أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المُرسَلين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمين، وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين.

أما بعد، أيها الإخوة الأحباب:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، اليوم – إن شاء الله – درسنا هو آخر درس في الثُلث الأول من مباحث المنطق، وهو ثُلث الألفاظ، بعون الله بإنهاء هذا الدرس نكون أنهينا ثُلث المنطق، وهذا تقدم سريع جداً – الحمد لله – ومُبارَك، لأن في الثُلث الأول جرى الحديث عن مبحاث الألفاظ، آخرها القسمة بعد التعريف، في الثُلث الثاني – إن شاء الله – نتحدَّث عن مباحث التصديقات، يدور أكثرها حول القضايا وأنواعها وأحكامها ثم عن مباحث الاستدلال في الثُلث المُختَص بالتصديقات، مباحث الاستدلال:، التمثيل، القياس، والاستقراء، يبقى آخر الثُلث وهو الصناعات الخمس: صناعة الخطابة، صناعة الشعر، صناعة البرهان، صناعة الجدل، وصناعة المُغالَطة، وهكذا ينتهي المنطق بإذن الله تعالى، فنتكلَّم اليوم – إن شاء الله – عن هذا، ودرس التقسيم سيكون أسهل درس – إن شاء الله – في دروس المنطق، ليس فيه أي شيئ صعب وليس فيه أي شيئ مُتميِّز.

القسمة أو التقسيم Division، نفس المُصطلَح الرياضياتي، Division التقسيم، والتقسيم غير بعيد من تعريفه اللُغوي، هو جعل الشيئ تفاريق، أي تفريق الشيئ، جعل الشيئ تفاريق يعني تفريق الشيئ إلى أجزاء مُتباينة، وهي الأقسام، هذا هو التقسيم أو القسمة.

الشيئ الذي يُقسَّم ندعوه المُقسَّم، الشيئ الذي نُقسِّمه نُسميه المُقسَّم، المُقسَّم ينقسم إلى ماذا الآن؟ إلى أقسام، كل منها بالقياس إلى المُقسَّم يُسمى ماذا؟ قسماً، هذا قسم، هذا قسم، وهذا قسم، وكل منها يُسمى بالقياس إلى نُظرائه – إلى الأقسام الأُخرى – قسيماً، اسمه قسيم! يقولون هذا جعل قسم الشيئ قسيماً له، وهذا خطأ، بدهياً هو خطأ، ويقولون جعل الشيئ قسيم الشيئ – مثلاً – قسماً له، وهذا خطأ بدهياً، وهكذا! سوف نرى هذا وسوف نفهم.

إذن فهمنا ما المُقسَّم وما القسم وما القسيم، لو قلنا – مثلاً – المُفرَد ينقسم – مثلاً اللفظ المُفرَد ينقسم – إلى فعل واسم وحرف مثلاً، فالآن الفعل قسم من أقسام الفرد، الاسم قسم من أقسام المُفرَد، الحرف قسم من أقسام المُفرَد، المُفرَد هو المُقسَّم، الفعل قسيم للاسم، الاسم قسيم للفعل، قسيمه! أي عديله، قسيم تعني عديلاً، عدل! عدل له طبعاً، لذلك – مثلاً – في علم مُصطلَح الحديث حين تحدَّثنا عن أقسام الحديث المقبول بلُغة العلماء – الحديث المقبول مثلاً، يقولون الحديث المقبول – وجدنا أنه ينقسم إلى ماذا؟ إلى صحيح وحسن، والصحيح ينقسم إلى صحيح لذاته وصحيح لغيره، والحسن ينقسم إلى حسن لذاته وحسن لغيره، مثلاً! فالآن المقبول هو المُقسَّم، الصحيح قسم، الحسن قسم، الحسن قسيم الصحيح، ليس قسماً له، لأن بعض العلماء جعل الحسن من أقسام الصحيح، وهذا خلط، الحسن ليس قسماً للصحيح، الحسن قسيم للصحيح، إذ هما قسمان من أقسام المقبول.

أعتقد وضح الآن لديكم الفرق بين القسم والقسيم، الشيئ الواحد يكون قسماً باعتبار ويكون قسيماً باعتبار آخر، فالصحيح قسم للمقبول، وقسيم للحسن، إذا لاحظت المُقسَّم إليه فهذا سيكون قسماً، وإذا لاحظت الأقسام الأُخرى فهذا سيكون قسيماً بلحاظاها، هو نفسه! وكذلك القول في الحسن، فيكون قسماً ويكون قسيماً، لكن بلحاظين مُختلِفين، يكون بلحاظين مُختلِفين قسماً وقسيماً، جيد!

بعض العلماء يُطلِق على جهة التقسيم المقسم، كل تقسيم – كما سيضح بعد قليل – لابد أن يكون له جهة مُعيَّنة، لا يُوجَد تقسيم اعتباطي هكذا، مثلاً إذا أردت أن تُقسِّم – مثلاً – الكُتب في مكتبتك أو في أي مكتبة عامة أو خاصة فلابد أن يكون لديك جهة تقسيم، أي Base of division، قاعدة التقسيم! بعض العلماء يُسميها المقسم، الشيئ الذي تجري القسمة وفقه، الـ Base of division هي قاعدة التقسيم، يُسمونها المقسم، أنت تُقسِّم وفقاً لماذا؟ مثلاً الكُتب في المكتبة يُمكِن أن تُقسَّم – مثلاً – باعتبار الفنون والعلوم، هذه كُتب العلوم الطبيعية، وهذه كُتب العلوم الاجتماعية، العلوم الطبيعة هي واحد واثنان وثلاثة كالفيزياء والكيمياء وما إلى ذلك، العلوم الاجتماعية كعلم النفس وعلم الاجتماع – إلى آخره – مثلاً، جيد! هذا تصنيف مُمتاز، بعض العلماء أو بعض المكتبيين يقول لا، أنا أُريد أن أُصنِّفها وفقاً لأسماء المُؤلِّفين، هناك تصنيفات كثيرة مثل هذا، أُريد أن أُصنِّفها بحسب أسماء المُؤلِّفين وليس بحسب العلوم والفنون، هذه جهة التقسيم، هذا المقسم! أي أسماء المُؤلِّفين، أرأيتم؟ وهكذا في أشياء أُخرى، البعض – مثلاً – يقول لا، نُقسِّمها وفق اللُغات، الكُتب التي باللُغة العربية تُوضَع كلها مع بعضها، ويحدث فيه اختلاط، يختلط فيها الطبيعي بالاجتماعي بالديني، لا تُوجَد مُشكِلة، والكُتب التي بلُغات أُخرى – مثلاً القسمة ثنائية – تُوضَع كلها مع بعضها، ويُمكِن أن تنقسم اللُغات الأخرى إلى ألمانية، إلى لاتينية، إلى فرنسية، وإلى آخره، مثلاً! هذا المقسم، هذه جهة القسمة، وسوف نرى كيف يتم الكلام هذا – إن شاء الله – بعد قليل، هل هذا واضح؟

ثمرة التقسم طبعاً ثمرة لا نُريد أن نُطوِّل بذكرها، فهي واضحة لكل أحد، لا يُمكِن أن تقوم العلوم كما قامت ولا الفنون ولا كذا وكذا إلا على التقسيم، هذا هو! العلوم هذه كلها التقسيم شيئ أساسي وشرط أساسي فيها، انظر إلى الجدول الدوري، فهو قسَّم العناصر إلى العناصر المعروفة، ووفق مقياس مُعيَّن في التقسيم، أليس كذلك؟ هناك العدد الذري مثلاً، هذا هو! لابد من التقسيم، أرأيت؟ لابد أن تُقسَّم العناصر – مثلاً – لكي يُمكِن دراستها، وبعد ذلك تُقسَّم أنواعاً أُخرى من القسمة، إلى آخره! علوم الإحصاء لا يُمكِن أيضاً أن تتم إلا على تقسيم، تُحصي ماذا أنت؟ نُريد أن نُحصي – مثلاً نفترض – المُتعلِّمين في الدولة الفلانية، المُتعلِّمين تعليماً أكاديمياً مثلاً، نُريد أن نُحصي الأُميين في مُقابِل المُتعلِّمين، نُريد أن نُحصي – مثلاً – الشباب من سن كذا إلى سن كذا، كم نسبتهم؟ تقسيم! كل هذا يقوم على التقسيم، التقسيم شيئ أساسي وجوهري في كل نشاط يقوم به الإنسان، درسنا هذا اليوم مُقسَّم، الجُزء الأول منه منطق، بعد ذلك الفلسفة، وبعد ذلك – مثلاً – سيكون عاماً مفتوحاً، المنطق قسَّمناه إلى ماذا؟ سوف ترون سير الدرس الآن، هذا تقسيم، لا أقدر أن أضع هذا هناك وليس هنا، ففي البداية نبدأ بالتعريف دائماً ونتكلَّم عن التقسيم، ما التقسيم؟ نُعرِّفه! أليس كذلك؟ وهكذا، تُوجَد خُطة مُعيَّنة، فالتقسيم عنصر أساسي وثمرته واضحة لكل أحد، لا نُطوِّل بذكرها.

سنأخذ أصول القسمة، ومعنى أصول القسمة قواعد عامة في القسمة، أولاً لابد من ثمرة، إذا القسمة لا ينبني عليها ثمرة فإنها تكون لغواً، لماذا؟ ما معنى هذا؟ هل هذا مُمكِن؟ طبعاً، مُمكِن أن تكون قسمة ولا ينبني عليها شيئ، مثلاً نحن حين درسنا الدلالات قلنا في الدلالات إن الدلالة تنقسم إلى ماذا؟ تُوجَد عدة طرق في التقسيم، يُمكِن أن نقول لفظية وغير لفظية، وكل منها تنقسم إلى الأقسام الثلاثة، أليس كذلك؟ وضعية، طبعية، وعقلية، أليس كذلك؟ والوضعية منها كذا – إلى آخره – مثلاً، التقسيم المنطقي الذي اهتم به عالم المنطق بالذات ما هو؟ هو يهتم بماذا؟ يهتم بالطريقة هذه، سيقول – مثلاً – أنا أهتم بالدلالة اللفظية الوضعية بأقسامها الثلاثة، مُطابَقة، أي لزوم، وتضمن، هذا ما يهمني، غير هذا لا يهمني، لذلك هو يُركِّز عليه، التقسيم هذا – يقول لك – ليس من شأني، لا تطلبه مني حتى! وإذا لم يذكره فهو غير مُقصِّر.

سأقول مثالاً أوضح، النحوي – مثلاً – يُقسِّم الفعل إلى ماضٍ ومُضارِع وأمر، هذا تقسيم حاصل فعلاً، فعلاً في العربية لابد أن يكون إما ماضٍ، إما مُضارِع، وإما أمر، لا كلام في هذا! أليس كذلك؟ هل هذا التقسيم له ثمرة؟ نعم له ثمرة طبعاً، له ثمرة واضحة جداً، الماضي له أحكام أو له حُكم، وهو حُكم البناء، حُكم البناء بتفصيله طبعاً! لو ذهب بعد ذلك هذا وتطرَّق إلى تقسيم الماضي إلى مضموم العين، مفتوح العين، ومكسور العين – مضموم العين مثل كرُم، مفتوح العين مثل ضرَب، مكسور العين مثل علِم أو فرِح – سيكون هذا تقسيم لغو، لا ينبني عليه شيئ، لماذا؟ لأن مضموم ومفتوح ومكسور العين في الماضي حُكمه واحد وهو البناء بغض النظر عن كل هذا، هذا التقسيم لا تظهر له ثمرة، ممنوع! ينبغي أن تخلو منه كُتب النحو، هذا ليس مبحثاً نحوياً، هذا مبحث صرفي، تظهر ثمرته في الصرف، لأنه يُؤثِّر في تصريف الكلمة، أرأيت؟ كرم يكرُم أو يكرَم أو يكرِم؟ هذا هو، أرأيت؟ ضرب يضرُب أو يضرُب أو يضرِب؟ إخواننا المصريون الآن فيهم علماء تسمعهم يقولون أسلم يسلَم، يقولون في المُضارِع يسلَم، لكن لا يُوجَد في اللُغة يسلَم، الصحيح هو يُسلِم، هذا غلط! علماء كبار سمعتم واحداً منهم أمس يقول يسلَم، طبعاً هو يعرف أن هذا غلط لكن هكذا هي اللهجة مثلاً، ففي الصرف نقول الكلام هذا، في بعض الأحيان لا تكون هذه لهجة، يظن المُتكلِم أنها لُغة صحيحة ويذكرها على المنابر وفي الكُتب، لأنه ليس دارساً لعلم الصرف، هذا غلط! لابد أن تتعلَّم علم الصرف وأن تعرف أحكام كل فعل تصريفياً، هذا يظهر في علم الصرف وليس في النحو، بغض النظر بعد ذلك أنت قلت كرُم أو كرَم في النهاية هو مبنٍ، حُكمه نحوياً لا يتغيَّر، هذه الثمرة غير موجودة للنحوي، بالنسبة للنحوي هذه ليست ثمرة، أي هو مضموم أو مفتوح أو مكسور العين، ما علاقتي بهذا؟ يقول لك، أنا نحوي! ليس لي علاقة بهذا، مَن الذي له علاقة؟ الصرفي، عالم الصرف وليس عالم النحو، أرأيت؟ هذا المنطق دقيق، لابد أن تظهر ثمرة، هذا أولاً.

ثانياً لابد من تباين الأقسام، ما تباين الأقسام؟ واضح، اسم على مُسمى، تباين الأقسام! تكون مُختلِفة ومُنمازة أو مُنماز بعضها من بعض، لابد أن يتميَّز بعضها من بعض، وإلا يحصل تداخل، هذا ضد القسمة، إذا حصل تداخل فهذا خلط، ما الفائدة من القسمة؟ مثلاً جاء واحد وقال نُريد – مثلاً – أن نرى المنصوب من الأسماء في النحو، نُريد المنصوب، منصوبات الأسماء، وبالمُناسَبة هناك نُحاة ألَّفوا كُتباً في النحو وفقاً لهذه الطريقة، عندي كتاب هكذا، بالطريقة هذه مُؤلَّف، فقال المنصوب – مثلاً – المفعول، الحال، الظرف، وإلى آخره! يُوجَد غلط هنا، لأن الظرف من أقسام المفعول، مفعول فيه، ظرف المكان وظرف الزمان! هذا من المفاعيل، كيف تقول لي المنصوب المفعول، الحال، والظرف؟ الظرف داخل في ماذا؟ المفعول، فهنا أنت جعلت قسم الشيئ قسيماً له طبعاً، هذه قسمة خاطئة لأنك جعلت قسم الشيئ قسيماً له، ستقول لي أين قسم الشيئ؟ قسيم الشيئ الظرف، لأن المفعول نفسه ينقسم إلى أقسام، أليس كذلك؟ المفعول معه، المفعول لأجله، المفعول به، والمفعول فيه، هل هذا شيئ جديد؟  هذا هو، أرأيت كيف؟ فإذن من أقسام المفعول الظرف، ظرف الزمان وظرف المكان، أليس كذلك؟ حين جعلت هذا القسم قسيماً له – أي جعلته قسماً من المنصوب، المفعول نفسه ينقسم إلى أقسام – كان هذا غلطاً، لأن هذا الظرف من المفعول، فأنت أخذت قسماً من أقسام الشيئ وجعلته عدلاً له، وضع رأسه برأسه وهو ابنه، أليس كذلك؟ هذا لا ينفع، أنت جعلته أخاً له، أي جعلت الابن أخاً، ولا يُمكِن أن يكون الابن أخاً، أليس كذلك؟ أنت جعلت ابنه أخاً له، فهنا حدث تداخل، وهذا غلط، لابد أن تتباين الأقسام، فجعل قسم الشيئ قسيماً له خطأ، خطأ واضح.

عندك أيضاً – وهذا يحصل للأسف من غير المُتخصِّصين في المنطق، حتى من بعض العلماء غير الدقيقين – الآتي، في التداخل نفترض – مثلاً – ماذا؟ يقولون دعونا نُقسِّم – مثلاً – سُكان النمسا، نُريد أن نُقسِّم سُكان النمسا! هيا نُقسِّمهم – مثلاً – إلى مُتعلِّمين وأُميين، ونُقسِّمهم – مثلاً – إلى فقراء وأغنياء، ونُقسِّمهم إلى أصحاء ومرضى، هذه ثلاث تقسيمات، مُزِجت مزجاً اعتباطياً في قسمة واحدة وتداخلت الأقسام، كل هذا كلام فارغ، هذا ليس تقسيماً، علماً بأن هناك أُناساً يتكلَّمون هكذا، هناك مَن يتكلَّم هكذا كباحث ويُقسِّم أشياء ويخلط هذا الخلط، لماذا؟ لأن الآن المُتعلِّم هذا لا يخلو أن يكون فقيراً أو غنياً، داخل فيه! لابد أن يكون إما فقيراً وإما غنياً، المُتعلِّم الفقير لا يخلو أن يكون صحيحاً أو مريضاً، لابد أن يكون واحداً منهما أيضاً، وهكذا في بقية القصة، أليس كذلك؟ الغني سيكون كذا أو كذا، الأُمي لا يخلو أن يكون إما فقيراً وإما غنياً، يُوجَد الكثير من الأُميين الأغنياء، وبعضهم من أصحاب المليارات، أليس كذلك؟ لا يخلو! هذا لازم، وماذا بعد؟ الفقير كما الغني لا يخلو أن يكون إما صحيحاً وإما مريضاً، ما هذا الكلام الفارغ؟ هل هذه قسمة؟ هذا لا يصح، إذن كيف سنُقسِّم؟ سنُقسِّم في الأول – مثلاً – ثُنائية واضحة، ستقول سُكان النمسا – مثلاً – يكونون على النحو الآتي، دعنا نقول – مثلاً – هناك المُتعلِّم وهناك الأُمي، هذا صحيح! كل نمساوي إما أن يكون مُتعلِّماً وإما أن يكون أُمياً، هذا لازم! أليس كذلك؟ هو مُتعلِّم أو أُمي، صحيح! وكل منهما لابد أن يكون إما غنياً أو فقيراً، صار عندنا كم الآن؟ أربعة، غني وفقير، مُتعلِّم غني ومُتعلِّم فقير، وأُمي غني وأُمي فقير، إذن صاروا ثمانية، هكذا تكون القسمة دقيقة! بعد ذلك هذا الغني لا يخلو أن يكون إما صحيحاً وإما مريضاً، لا يُمكِن غير هذا، هذا لازم! يُوجَد غني صحيح ويُوجَد غني مريض، وكذلك الفقير صحيح أو مريض، الغني الأُمي هنا أُمي غني صحيح أو أُمي غني مريض، الفقير الأُمي أُمي فقير صحيح أو أُمي فقير مريض، صار عندنا ثمانية الآن، هذه قسمة دقيقة، تباينت فيها الأقسام ولم يتداخل بعضها في بعض، هذا تقسيم معقول، فلا تقل لي سُكان النمسا أُميون أو مُتعلِّمون أو أغنياء أو فقراء، هذا كلام فارغ، لكن هذا يحصل كثيراً في كلام بعض الباحثين وكتاباتهم ودراساتهم، لا يعرفون كيف تكون أصول القسمة ولا يعرفون قواعدها، يقولون هذا وهو غلط! لابد أن تُقسِّم قسمة دقيقة.

إذن أولاً جعل قسم الشيئ قسيماً له خطأ، بدهياً خطأ! ورأينا كيف هذا، مثل حكاية المنصوبات أو حكاية المفعول والظرف، الظرف من أقسام المفعول، لكن أنت جعلته قسيماً له، على أنه من أقسام المنصوب، وهذا غلط، لا ينفع هذا، ثانياً جعل قسيم الشيئ قسماً له، ائتوني بمثال غير الذي ذكرته، ائتوا بأي مثال، أنا ذكرت مثالاً فائتوا بمثال جديد، كيف يكون قسيم الشيئ قسماً له؟ (ملحوظة) استفسر أحد الحضور عن قسمة الطالب الذي يكون فقيراً أو غنياً، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إنها قسمة صحيحة، كل طالب إما أن يكون فقيراً أو غنياً، قسمة صحيحة بنسبة مائة في المائة هذه! فأوضح المُتحدِّث وجهة نظره، فقال فضيلته إن هذا يُمكِن مع الناس، الناس وليس الطالب، قسِّم الشباب أو الناس إلى طلّاب وفقراء، فكيف هذا؟ كيف صار قسيم الشيئ قسماً له؟ فقال المُجيب إن كل طالب يُمكِن أن يكون فقيراً أو غنياً، فقال فضيلته له وضِّح لي إياها، نحن نُريد أولاً قسيماً جعلناه قسماً، نُريد قسيماً جعلناه قسماً! لابد أن تأتي الآن بشيئ وتجعل له أقساماً، هل هذا واضح؟ رتَّب الأمر ببساطة، ائت بأي شيئ واجعل له أقسام، المُواطِن مثلاً! قل المُواطِن، المُواطِن باعتبار الدين، باعتبار الدين إما أن يكون مُسلِماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بلا دين مثلاً، نفترض هذا في مصر، وهناك دول فيها أكثر من هذا بكثير، فيها البوذي وفيها كذا وكذا، لكننا نفترض هذا مثلاً، سنأخذ المصريين مثلاً، المُواطِن المصري إما ماذا أو ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُسلِم أو مسيحي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم المُواطِن المصري إما مُسلِم أو مسيحي، هذه قسمة صحيحة، والآن المُسلِم قسيم للمسيحي، والمسيحي قسيم للمُسلِم، كيف يُمكِن أن تجعل القسيم هذا قسماً له؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور كلمة سُني، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، تمهَّل لحظة، كيف تقول سُني؟ كيف؟ أُريد شيئاً مثل هذا، هذا سهل جداً! تقدر أن تأتي الآن بعشرات الأمثلة وأنت جالس، (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بإجابة صحيحة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إنه يُريد فعلاً شيئاً مثل هذا، وطبعاً في حكاية مُسلِم ومسيحي سيظهر الخطل بشكل واضح، لماذا؟ لأن هناك تمايزاً واضحاً بين مُسلِم ومسيحي، ونحن نتحسَّس هذا، لا يُمكِن أن تجعل المُسلِم من أقسام المسيحي أو المسيحي من أقسام المُسلِم، كأن تقول لي مسيحي سُني على المذهب الشافعي، هذا لا يُمكِن، وهذا واضح! لكنني أُريد أشياء تكون أخفى منه، (ملحوظة) قسَّم أحد الحضور المسيحي إلى أرثوذوكس وغير أرثوذوكس من الأقسام المسيحية، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، هذا صحيح، هذا التقسيم صحيح! فأوضح المجُيب أنه يُمكِن أن يُقسِّمه إلى أرثوذوكس أو كاثوليك مثلاً، فقال فضيلته لو قسَّمته إلى أثوذوكس وإلى كاثوليك سيكون هذا تقسيماً صحيحاً، أعني المسيحي، صحيح! فأضاف المُجيب أن المُسلِم يُمكِن أن يُقسَّم إلى سُني وشيعي، فقال فضيلته هذا تقسيم صحيح إلى الآن، لكننا نُريد أن يصير القسيم قسماً، قلنا هذا قبل قليل، قلت لك – مثلاً – إنهم قالوا الحديث المقبول صحيح وحسن، أليس كذلك؟ ولكن أنت تقول الصحيح منه كذا ومنه حسن، هذا غير صحيح! أليس كذلك؟ لأن الحسن قسيم له، ليس قسماً منه، أليس كذلك؟ الحسن قسيم للصحيح، لا يكون قسماً من أقسام الصحيح، للأسف بعض العلماء يُخطئون هنا، لكن هذه اصطلاحات طبعاً، انتبهوا! لا يُمكِن أن نقول هذا غبي وما إلى ذلك، لأن هذه مُصطلَحات، بعد أن تكون استقرت المُصطلَحات قد يحدث هذا الخطل في التقسيم، لكن قبل أن تستقر المُصطلَحات – نعم – كان هناك علماء يعتبرون الحسن من أقسام الصحيح، ليس قسيماً له، هل فهمت كيف؟ كان هناك علماء – نعم – يعتبرون أن من أقسام الصحيح الحسن، ليس من أقسام المقبول فحسب وإنما من أقسام الصحيح، هذا قبل الاستقرار! لكن بعد استقرت المُصطلَحات وتميَّز الحسن من الصحيح لا يُمكِن أن ترجع وتُقسِّم لي الصحيح لكي تقول لي – مثلاً – هذا صحيح لذاته وحسن، لا يُمكِن! لأن الحسن قسيم للصحيح، فكيف جعلته قسماً له؟ هذا لا يُمكِن، ائت لي بمثال في النحو، ائتني بمثال في النحو، نحن أتينا بشيئ في النحو، والآن أُريد شيئاً في النحو أيضاً، قسِّم شيئاً إلى أشياء، بعد ذلك خُذ واحدة من هذه الأشياء واجعل القسيم قسماً، نقول ماذا مثلاً؟ قبل قليل تحدَّثنا عن المنصوبات، الآن ائت بالمرفوع، المُبتدأ، الخبر، الفاعل، ونائب الفاعل مثلاً، وماذا بعد؟ هذا إلى الآن تقسيم صحيح، كيف يُمكِن أن يحدث الخطأ؟ لو قلت لي الفاعل ينقسم – مثلاً – إلى فاعل مُستقِل ونائب فاعل، هذا غلط! لا يُمكِن أن يأتي هذا، لأن نائب الفاعل قسيم للفاعل، كيف جعلته قسماً له؟ أنت قسَّمت الفاعل وقلت لي فاعل مُستقِل ونائب فاعل، هذا غلط! نائب الفاعل قسيم للفاعل، لا يُمكِن أن يكون قسماً له، هذا سهل، لكن فقط افهم المُصطلَحات وبعد ذلك سيكون هذا سهلاً، يُمكِن إلى الآن أن يحتاج الذهن إلى التمرن، إذا قسَّمت شيئ إلى أقسام فانتبه، لأن هذه أقسام الشيئ، وبالنسبة إلى بعضها كل واحدة هي قسيم للثاني، لا يُمكِن بعد ذلك أن تأخذ القسيم وتجعله قسماً لواحداً منهم، هذا قسيم يا أخي، هذا مثله، أخوه! لا يُمكِن أن يصير الأخ ابناً، انتبه إلى هذا، إذا جعلت الأخ ابناً فهذا يعني أنك جعلت القسيم قسماً، وهذا غلط.

بعد ذلك تقسيم الشيئ إلى نفسه وغيره وضح في موضوع سُكان النمسا، ممنوع! هذا غلط، التداخل هذا مرفوض، نأتي إلى أساس القسمة، هذا كله كان من أصول القسمة، ماذا عن أساس القسمة؟ وضحت هذا لكم، قلنا – مثلاً – حين نُقسِّم سُكان بلد ماذا سيكون الأساس؟ الصحة أو المرض، التعلم أو الأمية، لابد أن ترى ما الأساس في الأول ثم تنطلق منه، أليس كذلك؟ تقدر على أن تنطلق ليس من التعلم وإنما من الصحة والمرض، قل سُكان النمسا إما أصحاء وإما مرضى، وكل صحيح إما مُتعلِّم وإما أُمي، وكل واحد إما فقير وإما غني، هذا مُمكِن! يُمكِن هذا لكن أساس القمة كان ماذا؟ الصحة أو المرض، أي بلحاظ الصحة والمرض، أو كان أساس القسمة بلحاظ التعليم أو بلحاظ مُستوى الدخل أو بلحاظ الذكورة والأنوثة، أي ذكور وإناث مثلاً! أليس كذلك؟ والــ Bisexual مثلاً، أي المخانيث مثلاً، هذا أساس القسمة مثلاً، هذا هو! وسوف نرى فيما بعد أن نسبة الذكور كذا في المائة، نسبة الإناث كذا في المائة، ونسبة المخانيث – مثلاً – كذا في العشرة في المائة، جميل! هذا كلام دقيق، أرأيت كيف؟ مثل هذا، أساس القسمة لابد أن يكون واضحاً.

كذلك الكُتب في المكتبة، لا يُمكِن أن تُخربِط وتُراعي أكثر من أساس في نفس الوقت، وإلا ستختفي القسمة وتحدث خربطة كبيرة، كأن تقول – مثلاً – سنُقسِّم الكُتب إلى كُتب مكتوبة بالعربية وكُتب مكتوبة بلُغات أُخرى، والتي بلُغات أُخرى – مثلاً – سنُقسِّمها إلى أقسام، منها في علوم مُختلِفة، منها المُجلَّد، ومنها الورقي! لكن حتى في العربية يُوجَد نفس الشيئ، لم يتميَّز! ستجد في العربية الذي لم تُقسِّمه هذه القسمة ما يُوجَد في العلوم هذه والمُجلَّد والورقي، ما هذا الكلام الفارغ؟ هذا يعني أنه لم يتميَّز، لا يُمكِن أن تقول لي سأعرف الكتاب الأجنبي إذا كان مُغلَّفاً بكذا، لأن العربي مُغلَّف أيضاً بكذا، هذا غلط! هذا لا يُمكِن أن يكون أساساً للقسمة، هل هذا واضح؟ ونفس الشيئ يُمكِن أن نفعله في مثال السُكان في بلد مُعيَّن، كأن تقول لي – مثلاً – نُريد أن نُقسِّم الناس إلى مُواطِنين وإلى – مثلاً – مُقيِمين، أي عندهم فيزا Visa فقط، ليس عندهم جنسية، أليس كذلك؟ وبعد ذلك سنُقسِّم مَن ليس عندهم جنسية إلى ألوان مثلاً، هذا لا ينفع، لأن المُواطِن نفسه ستنطبق عليه نفس الألوان، أي ستجد شخصاً باللون الفلاني وهو مُواطِن،  لم يتميَّز، خربطت الأمور أنت، أليس كذلك؟ هذا لا ينفع، لا يُمكِن أن تقول أُريد أن أُقسِّم غير المُتجنِّسين – مثلاً – إلى بيض، إلى سُمر، وإلى سود، فحتى في المُواطِنين سوف تجد أُناساً سوداً وسوف تجد أُناساً سُمراً وسوف تجد أُناساً بيضاً، هذا غلط! هذا ليس أساساً للقسمة هنا، أليس كذلك؟ لم يتميَّز، لذلك سوف تقول لي هذا يعني أن هذا هو السر وراء أنهم يجمعون التعريف مع القسمة، في النهاية آخر كلمة سنقولها اليوم – أي في درس اليوم – هي التالية، أصلاً يُوجَد نوع من أنواع التعريف اسمه التعريف بالقسمة، القسمة حين تكون صحيحة وتكون حاصرة – أي جامعة مانعة مثل التعريف، أرأيت الجامع المانع؟ – أو مُنعكِسة مُطرِدة يصح بها التعريف، إذا كانت جامعة مانعة فالتعريف يصح بها، وفي العلوم – خاصة الطبيعية – يكون التعريف كثيراً بالقسمة، فلابد أن تكون مُؤسَّسة على أساس واضح، لا تُخربِط! لا تقل مُواطِنون وهؤلاء غير مُواطِنين ثم تخلط، هذا تقسيم صحيح فعلاً، لن تجد واحداً في النمسا إلا وعنده إقامة أو يكون مُواطِناً، أليس كذلك؟ والذي عنده إقامة ستقول عنه عنده إقامة مُؤقَّتة أو إقامة لجوء وما إلى ذلك، هذا تقسيم صحيح، أساس صحيح للتقسيم الثاني هذا، هذا مضبوط! ولن تجد مُواطِناً عنده إقامة مُؤقَّتة أو غير مُؤقَّتة، لن تجد هذا! هذا التقسم دقيق، لكن لا تقل لي الذي عنده إقامة سأُقسِّمه إلى أسود وأحمر، هذا كلام فارغ، لأن في المُواطِن يُوجَد نفس الشيئ، أنت خربطت الدنيا ودخلت الأمور في بعضها، هذا ليس تقسيماً صحيحاً، واضح وسهل! فهذا موضوع أساس القسمة.

آخر شيئ – وذكرت هذا قبل قليل عرضاً – أن تكون القسمة جامعة مانعة، مثل التعريف، جامعة مانعة! ما معنى جامعة؟ تجمع كل الأقسام المُمكِن اجتماعها في هذه القسمة، لابد أن تذكرها كلها، هذا لازم! لا ينبغي أن تترك أي قسم، لو تركت ستكون غير جامعة، وتكون مانعة بحيث تمنع دخول أي شيئ سوى هذه الأقسام، أي من أقسام شيئ ثانٍ مُقسَّم وما إلى ذلك، ممنوع! ومن ثم تصير قسمة جامعة مانعة، مثلما قلنا ماذا؟ العرب – مثلاً – يُقسِّمون الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، عند العرب هذه قسمة جامعة مانعة، ليس عندنا كلمة في العربية إلا وتكون اسماً أو فعلاً أو حرفاً، ولذلك أنا نبَّهت في دروس النحو قديماً إلى خطل القسمة المُعاصِرة، التي تجدها للأسف في مُعظَم الكُتب المدرسية والجامعية المُعاصِرة، يقولون الآلة، لا يُوجَد شيئ اسمه آلة، ما الآلة؟ يقولون هذه آلة كذا أو أداة كذا، يقولون أداة! أداة كذا، أداة نصب مثلاً، ما معنى أداة؟ لا يُوجَد شيئ اسمه أداة، يُوجَد عندي اسم أو فعل أو حرف، وأنت لابد أو تُميِّز، هذه الكلمة تستر جهل المُتعلِّم في النحو، لأنه لا يعرف بصراحة هل هذا اسم أو حرف، أليس كذلك؟ طبعاً! ومن ثم يقول أداة، ما ما معنى أداة؟ لا يُوجَد شيئ اسمه أداة، أداة كلمة من الكلمات، الكلمة تنقسم إلى اسم وفعل وحرف، فحدِّد لي! لا يُوجَد شيئ اسمه أداة، لا تُوجَد قسمة رابعة اسمها أداة، من أين أتيتم بها هذه؟ كلام فارغ هذا، يكتبون في كُتب المدرسة وكُتب الجامعة أداة، أداة نصب أو أداة جر أو أداة رفع، كلام فارغ هذا كله للأسف، لكن موجود هذا، موجود هذا عندنا!

فلابد وأن تكون جامعة مانعة، وكذلك الموجودات، نحن يُمكِن أن نُقسِّم بحسب الوجود في الفلسفة مثلاً، كل الوجود – سُبحان الله – من الله تبارك وتعالى – أستغفر الله العظيم  – إلى أقل شيئ، يقولون الوجود كله، أي الموجود، أي شيئ موجود إما أن يكون مادة وإما أن يكون مُجرَّداً عن المادة، المُجرَّدات يقولون، ليس المادة! أي شيئ غير مادي يكون مُجرَّداً عن المادة، ليس مادة! هذا صحيح، ربنا مُجرَّد عن المادة طبعاً، ربنا ليس مادياً، ليس مادة أبداً بأي معنى من معاني المادة حتى، لا يُمكِن! ليس مادة ربنا، هذا جيد! بعد ذلك اختلفوا طبعاً في الملائكة، لكن المشهور أن الملائكة مُجرَّدات، يقولون مُجرَّدات هذه، والمادة هذه لابد أن تنقسم، إلى حيوان ونبات وجماد، أي شيئ مادي لابد أن يكون إما حيواناً وإما نباتاً وإما جماداً، ما الجماد؟ هو عدا الحيوان والنبات، كالغازات والعناصر والأشياء والمعادن وما إلى ذلك، كل هذه جمادات، هذه أشياء جامدة، وهذا لا يعني أنها أشياء صُلبة، انتبه! نحن لا نتحدَّث عن الصُلب، الجماد يعني أن ليس فيه صفة الحياة، مبدأ الحياة هو ماذا إذن؟ النمو، أليس كذلك؟ النبات جسم نامٍ، أليس كذلك؟ الجماد ليس كذلك، لا ينمو، أليس كذلك؟ لذلك هناك أشياء اشتبهت على العلماء، تحيَّروا فيها وفي تصنيفها، لكن ما دام يظهر فيها أول صفات الحياة – أعني النمو – فالأمر مُنتهٍ، إذا كان الكائن ينمو ذاتياً فالأمر انتهى، هذا لابد أن يكون حياً، وبعد ذلك أرادوا أن يُصنِّفوه فاختلفوا، قالوا حيوان نبات، أي الحيوانات النباتات، أرأيت؟ لأنهم لا يعرفون هل يجعلونه في قسم الحيوان أو النبات، فقالوا هذا حيوان نبات، لأنه يأخذ من هذه الصفات ويأخذ من هذه الصفات، وهذا في علم البيولوجي Biology معروف! هذا شيئ ثانٍ، لكن الجماد هذا قسم مُتميِّز، وهذه قسمة حاصرة، أي شيئ يخطر على بالك يُمكِن أن يكون هكذا، تقول البلازما Plasma – مثلاً – في الفيزياء، هذا جماد، ليس نباتاً وليس حيواناً، تقول الأجسام السماوية كلها، هذه جمادات، الكوازار Quasar، السوبرنوفا Supernova، والثقب الأسود Black hole، هذه جمادات، لا يُمكِن أن يُقال غير هذا، الجماد مثل النجم أو الكوكب أو المُذنَّب، كل هذه جمادات، وكذلك الحال مع الكويكب Asteroid، كل هذه جمادات، وهكذا! هذه قسمة حاصرة دقيقة.

يُمكِن أن يُقسِّم أناس تقسيماً ثانياً، فيقولون بحسب – مثلاً – الانتماء أو الانتساب وما إلى ذلك سنقول هناك كائنات عُلوية وهناك كائنات سُفلية أرضية، والكائنات الأرضية سنُقسِّمها إلى كذا وكذا وكذا، والكائنات السماوية سنُقسِّمها إلى كواكب ونجوم ومُذنَّبات وما إلى ذلك، كل ما يُوجَد! طبعاً سيقول لي أحدكم هذا يعني أن كلما تقدَّم العلم ودقَّق لابد وأن يطرأ تغيير على القسمة، وهذا صحيح طبعاً، لأن القسمة في النهاية ما هي؟ ما القسمة؟ القسمة ليست قالباً مُعيَّناً سحرياً يجعلك تُدرِك كل شيئ في الوجود، ليست كذلك أبداً! هي تتعامل مع مُدرَكاتك، أنت ماذا أدركت أيضاً؟ الذي فهمته من الوجود وأدركته ودخل في نطاق إدراكك هو الذي تجري عليه القسمة، كلما اكتشتف أكثر كلما وضعت أشياء جديدة، أليس كذلك؟ هو هذا.

يقولون المادة الجامدة تنقسم – مثلاً – إلى صُلب، إلى سائل، وإلى غازٍ، أليس كذلك؟ هل هذا التقسيم جامع مانع؟ لا، ليس كذلك لاعتبارين، لماذا؟ لأن الحيوان أيضاً منه ما هو صُلب مُتماسِك، أليس كذلك؟ موجود! فهذا صار ليس دقيقاً هنا، أليس كذلك؟ وبعد ذلك عندنا حالة رابعة الآن للمادة، وهي حالة البلازما Plasma، هذه ليست في حالة الصلابة ولا الغازية ولا السائلية، اسمها حالة البلازما Plasma، حالة جديدة هذه، اكتشفوها في القرن العشرين وهي مُختلِفة تماماً، عندها قوانين في الفيزياء وحدها وعندها شغل وحدها، وهذه ليست مُشكِلة، هذا ليس غلطاً، لكن هذا التقسيم صار غير حاصر، صار قديماً، وهكذا!

على كل حال إذن هذا موضوع لابد أن تكون القسمة جامعة مانعة، نأخذ الآن أنواع القسمة، أولاً عندنا لفظ أو مفهوم الكُل والكُلي، ربما لم نشرحه في هذه المرات لكننا شرحناه في سنة سابقة، وهو سهل جداً جداً، نحن أخذنا في دروس المنطق والفلسفة الكُلي، والكُلي يُقابلِه ماذا؟ الكُلي يُقابِله مفهوم ماذا؟ الجُزئي، عندنا الكُلي وعندنا الجُزئي، أليس كذلك؟ هل هذا مضبوط أو غير مضبوط؟ والكُلي له مصاديق، ومصاديقه لابد وأن تكون جُزئية، لا يُوجَد كُلي عنده مصداق كُلي، مُستحيل! إلا عند أفلاطون Plato، في عالم المُثل الكُلي عنده مصداق كُلي، موجود هناك! كما قلنا الكوب الكُلي، المثال Ideal! هذا كلام أفلاطون Plato، الآخرون – غير أفلاطون Plato – قالوا لا، الكُلي لابد أن نرى له مصداقاُ مُتشخِّصاً ولابد أن يكون جُزئياً، أليس كذلك؟ الإنسان كُلي، كلمتان! أليس كذلك؟ وأين مصاديقه؟ أنا، أنت، هو، هي، وغيرنا! وهذه كلها أشياء قلنا بدقة شديدة سنُسيمها مُتشخِّصة، يقولون هذا جُزئي، وهذا تساهل تسامح، سموه جُزئياً لكن هذا تسامح شديد، الفلسفة لا تسمح بهذا، قالت في الحقيقة هذا ليس جُزئياً، الجُزئي مفهوم ذهني، أرأيت؟ لا يُمكِن غير هذا أبداً، لكن هذا مُتشخِّص، وهم يُسمونه جُزئياً، ليس عندنا مُشكِلة، جيد!

وعندنا الكُل، ليس الكُلي وإنما الكُل، الذي يتكوَّن من ماذا؟ من أجزاء، ليس من جُزئيات، إذن كُلي وُجزئي، وكُل وأجزاء، مثل الطاولة – أي الــ Tisch بالألمانية أو الــ Table بالإنجليزية – هذه، هذه الطاولة كُل، أجزاؤها ماذا؟ لوحة الخشب هذه، والقوائم الأربعة، أليس كذلك؟ هذا هو، هذه كلها أجزاء، وكذلك هذا البيت أو المسجد، هذا كُل، وأجزاؤه الجدران، السقف، الأبواب، النوافذ، والأرضية، هذه أجزاء! أرأيت كيف؟ عندنا الكتاب وهو كُل، وأجزاؤه الغلاف، الأوراق، والمكتوب عليها، هذه أجزاء! الغلاف، الأوراق، والمكتوب عليها هي أجزاء الكتاب، والقلم له أجزاء، وهكذا! هذا هو، هذا المفهوم بسيط، يُدرِكه أي طفل، كُل وأجزاءه! أليس كذلك؟ لكن المفهوم الذي تعلَّمنا كان الكُلي وجُزئياته، هل هذا واضح؟ 

فالقسمة نوعان، القسم الأول قسمة الكُل إلى أجزائه، ليس إلى جُزئياته وإنما إلى أجزائه، قسمة الكُل إلى أجزائه! وهذه يُوجَد منها أنواع، لذلك يُسمون هذه القسمة الطبيعية، يُسمونها القسمة الطبيعية، أي التقسيم، The partition بالإنجليزية أو La partition بالفرنسية، هذه القسمة الطبيعية يُوجَد أنواع منها، الآن الإنسان، هذا المفهوم الكُلي الماهوي، القالب هذا الذي شرحناه في المعقولات الثانية الفلسفية، هذا مفهوم قالبي، أليس كذلك؟ يدخل فيه كل هؤلاء البشر، مفهوم ماهوي، معقول كُلي، من المعقولات هذا! أليس كذلك؟ وهذا من أي نوع من المعقولات؟ من أي المعقولات الإنسان؟ من المعقولات الأولى، الماهوي أقول لكم، من المعقولات الماهوية الأولى، أليس كذلك؟ من المعقولات الأولى الإنسان، الكتاب، وما إلى ذلك! هذه هي المعقولات الأولى، أول درجات العقل – كما قلنا – انتزاع المفاهيم الكُلية، بعد ذلك عندنا المنطقي، وبعد ذلك عندنا الفلسفي، وكلاهما ثانٍ أو ثانوي، المعقولات الثانية! فعندنا الإنسان هذا، عرَّفناه وقلنا ما هو؟ حيوان ناطق، فعلاً له جُزءان، يتكوَّن من جُزئين، من حيوان زائد ناطق، هذه الماهية التامة للإنسان، الحيوان جنس، والناطق فصل، هذا الفصل – Difference – الخاص به، هذا الفصل! الذي يُميِّزه من أنواع الحيوان الأُخرى، من غزال، من أسد، ومن كذا وكذا، الناطقية لا تُوجَد إلا فيه، وكله على بعضه – جنس زائد فصل، أي جنس قريب زائد فصل – يُساوي النوع Species، هذا النوع، جيد! فهذه فعلاً أجزاؤه الحقيقية، أجزاء الماهية! الحيوانية والناطقية، بماذا عرفناها؟ أنت حين ترى أي إنسان هل تقدر أن تُميِّز وترى فيه أو تحس فيه أو تلمس فيه – مثلاً – الناطقية والحيوانية؟ مُستحيل! الإنسان إنسان، انتهى الأمر، بماذا ميَّزنا الشيئ هذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور بالعقل، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم مُؤكِّداً بالعقل، فالأجزاء هذه أجزاء عقلية، يُسمونها أجزاء عقلية! كيف تم التعرف عليها؟ بالعقل، بالحس مُستحيل، بالحس لا ترى في الإنسان الكلام هذا، أليس كذلك؟ لأن حتى مفهوم الحيوان نفسه كمفهوم – Concept – أيضاً هو مفهوم العقل أخذه، أليس كذلك؟ أنت حين تراه لا ترى هذا فيه، ترى كائناً صفاته كذا وكذا، وينتهي الأمر، لكن ما مفهوم الحيوان بإزاء مفهوم نبات وجامد؟ أشياء يختص بها العقل، فقط العقل! شغل العقل هذا، أليس كذلك؟ وكذلك الحيوانية والناطقية.

نأتي الآن – مثلاً – لكي نُقسِم الماء، يُسمونه ماذا؟ الماء، يتكوَّن من الهيدروجين Hydrogen والأكسجين Oxygen، أليس كذلك؟ الماء هذا يتكوَّن من عنصرين: عنصر الهيدروجين Hydrogen وعنصر الأكسجين Oxygen، أليس كذلك؟ القسمان هذان هل يُوجَدان بهذا الترتيب في غير الماء؟ مُستحيل، لا يُمكِن! يد2أ: الماء، لا يُوجَد هذا إلا في الماء، أليس كذلك؟ لذلك حتى لو أردنا أن نُعرِّف الماء بأنه المُركَّب من هيدروجين Hydrogen وأكسيجين Oxygen بنسبة كذا وكذا سيكون هذا الماء، هذا التعريف! وهو تعريف بالقسمة، لأن فعلاً لا يُوجَد في الطبيعة يد2أ إلا الماء، H2O، الماء! هل هذا جيد؟ الآن هذان الجُزءان في الطبيعة أو ليسا في الطبيعة؟ في الطبيعة، وأنت في المختبر تراهما فعلاً، ونحن صغار في الصف الخمس قمنا بتحليلهما، أليس كذلك؟ طبعاً تم هذا بالتجربة في المدرسة، فعلاً يُوجَد ذرتان من الهيدروجين Hydrogen وذرة من الأكسجين Oxygen، هو هكذا! فهذه أجزاء طبيعية، وليست عقلية، أرأيت؟ الحيوانية الناطقية في العقل، هذه أشياء العقل ألَّفه، قال هناك شيئ اسمه حيوانية وهناك شيئ اسمه ناطقية، لا يُوجَد في الطبيعة هذا، لا يُوجَد! لكن في الطبيعة يُوجَد هيدروجين Hydrogen بصفاته فعلاً ويُوجَد أكسجين Oxygen، حين يلتقيان بطريقة مُعيَّنة يأتي الماء، وهذا يعني أن هذه الأجزاء طبيعية، هذه أجزاء طبيعية! وسواء عقلك عرفها أو لم يعرفها هي موجودة في الطبيعة وموجودة بالنسبة هذه في الماء طبعاً، تنتظر أن تكتشفها كما هي، لكن لو لم يُوجَد الإنسان ما وُجِدَ مُطلَقاً شيئ اسمه الحيوان الناطق كمفهوم، هذا العقل ألَّفه، أليس كذلك؟ لا يُمكِن أن تفهم السلاحف والأشياء الأُخرى – وربما حتى ولا الملائكة – أن الإنسان هو الكائن والحيوان الناطق وأن الناطقية بمعنى تكوين المفاهيم الكُلية وما إلى ذلك، هذا شغلنا نحن، شغل العقل الذي وهبنا الله – تبارك وتعالى – إياه.

هذا اللاب توب Laptop الذي بين يدي إذا سألنا أي مُهندِس عنه فسوف يقول هذا يتكوَّن من كذا وكذا وكذا، أليس كذلك؟ والآن يشتغل ويُوجَد هارد وير Hardware ويُوجَد سوفت وير Software والبرامج تشتغل وما إلى ذلك، هذا كله على بعضه! هذه الأجزاء أجزاء طبيعية أو أجزاء صناعية Artificial؟ هل نحن قمنا بتصنيعها؟ نحن قمنا بتصنيعها وقمنا بتركيبها، أجزاء القلم هذا طبيعية – أي في الطبيعة مخلوقة هكذا – أو صناعية؟ هل نحن قمنا بتصنيعها وتكوينها؟ نحن قمنا بتصنيعها وتكوينها، وهناك أشياء كثيرة، كل الأشياء والاختراعات والتقنيات مثلأجزاء الصاروخ وأجزاء الطيارة والسيارة والساعة يُسمونها أجزاء صناعية، هل هذا واضح؟ هذه الأجزاء الصناعية! أجزاء عقلية، أجزاء طبيعية، وأجزاء صناعية، والكلام كله إلى الآن في تقسيم الكُل إلى أجزائه، لكن لابد وأن تُميِّز العقلي من الطبيعي من الصناعي في الأجزاء، طبعاً كل شيئ نحن صنعناه – أي الشيئ الصناعي  Artificial – مُكوَّن من أجزاء صناعية طبعاً، مثل أجزاء القنبلة، أجزاء القنبلة – كالقنبلة الذرية – أجزاء صناعية، هذه من كذا وكذا وكذا، كلها أجزاء نحن المسؤولون عنها، هل هذا واضح؟ تمام!

بعد ذلك نأخذ القسم الثاني الآن، وهو قسمة الكُلي إلى جُزئياته، السابق كُل وأجزاء، لكن هذا كُلي وجُزئيات، تمام! قبل قليل ضربت لكم مثلاً دعونا نضربه مرة ثانية، وذلك حين تحدَّثت عن الموجود، أي شيئ موجود، الموجود! طبعاً الموجود لفظ كُلي أو غير كُلي؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور كُلي، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إنه كُلي طبعاً، من أعم الألفاظ الكُلية هذا، الموجود! الله موجود، يدخل فيه الله تبارك وتعالى، الله موجود، الجنة موجودة، النار موجودة، الطاولة موجودة، اللاب توب Laptop، أنا موجود، أنت موجود، وإلى آخره! هذه مسألة كبيرة، وقلنا يُمكِن أن نُقسِّمه قسمة ثنائية، وهي جامعة مانعة، فعلاً حاصرة! لا يخرج شيئ في الوجود عنها، كيف؟ إلى ماذا سنُقسِّم الموجود؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور إلى مادي ومُجرَّد، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، إلى مادي ومُجرَّد عن مادة، هذه قسمة حاصرة، رب العالمين قطعاً مُجرَد عن المادة، أليس كذلك؟ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۩ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ۩، وكل شيئ وكل أحد لابد أن يكون مادياً، وأين الخلاف؟ وقع في الملائكة، لكي يعرفوا بأي معنى يُسمونها، تمام! بعد ذلك المادة قسَّمناها إلى ماذا؟ إلى ماذا قسَّمنا المادة؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بإجابة خاطئة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، انتبه! ليس بالمعنى الفيزيائي وإنما بالمعنى العام، المادة! هل أنت لست مادة؟ نحن كائنات مادية، هل نحن مُجرَّدات عن المادة؟ لا، هناك حيوان وهناك نبات وهناك جماد، ونحن قلنا من الخطأ حتى أن نحصر التقسيم ونقول صُلب وغازٍ وما إلى ذلك، فحتى الحيوان فيه صُلب أيضاً، لكن دعونا نقول هذا، فكل شيئ مادي غير مُتجرِّد لابد أن يكون إما حيواناً وإما نباتاً وإما جماداً، سيقول لي أحدكم ماذا عن الملائكة؟ نحن قلنا الملائكة في رأي الفلسفة العقلية الأرسطية أنها كائنات مُجرَّدة، هكذا يعتبرونها! لكن لو نحن على أُسس دينية قلنا لا، هي ليست مُجرَّدة، هي مخلوقة من نور – والنور في نهاية المطاف لابد أن يكون مادة، أليس كذلك؟ خاصة وافق النسبية، شكل من أشكال المادة، شكل تحويلي للمادة، الطاقة والمادة وجهان لعُملة واحدة، أليس كذلك؟ ولابد أن يكون هذا مخلوقاً، هذا أكيد – سنُدخِل الملائكة هذه في ماذا؟ في أقرب شيئ وهو الحيوان، (ملحوظة) قال أحد الحضور الجماد، فرفض الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الإجابة، وقال في أقرب شيئ وهو الحيوان، لأن عندها إحساس، تشعر وتبكي! الملائكة تبكي ونحزن وتضج وتدعو وتستغفر، إذن يُوجَد إحساس، وهل عندها حركة بالإرادة؟ عندها حركة بالإرادة، أكيد عندها حركة بالإرادة، تتحرَّك بالإرادة وتعرف ماذا تُريد، تعرف هذا! ولذلك يُوجَّد إليها الأمر فتفعله، وكما قلنا أيضاً هي تغضب وتحزن لذنوب المُسلِمين ولبلاياهم، إلى آخره! الآن هل هي نامية؟ هل تنمو أو لا تنمو؟ هذا شيئ صعب أن نقطع به، لأن هذه لا تزال كائنات غيبية، صعب القطع! هل تنمو أو لا تنمو؟ الله أعلم، لا نعرف، لا نعرف هل تنمو أو تظل بنفس الكمية وبنفس الحجم وبنفس القدرات، هل يُوجَد عندها نمو معنوي؟ لابد أن يُوجَد عندها نمو معنوي، أنا أقول لكم لابد أن يكون عندها نمو معنوي، لماذا لابد أن يُوجَد عندها نمو معنوي وليس حيوياً؟ الحيوي الله أعلم به، لكن المعنوي أكيد عندها، لماذا؟ قلت لكم لماذا، ما دام هي تحزن وترضى وتدع  وتستغفر وتبتهل وتنصر المُؤمِنين وتُقاتِل معهم فهذا يعني أنها تأثَّرت، سُبحان الله! هذا هو طبعاً، ليست كائناً سلبياً، كائن ليس سلبياً أبداً! كائن مُتفاعِل موضوعي، ويكتسب أحوال ويكتسب لياقات على الأقل شعورية، نعم مقامه محفوظاً وليس عنده الحق في أن يتخطى مقامه وما إلى ذلك لكن هذا شيئ ثانٍ، هكذا أراد رب العالمين، لكنها تعيش الأحوال هذه، وعلى كل حال لا علاقة لنا الآن بالأنطولوجيا Ontology، هذه أنطولوجيا Ontology كلها وما ورائيات ليس لنا علاقة بها.

الآن تحدَّثنا عن تقسيم الموجود، كما قلنا هذا كُلي، قسَّمناه إلى جُزئيات، هذا ليس كُلاً إلى أجزائه، ستقول لي ما الفرق؟ سأُعطيك الفرق بطريقة سهلة جداً، الآن دعنا نأخذ مثال الطاولة، قلنا – مثلاً – قطعة خشب – مثلاً نفترض – زائد قوائم أربعة، هناك طاولات عندها ثلاثة قوائم، لكن لا تُوجَد مُشكِلة، هناك طاولات عندها قائمة واحدة، مثل الرُخاميات هذه، ليس عندنا مُشكِلة! هل يُمكِن أن نقول قطعة الخشب طاولة؟ هل هذا مُمكِن؟ هذا غلط طبعاً، لا يُمكِن! لا يُمكِن أن تأتي بقطعة خشب وتقول هي طاولة، هذه ليست طاولة، هل يُمكِن أن نقول القائمة طاولة؟ لا يُمكِن، هل يُمكِن أن نقول الطاولة قطعة خشب؟ غلط، ليست قطعة خشب، إذا أتيت بقطعة خشب فهذه لن تكون طاولة، هل يُمكِن أن نقول الطاولة قوائم أو أربعة قوائم؟ لا يُمكِن، هذا غير صحيح! وهذا يعني أن الحمل لا ينفع هنا، وأنت تعرف ما معنى الحمل، تصف شيئ بشيئ، تُسنِد شيئ إلى شيئ، هذا لا يُمكِن هنا! في الكُل وأجزائه الحمل لا يصح، لا يصح فعلاً، هذا مضبوط، هل يُمكِن أن تقول اللاب توب Laptop – مثلاً – أو الحاسوب ويندوز فيستا Windows Vista؟ لا يُمكِن، غلط! الويندوز Windows أنت تأخذه وتضعه على سي دي CD وحده، هذا ليس اللاب توب Laptop، أليس كذلك؟ مثلاً نفترض هذا، أو ائت بأي جُزء من أجزاء اللاب توب Laptop مثلاً، أي شيئ! هل يُمكِن أن تقول لي السيارة – مثلاً – هي دينمو Dynamo؟ هل السيارة دينمو Dynamo؟ غير صحيح، سأُعطيك دينمو Dynamo وحده بمائتي يورو، هل هذا السيارة؟ لا يُمكِن أن تقول الدينمو Dynamo سيارة، غير صحيح! وإلا اجعله يمشي على أربع عجلات لكي أذهب به إلى لينتس Linz، ما الكلام الفارغ هذا؟ لا يصح هذا، لكي تُعرِّفه لابد وأن تحمل عليه كل أجزائه، الطاولة هي كذا وكذا وكذا، كله مع بعضه! هل هذا واضح؟ لا يُمكِن أن تُجزّئ الحمل هذا، بخلاف الكُلي، أليس كذلك؟ نحن قلنا الإنسان حيوان ناطق، هل يُمكِن أن نقول الإنسان حيوان؟ يُمكِن، طبعاً الإنسان حيوان، طبعاً الإنسان حيوان بلا شك! هذا مُمكِن، لأنه حيوان، لماذا يفعل هذا؟ لأنه حيوان، ونحن نعرف أن الإنسان حيوان فعلاً، هل يُمكِن أن نقول الإنسان ناطق، يُمكِن طبعاً، هل يُمكِن أن نقول الناطق إنسان؟ يُمكِن طبعاً، ما الاختلاف الآن؟ انتبه، الاختلاف في المفهوم أو في المصداق؟ في المفهوم، لأن حين نقول الإنسان ناطق والناطق إنسان سيكون كلاهما صحيحاً، تعبيران صحيحان! الناطق إنسان، ولن تجد ناطقاً إلا وهو إنسان، ولن تجد إنساناً إلا وهو ناطق، قلنا هذا في درس سابق! فمفهومياً لا يتعادلان بلا شك، لأن مفهوم إنسان ما هو؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور أن الإنسان أعم من الحيوان، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، انتبه! أُريد منك أن تكون دقيقاً الآن في التعبير، انتبه! الإنسان حيوان ناطق، ركِّز معي، لأنك تكلَّمت كلاماً منطقياً خطأ، أُريد منك أن تفهم المنطق بدقة، حين تقول لي الإنسان أعم من حيوان يكون هذا غير صحيح، ليس أعم! هو أخص من حيوان، لماذا؟ هذا سهل وبسيط جداً، الآن سنرى مَن الأعم: الإنسان أو الحيوان؟ وسأُعطيك مسألة ربما ألمعنا إليها في درس التعريف في المرة السابقة، كلما زدت في الحد وفي التعريف عناصر جديدة – كلمة حد حتى في المنطق تُطلَق على أي لفظ، اللفظ في التعريف يُسمونه حداً أيضاً، وكله على بعضه يُسمى حداً – أو حدوداً أو ألفاظاً كلما ضاق المحدود، أليس كذلك؟ يضيق ويتخصَّص طبعاً، يتخصَّص! الآن نفترض – مثلاً – أننا نُريد أن نُعرِّف العالم، مَن هو العالم؟ أي الــ Wissenschaftler بالألمانية أو الــ Scientist بالإنجليزية، مَن هو؟ مَن هو العالم؟ لو قال أحدكم العالم هو مَن يكتب ويقرأ هذا سيكون مطاطياً كثيراً أو خاصاً كثيراً؟ هذا سيكون مطاطياً كثيراً، أليس كذلك؟ ها هو ابنك في الصف الثالث الابتدائي ويقرأ ويكتب، هل هو عالم؟ لا، بحسب التعريف الأهبل ابنك اتضح أنه عالم، لأنك قلت العالم هو مَن يقرأ ويكتب، وابنك يكتب ويقرأ، هو في الصف الثالث الابتدائي ويكتب ويقرأ، يكتب ثمانية وعشرين حرفاً ويقرأ أي كتاب من غير أن يفهم المسكين أي شيئ، لأنه في الصف الثالث الابتدائي، فهو قال العالم مَن يكتب ويقرأ، وهذا كلام فارغ، لكننا سنقول العالم مَن يكتب ويقرأ – ونقول ماذا مثلاً؟ – ويفقه في تخصص ما أو أكثر من تخصص بما يُوافِق عليه أهل التخصص – مثلاً هذا عندنا، وهو فعلاً يفهم بشكل سليم، هذا صحيح، هو يفهم الفيزياء، هذا صحيح فأعطوه العلامة التي يستحقها – ومن ثم صار التعريف أضيق أو لا؟ صار أضيق.
دعونا نرى الآن الآتي، الإنسان حيوان، هذا الكلام واسع أو غير واسع؟ واسع جيداً، إذا الإنسان هو حيوان فقط هكذا وأنت أدركت أن مفهومياً هما مُتعادِلان – مفهومياً – فالغزالة ستصير أيضاً إنساناً، القرد سيصير إنساناً، والزرافة ستصير إنساناً، وهكذا! لأن هذا كله حيوان، أليس كذلك؟ لكن حين تقول لا، ليس هذا هو بالضبط، مفهومياً الإنسان حيوان ناطق، زِدنا على الحيوانية الناطقية، خرجت كل الأنواع الأُخرى وبقيَ مَن؟ الإنسان، فالمفهوم هذا صار أخص أو أعم؟ أخص، بالله عليكم انتبهوا ودقِّقوا، لا تستخدموا الكلمات – مثل عام وما إلى ذلك – بشكل غير دقيق، هذا غلط! فائدة الدرس المنطقي في أن تلفظوا العبارات بشكل دقيق، لابد وأن تكونوا دقيقين في كلامكم وأن تعرفوا ما الأعم وما الأخص، فمفهوم إنسان أخص من مفهوم حيوان بلا شك، أليس كذلك؟

ما الذي يُعادِل مفهوم الإنسان منطقياً؟ ما الذي يُعادِله منطقياً تماماً؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور حيوان ناطق، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، حيوان ناطق يُعادِله منطقياً، إذن إنسان كمفهوم لا يُعادِله إلا حيوان ناطق، مفهومياً هذا صحيح، لو حذفنا ناطقاً وقلنا هو حيوان – أي الإنسان حيوان – سيكون هذا صحيحاً، لكن هو صحيح مصداقاً، مصداقاً هو صحيح، الإنسان هو حيوان، أليس كذلك؟ جيد! والإنسان ناطق، مضبوط! الإنسان ناطق والناطق إنسان، هذا صحيح، لكن هل الناطقية الآن – مثلاً – تُعادِل مفهوم الإنسان؟ هي أخص أو أعم؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور أخص، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا غلط أيضاً للمرة الثانية، ربما لو كنتم مكانكم وكنت غير مُنتبِه لقلت إنها أخص، لكن نحن درَّسنا في أكثر مرة وقلنا الناطقية كمفهوم – ليس كمصداق وإنما كمفهوم – أعم من الإنسان، لأن العقل لا يُحيل أن تتميَّز بمفهوم الناطقية هذا كائنات كثيرة، كالملائكة وغيرها مثلاً، الحديث عن العقل كعقل، لكن في الواقع الخارجي والعيني لم نر ناطقاً إلا الإنسان، وقد ذكرت هذا بدقة، ذكرته هكذا تماماً كما أذكره الآن فتنبَّهوا، فالناطقية صارت أعم كمفهوم، لكن كمصداق في النهاية – أي مُتخارِج – يُوجَد اعتدال، لا تجد ناطقاً إلا وهو إنسان، لا تجد إنساناً إلا وهو ناطق، هل هذا واضح؟ فلابد أن تُفرِّق دائماً بين المفهوم وبين المصداق وأنت تُلاحِظ ما فيهما، إذا لاحظت هذا وهذا فسوف تُعبِّر بدقة.

على كل حال هذا هو الفرق بين الكُل وأجزائه والكُلي وجُزئياته، في الكُلي وجُزئياته يُمكِن حمل هذا على هذا لكن في الكُل وأجزائه لا يُمكِن الحمل، وعلى كل حال من غير أن نفهم الشيئ هذا نحن فهمنا ما الكُلي وما الجُزئيات وما الكُل وما الأجزاء، أي هذا مفهوم عندنا وواضح، لا يحتاج إلى هذا اللف، لكنهم يذكرونه كناحية فنية، يقولون ما الفرق إذن بين القسمتين؟ هذا هو الفرق المذكور في كُتب المنطق.

طبعاً يُوجَد كلام أُريد أن أضرب عنه الذكر صفحاً في طريقة التقسيم، لن نذكره لأننا لن نحتاج إليه كثيراً، تركناه على كل حال، آخر شيئ – كما وعدتكم – التعريف بالقسمة، التعريف بالقسمة أيضاً سهل، وضربنا له مثلاً ويُمكِن أن نضرب له أكثر من مثال، ما الملح – مثلاً – يقول لك؟ فتقول الملح كلوريد الصوديوم NaCl، لا يُوجَد مُركَّب من العنصرين هذه إلا الملح بالطريقة هذه، أليس كذلك؟ هذا هو فقط، لو عرَّفت الملح بأنه كلوريد الصوديوم NaCl أو عرَّفت الماء – مثلاً – بأنه H2O سيكون هذا تعريفاً صحيحاً، لماذا؟ لأن القسمة هنا جامعة مانعة، حاصرة دقيقة! ستقول لي من أي أنواع التعريف هذا؟ انتبه، سنرجع الآن إلى التعريف، عندنا التعريف إما أن يكون بالحد وإما أن يكون بالرسم، والحد تام وناقص، والرسم تام وناقص، أُريد أن يُذكِّرني أحدكم بمعنى الحد التام على عجل، الحد التام هو ماذا؟ الحد التام هو تعريف بماذ؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الجنس القريب والفصل، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هو تعريف بالجنس القريب والفصل، أحسنت! الجنس القريب والفصل، ماذا عن الحد الناقص؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الفصل، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الفصل وحده أو الفصل زائد ماذا؟ فقال المُجيب الجنس البعيد، فقال فضيلته الجنس البعيد أو المُتوسِّط، هذا الحد الناقص، وحين نرى كلمة تام سنفهم شيئاً، لكننا  سندع هذا إلى ما بعد، الرسم منه الرسم التام ومنه الرسم الناقص، الرسم التام هو تعريف بماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الجنس والعرض الخاص، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إن هذا صحيح، وقال للمُجيب لو قلت العرض فقط سيكون هذا عاماً، لأن العرض دائماً عام، أما لو قلت العرض الخاص سيكون هذا الخاصة كما يُسمونه، الخاصة هي العرض الخاص، فالرسم التام هو تعريف بالجنس وبالخاصة – لكي نكون واضحين – وهو العرض الخاص، بالجنس وبالخاصة! هذا يكون تاماً، هذا صحيح، وماذا عن الرسم الناقص؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور بالخاصة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم بالخاصة وحدها، الإنسان هو الضاحك، أليس كذلك؟ لأن لا يُوجَد ضاحك إلا الإنسان، إلا لو اختلفوا – كما قلنا – في وجود حيوانات تضحك، والضاحك هو الإنسان، مضبوط! هذا بالخاصة.

الآن نُريد أن نرى التعريف بالقسمة، من أي أنواع التعريف؟ هل هو تعريف بالحد أو تعريف بالرسم؟ وإذا كان بواحد منهما فمن أي نوع هو؟ طبعاً واضح أنه ليس بالحد، مُستحيل أن يكون التعريف بالقسمة تعريفاً بالحد، لابد وأن يكون تعريفاً بماذا إذن؟ بشكل عام التعريف بالقسمة – تقسيم الشيئ إلى كذا وكذا، الماء يد 2أ – ماذا عنه؟ (ملحوظة) ذكر أحد الحضور الكمية، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، لا يُوجَد شيئ اسمه الكمية في المنطق، ما الكمية هذه؟ انتبه، التعريف بماذا؟ التعريف لابد وأن يكون إما حداً أو رسماً، ويكون ناقصاً أو تاماً، ولماذا؟ لماذا راجعت معكم موضوع الحد والرسم؟ لكي نرى هو بأي واحد منهم، لا يُوجَد تعريف لشيئ خارج عنهم، أي تعريف لا يخرج عنهم، نحن رأينا التعريف بالمثال وهو واحد منهم، وكذلك التعريف بالتقسيم، لابد وأن يكون واحداً منهم، أي كل أنواع التعريف التي تخطر على بالك لابد وأن تدخل في واحد من التعاريف الأربعة، أي تعريف! وهذا تعريف جديد أخذناه اليوم نحن، التعريف بالقسمة يقولون، التعريف بالقسمة! (ملحوظة) ذكر أحد الحضور الرسم، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم طبعاً هذا رسم، لكنه تام أو ناقص؟ نحن الآن نقول – مثلاً – الماء، الماء هو يد 2أ، أحدهما قال لك عرِّف الماء فقلت يد 2أ، المُركَّب المُكوَّن من ذرتين هيدروجين Hydrogen وذرة أكسجين Oxygen، هذا هو الماء، عرَّفته! هذا صحيح، وتميَّز عن غيره بالمُناسَبة، تميَّز عن أي شيئ ثانٍ، أي بالماء، بالتعريف هذا، صحيح! هذا تعريف بالرسم، لكن بماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور بالرسم التام، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نحن قلنا التام ما هو؟ يتكوَّن من ماذا وماذا؟ لكي نُدقِّق لابد أن نعرف تكوينه، يتكوَّن من ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الخاصة والجنس، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم يتكوَّن من الخاصة زائد الجنس، أليس كذلك؟ أين الجنس هنا؟ لا يُوجَد جنس هنا، لا يُوجَد! ما ذكرناه – مثلاً – هو المادة التي كذا وكذا والمُتحيِّزة وما إلى ذلك، لم نذكر أي جنس! بقيَ أنه تعريف بالرسم الناقص، وهو بالخاصة، لأن فعلاً الماء من خواصه التي تعرض له وتختص به أنه مُكوَّن من ذرتين هيدروجين Hydrogen وذرة أكسجين Oxygen، هذا لا يختص به إلا الماء، هذه خاصة، فعلاً هذه خاصة! فإذن هذا التعريف هو تعريف بالرسم الناقص، ستقول لي لماذا؟ وسأقول لك لأن من خواص الماء التي تعرض له وتختص به أنه مُركَّب من كذا وكذا، وفعلاً هذا لا يُوجَد إلا في الماء، وكذلك كلوريد الصوديوم NaCl، إلى آخره! هذا صحيح، إذن لو سألك أحدهم قل له هذا تعريف بالرسم الناقص، أي تعريف بالخاصة! فالتعاريف لابد دائماً أن تدور على هذه الأشياء.

سنُعطيكم اليوم مُقدِّمة بسيطة عن الــ Propositions، أي سندخل من باب التفاؤل في القسم الثاني للمنطق، لكن بسرعة، لن نُطوِّل، سندخل في القضايا اليوم، وسنأخذ التصديقات طبعاً، سنبدأ في القضايا، أنتم تعرفون القضايا، يقولون القضية! القضية في اللُغة العربي ما هي؟ هذا مُصطلَح منطقي، أي القضية، في المنطق، في الــ Logic، القضية! في اللُغة العربية العادية ماذا يُسمونها؟ في لُغة النحو والبلاغة ما اسمها؟ اسمها الخبر، القضية هي الخبر، ولو سألت أحد دارسي اللُغة وقلت له ما هو الخبر؟ سيقول لك الخبر هو المُركَّب التام الذي يحسن السكوت عليه وماذا؟ ماذا عن الخبر؟ أحدهم قال لك – مثلاً – محمد رسول الله، هل هذا خبر أو ليس خبراً؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور خبر، فأكَّد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على أنه خبر، وقال هذه القضية الآن، محمد رسول الله أو الثقوب السوداء موجودة في السماء مثلاً، هذه قضية خبرية، أليس كذلك؟ ماذا تحتمل هذه؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الصدق أو الكذب، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم برافو Bravo عليك، الصدق أو الكذب! تحتمل الصدق أو الكذب، يُمكِن أن تكون صادقة ويُمكِن أن تكون كاذبة، محمد رسول الله، عندنا فيها صدق – الحمد لله – ويقين، عندنا غيرنا يُكذِّبون بها، فهي تحتمل الصدق والكذب لذاتها، لماذا ذكرنا كلمة لذاتها؟ لماذا هذا القيد الدقيق؟ سوف نفهم، سوف نفهمها لأنها غير واضحة.

ستقول لي عندنا في اللُغة العربية معناها الخبر، الخبر هو القضية، أي الــ Proposition في المنطق، جيد وجميل! هل يُوجَد شيئ عندنا غير الخبر؟ طبعاً، في العربية عندنا خبر وإنشاء، أليس كذلك؟ عندنا هكذا، كل الكلام إما خبر أو إنشاء، أليس كذلك؟ جميل، الحديث عن الكلام، ليس عن اللفظة وإنما عن الكلام، المُركَّب! أي كلام مُركَّب سيكون إما خبراً إو إنشاءً، الخبر ما احتمل الصدق والكذب لذاته، أليس كذلك؟ لكن الإنشاء إلى ماذا يُقسِّمونه؟ مثل ماذا؟ الأمر، النهي، الدعاء، الاستفهام، التمني، والترجي، أليس هذا إنشاءً؟ هذا إنشاء، هذا ليس خبراً، وهذا لا يحتمل الصدق والكذب لذاته، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم كذا وكذا، هذا دعاء، دعاء لا يحتمل الصدق والكذب، لا يُمكِن أن يقول أحدهم له أنت كذّاب، كيف يكون كذّاباً؟ هو يدعو الله، كيف يُقال إنه كذّاب؟ شخص قال لابنه اذهب يا ولد وأحضر لي كذا وكذا من الطبخ، فقال له أنت كذّاب، كذّاب ماذا؟ هو يأمره ويقول له اذهب وأحضر كذا وكذا، كيف تقول له أنت كذّاب؟ ما الهبل هذا؟ لا يُقال هنا كذّاب، لا يُوجَد كذب هنا، أمر هذا! أليس كذلك؟ هل فهمت كيف هذا؟وكذلك الحال مع الاستفهام، يقول لك أحدهم هل وصل سعيد إلى الدرس؟ فتقول له أنت كذّاب، كذّاب ماذا؟ هل أنت أهبل، هو يقول لك ويسألك هل وصل سعيد إلى الدرس؟ فتقول له أنت كذّاب، كيف هذا؟ هو يسألك هل وصل؟ فقل له وصل أو لم يصل، هذا سؤال! فالإنشاء هو هكذا، لا يحتمل الصدق والكذب لذاته، هذا يعني أن الإنشاء يُمكِن أن يحتمل الصدق والكذب لغيره، هذا صحيح ومضبوط، هذا يحدث! ستقول لي والله هذا صحيح، انظر إلى هذه الدقة، هذه دقة في المنطق واللُغة، اللُغويون فهموا هذا أيضاً، أن الإنشاء يُمكِن أن يحتمل الصدق والكذب لغيره، طبعاً الخبر – أي خبر – يحتمل الصدق والكذب لذاته، وسوف نرى لماذا، وإذا فهمنا في الإنشاء كيف يُمكِن أن يحتمل الإنشاء الصدق والكذب لا لذاته فسوف نفهم ما معنى القيد لذاته في الخبر، سوف يتضح لنا المعنى، أنا الآن – مثلاً – أرى أبا آدم أمامي، أنا أراه! أراه وأقول هذا أبو آدم، لكنني بعد ذلك سأقول يا أخي هل أبو آدم موجود؟ ومن سيقول أحدكم يا أخي كذب الشيخ، فهو يسأل سؤالاً جاهلاً وهو عالم، هو يراه الآن وقبل قليل ذكره حين قال هذا أبو آدم وأجب يا أبا آدم، لكنه بعد ذلك سأل هل أبو آدم موجود؟ سأل شخصاً جاء الآن، ما هذا؟ سيقول كذب الشيخ في سؤاله، هذا صحيح! يجوز وصف هذا الإنشاء بالكذب، وسوف نرى لماذا إذن، وسوف نرى كيف هذا، هذا أولاً.

ثانياً رجل – مثلاً – غني ومعروف، من أصحاب الملايين، قال صدقة لله يا مُحسِن، فقالت الناس هذا كذّاب، هذا كذّاب! أليس كذلك؟ هذا إنشاء، يسأل، يستجدي، ويشحذ! قال صدقة لله، أي يقول أعطوني صدقة، أليس كذلك؟ ولذلك السؤال في النهاية ما هو؟ ما هو السؤال؟ السؤال أو الشحاذة هو أمر، أليس كذلك؟ أعطوني! لكن هذا أمر مِن مَن؟ مِن مُستجدٍ لمُعطٍ، فيُسمونه الشحاذة هكذا، يُسمونه الشحاذة أو السؤال، يسأل غيره! لكن هو أمر، وكذلك حين تسأل رب العالمين يكون هذا أمراً، أليس كذلك؟ يُسمونه سؤالاً في اللُغة لكن في الأصل هو أمر، هذا أمر! مثل اللهم أعطنا، هذا أمر، لكن لا يُسمى أمراً، يُسمى ماذا؟ دعاءً، أنت تدعو الله، فلا يُقال هذا أمر أو نحن نأمر الله، لكن هو أمر، بحسب الصيغة الخاصة به هو أمر، مثل أعطنا، اعمل لنا، وافعل لنا، كما تقول لأحدهم أحضر، عُد، اوذهب، نفس الشيئ! لكن هذا يُسمى دعاءً، جيد! فهذا الذي يشحذ وهو مليونير نقول عنه كذّاب، هذا كذّاب! أليس كذلك؟ وقد يقول أحدهم لو أن الله – عز وجل – يمن بالأولاد، فنقول كيف يمن بالأولاد وأنت عندك سبعة يا أخي؟ وكذلك حين يتمنى أشياء عنده، نحن نعرف أنها عندها، مثل لو أن الله يمن علىّ بالسيارة لكي أقضي بها مشاويري، وهو عنده سيارة مرسيدس Mercedes 2010، فنقول هذا كذّاب، هل أنت تتمنى وأنت عندك مرسيدس Mercedes 2010 اشتريتها بسبعين ألف يورو يا أخي؟ لكنه أمام الناس يقول لو أن الله يمن علىّ بالسيارة لكي أقضي بها مشاويري، فهذا كذّاب، هنا – هذا صحيح – يُمكِن أن نقول هذا كذّاب كذّاب كذّاب،  لكن كيف؟ ليس لذاته، صعب أن تصف الإنشاء بأنه كذب، هو إنشاء! لكن الأمر يتعلَّق باللوازم، لماذا؟ افهم معي، حين نرى رجلاً غنياً يستجدي ماذا نفهم منه؟ نفهم منه قضية خبرية، أليس كذلك؟ لازمه خبر، أي الفعل هذا الإنشائي لازمه خبر، يقول صدقة لله يا مُحسِنين، فالخبر يقول ماذا؟ أنا مُحتاج وليس عندي أي شيئ فأعطوني، كذّاب! أنت كذّاب، أنت لست مُحتاجاً، أرأيت كيف؟ ليس الإنسان في ذاته، في ذاته – هذا واقع – يشحذ، ماذا نفعل له؟ يشحذ، انتهى! هذه شحاذة، كيف تقول هو كذّاب؟ لماذا هو كذّاب؟ هل هو كذّاب لأنه لا يشحذ؟ هذه شحاذة، هو يشحذ وهو صادق في الشحاذة، وكذّاب في المدلول الالتزامي، لأن يلزم من شحاذته – يلزم منها – مفهوم هو قضية خبرية، أي شيئ نفهمه أو كلام مفهوم وهو قضية خبرية، ماذا يلزم منها؟ أنا مسكين ومُحتاج فأعطوني، أليس كذلك؟ كذّاب، لست مسكيناً ولست صادقاً أنت، عندك الكثير، هل فهمت قصدي؟ وهكذا طبِّق، حتى لا أُطيل عليكم، هذا هو.

فلذلك الإنسان مُمكِن يُوصَف بالصدق أو بالكذب لا لذاته وإنما لمدلولاته الالتزامية، هكذا يقول المناطقة! لمداليله أو مدلولاته الالتزامية، قد تقول لي كيف هذا؟ شرحته لك، وقلت لك كيف، يلزم منه شيئ، هو خبر في النهاية، الخبر هذا كذب، مثل اللهم أعطين سيارة أقضي بها مشاويري، كذب! ما الكذب؟ المدلول الخاص بكلامه يلزم منه – أي اللازم – أنه ليس عندي سيارة، وأنا أقضي مشاويري بالمُواصَلات العامة أو على رجلي، هذا كذب، لن عنده سيارة، كذب! قضية ليس عندي سيارة وأنا مُحتاج إليها كذب، وهي خبر! عنده سيارة، أرأيتم كيف؟ فهذا يلزم من أنه يدعو بهذا الدعاء، نحن نفهم حقيقة حاله، وهذا مُتفرِّع على فهمنا حقيقة حاله، أرأيتم؟ فلأجل هذا المعنى بالذات ذكرنا أن الخبر ليس لهذه اللوازم وإنما لذاته يحتمل الصدق والكذب، لذاته! أما الإنشاء فيحتملهما لغيره، ما المقصود بلغيره؟ المدلولات الالتزامية، المداليل الالتزامية! أرأيتم؟ هذا هو فقط! أما قضية الثقوب السوداء موجودة تحتمل الصدق والكذب لذاتها، إما تكون صحيحة وإما تكون غالطة، أليس كذلك؟ وهذا يعتمد على ماذا؟ على البراهين العلمية بعد ذلك، أليس كذلك؟

المعادن تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة، هذا خبر، هذه قضية Proposition – – تحتمل الصدق والكذب، وهذا يتوقَّف على البرهان التجريبي، أليس كذلك؟ وثبت أنها فعلاً تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة فهي قضية صادقة.

مُسيلمة الكذّاب نبي صادق، هذه قضية تحتمل الصدق والكذب، وثبت أنها كاذبة، لأنه كذّاب وليس نبياً صادقاً، ثبت هذا! أليس كذلك؟ تركيا – مثلاً – انتصرت في الحرب العالمية الأولى، أو ألمانيا انتصرت في الحرب العالمية الأولى، هذه قضية كاذبة، لأنها هُزِمت وأُهينت في فرساي مثلاً، وهكذا مع أي شيئ تُريدون، هل هذا واضح؟ فنحن فهمنا ما معنى القضية.

الآن القضية تنقسم إلى قسمين: قضية حملية وقضية شرطية، القضية الحملية هي الــ Categorical proposition، Categorical من Category، وCategory معناها ماذا؟ مقولة، وهذا في المنطق أيضاً! معناها مقولة أو قالب، الــ Categorical معناها أيضاً جازم، في اللُغة العادية يُسمونها هكذا، وحتى في الإنجليزية يقولون شيئ جازم، شيئ غير مشروط، لكن في المنطق حين نصف بها الــ Proposition يكون معناها حملية، ولماذا؟ لأن أخص صفات الحملية أنها غير مشروطة، طبعاً لا يُوجَد فيها شرط! إذا كذا وإن كذا وإما وإن كذا، لا يُوجَد كل هذا، هذا كله القضية الــ Conditional، أي القضية الشرطية، لكن القضية هذه ليس فيها الأشياء هذه، ولذلك سموها ماذا؟ الــ Categorical، انظروا إلى اللُغة الإنجليزية فهي هنا أدق، وفي اللُغة العربية هي دقيقة أيضاً، لماذا؟ لأن فعلاً يضح فيها الحمل بشكل واضح، هذا اسم على مُسمى، قضية حميلة! لكن بالإنجليزية معناها Categorical proposition، وهذه Conditional proposition، Conditional من Condition، أي قضية شرطية، لكن دعوا الشرطية للدرس القادم إن شاء الله، سنأخذ الآن الحملية.

القضية الحملية بسيطة جداً، وأخذنا عليها أمثلة كثيرة جداً طيلة الدروس، محمد رسول الله، المُذنَّبات أجسام سماوية، المنطق من العلوم العقلية، وعليّ – مثلاً – صاحب رسول الله، إلى آخره! هذه كلها قضايا حملية، ما معنى قضايا حملية؟ معناها أننا نحمل شيئاً على شيئ،  نُسنِد شيئاً إلى شيئ، أي نصف شيئاً بشيئ، فالآن نحن في مثال محمد رسول الله، مَن الذي أسندنا إليه؟ مَن المُسنَد إليه؟ الذي وصفناه مَن هو؟ محمد، أسندنا له الرسالة، رسول الله، فعندنا محمد، يُسمونه الموضوع، اسمه هذا الموضوع، أي الــ Subject، في المنطق اسمه الــ Subject، رسول الله المحمول، عندنا هذا الموضوع الذي حمَّلنا عليه، أرأيتم؟ هذا مُهِم حتى لا تنسوا، هذا حمَّلنا عليه، هذا يُسمونه المحمول عليه، وهذا يُسمونه المحمول، أرأيتم؟ رسول الله المحمول، أي الــ Predicate، أكيد تعرفون هذه الكلمة، الــ Predicate! الــ Predicate هو المحمول، الــ Subject هو الموضوع، محمد رسول الله، هذه القضية يُسمونها قضية حملية ثنائية، لماذا؟ لأن الــ Copula غير موجودة، ما الــ Copula هذه؟ الــ Copula – الذين درسوا الرياضيات يعرفونها، في الرياضيات هذه! مُصطلَح رياضي – هي الرابطة، الــ Copula غير موجودة، أي الرابطة! لابد أن يكون عندنا بين الموضوع والمحمول رابطة، في اللُغة العربية هذه الرابطة كثيراً ما تختفي، ويُستدَل عليها بطريقة تكوين الجُملة، بالإنجليزية Muhammad is، أليس كذلك؟ بالألمانية Muhammad ist، وبالفارسية محمد است، إذن Is، Ist، واست، أليس كذلك؟ كلهم هكذا! ليس عندهم – مثلاً – Muhammad Messenger، لا يُمكِن! لا بد من Is هناك أو من Ist هنا، لازم! لكن عندنا نحن نقول محمد رسول الله، أي محمد هو رسول الله، محمد يكون رسول الله، محمد كائن رسول الله، هذا كله ترجمة Is أو Ist، أليس كذلك؟ اللُغة العربية عندها تكوين خاص، أكثر اللُغات عندها ما ينوب مناب Is أو Ist هذا، إلا العربية! ويُستدل على هذا من التركيب نفسه، التركيب الإسنادي! هذا أُسنِد إلى هذا وهذا كذا وكذا ومن ثم نستطيع أن نستدل عليها، فإذا ذُكِرت الرابطة تصير القضية قضية حملية ثلاثية، أي ذُكِر فيها الأطراف الثلاثة: الموضوع، المحمول، والرابطة، أي الــ Subject، الــ Predicate، والــ Copula، ثلاثة! هذه يُسمونها قضية ثلاثية، لو قلنا – مثلاً – عليّ هو ابن عم رسول الله ستكون هذه قضية ثلاثية، عليّ موضوع Subject، هو رابطة Copula، ابن عم رسول الله محمولPredicate، أرأيتم؟ ستصير هذه قضية ثلاثية، عليّ ابن عم رسول الله قضية ثنائية، وهي حملية، في المرتين هذه القضايا الحملية! 

فإذن ننتهي إلى تعريف القضية الحملية، القضية الحملية هي التي يُحكَم فيها على شيئ بثبوت شيئ له أو نفيه عنه، فقط! عندك شيئ، إما تُثبِت له شيئاً أو تنفيه عنه، الشمس طالعة، الشمس ليست طالعة، قضية حملية وقضية حملية، هذه مُوجِبة وهذه سالبة، أرأيت؟ القضية الحملية إما أن تكون مُوجِبة وإما أن تكون سالبة، الشمس طالعة، أي الشمس هي طالعة أو تكون طالعة أو تُوجَد طالعة أو كائنة طالعة أو موجودة طالعة، إلى آخره! هذا بدل Is أو Ist، هذه قضية حملية مُوجِبة، الشمس ليست طالعة، قضية حملية سالبة، فقط! هذه مُقدِّمة اليوم فقط لكي نفهم القضية الحملية وأقسامها إن شاء الله، وفي المرة القادمة سندخل في القضية الشرطية.

هل تُحِبون أن نُصلي العشاء ثم نُكمِل بعد ذلك لمدة ساعتين الفلسفة وما إلى ذلك أو نأخذ استراحة قصيرة لمدة خمس دقائق ثم نأخذ درس الفلسفة ونقوم نُصلي العشاء بعد ذلك وبعد العشاء سوف نقوم بعمل درس أخير لمدة ساعة نُتيحها للإخوة الذين عندهم مُداخَلات أو سؤال أو جواب؟ 

سنأخذ استراحة قصيرة لمُدة خمس دقائق الآن لكي تلتقطوا فيها أنفساكم – إن شاء الله – وبعد ذلك سندخل إلى درس الفلسفة بإذن الله.

سنُذكِّر الإخوة طبعاً بنُقطة وسنشرحها أيضاً بشكل جديد، هذه مُفارَقات! يُسمونها طبعاً برادوكسات، أي Paradoxes، الــ Paradox معناها مُفارَقة، ما المُفارَقة؟ أن تنطلق من مُقدِّمات مُعيَّنة تُسلِّمها وتفترضها وتجد أنها عادية لكنها تنتهي بك إلى نتيجة غير معقولة، العقل لا يقبلها! إما مُتهافِتة أو مُتناقِضة، أرأيت؟ فهذه يُسمونها الــ Paradox، طبعاً المُغالَطات عموماً بمُفارَقات، أي الــ Fallacies تنتهي بــ Paradoxes دائماً، لا يُمكِن غير هذا! علماً بأننا سنأخذ الــ Fallacies هذه في آخر المنطق إن شاء الله، آخر شيئ المُغالَطات وصناعة المُغالَطة وأنواع الــ Fallacies هذه، فمُفارَقة كذّاب قبرص – Cyprus – كالتالي، هذا الرجل ماذا قال؟ قال كل أهل قبرص كذّابون، فقط! رجل قبرصي يقول كل أهل قبرص كذّابون، قد تقول هذا عادي، هذا خبر، هذه قضية تحتمل الصدق وتحتمل الكذب لذاتها، واليوم نحن أخذنا هذا، أليس كذلك؟ هذه قضية، فيها موضوع ومحمول، قضية ثنائية! لكنهم قالوا لا، هذا سينطوي على مُفارَقة رهيبة، لماذا؟ القائل نفسه قبرصي، إذن ينبغي وفق كلامه ووفق تقريره أن يكون هو أيضاً من جُملة الكذّابين، الكذّاب يقول كل أهل قبرص كذّابون، وهو كذّاب! إذن لابد أن يكون كلامه هذا كذباً، والنقيض هو الصحيح، أليس كذلك؟ إذن نقيضه ما هو؟ كل أهل قبرص صادقون، وهنا وقعنا في مُشكِلة، لأنه منهم، ومن ثم سيصير صادقاً، فانتهى أن يكون صادقاً كاذباً، ولم نعرف هو صادق أو كاذب.

هذه ليست المُفارَقة الخاصة ببرتراند راسل Bertrand Russell، وهي سهلة! أعتقد أنها بعد الأشياء التي قمنا بحلها ستكون بسهولة جداً جداً، نحن سنتعلَّم كيف نكشف هذه المُفارَقات وندحضها حين ندرس القضايا، هذه قضية كُلية مُوجِبة، كلهم كاذبون، أرأيتم؟ هذه قضية كُلية مُوجِبة، عكس القضية الكُلية المُوجِبة ليس قضية كُلية سالبة، غلط! لم يقل أي عالم منطق هذا، ولم تفهم حتى أمي وأمك هذا، العوام البسطاء – والله – يفهمون الصحيح، يفهمون المنطق من غير أن يدرسوا المنطق، أعني الناس البسطاء جداً جداً، وتنتهي عندهم مُفارَقة كذّاب كريت، أي الكذاب الكريتي Kretische، عادية وسهلة جداً! عكس الكُلية المُوجِبة جُزئية مُوجِبة، هذا مُمكِن، هو قال كل أهل كريت Kreta كاذبون، أنت الآن اذهب واسأل أمك، قل لها عدنان – مثلاً – قال في الدرس كل العلماء جُهلاء، لا قدَّر الله أن أقول هذا، لكن هذا مثال، قل لها عدنان قال كل علماء الأمة جهلاء، لا يُوجَد أي عالم حقيقي، سوف تقول لك ما هذا؟ ما الكلام الفارغ هذا؟ هذا غير صحيح، بعضهم فقط! بعضهم جُهلاء، أكيد الشيخ عنده الحق في كون بعضهم هكذا، لكن ليس كلهم! هي فهمت وحدها أن العكس ما هو؟ لن تقول لك أمك هذا غير صحيح، الشيخ أخطأ لأن كل العلماء هم علماء كبار جداً وأئمة، لن تقول لك هذا، لا يُمكِن! لا يقول أحد هذا، العامة لا يقول هذا، يقول لا، تُوجَد مُبالَغة، سوف تقول لك بعضهم جهلاء وبعضهم علماء يا ابني، هذا بالمنطق والــ Common Sense وبالحس البسيط عند الناس، يفهمون هذا مع بعضهم، قل لها كل المُسلِمين اليوم – والعياذ بالله – سرّاق، ليس عندهم ذمة، وسوف تقول لك لا يا ابني، أستغفر الله العظيم يا أخي! بعضهم – بعضهم فقط – يكون هكذا، موجود! الناس فيها الخير وفيها الشر يا ابني، أليس كذلك؟ بعضهم سرّاق، وبعضهم أمناء، وهم أكثر! أليس كذلك؟ فنقيض الكُلية المُوجِبة ليس كُلية سالبة، وإنما جُزئية مُوجِبة، هذا الصحيح!

لذلك هو قال ماذا؟ كل أهل قبرص كذّابون، أليس كذلك؟ وهو منهم، فإذن هو كذّاب، فكلامه كذب، إلى الآن هذا صحيح، قضيته هذه الصحيح فيها ليس أن يكون عكسها كُلية سالبة أبداً، وإنما الصحيح أن يكون عكسها جُزئية مُوجِبة، سنقول له كلامك غير صحيح، أنت كذّاب، ويبدو أنك كذبت حتى في جُملتك هذه، ونقيض كلامك – أي الصحيح الذي سنُقرِّره نحن –  هو بعض أهل قبرص كذّابون، وأنت منهم، وكلامك دل على أنك كذّاب، لأنك حكمت على الناس كلهم بأنهم كذّابون، والمنطق يقول عكس قضيتك هو الصحيح، بعض أهل قبرص كذّابون، والبقية صادقون، وأنت من الكذّابين، انتهى كل شيئ! هذا الصحيح، فهذا سوف نفهمه بالمنطق، المنطق يقول لك إياك أن تعكس الكُلية المُوجِبة بكُلية سالبة ثم تقول هذه عكسها، يُوجَد غلط هنا! أين صارت المُفارَقة؟ من أين نشأت المُفارَقة؟ نشأت في الخُطوة الثالثة، حين قلت هو كذّاب، إذن كلامه كذب، فعكسه صحيح، كل أهل قبرص صادقون، هذا غلط! مَن قال لك الكلام هذا؟ لا جدتي ولا جدتك تقول الكلام هذا، أليس كذلك؟ لا يعكس أحد بهذه الطريقة، هذا غلط! وليس عندك في المنطق ما يسمح لك بهذا العكس، وسوف نرى عكوس القضايا، أرأيت؟ وأنا قلت هذا مثال نموذجي، أي Typical بالإنجليزية أو Typisch بالألمانية، مثال نموذجي مُمتاز، على ماذا؟ على أن المنطق فعلاً يستفيد منه مُتوسِّط الذكاء، هذا كلام ابن تيمية – رحمة الله عليه – حين قال علم المنطق لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد، أنا قمت بالرد عليه ببساطة، وها هو المثال، قلت له مَن قال لك يا ابن تيمية الناس كلهم فائقو الذكاء أو بلداء؟ يُوجَد شيئ اسمه الــ Standard يا حبيبي، والــ Standard معروف في علم النفس، مُعظَم الناس Standard، أنا وأنت ومَن مثلنا Standard، أليس كذلك؟ قليل من الناس يكون الــ IQ الخاص بهم مائة وستين أو مائة وأربعين وما إلى ذلك، قليل! مُعظَم الناس ليسوا فائقي الذكاء، ومُعظَم الناس ليسوا بلداء، هذا غير صحيح! قلة من الناس عباقرة، وهناك قلة من المُتخلِّفين، ومُعظَم الناس Standard، انظر إلى ذكاء الناس وتعاطيهم وما إلى ذلك، الآن أنت لا تدخل في الأعماق العصبية، ليس لك علاقة بهذا لا نيورولوجياً ولا حتى نفسياً، أنا أتحدَّث عن الواقع، الواقع هو هكذا! وهو أن الناس ذكاؤهم مُتوسِّط بصراحة، مُعظَم الناس ذكاؤهم مُتوسِّط، أرأيت كيف؟ فابن تيمية لعب أيضاً هنا لعبة، أرأيت؟ يُريد أن يلعب معنا هذه اللعبة لكن نحن كشفناها، صحيح – أقول له – لا يحتاج إليه فائق الذكاء ولا ينتفع به البليد – لن يفهم، ستظل لمائة سنة تُفهِمه ما الكُلي وما الجُزئي ولن يفهم المسكين، لأنه غبي – لكن ماذا عن المُتوسِّط؟ المُتوسِّط الذي مثلنا سوف يفهم وسوف ينتفع، سوف يقدر على أن يُطبِّق، وها نحن طبَّقناها على مُفارَقة كذّاب كريت Kreta – الكذاب الكريتي Kretische – ولم نقع في المطب، لكن التي سألت عنها وطلبت منكم أن تُفكِّروا فيها طيلة أسبوع كامل أصعب من هذا بكثير، فعلاً هي صعبة، صعبة جداً جداً، اسمها مُفارَقة راسل Russell، والتي تقول ماذا؟ تقول الآتي:

برتراند راسل Bertrand Russell قال عندي مكتبة، جيد! نفترض فيها ألفا كتاب، والعدد ليس مُهِماً طبعاً، المكتبة هذه نُريد أن نُقسِّمها، أي نعمل لها تقسيماً – Division – مثلما عملنا اليوم، وقد فهمنا القسمة، أليس كذلك؟ ما هو المقسم؟ ما أساس القسمة؟ أساس القسمة هذا الاعتبار: هناك كُتب ذُكِرت عناوينها في مُتونها، مُؤلِّف سمى كتابه مثلاً كتاب السبعين، وفي المتن من الداخل قال وفي كتابنا هذا – كتاب السبعين – سنذكر كذا وكذا، انتهى! إذن عنوانه صار أين؟ في المتن، ذُكِر! وهناك كُتب أُخرى لا يُذكَر عنوانها في متنها، لا تجد أن العنوان هذا تكرَّر في المتن ولو لمرة، لم يقل مرة المُؤلِّف وفي كتابنا هذا الذي سميناه كذا وكذا، لم يقل ولو لمرة هذا! هذه الكُتب موجودة، قال سنقوم بعمل Index – أي فهرس أو فهرست، بالضبط اسمها فهرست – بأسماء نوع واحد من الكُتب، هل هذا جيد؟ سنقول أننا سُنسيمه ماذا؟ هذا الــ Index سنُسميه فهرست بأسماء الكُتب التي لم تُذكَر عناوينها في متونها، لأن على ما يبدو أن الأكثر ذُكِرت، والأٌقل لم يُذكَر، فمُعظَم المُؤلِّفين يذكرون فعلاً اسم الكتاب بالداخل، يُقال وفي بحثنا هذا الذي سميناه كذا وكذا، وإنما سميناه كذا وكذا لأننا راعينا كذا وكذا، فهم يذكرونه والاسم يتكرَّر، عادي! ولأن الأكثر مذكور سنجعل الــ Index فقط للكُتب التي لم تُذكَر عناوينها في متونها، عندنا ألفا كتاب، واتضح أن عندنا – مثلاً نفترض – سبعمائة كتاب أو ستمائة لم تُذكَر عناوينها في متونها، استعنا على هذا الشيئ – هذا من عندي – بالحاسوب، الحاسوب فيه الكُتب مُصوَّرة كلها وعليه نُسخ بي دي أف PDF أو وورد Word، ومن ثم قمنا بعمل الشيئ هذا، فأخرج لنا هذه العناوين طبعاً، فقمنا بكتابتها وطبعنا الأسماء، الآن أصبح عندنا كتاب من سبعين أو ثمانين صفحة مثلاً، وهذا الكتاب فيه كل المُواصَفات مثلاً، فجلَّدناه – قمنا بعمل Cover له، أي قمنا بعمل تجليد له – ودبسناه وصار كتاباً، أعطيناه عنواناً وسميناه فهرست – أي Index – بأسماء الكُتب التي لم تُذكَر عناوينها في متونها، جميل! الآن بدأت المُشكِلة، راسل Russell قال هذا! ما الذي جعله يُفكِّر في الأشياء هذه؟ المُهِم الآن إذا بقيَ الأمر على ما هو عليه من غير أن نضع اسم الفهرست فيه ستكون هناك مُشكِلة، سيكون الفهرست ناقصاً، سيكون الفهرست ناقصاً! لماذا؟ لأن عنوانه كفهرست لم يُذكَر في متنه ولو لمرة، أليس كذلك؟ إذن لابد أن نضع عنوانه هذا فيه، عندنا سبعمائة كتاب – مثلاً – وسوف يُصبِحون سبعمائة وواحد، عندنا كتاب اسمه ماذا؟ فهرست بأسماء الكُتب التي لم تُذكَر عناوينها في متونها، أليس كذلك؟ لأن لم يُذكَر عنوانه في متنه، ومن ثم نكون وقعنا في مُشكِلة، لأن الآن أيضاً صار عنوانه في متنه، إذا وضعت اسمه في الداخل فسوف تكون عندك مُشكِلة، كيف تقول لم يُذكَر وأنت ذكرته في الداخل؟ أنت ذكرته! لأن متن الكتاب هو فهرست، عد! أنت عددته وذكرته في الداخل، فهذا يعني أنه من الكُتب التي ذُكِرت عناوينها في متونها، فكيف أنت فعلت هذا؟ قد تقول امحوا هذا، امحوه كله، هاتوا الــ Korrektor، نحن محوناه لكن فهرستك ناقص أيضاً، أنت تكذب علينا، لأنك تقول بأسماء الكُتب التي هي كذا وكذا وها هو لم يُذكَر وأنت لم تذكره، راسل Russell قال هذه مُفارَقتي وأنا أتحداكم أن تحلوها إلى يوم الدين، قال أنا ليس عندي حل، وهو فيلسوف وعالم رياضيات رهيب، قال ليس عندي حل ولا أحد عنده حل، طبعاً نحن عندنا حل التفافي، بصراحة ليس الحل الذي يُريده، هذا ليس حلاً كما يُريد، وإنما هو حل التفافي، لابد أن تلتف على اللعبة هذه، هذه لعبة وهي خطيرة! ماذا تفعل؟ خطيرة فعلاً، كيف سنحلها؟ هل فكَّرتم فيها؟ على ما يبدو أنكم لم تُفكِّروا فيها ولم تحلوها.

(ملحوظة) أجاب أحد الحضور، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على كل حال هذا أكثر ما عندنا، لكن هذا لن يرضاه برتراند راسل Bertrand Russell، أكيد لن يرضاه، لماذا؟ لأن الأمر كالتالي، لابد أن تُعرِّف الكتاب في الأول، ما هو الكتاب؟ وحتماً سينطبق عليه مفهوم كتاب، هذا كتاب، أليس كذلك؟ عادي! المكتبات كلها فيها مُجلَّدات هي فهارس وتُعتبَر كُتباً، اليوم تذهب لكي تشتري قضة الحضارة فيُقال لك إنه في ثلاثة وعشرين مُجلَّداً، والمُجلَّد الأخير هو فهارس، كتاب عن الكتاب، أليس كذلك؟ تدفع ثمنه، هو كتاب! وحين تُصنِّف عدد المُجلَّدات في المكتبة سوف تذكره وكأنه مُجلَّد وكتاب، لا تقدر على أن تفعل غير هذا، لكن الحل يكمن في الجُزئية هذه، وهي أننا لابد أن نتسامح ونقول سنقوم بعمل تخصيص لمفهوم الكتاب، فعندنا كتاب بالمعنى المعروف، أي في أي موضوع، وعندنا كُتب لا تناول موضوعات علمية وفنية، إنما تتناول أسماء وتعداد وصفات الكُتب المُتناوَلة، وسُنسمي هذه كُتب الفهارس، على أنها طائفة خاصة من الكُتب، فإذا لم نذكر هذا القيد في أي بحث عن الكتاب فسوف ينتمي دائماً هذا إلى الطائفة الخاصة، أليس كذلك؟ إذا ذكرناه سوف ينتمي، إذا لم نذكره فسوف ينتمي إلى مفهوما لكتاب العام، لكن هذه سوف تكون لعبة، هو قال لا، هذه اللعبة احتيالية، أنت احتلت وخصَّصت من عندك وما إلى ذلك، لماذا؟ لا يُوجَد أي وجه للتخصيص، في نهاية المطاف هو كتاب، أُريد جواباً منطقياً ولا يعترض عليه راسل Russell أيضاً، هل تعرف لماذا؟ لأنه سيقول لك عرِّف لي الكتاب التعريف المنطقي، أنت تتحدَّث عن المنطق الــ Logic، أُريد التعريف الجامع المانع، أين الجنس؟ أين الفصل؟ وأين الخاصة؟ أليس كذلك؟ حكاية أنه كتاب يعتني بكذا وكذا وكذا هي عرض، طبعاً هذا ليس ذاتياً، ائتني بتعريف ذاتي، أُريد تعريفاً جامعاً مانعاً، لو أتيت بتعريف جامعاً مانعاً مثل تعريف الإنسان – انظر كيف هو، هذا جامع مانع – سوف يدخل هذا الـ Index في الكتاب غصباً عنك، أليس كذلك؟ إلا إذا ذهبنا ولعبنا لعبة ثانية، فنقول له هذا مُمكِن من المُشترَك اللفظي، لكننا سوف نغلط طبعاً، ونحن رأينا كيف كانت لعبة الاشتراك اللفظي ومن ثم لن تنجح معنا، أليس كذلك؟ لأن في النهاية هذا مُشترَك لفظي أو مُشترَك معنوي؟ أعني الكتاب، هو معنوي، مُشترَك معنوي، ليس مُشترَكاً لفظياً، أليس كذلك؟ هل تُريدون أن أُذكِّركم؟ كلمة كتاب مُشترَك لفظي أو معنوي؟ ما الفرق بينهما إذن؟ ائتوني بمثال عن المُشترَك اللفظي ومثال عن المُشترَك المعنوي، (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بإجابة صحيحة، فسأله الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم اللفظي وُضِع في كم وضع؟ هل وُضِع في وضع واحد أو في أوضاع مُتعدِّدة؟ (ملحوظة) قال المجُيب في أوضاع مُتعدِّدة، فأكَّد فضيلته على أنه وُضِع في أوضاع مُتعدِّدة، ثم قال هل هذا حصل مع الكتاب؟ لا، الكتاب وُضِع مرة واحدة لمعنى معروف، لذلك مصاديقه لا نهائية، أليس كذلك؟ ولذلك حتى ينطبق على كُتب الملائكة، ينطبق على كُتب الأعمال، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ۩، أليس كذلك؟ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ۩، الكتاب الكذا والكذا، هذا ينطبق عليه الكتاب، الكل! لأن هذا واضع واحد، هذا مُشترَك معنوي، يُسمونه مفهوماً كُلياً، هذا مُشترَك معنوي، لكن المُشترَك اللفظي وُضِع عدة أوضاع ومصاديقه محدودة مثل العين، العين مرة بمعنى الذهب والفضة، العين مرة بمعنى النابعة، العين مرة بمعنى الباصرة، العين مرة بمعنى الجاسوس، العين مرة بمعنى المُقدَّم، هذا هو! وبعد ذلك قالوا بمعنى ماذا؟ قالوا هذا كل ما عندنا، هل هذا هو فقط ما عندكم؟ نعم، كمُشترَك لفظي عندها خمسة معانٍ، ليس عندها خمسون، لا تقدر أن تقول لي لا، أقدر على أن أقول لك العين عندها خمسة آلاف أو خمسون مليون معنى، لا يُمكِن، هذا غير صحيح، فقط خمسة أو ستة معاني، وإلا أين هذه المعاني؟ أحضرها، هذا لا يُمكِن، انتهى! أليس كذلك؟ فمصاديقه – مصاديق المُشترَك اللفظي – محصورة، مصاديق المُشترَك المعنوي غير محصورة، ومن ثم سنقول لراسل Russell اذهب والعب غيرها، هو فعلاً دارس للأشياء هذه وهي صعبة.

أنا ظننت لفترة أو لوهلة بصراحة – الاعتراف بالحق فضيلة – أنني أجبت عليه بالحمل الأولي وبالحمل الشايع، لكن حين دققت النظر في جوابي – وقد تكلَّمت ربما بعنجهية قليلاً أيضاً –  قلت كلامي غير دقيق، لا! المسألة ليست في هذا الإطار بصراحة، اتضح أن جوابي كان غالطاً، غير صحيح جوابي! ليس لها علاقة بموضوع الحمل الأولي والحمل الشايع، الحمل هذا يُوجَد إذا كان له علاقة بالمفهوم نفسه، وهو يتحدَّث عن مصداق واقعي حقيقي، فماذا سوف تفعل؟ فعلاً مُفارَقة كبيرة، هذه مُفارَقة راسل Russell، مُفارَقة حقيقية!

تُوجَد مسألة ثانية – لكن هذه ليست مُفارَقة، وهم قاموا بحلها وهي سهلة – وهي موضوه الفئات والأشياء، أي الــ Classes والــ Things، يقولون هناك جُمل تتحدَّث عن فئات، وهناك جُمل تتحدَّث عن أشياء، مثلاً نفترض وجود جُملة تقول لك – اكتبها في مُستطيل – أنا جُملة كاذبة، تقول أنا جُملة كاذبة، هذه سوف تقوم بعمل مُفارَقة لك، أنت صدَّقت أنها كاذبة، أليس كذلك؟ لكن كيف تُصدِّقها وهي كاذبة؟ أليس كذلك؟ أنا جملة كاذبة! لكنهم قالوا لا، هذه حلها سهل، هذه أسهل من مُفارَقة راسل Russell بكثير، عندنا جُمل تتحدَّث عن أشياء، عن فلان وعلان وعن المعنى الفلاني والمعنى الكذائي والمعنى الكذائي، هذه يُسمونها ماذا؟ الــ Things، وعندنا جُمل تتحدَّث عن فئات، عن مجموعة ضمن إطار مُعيَّن، المفروض – قالوا – في اللُغات الفئوية أن تكون الجُملة أو يكون الكلام دائماً خارج الفئة، يُخبِر عنها ولا يدخل فيها، هذا هو فقط! وبالتالي ستنتهي المشاكل، فهو يُخبِر عنها ولا يدخل فيها، ومن ثم سيصير هذا صحيحاً، لكن التي عن الأشياء ليست كذلك، فهذه تعم كل شيئ، المُهِم هذه قصة ثانية، لكن على كل حال مُفارَقة راسل Russell لكي نكون صادقين ليس لها أي حل، أنا شخصياً ظننت أنني قمت بحلها مرة وفرحت وما إلى ذلك، لكن اتضح أن هذا كان حلاً غير دقيق بالمرة، ليس لها حل! الحلول المُقترَحة طرحناها اليوم وهي كلها التفافات على أشياء منطقياً تفشل، غير مسموح بها منطقياً، أليس كذلك؟ أنت لست حراً، هل الآن تقدر أن تقول أُريد أن أُعرِّف الحيوان تعريفاً من عندي؟ هذا غلط، غير صحيح! أليس كذلك؟ لا تقدر على أن تُعرِّف الحيوان بطريقة ما – مثلاً – بحيث تنطبق على الجماد ثم تقول لي هذا تعريف، غير صحيح! هذا كلام فارغ وليس تعريفاً، أليس كذلك؟ لأن في نهاية المطاف عندك معيار الــ Correspondence، أي المُطابَقة، إلى أي حد المفهوم هذا فهمته وعرَّفته بتعريف مُعيَّن تشهد له المصاديق؟ هذا ليس بحسب مزاجك، أليس كذلك؟ هذا هو، وإلا اذهب وعرِّف النجم بحسب مزاجك، عرِّف النجم بحيث ينطبق على الكوكب، هذا غلط! عندك إمكانية أن تفعل هذا لكن مَن يُوافِقك عليه؟ أليس كذلك؟ ويُمكِن أن تُعرِّف الكتاب بطريقة لا يدخل فيها الــ Index لكن مَن يُوافِقك على هذا؟ ولا يُمكِن أن تعرف الكتاب بطريقة تكون منطقياً صحيحة لا يدخل فيها كتبا الــ Index، لا يُمكِن! أليس كذلك؟ هو هذا، ولا يُمكِن أن تُعرِّف الإنسان بطريقة لا يدخل فيها – مثلاً – فلان من الناس أو جنس من البشر، لا يُمكِن! أليس كذلك؟ ولذلك عندنا تعريف جامع مانع واحد وحيد للإنسان، وهو ماذا؟ حيوان ناطق، وغصباً عنا وعن العنصريين كلهم في أي مكان وعن أعداء البشرية ينطبق التعريف هذا على أي إنسان، شئت أو أبيت أنت وكل العنصريين في العالم ينطبق، أليس كذلك؟ ينطبق! فالعنصري لكي تستمر فلسفته العنصرية – مثلاً – أو تتأيَّد لابد أن يفعل ماذا؟ لابد أن يلعب بالتعاريف، ولذلك من هنا انظر إلى الآتي، نيتشه Nietzsche بذكاء طبعاً اللامع بلا شك حين لاحظ الشيئ هذا ماذا قال؟ قال أن تُسمي معناها أن تكون لك السُلطة، هو هذا! الرجل يتكلَّم بكلام عميق، لا يتكلَّم ببساطة، الرجل يتكلَّم بعمق شديد، يتكلَّم عن هذا المعنى على هذا النحو، حين تدّعي أن عندك حق التسمية – أي حق تسمية الأشياء، هذا إنسان وهذا حيوان، هذا نبيل وهذا سخيف، وهذا كذا وهذا كذا – هذا يعني أن لديك سُلطة، سُلطة قوية لاستكراه الحقائق وطمس الحقائق، وربما قطع ألسنة مَن يفوه بها، أليس كذلك؟ ومن ثم فرض حقائقك الخاصة المريضة والمُلتاثة والعنصرية وغيرها، كلامه صحيح! أليس كذلك؟ لذلك أنت في النهاية لست حراً كعنصري من أعداء البشرية في أن تُعرِّف الإنسان كما تُريد، هناك عقول تتشارك في هذه الأشياء وتقول لك لا، هذا غير صحيح، تعريفك حتى لا تنطبق عليه الشروط المنطقية، اذهب والعب غيرها! أليس كذلك؟ ستقول لي هذه قصة كبيرة، وهذا يعني أنها تحدث في الفكر الديني نفسه، كيف هذا يُعرِّف الإيمان؟ وكيف هذا يُعرِّف الكفر؟ هل هذا يُدخِل الجنة والنار من أجل هذا؟ طبعاً! هذه هي المُشكِلة،  ومن هنا أهمية التعريف يا إخواني، تُوجَد أهمية كُبرى حين تُعرِّف الشيئ، كما قلنا الإيمان مثلاً، ما هو الإيمان؟ ما هو الإيمان بدقة؟ ما هي العقيدة؟ لو جاء أحدهم بعد أن اتسع عنده مفهوم الإيمان وأدخل فيه – مثلاً نفترض – المسيح الدجّال وعودة عيسى وجعلهما من الإيمان فضلاً عن المهدي سنُصبِح نحن ومَن مثلنا مِن الكفّار وسنذهب إلى جهنم، لكن هذا ليس بمزاجك، من أين أتيت بهذه اللعبة السخيفة؟ أنا أحتج في تعريفي للإيمان بكتاب الله بصراحة، لا يُمكِن أن يخلو كتاب الله من أسس الإيمان وأركانه، أكتفي بها ولا أزيد عليها، آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ۩، وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ۩، هذا هو الإيمان! لا تقل لي هناك دجّال أو عيسى سيرجع أو عيسى سينزل أو هناك المهدي أو كل هذا الهبل الخاص بك، هذا ليس له علاقة بالإيمان، كل هذا كلام فارغ، إيمان ماذا؟ ما هذا؟ هذه أحاديث، تُصدَّق أو تُكذَّب؟ ستصير هذه مسألة اجتهادية، لكن الإيمان كإيمان – الذي هو مناط النجاة في الآخرة أو الهلاك – مذكور في كتاب، إياك أن تلعب لعبة تعاريف من عندك، الأمة كلها لعبت لعبة التعاريف، انظر إلى هؤلاء الشيعة، حين أرى هؤلاء المساكين وأرى النقاشات معهم وانظر إلى كُتبنا وكُتبهم أقول هذه اللعبة، ما لم تُكشَف – والله العظيم – لن يُوجَد خير، والله العظيم! ولن نقدر على أن نصل إلى شيئ، لا نحن ولا هم، سنظل نتعادى ونتشانأ ونتباغض طيلة حياتنا، نحن وهم! هل تعرف لماذا؟ أدخلوا أشياء ما أنزل الله بها من سُلطان في الدين، أعني الشيعة! ما دخل الإمامة في الدين؟ إمامة ماذا وكلام فارغ ماذا؟ إمامة وعليّ والصادق والنبي، ما الهبل هذا؟ الإمامة كلها على بعضها وحُكم الناس قضية ليست دينية، قضية مدنية، شأن سياسي ليس له علاقة بالدين يا أخي، بدليل أن لو عاش أحدهم في آيسلندا أو في أطلانتس المفقودة أو في أي مكان وحين بلغه القرآن ذهب وآمن بالذي فيه وما إلى ذلك من غير أن يعيش في مُجتمَع أصلاً – ليس عنده لا مُجتمَع وما إلى ذلك –  ثم عاش ومات سيكون مُؤمِناً، هو سيعيش مُؤمِناً وسيموت مُؤمِناً بإذن الله تعالى، ولن ينقص إيمانه شيئ، هذه ليست من أصول الإيمان، هذه في السياسة والحُكم والكلام الفارغ الخاص بكم، لكنهم جعلوها إيماناً غصباً عنا، وفرضوها كإيمان! وطبعاً أنت ستُكفِّر كل أهل السُنة، كل غير الشيعة أمثالك ستُكفِّرهم، ومن ثم ذهبنا في داهية! لعبة تعاريف حقيرة جداً وخطيرة جداً يا أخي، ما التلاعب هذا؟ لكن الأمة لابد وأن تهتم بهذا الشيئ، ومَن يُريد أن يُناقِش في أي موضوع عليه أن يبدأ من التعاريف.

أفلاطون Plato في مُحاوَراته قال – وقبله سقراط Socrates أيضاً وهو أستاذه – نصف خلافات الناس أو ثلاثة أرباعها ستزول إذا اتفقوا على معاني ما يتجادلون حوله، قبل أن تقول لي هذا كافر وهذا مُؤمِن قل لي ما هو الإيمان بدقة، ولن نُغادِر! يُمكِن أن نجلس سنة لكي نتناقش حول ما هو الإيمان، انتبه! بعد ذلك حين تقول لي الإيمان لن تنتهي المُشكِلة، بأي معنى الإيمان بالله؟ هذه هي المُشكِلة! يُمكِن في النهاية – هذا مُمكِن وأنا اقترحت ذات مرة – أن تُعيد تعريف الإيمان بالله مثم يتضح أن بعض مَن تُسميهم ملاحدة بالله مُؤمِنين بالله، وهم لا يدرون وأنت لا تدري، كيف هذا إذن؟ لو أمكن في النهاية أن نكتشف – نكتشف وليس نُغيِّر – أبعاداً أعمق للإيمان بالله قد يتضح أن مَن كنت تظنه مُلحد – هو مُلحِد في ظنك – هو في الحقيقة مُؤمِن، يُوجَد فرق بين أن تُصوِّر الله كذات – مثلاً – وأن تُصوِّر الله كاتجاه أو كمعنى، ستقول لي هنكا نُقطة خطيرة، هل من الضروري أن أُسلِّم مبدئياً بأنه ذات؟ وسأقول لك بأي معنى للذات؟ الذوات كلها عندها ماهيات، هل الله عنده ماهية؟ دخلت في أشياء خطيرة وورطة كبيرة، لأن الماهية تتركَّب من جُزئيها، أليس كذلك؟ والله يستحيل عليه التركيب، حتى في التعريف ممنوع! الله أحد، واحد أحد! لذلك الفلاسفة المُوحِّدون الكبار قالوا الله ليس له ماهية، ولا يُسأل عن ماهية له، لا إله إلا الله! هذا هو طبعاً، ولذلك كيف ستُعرِّفه؟ لا يُمكِن أن تُعرِّفه بالتعاريف الجامعة المانعة هذه، لا يُمكِن! لا يقبل هذه الأشياء هو أصلاً، لا يقبلها وهو فوقها، لا إله إلا هو! لأنك ستقول لي تعريفاً جامعاً مانعاً بمعنى أن هناك جنساً، جنس ماذا يا حبيبي؟ أين الجنس؟ هل يُوجَد جنس للآلهة والله واحد منهم وما إلى ذلك؟ لا يُوجَد! من الأصل لا يقبل هذا، ستقول لي أف، هذه ورطة! وطبعاً هي ورطة، لذلك يُمكِن أن تتخلى في النهاية عن تبجحك، لأنك تقول هو ذات وأنا أُؤمِن به وما إلى ذلك، هل أنت تفهم ما معنى ذات؟ أنت تقول كلاماً لم تفهمه، علماؤنا يفهمون كلاماً أحياناً يكون غير دقيق، إذن ما الذي بقيَ؟ بقيَ ماذا؟ أن أُؤمِن به محبة، رحمة، نفع للبشرية، خير أُقدِّمه، وما إلى ذلك، لابد أن أفعل هذا، سأقول لك أنت هكذا تتجه إلى الله بالطريقة هذه، أنت هكذا تُلبي الله في نفسك وفي فطرتك، هذه أشياء عميقة جداً جداً.

لذلك حتى في القرن العشرين الأوروبيون فعلوا هذا، فعلوه بيسار! وقلت لكم هؤلاء كان عندهم فُرصة – وهذا لا يعني أنهم أصابوا، لكن كان عندهم فُرصة رهيبة – فانتقموا من الجمود ومن الغلق الشديد، انتقموا منه، قالوا هذه فُرصتنا لأول مرة في تاريخنا، لابد أن نُفكِّر بحرية تامة، كل شيئ سنُعيده إلى النقاش، سنخضعه للنقاش والفكر الجبّار، لا يُوجَد شيئ عنده محظورات أو خطوط حُمر أو زرق أو غير هذا، فخرجت عندنا قراءت جديدة للنص الديني الخاص بهم، وبدأ الحديث عن بول تيليش Paul Tillich وأمثاله، فهناك أناس ادّعوا أشياء، إلى الآن يُقال هؤلاء ادّعوا أنهم مُوحِّدون ومُؤمِنون بالله لكن هم ملاحدة كبار، وهناك دراسات قرأتها – عدة دراسات عندي حتى – قالوا فيها هذا، يُوجَد كتاب جذور إلحادية فى مذاهب لاهوتية، في رأسه بول تيليش Paul Tillich الألماني، لكن هذا ليس شرطاً، فجاء المُؤمِن بطريقته الخاصة وبعمق أكبر من عمق رجال الدين البُسطاء من اليهود والمُسلِمين والمسيحيين وغيرهم وفعل ما فعل، فهذه مسألة خطيرة، لكننا نحن إلى الآن لم نفعل هذا، لا يزال عندنا قوالب نُكرِّرها من غير أن نُفكِّر فيها، هذه مسألة صعبة جداً! فالتعريف هذا وتحديد الأشياء ليس بحسب مزاجنا، وليس لعبة نلعبها كما نُريد، هذا له شروط دقيقة، ويحصل فيها النزاع والكلام والأخذ والرد، هذا ليس بحسب مزاجنا، لا نقدر أن نتصرَّف بحسب مزاجنا، هو هذا!

في نهاية المطاف هذا هو العقل، كلامنا هذا أيضاً يُؤكِّد على أن هذا هو العقل، ماذا أقصد بالعقل؟ العقل لابد وأن يكون محكوماً بقواعد مُحدَّدة، قواعد مُحدَّدة انتزعها، جرَّدها، وصل إليها، وتسالم عليها كعقل، هو هذا، إذا انكرت هذا كله فهذا يعني أنك انتقلت من العقل وخرجت إلى الجنون والعبث، هو هذا! مثل ما بعد الحداثة، سوف يحدث مثل هذا، وهذا جنون، هذا كلام فارغ، هذه فوضى، وهي فوضى رهيبة بالمُناسَبة، الآن أنا أرى هذا، ولا أكذب عليكم، اكتشفت هذا في فترة مُتأخِّرة، حتى في الغرب يُوجَد سر وراء التيه الرهيب الذي عند هؤلاء المساكين، أنت في بعض المرات تقول هؤلاء الناس عندهم جدية، لا يقدر أحد على أن يُشكِّك في هذه الجدية، أعني جدية هؤلاء الناس! عندهم جدية غير طبيعية، يا ليت عندنا واحد من ألف منها، والله العظيم! كيف هناك جدية؟ لو تخصَّص – مثلاً – أحدهم في موضوع لكي يدرسه يدرسه بصدقية وبجدية ويتعب ويقرأ لسنين طويلة، يقرأ ألوف ألوف الصفحات إذا لم يكن ألوف الكُتب في الموضوع الخاص به، ولك أن تتخيَّل هذا، لا يلعب ولا يأخذ أي شيئ ويتحدَّث عنه، لا! هذا موجود عندهم، لكن هؤلاء المساكين عندهم تيه، عندهم تخبط، عندهم حيرة، وعندهم ضلال رهيب وتناقض وفظاعات، هل تعرف لماذا؟ لأنهم لا يحترمون كل الأصول بدقة ولا يُحدِّدونها بدقة، وهذه لعبة ما بعد الحداثة، كل هذا الكلام الفارغ، وجاء دريدا Derrida وجماعة دريدا Derrida وليوتار Lyotard، هذا كلام فارغ كله، كلام فارغ ومُتناقِض وليس له أي وزن علمي ومنطقي وعقلي، والله العظيم! كلام سخيف، من أسخف ما يكون، ويظنون أنه فكر، لماذا الناس تُؤخَذ به وتندهش به؟ الناس نفسها أيضاً لم يعد عندها اللياقات الدقية في التفكير العقلي الصارم، أكثر الناس ليس عندهم هذا، هذا أولاً!

ثانياً لأنك أمام عمل جاد ودارس جاد، كتب لك في موضوع لُبه وجوهره كله خمس صفحات أو عشر صفحات، لكن هو كتب لك حوله ألفي أو ثلاثة آلاف صفحة، ومن ثم أخافك، أنت شعرت بالخوف! وأتى لك بأشياء وأمثال من هنا وهناك، وعنده خُطط وترجمات لاتينية وإنجليزية وفرنسية وما إلى ذلك، فقلت أين أنا يا بابا؟ أين؟ ضعت! وسوف تجد الكل هكذا، لكن الجميل يكون حين ترى كيف يُناقِش العملاقة بعضهم بعضاً، العمالقة – وليس الصغار – كيف يُناقِش بعضهم بعضاً؟ لا يخاف الواحد منهم لأنك كتبت عشر مُجلَّدات في المفهوم الفلاني، هو يأتي إليك ويُوجِّه إليك أربعة أو خمسة نقود، فيُدمِّرك أمام الناس، ومن ثم تجد أنك صرت في العراء، عادي! جان بول سارتر Jean-Paul Sartre – مثلاً – وقف لكي يُناقِش ماركس Marx، ليس كشخص وإنما كفكر، لأن ماركس Marx تُوفيَ في عام ألف وثمانمائة وثمانية وثمانين، وسارتر Sartre تُوفيَ في عام ألف وتسعمائة وثمانين، لكنني أتحدَّث عنهما كمُفكِّر إزاء مُفكِّر، سارتر Sartre نقد الماركسية رُغم أنه تأثَّر بها، هذا معروف! لكن كيف نقد الماركسية؟ بجُملة الماركسية؟ هذا هو، هكذا العمالقة يفعلون، لا تُخوِّفني لأنك تُؤلِّف كُتباً وتتحدَّث عن إنجلز Engels وضد دوهرنغ Anti-Duhring وما إلى ذلك من الكلام الفارغ الذي عندك في آلاف الصفحات، كل هذا كلام فارغ، الماركسية تقول البُنى التحتية هي المسؤولة عن تشكيل البُنى الفوقية، انظر إلى هذا! لا تقل أنا فكَّرت واخترت وتفلسفت، أنت لم تفعل هذا أبداً، أنت تُفكِّر طبقياً، حسب طبقتك ووضعك المادي والاقتصادي تبلور مخك، غيّر وضعك وسوف تُغيّر مُخك، في ماذا هذا؟ في كل شيئ – قالوا – هذا، في الفلسفة، في الفن، في العلم، في أي شيئ، وفي أي تفكير هو هكذا، سارتر Sartre قال لهم جيد، هل هذا صحيح؟ إذا كان بول فاليري Paul Valéry – الفيلسوف والأديب والمُفكِّر الكبير، كاتب المقالات الفرنسي الشهير، عملاق! صاحب مُحاوَرة الشجرة – هو بول فاليري Paul Valéry لأنه برجوازي مُتوسِّط، فلماذا إذن لا يكون كل برجوازي مُتوسِّط بول فاليري Paul Valéry؟ هيا! انتهى الأمر، هذا هو فقط، وهذا من أعظم النقد الذي وُجِّه إلى الفلسفة الماركسية، سارتر Sartre هذا! هذه ليست لعبة، وسارتر Sartre بالمُناسَبة – هل تعرفون سارتر Sartre؟ – كتب كتاباً وعمره سبع سنوات، كتب كتاباً فلسفياً وعمره سبع سنوات! خطير، كان يقرأ الفلسفة في الكُتب وعمره ثلاث سنوات، يقرأ كتباً فلسفياً! هذا رهيب، ليس مُصاباً بالهبل أو مجنوناً، شيئ فظيع! عقل خطير جداً، لكن هذا مُلحِد، ومع ذلك حين ذهب لكي يُؤدي امتحان الثانوية رسب في الفلسفة، لأنه طبعاً يتكلَّم كفيلسوف، يكتب كفيلسوف ولا يكتب كعالة علىّ وعليك وما إلى ذلك، هذا فيلسوف! كيف يُؤلِّف إنسان كتاباً وعمره سبع سنوات؟ شيئ يُصيب بالجنون يا أخي! مثل باقر الصدر – رحمة الله عليه – العراقي، ألَّف كتاباً في المنطق وعمره إحدى عشرة سنة، قلت في مرة سابقة عمره كان ثلاث عشرة سنة حين ألَّف هذا الكتاب لكن الصحيح هو إحدى عشرة سنة، وعمره إحدى عشرة سنة ألَّف كتاباً في المنطق، هذا باقر الصدق قدَّس الله سره، ما هذا يا أخي؟ ما هذا العملاق؟ رحمة الله عليه، هذا عملاق، هؤلاء عمالقة ندرة في كل زمان ومكان، هؤلاء أناس غير عاديين، سارتر Sartre وعمره سبع سنوات ألَّف كتاباً، حين كان عمره ثلاث سنوات كان يقرأ بعض الكُتب الفلسفية والروايات والأشياء، حين كان عمره ثلاث سنوات كان يقرأ ويلتهم الكُتب، مُخيف! فهذا لم يقل هذا ماركس Marx وإنجلز Engels وكُتبهم ولينين Lenin وموسوعاتهم وكلماتهم التي أتت في صفحات، فضلاً عن جورج بوليتزر Georges Politzer وكل هذا الهبل، لم يقل هذا! قال ما لُب كلامهم كُله؟ لُبه كان هكذا كما قلت لكم، وضعك الاقتصادي هو الذي يُشكِّل مُخك، فهو يقوم بعمل Reshaping أو حتى Shaping من الأصل، أي يقوم بعمل تشكيل Shaping وإعادة تشكيل Reshaping، قال هذا جيد ومُمتاز، هذا مُمتاز لكن فسِّروا لي الآتي، أنتم تقولون بول فاليري Paul Valéry صار هكذا وفكَّر بالطريقة هذه وكتب أدبه وفلسفته وما إلى ذلك لأنه برجوازي، ينتمي إلى البرجوازيين القذرين، لكن لماذا ليس كل برجوزاي قذر هو بول فاليري Paul Valéry؟ هيا! لا تقدر على أن تُفسِّر هذا، لابد أن تفتح لي – هل تعرف كم؟ سأقول لك بلُغتي – مجالاً لعلل وأفكار وأسباب أُخرى تُفسِّر عدم كون خمسين مليون فرنسي من البرجوازيين كبول فاليري Paul Valéry بخمسين مليون على الأقل سبب، على الأقل! هذا إذا لم يكن عندك كل واحد مليون هذا، هذا هو! إذن أنا سأتبنى في النهاية سارتر Sartre هنا وليس ماركس Marx، سأقول سارتر Sartre أذكى ألف مرة، وماركس Marx أهبل وبريالة، كلامه فارغ! وطبعاً هو فارغ، فارغ تماماً ومن أسخف ما يكون! لكن هؤلاء يُخوِّفونك بالكُتب والمُجلَّدات التي تخرج من دور الطباعة بلُغات مُتعدِّدة وإلى ذلك، هذا سوف تفهمه بعد أن تتعمَّق في الفكر كثيراً، سوف تفهم وتتوقف عن الخوف، سارتر Sartre نفسه ألَّف الوجود في ألف صفحة، لكن يُمكِن أُلخِّصه لك يجُملتين، نظريته كلها على بعضها يُمكِن أن أُلخِّصها بجُملتين وأن أنقدها بجُملتين أيضاً، وقد فعلت هذا في خُطبة قبل ربما أشهر، نقدت فلسفة سارتر Sartre كلها بجُملة، مثلما نقد هو ماركس Marx بجُملة، وهكذا! هذا هو صراع الأفكار يا حبيبي، لا تغتر بألف صفحة وما إلى ذلك، نحن قرأن هذه الصفحات وصدَّعت رؤوسنا، لا تُوجَد مُشكِلة! فأنت ستنظر إلى الجواهر، ولذلك انظر إلى عظمة أبي حامد الغزّالي وأمثاله، قال العلم نُقطة كثَّرها الجهل، كل شيئ في النهاية حقيقته وجوهره ولُبه وصحته هو شيئ بسيط، نُقطة! بالجهل وبالعماء يصير فلسفة ومُؤلَّفات ورسائل وكُتباً وموسوعات، ومن ثم تُخربَط الدنيا ونتيه، مثل الطريق المُستقيم! ما هو الطريق المُستقيم؟ هو أقصر مسافة بين نُقطتين، فقط! ما عداه لا عد له ولا حصر، أي سبيل آخر غير السبيل هذا بين النُقطتين هو سبيل غير مُستقيم، وهذا غير معدود وغير محصٍ، وستدخل في متاهة – Labyrinth – وستظل طيلة حياتك فيها، أليس كذلك؟ لكن لو سلكت السبيل المُستقيم من غير أي تعب ومن غير كذا وكذا سينتهي الأمر، ستمشي من هنا إلى هنا ومن ثم ستصل، انتهى كل شيئ، يا سلام! الأمر بهذه البساطة، هو هذا، وانظر إلى روعة القرآن الذي يتحدَّث عن الصراط المُستقيم وعن أنه واحد، وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۩، الفكر الإنساني عبر حياته للأسف الشديد اتبع السُبل، وضلَّل نفسه، وشق لنفسه طرقاً وقنوات ومسارب وأشياء، فتاه فيها ولم يُصدِّق أنها كلها ضلالات وتيه وحيرة، ولا يعرف – حتى لو أراد المسكين – كيف يرجع إلى الجادة، أليس كذلك؟ مثل الصحراء، لأن الفكر واسع جداً جداً، مثل الصحراء التي فيها سبيل واحدة من إلى، لكنك ضيَّعتها، وأخذت سُبلاً أُخرى، من الصعب جداً أن ترجع إليها حتى لو أردت، أليس كذلك؟ سوف تجد مليون سبيل غيرها، وكلها سوف تذهب بك إلى ستين داهية.

هذا يحدث في الفكر يا جماعة، هذا يحدث في الفكر! لذلك نصيحتي كالآتي لمَن يُريد أن يدرس في أي موضوع، ليس فقط في الفلسفة والأشياء هذه وإنما في أي موضوع، هذه نصيحتي، وهذه طريقة منهجية في العلم والفكر، هناك بداية، لابد أن يقرأ الشخص دراسة مُبسَّطة ومُحدَّدة عن موضوعه، لا يأت إلى الكُتب الضخمة في البداية، قبل قليل نحن ذكرنا سارتر Sartre، أكبر غلط أن تذهب إلى الوجود والعدم لسارتر Sartre في البداية  طبعة عبد الرحمن بدوي عندي في ألف صفحة، طبعة المُنظَّمة العربية للترجمة في ثمانمائة صفحة بخط صغير، من الخطأ أن تذهب إلى ألف صفحة في البداية! سوف يلحس مخك وعقلك ودينك، وسوف تخرج مُلحِداً مثله، سوف يُضيِّعك ولن تفهم شيئاً، هذا غير صحيح، دع كل الكلام هذا، قبل كل هذه القصة ينبغي أن أذهب لكي أقرأ لسارتر Sartre نفسه الوجودية مذهب إنساني في تسعين صفحة، يُمكِن أن تقرأها وأنت جالس تشرب قهوة، لسارتر Sartre نفسه! هذا الكلام له هو، لأن هذه مُحاضَرة واجه بها الناس، الناس أرادت أن تفهم، ماذا تقول أنت؟ ما فلسفتك يا سارتر Sartre؟ واجههم وواجهوه وناقشوه، بعضهم رد عليه أيضاً وأفحمه وكان من الناس العوام، سألوه في بعض الأشياء فاعتُقِل لسانه ولم يعرف كيف يُجيب عنها المسكين، هذا هو! انتبه، لأنهم بالمنطق البسيط كانوا يسألونه، لم يكونوا مُتخصِّصين مثله، فاقرأ هذا وسوف تفهم ما الوجودية، ويُمكِن أن تقرأ كتاباً آخر عن الوجوديات، في مائتي صفحة بالضبط، في المُقابِل أنصحك – قبل أن تذهب أيضاً إلى سارتر Sartre ومارسيل Marcel وهايدجر Heidegger وياسبرس Jaspers وإلى كل هؤلاء الوجوديين – اذهب واقرأ كتاباً أيضاً مُبسَّطاً في نقد الوجودية، لأُناس فلاسفة وليس لشيوح، انتبه ولا تقرأ لشيوخ، انتبه واستيقظ، إياك أن تقرأ لشيوخ أو لمُصابين بالهبل مثل محمد قطب ومَن مثله، انتبه ودع عنك هذا الهبل، اقرأ لفلاسفة، فلاسفة يفهمون ما الوجودية ويتكلَّمون بمنطق فلسفي عميق أيضاً لكن من وجهة نظر مُختلِفة ومن موقع مُختلِف، اقرأ كيف انتقدوا سارتر Sartre والوجودية وهايدجر Heidegger، اقرأ كيف ردوا عليه، كيف تم هذا؟ ويكون هذا في مائة صفحة أو مائتي صفحة، وليس في ألف أو ألفي أو ثلاثة آلاف صفحة، إياك أن تذهب إلى الموسوعات، ومن ثم سوف تفهم وستكون على بيّنة، هل فهمت قصدي؟ سترجع بعد ذلك لكي تمسك سارتر Sartre، امسكه الآن، عادي! سوف تشعر دائماً أين الطريق وأين الشعاب التي ليس لها أهمية، فهو يتشعَّب بك ويذهب بك ويجئ، لكن ليس هذا هو، كُن مع الخط، أليس كذلك؟ وسوف تفهم، كما فعلنا اليوم! أرأيت؟ اليوم فعلنا هذا، وأنا أستغرب من نفسي، كيف أقدر على أن أفعل هذا بصراحة؟ أنا أقدر بصراحة – من غير تبجح – على أن أتكلَّم في موضوع اليوم الخاص بالفلسفة لمئات الساعات، ليس لعشرات وإنما لمئات! لأن إنساناً قرأ لوك Locke وقرأ هيوم Hume – خاصة كتابه الكامل – ويعرف فلسفته وقرأ لكل هؤلاء الناس يقدر على هذا، أقدر على أن أتكلَّم بتفصيل مُمِل عن كل شيئ، ولن تفهموا شيئاً وسوف تُصابِون بالصداع وكذلك أنا سوف أُصاب بالصداع، وسوف تخرجون دون فهم، لكن الشطارة في كيفية تلخيص القصة كلها لكي ينتهي الأمر، أليس كذلك؟ من غير أن تستعرض العضلات، لا نُريد هذا! نُريد أن نُفهِمك بالضبط ما جوهر ما قاله الرجل هذا وما جوهر ما قاله ديكارت Descartes ولوك Locke، فقط! نحن اليوم فهمنا الجوهر، أليس كذلك؟ بعد ذلك يُمكِن أن تتذهب وتتوسَّع، وسوف تتوسَّع في هذا الإطار، أي حول النواة هذه، أليس كذلك؟ سوف تلف حول هذا المركز، ومن ثم سوف تظل مُمتازاً، وسوف تكون فاهماً، سوف تكون فاهماً لحقيقة الأمور، أليس كذلك؟ لكن لو بدأت مُنذ البداية من الدائرة الأوسع التي يُريدون منك أن تلف فيها سوف تضيع ولن تفهم أين صرت، أليس كذلك؟ سوف تغلط! هذه هي الخُطة في آخذ العلم والمعرفة، في أي موضوع! العلم نُقطة كثَّرها الجهل، ابدأ من نُقطة، وهذه يُسمونها نُقطة ماذا؟ المركز، بالتعبير العرفاني الإسلامي يُسمونها قُطب الرحى – هكذا يقولون – ومركز الدائرة، ابدأ دائماً بمركز الدائرة وقُطب الرحى، ثم استدر بها، ومن ثم ستظل على بيّنة بإذن الله تعالى، لا تضل ولا تشقى، ومُعظَم ضلال الناس وشقائهم بسبب أنهم مساكين لا يُراعون هذه الأشياء.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: