفظتان، وقد يقولها بعضهم وهو يستحضر جُملةً من نعم الله عليه، وقد يقولها بعضهم وهو يستحضر ما لا يخطر على باله – هذا الثاني مثلاً – من نعم الله تبارك وتعالى، نعم الله أكثر من أن تُحصى، ليس فقط على البشر وفي الكون بل حتى على كل واحد منا بحياله، نعم الله أكثر من أن تُحصى، كثيرةٌ جداً جداً، كل ما نحن فيه من نعمة الله تبارك وتعالى، لكن هو رب كريم، خلقنا وأبدعنا وأمدنا وأعدنا وهدانا من الضلالة – وله الحمد والمنّة – ويسَّرنا لعبادته وشكره وحمده – كل هذا من خلقه، كل هذا بإذنه، كل هذا بمشيئته، كل هذا بتيسيره – ومع ذلك أثابنا وجزانا الأجر الجزيل على ذلك، وكله منه! كل الفضل منه أولاً وآخراً، لا إله إلا هو!

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ۩، انظروا إلى هذه اللُغة القرآنية العجيبة، لا يُوجَد بشر، لا يُوجَد خلق ولم يُوجَد إلى الآن – لم يُوجَد رغم الإلحاد والتجديف والكفر والجراءة والجسارة على رب العزة تبارك وتعالى – أحد يستطيع أن يتقمَّص هذه اللُغة، هل سمعتم بأحد استطاع أن يتكلَّم بمثل هذه اللُغة؟ هل يُوجَد مَن يقول – مثلاً – أنا خلقت السماوات والأراضين وخلقت الإنس والجن وخلقت كذا وكذا؟ لا أحد يقدر أن يقول هذا، ولذلك – بالمُناسَبة – هذا أحد البراهين القوية النافذة وأحد الدلالات أو الدلائل القاطعة على أن هذا الكتاب من عند الله، لا يُوجَد بشر يقدر أن يقول هذا، الأفق النفسي للبشر، القدرة النفسية للبشر لا تُؤهِّله أن يتقمَّص هكذا لُغة، لا يستطيع أن يقول نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ ۩، لا يستطيع أن يتكلَّم هذه اللُغة، مُستحيل! ولذلك أنت أيها الإخ إذا قرأت القرآن الكريم بلا شك وفكَّرت فيه – لم تهزه هكذا هزاً ولم تنثره نثر الدقل وإنما فكَّرت ولو قليل فكر أو تفكير – فسوف تشعر مُباشَرةً أنك أمام كلام له هيبة وجلالة عجيبة جداً، غير موجودة في أي كلام آخر، حتى كبار طواغيت قريش يعرفون هذا، مثل أبي جهل وأُمية والأخنس بن شريق، الأخنس بن شريق وأبو سُفيان – على ما أذكر – وأبو جهل – أبو الحكم لعنة الله تعالى عليه – حدث معهم أكثر من واقعة، في الواقعة الأولى كان أُمية وأبو جهل يتسمعان لكلام رسول الله من خلف حجاب ورسول الله لم يأذن بهما، لم يعلم بمكانهما، تسمع فترة طويلة أبو جهل وأُمية، قال له ما رأيك؟ ما تقول؟ فقال له أُمية واللات والعُزى – والعياذ بالله – إني لعليمٌ بكلام العرب شعره ونثره ورجزه وقرضه وإني لعليم بسجع الكهّان، ووالله – قال له – ما هذا الكلام بكلام بشر ولا بكلام إنس ولا بكلام جن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمُغدِق، وإن لأعلاه لمُثمِر، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، قال له أبو جهل – لعنة الله عليه – اسكت، إياك أن يسمعك أحد تقول هذا الكلام فتصبأ قريش وشبابها إلى دين محمد، مُستحيل! كلام عجيب يا أخي.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ۩، مَن يتكلَّم بهذه اللُغة؟ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ – بعد ذلك والحال هذه – بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ۩، ما معنى يَعْدِلُونَ ۩؟ يجعلون له عدلاً وشريكاً ونداً، وحاشاه وكلا، لا إله إلا هو!

مرةً – كما قلت لكم – اجتمع أبو سُفيان والأخنس بن شريق وأبو جهل – لعنة الله عليهم – دون أن يدري أيٌ منهم بصاحبه، كل واحد يأتي مُتسلِّلاً ولا يعرف أن الآخر موجود، هكذا! كل واحد من جهة، وقضوا ليلةً بطولها يستمعون إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – يتلو القرآن، في مكة هذا، قبل الهجرة! والرسول ليلة كاملة جالس في الحرم يقرأ القرآن، وهم يسمعون يسمعون يسمعون! حتى إذا انفجر الفجر انطلق كلٌ منهم إلى بيته فالتقوا، من أين أتيت؟ قال من الحرم، من عند محمد! وأنت؟ قال نفس الشيئ، وأنت؟ نفس الشيئ، هل سمعت؟ نعم سمعت، فتواصوا ثلاثتهم ألا يعودوا إلى مثلها حتى لا يعلم شبان قريش بهذا الأمر فيُغروا بالاستماع إلى محمد، وهم يعلمون أنهم إذا استمعوا إليه أسلموا إذا شاء الله، أسلموا! مُؤثِّر جداً ومعروف، ولذلك كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ۩، لماذا؟ كانوا يعلمون أنهم إذا أعطوا أنفسهم نُهزة قصيرة جداً للاستماع إليه سطا بهم القرآن،  مُباشَرةً سطا بهم، مُستحيل! يأخذ عليهم مجامع قلوبهم فيُذعِنون، وهم لا يُريدون ذلك، لذلك كانوا يتواصون، يقولون إذا سمعتم محمداً وصحبه يتلون القرآن فلابد أن تلغو، أي اذكروا أشياء أُخرى وشعراً وكلاماً – أي اغلبوهم بالصوت – حتى لا تسمعوا هذا القرآن، خطير! كلام خطير، كتا خطير جداً، ليس شيئاً عادياً، للأسف نحن فقدنا هذه القدرة البلاغية غلى تذوق القرآن الكريم، فقدنا هذا! لا نستطيع أن نحس بهذا الجمال، نحس بجُزء منه بلا شك لكن ليس كالجاهليين، ليس كالعرب الأقحاح الأوائل للأسف، كانوا يشعرون بهذا فتواصوا، فلما كانت الليلة الثانية فعلوا مثل فعلتهم الأولى، ثم تواصوا مرة أُخرى، القرآن يجذبهم، جمال! جمال عجيب، شيئ غير عادي يا أخي، تواصوا مرة أُخرى، نحن – بحمد الله – أكرمنا الله – عز وجل – في هذا القرن بأن هذا الكلام العزيز صُوِّتً وجُوِّد بأصوات ملائكية، شيوخ مصر أقصد بالذات حقيقةً، الذين لا يُجاريهم قرئة أو مشايخ أخرون في العالم الإسلامي، أصوات في مُنتهى الجمال والروعة والملائكية والله! الشيخ رفعت، الشيخ الحصري، الشيخ عبد الباسط بالذات رحمة الله عليه، الشيخ المنشاوي رحمة الله عليه، حتى الطبلاوي، والكثير الكثير! مشايخ كُثر ما شاء الله، لكن للأسف الشيطان أيضاً لا يُعطينا فرصة، أعط نفسك فرصة أن تسمع القرآن الكريم بهذه الأصوات الجميلة الجليلة الجزلة، أعط نفسك فرصة! سوف ترى أجمل وأحلى أيها الأخ من أي موسيقى أو أي غناء، والله العظيم بعد ذلك يستحيل أن تستحلي الموسيقى والغناء، سوف تراها شيئاً قبيحاً جداً، لكن إذا أعطيتك نفسك فرصة أن تسمع القرآن بهذه الأصوات الجميلة، حاول أن تستمع!

حدَّثتكم مرة بقصة أخ سوداني فاضل كان معنا في يوغوسلافيا، هذا الرجل كان مُتيّماً بمحمد عبده السعودي، يسمع إليه وما إلى ذلك، وجاء يسألني عن حُكم هذا، قال يا شيخ هل الغناء والموسيقى حرام؟ أنا لا أُحِب أن أُقيم الحُجة على الناس، قلت له خل عنك هذا، ليست هذه القضية، أنا سأنصح لك بشيئ، قال ماذا؟ قلت له يُمكِن أن تمكث أسبوعاً لا تستمع إلى الموسيقى والغناء، وسأُعطيك شريط كاسيت Cassette للشيخ عبد الباسط، حاول أن تستمع إليه، أعط نفسك فرصة، فأعطى نفسه الفرصة وجاءني بعد أسبوع، قال فهمت كل شيئ، قلت له ماذا؟ قال مُستحيل! أنا تخلَّصت من كل أشرطة الموسيقى والغناء، عبده وغير عبده! قال لي لا يُوجَد ما هو أجمل من كلام الله!

حدثت قصة معي – مع العبد الفقير – غريبة، كنت أدرس اللُغة الصربوكرواتية في معهد صربي في نيش، وأنا من عادتي أن أترنم، أُحِب أترنم حتى وأنا أمشي وأنا في البيت وأنا أفعل كذا وكذا، أترنم دائماً بكتاب الله تبارك وتعالى، فكنت أترنم بين الحصتين، أي في الـ Pause، وإذا ببعض الطلّاب اليونان استمعوا إلىّ وأنا لا أحس بمكانهم، أنا كنت واقفاً على الشباك، قصة غريبة! آية من آيات الله، لن أنساها طيلة حياتي، هذه آية على أن هذا الكلام من عند الله فعلاً، ثم أذنت بهم – شعرت – فانقطعت، قالوا لماذا يا إبراهيم؟ غن غن، الغناء جميل جداً، فقلت لهم لا، قالوا يجب أن تقول، فخجلت! أنا أخجل من هذا، فلما جاء الأستاذ قالوا يا أستاذ لا نُريد الدرس، نُريد من إبراهيم أن يُغني، يُغني بصوت جميل جداً، قال لي يا إبراهيم غن، وضع المُسجِّل – الريكوردر Recorder – في الأسفل وقال لا يُوجَد درس الآن، هذا أستاذ وأنا خجلت، فجعلت أقرأ سورة الرحمن بطريقة عبد الباسط – تحديداً آخر القمر وأول الرحمن – وبعد أن صدَّقت – ربما عشر آيات أو خمس عشرة آية – قال انتظر يا إبراهيم، انتظر! بعد قليل وإذا به بكل المعهد قد أتى، الأساتذة والمُدرِّسات والمُدير والطلّاب، واحتجت الغُرفة عن آخرها، قال غن يا إبراهيم، قلت ما هذه المُصيبة؟ فجعلت أقرأ، وبعد أن صدَّقت قالوا لا، غن أيضاً مرة أُخرى، ثلاث مرات! قالوا ما هذا؟ هذا شيئ جميل جداً جداً، نُريد أن تكتب لنا اسم شريط الكاسيت Cassette الذي فيه هذه الأشياء لكي نشتريه ونسمعه ونُوصي عليه، فأنا خِفت، هذه كانت دولة شيوعية وقريبة العهد بهلاك تيتو Tito، فقلت لهم بالعكس، لُغتي ضعيفة – كنت لا أزال في أول أيامي في يوغوسلافيا – ولا أستطيع أن أقول لكم، المُهِم ما هي الآية العجيبة؟ حين كنت في أول مرة والأستاذ موجود وأنا أقرأ القرآن كانت تُوجَد صبية – فتاة – يونانية، كانت أكثر الطالبات تبرجاً – والعياذ بالله – وعُرياً، فاسقة فاجرة والعياذ بالله! لما جعلت أقرأ – وهي يونانية لا تعرف شيئاً، أصلاً لا تعرف أن هذا قرآن، والله العظيم يا إخواني أنا أقول هذا وأذكره كما أراكم الآن وأُشهِد الله عليه في هذه الليلة المُبارَكة في هذا المسجد المُبارَك – هذه الفتاة كأنها أُخِذت عن نفسها وجعلت تسمع وكانت في حالة خشوع غريبة، وماذا كانت تقول؟ الله الله الله بالعربي! والإخوة العرب الذين معي – كان هناك إخوة سودانيون – قالوا انظر يا شيخ، تقول الله، فقلت نعم، لاحظت ذلك بل قف شعر بدني، هي لا تعرف هذه الكلمة، أنا مُتأكِّد! كيف جرت على لسانها؟ كيف نطقت بها؟ كيف أُخِذت؟ أصبحت في عالم آخر هي!

الشيخ عبد الباسط – رحمة الله عليه – في لقاء معه في الراديو Radio قالوا له حدِّثنا بأعجب ما حدث لك في الحفلات القرآنية وما إلى ذلك، قال كنت في باريس وقرأت لهم رُبعاً من كتاب الله، قال لكن هم ليسوا كالمصريين، ليس عندهم مَن يقول الله، أعدها يا سيدنا ويا مولانا، “الله يخليك” يا كذا وكذا، ليس عندهم هذا! فرنسيون هؤلاء، ليس عندهم هذا الأسلوب ولا يعرفونه، لكن هم ساكتون، في صمت! ولا يُوجَد تصفيق ولا يُوجَد أي شيئ، قال فأنا قلت في نفسي ربما لا يُعجِبهم الوضع هذا، فصدَّقت سريعاً، أي قلت صدق الله العظيم سريعاً، قال بعد أن صدَّقت ظل التصفيق لمدة رُبع ساعة، رُبع ساعة وهم يُصفِّقون! كانوا مأخوذين، أين العجيبة؟ العجيبة أنهم أتوا  بعد ذلك وأسلم أكثر من تسعين فرنسياً، دخلوا الإسلام! فرحمة الله على الشيخ الباسط رحمة واسعة، أنا أُحِب هذا الرجل إلى حد العشق، أُحِبه وأعشقه، رأيته في المنام أربع مرات، أُحِبه حُباً شديداً، لأن هذا الرجل حبَّبنا في كتاب الله مُذ كنا صغاراً، مُذ كنا في الابتدائية، حين سمعت القرآن أحببته بهذا الصوت الملائكي، صوت لا أعتقد أن الله خلق في القرن العشرين مثله، إلى الآن ما سمعت صوتاً مثله أبداً، قط! شيئ من عند الله، فرحمة الله عليه وتجاوز الله عن سيئاته – إن شاء الله – إذا له سيئات وأعلى درجاته في عليين.

فهذا كتاب الله يا إخواني، أحلى كلام، أحلى ما سمعت أُذنا الوجود، مبخوس والله – مبخوس الحظ ومغبون الصفقة – مَن يُخلي وقته كل يوم مِن تلاوته أو مِن الاستماع إليه، للأسف الشديد هناك أُناس يهجرونه ولا يكادون يفتحونه أو يقرأونه إلا في رمضان، فيا خُسرانهم! يا خسارتهم! يا غُبن صفقاتهم! 

خالد بن الوليد قضى حياته في الجهاد، في مُكامَعة الكفّار والملاحدة، ولذلك تلهى قليلاً بالجهاد – تلهى بالجهاد، ليس بالتلفزيون Television وما إلى ذلك وإنما بالجهاد – عن كتاب الله، فكان في آخر أيامه وهو في حمص يقرأ القرآن ليل نهار ويبكي، يقول شغلني عنه الجهاد، شغلني عنه الجهاد، كلام ربي! يضمه إليه ويقول شغلني عنه الجهاد! هو أسيان وحزين لأن الجهاد شغله عن كلام الله تبارك وتعالى، فهو أحلى ما سمعت أُذنا الوجود، جرِّبوا أيها الإخوة واقتربوا منه، القرآن كلام الله، أليس كذلك؟ ولذلك يعكس صفات الله تبارك وتعالى، وهو صفة من صفاته، كلام الله عز وجل! 

المُؤمِن كلما ارتقى في درج الإيمان بدأ لا يستطيع أن يستعيض عن القرآن بشيئ، ولا يستطيع أن يبتعد عنه، يصير ديدنه وهجيره في صباحه ومسائه، يسكنه! لكن إذا كان المُؤمِن عاصياً وفاسقاً وفاجراً وبعيداً لا يُحِب القرآن، مثل الكفّار! الكفّار والمُنافِقون لا يُحِبونه، يقولون هل يا أخي نحن في ميتم؟ أغلق هذا القرآن، لا إله إلا الله! هل أنت مُسلِم يا أخي؟ يتضايق، يحدث في صدره حرج وضيق، لماذا؟ لأن صدره مسكون بالشياطين، مسكون بالمعصية، مسكون بالظُلمة، حجابه غليظ عن الله، فالذي يُلاحِظ هذا الشيئ من نفسه يجب أن يخاف على نفسه خوفاً كبيراً، فيه صفات الكفّار والمسكين لا يدري، كلام الله تنشرح له الصدور مُباشَرةً، هُدًى وَشِفَاءٌ ۩، يشفيك إذا عندك أمراض وإذا عندك قنوط أو يأس أو حزن أو هم أو غم، تسمع كلام الله فتنشرح بالكامل، إذا حدث العكس فهذا يعني أن الوضع خطير جداً، لماذا؟ لبُعدك عن كتاب الله، لبُعدك عن كلام الله، بعيد! بعيد العهد به وبلقائه وبالاستماع إليه، فحاول أن تحمل نفسك عليه رُغماً عنك، أن تقرأه وأن تسمعه يوماً فيوماً – إن شاء الله – حتى تبدأ تستحليه إن شاء الله تبارك وتعالى.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ۩، أي يجعلون له العدل والند والشريك والعياذ بالله.

۞ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ۞

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ۩، أي أباكم، نحن لسنا من طين، نحن من ماذا؟ نحن من ماء مهين، ومركَّبون من لحم ودم كما يُقال، لكن قال – تبارك وتعالى – الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ۩، فهذا معنى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ۩، أي بدأ خلقكم، كيف بدأ خلقنا؟ بخلق أبينا الأول عليه السلام، آدم فعلاً مخلوق من طين، وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ۩، وماذا بعد؟ ماذا عنا؟ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ – نحن نسل آدم – مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ۩، هذا هو الصحيح!

إذن في هذه الآية معنى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ۩، أي بدأ خلقكم من طين بخلق أبيكم آدم، ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۩، قال ابن عباس – رضوان الله تعالى عليه – ثُمَّ قَضَى أَجَلاً ۩: الدنيا، وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۩: يوم القيامة، ولذلك قال مُّسَمًّى عِندَهُ ۩، لا يعلمه إلا مَن؟ إلا الله، ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ۩، قال لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ۩، لذا مُّسَمًّى عِندَهُ ۩، وبعضهم يقول بالعكس، وهذا أرجح وأحسن، وفيها أقوال كثيرة لكن من أعجب الأقوال فيها القول الذي يجعل هذه الآية تُفسِّر جُملة المحو والإثبات في آخر الرعد، ولنا في ذلك خُطبة مُطوَّلة في هذا الموضوع يُمكِن أن يُرجَع إليها، فيها فوائد – إن شاء الله – جليلة، (ملحوظة) اسم الخُطبة التي أشار إليها الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: القدر محواً وإثباتاً.

هناك أجلان ونحن نُؤمِن بهذا، أنا شخصياً أُؤمِن بأن لكل إنسان أجلين، أجل وأجل! الأجل الذي إذا جاء لا يستقدم ولا يستأخر هو الأخير أو النهائي، انتهى! لكن يُوجَد قبله أجل يُمكِن أن الإنسان يبلغه دون أن يبلغ الأجل الآخر، وهذا بالعمل، أي بحسب العمل، هذا موضوع طويل وفيه أشياء كثيرة!

ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ۩، أي تشكون في قدرة الله، تَمْتَرُونَ ۩ تعني تشكون في قدرة الله تبارك وتعالى.

۞ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ۞

وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ۩، ما معنى وَهُوَ اللَّهُ ۩؟ هو المعبود، المعبود في السماوات والأرض والمدعو الله، وهذا من أسمائه التي لم يَشرَكه فيها أحد، هذه من أسمائه التي لم يَشرَكه – هكذا يُقال يَشرَكه، ليس يَشرُكه وإنما يَشرَكه – فيها أحد، ومن أسمائه أيضاً التي لم يَشرَكه فيها أحد أيضاً اسم الرحمن، ولذلك قال – عز من قائل – في آخر الإسراء قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ ۩، لأنهما من أسماء الله.

كان يُوجَد رجل زنديق ملعون مُعثَّر اسمه كذّاب اليمامة وهو مُسيلمة الكذّاب، سمى نفسه رحمن اليمامة، ومع ذلك سمى نفسه رحمن اليمامة وليس الرحمن أيضاً، فالرحمن هو الله، وسُبحان الله شنأه الله وأخزاه فعاد لا يُعرَف إلى يوم الدين إلا بمُسيلمة الكذّاب لعنة الله تعالى عليه.

وَهُوَ اللَّهُ ۩، المعبود المألوه – تبارك وتعالى – والمدعو بهذا الاسم، فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ۩.

يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ۩، هو يعلم السر وأخفى أيضاً كما في موضع آخر، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ۩، قال وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ۩.

۞ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ۞

وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ۩، سواءٌ أكانت هذه الآية كونية كمُعجِزة كونية أو آية قرآنية شرعية.

۞ فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ۞

فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ۩، الآية واضحة.

۞ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ۞

أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ۩، ما معنى القرن؟ القرن في اللُغة القرآنية أو في اللُغة الشرعية عموماً – في القرآن والسُنة – ليس معناه مائة سنة، لا! القرن هو الجيل، جيل من الناس، اليوم ذكرنا حديث عمران بن حُصين، خير القرون قرني ثم الذي يلونهم ثم الذين يلونهم، ما معنى خير القرون قرني؟ خير الأجيال الجيل الذي وُجِدت فيه وهو جيل الصحابة ثم جيل التابعين ثم جيل تبع التابعين، هذا معناه! القرن هو الجيل من الناس، كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ۩، لذلك قال مَّكَّنَّاهُمْ ۩، أليس كذلك؟ ولا ينبغي أن نتحدَّث عن مائة سنة ونقول مَّكَّنَّاهُمْ ۩، هل مَّكَّنَّاهُمْ ۩ مائة سنة؟ لا يُمكِن، المقصود جيل من الناس، ولذلك قال مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ ۩، ولو قال مكّناه في الأرض لجاز، لماذا لو قال مكّناه لجاز؟ بحسب ما تقصد، إن راعيت اللفظة أفردت! قلت من قرنٍ مكّناه وأهلكناه، لأنه قرن، لفظ! وإذا أردت المعنى – ما معنى القرن؟ الجماعة والجيل من الناس – فتقول مَّكَّنَّاهُمْ ۩، والقرآن استخدم الطريقتين في آيات أُخرى، استخدم الطريقتين! فإذا راعيت اللفظ أفردت ومن ثم قلت مكّناه، وإذا راعيت المعنى – معنى القرن – فجمعت، تقول مَّكَّنَّاهُمْ ۩، أي الجماعة أو الناس.

مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ ۩، ما معنى مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ ۩؟ أعطيناهم أسباب القوة والعُمران والاستقرار، أليس كذلك؟ شقوا الأنهار وغرسوا الأشجار واستثمروا الثمار وعمَّروا الديار، وهكذا! هذا معناها، مثلما الآن الأمة الغربية مُمكَّنة في الأرض، هذا تمكين في الأرض!

مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ۩، مَن المُخاطَب هنا؟ كفّار مكة، والسورة مكية! أي أن كفّار مكة لم يتمكَّنوا في الأرض كما تمكَّنت أمم قد بادت وهلكت بسبب شؤم الذنوب والنكود عن صراط الله المُستقيم.

وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ۩، أي أنعم الله عليهم بنعمة المطر ونعمة ماء الأنهار أيضاً، ماء الأمطار وماء الأنهار! ما شاء الله من السماء ومن الأرض الخيرات.

فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۩، لم يستمر هذا الحال، هذه الآية تتحدَّث عن ماذا يا إخواني وأخواتي؟ تتحدَّث عن الاستدراج، كيف قرأها الإمام الحسن البِصري قدَّس الله سره؟ ماذا قال؟ مكرٌ بالقوم ورب العزة، قال مكرٌ بالقوم، لماذا أرسل عليهم السماء مدراراً؟ لماذا مكَّن لهم في الأول في الأرض؟ لماذا أجرى الأنهار من تحتهم؟ مكرٌ، كيف هو مكرٌ؟ قال سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ۩ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ۩، اسمه المكر والاستسدراج والاستهزاء، قال – تبارك وتعالى – فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ۩، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ۩ أي فلما نسوا الهداية الإلهية وأعرضوا عن آيات الله – تبارك وتعالى – الله فتح عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ۩، ما معنى أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ۩؟ الأولاد، الزوجات، الشهوات، القوة، النصر في الحروب، الأرزاق، والتمكن في الأرض بعامة، تماماً مثل الغربيين الآن، أليس كذلك؟ الله أعطاهم الدنيا، الدنيا العريضة الواسعة، سُبحان الله! أعطاهم أشياء كثيرة، مثل أمريكا! لكن لا يغتروا، ونحن أيضاً لا نغتر ولا نغفل، هذه سُنة الله دائماً، هذه حضارة بالمُناسَبة طفلة، الحضارة الأمريكية هذه طفلة، عمرها مائتان وخمسون سنة، أليس كذلك؟ حضارة الرومان ألف سنة على الأقل، ألف سنة كانوا هم القوة الأولى في العالم، والآن لا يُوجَد شيئ اسمه حضارة الرومان، هناك آثار نراها، نرى الكولوسيوم Colosseum في إيطاليا وما إلى ذلك، آثار! ونرى بعض الأشياء في الشام وبعض الأشياء في الإسكندرية، آثار الرومان، انتهوا! أصبحوا خبراً بعد عين، أصبحوا خبراً! مُجرَّد خبر وأحاديث، فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۩، يتحدَّث بها المُؤرِّخون والناس، أليس كذلك؟ ألف سنة! ما أمريكا وغير أمريكا التي عمرها يصل إلى زُهاء مائتي سنة؟ إن شاء الله قريباً ستنتهي، بإذن الله تعالى لعلها لا تُكمِل عشرات سنوات – إن شاء الله – بعد ألفين وواحد وتنتهي بالكامل، وأيضاً تُصبِح أثراً وتُصبِح خبراً بعد عين، تُصبِح أحاديث وأمثلة، عبرة بإذن الله تبارك وتعالى، هذا هو! فهذا اسمه المكر، فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا… ۩ ليس بما أتوا – كلمة أتوا تعني بأفعالهم – وإنما بِمَا أُوتُوا ۩، أي بما آتاهم الله، فرحوا بالأموال والنصر والأرزاق والخيرات والشهوات والنساء والعُمران والطرق والمُواصَلات ماذا قال تعالى؟ بغتهم وفجأهم على حين غرة، قال أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ۩، هذا يعني أن القرآن الكريم قبل فلاسفة الغرب يتحدَّث عن نهاية الحضارات أحياناً بالسكتة القلبية، بعضهم هكذا يقول بأسلوب أدبي، يقول هناك حضارة تنتهي بالسكتة القلبية، مثل حضارة المُجتمَع الشرقي، الاتحاد السوفيتي! أليس كذلك؟ هذه كانت إمبراطورية، حضارة! حضارة مُلحِدة مُجدِّفة – والعياذ بالله – مُنكِرة وناكبة عن السبيل، كيف انتهت؟ بالسكتة القلبية، لم يُصدِّق هذا أحد، في سنتين من الزمان انتهى كل شيئ، انفرط العقد، وقالوا هذه ماتت بالسكتة القلبية، مثلما يموت شخص بالسكتة القلبية، وإن شاء الله أمريكا ستموت بالقلبية، فجأة ينتهي كل شيئ، مع السلامة! انتهت أمريكا، لن تُوجَد الولايات المُتحِدة الأمريكية، سوف تُوجَد – بإذن الله – الولايات المُتفرِّقة الأمريكية، أرأيتم كيف؟ هذه بغتة، قال أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ۩ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، لا إله إلا هو! هو رب العالمين، هو المُتصرِّف، ما معنى مُبْلِسُونَ ۩؟ آيسون، وبالمُناسَبة هذه من سورة الأنعام، هذه الآية نفسها من سورة الأنعام، أي أننا استبقنا، لكنها تُفسِّر هذه الآية، مُبْلِسُونَ ۩ أي آيسون، أبلس أي أيس من رحمة الله، أيس وانتهى الأمر، ليس عنده أي أمل، ولذلك يقول العارفون بالله مَن مُد له في كل شيئٍ ورأى أنه ليس مُستدرَجاً فليس له رأي، أي قالوا أنه لا يفهم، انتبه! قد تقول والله أنا – الحمد لله – على خير كثير، ما أُردته أعطاني الله إياه، لكن انتبه! أنت لست على خير، أنت وضعك يُخوِّف، تقول والله بالنسبة العلم – الحمد لله – حصَّلت منه، بالنسبة إلى الزوجة حصَّلت – الحمد لله – زوجة جميلة حسناء كما أُردتها، بالنسبة إلى الأولاد عندي، ما شاء الله الذكور عندي وهم أكثر من البنات أيضاً، فعندي أيضاً بعض البنات، وعندي سيارة وعندي فيلا هنا وفيلا في كذا وفيلا ثالثة في بلد الزوجة وكذا وكذا، ما شاء الله! أعطاك الله فعلاً الكثير، وماذا بعد؟ كيف تشكره؟ هل يُوجَد شكر أم لا يُوجَد شكر؟ هل تُوجَد عبادة حقيقية؟ هل يُوجَد حمد؟ هل يُوجَد استعداد للآخرة؟ هل يُوجَد استيحاش من هذه الدنيا أم أنك مُطمئن جداً فيها وتظن أنك ستُخلَّد فيها؟ انتبه! إذا كانت الأخرة – والعياذ بالله – في المرتبة الثانية فهذا يعني أنك مُستدرَج، ممكور بك وأنت لا تدري، ولا رأي لك، أنت لا تفهم كيف تمشي الدنيا، لذلك قال الإمام عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – فيما أخرجه أبو يعلى الموصلي في مُسنَده إذا رأيتم نعم الله تتوالى على العبد وهو مُقيم على معصية الله فاعلموا أنه ممكور به، مثلما مكر الله بالأقوام الكافرة، هو لا يدري، بالعكس! هو يصدر عن منطق مُخالِف، يقول الحمد لله أعطاني من كل شيئ، مسكين أنت، بالعكس! أنت الآن ستُؤخَذ عما قريب وأنت لا تدري، فنسأل الله ألا يجعلنا محلاً لمكره وهزؤه واستدراجه، ماذا نعمل دائماً؟ علينا بالشكر الدائم، بالعبادة، لا نغتر، لا نأنس أُنساً كاملاً بالدنيا ولا بأهل الدنيا ولا حتى بأهلينا ولا بأولادنا ولا بأموالنا ولا بأي شيئ أبداً، ونُعطي هذه الدنيا لله قدر المُستطاع، نتصدَّق، نُعطي، نُصلي، نحج، نعتمر، نُنفِق، باستمرار باستمرار! نرتبط بالآخرة، ونجعل الموت دائماً أمامنا إن شاء الله، حتى لا نكون مُستدرَجين ونحن لا ندري، وإلا تضيع الفرصة وهي واحدة، نحن عندنا فرصة واحدة، فرصة الأبد، لا يُوجَد غيرها!

قال وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ۩، انظر إلى هذا، لم يقل آخر وإنما قال آخَرِينَ ۩، أي جيلاً آخَرِينَ ۩ من الناس.

۞ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ۞

وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ ۩، هذا الجواب هنا في حذف، هذا جواب على ماذا؟ على مُقترَح من مُقترَحاتهم التعنتية التعسفية، كما رأيتم في سورة الإسراء اقترحوا على النبي أشياء كثيرة جداً وعجيبة جداً، ومن ضمنهم مُقترَحاتهم يُريدون كتاباً ينزل من السماء ويروه، يُريدون أن يروه هكذا وهو نازل فعلاً من السماء وهو من عند الله مُباشَرةً، لابد أن نراه! الله قال وَلَوْ نَزَّلْنَا ۩، انظر إلى هذا، قال وَلَوْ ۩، هذا يعني أنهم طلبوا ذلك واقترحوه، قال وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ۩، عاينوه! لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ۩، وقالوا ذلك فيما هو أعجب من هذا الكتاب، في شق القمر! أعجب من إنزال كتاب من السماء، أليس كذلك؟ أعجب بكثير، في شق القمر قالوا بلغ سحره عنان السماء والعياذ بالله، فالله قال لا لأنه يعرفهم، هم مُتعنِّتون!

۞ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ۞

وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۩، أي فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ۩ كما في الفرقان، هذا معناها، لماذا الملك؟ قالوا لا نُريد أن يُنذِرنا هو، هو لا ينفع، لأنه بشر مثلنا يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق، هذا غير وافٍ وغير كافٍ، ماذا تُريدون؟ قالوا نُريد ملكاً، ينزل معه ملك ونراه، وهذا الملك هو الذي يأمرنا وينهانا، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ۩، هذا هو المعنى كما في الفرقان، ماذا قال الله؟ قال وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ۩، كيف لَّقُضِيَ الأَمْرُ ۩؟ يأتيهم العذاب، يأتيهم الهلاك، متى؟ لأن الله يعلم أنه لو أنزل ملكاً أيضاً وأنذرهم ووعدهم ووعظهم لكفروا به، ولو قد فعلوا لاستئصلهم الله في الحين، مُباشَرةً! وهذه سُنة الله في الأقوام السابقة، أليس كذلك؟ إذا طلبوا آية تعنتية أو تعنتاً وتعسفاً وأعطوها وكفروا كانوا يُستأصلون، يأتيهم العذاب مُباشَرةً! لا يُوجَد إنظار، لا تُوجَد مُهلة، من غير مُهلة مُباشَرةً! قال – تبارك وتعالى – وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ – لماذا؟ الآيات التي تُخوِّف والأشياء الكونية الخارقة التي يُريدونها – إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ۩، من أجل ذلك قال، رحمةً بهم، لأن الله يعرف – طبعاً هذا لما سبق لهم من كرامة الله في علمه وفي سابق علمه تبارك وتعالى – ويعلم أن سيخرج مِن هؤلاء ومِن أصلابهم مَن يُوحِّد الله تبارك وتعالى، فهو لا يُريد أن نتسبَّب إلى إهلاكهم واستئصالهم، قال دعوهم يتعنتَّوا ويتفلسفوا، في يوم من الأيام أكثرهم سيُسلِم – إن شاء الله – عند فتح مكة، وسُبحان الله حملوا الإسلام ولم يرتدوا بعد ذلك، الله يعرف ذلك! لكن لو استجاب إلى هذه التعنتات وإلى هذه الحماقات لاستُئصلوا، لأنهم أيضاً كانوا سيكفرون فعلاً، الله يعلم ذلك! لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ۩، من غير مُهلة.

۞ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ۞

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا ۩، أيضاً حُجة أُخرى قال، هم يطلبون شيئاً مُستحيلاً، كيف؟ قال وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ۩، هذه الآية واضحة، تقول لنا إن البشر العادي منا لا يستطيع في ظرفه المُعتاد أن يرى الملك كما هو، مُستحيل! لا تستطيع، لماذا؟ لأن الملك من نور، ليس مُنوَّراً، هو نفسه من نور، من خامة النور، ويبدو أنه لشدة سناه وألقه وضياه وتنوره يخطف الأبصار، لا تستطيع أن تراه، ولذلك انظروا إلى النبي، النبي الوحيد الذي استطاع أن يرى جبريل على خلقته التي خلقه الله عليها، قيل مرتين وقيل ثلاث مرات فقط! شيئ مهول، وله ستمائة جناح، الجناح الواحد يسد فضاء المشرق، شيئ مُخيف، يجلس على عرش بين السماء والأرض، جبريل عليه السلام! لكن الصحابة رأوا جبريل، عائشة رأته، أم سلمة، وكثير جداً من الصحابة، في حديث عمر جاء يسأل النبي عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلمات الساعة، أليس كذلك؟ لكن كيف رأوه؟ في شكل بشري، في شكل دحية، في شكل دحية الكلبي وهو أحد الصحابة، أجمل الصحابة كان دحية هذا، أجمل الصحابة اسمه كان دحية، دحية الكلبي! النساء كُن إذا رأينه الحامل تُسقِط حمله من شدة جماله، يوسف هذه الأمة دحية، صحابي جليل! فكان جبريل يأتي على شكل دحية، يرونه كبشر عادي، لا يعرفون أن هذا جبريل، بعد ذلك النبي يقول لهم ذاك جبريل جاءكم يُعلِّمكم دينكم، مُستحيل أن يروه، فالله قال هؤلاء أغبياء أصلاً ولا يفهمون شيئاً، لكي نُرسِل ملكاً لابد أن نُعطيه شِكلة وهيئة رجل، وإذا رأوه رجلاً فسوف يقولون نحن لا نعرف هل هذا ملك أم رجل، وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ۩، لشبَّهنا عليهم ما يُشبِّهون، لخلطنا عليهم ما يخلطون، لأنهم هم الذين لبسوا على أنفسهم الحق بالباطل، والله قال سوف نُعامِلهم أيضاً بطريقتهم ومنهاجهم، وسوف نخلط عليهم ما خلطوا على أنفسهم بتعنتهم، ولن يعرفوا أيضاً، وسوف يكون الله استجاب للمُقترَح، أليس كذلك؟ وتوفَّر شرط الاستئصال دون أن يُؤمِنوا مرة أُخرى، فما أوسع رحمة الله! وما أوسع حكمة الله تبارك وتعالى! لا إله إلا هو، له الحكمة البالغة.

۞ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ۞ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ۞

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ۩ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ۩، هذه الآيات واضحة.

۞ قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ۞

قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ۩، اللام هنا الموطئة للقسم، هنا يُوجَد قسم، أقسم الله – تبارك وتعالى – بذاته الشريفة ونفسه العلية أنه ليجمعنا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ۩، عند مَن؟ عند المُؤمِنين الصادقين، وأما المُنافِقون أو المُتردِّدون فهم في ريبهم يترددون في طغيانهم يعمهون، يشكون في كل شيئ! أما المُؤمِن فلا يشك في يوم القيامة، يُؤمِن به إيماناً قطعياً لاَ رَيْبَ فِيهِ ۩.

من رحمة الله أيها الإخوة والأخوات أن الله كتب على نفسه وجوب حشر الناس وبعثهم للحساب والدينونة يوم القيامة، الله قال هذه رحمة، رحمة من رحمتي! كيف هذا؟ أين مظاهر هذه الرحمة؟ طبعاً هذه أعظم رحمة، من الظلم ومن مُجافاة العدل أن يُفلِت كما يُقال الظالم والمُجرِم والقتلة والسفّاكون ومصاصو دماء البشر بجلودهم، أليس كذلك؟ كم يُوجَد من الطواغيت! كم يُوجَد من الحكّام الظلمة! كم يُوجَد من القتلة الذين كما يُقال في أعناقهم دماء ملايين البشر أو آلاف أو مئات الألوف! عاشوا وماتوا مُعزَّزين مُبجَّلين مُكرَّمين، أليس كذلك؟ رؤوساء وملوك! لو لم يكن هناك آخرة لأفلتوا وضاع كل شيئ، وهذا ظلم حقيقة، أليس كذلك؟ الله قال لا، لأن يُوجَد عدل وتُوجَد رحمة لابد أن نبعث الجميع، فيُقتَص للمظلوم من الظالم وللضعيف من القوي وللمُعتدى عليه من العادي أو المُعتدي عليه، هذا من رحمة الله تبارك وتعالى، هذه رحمة! هذا من مظاهر رحمة الله.

بالمُناسَبة الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط Immanuel Kant – صاحب نقد العقل المحض ونقد العقل العملي وهو عقل ضخم جداً، حتى قال بعض الفلاسفة لم يأت بعض أرسطو Aristotle عقل فلسفي مثل عمانوئيل كانط Immanuel Kant، عقل نادر جداً، جوهرة فلسفية، كان شخصاً خارقاً العادة – لم يستطع إلا أن يُؤمِن بضرورة الآخرة، صحيح بطريقته الفلسفية العقلية النقدية الخاصة لم يصل إلى البرهنة على ذلك لكن مع ذلك بحسب العقل الأخلاقي عنده قال لابد من الآخرة، ضرورية! لابد أن يُوجَد عالم آخر اسمه الآخرة يحدث فيه حساب وعذاب ومُحاقة ومُساءلة، قال لماذا؟ قال حتى تكمل الصورة، وإلا الكون أو الوجود يبقى منقوصاً، يبقى أبتر!

ولذلك الحياة ليست هي الحياة الدنيا فقط، الحياة هي الحياة الدنيا مع برزخها مع حياة الأبد، ثلاثة فصول في مسرحية الوجود، أليس كذلك؟ بعض الناس يقف عند الفصل الأول، لا يا حبيبي! لا يزال يُوجَد فصل ثانٍ أوسع من الحياة الدنيا ومن حياة البرزخ ويُوجَد فاصل ثالث أوسع من الجميع وهو يمتد إلى الأبد، إلى ما لا نهاية، فبعض الناس بخسوا أنفسهم للأسف وحقروا عقولهم وسفهوا آراءهم ووقفوا عند الفصل الأول، لا! لا يزال يُوجَد فصلان، ما حدود العالم عند الجنين في بطن أمه؟ أنا مُتأكِّد لو عنده عقله وإدراك أو قوة دراكة كما يُقال واستُنطِق أو سُئل ما ترى حدود العالم؟ لقال حدود العالم هي بطن الأم، وهذا العالم وسيع وهذا الماء المحيط الذي أسبح فيه كثير، هذا العالم كله، فلو قيل له لا، يُوجَد خارج هذا العالم – وهذا عالمك وهو صغير جد صغير – عالم أوسع منه ملايين ملايين المرات اسمه الدنيا لقال لا، هذا كذب! يُمكِن ألا أُصدِّقه يقول لك، صعب هذا ولا أُصدِّقه، ثم يخرج من رحم أمه! وكذلك أنت حين تلفظ أنفاسك وتستجيب لأمر الله بالخروج من هذه الدنيا أنت أيضاً تُولَد ولادة جديدة، تخرج من هذا العالم إلى عالم آخر، وسوف تجد إذا كنت مُؤمِناً أنه أوسع ملايين ملايين المرات من هذا العالم، عالم وسيع! وإذا كان الميت البعيد كافراً فسوف يكون ضيقاً جد ضيق عليه، قبره يضيق عليه حتى تلتئم أضلاعه والعياذ بالله، يدخل الشمال في اليمين واليمين في الشمال والعياذ بالله، فنسأل الله المُعافاة. اللهم آمين. 

فهذا من رحمة الله، الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ۩، فقط أقول لنفسي ولكم فكِّروا كثيراً في هذه الآيات، خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ ۩، إلى الآن لم أبلغ نهمتي في فهم هذه الآيات حقيقة، أشعر أن لها قعراً وعمقاً لم يبلغه إلى الآن الإنسان، يجب أن نُفكِّر دائماً فيها، كيف يُمكِن للإنسان أن يخسر نفسه؟ معنى عميق عميق، من أعمق ما يكون! لا تخسر عقلك أنت ولا تخسر علمك ولا مكانتك الاجتماعية ولا مالك ولا جمالك ولا سنك ولا قدراتك، لا! أنت تخسر نفسك، الخسار المُطلَق هذا، قال تعالى أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ۩ في آية أُخرى، يتحدَّث عن الذي يخسر نفسه، هذه الخسارة الحقيقية، تخسر نفسك! لأن الإنسان لا يفنى، لو كان الإنسان يفنى لكان هذا أحسن كثيراً، لو كان يفنى لانتهى الأمر، لكن المُشكِلة أنه لا يفنى، يبقى ويبقى في جهنم مُؤبَّداً، هذه مُصيبة! فعلاً هذا الخسران المُبين، لأنه خسر نفسه، قال فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ۩.

۞ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞

وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۩، كل شيئ من جامد، من مُتحرِّك، من حي، من ميت، من عاقل، ومن غير عاقل – كل ما في هذا الوجود – لله وهو في مُلك الله، ثم إننا أين نعيش؟ بعض الناس للأسف ليس عنده معلومات علمية ولا فلكية وما إلى ذلك، يظن أن ربنا – عز وجل – مشغول فقط بهذا الأرض وبهذا الإنسان، لا! هذه الأرض نُقطة بسيطة جداً في كون الله، والله – عز وجل – لا يشغله شيئٌ عن شيئٍ، أليس كذلك؟ هو قيومٌ على كل الأكوان التي خلقها مما نعلم ومما لا نعلم، الله أعلم! بعض العلماء يقول – خياله خيال واسع خصيب وأنا لا أستبعد هذا – يُمكِن أن يكون كل هذا الكون الذي يتحدَّث عنه علماء الفلك وهو عظيم جداً – قطره حوالي خمسة عشر بليون سنة ضوئية، الضوء لابد أن يسير خمسة عشر بليون سنة حتى يقطع الكوزموس Cosmos، أي الكون هذا، الــ Universe الخاص بنا، أف! والأرض نُقطة، حبة رمل ليس لها أي قيمة – مثل بروتون Proton أو نيوترون Neutron في نواة كون آخر، طبعاً مُمكِن جداً، مُمكِن! نحن لا نعرف شيئا، وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، أنت لا تعرف أصلاً ما حدود خلق الله وقدرات الله، لا يُمكِن، فهي لا نهائية! هناك أناس يظن الواحد منهم أنه يُعجِّز الله، والله قال وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ۩، وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ۩، لا يُوجَد شيئ يُعجِز الله أصلاً، لا الإنسان ولا الدنيا ولا الإمبراطوريات ولا الدول ولا أي شيئ، هذا كله كلام فارغ عند الله، جميل جداً أن تقرأ بعض كتب الفلك المُبسَّطة، والله! تقرأ لكي تُحاوِل أن ترسم صورة لنفسك، مَن أنا؟ ما هو حجمي؟ ما هو دوري؟ لكي تعرف بعد ذلك قدرتك الحقيقية العلمية والبدنية والمالية، ومن ثم سوف ترى أنك لا شيئ، عدم! ولعل العدم حتى أشرف منك، نحن لا شيئ، الأرض هذه كلها بالنسبة إلى الكون – يقول العلماء – مثل حبة رمل على شواطئ البحار والمُحيطات، حبة رمل من كل الرمال هذه الأرض! فما الإنسان في النهاية؟ لا شيئ، قال:

تمردتِ يا نفس فوق الأرض فاهدئي                    ولا تذهبي في العُجب كل مذهبِ.

فما أنتِ إلا ذرةٌ فوق متنها                                  وما هي إلا ذرةٌ في الكواكب.

قال فلماذا أنت تتكبَّر وترى نفسك شيئاً كبيراً؟ أنت لا شيئ، لذلك فعلاً لا يُوجَد أحقر من الكبر، ولذلك الذي يفهم هذه الحقائق العلمية البسيطة المُوحية والمُخيفة – تقشعر لها الأبدان – يُدرِك تماماً أن الله معه الحق كل الحق والعدل كل العدل أن يُحرِّم الجنة على مَن في قلبه مثقال ذرة من كبر، ممنوع أن تدخل الجنة، لأنك مثلك لا يتكبَّر، أنت بهذه الحقارة – الأرض كلها على بعضها بهذه الحقارة وأنت لا تزال أحقر من الأرض مليون مليون مرة – ومع ذلك تتكبَّر؟ لا يُمكِن! لن ترى الجنة حتى تدخل جهنم ويحترق الكبر الذي فيك وتتطهَّر منه، إذا كنت مُوحِّداً فستدخل بعد ذلك الجنة – إن شاء الله – كمُوحِّد، لكن لو هناك ذرة كبر – انظر إلى الذرة، النبي قال مثقال حبة خردل من كبر – لن تُوجَد جنة إلا بعد جهنم في الأول،  أليس كذلك؟ وكما قلنا يا ليت يستحضر الإنسان فقط هذه الحقيقة حتى لا يعود أبداً يُغرى لا بعلمه ولا بفهمه ولا بماله ولا بقوته ولا بسُلطانه ولا بجيشه ولا بأي شيئ، كل هذا كلام فارغ، هذا لا شيئ عند الله تبارك وتعالى.

بعد ذلك انظروا إلى أعظم الملوك، أليس كذلك؟ سمعنا ما جرى للرئيس مُبارَك، المسكين أصابته جلطة تقريباً، هم قالوا هناك شيئ بسيط، لكن على ما يبدو أنها جلطة، لا علينا من هذا، المُهِم لا تقل لي هذا رئيس، لا تقل لي هذا ملك، لا تقل لي هذا إمبراطور، لا يُمكِن! كل هذا الهيل والهيلمان يضيع، لو عبدك الناس من دون الله – اجعل شعبك يعبدك ويُؤلِّهك مثل فرعون – حين يأتيك عزرائيل لن ينفعك لا شعبك ولا الدنيا كلها، أليس كذلك؟ لا يمتنع منه أحدٌ ولا يمنعه لا حاجب ولا حارس!

أحد الملوك قديماً كان أيضاً مُتفرعِناً وغافلاً، كان جالساً ويأكل ويشرب وما إلى ذلك، فجاء رجل فقير يلبس لباساً مُهلهَلاً وضرب باب القصر ضرباً عنيفاً، خرج الجنود والملك تغيظ وحنق حنقاً شديداً، مَن قليل الأدب هذا؟ اذهبوا إليه واضربوا رأسه وما إلى ذلك، قالوا له ما هذا يا مجنون ويا بعيد ويا كذا ويا كذا؟ قال لهم أريد الملك، قالوا له مَن أنت يا كذا ويا كذا؟ قال لهم أريد الملك، هو يفعل ذلك عنداً، يُريد أن يُؤدِّبهم، يُريد أن ترتعد فرائسهم، يُريد أن يخلع القلوب من النياط، قالوا له مَن أنت؟ فقال لهم قولوا له ملك الموت، هؤلاء ارتعدوا من الخوف وذهبوا إليه، فقال ماذا؟ قالوا له ملك الموت، فوقع الملك مُباشَرةً على ركبتيه الملك، دخل ملك الموت – في شكل بشر أتى له – فقال له أنظرني، أمهلني! قال له لا، كيف؟ “من قلة السلامة” كما يُقال، قال له بعثت لك رُسلاً كثيرين، ما تنبَّهت؟ قال له أبعثت رُسلاً؟ مثل مَن؟ قال له بعثت رُسل الشيب، مُنذ اليوم الذي خرج لك الشيب في ذقنك وفي رأسك ألم تُفكِّر في أنك بدأت تصير في الجهة الثانية من التل؟ هذه الجهة الثانية من الجبل، ألم تُفكِّر في أنك بدأت تموت الآن؟ أنت لست شاباً ابن عشرين سنة، انتهى الأمر! أنت ابن أربعين، أنت تموت الآن، كل يوم تنقص، أنت الآن أقرب إلى الموت وأبعد من الحياة، أليس كذلك؟ فكِّر هكذا، لابد أن تفهم الحقيقة هذه، قال له بعثت لك رُسل الشيب، ثم قال له ورُسل المرض، كم مرة مرضت وتعبت وما إلى ذلك؟ أما كان لك في ذلك مُدكَر؟ قال له فالآن آخذك أخذةً أقطع منك الوتين، تعال هنا قال له، وانتهى الأمر! لن ينفع كل هذا، لن ينفع لا أطباء ولا كذا وكذا، بريجنيف Bregenev  كان عنده طاقم كامل – جيش أو أسطول – من الأطباء، بريجنيف Bregenev ذهب هو وأسرته، لن ينفع كل هذا، لا يُمكِن! وهذا ما حدث مع لينين Lenin، مع ستالين Stalin، مع فرانكو Franco، مع موسوليني Mussolini، مع هلتر Hitler، ومع فرعون، الكل! وهذه حتى التي حصلت للرئيس مُبارَك هي رسول، انتبه قال له، أُريد أن أُعطيك إنذاراً أخيراً، وهنا قد يقول لي أحدكم لماذا تقول هذا؟ أنا ليس عندي مُشكِلة مع الرئيس مُبارَك ولا مع غيره، عن الكل أنا أتحدَّث، عن الكل! ونحن قبلهم طبعاً، نحن والضعاف أمثالنا! فالحديث عن الكل، راجع نفسك، هل أنت عمر بن عبد العزيز؟ هل أنت عمر بن الخطاب؟ هل أنت عادل وطيب مع الإسلام ومع المُسلِمين ومع القرآن ومع محمد ومع أمتك؟ لا رحمة عند الله، يُعطيك إشارة وبعد ذلك يأخذك أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ۩، أليس كذلك؟ هارون الرشيد ملك – ما شاء الله – نصف العالم، يا أيتها السحابة أمطري حيث شئتِ فإنَّ خراجكِ عائدٌ إلينا، أينما تمطرين يكون هذا في إطار الدولة العباسية، الخلافة العباسية! أرض – ما شاء الله – كبيرة، والمسكين مرض، رأوا بوله وما إلى ذلك، ركب على فرس ثم قال أنزلوني، شعر أنه داخ ففقال أنزلوني، نزل المسكين وجعل يبكي، الآن ضاع الجبروت وضاع كذا وكذا، مع أن الرجل كان فيه صلاح أيضاً، كان يفعل أشياء طيبة أيضاً، كان يحج عاماً ويغزو عاماً، ويُصلي يُقال في اليوم والليلة ثلاثمائة وستين ركعة، وكان يقتل بعض العلماء وبعض الأولياء ويحبسهم أيضاً، أشياء غريبة، السُلطة! لعنة الله على السُلطة، لعنها الله! والله الحمد لله – يا رب لك الحمد – مليون مرة أن الله لم يُكدِّرنا ولم يبتلينا بقرف السُلطة، يا رب لك الحمد، اللهم جنِّبنا إياها، جنِّبنا أي سُلطة على عباد الله، إي والله! أعوذ بالله، شيئ خطير جداً أن يكون لك سُلطة على الناس وأن تتحكَّم في أرزاق الناس وحريات الناس ودمائهم وأعراضهم، يا ساتر! شيئ مُخيف.

عمر بن عبد العزيز دخل عليه أبو حازم الأعرج، سلمة بن دينار – رحمة الله عليه -عالم المدينة وفقيه المدينة وشيخ المدينة، أحد كبار أولياء الله، قال دخلت عليه فوجدت أنه مُتغيِّر كثيراً، هذا بخناصر في حلب وهو يعرفه من أيام كان والياً على المدينة طبعاً، كان إهابه طرياً وعيشه رخياً ونوره بهياً ولعينه وميض، كان – ما شاء الله – شاباً جميلاً جداً، وكان يمشي مشية فيها تبختر وكبر، تُسمى المشية العُمرية، أي ماشية خاصة! ويلبس ثوباً بثلاثة آلاف درهم مرة واحدة ثم يقول خشن، ما أخشنه! وهو من الحرير لكنه يقول لا، هكذا كان ما شاء الله، لما صار خليفة دخل عليه، فقال له ألست عمر بن عبد العزيز؟ قال له نعم، أنا هو، قال له هل أنت أمير المُؤمِنين؟ ما الذي غيَّر حالك؟ ما الذي جرى لك؟ قال له وماذا تغيَّر من حالي يا شيخ؟ هو كان شيخه وتعلَّم عليه في المدينة، قال له لقد كان إهابك طرياً ووجهك بهياً وعيشك رخياً، فأين ذهب هذا كله؟ ولقد ذهب ومض عينيك، عيناك أُطفئت من شدة البكاء! عمر بن عبد العزيز ورجل آخر من أولياء الله في أمة محمد يقول عنهما ابن الجوزي فقط هذان الاثنان بكيا حتى بكيا الدم من خشية الله، نزل في النهاية دم، شيئ عجيب، كان يبكي بكاءً غريباً الرجل هذا من شدة خشية الله، ليل نهار يبكي من خشية الله، قال له يا أبا حازم حدَّثتني حديثاً عن رسول الله يرويه صاحبه أبو هُريرة عن كذا وكذا فأذكرنيه بارك الله فيك، أذكرني به قال له، أعده علىّ، فإني أُحِب أن أسمعه منك، قال له سمعت أبو هُريرة يقول سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول إن من أمامكم عقبةً كؤوداً مُضرَّسةً لا يُجاوِزها إلا كل مهزولٍ مُخِفٍ، النبي يقول للأمة انتبهي يا أمتي، يا أمة محمد أمام كل واحد منكم عقبة، هل تعرفون العقبة؟ تلة كبيرة هكذا، لا تستطيع أن تمشي، لابد أن تقفزها أو ترتقيها، لكن هذه العقبة عقبة كؤود، صعبة المُرتقى، شاقة المصعد، شاقة المصعد وصعبة المُرتقى العقبة هذه، ليست سهلة! مُضرَّسة، ما معنى مُضرَّسة؟ فيها هلاك، يُمكِن أن تهلك حتى، وأنت تتجاوزها يُمكِن أن تنتهي، صعبة جداً، ليس بسهولة تجاوزها، لا يُجاوِزها – لا يقدر أن يتخطاها ويقفز عنها – إلا كل مهزول مُخِف، لابد أن تكون خفيف الحمل، ليس من اللحم والبدن والكرش، ليس هذا! وإنما من الذنوب، من الحقوق، من التبعات، احذر أن تأتي ومعك أحمال من الأوزار، لن تقدر على حملها، سوف تقع، قال له هذا الذي فعل بي، أفلا يجوز لي – قال له – أن أبكي وأن أُهزِل بدني؟ وجعل يبكي! قال أبو حازم فوالله لقد خشيت على كبده أن يفرى، أي ينفجر كبده من شدة البكاء الذي كان يبكيه، رضيَ الله عنه وأرضاه، ثم إنه قال له أنت بخير، لقد أصبحت بخير، خليفة وإنسان صالح قال له، أبخير؟ أين الخير؟ قال له، ما أحسب! لقد صرت آمر ولا أؤمَر، قال له هذا ليس خيراً، أنا صار لي الأمر، أصد الأمر للناس والناس كلها تسمع كلامي، مُصيبة – قال له – هذه، لقد صرت آمر ولا أؤمَر، وأطاع ولا أُطيع، وأتكلَّم ويُسمَع لكلامي، قال له هذه بلية كبيرة، قال له بلية هذه! فانظروا – ما شاء الله – إليه، والناس تبيع دينها أيها الإخوة والأخوات وأخلاقها حتى ورجولتها لكي تصل إلى هذه البلية، يقول أحدهم أنه يُريد أن يتحكَّم في الناس وأن يكون له سُلطة عليهم، هو يبيع كل شيئ من أجل أن يصل إلى الشيئ هذا، وهذا الرجل الصالح – ابن عبد العزيز – يبكي ويرى أن بليته ومُصيبته هي هذا الشيئ، فرضيَ الله عنهم وأرضاهم يا إخواني، هذه هي!

(ملحوظة) طلب بعض الحضور إكمال موضوع هارون الرشيد وطلب الآخر معرفة بقية قصة الملك، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أنه سيُكمِل موضوع هارون الرشيد أما بالنسبة للملك فقد ذكر الدكتور ما حصل وقال له سآخذك أخذك أقطع منك الوتين وأنهى حياته طبعاً، هارون الرشيد المسكين جعل يبكي، وبعد ذلك عفَّر وجهه بالتراب، الوجه كان – ما شاء الله – جميلاً، معروف أن وجهه كان شديد الليونة، هارون الرشيد وجهه – ما شاء الله – وجلده جميل، مُنعَّم لأنه خليفة عباسي، فعفَّر خده بالتراب، وما آخر كلمة قالها المسكين؟ قال مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ۩ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ۩، آخر شيئ قاله! ضاع المال وضاعت الخلافة والخراج وما إلى ذلك، كل هذا ضاع، لن ينفع! قال مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ۩ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ۩، لا يُوجَد سُلطان، لن تُوجَد لا شرطة ولا حرّاس ولا مُخابَرات ولا دولة ولا أي شيئ، لن يُوجَد كل هذا، سوف تدخل وحدك، الله أكبر!

حدَّثتكم مرة في خُطبة بشيئ غريب عن أحد الأولياء في بلدة عربية، ولي حسبما حدَّثني أحد تَلاميذه، تَلميذ مُباشِر قال لي أنا أعرفه من سنوات، رجل صالح وعنده مُكاشَفات، من أهل الله – قال لي – ومُجرَّب ما شاء الله عليه، وهو رجل زاهد ومُتقلِّل من الدنيا ويعيش في حاله كما يُقال، لا يُحِب حتى أن يعرف الناس أنه شيخ وولي، يعيش وحده وعنده بعض التَلاميذ، ما شاء الله عليه! إن شاء الله يكون من الصالحين، هكذا أحسبه والله حسيبه، قائد هذه الدولة مات، قال فاستخار الشيخ ربه فيه، طلب من الله أن يُريه مصير هذا الحاكم، قال فرآه بعد شهرين، كيف رآه؟ وهو لا يزال يهوي، شيئ رهيب، لا إله إلا الله! بعد شهرين قال، رأيته – قال الشيخ – وهو لا يزال يهوي، أين يهوي؟ في جهنم، النبي – عليه السلام – مرة كان جالساً مع أصحابه وسُمِعَت هدة، بووم! الصحابة سمعوها، هدة كبيرة، شيئ مُخيف، ما هذا؟ انظروا إلى الصحابة، كانوا مُكاشَفين، انتبهوا! الصحابة أولياء كبار، هم أكبر أولياء هذه الأمة، أكبر أولياء هذه الأمة بعد النبي الصحابة، وهم كانوا جالسين ويسمعون شيئاً في الغيب لكن في حضرة الرسول، طبعاً هذا من كرامة رسول الله، سمعوا شيئاً من الغيب، هذا الشيئ ليس في الدنيا هنا، فقالوا ما هذا يا رسول الله؟ قال لهم هذا الحجر أُلقيَ في جهنم مُنذ سبعين سنة لم يبلغ قعرها إلا الآن، ولذا سمع الصحابة صوت هدة، من سبعين سنة يهوي! فهذا الحاكم لا يزال يهوي، عافاه الله، إذا مات مُسلِماً نسأل الله له المغفرة وأن يُخفِّف عنه، المسكين لا يزال أمامه مشوار طويل، هو رآه بعد شهرين، ما وزن الشهرين؟ لا يزال هناك المزيد، إذا الحكاية استمرت إلى سبعين سنة فهذا يعني أنه هلك، في جهنم! شيئ رهيب، شيئ مُخيف، وهذا حق، هذا ليس باطلاً، هذه حقائق كلها!

۞ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۞

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ۩، الله هو الرزّاق، وهم الناس كله تقريباً من الرزق، أليس كذلك؟ خوف الناس وهم الناس وحُزن الناس وقلق الناس وتمزق الناس النفسي من هم الرزق، يقول الواحد منهم ليس معي رزقي ورزق أولادي ورزق أحفادي وما إلى ذلك، ما هذا الكلام الفارغ؟ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ۩، يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ۩، لا إله إلا هو، فتوكَّل عليه يكفك، توكَّل عليه يكفك ويُحسِبك تبارك وتعالى.

قد يقول لي أحدكم كيف هذا يا أخي؟ ما كلام الدروشة هذا؟ لا! هذا ليس كلام دروشة، هذا يعني أنك لا تعرف الحقائق، لو كنت من أهل الحقائق وأهل التنوير وأهل التعرف والتعريف – إن شاء الله تبارك وتعالى – والله تعلم أن الله – تبارك وتعالى – يستطيع بالقليل القليل القليل أن يصون وجهك وأن يكفيك أنت وأهلك وذُرياتك بإذن الله تبارك وتعالى، بالقليل! القليل الذي لا يكفي أن يكون مُجرَّد لُقم للآخرين المُسرِفين، أنت تعيش به مُعزَّزاً مُكرَّماً، كيف؟ يُوجَد شيئ اسمه سر البركة، تضع يدك فيزيد مالك، تُنفِق ولا ينتهي المال، تُخرِج مائة يورو لتُنفِق منها وتبقى موجودة، تُنفِق وتذهب وتجيء ويظل المال موجوداً، آية من آيات الله، لكن الأحسن إذا حدث معك شيئ مثل هذا ألا تتكلَّم به، اجعلك بينك وبين ربك بإذن الله تعالى، بركة! أُقسِم بالله بركة، بركة حقيقية! انظر إلى هذا الكوب، أحياناً تشرب منه ويرجع يمتلئ بإذن الله تعالى، أنا أعرف شاباً – أعرفه تماماً، جيداً – هكذا كان يحصل معه، كان رجلاً صوّاماً، يسرد الصوم، يصوم كل يوم ما شاء الله، ويبتعد عن المعاصي، وهو فقير مسكين وأهله فقراء، هم فلسطينيون، ماذا يفعل؟ يأتي كل يوم عند الإفطار ويُحِب أن يُفطِر إخوانه معه، سُبحان الله! هو فقير ليس عنده شيئ، لكن دائماً ما يُحِب هذا، والله يُيسِّر له أُناساً – لأنه يُحِب هذا كثيراً جداً ويفعله دائماً – يفطرون معه، فسُبحان الله إذا كان وحده يشرب وينتظر هكذا أو يمضي ثم يعود فيرى الكوب حتى الثُمالة ملآن! يشرب العصير والكوب ملآن، والله العظيم! هذه حقيقة أعرفها شخصياً عن هذا الشخص، وأنا أُؤمِن بهذا الشيئ، أُؤمِن به! وتُوجَد أشياء أعجب من هذا بكثير!

النبي – عليه السلام – جاءته مرة امرأة أرملة، قالت له يا رسول الله أنا أم عيال – أقوم على عيال – وليس عندي شيئ وكاسبنا توفاه الله، فابحث لنا عن شيئ يا رسول الله، فأعطاها النبي قِربة فيها سمن، يبدو قرأ عليها طبعاً والبركة حلت عليها، قال لها خُذيها، فجعلت المرأة تأخذ من السمن وتُعطي أولادها وما إلى ذلك لشهر وشهرين وثلاثة – فترة طويلة – ولا ينتهي السمن، المفروض أن ينتهي في أسبوع، لكنه موجود باستمرار، فقالت في النهاية هذا غريب، شعرت أن هناك شيئاً غير طبيعي، ألا ينتهي السمن هذا؟ فأخذته لكي ترى بقيته، كم البقية؟ فنفذ! جاءت إلى النبي فقال لها بمعنى الكلام نظرتِ فيها، أحببتِ أن تعرفي؟ فقالت نعم، فقال لها هذا غلط! 

في مرة من المرات قال لأبي طلحة – تعرفون أبا طلحة الصحابي الجليل الفارس – وقد ذبح أبو طلحة شاةً وطبخها في القدر ناولني الذراع يا أبا طلحة، فهنس نهسة – يُقال نهس ونهش، والنبي كان أحب شيئ إليه من الشاة ذراعها، يُحِب الذراع، فنهس نهسة – ووضعها، ثم قال ناولني الذراع فنهس نهسة ووضعها، قال ناولني الذراع ثم قال ناولني الذراع ثم قال ناولني الذراع، فقال له يا رسول الله وكم لها من ذراع؟ قال له يرحمك الله يا أبا طلحة لو ناولتني لناولتني ذراعاً بعد ذراع إلى ما شاء الله، كنت أُريد أن أُريك آية، لكن أنت أفسدت الأمر، النبي أراد أن يُريه آية، شيئ غريب، انتبه! هذا الشيئ يحصل مع أولياء الله، لا تقل أولياء الله والشيوخ الكبار الذين عندهم لحى وعمائم وعندهم كذا وكذا، لا! أولياء الله هم أهل الله، أنت يُمكِن أن تكون من أولياء الله، لا تحتقر أي واحد من عباد الله، دائماً ما أتفرَّس في الناس وأنظر، أقول هذا المسكين الفقير الجاهل الذي لا يعرف كيف يتكلَّم كلمتين يُمكِن أن يكون ولياً كبيراً وعنده سر، نحن لا نعرف! أليس كذلك؟ مُمكِن جداً، انتبه! أنت لا تعرف، وحين تراه تجد أنه إنسان عادي، مستور وحليق وما إلى ذلك، وقد يكون صاحب سر وعنده علاقة خاصة بالله ويكون عنده دعوة مُستجابة ولا أحد يعرفها، لكن هو يستر نفسه، أنت ترى أنه إنسان مسكين وجاهل وفقير، فلا تحتقر أحداً من عباد الله، فقد يكون ولياً لله وأنت لا تدري، أليس كذلك؟ لا تحتقر أي أحد، الولاية لا تتعلَّق بموضوع بالمظهر وما إلى ذلك، الولاية في القلب، نظافة داخلية، نظافة القلب، اتصال القلب بالله، الاستعفاف عن ما حرَّم الله تبارك وتعالى، فاللهم اجعلنا من أوليائك المُقرَّبين وعبادك الصالحين.

قال قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۩، واضحة، وأيضاً التي بعدها واضحة: وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۩.

۞ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۞ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ۞

قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۩ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۩، الضمير في مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ ۩ يقصد به ماذا؟ العذاب العظيم، فَقَدْ رَحِمَهُ ۩، أي الله، وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ۩.

۞ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۞

وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، انظر إلى هذه الآيات، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩، انظر إلى هذه الآية وإلى الآية الأُخرى من سورة فاطر، آيات غريبة هذه، الله يقول لك أنا النافع وأنا الضار، كل شيئ بيدي، والمفاتيح كلها بيدي، فاجعل يقينك كله في، ليس في أحد من خلق الله، وهذا أيضاً من صفات الأولياء ومن صفات المُؤمِنين الصادقين، وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩.

۞ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ۞

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۩، الكل في قبضته، الكل تحت حُكمه، الكل في قهره سُبحانه وتعالى، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ۩.

۞ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ۞

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۩، ما معنى قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۩؟ مَن هو الذي يستطيع أن يشهد أعظم شهادة؟ الله تبارك وتعالى، أصدق شهادة وأقوم شهادة وأعظم شهادة وأنفذ شهادة شهادة الله، فقال الجواب قُلِ اللَّهِ ۩، مَن أكبر شهادة؟ الله عز وجل، اللَّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۩ فيما كنا فيه مختلفين، الله يشهد لمحمد – عليه السلام – بصدق ما بُعِثَ به وأُرسِلَ به، ويشهد عليهم أنهم كفروا وكذَّبوا والعياذ بالله، واستحقوا العذاب! فالله أعظم شهيد، ولذلك يوم القيامة لا يُوجَد مناص، انتهى! لأن الله هو الشهيد، هم يُحاوِلون طبعاً كما سبق أن يكذبوا وأن يُدلِّسوا – مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ۩، وسيأتي هذا بعد قليل – لكن هذا لن ينفع، لأن هناك شهيداً لا تُرَد شهادته، مَن هو؟ الله، القاهر هو العباد جميعاً.

وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۩، هذه لها معنيان، أي الآية، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ ۩ واضحة، وَمَن بَلَغَ ۩، طبعاً هذه مَن اسمية، هل هذا واضح؟ الموصولة أو الموصولية، هذه مَن الاسمية ولها محلان من الإعراب، يُمكِن أن تكون في محل ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مفعول به،  فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم يُمكِن أن تكون في محل مفعول به ويُمكِن أن تكون في محل فاعل، أي لأُنذِركم به وأُنذِر مَن  بلغه هذا القرآن أيضاً، فكل مَن بلغه القرآن فقد أُنذِر به، أو لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۩ بمعنى مَن بلغه القرآن مِن المُؤمِنين أيضاً يُنذِر به كما أنذرت به أنا، وهذا واجبه! قال الربيع بن أنس رضوان الله تعالى عليه – وهو من خيرة المُفسِّرين ورأيه مُعتبَر جداً في التفسير بالذات، إذا قرأتم رأياً للربيع بن أنس احترموا هذا الرأي خاصة إذا كان بإسناد صحيح – على كل مَن بلغه القرآن أن يدعو به كما دعا به محمد وأن يُنذِر به كما أنذر به محمد، إذن هو جعلها هنا ماذا؟ فاعلاً، أليس كذلك؟ إذن يُمكِن أن تكون مفعولاً ويُمكِن أن تكون فاعلاً، وهذا من إعجاز القرآن، كلمة واحدة تتوجَّه توجيهين وكلا التوجيهان صحيحان، والتوجيهان مُرادان، هذا العجيب! الله يُريد المعنى هذا ويُريد المعنى هذا أيضاً، وهذا صحيح، نحن الآن ألم نُنذَر بهذا القرآن؟ طبعاً ما حصل النذير أو النذارة لنا إلا بالقرآن، ألا نُنذِر غيرنا بالقرآن؟ نعم، وهذا حاصل، فهذا صحيح وهذا صحيح، وهذا من عجائب التركيب القرآني. 

أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ۩، الآية واضحة.

۞ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ۞

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ۩، مَن هم؟ الذين أسلموا من أحبار اليهود، يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۩، الضمير هنا يعود على مَن؟ قال الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ ۩، الضمير إما يعود على الكتاب كما هو ظاهر هنا وإما يعود على رسول الله كما وردت به الأخبار والآثار، أي على الرسول! وهذا صحيح وهذا صحيح أيضاً، يعرفون أن محمداً كان رسولاً حقاً وصدقاً من عند الله وأن هذا القرآن الذي أُرسِل به أيضاً كلام الله، فهو حقٌ من حقٍ، أليس كذلك؟ 

سُئل مرة عبد الله بن سلّام عن هذا، سيدنا عمر قال له يا عبد الله هل حقاً تعرف محمداً كما تعرف ولدك؟ قال نعم يا أمير المُؤمِنين بل وأكثر، قال له أنا مُتأكِّد أن هذا رسول الله أكثر مما أعرف أن هذا ابني ابني، قال له كيف؟ ويحك! كيف هذا؟ قال له نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض فصدَّقنا بذلك، قال له جبريل جاء، وهذا أمين الأرض، أي محمد، ثم إن هناك علائم لرسول الله مذكورة في التوراة، هذا معروف! انطبقت كلها على رسول الله، كل العلائم مُنطبِقة! قال له وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه، انظروا إلى مقدار الوعي الذي عنده، كم هو رجل حكيم! قال أنا أعرف أنه ابني وأُؤمِن بذلك لكن يُوجَد احتمال أيضاً لأن تكون أمه – أي زوجتي البعيدة – غلطت وأخطأت ثم نسبت إلىّ ولداً ليس من صُلبي، أليس كذلك؟ وهناك قصص مثل هذه كثيرة! تغلط المرأة – والعياذ بالله – وتُلحِق بزوجها ولداً يكون ليس من صُلبه، وهذه ملعونة! يلعنها الله وملائكته أجمعون، ولا نقل لها قولي واعترفي وما إلى ذلك، إذا الله ستر عليها تسكت، لكن لتعرف أن هذا الفعل يستوجب لعنة الله والملائكة أجمعين والعياذ بالله، كيف لامرأة مُحصَنة تذهب وتزني ثم تحبل من الزنا؟ المفروض كانت تتخلَّص وهذا التخلّص مُختلَف في حُكمه، العلماء قالوا مَن هو مِن الزنا بالذات ممنوع التخلّص منه، حتى لا تكون جريمة، أي أن هذه مسألة خطيرة، في حيص بيص تقع، وبعد ذلك تسكت وتنسب إلى الرجل البريء المسكين العفيف ولداً ليس من صُلبه، أليس كذلك؟ غير مُتخلِّق من دمه، ويعيش مع مَن يظن أنهن أخواته وهن لسن بأخوات له أيضاً، كارثة! فالنبي قال هذه ملعونة، يلعنها الله والملائكة أجمعون والعياذ بالله تبارك وتعالى، هذه الأخطاء ليست سهلة، للأسف الآن الإعلام ح الميديا Media – والتلفزيون Television والفيديو Video والإنترنت Internet وكل هذا الكلام الفارغ إلا الجُزء الصالح فيه يُعين على تفسخ الأخلاق وعلى تحلل الذمم وعلى رقة الدين وعلى أن يركب الناس من المعاصي كل ما هب ودب والعياذ بالله، فنسأل الله العصمة لنا ولإخواننا وذُرياتنا.

الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ۩ واضحة، والآية التي بعدها أيضاً واضحة: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ۩.

۞ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ۞

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۩، الذي يفتري على الله الكذب والذي يُكذِّب على الله كلاهما ظالم، قال إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ۩، لكن مَن هو الذي يفتري على الله الكذب؟ الذي يدّعي النبوة والرسالة، الذي يدّعي أنه نبي ورسول، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۩، هؤلاء افتروا على الله الكذب والعياذ بالله، وهم ظلمة كفرة، قال أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۩، لم يدّع النبوة والرسالة، ولكن كذَّب بآيات المُرسَلين، فكلاهما في الظلم سواء والعياذ بالله، كلاهما في الظلم سواء!

۞ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ۞

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ۩، ما معنى شُرَكَاؤُكُمُ ۩؟ الذين أشركتموهم مع الله تبارك وتعالى، وفي الحقيقة – انتبهوا، هذه حقيقة قرآنية مُهِمة – هل هؤلاء شركاء فعلاً مع الله؟ لا، ليسوا شركاء مع الله، هؤلاء ليسوا شركاء مع الله أبداً في أي شيئ، لكن هم دعوهم وسموهم شركاء، وفي الحقيقة لا شرك لهم لا في السماوات ولا في الأرض، ولذلك الله قال ماذا؟ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ۩، واليوم حتى استمعنا في صلاة القيام إلى قوله وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ۩، قال الله هؤلاء لا يتبعون الشركاء، كذب هذا! شركاء ماذا؟ لا يُوجَد شركاء، أنا ليس لي شريك، أليس كذلك؟ يتبعون أشياء هم خلقوها من أوهامهم وسموها شركاء، كلام فارغ!

۞ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ۞

ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ ۩، الله قال لهم تعالوا، أين شركاؤكم؟ أين الأصنام والأنداد؟ أين الذين عبدتموهم من بعدي ومن دوني؟ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ۩، ما معنى لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ ۩؟ لم تكن حُجتهم، ليس لهم حُجة أو ليس لهم جواب إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ۩، كذبوا طبعاً! قال عطاء الخُراساني ثم لم تكن بليتهم حين ابتُلوا، أي مُصيبتهم أنهم قالوا الكلام هذا، هذا غير موجود! ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ۩، وأعتقد سبق تفسير هذه الآية، أليس كذلك؟ قلنا إن رجلاً جاء إلى ابن عباس وحدَّثه عن الاختلاف الذي يعرض له بين آيات الكتاب، أي أن هناك خلافاً، وهذه الآية من ضمن الآيات التي اختلفت على هذا الرجل، لماذا؟ اختلفت مع آيات أُخرى تُنبيء بأنهم لا يقولون إلا صواباً، أليس كذلك؟ وأنهم لا يستطيعون أن يكذبوا ولا كذا وكذا، والآية لا تُقرأ بهذا المعنى، ابن عباس فهَّمه وقال له لا، الحكاية تتعلَّق بمواقف، في موقف مُعيَّن حين يرون أن الله – تبارك وتعالى – يغفر للمُوحِّدين ذنوباً كباراً جساماً وذنوباً صغاراً ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره وأن يتجاوز عنه إلا الشرك يعلمون – حين يرون ذلك يعلمون – أنهم لو أتوا بالإسلام وخلوا من الشرك لغفر الله لهم ربما كل خطيئاتهم، مُمكِن! فيكذبون، يدّعون أنهم كانوا مُوحِّدين وأنهم ما أشركوا، يقولون لعل الكذبة تمر وننجو، قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ۩، قال ابن عباس فحينئذ ماذا يحصل؟ يحصل الختم، يختم الله – تبارك وتعالى – على أفواههم، ويستنطق جلودهم، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩، بما كانوا يكسبون! فتنطق بالحق فيُسقَط في أيديهم، فيعرفون أن انتهى كل شيئ، ضاعت الأيمان الكاذبة.

۞ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۞

انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩، ما هو الذي افتروه وَضَلَّ عَنْهُم ۩؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الشركاء، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الآيات واضحة، هم افتروا الشركاء، في آيات أُخرى وزعموا أن هذه الآلهة وهذه الأنداد وهؤلاء الشركاء شفعاء لهم عند الله، أليس كذلك؟ قال وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۩، أين هم هؤلاء؟ اجعلوهم يشفعوا، لا تُوجَد شفاعة، كلام فارغ! لا أحد يستطيع أن يشفع أبداً إلا بإذن الله، ولا تُوجَد شفاعة إلا للملائكة والنبيين والصالحين فقط من الأمم، لا تُوجَد شفاعة للأصنام والأوثان والآلهة والنماريد والفراعنة، مُستحيل! وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩، أيضاً من ضمن الذي افتروه – انتبهوا! الآية عميقة جداً وعامة – أنهم إن رُجِعوا وإن رُدوا إلى الله فلهم الحُسنى، قالوا سوف ندخل الجنة وسوف نكون قبل المُسلِمين، فقال الله لهم لا، هذا أيضاً مثل  وَغَرَّهُمْ فِي دِينهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۩، افتروا على أنفسهم الكذب وصدَّقوا والعياذ بالله من هذا الشيئ، أيضاً هذا يطوح وينتهي كل شيئ!

۞ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ۞

وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۩، ما معنى يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۩؟ يأتون لكي يستمعوا إليك، لكن هل يُفيدهم هذا الاستماع بشيئ؟ لا، قال وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۩، الوقر هو الثقل، أي صمم! لا يستمعون أن يسمعوا سماعاً ينتفعون به، وقلوبهم لا تعقل ولا تفهم ما يُلقى إليها، هنا قد يقول لي أحدكم لماذا إذن يا أخي؟ إذن الله هو المسؤول عن ظلم هؤلاء وكفرهم! لكننا نقول له لا يا أخي، أستغفر الله العظيم، افهم الآيات، الله ختم على قلوبهم وأصمهم وأعماهم بسبب ذنوبهم وإعراضهم وكبرهم، سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۩، الله لا يصرف أي إنسان يُريد الهداية، يصرف مَن؟ الإنسان الذي ركب رأسه وحرَّكه كبره – والعياذ بالله – وغطرسته وغروره، سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا – يكفرون بالآيات – وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۩، هؤلاء الذين نصرفهم، هؤلاء نختم على قلوبهم ونُعمي أبصارهم ونُصِم أسماعهم والعياذ بالله، هذا هو، هذا عدل!

وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ۩، هذا هو السبب، حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ ۩، الآن المسألة ليست مسألة استماع وإنما مسألة مُجادَلة، مُحاوَلة لإدحاض الحُجة والبيّنات، يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ۩، كلامك هذا يا محمد مُجرَّد أساطير،واليوم فكَّرت في هذه المسألة لأول مرة، قلت سُبحان الله! يبدو أنه لن تُوجَد شُبهة للملاحدة والمُرتابين والمُتردِّدين إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها إلا والقرآن عرَّض بها أو أشار إليها، أليس كذلك؟ ائتني الآن بأي شُبهة فلسفية أو كما يقولون علمية أو اجتماعية أو نفسية أو ميثولوجية في دراسة من هذه الدراسات الفارغة عن الدين وعن الرسول وعن القرآن، وسوف تجد أن القرآن أشار إليها، أليس كذلك؟ كل شُبهة القرآن أشار إليها وهي شُبهة الكافرين دوماً، نفس الشُبهات! القرآن يُلخِّصها، وطبعاً يُوجَد عنها أجوبة وجوابات كثيرة بحمد الله تبارك وتعالى، الآن هناك أُناس يقولون لا، الأديان هذه كلها مُجرَّد نُسخة مُعدَّلة من أساطير أولية، أساطير الميثولوجيا – Mythology – الأولية التي كانت تحكي مرحلة مُعيَّنة من تطور الفكر البشري، وبعد ذلك جاء الأنبياء التوحيديون واستغلوا هذه الأشياء وأخذوها ونقَّحوها وعرضوا الدين على أنه دين التوحيد، وهذا الكلام كله مُجرَّد تجديف بشري، تجديف من العقل البشري، الله قال لهم هذه الحُجة موجودة من قديم، هذا الكلام فارغ، يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ۩، كلام الأقدمين، أفكار الأقدمين، قصص الأقدمين، نفس الحُجة! اليوم أكبر فيلسوف مُلحِد – نفس الشيئ – مثل أحقر كافر مكي، نفس الشيئ! ليس عنده أكثر من هذا، وهذا الكلام غير صحيح.

۞ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ۞

وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۩، قيل يَنْهَوْنَ ۩ عن محمد وقيل عن القرآن، وهذا صحيح وهذا صحيح، فمَن نهى عن رسول الله نهى عن كتابه، ومَن نهى عن كتابه عن نهى عن دينه بالكُلية أصلاً وعنه كرسول، ما معنى يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۩؟ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ۩ أي يصُدون الناس، يصُدون بضم الصاد، يقولون اتركوه، هذا ساحر، هذا مُجدِّف، هذا كذا وكذا، وهكذا! وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۩ أي ويصِدون، بكسر الصاد، أي أنهم يصُدون ويصِدون، ما معنى يصِدون؟ في أنفسهم، هم أنفسهم ضلّال مُعرِضون يصِدون، وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ۩، أي أنهم قالوا نحن لا نُريد هذا، نحن لا نقتنع بهذا الكلام، أسطورة! لكن يصُدون تعني يصُدون غيرهم، فهم يصِدون في أنفسهم ويصُدون غيرهم، فاجتمعت لهم المقبحتان والعياذ بالله، اجتمعت لهم وعليهم المقبحتان: مقبحة الكفر ومقبحة التكفير، أي تكفير الناس أيضاً، صد الناس عن سبيل الله والعياذ بالله، وعكسهم مَن؟ أهل الهداية، يهتدون في ذواتهم ويرجون الهداية لغيرهم من الناس، فما أحسن حالهم! وما أسعدهم بهدايتهم! اللهم اجعلنا منهم.

وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ۩، عاقبة ذلك ووباله عليهم، ليس على الرسول ولا على المُسلِمين، أليس كذلك؟ قال إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ۩.

۞ وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۞

وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ۩، هنا قبل أن يُوبَقوا فيها، قبل أن يُغمَسوا فيها، قبل أن يُقذَفوا فيها وإليها والعياذ بالله، الله – وهذا من باب التخويف، لكي تتقطَّع أنفسهم وقلوبهم حسرات وندماً وخوفاً أيضاً – يُوقِفهم على نار جهنم، طبعاً يسمعون حسيسها ويرون لهيبها ويسمعون تضاغي أهلها فيها تضاغي الكلاب والعياذ بالله تبار وتعالى، ويرون فيها من وسائل التعذيب السلاسل والغسلين والأشياء العجيبة والملائكة القوية المهولة المُخيفة التي هي حرس جهنم، فيُوقَفون ويرون كل هذه الأشياء، طبعاً مُباشَرةً يحصل الندم، فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ۩، أين نُرَدُّ ۩؟ إلى الدنيا، أي نرجع إلى الدنيا، نُريد أن يُرجِعنا الله مرة أُخرى، فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۩، يتمنون الرجعة، كل مَن تمنى الرجعة فهو خاسرٌ حسيرٌ والعياذ بالله، فعلى المُؤمِن أن يعمل حتى لا يتمنى الرجعة، اعمل واجتهد في العبادة والبُعد عن المعصية حتى لا تتمنى الرجعة، الرجعة للخاسرين، ولا تُوجَد رجعة طبعاً، وماذا كان جواب الحق عز وجل؟ بَلْ بَدَا لَهُم ۩، ظهر لهم ووضح الآن، كما يُقال بيّن الصبح لذي عينين، برح الخفاء! بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۩، وهذه أيضاً اختُلِف فيها، ونختم بهذه الآية إن شاء الله، ما معنى بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۩؟ ما الذي أخفوه مِن قَبْلُ ۩؟ ما الذي أخفوه؟ من أقوم التفاسير – أنا مُقتنِع بهذا التفسير أكثر من التفسير الثاني – أنهم أخفوا إيمانهم وقناعتهم بالقرآن وبرسول الله، قال وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ – هم يعرفون – ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۩، في الداخل يعرفون الحق، هذه الآية عن مَن؟ في مَن هذه الآية؟ في فرعون وقومه، (ملحوظة) قال أحد الحضور أن الآية عن اليهود، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، هذه في فرعون وقومه، هذه الآية في فرعون وقومه، فرعون كان يعرف الحق، ولذلك في سورة الإسراء موسى قال لفرعون ماذا؟ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ۩، يا أخي ما هذه العجيبة؟ كم أُحِب هذه الآية من وأنا صغير! يا أخي ما هذا التركيب؟ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ۩ فعلاً كلام إلهي يا أخي، عندنا الحق فعلاً في الإيمان به، أنا مُتأكِّد أي إنسان مسعود لو كان أيام الرسول وسمع القرآن لأسلم مُباشَرةً يا أخي، الآن مَن عنده فطرة سليمة يأخذه القرآن عن نفسه، قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ۩، هذا مَن؟ موسى يقول لفرعون، قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ۩، ما المقصود بــ هَٰؤُلَاءِ۩؟ الآيات، وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۩، تسع آيات بينات أعطاهن الله لموسى، ورأى فرعون هذه الآيات وخاف حتى، وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ ۩، أليس كذلك؟ رأيتم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وما إلى ذلك، تعقَّدت حياتهم فأصبحت من أسوأ ما يكون، بالمُناسَبة يُوجَد مبحث علمي أيضاً يُؤكِّد أن هذا حصل في مصر الفرعونية، وأصبحت الدنيا كالدم، شيئ عجيب، العلم أثبت الشيئ هذا، المُهِم قال وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ ۩، ماذا قالوا؟ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ – فرعون نفسه حتى وقومه قالوا هذا – بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ۩، نحن آمنا! الملاعين يعرفون الحق يا أخي –  سُبحان الله – لكن الكبر منعهم، أرأيتم الكبر؟ شيئ خطير! أكبر سبب من أسباب الكفر هو الكبر، إبليس لما كفر كيف كفر؟ هل كفر بالجهل؟ الله خاطبه وما إلى ذلك، فكيف كفر؟ بالكبر، سبب كفر إبليس الكبر وليس الجهل، فأكبر بواعث الكفر – والعياذ بالله – وتنكب طريق الحق والصراط المُستقيم الكبر والعنجهية الفارغة، ففرعون عرف الحق وجنوده عرفوه، قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ أي هؤلاء الآيات التسع –  إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ۩، انظروا إلى كلمة مَثْبُورًا ۩، فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِيعًا ۩، إلى آخر الآيات! إذن فرعون كان يعرف الحق وجحد به هكذا كبراً والعياذ بالله، فطبعاً مئاله إلى جهنم، بعض “هلافيت” الصوفية وأغبياء الصوفية – في الصوفيين أُناس نتبرَّك إلى الله بهم، لكن يُوجَد أغبياء منهم للأسف – عندهم نزعة زندقة، يُشيعون مقالة غبية، مقالة كُفرية! أن فرعون مات مُسلِماً، ويستدلون بأمثال هذه الآيات، يقولون فرعون كان يعرف وعنده يقين وهذا كافٍ، وحتى يا سيدي لما غرق أيضاً قَالَ آمَنتُ ۩، هذا يعني أنه آمن، قَالَ آمَنتُ ۩، لكن هؤلاء أغبياء، سُبحان الله! وأين الآيات التي تقول يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۩؟ أليس كذلك؟ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ۩، كيف تقولون هذا؟ أتضربون القرآن بعض ببعض أنتم لزيغ وزندقة في نفوسكم؟ عندنا فئة – والعياذ بالله – في الإسلام في القرن الثاني الهجري نبغت مُتطرِّفة جداً، وهي فئة الجهمية ومنهم المُرجئة أيضاً، ماذا يقولون؟ يكفي فقط في الإيمان القناعة الداخلية، الإنسان إذا في داخله عرف أن الله موجود وما إلى ذلك فإنه يدخل الجنة حتى لو كابر وجحد وكفر بلسانه، إن شاء الله هو مُؤمِن ومن أهل الجنة، أغبياء هؤلاء! هذا يعني أن هؤلاء من أتباع فرعون، يا قرة عين فرعون بهم إذن! مُمتازون هؤلاء، حتى إبليس تقر عينه، لأن إبليس يعرف كل شيئ، إبليس في اللحظات الحرجة ماذا يقول؟ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۩، لا ينفعه هذا يا أخي! أليس كذلك؟ دائماً ما يقول هذا، هو يقول حتى هذا، يقول إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۩، لن ينفعه هذا، أليس كذلك؟ لأن سلوكه يُؤكِّد العكس، لو كنت تخاف الله لنزعت عن ما أنت فيه، انزع لعنة الله عليك!

سألني أحدهم في رمضان عن إبلبس، وهو أخ فاضل من أحبابنا، قال لي يا أخي هل إبليس الملعون – لعنة الله عليه – ليس عنده أي فرصة؟ يا ويله هذا من الله! قلت له هناك أحاديث ضعيفة يذكرها بعض المُفسِّرين، ذكرها الآلوسي وغيره – الله أعلم – تقول إن إبليس سيُعطيه الله فرصة في آخر أيام الدنيا، يعرف أن لو قامت القيامة سينتهي الأمر، جهنم الآن، انتهى! أول واحد سوف يدخل جهنم هو هذا، ومن ثم سوف يخاف ويرتعد ويضعف، ويظل يستغفر، يقول يا رب الرحمة والمغفرة، يا الله يا واسع كذا وكذا، الله سيقول سأُعطيك فرصة أخيرة، وربنا واسع الرحمة، هذا إن صح الكلام هذا، وقد لا يصح! لكن ماذا سيقول الله له؟ سيقول الله له – والله يعرفه – هذا قبر آدم، اسجد له! أنا قلت لك اسجد له قديماً ولم تسجد، فاسجد الآن، لكنه سيقول له أنا لم أسجد حياً، أأسجد له ميتاً؟ سيقول له لا! فالله يعرفه ولذلك طرده إلى يوم الدين، الله يعرفه ويعرف أن لا فائدة يا أخي، لعنة الله عليه، سيقول له لا، أنا لم أسجد حياً، أأسجد له ميتاً؟ لا، فلعنة الله على إبليس وعلى أتباعه.

على كل حال هناك قصة تتعلَّق بهذه الفرقة الباطلة، أُريد أن أحكي لكم حواراً لطيفاً جداً جداً بين الجهم نفسه وأبي حنيفة قدَّس الله سره، أبو حنيفة – الإمام الأعظم – هو شيخ الإسلام في عصره، كان من أذكياء البشر، من نوابغ المُسلِمين، بل من نوابغ العالمين، رحمة الله عليه، جاءه الجهم هذا وقال له يا أبا حنيفة، يا نُعمان أُريد أن أُجادِلك، قال له أنا لا أُريد، لأن الكلام معك لأن الكلام معك لا يتحصَّل منه شيئ، قال له كيف تحكم علىّ ولم تلقني ولم تُحادِثني؟ قال له اشتُهِر عنك ذلك واستفاض، الناس كلها تقول ذلك! أنت تتحدَّث بكلام من رأسك وأنت لا تفهم شيئاً وتظن أنك فيلسوف، قال له جرِّب يا أبا حنيفة، جرِّب! فقال له نعم، لكن – قال له – أحجك بالقرآن، أتُؤمِن بالقرآن؟ قال له أُؤمِن، قال له إذن أنا أحجك بالقرآن، أتُؤمِن بالسُنة؟ قال له أُؤمِن بالسُنة، قال له أحجك بالسُنة أيضاً، أهذا يكفي أم تُريد العقل أيضاً؟ بالعقل يُضيِّعه أبو حنيفة ويُضيِّع ألف واحد مثله، لما جاء أبو حنيفة مرة إلى الحج رآه الإمام مالك، فقالوا للإمام مالك مَن هذا؟ وقد كان في المدينة في زيارة، فقال لهم هذا النُعمان بن ثابت، فقالوا له مَن النُعمان هذا؟ نسمع عنه وأخذنا عنه فكرة غلط، حسد! قالوا مَن النعمان هذا؟ نسمع عنه كلاماً وعن قياسه وعقله وفلسفته في الإسلام، فقال لهم هذا النُعمان الذي لو ناظركم على ان هذه الأسطوانة الخشبية من ذهب لقلتم إنها من ذهب، الرجل عنده عقل جبار وحُجة قوية، مُستحيل! لا تستطيع أن تقف أمامه، الإمام مالك ناقشه قبل ذلك ولذلك يعرفه، رجل عجيب الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه رحمة واسعة، طبعاً أخبار صلاحه وجوده وكرمه وتقواه وعبادته معروفة، شيئ عجيب! وهذا كله غير أخبار علمه، في العبادة كان من الأولياء الكبار أبو حنيفة رحمة الله عليه، عبد زاهد راهب، كان راهباً في العبادة، المُهِم قال له إذن الكتاب والسُنة حُجة، أليس كذلك؟ فقال له نعم، قال له تفضَّل، فقال له يا أبا حنيفة سؤالي: ما قولك في الإيمان؟ لو آمن بقلبه وسعه ذلك أم لم يسعه؟ قال له لا يسعه وإلى جهنم وبئس المصير، أبو حنيفة قال له هذا، إذا آمن بقلبه ولسانه لم ينطق أو أنكر بلسانه فهو في جهنم، قال له لا، أنا عندي يكفي، الجهنم قال له هذا، قال له الإيمان في القلب كافٍ، انتهى الأمر! الله يعرفه، أنا قلبي أذعن وأقر وعرف الله، قال له كذبت، وهنا كذبت بمعنى أخطأت، قال له كذبت، قال له بم تُكذِبني؟ قال له بكتاب الله، قال له القرآن لم يحك في موضع أنهم عرفوا وإنما دائماً كان يقول آمنوا وقالوا، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا ۩، إذن يَقُولُونَ ۩، يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۩، إذن يَقُولُونَ ۩، قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا ۩، إذن قُولُوا ۩، فتعقَّد الرجل، صح! كأنه في حياته لم يقرأ القرآن، فقال له هذا القرآن، وعندك آيات بالعشرات مثل هذه، قَالُوا… ۩ قُولُوا… ۩ يَقُولُونَ… ۩ قُولُوا… ۩، كلها هكذا! أليس كذلك؟ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۩، حتى محمد! وَقُلْ ۩، احك وأسمع الناس الكلام هذا، ليس بقلبك، وَقُلْ ۩، فقال له صح وسكت، قال له والنبي أحاديثه مُتواتِرة ومُستفيضة، قولوا لا إله إلا الله تُفلِحوا، قل يا عمي لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، قل كذا، قولوا كذا! أتى له بأحاديث فأُسقِط في يده وخرج خزيان، قالوا له ماذا يا جهم؟ قال أذكرني أشياء لم أكن إلا قد نسيتها وسأُعاوِد نفسي، ومن ذلك اليوم لم يظهر في مكان فيه أبو حنيفة، الرجل مُبتدِع جاهل، لكنه عمل فرقة وأُناس اتبعوه وقالوا بكلامه، غير صحيح! لا تكفي المعرفة القلبية، لا تقل لي أنا في قلبي أعرف وهذا يكفي، وبالمُناسَبة هذا في كل الشؤون، بعض الناس – سُبحان الله – يحمله الكبر على عدم بر أبيه مثلاً، هو يُحِب أن يبر والده – أبوه – مثلاً لكن لأنه إنسان مُتكبِّر ومريض – أُسميه السيكوباتي Psychopath – ومُلتاث ومُضطرِب الشخصية يرى أنه لا ينبغي أن يفعل هذا، يقول أنا – مثلاً – دكتور وعندي شهادات وأستاذ في الجامعة وغني والناس تتوسَّل إلىّ فكيف أرجع وأُقبِّل يد أبي أو آخذ رأيه في شيئ أو أسمع كلامه أمام الناس؟ صح هو أبوه ويُحِبه ويُبِره ويُحِب أن يفعل له هذا لكن يمنعه الكبر، هو يُحِب هذا لكن للأسف أبوه لم تقر عينه بهذا البر، فهذا عند الله يُكتَب باراً أو عاقاً؟ عاقاً، هذا عاق والعياذ بالله، وكذلك مَن يكون كذلك مع أمه، يُحِب أن يبرها لكن لا يقدر، يمنعه الكبر، فهذا كله لا ينفع، وقس على هذا في كل شيئ، في كل شيئ! في كل مُعامَلاتك مع البشر، مع الناس، مع أصدقائك! فانتبه ولا تجعل الكبر يمنعك أن تقول بالحق وأن تقوم بالحق وأن تفعل الحق، انتبه وإلا تكون من هؤلاء المُتفرعِنين المُتكبِّرين، نعوذ بالله من كل كبرٍ وغطرسةٍ وعُجبٍ وغرورٍ، أكذبهم الله، قال وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩، لا رجعة لهم، والله يقول هم كذبوا، حتى لو أعدتهم إلى الدنيا سيعودون في حافرتهم، سيعودون كافرين من جديد، وهذه الآية آية من آيات كثيرة استدل بها المُسلِمون على أن الله لا يعلم فقط ما كان وما هو كائن وما سيكون بل يعلم ما لن يكون لو كان كيف كان سيكون، أليس كذلك؟ الرجعة إلى الدنيا مُستحيلة، هذا مُستحيل، لا يُمكِن! لن يعود أحد إلى الدنيا، انتهى! لا مُسلِم ولا كافر، أليس كذلك؟ فهذا إذن مُستحيل ولن يكون، لكن هذا الذي لن يكون الله يعلم لو كان كيف كان سيكون، لقوله وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩، وصدق الله العظيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: