إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.

ثم أما بعد/

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/

يقول الله جل مجده في كتابه العزيز، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ * خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ * وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ * إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ *

سُبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.

إخوتي وأخواتي/

الطريق إلى الله تبارك وتعالى، على أنها في شرعه، أمره ونهيه، شديدة اللحوب والوضوح، إلا أنها عند سلوكها شديدة الاشتباه والالتباس! وما ذلكم إلا لما يتعاور السالك ويجتمع عليه من أعدائه، من الشياطين؛ شياطين الإنس والجن، ومن حُب الدنيا، ومُتابعتها الأهواء، والجهل الغليظ الحاجب عن مُطالعة الحقائق والخُضعان لها وفق ما يتقاضاه السير الصحيح والنية الخالصة والقصد الحسن، في العبادة والعمل، في الأخذ والترك، إلى العدو الذي هو الأدنى والأكبر والأخطر، عنيت النفس – والعياذ بالله تبارك وتعالى -. وفي هذا قال العارفون – عرفني الله وإياكم به – قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ *؛ النفس. 

أول عدو وأقرب عدو وأدنى عدو للإنسان، هو نفسه التي بين جنبيه. إن أطاعها بمُقتضى أهوائها ورغائبها، جرته – والعياذ بالله – إلى المهالك والمخازي والخسائس والمرادي، دون أن تُبالي! ومن هنا وجب جهادها أشد المُجاهدة، حتى تطمئن على صراط الله المُستقيم، فتصير نفسا مُطمئنة، تُحالف القلب، مؤيدة بصائره، إذ القلب هو موضع البصيرة! الذي يرى الحق ويُميز بين الحق والباطل، ليست النفس، إنما القلب، بعين جوانية ربانية اسمها البصيرة، على أن القلب هو الآخر المسكين لا تسلم له صحته ولا تسلم له بصيرته في كل أحواله، فقد تعمى هذه العين – والعياذ بالله -، وحينئذ يتم عمى الإنسان، عمى البصيرة إلى عمى الأبصار، فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ *، وواضح أن العمى المنفي والمُثبت هنا، إنما هو العمى المعنوي الروحاني، وإلا فالأبصار تعمى، كيف لا تعمى؟ نحن لا نعرف عموما معرفة حسية من العمى إلا عمى الأبصار. الله ينفى هذا العمى، يقول لَا تَعْمَى *. إذن هو يُريد ضربا خاصا من ضروب العمى! العمى المعنوي، العمى الروحاني، العمى الجواني، الذي هو ضد البصر، الذي تُبصر به الموائز والفروق بين الحق والباطل، بين النور والظلام، بين السعادة والشقاوة، بين طريق الدنيا وطريق الآخرة، بين مراضي الرحمن ومراضي الشيطان – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

ولذلك هي أربعة أعداء، وهي التي عناها مالك بن دينار – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، فيما يُنسب إليه، من قوله:

إني بُليت بأربع، ما سُطلوا علي………..إلا لطول شقاوتي وعنائي.

إبليس والدنيا ونفسي والهوى………كيف الخلاص وكلهم أعدائي؟

ونوّع عليه آخر، فألطف وأحسن ما شاء، فقال:

إني بُليت بأربع يرمينني………………بالنبل عن قوس لها توتير.

إبليس والدنيا ونفسي والهوى……يا ربي أنت على الخلاص قدير. 

اللهم خلّصنا حتى نتخلص. يا ربي أنت على الخلاص قدير.

ويُقال إن مالكا – أعني ابن دينار، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ما قال هذه الأبيات إلا بعد حادث وقع له. إذ كان يمشي ذات مرة، وهو الراهب الزاهد العابد المُتبتل الصادق الجاد، في السوق، فاندلعت نفسه واشتهت التين، إذ رأى بائع تين في السوق، فأقبل عليه، وليس معه لا دينار ولا درهم. خلع له حذاءه أو نعليه، وقال تُعطيني تينا بهذين؟ والبائع لا يعرف مَن هو هذا الرجل العجيب الفقير، شديد الفقر! قال له لا، لا تُساويان شيئا. النعلان لا تُساويان حتى حبة تين! أخذ نعليه، وانطلق إلى بيته. 

فأقبل بعض الناس، قالوا يا رجل، أما تعرف هذا الرجل؟ قال مَن؟ قالوا ابن دينار؛ مالك بن دينار. قال يا ويلي! يا ويلي! ثم دعا بعبده، وملأ له طبقا بالتين، وقال له إن قبله منك، فأنت حر لوجه الله. ليس بالتين، ضحى بالعبد، وربما يكون ثمنه ألف دينا أو أكثر. إن قبله منك، فأنت حر لوجه الله. لماذا؟ هل هذا تودد إلى مالك بن دينار؟ رجاء دعوته، رجاء أن يدعو له دعوة بظهر الغيب، فربما أسعدته في الدنيا والآخرة، دعاوى الصالحين شيء كبير! 

قال له إن قبله منك، فأنت حر لوجه الله. فهُرع العبد، واشتد في أثر مالك بن دينار، فإذا هو قد وصل بيته – رضيَ الله عنه وأرضاه -، قال له يا سيدي، طبق التين هذا، اقبله مني. قال لا، لا آكل التين بالدين. قال يا سيدي، إن قبلته مني، أعتقتني. قال في عتاقتك عبوديتي. لا آكل التين، إلى يوم الدين. منع نفسه منه، مُجاهدة، مُجاهدة قوية. النفس تحتاج إلى مُجاهدة وتأديب، لا أن تُعطيها كل ما اندلعت إليه، وكل ما انبعثت فيه، وكل ما رغبت فيه. 

أربعة أعداء – والعياذ بالله -! قال شيخ الإسلام الإمام الفقيه الأصولي الحافظ النظار القاضي أبو بكر بن العربي، وهو ليس الصوفي المشهور – رضيَ الله عن الجميع -، في كتابه سراج المُريدين، وهو عجب من العجب، هذا الكتاب! على كل حال، وهذا الرجل – شهادة لله – مِمَن أوتوا إلى العلم، لا أقول فصاحة وبيانا، لذة البيان، جمال الفصاحة. عذوبة العلم حين يُكتب، يُكتب بأقلام مثل قلم أبي حامد الغزّالي، وأبي بكر بن العربي، شيء عجيب! على كل حال، في سراج المُريدين، يذكر ابن العربي المالكي، للنفس ثلاثة أعوان؛ إبليس، والدنيا، والهوى – والعياذ بالله -. وأشدهم في الشر وأوغلهم؛ النفس. إذا أنها المُحب والمحبوب. هي التي تُحب الهوى، تُحب المعصية، تُحب التفلت، تُحب الترفه. هي المُحب، وهي المحبوب! النفس تُحب نفسها، تُحب راحتها، تُحب كبرياءها، عُجبها، غرورها، جهلها، كذبها، رياءها، نفاقها. شيء خطير – والعياذ بالله -! فكيف إذا انضم إلى ذلك، الهوى – والعياذ بالله – والدنيا؛ الدنيا بجمالها وزخارفها وزيناتها وإغراءاتها، الدنيا! كيف إذا أتى إبليس – لعنة الله تعالى عليه – الذي أضل أبانا؟ على أن أبانا في رأي الجماهير كان نبيا من الأنبياء، أضله! أضله وأزله وأغواه! وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى *، فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ *. 

أزله وأضله وأغواه، وهو نبي! فهذا عدو لا يُستهان به البتة أبدا، البتة أبدا أبدا! حتى نلقى الله تبارك وتعالى ونتخلص ونُوقن بالنجاة، وإلا ما دامت نفوسنا في أبداننا، لا خلاص منه، إلا بالمُجاهدة الدائمة والمُراقبة اليقظة، أن نكون حرّاسا على تخوم أنفسنا وبوابات قلوبنا، في ليلنا ونهارنا، من غير غفلة تتخلل، وإلا قد يضيع المرء في سويعة، في لحظة – والعياذ بالله -، وحبائله – أيها الإخوة – ممدودة، في الليل والنهار، في السر والعلانية، ومُتلونة، مسحورة، حبائل مسحورة! يأتيك من كل جهة، من كل وجهة، وبكل بلون، وبكل ضرب، مما عرفت ومما لا تعرف! يستغويك، لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ  *، ويستدنيك – والعياذ بالله -، ويلم بك، إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة. إن للشيطان لمة! وسنأتي على هذا الحديث عند الترمذي، إن للشيطان لمة، وللملك لمة، أي بابن آدم. 

هذا هو الشيطان – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، فيحتاج إلى يقظة دائمة، وهو لا يمل ولا يكل ولا يسأم، وغايته ووكده أن تُشاركه النار، أن تكون نديمه في نار جهنم، لا يرضى بأقل من ذلك. وليس عنده حد يقف إليه، لا نكاح المحارم، ولا قتل الأبرياء، ولا تعذيب الأطفال، ولا حرق الدنيا وتسعيرها بحروب ملعونة، ولا حتى الحمل على الشرك بالله تبارك وتعالى والكفر به وجحده وإنكاره! لعنة الله تعالى عليه. فإذا فعلت ذلك، تناءى منك، وتباعد عنك، وتبرأ منك، وقال إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *. لم أغصبك، لم ألززك، لم أضطرك. وسوست، وزينت، وسولت. وأنت استجبت، أيها الأحمق! إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ *.

كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *، ذكر السادة المُفسرون، بدءا من شيخ المُفسرين أبي جعفر بن جرير – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، القصة المشهورة في تأويل هذه الآية الجليلة من سورة الحشر، في أُخريات الحشر! فقد اختلف السادة المُفسرون – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم – هل هذا الإنسان المذكور، الذي كفر بتسويل الشيطان وإغوائه، فرد واحد، رجل مُعين، أم قبيل من الناس – واللُغة تحتمل -؟ بالأول قال جماعة، وهو المروي عن علي بن أبي طالب وعن عبد الله بن عباس وعن عبد الله بن مسعود وعن طاووس اليماني برواية ابنه – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، فليس صحيحا ما ظنه بعض المُعاصرين أن أول مَن ذكر هذا القرطبي، لا! القرطبي ذكر هذا مُسميا هذا الراهب؛ برصيصا، لكن أول مَن ذكره الطبري، وسُبق إلى ذلك. فقد روى أبو جعفر هذه الروايات الأربعة، عمَن ذكرت، عن أربعة مَن ذكرت – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -.

ولا أُريد أن أسوق كل رواية؛ لأن بينهما تخالفا يسيرا. على كل حال، لكن شيء أشبه بالقدر المُشترك! أن هناك عابدا من بني إسرائيل، في بعض هذه الروايات؛ لأنه دُعي أو وُصف بالقسيس، ما يشهد أنه من المسيحيين، وفي بعضها لم يُذكر، الله أعلم! على كل حال، أن عابدا راهبا، كان كثير العلم، في حديث أو في أثر ابن عباس كان يُسأل عن مسائل العلم من كل ناحية. يأتيه السؤّال أو السائلون من كل ناحية، يستفتونه، في الفقه، في العلم. إذن كان له نفوذ في العلم! كما أنه كان عابدا تقيا، مُنقطعا إلى طاعة الله تبارك وتعالى. في كل روايات الطبري لم يُسم. بعد ذلك سُميَ برصيصا. وطبعا واضح أن هذا لم يثبت في أي خبر يُرفع إلى رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله -، وإنما هو من الموقوف على الصحابة، وواضح أنه من أخبار بني إسرائيل، ولا بأس! مثل هذه الإسرائيليات المُلتئمة بأصول ديننا، لا بأس من قبولها، ففي البُخاري وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فإنه كان فيهم العجائب! في البُخاري! وإنما يُنذر ويُحذر من نقل واقتصاص قصصهم وحكاياهم، إذا كانت مُناكدة مُخالفة لما في ديننا الحنيف وشرعنا السامي الكريم.

على كل، فهذا العابد؛ برصيصا كما قلت، كان هذا بعض شأنه. وكان ثمة فتاة، عند ابن عباس أوتيت من الحُسن، ما لم يؤت غيرها، أي من مجايليها ربما ومُعاصريها، حسناء، شديدة الحُسن! وكان لها ثلاثة إخوة عند ابن عباس، وعند الآخرين أربعة إخوة. الآن في رواية أنها كانت ترعى الغنم، وفي رواية أُخرى هذا غير مذكور. على كل حال، في رواية ابن عباس أن إخوتها أرادوا أن يُسافروا، فتفكروا وتحيروا، عند مَن يستأمنونها؟ يضعونها، ولا يُخلفونها ضائعة! عند الإمام علي – كرم الله وجهه، وعليه السلام – أن الشيطان أجنها. أي أصابها بجنونها، أي جننها كما نقول! أجنها. روايات مُختلفة، لكن هناك قدر مُشترك على كل حال، عمود القصة، سواء أرادوا أن يُسافروا، أم أنها كانت راعية، فوقع عليها، في أسفل صومعته، أم أنه أجنها، فأتوا بها إلى هذا الراهب؛ برصيصا، لكي يُداويها. 

فداواها، حتى نقهت، وعالجها الله. الشيطان اللعين هو الذي أجنها، وهو الذي أوحى إليهم، ألهمهم، وسوس إليهم، أن ائتوا بها هذا الراهب المُبارك! لماذا؟ أراد أن يُضله. وقد مكث دهرا يُريد إضلاله، فأعياه الراهب. ينجح، في كل مُحاولة ينجح، ينجح، ينجح! لذلك لا أمان للشيطان. نسأل الله تبارك وتعالى أن يختم لنا بأسعد الخواتم. الحي يا أحبتي لا تؤمن عليه الفتنة. نحن الآن في زمن هذا، الفتنة! وزمن السماوات المفتوحة، والله نرى على الفضائيات وفي اليوتيوب YouTube، نرى مَن كانوا يتكلمون بلسان الشرع، والآن هم تقريبا أنصاف ملاحدة أو ملاحدة خُلص – والعياذ بالله -، شيء مُخيف! أي أنت قبل سنوات كنت تدعو إلى الله، وتُحبب في الإسلام وفي الدين وفي الرسول وفي الكتاب، وأنت الآن تصد عن سبيل الله، وتُشكك الناس حتى في النبوة وفي الإلهية – والعياذ بالله -، شيء مُخيف مُرعب! وأحدهم مُستروح، مُستروح تماما لنفسه! يتكلم من سخط الله، في سخط الله، بمدد إبليسي! يتكلم من سخط الله، في سخط الله، بمدد إبليسي يتوالى عليه! نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. اللهم ثبتنا يا رب، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك. 

الموضوع خطير وحساس! والشيطان لا ينام. سُئل الحسن البِصري يا تقي الدين، يا أبا سعيد، هل ينام إبليس؟ قال لو نام، لاستراح الناس. كنا استرحنا، استرحنا! لكن في الحقيقة هذا الجواب أيضا عليه تنقيد. لا، حتى لو نام، لو عُدمت الأبالسة والشياطين، لن نستريح! لماذا؟ النفوس التي بين جنوبنا. وهذه النفوس ماذا نفعل بها؟ هذه حتى نستريح منها، وتخضع لبصيرة القلب، تحتاج إلى جهاد قد يمتد إلى عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين سنة! وقد يُتوفى أحدنا، ولما تستقم له، ولما تلن وتسلس مقادتها بين يديه! شيء خطير! ولذلك وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ *. قال له حتى تلقاني، حتى تموت. ويُخاطب مَن؟ خيرة الخلق وحبيب الحق – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله -. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ *.

والشيطان لا يتركك حتى تخرج روحك أو نفسك من بدنك. إلى هذه اللحظة لا يتركك – لعنة الله تعالى عليه -، إلى آخر لحظة، وأنت تُغرغر، لا يتركك! يقول لك مت يهوديا، تغنم. يأتيك في شكل أمك، وتقول لك يا بُني، أنا مت قبلك، وصرت إلى دار الحق، وعرفت الحق، وانكشف لي كل شيء، مت يهوديا، تغنم. فأنت ربما تصدها – إن شاء الله -. يأتيك عن يسارك؛ مت مسيحيا – أبوك، في شكل أبيك -، تظفر، تنج. إلى آخر لحظة، يُريد أن يُضلك، شيء مُخيف! أن تترك التوحيد!

بحمد الله تبارك وتعالى، والله والله والله الذي لا إله إلا هو، نحن حقيقون أن ترتفع هامنا إلى السماك الأعلى، نحن الأمة الوحيدة على وجه المعمور التي وحدت ولا تزال تُوحد الله توحيدا خالصا، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. بمُناسبة حتى كلمة التوحيد هذه، هذه كلمة عظيمة، هذه الوجود كله يقوم بها. ولذلك في البُخاري ومُسلم وعند الإمام مالك في الموطأ والترمذي والنسائي، عند كثيرين، من حديث أبي هُريرة – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال مولانا رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين – مَن قال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مئة مرة، كانت حرزا له إلى أن يُمسي. إذن فُهم من السياق؛ مَن قالها حين يُصبح. كانت حرزا له حتى يُمسي. ومَن قالها حين يُمسي، كانت حرزا له حتى يُصبح. هكذا! حتى يُمسي! ولم يأت أحد بأفضل مما أتى به، إلا رجلا قال أكثر منه. أنت قلت مئة مرة، هو قال مئتين أو ألفا أو ألفين، هو أفضل منك! لكن غير هذا، أنت الأفضل. شيء عجيب! هذه كلمة مُهمة! 

نحن أمة التوحيد، وليس كلاما، لا! انتبهوا، طبعا هنا نتمايز. نسأل الله أن يُلحقنا بالمُقربين، نسأل الله أولا أن يجعلنا من الأبرار، من أصحاب اليمين؛ لأننا حقيقة مخلاطون، مزيالون، مُشتبهون، مُلبَّس علينا، ضائعون، ضائعون! والسعادة عند الله، فاللهم اجذبنا إليك بجذبة سعيدية، تمحق ما بأنفسنا من رغائب وخسائس دنيوية. هذه الجذبة السعيدية قد تُغير كل شيء! فاللهم جذبا جذبا يا رب العالمين. يرفعنا الله إلى مرتبة الأبرار، يسلكنا في نظام الأبرار، ثم بعد ذلك يُرقينا إلى أُفق المُقربين – إن شاء الله تعالى -، هناك الصديقية – أيها الإخوة -، في هذا الأُفق، ليس دون هذا الأُفق، واضح يا إخواني؟ 

على كل حال، إذن الناس يتفاوتون ويتمايزون، منهم مَن حقق التوحيد على وجهه، فلا أقول علم، بل أيقن وعاش وسلك، وفق اعتقاد لا يتزلزل، ولا يتخونه تردد أو ارتياب، أن الفاعل هو الله وحده. ما تحرك مُتحرك، ولا سكن ساكن، ولا حدث أمر، ولا كان كائن، إلا بأمره وعن أمره، لا إله إلا هو! فأسلم له مقادته طوعا، لا أقول كرها، عن رضا وسماح ويقين رسخ في قاع النفس. هذا هو المُوحد حقا، هذا هو المُوحد حقا والذي أقامه الله دليلا وعجبا في العباد من العجب! مَن خالطه ولابسه ورأى حاله وشأنه، وقف على العجب العاجب الذي لا يُقضى منه العجب! فاللهم اجعلنا منهم، بحق لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

على كل حال، نعود إلى برصيصا. المُهم، في هذه الرواية عالجها، ثم إنها كانت لديه، لا يزال يُعالجها! استغواه الشيطان، استزله الشيطان – والعياذ بالله -، فوقع عليها! لما رأى من حُسنها وجمالها الباهر، الذي يخطف الألباب قبل الأبصار! وقع عليها! مُصيبة! فأتاه الشيطان، وسواس الشيطان، شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ *، إيحاء، وحي، هذا وحي! لكن ليس وحيا ربانيا، إنه وحي شيطاني، وحي إبليسي، هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ *، أي تتنزل، بالإضغام! تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ *، الله! هناك تنزّل، تنزّل! من سقف الإبليسية، وليس من سقف الربوبية، من سقف الإبليسية إلى قاع النفس الردية، النفس العمياء الطخياء، عمياء طخياء حمقاء تائهة! بالاندلاع في الشهوات، وعدم مُراقبة نفسها! 

النفس لا تُراقب نفسها، لا تُحاسب نفسها، لا تقمع نفسها! أصبحت مسرحا للتنزلات الإبليسية، أصبحت مجلى له! ما هو المجلى؟ أي المرآة. أصبحت مرآة، مجلى للظُلمات الإبليسية، لا للأنوار الصمدانية. وكان حقها أن تكون مجلى للأنوار العلوية الإلهية الصمدانية، لا! مجلى للظُلمات الإبليسية الشيطانية، فاستحال صاحبها من أبالسة الإنس – والعياذ بالله -، من شياطين الإنس، شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ *، بدأ بهم قبل شياطين الجن! هذا كله ماذا؟ الأمن، والغرور، والعُجب! والأمن من مكر الله، ومُتابعة الهوى والنفس! ثم التمني بسعة رحمة الله، وأن ما سبق لك عند الله سيأتيك، سيأتيك! عبدت أم لم تعبد، استقمت أم ضللت وانحرفت وحدت! ما عند الله سيأتيك! كله هذا من حديث النفس ومن وساوس الأبالسة، غير صحيح. 

إذن لِمَ عبد العابدون؟ لِمَ قام حتى تفطرت قدماه – روحي وأرواح العالمين له الفدا -، وقال أفلا أكون عبدا شكورا؟ لِمَ خوطب وهو الأجل الأحب الأدنى إلى الله والأخشى والأتقى له والأعرف به كما صح عنه وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ *، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ *؟ أين الجهل؟ جهل! أحاديث نفوس، أماني نفوس، ووساوس شياطين، تلعب بدينك! والعمر طويل، ستُصلح ما فسد! غير صحيح، لا أحد يعلم كم هو طويل أم قصير، لعله أقصر مما تظن يا مسكين! مساكين نحن والله، خطر عظيم! هذا الموضوع خطر عظيم، أيها الإخوة والأخوات.

فقال له اقتلها. ندّمه – أتاه، فندّمه. استشعر الندم على ما فعل -، ثم قال له اقتلها، فإذا افتُضح أمرك – والعياذ بالله -، وقع لك ما لا تُحمد عُقباه. وطبعا أكيد – هذا من عندي – الشيطان سول له، ووسوس له بأنه إذا افتُضح أمرك، فلن تُوجد له مُشكلة! أنت ستموت، تُقتل! وربما يكون هذا كفارة عن فاحشتك، لكن ماذا يقول الناس عن رجال الدين، عن المُتعبدين؟ سيضل الناس، وهذا شيء عظيم، ربما يوضع في كفتك، في كفة سيئاتك! فربما خُلدت في نار جهنم. إذن أقل الضررين أن تقتلها. اقتلها، تخلص منها، ولعل الله يعفو عنك، هي زلة واحدة! ولا تُضل الناس. فقتلها، ثم دفنها، وأنكرها. 

فأتى الشيطان – لعنة الله عليه – إخوتها في المنام، أتاهم أربعتهم، في الليلة ذاتها! قال لهم الراهب برصيصا فعل بأختكم وفعل، وقتلها، ودفنها تحت شجرة قريبة من صومعته. حدد لهم المكان! فقام أحدهم من نومته، وقال شيء غريب! رأيت شرا! فقال الثاني وأنا رأيت الشيء نفسه! الثالث…الرابع…قالوا هذا لا بُد أن يكون وراءه أمر كبير. فذهبوا، فاحتفروا تحت الشجرة، فإذا جُثة أختهم. فأخذوه، روفعوا أمره إلى الملك، فاستنزلوه، وقادوه – أي لكي يُصلب -. فأتاه اللعين، وقال له أنا صاحبك الذي أضلك. قال له كان مني، أنا! وأنا الذي فعلت بك وفعلت. إن أطعتني الآن **… أنت ترى واسع حيلتي، شديد مكري وسبكي. إن أطعتني الآن، أنجيتك. قال له وكيف؟ قال تسجد لي. في رواية عند غير الطبري وكان موضوعا على الصليب. قال كيف أسجد وأنا على الصليب؟ قال أومئ برأسك – والعياذ بالله، ها هي النية، إنما الأعمال بالنيات. هذه الإماءة بمثابة ماذا؟ سجدة وخُضعان. لمَن؟ لإبليس -. ففعلها؛ لكي يُنقذه. قال له إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *. باي باي Bye bye! وذهب – لعنة الله تعالى عليه -. ففي هذا أنزل الله كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *. شيء مُخيف يا إخواني، شيء مُخيف – والعياذ بالله -! والنفس مثل الشيطان، لا تقل خطورة عنه. بعض العارفين جعل خطر النفس أعظم من خطر الشيطان، هكذا! الله أعلم. بل كثير منهم جعل خطر النفس أعظم من خطر إبليس – والعياذ بالله -.

رويم بن أحمد بن يزيد البغدادي، أحد تلامذة أبي القاسم بن محمد الجُنيد، شيخ الطائفة – رضيَ الله عنه وأرضاه، وقدس الله سره -. رويم كان يُضرب به المثل في العبادة والزهادة، كيف لا وهو القائل ما خطر ذكر الطعام على قلبي مُنذ عشرين سنة إلا إذا حضر؟ إذا حضر الطعام، ورأينا الطعام، نأكل. قبل أن يحضر، مُستحيل، لا أُفكر فيه. في ماذا تُفكر؟ يُفكر في الملكوت، في الله، في الآخرة. لا يُفكر! لا يُفكر في الطعام، من عشرين سنة! وهو القائل الصبر ترك الشكوى، والرضا استلذاذ البلوى، والتوكل ترك رؤية الوسائط. رجل كبير، رويم! فما بال السادة الصوفية في كُتبهم إلى يوم الناس هذا، من أيام رويم  – وتُوفيَ على ما أذكر سنة ثلاث وثلاثمائة للهجرة، في أول، في مطلع الرابع الهجري، رحمة الله عليه، وغفر الله له ولنا جميعا -، ما بال السادة الصوفية، ما بال السادة العارفين بالله تبارك وتعالى، يضربون به المثل في أمر قبيح؟ عبارة تتردد في مُعظم رسائلهم وكُتبهم، وهي عبارة جعفر، وهو أخوه، أخوه! قرينه في الطريق، من تلامذة أيضا أبي القاسم الجُنيد! جعفر الخُلدي البغدادي، والذي لقبه بالخُلدي أبو القاسم الجُنيد، نسبة إلى قصر الخُلد ببغداد. قال له أنت الخُلدي، فلزمته. 

جعفر الخُلدي قال كلمة؛ مَن أراد أن يستكتم سره أحدا – عندك سر، ولا تُريد أن يطلع عليه أحد، وتُريد أن تستودعه شخصا ما؟ -، فليستكتم رويما. اذهب إلى رويم، وقل له سرك. بعون الله هذا السر لا يُفتضح، ولا يُذاع، ولا يُشاع، يبقى عنده إلى أن يلقى الله. إذن جميل هذا! قال لك لا. لماذا؟ قال لأنه كتم حُب الدنيا أربعين سنة. كل هذا الزهد، كل هذه المُعاناة والمُجاهدة، عشرون سنة لا يخطر على قلبه ذكر الطعام، إلا إذا حضر الطعام، كل هذا كان زائفا مدغولا مدخولا؟ ما الذي حصل لرويم – رحمة الله عليه، وغفر الله له -؟

قال لك القاضي إسماعيل الجهضمي – رحمة الله عليه، الرجل العالم الكبير! علامة كبير، ورجل صالح – عمل قاضيا، واسمه القاضي! عمل قاضيا للعباسيين، فاستدنى رويما، وأقنعه أن يعمل وكيلا له على بابه، وكيلا للقاضي! طبعا السادة العارفون بالله كل المناصب عندهم في الدول التي فيها ظُلم ممنوعة منعا بتا، حتى في الدول الصالحة التي تُقيم عمود الشرع!وردت أحاديث عن رسول الله، عند أبي داود وغيره، ولذلك كانوا يرفضون! القضاة ثلاثة، وهكذا! كان الصالحون يقولون مَن وليَ القضاء، ذُبح بغير سكين. دمرت نفسك! قضاء؟ تقضي بين الناس؟ وهذا قاض، وله ولاية. نحن بحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه – وحياتنا مكاره – إلا هو، لا إله إلا هو! نقضي بين الناس، دون أن نُستقضى! الكل يقضي؛ وهذا مُنافق، وهذا صالح، وهذا عالم، وهذا جاهل، وهذا جاسوس، وهذا مدسوس، وهذا مُجدد الأمة، وهذا لعنة الأمة. يا ويلنا! يا ويلنا! ألزمنا الله إصلاح نفوسنا، وشغلنا بأنفسنا عن العالمين. نحن جهلة مُضيعون! قاض، في خُطة، ذُبح بغير سكين، وعليه أن يقضي، ابتُليَ بهذا!

فاستدناه، حتى أقنعه أن يعمل وكيلا على بابه. فعمل، ولبس لباس الحرس والشُرطة، وبنى القصور، وأنشأ الدور، وأكل الرقاق. خلع كل علاقة له بأهل الله وبطريق العارفين. قال لك لا زهد، ولا كلام زهاد. عجيب يا رويم! ما أعجبك بعد أربعين سنة؟ بعد أربعين سنة. ستقول لي هكذا أنت تؤيسنا من رحمة الله! أنت هكذا تقطع بنا بهذه الأشياء! لا، لا بُد أن نكون على بصيرة، أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ  *. إن لم تكونوا على بصيرة، فستضيعون! ومن نحن في جانب رويم؟ لا شيء. ومع ذلك قُطع به! قُطع به، انقلب على عقبيه الرجل، نكص! مع أن النبي قال هذا في حديث الإمام مُسلم الصحيح، حديث الفتن؛ تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عُودا عُودا – وضبطها بعض المُحدثين عَودا عَودا -. لا أُريد أن أسوقه، حديث جميل وجليل، وكأين من مرة شُرح فيه هذا الحديث! 

حتى تصير القلوب، على مثل قلبين! قلوب أنكرت الفتن، دائما تُنكرها، وقلوب تقبل الفتن. فيُنكت فيها، مع كل فتنة، نُكتة سوداء، نُكتة سوداء، نُكتة سوداء! حتى تصير القلوب، على مثل قلبين! طبعا ذلك القلب الذي يُنكر، يُنكت فيه نُكتة بيضاء، على مثل قلبين! قلب أبيض – ممنوع من الصرف، على قلب أبيض – مثل الصفا! الحجر الصوان هذا! المُصمت، الذي ينحدر عنه الماء، في سورة البقرة كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ *، هو هذا، الصفا! قلب أبيض، مثل الصفا، لا تضره فتنة، ما دامت السماوات والأرض. فما بال الفتنة أخذت مَن؟ المسكين رويما! نعم، إذن إنكاره للفتن ورفضه لها لم يكن صادقا، لم يكن لله. أرأيتم؟ هذه هي! وإلا نُصدق مَن نحن؛ نُصدق رويما وأمثاله، أم نُصدق سيد المُرسلين، الذي قال لا تضره فتنة؟ إذن حتى في الإنكار، لا بُد أن يكون الإنكار لله، مُخلصا، وصادقا. 

بعض الناس يتناءى ويتحاشى ويتنزه عن المعاصي؛ لأجل أنه يُرى، لأجل ألا يُقال! فإذا ركب الطائرة، وصار في بلاد جنوب شرق آسيا أو غيرها، حيث لا يُرى ولا يُعرف، ركب الفاحش من الذنوب – والعياذ بالله -، الصغائر والكبائر، دون أن يلوي على شيء! كذاب كبير. وقد يكون في أهله وعشيرته مِمَن يتزيا بزي الصالحين، وله سمت السالكين! كذاب كبير. ولعله يُصدق نفسه! ولعله يُصدق أنه حين تقذر بتلك الفواحش في تلكم البلاد أو في تلكم الجهات أو في تلكم الظروف، إنما فعل هذا غلبة نفس، انكسارا عرضيا! غير صحيح. أمره مبني على الكذب أصلا، انتبهوا! شيء خطير، يكاد يشق مرارة الإنسان هذا المعنى! فنسأل الله الصدق والإخلاص. تعلموه يا أحبتي، وأنا أولكم، وأنا أضيعكم، تعلموه حقا وصدقا، تعلموا أن تزروا على أنفسكم أمام أزواجكم وأولادكم وأصدقائكم وتلاميذكم، وقولوا نشهد بالله أننا لا نفعل هذا تواضعا، نفعله؛ لأن هذه حقيقتنا. قولوا هكذا، حتى لا يُغر بكم الناس، انتبهوا! 

الشيطان حتى هنا لا يدعك، يقول لك قل هذا، وهم سيشبهونك بالجُنيد وبالسري وبالإمام الغزّالي وبأبي بكر وعمر، الذين أزروا على أنفسهم، وهم السادة! هم سادة السادات! فأنت منهم أيضا. قل لهم لا والله، والله لا أقول هذا تواضعا ولا هضما، إنما أقوله؛ لأن هذه حقيقة نفسي. أنا الكذاب!

أنا المُكدي ابن المُكدي……………………وكذلك كان أبي وجدي. 

تعلموا هذا، ولا تفعلوا العكس. لا تُرسل للناس رسائل، تُفهمهم من وراء وراء أنك من المسلوكين في سلك الصالحين، وأنك من أهل الله المدفونين أو المغمورين أو المخمولين، مِمَن لم يُرفع لهم ذكر، إياك! تقطع بينك وبين الله تبارك وتعالى. 

روى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة – رضيَ الله عنه وأرضاه -، وهو أستاذ الإمام البُخاري – قدس الله سره العزيز -، إمام المُحدثين في كل زمان وحين! ابن أبي شيبة في المُصنف، يروي عن مَن؟ عن أبي عُبيدة بن الجراح. ومَن أبو عُبيدة؟ كلكم تدرون وتعلمون، أمين هذه الأمة! يجتمع عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه، فاروق هذه الأمة – بجماعة من الصحابة يوما، يقول لهم تمنوا. فيبدأ كل منهم يشرع يتمنى، حتى تأتي النوبة إلى عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه -، فيقول أما أنا، فأتمنى غُرفة مثل هذه الغُرفة مليئة برجال مثل أبي عُبيدة. وأبو عُبيدة أمين هذه الأمة! أمين، جد أمين. النبي قال! أمين، حق أمين. أبو عُبيدة – يقول ابن أبي شيبة – يُصلي بالناس مرة، يؤم الناي كما نؤم نحن الضائعون التائهون المساكين! غفر الله لنا، أصلحنا الله، جبر كسرنا، غفر فلتاتنا، وحياتنا كلها فلتات ونزغات. يُصلي بالناس، حتى إذا انصرف من صلاته، قال لهم لم يزل بي الشيطان! مُجاهدة! الصلاة قضيتها في مُجاهدة للشيطان، لم يتركني في الصلاة، وأنا أؤمكم! لم يزل بي الشيطان، حتى أفهمني أن لي فضلا عليكم. أنا أحسن منهم! أقعد في قراءة كتاب الله، أندى صوتا، أخشع نبرة، أتقى جانبا وعرضا. أنت أفضل! وهو يقول له لا – بمعنى الكلام -، خسئت يا لعين، بل أنا أرذلهم، كلهم خير مني. يقول له لا، أنت تعرف، أنت تعرف! أنت أفضل، أنت الأفضل. هؤلاء ثلاثة أرباعهم ربما تابعون، أنت صاحب جليل، من العشرة! أنت مَن قال فيك أصدق الخلائق أمين هذه الأمة. أنت أفضل! قال لهم حتى أفهمني أن لي فضلا عليكم، لا أؤمكم أبدا! آخر مرة أؤم فيها الناس!

ومن هنا ترى بعض كبار الصالحين عاش ومات دون أن يؤم أحدا، حتى ولا أولاده! يُصلي مأموما. منهم في هذا العصر مولانا وسيدنا وتاج رؤوسنا، إحدى وسائلنا إلى الله! مُحدث الإسلام، مُحدث الديار الشامية، سيدي محمد بدر الدين الحسني – قدس الله سره -، لم يؤم طيلة حياته، لم يؤم أحدا. يُدركون هذه المعاني، لا يتركون فُرصة للشيطان أن يتلاعب بهم. اللهم ألحقنا بأمثال هؤلاء، اللهم أعطنا قطرة مما أعطيتهم، قطرة يا رب، قطرة! شيء عجيب! ومن صالحي إخواننا الشيعة الإمامية الإثني عشرية الإمام، المُفسر، الفيلسوف الكبير، الحكيم المُتأله، السيد محمد حسين الطبطبائي – قدس الله سره الكريم -، وأنا أُحب هذا الرجل جدا. هذا الرجل لم يؤم أحدا طيلة حياته! على أنه – يأثر عنه المُقربون – كان يمكث في السجدة الواحدة، إذا سجد في الليل، بضع ساعات، لا يرفع رأسه من الأرض. نعم! اللهم ألحقنا بالصالحين. شيء عجيب يا إخواني! شيء عجيب! الصدق والإخلاص. لا نزال، من رمضان إلى الآن لا نزال، في موضوعات الصدق والإخلاص. وهذا تتمة، هذا تتمة!

لذلك يا أحبتي – نوّرني الله وإياكم بأنواره – ويا إخوتي، من أهم المُهمات أن يبحث المؤمن، الطالب للنجاة، الساعي في فكاك رقبته، أن يبحث عن ماذا؟ عن معرفة كيف يُفرق بين الخاطر الرباني، والخاطر الملكي، والخاطر النفساني، والخاطر الشيطاني. واضح؟ الله تبارك وتعالى يوحي إلى أوليائه، يمد أولياءه، أليس كذلك؟ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ *، وليست نبية، والله يوحي إلينا أيضا. كيف أعرف أن هذا إلهام إلهي، خاطر رباني رحماني علوي صمداني؟ كيف أعرف؟ الملائكة أيضا تُلهم، تنفث، تمد، إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ  *، حسيا ومعنويا، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ *، وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ *، وليست نبية، صدّيقة، ليست نبية! في أقوال الجماهير، خلافا لابن حزم والتقي السُبكي وربما القرطبي، جماعات قليلين مِمَن قالوا بنبوة النساء. خاطبتها الملائكة! لا نُريد أن نستقصي في هذا الموضوع، طويل!

وفي البُخاري، في الصحيح، من حديث أبي هريرة – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – إنه كان فيمَن كان قبلكم مُحدثون. فإن يكن منهم أحد في أمتي، فعمر – رضيَ الله عنه وأرضاه -. الله! الله يا عمر، يا فاروق الإسلام! في أحاديث أُخرى، سُئل ما مُحدثون يا رسول الله؟ قال تتكلم الملائكة على ألسنتهم. هو يتكلم، وفي الحقيقة الروح الملكية هي التي تمده وتتكلم، تستعير لسانه، وإنما المُتكلم حقا، المُلقي حقا، ملك كريم! لا إله إلا الله! اللهم اجعلنا من هؤلاء. 

ولذلك اختلفوا في تفسير ماذا؟ المُحدث – مُحدثون -. فقالوا هو الذي تتكلم الملائكة على لسانه. وهذا وارد في أخبار أُخرى، النبي فسره! وقيل هو المُلهم، الألمعي، اللوذعي، الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمع. إذا قال شيئا، لا يخيب بعون الله. إذا قال شيئا، لا يسقط، يكون كما قال. عمر كان معروفا بهذا، مُتواتر عنه هذا. عمر كان يجلس إليه الرجل، أي مِمَن ليس له به طول مُخالطة ومؤانسة، من التابعين وكذا، يُحدث. فربما قاله له عمر أسقط هذه. هذه توقف عنها، كذب! هذا كذب. يرى، مُحدث! فالرجل طبعا ينكسر، يخجل. يقول له أسقط هذه. يعرف، نور إلهي، فرقان! اللهم اجعل لنا فرقانا. ثم يُتابع حديثه، فربما عاد، فقال له وأسقط هذه. وهذه أيضا لا! فيذهب الرجل، أُسقط في يده، يقول والله ما قال لشيء أسقطه، إلا كان كذلك. مُبالغة مني أو كذب! ستقول لي كانوا يكذبون؟ كانوا يكذبون. حتى الصحابة، بعضهم كانوا يكذبون، كذبات صغيرة، ومُعترف بهذا! اقرأوا حديث الثلاثة الذين خُلفوا؛ حتى تعلموا كيف منهم مَن كان يكذب، وكيف منهم مَن كان يُغري بعضهم بالكذب! خلّص نفسك بكذبة، ثم استغفر الله. حدث هذا، ليسوا أنبياء، ليسوا معصومين! لكن عمر يعرف، عبد مُنور، مُحدث.

عمر الذي قال – بفضل الله هذه القصة بعض المُحدثين قالوا أسانيدها مقبولة. وبعضهم قال أسانيدها جيدة. وكلكم تعلمونها – يا ساريةُ! يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ! منصوبة على التحذير، وسارية مُنادى طبعا مرفوع. يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ! ومَن استرعى الذئب الغنم، فقد ظلم. وتعرفون القصة، وسمعها سارية على بُعد آلاف الأميال. وبهذا النداء العجيب الرباني أنقذ الله سارية وجيشه المُسلم، من ماذا؟ من تهلكة حقيقية، بمكر الأعداء الوثنيين. عمر مُكلم، مُكلم مُحدث. إذن يُوجد إلهام ملكي، إلقاء ملكي.

والآن أتى موقع وموضع حديث ابن مسعود، في صحيح الترمذي. يُسمى صحيح الترمذي، وهو مشهور بسُنن الترمذي على كل حال. بعض مَن شرحه سماه صحيح الترمذي. أبو بكر بن العربي سماه هكذا؛ عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي. عارضة الأحوذي – التُحفة للمُباركفوري، العارضة لابن العربي، رحمة الله عليه – بشرح صحيح الترمذي! صحيح الترمذي لم يدخل الأندلس، فلذا لا تعجبوا أن ابن حزم لم يذكره مرة، ولم يرو من طريقه حديثا؛ لأنه لم يسمع به، شيء غريب. إلى عهد ابن حزم، العلامة ابن حزم – أربعمائة وستة وخمسين -، لا يعرفون سُنن الترمذي، وهو من أجل الكُتب، من الكُتب الستة المعروفة! يروي أبو عيسى الترمذي – رضوان الله عليه -، وهو من الصالحين! من الصالحين، من أولياء الله أبو عيسى الترمذي! يُقال كان مُجاب الدعوة – رضوان الله عليه، الإمام العلم الجليل هذا -! عن عبد الله بن مسعود أبي عبد الرحمن – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا – إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة. فأما لمة الشيطان، فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق – والعياذ بالله -. 

بدأنا ندخل في العلم العميق، العلم الضروري لنا؛ لأن يا حسرة علينا! وأنا أولكم، يا حسرة علينا! شاب شعر رؤوسنا ولحانا، وعلت أسناننا، وما بلغنا في هذه العلوم، التي هي الأسس والأصول، أكثر مما بلغه غُلام غرير! لو سألت غُلاما غريرا، ابن ثنتي عشرة سنة؛ الخاطر الرباني والخاطر الملكي، والخاطر النفساني والخاطر الشيطاني، ما الذي تعرفه عنها؟ وكيف تُميز بينها؟ سيقف عند حد الأولان في الخير والبر، والآخران في الشر والضر، السلام عليكم! وهذا الذي نعرفه، أكثرنا! جهل ما بعده جهل! على أنك قد تجد واحدنا، أو إحدانا، مشغولا أو مشغولة، عمرها، دهرها، دهره بطوله، في ماذا؟ في خلافات العلماء، وهذا سب هذا، وهذا انتقد هذا، وابن تيمية كفّروه، وهو قال فيهم كذا وكذا، والسُبكي ألف عنه، وابن تيمية رد عليه! ما شاء الله عليك! ما شاء الله عليك! ولعلك لا تعرف بعض فقه الوضوء والصلاة على وجهه، على مذهب يُتبع! ومُشتغل بماذا؟ بشؤون العلماء! أي كأنك من طبقتهم، وكأنك أوفيت على الغاية وتمثلت علومهم كلها، ثم اشتغلت بخلافاتهم! نعوذ بالله من العمى والضلال. أليس كذلك؟ وهذا موجود كثيرا، وعلى اليوتيوب YouTube، ما شاء الله! صغار، على قولة شيخنا محمد الغزّالي، شيخ الدعاة في القرن العشرين – رحمة الله عليه – عيال! كان يقول العيال! عيل! وطبعا واضح أنه عيل؛ لأنه حين يتحدث، يلحن، كلامه ملحون! والله الذي لا إله إلا هو، بعضهم يقرأ الآيات ملحونة، أُقسم بالله العظيم! ثم يتكلم في خلافات الأئمة، وقال ينحاز لإمام على إمام! يا أخي مَن أنت؟ ليس هذا عُشكَ – لن نقول عُشكِ طبعا وما إلى ذلك -، فادرج. يا رجل، ابدأ، عُد. ابدأ الطريق الصحيحة، أنت هلكت وأهلكت. تُمعن في إهلاك نفسك وإهلاك غيرك، يا قدوة السوء، يا أسوة الشر والضياع. نسأل الله أن يشغلنا بما فيه صلاحنا وإصلاح نفوسنا ظاهرا وباطنا. 

إذن الشيطان له لمة، والملك له لمة. يا سيدي، يا رسول الله، يا مُعلم الناس الخير! مَن يطلبون دليلا على أنه نبي حقا ورسول حقا، أقول لهم أنتم أضيع وأكثر تيها، والله العظيم! لا تعرفون شيئا. بعد أن تتعلموا شيئا من شرعه، شيئا من أعماق دينه، ستُدركون إدراكا غلّابا، أشبه بالضروري، أن مثل هذا لا يصدر لا عن فلسفة ولا عن مكر ولا عن افتعال، ومثل هذه العلوم والدقائق والأعماق لا تكون إلا ربانية صمدانية. ليس هذا فحسب! ليس حين تعلمها، حين ربما تقف على بعض أحوال مَن تضلع بها وصدر عنها! فكيف لو لابست وجامعت وخالطت وداخلت مَن تحقق بها أو بشيء منها؟ ستُدرك أن مثل هذا – والله العظيم – ليس له طريق في هذا العالم الديجوري، في هذه الدنيا والنشأة الظُلمانية، هذا شيء نوراني إلهي، اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ *، نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ  *، هذا من أنوار النبوة. 

لذلك قبل أن تُلحد، قبل أن ترتاب، قبل أن تتشكك، قبل أن تدّعي أنك تهت وضعت وأصابك الضلال والتحير، اذهب، فتعلم، الحُكم على الشيء فرع تصوره. تعلم حقا، لا تتعلم من شيوخ اليوتيوب YouTube، الذين مُعظمهم، وليسوا كلهم طبعا، كما قد وصفت ونعت قُبيل قليل، غير مُتجن ولا آفك! غير مُتجن ولا آفك، ولا بالكذب والبهت قارف! إنما هي الحقيقة الحقة، الحقيقة الحقة كما هي!

إذن فلمة الشيطان – لعنة الله على الأبالسة إلى أبد الآبدين -، لمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. ولمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمَن وجد ذلك، فليعلم – النبي يقول، صلوات ربي وتسليماته عليه وآله، صلوا عليه، فمَن وجد ذلك، فليعلم – أنه من الله، وليحمد الله. ومَن وجد الأُخرى – التي هي ماذا؟ الأولى؛ لمة الشيطان -، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم. ثم تلا – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ  *، لا إله إلا الله! يا رسول الله!

إذن لنبدأ، ونجعل هذه بدايتنا. إذن الخواطر في قول جماهير العارفين والأشياخ الواصلين الكبار الباذخين في طريق الله والعرفان أربعة، وبعضهم جعلها خمسة، وبعضهم أنهاها إلى ستة. ما هي؟ أما الأربعة المُتفق عليها عند الجماهير؛ الخاطر الرباني، وربما قيل الرحماني، الإلهي! ثم الخاطر الملكي، وهذان في الخير والبر، لا شك! ثم بعد ذلك الخاطر النفساني أو النفسي، وآخرها الخاطر ماذا؟ الشيطاني. أما مَن جعلها خمسة، فقال الخاطر القلبي. ومولانا القُطب، سيدي الباز الأشهب، عبد القادر الجيلاني – قدس الله سره – في الغُنية؛ الغُنية لطالبي طريق الحق، جعلها ستة؛ الخاطر العقلي، أو خاطر العقل، وخاطر اليقين! على أنه سمى الخاطر الرباني خاطر الروح! تسمية بماذا؟ بمُتنزله. سوف نرى! إذن هذه الخواطر؛ أربعة أو خمسة أو ستة، وسنقف مع القول الأشيع والأشهر، وأنها أربعة، وفعلا هو يسد المسد كله – إن شاء الله تعالى -. 

هذه أول معلومة، هذه! هذا العلم الحق الذي ينبغي أن نشتغل عليه عشرات السنين، حتى نصل إلى درجة – بفضل الله ورحمته -، نُميز، نعرف! لا نعمل أعمالا صالحة سنين، وتكون كلها من حظ ماذا؟ النفس. أعمالا صالحة، وتكون مداخل للشيطان، ينتهي بنا عبرها إلى ماذا؟ إلى الهلاك أيضا. أعوذ بالله! لَا تَتَّبِعُوا *. على فكرة، الشيطان قل أن يقول لك اذهب، فقتل. لا، هو أذكى من هذا، ليس أهبل هو! حتى شياطين الإنس على فكرة، شياطين الإنس، أنا أعرف بعضهم! الحياة أشقتني بمعرفة بعض شياطين الإنس، فعلا شياطين حقيقيون! أعوذ بالله! في موارد مُعينة خفتهم أكثر مما أخاف شياطين الجن، والله فعلا بدأ بهم؛ شَيَٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ *، شيء مُخيف، والله العظيم! يأتيك، يأتيك يُغريك، يبعثك، يحفزك، على ماذا؟ على خير. فإن أوتيت بصيرة، شعرت بقلق وتحير، وأنك غير مُرتاح إلى هذه الدعوى وإلى هذا الخير، ثم لا يلبث أن ينكشف الغطاء، سريعا – بإذن الله تعالى -، فتعلم أنه إنما يُريد أن يستجرك من هذا الخير، إلى كبيرة عظيمة، إلى فاحشة مُردية – والعياذ بالله -. 

فالشيطان، سواء كان إنسيا أم جنيا، أذكى من أن يقول لك اذهب، فازن. اذهب، فاقتل. عُق أباك، العن أمك. والنبي قال من الكبائر، من أكبر الكبائر! أن يلعن الرجل مَن؟ والديه. نعم، طبعا! نعم، لا يقول لك هو هكذا، لكن يقول لك انتصر لنفسك يا رجل، قال تعالى وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ *. الله قال لنا يا أخي! وهو سبك! هو سبك، ونال منك، أنزل سُبتك حتى في الفيسبوك Facebook وعلى تويتر Twitter، انتصر يا رجل! تقول له لا، لا أنتصر لنفسي، ليس هذا سبيل المؤمنين. يقول لك ليس لنفسك، لنفسك؟ أنت مُتواضع وصادق وطيب! للحق يا رجل، للحق! لأن الناس بك يقتدون، اتخذوك أسوة! إن لم تردوا، ربما ضلوا، والتبست عليهم السُبل، فرد يا رجل. ملعون! لعنة الله عليه. 

ونسل الخصام ذميم. ستقول لي يا رجل حيرتنا! أنت ما قضيتك؟ ليست قضيتي والله، قضية العلم، أنا مثلكم طويلب علم، لا أزال أبحث، لا أزال أتندس وأتحسس، أُريد فكاك رقبتي، أُريد أن أنجو. لا أُريد أن أعيش مغرورا، وأموت هالكا – والعياذ بالله -! لأن بعض الناس يقول لك من أين هذه؟ هذا كلام العلماء عبر العصور، من جميع المشارب – بفضل الله -، من هذه الأمة المرحومة، عبر العصور! قالوا الأصل في الانتصاف والانتصار للنفس الجواز – جائز. الله قال لك -، ولكن تركه أفضل، وهو سبيل العارفين والصدّيقين. لماذا؟ لأن نسل الخصام ذميم! كلمة من هنا، كلمة من هنا، رد من هنا، رد من هنا، وقعنا في ماذا؟ في البهت، في الإفك، في الغضب الذي يجر إلى البهت – والعياذ بالله -. وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ  *، لماذا؟ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ  *. أصل النزع الغضب على فكرة، لغةً أصل النزغ الغضب. يجعل الغضب يستبد بك، يسطو بك! وإذا غضب الإنسان، جُن. الغضب شُعبة من ألعن شُعب الجنون. 

في الحديث الصحيح أن صحابيا غضب غضبا شديدا، وجعل يتكلم بكلام شديد لأخيه الصحابي، والنبي قاعد ينظر، ما هذا؟ وتغير وجه الصحابي، شكله صار مُختلفا! فالنبي قال ماذا؟ والنبي، انظر إلى الذكاء الذي عنده! لم يقل أنا نبي. هو يُريد صلاحه، قادر يقول له لا بُد أن تسكت وكذا وكذا، وأكسر رأسك. لا، الرجل قد يكفر. انظر، ما ألطف النبي! ما أحسنه من معلم! ما أرحمه! ما أوفر شفقته! سكت النبي، ثم قال لمَن حوله إني لأعلم كلمة – لم يقلها له؛ لأنه في حالة غضب. سيقول له لا يهمني. وربما يكفر، انتهى، انتهى! هلك بسببها. ترد على النبي، تكفر. فقال لمَن حوله إني لأعلم كلمة – لو قالها، لذهب ما يجد. يسكت عنه هذا كله، يهدأ! فذهب أحدهم، قال له يا أخي كذا. قال لست مجنونا. الله أكبر! جيد أن النبي لم يقلها له فعلا، ما زال! ما زال غضبانَ – ما زال غضبانَ، ممنوع من الصرف طبعا، ما زال غضبانَ -! ما الكلمة؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. النبي قال استعذ فقط. يُوجد شيطان هنا، يُوجد مدد  شيطاني. الشيطان بعثك على هذا! 

اليوم آية المقام إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ *، طيف مِّنَ الشَّيْطَانِ *، في قراءتنا طَائِفٌ *، قراءاتان مُتواتران سبعيتان! طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ *، طيف مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ *، وَإِخْوَانُهُمْ *، مَن إِخْوَانُهُمْ *؟ الشياطين، الأبالسة. وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ *. لا الشيطان يُقصر ولا العبد يترك المعصية! والرحى تدور، والطِحن ماذا؟ سيئات، كبائر وصغائر! الطِحن – أي ما يُطحن طبعا، بالكسر – ذنوب وخطايا ورزايا وبلايا، سيئات وصغائر، سيئات وصغائر – والعياذ بالله -. وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ *، الشيطان يمد، يمد، يمد، يمد، يمد – والعياذ بالله -! أرأيتم؟

النبي قال لك لا، ضع حدا من البداية. اجلس، توضأ وكذا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يذهب عنك ما بك – إن شاء الله تعالى -. لم يستجب، لم يستجب! وهذا بلاء عظيم. قيل له النبي يقول هكذا. قال لست مجنونا. أنا غير مجنون! ما معنى أن أستعيذ بالله إذن؟ هل أنتم ترون أنني مجنون؟ أف! أمام الرسول! وما أحلى الرسول! لم يقل شيئا. سكت عنه النبي اتركوه، اتركوه، اتركوه! سيعود ويهدأ، سيعود ويرجع.

رأى واحدا النبي مرة في الحديث الصحيح يأكل بالشمال، قال له كُل بيمينك. قال له لا أستطيع. قال له لا استطعت. فما رفعها إلى فيه. شُلت! نعوذ بالله من شؤم مُخالفة السيد الأجل، إمام الركب، وقائد الكل. فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *. قال إمام المسلمين أبو عبد الله أحمد بن حنبل – رضيَ الله عنه وأرضاه – أتدرون ما الفتنة؟ الشرك، الشرك! تُشرك، تكفر، وأنت لا تدري! ولذلك سعيد بن المُسيَّب، والحديث في البُخاري أيضا، قال جدي حزن! هو اسمه كان حزنا! سعيد بن المُسيَّب – وطبعا قيل هي المُسيِّب، لكن المُسيَّب أفصح – بن حزن، هذا صحابي، أدرك النبي. فالنبي قال له مرة ما اسمك؟ قال حزن. قال بل أنت سهل. قال لا أدع اسما سمانيه أبي. لا إله إلا الله! ما هذه الشقاوة؟ يا أخي النبي قال لك، أبي مَن؟ وجدتي مَن؟ ومَن أنا؟ ومَن العالم؟ يا حيهلا، يا حبيبي، يا رسول الله، أغير جلدي، إذا أردت أيضا، كل شيء بأمرك، كل شيء عن أمرك. قال لا، لا أدع اسما سمانيه أبي. يقول سعيد بن المُسيَّب، والحديث في البُخاري، فما زالت فينا الحزونة من يومئذ. 

لماذا أقول هذا؟ لماذا أتيت بهذه الآثار – الآن تحضرني -؟ حتى أُحذر نفسي ثم أحذركم! حتى أحذر ثم أحذركم! من ماذا؟ من شؤم مُخالفة المعصوم – صلوات ربي وتسليماته عليه -. كل هذا من أجل أن أقول لكم ماذا؟ الأصل في الانتصار للنفس أنه مُباح، لكنه ليس سبيل الكملة، ليس سبيل الكملة! ليس سبيل العارفين، ليس سبيل المُقربين والصدّيقين، بدليل الآتي؛ حتى لا تُقال من عندك. ليست من عندي، من عند رسول الله، من عند سيدي وسيدك، ليست من كيسي! هذه من نور من أنوار سيدنا رسول الله، من قمر الوجود، من كوكب دُري الأكوان – صلوات ربي وتسليماته عليه إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين -.

في حديث أن أبا بكر الصديق كان في مجلس رسول الله، مع جماعة من الصحابة، بعض هؤلاء أو أحد هؤلاء الصحابة، نال من أبي بكر، سب أبا بكر! ستقول لي ما الذي يحدث هذا؟ هذا موضوع ثان، يحتاج إلى خُطبة! كيف النبي ربى أصحابه؟ لم يُربهم على الاستلحاق والاستتباع كالنعاج – حاشاهم، حاشاهم، أستغفر الله – والشياه، التربية العسكرية! سّلم نفسك! غير صحيح. النبي ربى رجالا، عندهم استقلال، احترام لكياناتهم، ضمن أدب كبير مرعي، انتبهوا! نحن نستغرب هذا! في مجلس الرسول؟ في مجلس الرسول، وحدث هذا! فسب أبا بكر، وآذاه أذا شديدا! بك وبك وبك. يقول له، وأبو بكر ساكت، المسكين! صدّيق الأمة! لم يستقو بصدّيقيته وبصُحبته لرسول الله ولا بمنزلته من رسول الله ولا أن رسول الله حاضر جالس قاعد – صلوات ربي وتسليماته عليه -! سكت أبو بكر. ثم سبه الثانية، فآذاه أذا شديدا! فصمت أبو بكر. ثم نال منه الثالثة، وآذاه أذا شديدا! فانتصف أبو بكر لنفسه! قال له هذا كاف، كاف! بك وبك أنت البعيد. 

وأبو بكر معروف عنه أنه كان كما نقول الآن Nervous. أي فيه نوع من العصبية، والحدة تعتريه! وربما تلفظ بألفاظ خارجة قليلا! معروف عنه هذا، في الصحاح موجود هذا، طبيعته! في حديث ضعيف الحدة تعتري خيار أمتي. ضعيف، لكن معناه صحيح. على كل حال، موسى كان فيه حدة، وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ *. نحائز! النحائز أرزاق إلهية، انتبهوا! لا تحكم على الناس بنحائزهم، احكم عليهم بمُخرجات سلوكهم في النهاية وبعموم أحوالهم ومسالكهم. كل شيء يحتاج إلى ذكاء، يحتاج إلى علم، يحتاج إلى فهم. 

فانتصف أبو بكر، فقام رسول الله. قام، ترك المجلس! أبو بكر المسكين أُسقط في يده، قال يا رسول الله، أوجدت علي يا رسول الله؟ الموجدة هي الغضب، أي الموجدة هي الغضب والإنكار. أوجدت علي يا رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -؟ فقال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين – يا أبا بكر، قد نزل ملك يُكذبه فيما يقول. أي وينتصر لك! فلما انتصفت لنفسك، وقع الشيطان. نزل الشيطان، هبط – لعن الله عليه -! النبي رآه، النبي مُكاشف، هنيئا له! ليس مثلنا، هبلان! نسمع فقط! النبي يرى كل حاجة! رأى الملك حين نزل، وكيف كان يُصدّق أبا بكر ويُكذّب ذاك! وذاك سيبرز كذبه، وسوف يخزى بعدوانه على أخيه، صدّيق الأمة! ثَانِيَ اثْنَيْنِ *. هناك ناس عجيبة! لكن لما انتصفت لنفسك في الثالثة – مع أنه في الثالثة، ليست الأولى – ارتفع الملك، فلم أكن لأجلس في مكان وقع فيه الشيطان. 

معروف! إذا حضرت الملائكة، غابت الشياطين. وإذا حضرت الشياطين، ارتفعت الملائكة. طبعا لا يُمكن! الملك لا يكون في مكان فيه ماذا؟ فيه شياطين. انتبهوا، هو هذا! وأنت طبعا المُضيف، تُحب تضيف مَن عندك؟ الكرة في ملعبك. تُريد الملائكة؟ عندها طريقة مُعينة لكي تستضيفها وتستنزلها. تُريد الشياطين؟ من أسهل ما يكون، والله بأسهل الطرق، بكلمة واحدة، تأتي. ترتفع الملائكة، وتأتي الشياطين، في لحظة! المُهم، يقول النبي فوقع! هكذا اللفظ، فوقع! أي ما معنى وقع؟ هبط. فلم أكن لأجلس في مكان وقع فيه الشيطان. انظر إلى النبي، يُعلمنا الآن، علم حتى أبا بكر، أن يرتفع إلى صدّيقيته. كما علمه هذا مرة، والحديث في الصحيح أيضا، في الصحيح! سمع أبا بكر يلعن غُلاما له؛ الله يلعنك يا بعيد. قال له! فالنبي قال صدّيقون ولعناء؟ أو قال لعّانون؟ صدّيقون ولعّانون؟ أنت صدّيق. الصدّيق لا يلعن، لا يُكثر اللعن. فقال هو حُر لوجه الله يا رسول الله. حرره! 

بارك الله في أعماركم، وأصلح الله أعمالكم. بارك الله أعماركم، وأصلح الله أعمالكم. أخلص الله نياتكم، وغفر الله فلتاتكم. صفّى الله قصودكم، وغفر قصوركم. وأنا معكم، والأمة جميعا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.

 

الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين.

إخوتي وأخواتي/

بعون الله تبارك وتعالى بعد أن نفرغ من صلاة الجُمعة، سنُكمل هذه الخُطبة، التي أراها خطرة ومُهمة؛ لأننا للتو بدأنا في لُبها وجوهرها، وكلها لُب – إن شاء الله -، لا صدف فيها. العلم المُبارك لا يُوصف بالصدف، كله جواهر، وكله لُباب – أيها الإخوة -، وكله خير وبركة. باركني الله وإياكم والمسلمين والمسلمات جميعا وجمعاوات. لنتحدث عن هذه الخواطر الأربعة، وعن مثاراتها ومواضعها ومواردها، وعن محالها – أيها الإخوة -، وأهم شيء؛ عن علائمها وكيف يُميز خاطر من خاطر؟ كيف يُميز خاطر من خاطر؟ وهذا أهم ما في خُطبة اليوم! لكن هذا يكون بعد أن نفرغ من صلاة الجُمعة – إن شاء الله تعالى -.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وفقها ورشدا، برحمتك يا أرحم الراحمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ *. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم ارزقنا حُبك وحُب مَن أحبك وحُب العمل الذي يُقربنا إلى حُبك. اللهم ما رزقتنا مما نُحب، فاجعله قوة لنا فيما تُحب، وما زويت عنا اللهم مما نُحب، فاجعله فراغا لنا فيما تُحب. واجعل حُبك أحب إلينا من أنفسنا وأولادنا وأزواجنا والماء البارد على الظمأ الشديد، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. اجعلنا هُداة مُهتدين، غير ضالين ولا مُضلين، سلما لأوليائك، وعدوا لأعدائك، نُحب بحُبك مَن أحبك، ونُعادي بعداوتك مَن خالفك. اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التُكلان، وأنت المُستغاث وبك المُستعان، لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين. 

اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا وما جنينا على أنفسنا، أنت المُقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك. اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارا، اجزهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات مغفرة ورضوانا. واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميع قريب مُجيب الدعوات.

اللهم أبرم لهذه الأمة المرحومة الكريمة؛ أمة حبيبك محمد – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – أمر رشد، تُعز فيه أولياءك، وتُذل فيه أنوف أعدائك، يُعمل فيه بطاعتك، يؤمر فيه بالمعروف، ويُتناهى فيه عن المُنكر، وتأمن فيه سُبل المؤمنين، بحولك ورحمتك وقهرك وعزتك يا رب العالمين.

اللهم حرّر أقصانا السليب من هذا الأسر النجس الدنس بقدرتك وعزتك وجبروتك وقهروتك يا رب العالمين، اللهم اجعله آخر عهده بالأسر وآخر عهده بهذا التدنيس يا رب العالمين، اللهم ألحقه بأخويه؛ الحرم المكي والحرم المدني، مُحررا، عزيزا، ماجدا، رافعا رأسه، رافعا رايات المؤمنين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله/ 

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، وأقم الصلاة.

(6/5/2022)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: