إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:

جريمة القتل أولى الجرائم التي عرفها تاريخ بني آدم، وقد قص المولى – سُبحانه وتعالى – علينا حكاية هذه الجريمة الأفظع والأول، أولى الجرائم! وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا ۩… الآيات! 

ومع كونها أولى الجرائم ظلت إلى اليوم أفظعها، وربما تزيد وربما تنقص من عهد إلى عهد ومن مصر إلى مصر، إلا أنها جاثمة رائنة بثقلها وبهاظتها على المُجتمَع الإنساني.

وقد تفاوتت طرق وأساليب علاج المُجتمَعات لهذه الجريمة، بدءاً من طريقة الانتقام والثأر الفرديين، اللتين عمتا المُجتمَعات القديمة، وإلى حد ما الوسيطة أيضاً.

في شريعة موسى أو في التوراة القاتل يُقتَل، هذا في سفر العدد، وفي هذا السفر الذي يقوم بمُهِمة أو يضطلع بمُهِمة إنفاذ أو تنفيذ هذا الجزاء وهذه العقوبة هو المجني عليه، أي ولي الدم، لا ينتظر أمر القضاء، لا ينتظر حُكم الحاكم، يقوم بنفسه، وهذا بلا شك أتى تساوقاً مع ما كان شائعاً وسائداً من عقلية الثأر الشخصي والانتقام الشخصي، هذا موجود ومرقوب في سفر العدد من أسفار التوراة!

ولم يخل شرع من الشرائع أو قانون من القوانين من التعاطي القاسي والصارم والحازم مع هذه الجريمة الأفظع، وقد وسَّعوا نطاق إيقاع هذه العقوبة، وطبعاً نحن كمُسلِمين – وأنا مُتأكِّد من هذا، نحن كذلك جميعاً تقريباً بذكورنا وإناثنا – حين نسمع بالقصاص أو بعقوبة الإعدام والقتل أول ما يتبادر وفي مُعظَم الحال – لعله فقط ما يتبادر إلى أذهاننا – قتل القاتل، وهذا من نعمة الإسلام، وهذا من نعمة التشريع الإسلامي، الذي نجح فعلاً – أيها الإخوة والأخوات – في تضييق نطاق هذه العقوبة الصارمة الشديدة جداً، أي عقوبة الإعدام، حتى كأنه أراد أن يقصرها في بند أو بندين، كما قال – سُبحانه – مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا – البند الأول – بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ ۩، فقط! هما بندان، لا يُوجَد لهما لا ثالث ولا رابع ولا خمسون ولا مائة، بندان فقط.

أما الشرائع السابقة فكانت بما فيها شريعة موسى أو شريعة التوراة – طبعاً وشرع الإغريق، كان هناك سولون Solon، أي الحكيم سولون Solon، وقبل ذلك حمورابي Hammurabi في ألف وسبعمائة قبل الميلاد تقريباً، والحال نفسه مع القدماء المصريين – تتوسَّع، كانوا يتوسَّعون جداً، يُوسِّعون نطاق إيقاع هذه العقوبة، ليس فقط كمُعالَجة لحالة القتل، وإنما في حالات أُخرى كثيرة، بعضها يبدو جرائم تافهة.

مثلاً في شريعة حمورابي Hammurabi مَن شهد شهادة زور – ولم يُقيِّدوها، لم تُقيِّدها هذه الشريعة بأنها شهادة زور تُؤدي بالمشهود عليه باطلاً وزوراً إلى المشنقة مثلاً، لا! أي شهادة زور، حتى في قضايا مالية بسيطة – يُحكَم عليه بالإعدام، أي يُعدَم! مَن أحدث صدعاً في حائط يُحبَس في هذا الصدع حتى يموت، وهذه قسوة، قسوة بالغة! كانوا يتساهلون جداً في إهدار دم المحكومين أو المحكوم عليهم.

في العصور الوسيطة – ولا نُحِب أن نتقصى المسألة من زاوية نظر تاريخية لضيق المقام – أو في العصور الوسطى وكانت الكنيسة هي الحاكمة وهي المُسيطرة الآمرة الناهية زُعِم أن هدف هذه العقوبة – أي عقوبة الإعدام أو قتل المحكوم عليهم إنما هو التكفير، لكي يُكفِّر عن خطيئته، لكي يُكفِّر عن ذنبه، لكن السؤال المطروح في هذا السياق هو أي ذنب هذا؟ هل هو ذنب يستحق فعلاً هذه العقوبة أم أنه من جنس الذنوب البسيطة؟

إلى نهاية القرن الثامن عشر في بريطانيا كان مَن سرق شلناً واحداً فأكثر يُحكَم بالإعدام عليه، مُباشَرةً! وبأي طريقة تُنفَّذ؟ إذا فعلاً صدق الزعم أنها جاءت وشُرِّعت وقُنِّنت من أجل التكفير – التكفير عن الخطيئة – فإذن السؤال الأول عن أي خطيئة نتحدَّث؟ السؤال الثاني وكيف تُنفَّذ؟

رُغم ذلك أُطلِق العنان للقُضاة أن يتفننوا وأن يفتنوا وأن يبتكروا ضروباً وألواناً عدة من تعذيب هؤلاء البؤساء الأشقياء، بطريقة تقشعر لها الأبدان، وتوجل منها القلوب، خالية من كل أثارة من رحمة أو شفقة أو إنسانية.

حُكِم على شاب في فرنسا في أواخر القرن السابع عشر بأنه جدَّف في حق الرب، أي تكلَّم بما لا يليق في حق الرب، أي يسوع طبعاً، وهو ربهم، فحكم عليه القاضي بهذه الطريقة، افتن! أن يُقلَع أو يُقتلَع أو يُجَز لسانه من جذوره، ثم تُقطَع يمينه أمام بوّابة الكنيسة الرئيسة في المدينة، ثم بعد ذلك تُقطَّع أطرافه، وتُحرَق أمامه وهو حي، لا يزال ينزف ويتألَّم، وبعد ذلك يُقضى عليه بالإعدام حرقاً على نار هادئة، شيئ عجيب! ظلم بشع جداً جداً، من أجل أنه جدَّف في حق الرب بكلمة أو كلمات أو بجُملة أو جُمل يسيرات، شيئ فظيع!

في بريطانيا إلى سنة ألف وثمانمائة وثماني وثلاثين – إلى سنة ألف وثمانمائة وثماني وثلاثين حين نجح المُحافِظون في تسلم سُدة السُلطة، وبدأوا يعملون شيئاً فشيئاً على تغيير هذه الأحكام القمعية الوحشية، وبدأ الأمر يسير أحسن قليلاً، وليس كثيراً – كان مَن يُحكَم بتُهمة خيانة الوطن يُنفَّذ فيه الحُكم وفق هذه الكيفية، يُؤتى به على عربة مُستعرَضة مشبوحاً كما يُقال من الأطراف الأربعة إلى ساحة الإعدام، فإذا ما وصل عُلِّق وشُنِق نصف شنقة، أي بحبل قصير، نصف شنقة بحبل قصير، وطبعاً لا يموت، يُقطَع الحبل بعد ذلك وتبدأ الأهوال، تبدأ الأهوال! تُقطَّع أربعة أطرافه، ويُلقى بها في النار حياً، حتى إذا نضجت وفاحت رائحة الشواء الآدمي شُقَّ من مُنفرَجه، أي من السُرة كما يُقال أو ما دون السُرة في الحقيقة، أي من العانة، شُقَّ من المُنفرَج إلى أعلى الصدر، ثم أُخِذت أمعاؤه وحشاياه فطُرِحت في النار، ثم بعد ذلك تُقطَع رأسه، بعد أن يُقطَع أو يُقطَّع أربعة أجزاء تُقطَع رأسه في الأخير، وهكذا تُنفَّذ العقوبة.

لا أحد يقول إن هذه عقوبة حقيقية، هذه ليست عقوبة، هذه بشاعة، هذه مجزرة، هذه مذبحة، هذا نوع من – والعياذ بالله – السادية، التلذاذ أو الاستلذاذ بتعذيب الآخرين ورؤية الآخرين يتعذَّبون، والعجيب أن الجماهير لم تكن تثور على أمثال هذه البشاعات والمجازر البشرية، لم تكن، بالعكس! يقول المُؤرِّخون والعلماء الباحثون كلما زادت القسوة كلما زاد عدد الجماهير، وخاصة إذا كان المحكوم من ذوي الحيثيات، أي من ذوي المكانة الاجتماعية، إذا كان شخصاً مشهوراً بأي طريقة أو بأي ضرب من ضروب الشهرة، الناس يُحِبون أن يحضروا إعدامه، للأسف الجماهير كانت هكذا، مع أن أياً منهم يُمكِن أن يُجَر إلى المحكمة، ويكون هذا مصيره بذريعة من الذرائع، فالسحر كان جريمة يُعاقَب مُتعاطيه بالإعدام – مثلاً -، وأشياء كثيرة جداً جداً، للأسف حتى القوانين الحديثة في الدول العاملة إلى اليوم بعقوبة الإعدام أو بعقوبة الموت تتوسَّع إلى حد مُثير للعجب، تتوسَّع! بعضها يذكر خمسين سبباً لإنزال هذه العقوبة، خمسون؟ خمسون، ثم هم ينتقدون الإسلام، الذي لم يذكر في النص الكريم إلا ماذا؟ إلا سببين، اثنين فقط! وهما الأجدر فعلاً بإنزال هذه العقوبة بمَن يتعاطاهما، لكنهم يتكلَّمون ويتندَّرون.

يبدو أن ذنب الإسلام أنه قديم، دين ينتمي إلى العصر الوسيط، ليس مُحدَث، لو كان مُحدَثاً لقالوا هذا هو التقدم، هذا هو القانون، هذا هو الشرع، وهذه هي الإنسانية، سببان اثنان، لا ثالث لهما، مثلاً! لكن لا، لأنه ينحدر من العصر الوسيط إذن لابد أن يكون رجعياً! هذه هي الرجعية في التفكير في الحقيقة، الرجعية تكمن في تفكيرهم وفي مناهجهم وفي زوايا نظرهم أو مناظيرهم كما يُقال للأسف الشديد.

أعتقد أنه في ضوء هذه الخلفيات وبدءاً من عصر الأنوار في القرن الثامن عشر أو عصر التنوير كما يُقال – أي الــ Aufklärung والـــ Enlightenment – بدأ المُفكِّرون والفلاسفة التنويريون – ليسوا جميعاً، وإنما بعض هؤلاء – يُنادون بضرورة تحسين وتلطيف هذه العقوبة، أي عقوبة الإعدام، بحيث تكون على الأقل أبعد من الإيلام وأقرب إلى الرحمة، وبعضهم نادى فوراً ورأساً وأصلاً بإلغائها، لأنها بربرية ووحشية وغير لائقة، تحت أيضاً مُبرِّرات نظرية وفلسفية كثيرة، البعض نادى بهذا والبعض نادى بهذا، والبعض أقرها، فجان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau – مثلاً – كان مُقِراً لها، كان يقول الدولة لديها الحق بمُوجب ما يُعرَف بالعقد الاجتماعي في إزهاق روح المُواطِن الذي يخرج على قانونها، وهذا هو فحوى العقد الاجتماعي، المُواطِن هو الذي أعطى الدولة حق إزهاق روحه بمُوجب هذا العقد.

عمانوئيل كانط Immanuel Kant – هذا الفيلسوف النقدي الألماني العظيم والشهير – كان مع عقوبة الإعدام، وكان صاحب نظرية تُعرَف بنظرية العدالة، وهي نظرية مُغرِقة في المثالية، وربما نتطرَّق إليها بعد قليل، لكن على كلٍ بعضهم كالفيلسوف الجنائي والباحث في علم العقاب والجريمة المشهور جداً وهو سيزاري بيكاريا Cesare Beccaria الإيطالي لم يكن كذلك، دعا إلى إلغائها، وله مُبرِّرات، لا تزال تتردَّد وتتكرَّر إلى يومنا هذا، يتكئون عليها وعلى ما قال الفيلسوف الجنائي الإيطالي بيكاريا Beccaria، قالوا لأن لديه مجموعة حُجج قوية في الحقيقة، وربما أيضاً نتطرَّق إلى الكلام على بعض هذه الحُجج.

وظل هذا الأمر إلى اليوم مجال أخذ ورد، أي مُعترَك أنظار كما يُقال، مُعترَك أنظار ومُصطرَع أفكار، فهناك دول إلى الآن ترى أنه من المُستحيل وأنه من غير الصحيح بالمرة إلغاء هذه العقوبة، وفي رأسها اليابان – مثلاً -، تقول لا، غير صحيح مُطلَقاً البحث في هذه المسألة، يختل النظام، ويختل الأمن، نحن معها – يقولون – وسنبقى معها، وربما آخر حالة سمعنا عنها في سنة ألفين، في تموز ألفين في اليابان بعد حادثة تسميم مترو الأنفاق بالسارين Sarin، حُكِم على واحد بالإعدام، لأن هذه العصابة – عصابة الحقيقة المُطلَقة – طبعاً بهذه العملية الجنونية أو الإجرامية البشعة تسبَّبت في مصرع اثني عشر إنساناً أو شخصاً وتأثر خمسة آلاف، ماذا نفعل مع هؤلاء؟! 

نفعل ما قاله أستاذ قانوني سويسري كبير، قال هل من العدالة وهل من العقل والفطانة أن يُنعَم على مَن طفحت كأسه بالسوءات والجرائم – أي هذا المُجرِم القاتل، مثل هؤلاء! هدفهم أن يقتلوا الآلاف من الناس بضربة واحدة – بسكن هادئ مُريح، يتوفَّر له فيه الطعام والشراب والهدوء بحيث لا يتعانى هماً واحداً من هموم الدنيا؟! يتحدَّث عن ماذا هو؟ عن السجن، بلُغة شيخنا محمد الغزّالي – رحمة الله عليه – أن يُعلَف كالدابة في السجن، ما هذا؟ قال أهذا عقل؟ وهو قانوني مشهور وعالمي، قال أنا لست معهم، أنا مع استبقاء هذا الأمر، لكن إلى الآن لا يزالون يختلفون، الجمعيات والفلاسفة والقانونيون والدول والنُظم والحكومات، تختلف! بعضها وافق أن يُلغي هذه العقوبة، وبعضها لم يُوافِق، وبعضها مُتردِّد، وبعضهم ألغاها نسبياً أو جُزئياً، بحيث حصرها مُضيِّقاً نطاقها في أشياء بعينها، كخيانة الوطن – مثلاً – والقتل، وهذا ما دعا إليه مونتسكيو Montesquieu في كتابه روح الشرائع أو روح القوانين، الفيلسوف الفرنسي التنويري الشهير مونتسكيو Montesquieu قال ينبغي حصر هذه العقوبة فقط في أمرين: أمر القتل، وأمر خيانة الوطن، ما عدا ذلك لا يجوز، وهذا قريب جداً مما في كتاب الله – تبارك وتعالى -.

القرآن قال – هذا القرآن، لا نتحدَّث عن السُنة، السُنة فيها مجال للأخذ والرد والخلافات الفقهية والعلمية، انتبهوا! موضوع رجم الزُناة فيه كلام طويل وعريض، موضوع قتل المُرتَدين فيه كلام طويل وعريض، أي هو ليس شيئاً مُؤكَّداً بنسبة مائة في المائة، أما المُؤكَّد بنسبة مائة في المائة وهو ليس مجال خلاف ما ورد في كتاب الله تبارك وتعالى – وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ۩، مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ۩، مَن قتل نفساً يُقتَل، والشيئ الثاني إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۩، الآية فيها مجال للقتل، وفيها مجال لعقوبات أُخرى كالنفي من غير قتل، الحرابة! ومع ذلك قال إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، إن تاب ونزع وترك هذا الإجرام والولوغ في أعراض الناس ودمائهم وأموالهم فهذا لا سبيل ولا سُلطان لكم عليه، وهذا من رحمة الشريعة، ويبدو أنها غير مُتشوِّفة بالمرة إلى سفك دماء الناس، إلا أن تُضطَر إلى ذلك اضطراراً، آخر العلاج الكي كما يُقال.

إذن هما أمران اثنان، هناك العبث بأمن الأوطان، وهذا يدخل فيه ماذا؟ خيانة الأوطان، بحيث أحياناً بعض أعمال الخيانة والعمالة – والعياذ بالله – تُؤدي إلى ماذا؟ إلى ضرب مُنشآت حيوية، إلى قتل أبناء الوطن أيضاً، إلى هتك أعراضهم، إلى تصفية قيادات مُهِمة سياسية أو عسكرية في الوطن، هذا معنى الخيانة أحياناً، طبعاً مثل هذه الخيانة التي عناها مونتسكيو Montesquieu والتي ترجم وعنون لها الكتاب العزيز بأنها مُحارَبة لله ورسوله وهي مُحارَبة للمُجتمَع وللوطن بلا شك من العدل أن يكون جزاؤها أحياناً القتل، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

أيها الإخوة:

أُحِب فقط أن أُشير إلى بعض حُجج الذين يُطالِبون بإلغاء هذه العقوبة، ويستبشعونها، ويستشنعونها، ويُطرِّقون بها طريقاً إلى النيل من القرآن الكريم ومن الشرع الحنيف، يقولون هذا لو كان شرعاً ربانياً حقاً وشرعاً إلهياً لما أتى بهذه البشاعة وبهذه الشناعة التي اسمها القصاص، عقوبة الإعدام! القاتل يُقتَل، هذه شناعة عندهم، شيئ عجيب! ما شاء الله، فهذه شناعة وبشاعة، لكن لا يُطيلون النفس كثيراً في بشاعة القتل نفسه، في بشاعة العدوان على الأبرياء وظلم الضحايا المساكين الوادعين الآمنين، لا يتكلَّمون كثيراً في هذا، يتكلَّمون كثيراً بلسان ماذا؟ ويُفرِغون عن منطق مَن؟ عن منطق المُجرِم، ويحتالون له بشتى الحيل، ويعتذرون عنه بشتى المعاذير، حتى يكاد لا يُوجَد مُجرِم إلا جعلوه ماذا؟ معذوراً وضحيةً، وهو أولى وأحرى وأقمن بأن تُنزَل به الرحمة من العقاب، وأن يُنظَر في حاله المسكين، هو ضحية! ضحية الظروف النفسية والعُقد والكبت والصراعات الداخلية والمُجتمَعية والطبقية، إنه ضحية المُجتمَع في نهاية الأمر، كأن هذه الضحية ليس لها ضحية! 

المُفارَقة هنا أن هناك مَن هم ضحية أو ضحايا الضحية، قالوا هم ضحايا وهو أيضاً ضحية، فرحمة الله على الجميع، والعدل للجميع، والسعة للجميع، منطق عجيب! منطق عجيب حدى بالكاتب المادي العلماني المُلحِد ألدوس هكسلي Aldous Huxley في كتابه Texts and Pretexts إلى قول ينبغي أن يُوقَف المُحلِّل النفسي على قدم سواء مع المُجرِم الخُلقي، كلاهما مُجرِمان! هذا مُجرِم وهذا مُجرِم لأنه يُريد أن يعتذر وأن يُبرِّر.

طبعاً الاعتذار المفروض أن يكون أمراً وراء – وراء وغير ومُختلِف عن ماذا؟ – التفسير، فمن حق المُحلِّل أن يُحلِّل ومن حقه أن يُفسِّر، قبل أيام أقرأ في كتاب لعالم نفس أمريكي مشهور جداً على مُستوى القارة الأمريكية، عنده كتاب عن هذا الموضوع، لكن من زاوية واحدة فقط، عن الحروب وعن الأطفال الذين يُمارِسون القتل، فقط! يدرس هذه المسألة، فلماذا؟ هذا الكتاب اسمه Trained to Kill، أي المُدرَّبون على القتل، اسمه Trained to Kill، يقول عبارة عظيمة جداً جداً، يقول هؤلاء يبحثون – وهو عالم نفس، هو عالم نفسي أصلاً، مشهور جداً، وله كتابات وأبحاث – عن المعاذير، لكن لماذا لم يطرحوا موضوع البدائل؟ ما هو عُذرك أن تمتشق المُسدَّس وتبدأ رشاً في الناس؟ أليس هناك بدائل؟! هناك بدائل أُخرى، لماذا لم تضرب بيدك؟ لماذا لم تصرخ؟ هو العنف مُباشَرةً، أقصى درجات العنف إذهاب الحياة الإنسانية، وكأنه لا تُوجَد بدائل أُخرى للتنفيس عن الغضب والتنفيس عن الاحتجاج وعن كذا وكذا، هذا عالم نفس، ويقول الكلام هذا!

قال لا يتكلَّمون عن البدائل، وعلى كل حال قال نحن نُعطي أنفسنا ونُعطيهم فُرصة أن نفهم، لكن لا يعني أن نفهم بالضرورة أن نُبرِّر، لا! أحياناً أفهم وأقول ينبغي أن يُعدَم، أفهم وأقول ينبغي أن يُعاقَب، لا أفهم وأقول إذن ينبغي أن يُعفى عنه، ليس دائماً الأمر هكذا، لأن هناك بعض الجرائم على درجة عالية من التفاهة والوضوح الجنائي، هذا واضح جداً، نجد بطريقة واضحة تماماً وفاقعة أنها ماذا؟ أنها جرائم، لا مُبرِّر لمَن يرتكبها بارتكابها.

كذاكم الشاب الفرنسي الذي أغضبه والده لمُجرَّد أن سأله من أين في هذه الساعة المُتأخِّرة من الليل؟ رجع إلى أبيه في الساعة الثانية ليلاً، فأبوه سأله من أين؟ الساعة الآن الثانية ليلاً! فغضب، فأخذ حديدةً – قضيبة أو حديدة، تُحرَّك بها النار في المُوقَد – وانهال به ضرباً على رأس أبيه من الخلف، فأرداه قتيلاً، ثم تحوَّل إلى أمه المذعورة الفزعة التي تصرخ، وفعل بها مثلما فعل بأبيه، مسكين هذا! عنده ضغوطات، عنده كبت.

فرويد Freud يتكلَّم بنفس طويل في كتابه Totem and Taboo، أي الطوطم والمُحرَّم، في Totem and Taboo يتكلَّم بنفس طويل عن الكبت – كبت الرغبات والنزعات والميول الغرزية، يُسميها أهل الأديان الفطرية، ويُسميها غيرهم من الفلاسفة الطبيعيين بالميول الطبعية أو الطبيعية، أي Natural -، قال كبت هذه النزعات والميول الغرزية هو سبب كثير من الجرائم، جميل جداً! نحن الآن صرنا إلى مُجتمَعات تقريباً لا يكاد يُوجَد فيها ما هو مكبوت، كل شيئ مرخي له العنان، مفتوح على مصاريعه، فما بال الجريمة تزداد وتتوحَّش وتزداد بشاعةً وشناعةً وفظاعةً؟! أي تفسير هذا؟! الكبت – قال لك -، لا! انتهى الأمر، لا تكبتوا الناس، أعطوا الناس حرياتهم.

هناك في المُجتمَعات الغربية الرأسمالية الليبرالية يكاد يكون فقط الكيان الاقتصادي من أكثر الوجوه للفرد هو فعلاً المكبوت والمُقيَّد طبعاً، أما بقية أجزاء الكيان الإنساني ففعلاً تتحرَّك في حرية لم يسبق لها أي مثيل، يفعل ما يشاء، ويأتي ما يشاء! كبعض الوزراء، فوزير خارجية الدنمارك على ما أعتقد في أواخر الثمانينات كان شاذاً جنسياً، أي سدومياً، كما نقول إنه لوطي، كان سدومياً، وزير خارجية هذا! وبعد ذلك عُقِد ماذا؟ عُقِد – والعياذ بالله – عقد قرانه مع شاب آخر، كان هو في الستين، والشاب هذا كان في العشرين من عمره، مع أنه مُتزوِّج وله ثلاث بنات، أي هذا الوزير الدنماركي، تم هذا في الكنيسة، مُبارَك! وبعد ذلك في لقاءً في التلفزيون Television قال يا له من بلد جميل! يا له من عصر مُريح جداً جداً! كل إنسان يفعل ما يُريد ويترك ما لا يُريد دون أن يجد غضاضة من المُجتمَع أو من الناس، شكراً لهذا العصر، نعم شكراً، وسوف نرى أين الجريمة؟ وما الذي حديث للجريمة وللجرائم بأنواعها؟ ثم يتحدَّثون عن الكبت، شيئ غريب جداً!

أيها الإخوة:

في الخمس وخمسين – أي في ألف وتسعمائة وخمس وخمسين – قام الكاتب الإنجليزي المجري الأصل واليهودي طبعاً آرثر كوستلر Arthur Koestler بدعوته المشهورة عالمياً إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وحشد رأياً عالمياً للــ Elite، أي للصفوة كما يُقال، من الكتّاب والفلاسفة والصحافيين، كان منهم الفيلسوف والكاتب والفنّان الروائي الفرنسي الجزائري المولد ألبير كامو Albert Camus، مشهور كامو Camus، ألبير كامو Albert Camus كان منهم، وبرتراند راسل Bertrand Russell، وكثيرون، مثل أرنولد توينبي Arnold Toynbee المُؤرِّخ الإنجليزي العظيم أيضاً.

كل هؤلاء تعاطفوا مع الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وكان عندهم تبريرات كثيرة، من ضمن هذه التبريرات الآتي، وطبعاً أنا سآتي بمُعظَم ربما هذه التبريرات على لسان ألبير كامو Albert Camus لأنه في حدود اطلاعي البسيط أحسن مَن دافع عن هذه المسألة، عنده كتاب كامل اسمه أفكار على المقصلة، اسمه Reflections on the Guillotine، أعتقد بالفرنسية كلمة Guillotine تُنطَق Guiotin، أي من غير الــ L، نسبة إلى الدكتور الذي اخترعها، اخترعها دكتور طبيب اسمه الدكتور Guillotin، بالإنجليزية كلمة Guillotin تُنطَق Guillotin، أي كما هي، اخترع المقصلة، وقال أنا اخترعت هذه الوسيلة لأنني أعتقد أنها غير مُؤلِمة بالمُطلَق، كل ما هُنالك – قال – أو أكثر ما هُنالك لسعة باردة يشعر بها المحكوم، وذلك حين تنزل الشيفرة الحادة، وهي تزن أكثر من عشرين كيلوجراماً Kilogram، هذه تنزل وتهوي على رقبته في حُفرته، قال هذا هو، المُهِم عنده كتاب اسمه ماذا؟ أفكار على المقصلة، ويُعرَف بالمقصلة.

طبعاً ألبير كامو Albert Camus سماه بهذا الاسم لماذا؟ هو يقتبس الأديب الفرنسي والروائي العظيم فيكتور هوجو Victor Hugo، صاحب البؤساء وأحدب نوتردام ورجال البحر أو عمّال البحر، إلى آخره! الذي قال مرةً المقصلة عندي تُدعى فلان، مثلاً لورنسو Lourenço، مَن هو هذا الفلان؟ رجل قُصِلت رأسه بالمقصلة، ثم تبيَّنه أنه كان بريئاً، هذه هي المقصلة! قال كامو Camus لا يعني أن كل مَن قُصِلت رؤوسهم أنهم مثل لورنسو Lourenço هذا، قال لا، ولكن يكفي لورنسو Lourenço واحد لتلطيخ سُمعتها إلى الأبد، كلام عاطفي! هذا الكلام ليس قانونياً وليس أخلاقياً وليس تشريعياً ولا يُمكِن أن يخضع له قانوني مُحترَم، هذا كلام عاطفي، كلام أديب جامح الخيال وخصب الخيال، أنا وجدت أن هذا الرجل في الكثير مما ساق من حُجج إنما كان مُتأثِّراً بجموح خياله، هو فنّان روائي، كامو Camus فعلاً عنده روايات عظيمة وعميقة جداً جداً، وإن كانت رسالتها في الأغلب سلبية، على كل حال هو وما اختار لنفسه، لكن عنده خيال.

وفعلاً الكتاب ينجح في إبراز كيف تقمَّص ألبير كامو Albert Camus دائماً دور هذا المحكوم الذي في نظره صار ضحية، المسكين! كيف يكون حين يُسجَن؟ كيف يكون حين ينتظر الحُكم؟ كيف يكون حين يصدر الحُكم؟ هل يُوجَد استئناف؟ هل لا يُوجَد استئناف؟ كيف يكون حين ينتظر كذا؟ متى يكون تنفيذ الحُكم؟ في أي مكان؟ وفي أي ساعة؟ هذه عذابات – قال -، هذه عذابات عظيمة جداً جداً جداً، لا يُمكِن أن نقيس بها أو نُقارِن معها عذابات الضحية، الذي ولج إلى عالم الموت في لحظة من غير إنذار، قال كأن هذا رُحِم، قُتِل في لحظة هذا، لكن هذا يُقتَل في أشهر وأحياناً في سنين، خاصة في سجون أمريكا، يبدأ ينتظر المسكين أحياناً خمس سنوات أو سبع سنوات، ثم يُعدَم بعد ذلك، قال هذه جريمة، هذه جرائم مُتراكِبة.

هذا كلام عاطفي، هذا كلام عاطفي وانفعالي، والجواب عنه حاضر عتيد على كل حال، فأنا أقول كان حرياً به قبل أن يتقمَّص دور الضحية الثانية – وهذا جميل، هذه السمباثية والإمباثية جميلة طبعاً، هو فنّان وأديب وفيلسوف، لكن أحسن من ذلك وأحرى به أن يتقمص ماذا؟ – أن يتقمَّص دور الضحية الأولى، الضحية الأولى وليست الضحية الثانية، دور أهل الضحية، أبناء الضحية، بنات الضحية، الأب، والأم، فهذا هو! لكنه لم يفعل هذا، لم يفعله مرة واحدة على طول كتابه، تمنيت أن أقرأ جُملة واحدة يتقمَّص فيها ألبير كامو Albert Camus دور الضحية أو ذويها، لم يفعل إطلاقاً، ويرى نفسه فيلسوفاً اجتماعياً مُحترَماً ويتكلَّم بحيدة وموضوعية، ليس كذلك، ليس كذلك أبداً!

أولاً يحتجون بأن واهب الحياة هو الله – تبارك وتعالى -، ولا يستطيع أحد غير الله أن يسلبها، جميل جداً! هذه حُجة تصدق في مُجتمَع علماني ربوبي – أي Deist -، ما معنى ربوبي؟ أي يُؤمِن بالله كخالق للكون، لكن لا علاقة لهذا الخالق بماذا؟ بمَن خلق، لا يُدبِّرهم، لا يشرع لهم، لا يأمرهم، ولا ينهاهم، أي خلقهم وتركهم ماذا؟ سُدى، أعطاهم شيئاً اسمه العقل، ينوب مناب ويقوم مقام النبوة والشرائع، هذا المذهب اسمه في الفلسفة وفي الفكر الغربي الحديث وليس المُعاصِر، اسمه المذهب الربوبي، كان يقول به – مثلاً – فرانسوا فولتير François Voltaire، كان ربوبياً، إذا سألته الله موجود؟ يقول لك الله موجود، إذا قلت له هل تعبده؟ يقول لك لا، ليس في حيز عبادتي، إذا قلت له هل تُحرِّم ما حرَّمه؟ يقول لك لا، هذا كلام فارغ، لا يُوجَد مُحرَّم ومُحلَّل، هذا كله كلام فارغ، كلام أنبياء كذبة وأديان فارغة، الله موجود ولا علاقة له بنا، أعطانا شيئاً سماه رينيه ديكارت René Descartes أعدل الأشياء قسمةً بين الناس، وهو العقل، بالعقل نعرف نحن ما ينبغي أن يُقال إنه جائز أو غير جائز – لا يُحِبون كلمة حلال وحرام – وإنه مشروع أو غير مشروع، وهذه مسألة نسبية، نختلف ونتفاوت، فلا بأس، حتى يصل العقل إلى آخر شوطه ومشواره، كلام غريب!

فأنا أقول هذه الحُجة – إن صدقت – ليست حُجة عامة، تصدق في المُجتمَعات الربوبية، العلمانية الربوبية! وليست في المُجتمَعات ماذا؟ التي ترى أن لله فيها وعليها أمراً ونهياً، أي مُجتمَع! بمعنى أن هذه المسيحي الحقيقي المفروض أن يرفضها، واليهودي الحقيقي طبعاً لا يُمكِن أن يقبل بها، والمُسلِم الحقيقي من أمحل المُحال أن يخضع لها أو يقبل بها.

العجيب أن في آخر دراسته يقول ألبير كامو Albert Camus – وهذا ما أثار دهشتنا، هنا كان مُنصِفاً الرجل – الآتي، يقول في نظري هناك حُجة واحدة فقط يُمكِن أن تُبرِّر عقوبة الإعدام، هو وجد حُجة واحدة فقط يُمكِن أن تُبرِّر عقوبة الإعدام! ما هي؟ الحُجة التي كانت تستعلن بها الكنيسة أنها إنما تُنفِّذ هذه العقوبة لتُتيح مجالاً لهذا المُجرِم ولهذا الجاني أن يُكفِّر عن ذنبه، لا يُوجَد تكفير إلا بأن نُنزِل بك مثل ما أنزلت بالضحية، قتلت فتُقتَل أو قطعت فتُقطَع أو وعذَّبت فتُعذَّب، وهكذا نُتيح لك مجالاً لأن تُكفِّر عن ذنبك، قال هذا هو المُبرِّر الوحيد المُقنِع، لكن ليس مُقنِعاً لكامو Camus، هو مُقنِع لأصحابه طبعاً، قال لكن ما الحيلة وقد صرنا في مُجتمَع لا يُؤمِن بهذه الأفكار؟! مُجتمَع فرنسي لائكي، العلمانية الفرنسية ليست فقط مُحايدة مع الدين، بل هي ضد الدين، ترى نفسها في حرب حقيقية، تُريد أن تمتلخ الدين من جذوره، وهذه هي خطورة العلمانية الفرنسية، بخلاف العلمانية في بريطانيا، هذا إن صح أن تُسمى أصلاً بريطانيا علمانية، يبدو أنها مزيج من العلماني والديني.

فعلى كل حال أنا أقول جميل جداً، إذن هذه حُجة بيد كل مُتدين، من جهة أُخرى المُتدين سواء كان مُسلِماً أو غير مُسلِم – من أصحاب الشرائع السماوية – يقول لسنا نحن أو ليس حتى الرسول ولا القاضي ولا أي فلان أو علان من الناس هو الذي شرع عقوبة ماذا؟ القصاص، أي قتل القاتل، وإنما ماذا؟ الذي وهب الحياة بنفسه، الذي خلق هذا وهذا هو الذي أمر وحكم بأن يُقتَل هذا إذا قتل هذا، فإذن هذه حُجة ساقطة، وهذا كان أولاً، هذه حُجة ساقطة!

ثانياً قالوا هذه جريمة، عقوبة الإعدام جريمة، لا تعدلها ولا تُقاس بها كل الجرائم، وأي جريمة يُمكِن أن يكون جزاؤها القتل؟ قالوا هذا لا يُوجَد، كيف؟! أنا لم أستطع فهم هذا، لم يتسع ذهني لهذا الشيئ، حتى ولا جريمة القتل نفسه؟! يتم قتل الأفراد والجماعات أحياناً، أي هل لا يستحق الإعدام مَن قتل وتسبَّب أو باشر قتل واحد من الناس أو عشرات وأحياناً آلاف من الناس وأحياناً يكونون من أبناء مُجتمَعه ومن أهله وذوي قُرباه وجيرته ومحلته؟ هل هذه الجرائم مُجتمِعة لا تستأهل الإعدام؟ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ۩، عجيب! كلام فانتازيات Fantasies كله، هذه Fancies، خيالات عجيبة جداً، ولا ندري كيف؟!

طبعاً بطريقة كامو Camus الضحية تُقتَل غيلةً، تُقتَل غيلةً وغدراً، فجأة هكذا! وتدلف إلى عالم الموت على حين غرة، لا تكاد تشعر بشيئ، أما هذا المسكين فيُقتَل بالبطيء، عبر أشهر وسنين كما قدَّمت لكم، قالوا إذن هذا ليس كهذا، هل هذا فكر؟! هل هذه فلسفة؟! إذن أنا سأُجيب عن هذا ببساطة أيضاً، بمثل هذه البساطة التافهة، سنُجيب ببساطة – إن شاء الله – لا تكون تافهة.

الضحية يا حبيبي لم يكن له لا رغبة ولا خيار ولا إرادة أن يُقتَل، الضحية كان يُحِب أن يُواصِل حياته بين أولاده ومع زوجه، أن يُمارِس هواياته في الحياة، أن يُحقِّق أهدافه وأمنياته في الحياة، مُتشبِّثاً كان بالحياة، وأنت قضيت على حياته دون أن تستشيره، أليس كذلك؟ لكن أنت حين يُقضى – الأبعد – على حياتك يختلف الأمر، في الحقيقة بنسبة ليست أقل من تسعين في المائة أنت الذي اخترت هذا، وبالذات في ظل مُجتمَع وتشريع وقانون الأمر فيه واضح تماماً، القاتل يُقتَل، إذن أنت الذي اخترت بطريقة أو بأُخرى أن يكون هذا مصيرك، على حين أنه هو لم يختر أن يكون ما اخترته أنت له مصيره، أين العدل هنا؟!

ولذلك أنا أقول لكم بعض علماء الشريعة ضد إلغاء عقوبة الإعدام، وكذلك بعض العلماء الآن حتى في العالم الحديث المُعاصِر، في العالم المُعاصِر كأمريكا – مثلاً -، وخاصة الأطباء، هناك مَن يرفض ذلك، لذا أنا استغربت، فهناك الجمعية المشهورة بجمعية الأطباء في أمريكا، والتي تضم زُهاء ثلاثمائة ألف عضو، هذه الجمعية إلى اليوم ضد إلغاء عقوبة الإعدام، وهؤلاء أطباء، قالوا لكم لا، بل بعضهم بالغ وقال ليس عدلاً أن نبحث عن الوسائل الأقل إيالاماً، مثل حُقنة الغاز ومثل نقص الأكسجين Oxygene على الطريقة الهولندية في الإعدام ومثل… ومثل… قالوا غير صحيح، هذا ليس عدلاً، وهذا ظلم، ما العدل؟ قالوا العدل أن يذوق الألم والعذاب كما ذاقته الضحية، وهؤلاء أطباء، هؤلاء أطباء ومُفكِّرون، ويقولون هذا، علماً بأن هناك اختلافاً استقطابياً حاداً جداً جداً، هناك وجهات في أقصى اليمين، وهناك وجهات نظر في أقصى اليسار، وهناك ما بين ذلك، ونهاية الخُطبة ستكون وقفاً على موقف الإسلام، ماذا يقول الإسلام في هذه القضية؟! هذا موضوع طويل ومُثير على كل حال.

إذن بمثل هذه البساطة يبدو أن هذا المنطق لا يصح، بل هو مُتهافِت لا يقوم، إذن أين العدل هنا؟ لا يُوجَد عدل، ولذلك يقول بعض علماء الشريعة إن مَن قُتِل قصاصاً لأنه قتل في رأينا – يقول هذا بعض علماء الشريعة وليس كل العلماء – لا يُكفِّر ذنبه يوم القيامة، عجيب! لماذا؟ قالوا لأنه إنما قُتِل لحق المُجتمَع، لتأمين الناس! وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ۩، قالوا هذه حياة المُجتمَع، حتى نأمن من غوائل هذا المُجرِم، أما المسكين الذي ذهب ضحيةً – هذا منطق الفقهاء، ويُوجَد جُزء فلسفي فيه، وهو جُزء عميق وقانوني أيضاً، من المُفروض أن يستهدي به رجال القانون – أو قالوا أما الضحية الذي ذهب هكذا غيلةً دون أن يختار أو يتسبَّب في موته غيلةً فأمر يختلف، أين حقه هذا المسكين؟ قالوا لابد أن له حقاً يوم القيامة يأخذه من هذا المُجرِم، هذا الكلام فيه وجهة نظر، نعم! فعلاً فيه وجهة نظر، ليس كالمنطق المقلوب الذي تقدَّم به ألبير كامو Albert Camus وآرثر كوستلر Arthur Koestler وأمثال هؤلاء.

أيضاً من حُججهم أنهم قالوا لم نُشاهِد الجرائم قلت – جرائم القتل مثلاً، أو الجرائم التي يُعاقَب عليها بالإعدام -، قالوا لم نُشاهِدها قلت بعد تنفيذ أحكام الإعدام، وطبعاً هذا ينبني على ماذا؟ ينبني على تسليم نظرية أو موقف أو مذهب فلسفي فيما يُعرَف بتبرير العقوبة، أي Justification of punishment، هذا تبرير العقوبة، أي لماذا العقوبة إذن؟ تبرير العقوبة معناها لماذا العقوبة؟ ولماذا يُسوِّغها رجال القانون؟ وطبعاً هذا الموضوع أيضاً مسرح نظر كبير جداً جداً، وهناك ثلاث نظريات مشهورة في علم القانون وفي علم العقاب – أي البانولوجيا Penology -.

هناك مَن يقول العقوبة تأتي كجزاء مُقابِل، كجزاء! وهذه نظرية مثالية، اسمها نظرية العدالة، هذه نظرية العدالة! أي مَن فعل جُرماً لابد أن يأخذ جزاءه، بغض النظر اتعظ هو – إن لم يكن العقاب هو القتل – أو لم يتعظ واتعظ غيره أو لم يتعظوا، هذا لا يعنينا، ما يعنينا في نظرية الجزاء المُقابِل أو نظرية العدالة أن مَن ارتكب جُرماً لابد أن يأخذ ماذا؟ جزاءه، وهذا صحيح فعلاً، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ۩، أنجعل المُسيئين كالمُحسِنين؟! إنسان أساء ولابد أن يأخذ جزاءه، إنسان أحسن ولابد أن يُثاب، هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ۩، فهذا منطق فطري فعلاً، وطبعاً هذه النظرية أصبح الآن أنصارها أقل، ولكن ما يزال لها أنصار بحمد الله، ولها جذور في الشريعة الإسلامية، قال الله – تعالى – وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ۩… ماذا؟ جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۩، قال جَزَاءً ۩، إذن منطق الجزاء، ارتكب جُرماً ولابد أن يُجازى، بغض النظر عن الأشياء الأُخرى التي قد تكون عرضية أو ثانوية وليست أولية، مثل أن يتعظ هو أو يتعظ غيره، هذه المسألة فيها أيضاً مجال للأخذ والرد، أي إنها ليست قطعية طبعاً، لأن هناك مَن يتعظ بلا شك، وهناك أيضاً مَن يتعظ مِن المُجرِمين أنفسهم، إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۩، قال جَزَاءُ ۩، والجزاء معروف، هو العقاب المُقابِل، الجزاء هو ما يُقابِل الجريمة أو ما يُقابِل الجُرم.

ومن روّاد هذه النظرية المثالية إيمانويل كانط Immanuel Kant، الفيلسوف الألماني الكبير، وله مثال – حتى لا نُصدِّع رؤوسكم – في نقد ملكة الحُكم، وهو مثال مُمتاز، يقول لو أن سكان جزيرة مُعيَّنة – جزيرة Island – أرادوا أن يُغادِروها – طبعاً كلهم – هل يختفي المُجتمَع أو لا يختفي؟ لو غادر السكان هذه الجزيرة من عند آخرهم هل يختفي المُجتمَع أو لا يختفي؟ يختفي، لا يُوجَد مُجتمَع في هذه الجزيرة، تُصبِح جزيرة فقط، ليس هناك أي مُجتمَع إنساني، فالتبرير ليس اجتماعياً، هو تبرير مثالي، اسمه العدالة، الجزاء! لو أرادوا أن يُغادِروا هذه الجزيرة من عند آخرهم وارتكب واحد منهم أو جماعة تستحق العقاب بما فيه الموت – كانط Kant يقول – لابد أن يُنزَل بهم العقاب حتى لو كان الموت ويُماتوا، مع أن سكان الجزيرة في طريق مُغادَرتها نهائياً بحيث يختفي المُجتمَع.

إذن ما الذي أعطى العقوبة هنا تبريرها؟ أين الــ Justification؟ أين التبرير؟ هذا غير موجود، لا يُمكِن أن يُقال هذا من أجل حماية المُجتمَع أو من أجل ردع كذا، لا يُوجَد لا ردع ولا حماية، انتهى المُجتمَع، لا يُوجَد مُجتمَع! كانط Kant عقل كبير، هو ماكينة تفكير، ماكينة! فيلسوف ماكينة، ولكن قال ماذا؟ العدالة، الضمير – قال – هذا، وهو الذي أطلق عبارته الشهيرة، قال الله – تبارك وتعالى – خلق في كل نفس بشرية محكمة، محكمة لا تحيف، المفروض فيها أنها لا تحيف ولا تميل، قالوا ما هي؟ قال الضمير، هناك نزعات فطرية في الإنسان، كطلب العدالة، انتهى! هو أخطأ ولابد أن يُحاسَب.

هذه نظرية مثالية، ولها أنصار الآن قليلون، وهناك نظرية ثانية، هي نظرية ماذا؟ الردع، نظرية الزجر باللُغة الفقهية، يقولون الحدود زواجر أو جوابر؟ هل الحدود زواجر أو جوابر؟ طبعاً بالنسبة لكونها زواجر نقول اتفق على ذلكم الفقهاء جميعاً، بالنسبة لكونها جوابر نقول هذه مسألة خلافية أيضاً، بعضهم قال لا، فمثلاً القصاص هذا إذا جعلناه خلافاً للأحناف من جُملة الحدود – عند الأحناف الأمر ليس كذلك، فالحدود شيئ والقصاص شيئ آخر، على كل حال ماذا لو جعلناه من جُملة الحدود؟ – هل يُعَد جابراً أو زاجراً؟ وحتى لو لم نجعله من جُملة الحدود وأخذنا برأي الأحنف سينطبق نفس الشيئ على القصاص، هل هذا القصاص جابر أو زاجر؟ على رأي مَن ذكرت لكم قُبيل قليل هو زاجر، قالوا زاجر وليس جابراً، ما معنى أنه جابر؟ أي مُكفِّر، قالوا لا، لا يُكفِّر، هو زاجر فقط، لحماية المُجتمَع ودرء الشر والضر عنه، ولكن هذا الرجل معصوب ذنبه ضحيته بجبينه يوم القيامة، لكن أكثر الفقهاء قالوا جوابر، أي تُكفِّر، وهذا هو الأرجح، والأدلة كثيرة عليه، الأدلة الصحيحة كثيرة عليه.

معنى ذلك أن هناك الردع، والردع قد يكون ردعاً عاماً – أي General – وقد يكون ردعاً خاصاً – أي Particular -، ولذلك الردع الخاص هو ردع المُجرِم نفسه، بحيث لا يعود مرة أُخرى، قال – تعالى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۩، ما معنى نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۩؟ من نكل ينكل، أي تراجع، بحيث يتراجع بعد ذلك ولا يعود إلى تجربة تعاطي هذه الجريمة مرة أُخرى، قال هذا هو الأصل، هذا اسمه الردع الخاص، والردع العام أن يرتدع غير المُجرِم، أن يرتدع غير المُجرِم مِمَن يرى هذا العقاب الشديد الفظيع نزل بمَن تعاطى هذه الجريمة، فلا تُسوِّل له نفسه بعد ذلك أن يتعاطى مثلها، يقشعر ويكع ويتراجع ويتنكص عن مُجرَّد حتى التفكير ربما في تعاطي هذه الجريمة، هذا اسمه الردع العام.

ألبير كامو Albert Camus قال هذا الكلام غير صحيح، لا يُوجَد ردع، لماذا؟ قال لو كنتم تُؤمِنون بالعبرة – عبرة القصاص – وبالردع الفظيع المُفظِع لماذا لا تستعلنون بتنفيذ هذه العقوبات؟ عجيب! هذا لا يُمكِن حُجة فلسفية أو قانونية في مثل هذا السجال القانوني الفلسفي، لماذا؟ هذه القضايا نسبية مُتحرِّكة، ففرنسا التي يتحدَّث عنها كامو Camus أخر عقوبة إعدام علنية وقعت فيها كانت في ألف وتسعمائة وواحد وثلاثين، وبعد ذلك توقَّفوا عن هذا، صاروا يُدخِلونهم في السجون، الصين – مثلاً – إلى اليوم تقريباً كثير جداً من أحكام الإعدامات فيها تُجرى في الشوارع أمام الناس، يُوضَعون في مواكب مُعيَّنة، ثم يُطلَق الرصاص عليهم من خلفهم في رؤوسهم، أمام الناس! في إيران وفي السعودية الكثير من الأحكام تُطبَّق علناً أمام الناس، قال – تعالى – وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ ۩، فهذه مسألة واضحة مُتحرِّكة، إذا كانت فرنسا لا تستعلن بها فهذه ليست بحُجة، ليست هذه بحُجة ولا ببُرهان، على كل حال هذا اسمه الردع العام، قال لو كان هناك ردع لماذا تستحيون؟ إذن انتهينا من هذا.

النظرية الثالثة والأخيرة تقول هدف العقوبة ليس على هذا النحو، فالهدف هو إصلاح الجاني، أي الــ Reformation، إعادة بنائه، الهدف هو إصلاحه، إصلاح الجاني! هذه النظرية حديثة، وزاد زخمها مع نظريات التحليل النفسي والطب والعلاج النفسيين طبعاً، وهنا كاد المُجرِم – كاد المُجرِم وكل مُجرِم – يُفلِت بماذا؟ بجريمته، لأنه مسكين، هو مُعقَّد ومُلتاث وعنده مشاكل داخلية وخارجية وكذا وكذا وكذا، وهو يُريد ماذا منا؟ يُريد منا نحن فقط أن نُصلِحه، لكي نُعيده إلى المُجتمَع فرداً صالحاً.

وأنا أقول لكم الذين يُنادون بإلغاء عقوبة الإعدام ويحتجون بهذه الحُجة ليس عندهم جواب عن ما يُوافِقون عليه من أحكام السجن المُؤبَّد مدى الحياة، لأن أين الإصلاح هنا إذن؟ لم يخرج ثانيةً إلى مُجتمَع الناس الذي احتقب فيه جريمته لكي يكون صالحاً أو غير صالح، وأنت تُوافِق على سجن مُؤبَّد مدى الحياة، أليس كذلك؟ فأين هذا إذن؟ فقط هم يبدو أنهم بناحية عاطفية انفعالية يرفضون هذه العقوبة.

على كل حال هناك حُجة أُخرى، لكننا سنترك هذه الحُجج ربما لمُحاضَرة الغد، نُريد أن نعود الآن إلى موقف الشريعة، موقف الشريعة باختصار في هذه المسألة موقف عجيب جداً جداً، مَن عرفه واطلع عليه بحذافيره وبدقة علمية وفقهية يشهد أن هذا الشرع لا يُمكِن إلا أن يكون من لدن لطيف عليم حكيم خبير، إي بالله الذي لا إله إلا هو، مُستحيل غير هذا، عكس ما يعرف هؤلاء الجهلة والمُغامِرون بكشف عوراتهم العقلية والعلمية والنظرية، حين يُثرِّبون على الشريعة ويُدمدِمون عليها، عكس هذا تماماً!

أولاً هناك الجناية على النفس، لن نتحدَّث عن الجناية على ما دون النفس، ويُسمونها ماذا؟ الأعضاء والأطراف، لا! الجناية على النفس ما حُكمها في شرع  الله؟ ما حُكمها في شرع الله؟ ليس لها حُكم واحد نهائي، وطبعاً القتل هذا اسمه حُكم نهائي في لُغة القانون، ما معنى نهائي؟ أقصوي، هذا الــ Maximum، انتهى الأمر، لم يعد موجوداً، أنت قتلته، أعدمته كل الوجود، حياته أصلاً ورأساً، انتهى كل شيئ، ولذلك لا يُمكِن أن يُستدرَك هنا، الخطأ القضائي هنا ليس له استدراك، ومن هنا بالمُناسَبة يُعارِضون عقوبة الإعدام.

في الإسلام مَن قتل غيره يُقتَل، وطبعاً انتبهوا، نحن نتحدَّث عن القتل العمد، كما يُقال مع سبق الإصرار والترصد، هذا القتل العمد، أي القصد الجنائي مُتوفِّر، والأهلية الجنائية مُتوفِّرة، انتبهوا! لا نتحدَّث عن مجنون قتل، المجنون أمره يختلف حتى لو فعلاً هو مجنون في لُغة علم النفس، أي شخص Schizophrenic أو مُزدوِج الشخصية أو عنده شخصيات، بعض الناس عنده ازدواج في الشخصية، كتلك الحالة العربية، هذه مشهورة جداً في علم النفس، في تلك الدولة العربية هناك حالة تُمارِس دور مُدرِّسة شريفة مُتحجَّبة بالنهار، وفي الليل تلعب دور ساقطة، تبيع الهوى! ولا تدري هذه الشخصية بهذه ولا هذه بهذه، حالة مدروسة ومقروءة في الكُتب المدرسية – أعني الجامعية -، مثل هؤلاء بنص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا تكليف عليهم، هؤلاء لا تكليف عليهم، هؤلاء مجانين، يُحبَسون في المصحات العقلية إلى حين يشاء الله – تبارك وتعالى -، لا يُوجَد قتل، لأن هذا جنون، لكن نتحدَّث عن ذي أهلية جنائية، أي إنه ماذا؟ بالغ عاقل، الآن هل يُوجَد إكراه أو لا يُوجَد إكراه في القتل؟ هذه تفاصيل كثيرة جداً جداً، المُهِم أنه مُكلَّف باللُغة الشرعية، أو يُسمى بلُغة القانون ذا أهلية جنائية، يُسمى أو يُنعَت بأنه ذو أهلية جنائية، ليس صغيراً، ليس مجنوناً، وليس… إلى آخره! هذا في القتل، لا أتحدَّث عن كل الحدود، فهذا موضوع طويل، هذا في القتل فقط، وقتل قتلاً مُتعمِّداً، لأن القتل أنواع، عند الحنابلة والشافعية القتل ثلاثة أنواع: القتل العمد، وشبه العمد، علماً بأن قتيل شبه العمد النبي سماه قتيل خطأ العمد وقتيل السوط والعصا، إلى آخره! وبعد ذلك القتل الخطأ، عند المالكية والظاهرية نوعان فقط: عمد، وخطأ، عند الأحناف أربعة أنواع: عمد، وشبه العمد، وخطأ، وما أُجريَ مجرى الخطأ، وأضاف العلّامة أبو بكر الرازي – المعروف بالجصاص، وهو مُجتهِد مذهب في المذهب الحنبلي – قسماً خامساً: والقتل بالتسبب، هذه خمسة أقسام، هناك أقسام كثيرة، أي هاته أو هذه الأقسام الخمسة – إذا أخذنا بأعلى تقسيم، أي بأكثر التقسيمات توسيعاً – يُجازى صاحبه أو مُرتكِبه بالإعدام وبالقتل؟ فقط العمد، هذه واحدة، إذن الشريعة ضيَّقت أو وسَّعت؟ ضيَّقت جداً جداً، فهذه واحدة.

وهل هذه العقوبة الأصلية وهي القتل – القاتل يُقتَل، أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ۩، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ۩، وطبعاً القصاص أعم من الإعدام أو القتل، القصاص يكون حتى في ماذا؟ في الجراحات، القصاص يكون أيضاً في الجراحات – عقوبة واحدة فقط ومُتفرِّدة؟ لا، هذه عقوبة أصلية، فهل هناك إذن عقوبات بدلية؟ نعم، هناك عقوبات بدلية، هناك الدية، إذا رضيَ ولي الدم أو ولي المجني عليه – ولي المقتول أو القتيل – أن يعفو عن القاتل وأن يأخذ الدية فله ذلك، وهذا مُستحَب جداً في شرع الله، وبالعكس! جزاؤه هل تعرفون ما هو؟ ليس فقط دية، جزاؤه جزاء مَن أحيا نفساً، هذا يُبعَث يوم القيامة وكأنما أحيا نفساً، فيبدو أنه ليس له جزاء إلا الجنة، والأدلة على هذا كثيرة جداً جداً من كتاب الله وسُنة رسوله – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

روى الإمام ابن ماجة، قال أنس – قال لا أحسبه إلا عن أنس بن مالك – ما رُفِع إلى رسول الله شيئ فيه القصاص – القتل – إلا أمر فيه بالعفو، دائماً النبي يأمر بهذا، دائماً! وقد حدَّثتكم قبل أشهر بالحديث العظيم الجميل الذي للأسف لا نكاد نسمعه من علمائنا، مع أنه في صحيح مُسلِم، وله دلالة عجيبة، لأن مِزاجنا يبدو أنه مِزاج تشريعي قانوني، وليس مِزاجاً روحياً أخلاقياً، للأسف الشديد غلبت علينا الصناعة الفقهية وليس الصناعة الروحية حقيقةً، للأسف الشديد! موضوع الخُطبة كان هكذا، وهو حديث – كما قلت – في صحيح مُسلِم، باختصار لأنه طويل هناك الرجل الذي جاء برجل قتل أخاه، يجره بنسعته، وهي ضفائر من جلد، مضفورة هكذا كحبل، اسمها النسعة، هناك رجل مُكتَّف، ويجره آخر إلى الرسول، فالنبي سأل القاتل أقتلت أخاه؟ فقال أخو القتيل يا رسول الله لو لم يُقِر أقمت عليه البيّنة، هناك شهود! فقال نعم، قتلته، قال لِمَ وكيت؟ قال يا رسول الله كنت أنا وهو نختبط، والاختباط هو الضرب بعصا على شجرة، حتى يساقط ورقها، اسمه الاختباط، فيُجمَع هذا الورق لغاية من الغايات، قال يا رسول الله كنت أنا وهو نختبط، فقال لي كلمة فأغضبتني، فأخذت فأسي – مُجرِم هذا، عندي نزوع إجرامي الصحابي هذا، ما هذا الصحابي؟ من أجل كلمة فعل هذا، هذا الرجل من المُمكِن أن يُوجَد حتى في مُخه شيئ غير سليم أو في أعصابه أو في هرموناته، غير طبيعي! أمن أجل كلمة تقتل إنساناً صحابياً؟ – فضربته على قرنه، أي على رأسه هكذا، قال فضربته على قرنه فمات، اعترف بكل بساطة! هذا قتل عمد حقيقي، وهو ضرب بالفأس، لا نقول بشيئ غير مُحدَّد أو بشيئ لا يُقتَل به عادة، هذا يقتل، يقتل الحمار الوحشي هذا، يقتل الثور هذا، ليس يقتل إنساناً بسيطاً فقط!

فالنبي قال له ماذا؟ قال له هل عندك ما تُؤدي عن نفسك؟ أي هل عندك شيئ لكي نُصلِح هذا – أي ولي الدم – عليك ونجعله يرضى بالعفو؟ هل عندك شيئ تُؤدي به؟ يا رسول الله – قال – لا، إلا كسائي هذا وفأسي، هذا الفأس الذي قتلته به وكسائي، هذا الذي عندي، أي إنه (كحيان ومصدي) كما يُقال بالعامية، ويقتل! فهكذا الناس، هؤلاء موجودون، قال له بعد ذلك هل يشتريك قومك؟ أي هل أهلك من المُمكِن أن يدفعوا عنك؟ وطبعاً أنتم تعرفون أن الدية لا تُؤديها العاقلة في القتل العمد، انتبه واحفظها، فهي من قواعد الفقه، الدية تُؤديها العاقلة من العصبات نسباً وولاءً فقط في حال ماذا؟ أن يكون غير عمد، شبه عمد، أو خطأ، أو ما دون ذلك، في العمد لا، ذنبك هذا، هذه جريمتك، وأنت تعمَّدتها، لذا تتحمَّلها كاملةً، انظر حتى إلى هذا العدل، شريعة عجيبة جداً، هذه ليست شريعة بشر، أنا أقول لك هذا، والنبي لم يكن عنده فُرصة في عشر سنوات لكي يُشرِّع كل هذه التشريعات الدقيقة، ليس عنده وقت، وكل يوم هناك حروب وسرايا، أشهد أنه رسول الله، وأشهد أن هذا شرع الله، كلما تعمَّقت فيه عرفت ذلك، حين تنظر في الشريعة بالذات تعرف أنها من عند الله، هذا إذا تعمَّقتها وحفظتها، ليس أنت تحفظ لي كلمتين فيها مثل العلمانيين ثم تنتقدها وتقول لي إنك تنتقد الشريعة، وإلا تكون أو يكون هذا البعيد لا يفهم شيئاً.

المُهِم فقال له أنا أحقر عليهم من أن يفعلوا ذلك، قالوا لا يُحِبونني، أي أهلي، ولن يدفعوا فلساً من أجلي، يُريدون أن يُسلِّموني، ومن ثم سأُقتَل، فالنبي قال للآخر هل تعفو عنه؟ قال له لا يا رسول الله، لا! قتل أخي، لا يُمكِن هذا، قتل أخي هكذا ظلماً، وأُريد أن أقتله طبعاً، قال وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۩، وفي قراءة فلا تُسرِف، أي يا محمد، فلا تُسرِف في القتل، وهذه عليها فلسفة أيضاً، أي هذه مسألة قانونية كبيرة، وسوف نرى هذا، لأن هذا سُلطان، لكن هل هذا سُلطان في تنفيذ العقاب أو المُطالَبة بتنفيذه؟ مسألتان! وكل واحدة فيها مسألة قانونية، هنا تصير هذه القضية قضية جنائية، وتلك تصير قضية حق مدني ومسؤولية جنائية، شيئ عجيب! كله بحسب القراءات، لكن لا علينا الآن من هذا.

نرجع، فقال له فدونك صاحبك، النبي قال له هذا، أي خُذه، فأخذه يجره بنسعته، يُريد أن يأخذه إلى مكان لكي يُنهي حياته، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم، انظروا إلى نبي الرحمة، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩ – إن قتله فهو مثله، قاتل! يصير قاتلاً، طلبنا منك العفو وحاولنا كذا لكن لا فائدة، تخيَّل! لم يقل غير هذا، مع أنه أراد هذا بأمر الله يا أخي، الله أجاز له هذا، لكنه قال له لا، فقال له دونك صاحبك، أي خُذه، انتهى! فقال له رجل يا رجل النبي يقول كذا وكذا، فعاد وقال يا رسول الله هل أنت قلت كذا وكذا؟ وإنما أخذته بأمرك! أي أنت سمحت لي، والله يسمح لي بهذا، فهل سأصير أنا قاتلاً مثله؟! خاف الرجل.

النبي قال ذلك تعريضاً، حتى يُنكِّله، حتى يجعله يكع عن تنفيذ القصاص، الذي هو حقه، لكن النبي يُحِب العفو، كما قال أنس إلا أمر بالعفو، يُحِب دائماً العفو يا جماعة، لا يقل لي أحدكم هذا دين الله، ولابد من القصاص، ما هذا؟! كُن مُحمَّدياً، ادع إلى العفو والتسامح والأُخوة، اجعل الناس ترقى بغرائزها، ترقى إلى مُستوى الإنسان الرباني الحقيقي المَلكي أو الملوكتي وليس المُلكي.

المُهِم فقال ألا تُريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ أي تتركه هكذا، والله سيُكفِّر عنك وعن أخيك أيضاً، قال بلى يا رسول الله، فترك نسعته وقال له اذهب، هيا! تركه، هذا الدين، هذا ينبغي أن يُدرَّس في العالمين، وأن يُقال هنا في الغرب والشرق، هذا ديننا، ترغيب في ماذا؟ في العفو، وليس في القصاص.

بعد ذلك ماذا يكون؟ الدية، يدفع الدية، وهذه عقوبة مدنية، هذه العقوبة مدنية، هل هذا واضح؟ هل يُمكِن أن يصطلحوا على شيئ؟ افرض أن هناك رجلاً طمّاعاً هكذا، وقال لك لا، هذه الدية لا تكفيني، في السعودية قُدِّرت بأربعة وعشرين ألف ريال، أي ثمانية عشر ألف دينار كويتي، هذا في الثمانينات، لكنه قال هذا لا يكفيني، أي مائة من الإبل، على تفصيل طبعاً فيها وفي أسنانها، قال هذا لا يكفيني، فالنبي قال مَن أُصيب بدم أو بخبل – ما الخبل؟ الخبل هو ما دن الجناية على النفس، أي جراحة في أي مكان في الجسم أو قطع أي شيئ من الأعضاء، اسمه هذا الخبل – فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يأخذ الدية، وإما أن يعفو، يُمكِن أن تعفو بالكامل، لا دية ولا قصاص، الله أكبر! طبعاً وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۩، هنا سيُوجَد شيئ عظيم جداً جداً، وستكون لك مزية كُبرى عند الله – تبارك وتعالى – إن شاء الله.

إذن هل يُمكِن أن نصطلح على شيئ آخر؟ نعم، في حديث آخر يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – أو أن يأخذ الدية، أو قال يُفادي، أو يفتدي، وما صُولِحوا عليه من شيئ فهو له، أي لولي الدم، لو قال لا، أنا لا أُريد دية، أُريد دية ونصف، أو أُريد مقدار ديتين، حتى أعفو، وإلا القصاص، هل هذا ينفع في الشرع أم إنه حرام؟ ينفع، انتبهوا! لماذا؟ الشرع غايته من هذا الآن التحريج لإنفاذ القتل – أي القصاص – أو الابتعاد عنه؟ الابتعاد عنه، تخيَّلوا! شيئ غريب، قال لكم نعم، يُمكِن أن يصطلحوا حتى على أضعاف الدية، المُهِم ألا يقع القتل، اتركوه حتى يكون هناك فعلاً حياة حقيقية.

هذا ديننا، هذه مرحمة ديننا وشرعنا بحمد الله – تبارك وتعالى -، وهناك ما هو أكثر من هذا، هناك موانع من القصاص، وهناك مُسقِطات للقصاص، هناك موانع كثيرة، وهناك مُسقِطات كثيرة، وللأسف ضاق الوقت، لكن لعلنا – إن شاء الله – نستوفي القول فيها في مُحاضَرة غد السبت.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه، وعلى آله الطيبين، وصحابته الميامين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا، في ساعتنا هذه، من يومنا المُبارَك هذا، ألا تدع لنا ولا للمُسلِمين والمُسلِمات ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا أطلقته، ولا غائباً مُغرَّباً عن أهله وذويه وأحبائه إلا أعدته آمناً ظافراً سالماً، برحمتك يا أرحم الراحمين، ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه وأذهبت همه وغمه وحُزنه يا رب العالمين.

اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تُعذِّبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير، لا تُؤاخِذنا بما فعل السُفهاء منا، اللهم لا تُشمِت بنا الأعداء، ولا تجعلنا مع القوم الظالمين، وردنا إليك والمُسلِمين والمُسلِمات رداً حميداً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(20/2/2009)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: