الكرما يوجا Karma yoga، الكرما Karma معناها العمل، وسوف نأخذ في الدرس القادم قانون الكرما Karma الذي له علاقة بالتناسخ، وطبعاً الترجمات فيه غير دقيقة بالمرة، هناك أُناس ظنوا أنه الجزاء، وهذا غير صحيح، الكرما Karma بالضبط معناها العمل، والكرما Karma بالتناسخ معناها جزاء العمل، هذا معناها، لكن هي العمل، الكرما Karma معناها العمل.

الكرما يوجا Karma yoga هذه تُناسِب مَن؟ (ملحوظة) قال أحد الأحضور الإنسان العملي، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، الإنسان العملي، الذي يُريد أن يُمارِس حياته العملية، يُريد أن يشتغل ويتوظَّف ويذهب لكي يكسب ويربح ويتعلَّم ويأخذ شهادات وما إلى ذلك، إنسان عملي، ليس مشغولاً بالأشياء هذه، كما قلت لكم في الساعة السابعة لابد أن يستيقظ من أجل عمله، حياته عمل هذا، والعمل عبادة يقول لك، ديباجة هذه! العمل عبادة، كما الصلاة عبادة العمل عبادة، مُمتاز! هل لهم طريق هؤلاء؟ لهم طريق أيضاً إلى الله، إلى الحقيقة المُطلَقة لهم طريق، تقول اليوجا Yoga للواحد منهم عليك أن تُمارِس عملك بكل سلاسة وبكل أريحية، ليس شرطاً أن تعتزل العالم وتأوي إلى معبد أو كهف حتى لكي تجد الله، لا! يُمكِن لك أن تجده في عملك وأنت تُمارِس عملك، لأن الله حقيقة مُطلَقة قالوا، الآن رجعنا إلى حقيقة مُطلَقة، غير مُتعيَّنة! وهذه مظاهر لها، فيُمكِن أن تجدها هنا، وهذا يُذكِّرنا بالصوفية المُسلِمين في القرون الأخيرة الذين بدأوا يقولون ينبغي أن تكون مسبحة الصوفي مغزله ونوله، عادي! المغزل الخاص بك الذي تغزل عليه أو النول الذي تعمل عليه السجاد اجعله مسبحتك، طبعاً حاولوا أن يُبسِّطوها لبعض الناس ففرَّغوها من معناها، قالوا مع كل خيط اذكر الله، لكن المعنى ليس هكذا! المعنى الآن في الكرما يوجا Yoga وهو أعمق من هذا، أنت يُمكِن لك من خلال مُمارَسة العمل نفسه أن تقترب من الله، بالعمل! كيف؟ بشرط واحد، انتبهوا! يُمكِن هذا بشرط واحد وهو ألا تلحظ في عملك حين تعمله المصلحة الشخصية، كأن أفعل هذا من أجل أن أربح أكثر، من أجل أن يزيد المُرتَّب، لا! أنت ضعت هكذا، هذا كلام فارغ، بالعكس! الفلسفة اليوجاوية تقول العمل يُؤثِّر فيك كما يُؤثِّر في موضوعه، أنت موضوع له! العمل له موضوعان إذن، وأنت واحد منهما، كيف؟ تماماً كالفأس الذي تضرب به – مثلاً – خشبة أو جذعاً، مع كل ضربة أنت تُؤثِّر فيه، أليس كذلك؟ تُؤثِّر فيه! ومع كل ضربة أيضاً تُؤثِّر في نفسك، في ذاتك، وفي شخصيتك! لكي نُبسِّطها سوف نقول كأن كل ضربة تحفر بها شقاً صغيراً وتجعل الشيئ أقرب إلى الكسر والانشقاق أيضاً تُحدِث شرخاً في شخصيتك، لأنها تقول أنت مُنجِز، أنت قوي، أنت كاسب الآن، أنت على طريق الكسب، زادت كمية الحطب المُشقَّق والمُتكسَّر ومن ثم سوف تفقد شخصيتك بالطريقة هذه، سوف تثخن – سوف تُصاب بالثخانة الشخصية – وسوف تتضخَّم، كلما تضخَّمت الشخصية السطحية ضاعت الشخصية العميقة الكُلية منك، ضاعت عليك! فما الحل؟ الحل – قالوا – في أن تُمارِس عملك، أي عمل كان! مارسه كما هو بشرط ألا تلحظ المصلحة الشخصية.

هنا طبعاً لا يزال يُوجَد شيئ أكثر تفصيلاً، كيف؟ يقولون الكرما يوجا Karma yoga هي في الحقيقة ليست نمطاً مُستقِلاً تماماً، لا! هي نمط فرعي أو ضمني أو تبعي، لماذا؟ للنمطين السابقي الذكر، لأن الذي يعمل في نهاية المطاف لابد أن يكون أيضاً واحداً من اثنين، وكل واحد من اثنين يُمارِس عملاً بطريقة أو بأُخرى، أليس كذلك؟ والحياة عمل، فإما أن يكون عقلانياً أكثر أو يكون عاطفياً أكثر، فصار عندنا الكرما يوجا Karma yoga الخاصة بالنمط العقلاني والكرما يوجا Karma yoga الخاصة بالنمط العاطفي، هل فهمنا هذا التفصيل؟ فالكرما يوجا Karma yoga الخاصة بالنمط العاطفي اشتُرِط فيها الشرط الذي ذكرت لكم، أن يُمارِس الواحد منكم العمل على ألا يلحظ المصلحة الشخصية، تلحظ أنك تعمل العمل فقط، انتهى! اعمل العمل وينتهي الأمر، هل هذا واضح؟

هنا في البهاغافاد غيتا Bhagavad Gita، الفصل الخامس، الآية العاشرة: فمَن يعمل الأعمال دون تعلق مُتخلياً عنها لله لا تُلطِّخه آثارها أبداً – أرأيت؟ كما قلت لك مع كل ضربة فأس تتلطَّخ الناس وتثخن أو تتخثَّر كما يقولون، تُصاب بالتخثر والتجلط، لا تنساب! تُصاب بالجمود – كما لا يلمس الماء ورقة اللوتس Lotus، أرأيت هذه اللوتس Lotus؟ حين يأتي إليها الماء لا يلمسها، سُبحان الله! وتظل سابحة عليه، قالوا مثل هذه، واللوتس Lotus هذه إحدى المُفرَدات المُستحَبة في البوذية وفي الهند وسية، وعندهم وضعية أيضاً اللوتس Lotus هذه، هذه الجلسة تعرفونها، وسوف نتحدَّث عن هذا بعد قليل! المُهِم هذا بالنسبة إلى النمط العاطفي.

بالنسبة إلى النمط العقلاني ما أهم خصائص النمط العقلاني كما شرحناها قُبيل قليل؟ الإله عندهم غير شخصي، أليس كذلك؟ الإله مُطلَق، وهذا يعني أن أنا هو وهو أنا، الكل واحد! تنحل الاثنينية إلى واحدية أو إلى وحدة، هل هذا واضح؟ جميل! بعد ذلك هذا العقلاني – كما قلنا – يشق عالم الجهل بسيف التمييز بين النفس السطحية والنفس العميقة، ولذلك هذا يُشترَط فيه ليس فقط ما ذُكِر في شأن العاطفيين، لا! يُشترَط فيه ألا يلحظ العمل أصلاً، يعمل وكأنه أصلاً لا يعمل، كأن لا يُوجَد عمل! لماذا؟ لأن النفس العميقة هذه في مرحلة تخليق التمييز تكون قائمة مقام الشاهد على العامل، هو يعمل، دعه يعمل، دعه يمر! @@@6:%5، دعه يعمل، دعه يمر هو مبدأ سميث Smith، دعه فليس لنا علاقة به، هو حر! لكن هذه ليست نفسي، ليست ذاتي أصلاً، إذا شعرت الآن بانفصاله انفصال الزيت عن الماء عني فكيف سألحظ عمله أصلاً؟ عمل ماذا؟ وكيف سألحظ آثار العمل؟ لا عمل ولا آثار عمل! هذه المرحلة لا تزال أكثر تجريداً، هل هذا واضح؟

لذلك تُوجَد قصة عندهم لطيفة جداً، قصة الناسك اليوجي والعقرب، أحد النُسّاك كان جالساً على ضفة نهر الغانج Ganges – هذا نهر مُقدَّس عندهم، يستحبون أن تُذر فيه رماد الموت بعد أن يحرقوهم لكي تُغفَر لهم خطاياهم، ويزورونه ويغتسلون فيه لكي تُكفَّر خطاياهم، سوف نتحدَّث عنه وهو مشهور جداً جداً، أي هذا النهر، وهناك أنهار كثيرة ومنها نهر أندوس Indus الذي يُنسَب إليه الهند نفسها، فهو من الأنهار المُقدَّسة، ومنه الهندوس، يُنسَبون إلى نهر الأندوس Indus، المُهِم أن هذا الناسك كان جالساً على ضفة هذا النهر المُقدَّس – في حالة تأمل وإلى جانبه رجل يُراقِبه، وإذا بعقرب تسعى ثم تسقط في الماء، فمد يده بهدوء لكي يُنقِذها، ومعروف أن العقرب – ما شاء الله عليها – تلدغ، فلدغته مُباشَرةً، هذا جزاؤه بعد أن أخرجها! بعد قليل هوت في الماء مرة أُخرى، أي هذه العقرب المُنتحِرة، كانت زهقانة من الحياة فهوت، فعاد والتقطها فلدغته، وهذا الرجل ينظر! وكرَّرت هذا مرتين أُخريين، أي كم مرة إلى الآن؟ أربع مرات، تلدغه فيُعاوِد ويأخذها ويُخرِجها، فجاء هذا الرجل وقال له معذرة أيها الناسك، عندي سؤال قال له، لقد رأيت العجب قال له، لِمَ تحمل نفسك على إنقاذ هذه التي لم تُجازِك إلا باللدغ؟ قال له، أنا رأيت أنها لدغتك أربع مرات وسوف تقتلك! قال له عمل العقرب أن تلدغ وعمل اليوجي أن يُعين ما استطاع إذا كان مُستطيعاً، قال له أنا لا أعمل هذا لأنني أنتظر شيئاً وما إلى ذلك، هذا هو والأمر مُنتهٍ! هو يُراقِبه كأنه في حالة انفصال عنه، ولابد أن يعمل هذا، طبيعته هكذا! مثلما تلف الشمس وتُشرِق على الناس وما إلى ذلك، لم تقل في حياتها أنا اليوم زهقانة ومُصدَّعة، أنا مُصابة بالأنفلونزا – Grippe – ولن أخرج عليهم، لعنة الله على الدنيا وعلى مَن فيها، لا! ولم تقل سأتأخَّر عليهم لساعتين لكي أُخربِط لهم كل مواعيد، لا! تخرج رُغماً عنها، لا يُمكِن غير هذا، وهذا اليوجي كذلك أيضاً، مُسلِّم! عنده نوع من الاستسلام الكامل، أرأيت؟ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، لذا هذا له أصل في قوله تعالى إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ۩، هذا المعنى خطير يا إخواني! قبل أيام خطر لي معنى لطيف وعجيب جداً، بعض الناس لا يُفكِّر فيه بشكل عميق، حين تقول لِوَجْهِ اللَّهِ ۩ أنا أقول لك هذا يعني انمحى الأجر، لا تُوجَد حكاية الأجر! أنت لا تلمح الأجر ولا أصلاً تنظر إليه لا من قريب ولا من بعيد، هل تعرف لماذا؟ لأن وجه الله لا يعدله أي أجر، أنت تقول أنا أطلب وجه الله بهذا العمل، لا تطلب جنة ولا تهرب من النار ولا تطلب مالاً ولا تطلب حسنات ولا مقامات، لِوَجْهِ اللَّهِ ۩! هذه درجة عجيبة جداً، أنا أقول لك هذه درجة عميقة جداً جداً من تأله المُسلِم وربانيته وهي غير مفهومة لنا بالمُناسَبة، المُسلِم المُعاصِر عموماً باستثناء هؤلاء الصوفيين دائماً والصالحين منهم لا يكاد يفهم العبادات والأعمال والخير وما إلى ذلك إلا على أنه سُلم للارتقاء إلى رضوان الله فقط، أي أنه يُريد الجنة والحور العين والهرب من النار وفقط! هذا مشروع وطيب، لكن هناك مقامات أعلى من هذا، مثل المقام هذا! يُوجَد مقام دونه، ولا تبلغ هذا المقام – أي لِوَجْهِ اللَّهِ ۩ – إلا به، لأن إذا قلت في مقام  لِوَجْهِ اللَّهِ ۩ أنا أُريد أجراً – أستغفر الله العظيم – فهذا سيعني أنك جعلت الله يُعادَل بالأجر، أستغفر الله! الله أكبر من جنته وأكبر من ناره، وبالتالي أكبر من أجره ومن عذابه يا حبيبي، انتبه وافتح عينيك جيداً، هذا قريب من الموضوع هذا، هو هكذا، هذا دور أُسنِد إلىّ وسوف أعمله بكل وفاء وما إلى ذلك دون حتى أن ألحظه، هو هكذا!

هناك درجة شرحتها ذات مرة عن شيئ كان له علاقة بالوجودية وما إلى ذلك، وهي قبل الدرجة هذه، أي  لِوَجْهِ اللَّهِ ۩! لا يُمكِن أن تصل إلى وجه الله إلا بالدرجة تلك، ما هي؟ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۩، لابد أن تبحث عن نُقطة الارتكاز في ذاتك، سأُفصِّل هذا – إن شاء الله – في خُطبة ربما بعد أسبوعين، عندي أفكار أُريد أن أقولها في خُطبة، لكن هذه الفكرة سبقت مني، قديماً كركيغور Kierkegaard ماذا قال؟ قال آخ! لو أجد نُقطة الارتكاز لغيَّرت الكون، تُوجَد نقطة ارتكاز، لكن نُقطة الارتكاز ليست التي بحث عنها أرشميدس Archimedes، أرشميدس أو أرخميدس Archimedes – تعرفونه وهو صاحب قانون الطفو – لو وجدت نُقطة الارتكاز للأرض لعملت المُعجِزات، وهذا صحيح! لكن أين هذا يا بابا؟ نحن نقول نُقطة الارتكاز ليست خارجك وإنما داخلك، فيك! في الداخل، ولو أنت وجدتها لانتهى الأمر، سوف تصير فعلاً أكبر من هذا الكون كله، سُبحان الله! سوف تصير كائناً إلهياً ربانياً، سوف تصير العبد الحقيقي، شيئ فظيع! شيئ كبير جداً، الله قال وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۩، انظر إلى كلمة وَتَثْبِيتًا ۩، كيف تشرح الآية هذه؟ هذه آية غريبة عجيبة، لكن رأينا كيف شرحها المُفسِّرون شرحاً بسيطاً ساذجاً جداً جداً ومُفرَّغاً، أنت اليوم تحتاج إلى أن تُفسِّر الوجودية كلها وخاصة فلسفة كركيغور Kierkegaard لكي تُحاوِل أن تفهم ما معنى وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۩، ما هذه النُقطة الارتكازية الداخلية؟ بعد ذلك سوف ترتقي – بعون الله – على سلم وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۩، إلى معراج ومصاف  لِوَجْهِ اللَّهِ ۩، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ۩.

اللهم صل على سيدنا محمد، هذا كان بالنسبة إلى هذه القصة، ولذلك في البهاغافاد غيتا Bhagavad Gita – البهاغافاد غيتا Bhagavad Gita نُترجِمها إلى ماذا؟ البهاغافاد غيتا Bhagavad Gita ما ترجمتها؟ هل نسيتم؟ نحن أحضرنا هذا الكتاب في مرة سابقة وقرأنا منه بعض الأشياء، هذا كتب ضخم! الترجمة هي نشيد السيد أو نشيد المولى، لأن البهاغافاد Bhagavad معناها السيد أو الرب أو المولى، والغيتا Gita معناه النشيد، إذن الترجمة هي نشيد السيد – الألم والسرور عندي سيان، الربح والخسارة عندي سيان، الجاه والعار عندي سواء، استسلام كامل! ما يُجريه علىّ الله أرضى به، لماذا؟ مَن الذي يُمكِن أن يُفرِغ عن هذا المنطق؟ مَن انفصل عن ذاته السطحية، وأنت بالذات السطحية هذه تعمل، مَن أنقذ العقرب هذا؟ الذات السطحية، أي الجسم لكن مع وعيه طبعاً وإرادته، ومَن الذي لُدِغ؟ الذات السطحية، أليس كذلك؟ ومَن الذي راقب وقال هذا عندي سواء وهذا سواء وهذا سواء؟ الذات العميقة، فهذه الكرما يوجا Karma yoga تُناسِب مَن؟ هذا المُستوى يُناسِب مَن؟ العقلانيين.

نأتي الآن إلى الرابعة والأخيرة – هذا مُمتاز! إذا أنهينا الدرس في حدود الساعة الحادية عشرة والنصف سوف يكون جيداً – وهي الراچا يوجا Raja yoga، سوف يكون الحديث طويلاً فيها، أطول من جميع اليوجات Yogas الأربعة، هذه الرابعة والأخيرة ومن ثم سوف ننتهي من مُحاضَرة اليوم.

الراچا يوجا Raja yoga، ما الراچا يوجا Raja yoga؟ هذه الطريق إلى الله – عز وجل – عبر ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور التجربة، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، التجربة والمعيشة، الاختبار الذاتي! كاختبار أبي حامد الغزّالي، اختبار! تفضَّل واختبر، عجيب! هل هذا مُمكِن؟ طبعاً، وتُسمى عندهم اليوجا Yoga الملكية، أي الرويال يوجا Royal yoga كما يُسمونها بالإنجليزية، وهناك الـ Royal road، أي الطريق الملكي، ما مُواصَفات الطريق الملكي دائماً؟ أولاً نهايته – ما شاء الله – فظيعة، هناك – ما شاء الله – القصر، لذلك أول شيئ في الراچا يوجا Raja yoga أن النهاية قمة عجيبة غريبة كما قالوا، سوف تكون مُتفرِّدة، سوف تُوصِّلك إلى شيئ غير طبيعي! بعد ذلك تأتي الصفة الثانية – رقم اثنان – وهي أنه مُعبَّد وواضح، عنده مراحل، هنا تُوجَد ثماني مراحل، الراچا يوجا Raja yoga فيها ثماني مراحل! الأولى والثانية والثالثة والرابعة… وهكذا! مُهِمة هذه المراحل، وسوف ترون أن هناك استفادات كثيرة هنا حتى لنا.

طبعاً الفرضية للراچا يوجا Raja yoga هذه – الطريق الملكي – سوف تُوصِّلنا إلى قمة غير مسبوقة وذروة غير ملحوقة، ولها فرضية ما دام قلنا هناك تجريب، أليس كذلك؟ نتحدَّث عن تجريب، إذن تُوجَد فرضية – Hypothesis – عندنا، ما الفرضية إذن؟ الفرضية مُشتَقة من النظرة الهندوسية الفلسفية للإنسان والتي أصبحتم أعتقد الآن – الحمد لله – على علم كافٍ إلى حد ما بها، وهي ماذا؟ أن الإنسان ذو مُستويين، مُستوى السطح ومُستوى القاع والعمق، السطح من ثلاث طبقات لكن تلك شيئ واحد، أليس كذلك؟ هذه الفرضية، هل يُمكِن أن نختبر هذه الفرضية وأن نُبرهِن عليها لأنفسنا؟ طبعاً هذا التعبير قاصر جداً جداً، لماذا؟ حين تقول نُبرهِن عليها لأنفسنا يعني هذا أن المقصود النفس العميقة، لكن صعب أن تُضيف إلى نفسك، انتهى! سوف يصير الموضوع فوق البرهان لكنه يُعاش، تخيَّل! يُختبَر ويُجرَّب ويُذاق، فقط! لا تقل برهنت لنفسي، أي نفس؟ النفس هي هذه، أنت بلغتها فقط ولم تُبرهِن لها وإنما بلغتها، أي كشفت عنها، ومطلوب الكشف عنها! والكشف عنها يُساوي عندهم الاتحاد بالله والوصول إلى الله والاندماج مع الله ومعرفة الله كما قلنا، هذه هي! هذه القمة الأعلى، كيف؟ هل هذا مُمكِن؟ قالوا مُمكِن جداً، عندنا ثماني خُطوات، الخُطوة الأولى والثانية تتعلقان بتمهيدات أخلاقية، تمهيدات تنطبق على كل الناس السالكين، لابد أن يفعلوا هذا، هذه التمهيدات الأخلاقية تدور حول ضرورة ولزوم التخلص والتخفف من مُلهيات ومن شواغل، هذه الشواغل والمُلهيات قسمان، شواغل حسية ذاتية وشواغل اجتماعية، القلق اجتماعي والمشاكل مع الناس والحُب والكره وأعطيته ديناً واستدنت منه وسبني وسببته ورفدني من الشغل، إلى آخره! هل هذا واضح؟ الشواغل الأولى الجسمية الحسية يُسمونها الإدمانات، أنواع من الإدمانات طبعاً! للأسف الآن اسأل أي واحد عنده نوع من الاستبصار بذاته وقل له تعزو إلى ماذا فشلك في الحياة؟ أُريد الجواب بكلمة واحدة من إنسان مُتنوِّر مُستبصِر بفشله! وبالمُناسَبة الاستبصار بالفشل ثلاثة أرباع طريق النجاح، يُمكِن أن يذكر كل واحد أي شيئ، كأن يقول أستاذي لم يكن جيداً، أبي كان قاسياً علىّ، ظروفي المادية كانت سيئة جداً جداً جداً، الحرب التي قامت قطعت علىّ كذا وكذا، كل إنسان يقدر على أن يأتي بأي سبب، لكن كل هؤلاء غير مُستبصِرين وغير فاهمين، هل تعرف ما السبب الأعمق الذي يجمع كل هؤلاء وهو الفاعل في فشلهم جميعاً؟ ما هو؟ الإدمان، الإدمان على شيئ مُعيَّن، لم يكن قادراً على أن يتخلَّص من قصور ذاته الذي يخص شيئاً مُعيَّناً، ما رأيك؟

شخص أُوتيَ قدرة ما وهو يعرفها من نفسه، عنده ذكاء وعنده فهم وعنده حافظة، لو جلس كل يوم ثماني ساعات على كتابه لحصل على المركز الأول على الدفعة بامتياز ولأنهى دراسته في خمس سنوات ولتوظَّف ولأكمل إلى الدكتوراة في ثلاث سنوات ولصارت حياته – ما شاء الله – من أحسن ما يكون، لكنه لم يفعل هذا! ما السبب؟ ليس لأنه غبي، وليس لأن ينقصه المال، وليس لأنه كذا وكذا، السبب هو أنه لم يقدر على أن يجلس ثماني ساعات كل يوم، لأنه مُتعوِّد كل يوم على أن يُضيِّع ساعة ونصف بسبب التليفون Telephone حين يستيقظ من النوم، وفي ساعة ونصف يطبخ البيض ويقلي الفلفل وما إلى ذلك، فيأكل ويتكرع ويتترع ثم يرجع لكي ينام، أليس كذلك؟ بعد ذلك يرى برنامجاً تلفزيونياً، لا يُريد أن يفوته أي شيئ فيذهب لكي يراه، ثم يلتقي بصاحبه قليلاً، يخرج ويتنفَّس الهواء الطلق في الطبيعة، المسكين لم يقدر! ذبحته الإدمانات هذه، هذه إدمانات سخيفة وكان من السهل أن يتحلَّل منها لكنه لم يقدر، كان أضعف منها فدمَّرت له حياته!

شخص آخر يأتي لكي يحضر – مثلاً – دروسنا هنا أو يدخل على الإنترنت Internet أو يقرأ كتاباً، ثم يجلس ويبكي، كيف ظلم زوجته الموجودة الآن في طرابلس أو في القاهرة أو في القيروان؟ هي أحسن منه وتربيته أحسن من تربيته لكن هو ظلمها، بعد نصف يرجع يبصق عليها ويضربها وما إلى ذلك، ومن ثم تدمَّرت الحياة، لأنه غير قادر! غير قادر على أن يتغلَّب على أسلوبه العصابي النرفزي في التعامل والتعاطي مع الناس، غير قادر! يقول أنا إنسان شقي يا أخي بسبب كذا وكذا، لكن ليس بسبب هذا، لا! كنت تستطيع لكن أنت مُدمِن على أشياء مُعيَّنة إلى الآن هي أقوي منك، لم تُجاهِد أن تصرعها أنت، تصرعك بسهولة! والنبي قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، تعلَّم أن تملك نفسك، أنا أفعل هذا في بعض المرات وأنجح، وفي بعض المرات أفشل طبعاً، ولا تُعلِّق على كل شيئ يحدث معك، انتبه! لابد أن تكون أقوى قليلاً من الأشياء السخيفة هذه، هو سخيف وغير قادر لكن أنت لست كذلك، لست سخيفاً مثلاً.

أنت تحتاج إلى هذا، ولذا أنا أقول لك سبب الفشل الرئيس هو هذا، ما رأيك؟ والأشياء الأُخرى يُمكِن تماماً التغلب عليها، بدليل هناك أُناس أفقر منك وأنهوا أعمالهم، أليس كذلك؟ أفقر منك بكثير، هناك أُناس كانوا في قمة الحرب وتفوَّقوا في أعمالهم، في التجارة وفي الدراسة وفي العلم، في كل شيئ! كانوا في الحرب وفعلوا هذا، الحرب كانت فوق رؤوسهم، رأينا في العراق نماذج عجيبة وفي فلسطين نماذج أعجب، أليس كذلك؟ ليس شرطاً، ليس هذا! لكن أنت تطلب العذر، تتحدَّث عن الفقر وما إلى ذلك، أردت هذا ووجدته، وسوف تجده دائماً بالمُناسَبة، كلما بحثت عن عذر سوف تجده، أنا أقول لك أسهل شيئ تجده العذر، ما رأيك؟ أسهل شيئ يُمكِن أن تُريده هو العذر، أليس كذلك؟ وأصعب شيئ كسر حلقة الإدمان الشيطانية هذه، سوف تدور في حلقة مُفرَغة في النهاية بسبب إدمانك! اكسر هذه الحلقة وسوف تتغيَّر شخصيتك، أليس كذلك؟ أنا أفهم أن إحدى حكم الصوم الكُبرى هي هذه، كسر حلقات الإدمان! ما رأيك؟ الصائم رُغماً عنه يكسر هذه الحلقات، هذا يحدث مع الشباب حين يكونون مُراهَقين ويُبتلون – مثلاً – بالعادة السرية، يُبتلى الشاب المسكين بها ابتلاءً فطيعاً جداً، وتُؤثِّر على نظره وعلى جسمه وعلى حالته النفسية، حالة سيئة جداً جداً! هذا ثابت الآن حتى في دراسات نفسية مُعمَّقة، تخيَّل! لها آثار سيئة للأسف، لكن هذا موضوع ثانٍ! لماذا المسكين يُمارِسها وهو غير مُحتاج إليها؟ إدمان! لأنه تعوَّد، حين يشعر بالزهق يجد أن ما يُعطيه السلوى والعزاء هو هذا الشيئ فيفعله للأسف دون أن يفهم ما الدافع، ليست الشهوة الدافع، هو هذا! نفس الشيئ مع المُستعبَد للقهوة أو للشاي أو للتلفزيون Television أو للحديث عن الناس، فمجلس مثل هذا لا يروق له، يقول ما البهاغافاد Bhagavad هذا؟ يا أخي هلكنا هذا! ما علاقتنا بهذا؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩،  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩ – يقول لك – يا أخي وينتهي الأمر! يُدخِلنا في دوكة يا رجل، هل نحن من الهندوس؟ هل الله حكى لنا عن هذا؟ مسكين ليس عنده القدرة، لكن هذا أجلسه مع فلان وعلان، سوف يتكلَّم لمُدة ست ساعات، وحسن وحسين وحسنية وحسنين ومحمدين، يفرح المسكين بهذا لأنه مُتعوِّد، هذا المسكين حين يفعل هذا يجد لذة، لماذا؟ لأن هذا يُعطيه أشياء أُخرى مثل الضحك والخبط وما إلى ذلك، أيضاً حلقته الغبية هذه تُمثِّل إدماناً، لا يفهم أنه مُدمِن Süchtig، لا يفهم هذا! فلابد أنت نتخلَّص من هذه الإدمانات، هل هذا واضح؟ هذا عبر خمستين، الخمسة الأولى خمسة امتناعات، هناك أشياء مُعيَّنة لابد أن تمتنع عنها، والخمسة الثانية خمسة انضباطية، خمسة انضباطات لابد أن تضبط نفسك بها، هذا سريعاً من غير شرح!

الخمسة الأولى: أولاً الامتناع عن الإيذاء، لا تُحاوِل أن تُؤذي أي إنسان أو أي مخلوق، عندهم حتى لا ينبغي أن تُؤذي المخلوقات، لا عنكبوت ولا أي مخلوق، اترك كل شيئ كما هو، طبعاً الهندوسية هنا – في هذه بالذات – تأثَّرت بالجينية الخاصة بماهافيرا Mahavira، المُهِم هذا هو، ثانياً الامتناع عن الكذب، وهذا من أسوأ السموم والإدمانات، ولذلك يُسمى أحياناً بالكذب مرضي، لأنه يصير مرضاً، على الحامي وعلى البارد – كما يُقال – يكذب، لم يطلب أحد منه شيئاً يا أخي لكنه يكذب، لم يهتم أحد بقضيته لكنه يكذب، لماذا؟ المسكين أدمن! ثالثاً الامتناع عن السرقة، طبعاً السرقة في أي منظور روحاني أوسع بكثير مما نظن، ليست سرقة الأموال وما إلى ذلك، هذا@@@22:00@، حتى سرقة النظرات! أليس كذلك؟ سرقة المعلومات، سرقة الشرف الذي ليس لك والجاه الذي ليس لك، هذا لا يخصك، لماذا تسرقه؟ أليس كذلك؟ النبي قال المُتشبِّع بما لم يُعط – انظر إلى هذا الكلام العظيم الذي قال – كلابس ثوبي زور، لكن اتضح أنك لا تلبس شيئاً في النهاية، هذان الثوبان ليسا لك، هذان مُستعَاران، ليسا لك! لا تسرق أشياء ليست لك، لا تدع شيئاً ليس لك! رابعاً الامتناع عن الشهوانية، الشهوانية والحيوانية امتنع عنها في الأكل وفي الشرب وفي الجنس، خامساً الامتناع عن الطمع، الطمع Greed! والطمع طبعاً أكثر شيئ له علاقة به هو المحسوسات والمُشتهيات، أكثر شيئ!

المُمارَسات الانضباطية الخمسة: أولاً النظافة والطهارة، طهارة الجسم – قالوا – وطهارة الوعي والنفس، حاول أن تُطهِّر قدر المُستطاع، ثانياً القناعة، أن ترضى بالقليل، لا تطلب الكثير، عكس الطمع هناك! ثالثاً ضبط النفس عموماً، اعمل كنترول Control على نفسك واضبطها، رابعاً الجد والاجتهاد، اتعب! 

أخْلِقْ بذي الصبرِ أنْ يحظَى بحاجته                ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبواب أن يَلِجَا.

خامساً وأخيراً تأمل الألوهية، التفكر في الله عز وجل! هذه الخمسة الأُخرى، أي الانضباطية، نأتي الآن إلى الخُطوة الثالثة، الخُطوة الأولى والثانية قلناهما ولخصناهما، الخُطوة الثالثة من الخُطوات الثمانية هي أننا نُريد أن نحفظ الجسم في حالة من السكون، نتحدَّث عن يوجا Yoga نحن! نحن نتحدَّث عن يوجا Yoga ولذا نُريد أن يسكن الجسم كجسم، ولكي يسكن لابد من أن نُريحه، أليس كذلك؟ لابد من أن نُريحه، كيف نُريحه؟ بوضع – Position – مُعيَّن، وهنا يحفظ لنا التراث الهندي أربعة وثمانين وضعاً، يُعلِّق بعض المُفكِّرين الغربيين قائلاً هذا لكي نرى الثراء والوسيع الذي ذهب إليه فكر الهند في هذه المسائل، مُعامَلة البدن ومُحاوَلة السيطرة عليه أيضاً، شيئ غني جداً جداً جداً جداً، أربعة وثمانون وضعاً! من بينها خمسة فقط هي التي تصلح لهذه اليوجا Yoga، أي للراچا يوجا Raja yoga، خمسة! أشهرها وأكثرها شعبية الوضعية المعروفة بجلسة اللوتس Lotus، وأنتم تعرفونها وتعرفون كيف يجلس الإنسان، ينصب عموده الفقري تماماً من أسفله حتى الرأس، تماماً! وبعد ذلك رجلاه تتصالبان بحيث يضع قدم كل واحدة على فخذ الأُخرى، ويضع يديه في حضنه بالطريقة المعروفة بحيث يتماس الإبهامان فوق بعضهما، ويجلس! طبعاً هذه الطريقة مُتعِبة جداً في الأول، ليست مُريحة، مُتعِبة جداً في أول أشهر، الأمر لا يتعلَّق بجلسة أو جلستين، سوف تمكث لأشهر، لشهر أو شهرين أو لثلاثة أو لأربعة أو لخمسة! سوف تُهلَك وأنت تجلسها، لماذا؟ لما تُثيره من توتر عضلي شديد، تتسبَّب في توتر للعضلات بشكل مُتعِب جداً، وبعد أن يألفها الإنسان ويتأنس بها يجدها  مُريحة إلى حد مُدهِش، سوف تعطيه راحة غير عادية!

طبعاً أنت تجلس لكن ماذا عن النظر الآن؟ بالنسبة إلى النظر يُحذِّر اليوجاويون الهندوس عموماً مما يأمر به المسيحيون بالذات، وهو إغلاق العينين، يقولون أغلق عينيك لكن هؤلاء يقولون لا، لأن الشرق يخاف من الباطن كما يخاف الغرب من الظاهر، في الغرب يخافون من الأشياء التي تراها بالعينيين، والشرقيون يخافون طبعاً من باطنك، وسوف ترى أن أكثر مُشكِلتك في باطنك، ليست في الظاهر! الظاهر سهل التغلب عليه، يُمكِن حتى أن أقلع عنه في يوم من الأيام، لكن الباطن مثل القرد النطّاط، سوف يُجنِّنك! أصعب شيئ الباطن، فلذلك هم يحرصون على أن يُغلِق الإنسان عينيه نصف إغلاق – ليس إغلاقاً كاملاً وليس فتحاً كاملاً وإنما نصف إغلاق – وأن يُركِّز نظره على قاعدة الأنف – حتى يُصاب بالحول بإذن الله، هذا صعب – أو على فم المعدة وهذه أسهل، أرأيت؟ على فم المعدة سهل لكن على قاعدة الأنف صعب، هل هذا واضح؟

كيف هذه بعد أشهر سوف تُكسِبه الراحة كما قلنا؟ سوف يجد أن هذا الوضع من أكثر الأوضاع المُريحة، لأن هذه الجلسة تُحدِث تخديراً جُزئياً لأعصاب الطرف السُفلي، فتقريباً سوف تفقد الشعور بهم، وهذا سوف يُعطيك شعوراً بالراحة والسيطرة، هل هذا واضح؟ هذا هو طبعاً! هذا بالنسبة إلى الخُطوة الثالثة، نأتي الآن إلى الخُطوة الرابعة.

بعد أشهر من جلسة اللوتس Lotus هذه والتدريب والتمرن عليها سوف يسهل عندنا التغاضي – وربما حتى ليس التغاضي وإنما التلاشي – عن هذا التوتر العصبي كما قلنا، سوف يتلاشى! لكن سوف يبقى عمل عضلى آخر مُتعِب وسوف يُشتِّت الانتباه وهو الجهاز التنفسي، النفس! ومعروف أن النفس غير المُنضبِط المُشوَّش الفوضوي – Chaotisch – مُزعِج جداً جداً جداً جداً، يُمكِن أن يُسبِّب لك احتقانات في الحنجرة، فتُسلِّك حنجرتك وما إلى ذلك ومن ثم سوف يضيع عليك كل شيئ، نحن نُريد هدوءً كاملاً وتركيزاً، كيف هذا هنا؟ عندهم آليات وتمارين كثيرة، يا ليت أجد شخصاً يُعلِّمني بعضها من أجل القرآن وما إلى ذلك، هذه يتعلَّمها المُجوِّدون حتى عندنا ومَن يهتمون بالناي ومَن يهتمون بكل هذه النوافخ، هناك مَن يستخدم اليرغول عندنا في فلسطين لمدة نصف ساعة بنفس واحد دون انقطاع، كيف؟ هذه آلية صعبة، الشهيق من منخر والزفير من المنخر الآخر، عندك أنف واحد لكنه صار أنفين إن شاء الله، يسحب الهواء من منخر ثم يُخرِجه من المنخر الآخر، هذان منخران ومعاً يُسميان بالأنف، فكل هذا أنف وهذان منخران وهو يسحب الهواء من منخر ويُخرِجه من آخر، هذا معروف! مَن يهتمون بالأوبرا Opera وما إلى ذلك يفعلون هذا، كلهم!

قال لي أحدهم أنه رأى شخصاً يهودياً يهتم بالناي، وكان قصيراً جداً، ليس عنده صدر ولا أي شيئ، ويتكلَّم على أساس أنه بطل، قال له سوف نرى مَن الأطول نفساً، فقال له مُستحيل، أنا الأطول، فقال له أرني هذا، هيا نفعل هذا، قال انقطع نفسي وهذا ظل مُواصِلاً، فقال له انتهى، قال له أقدر على فعل هذا لساعة أو لساعتين أو لأكثر من هذا، كما أُحِب! فقال له كيف؟ أنت حين تسمع عبد الباسط تجد أنه يقول خمس وعشرين كلمة بهذه الطريقة، كيف؟ من أين أتيت بهذا يا حبيبي؟ من أين أتيت به؟ ما القصة؟ يأخذ الشهيق من نفس والزفير من نفس آخر، قبل ربما خمس سنوات كانت هناك حفلة للقرآن الكريم خاصة بالأتراك، أتوا بطفل إيراني عمره تسع سنوات، صوته جميل جداً جداً جداً ونفسه يا حبيبي مثل عبد الباسط، أبو ياسين معني بالشيئ هذا ويعرفه، فقال لي أرأيت كيف؟ ترى المنخار يتحرَّك، قال لي يتنفَّس من واحد ويُخرِج من واحد، فقلت له هذا صحيح، أمامك هذا واضح على الشاشة، طفل صغير درَّبوه على الشيئ هذا، تخيَّل! واليوجا Yoga تُدرِّبك على الشيئ هذا، تأخذ نفس من هنا وتُخرِجه من هناك، بعد ذلك لابد أن تنج في عمل الدورة التالية، تعمل ست عشرة وحدة شهيق – هكذا لابد أن تفعلها بالعدد هذا -، أربعة وستين إيقاف للتنفس، وثنتين وثلاثين وحدة زفير، إذا فعلت هذا الترتيب بنفسك – ترتيب للنفس وتنظيم للنفس الخاص بك – فسوف تصل إلى درجة يزول معها حتى توتر عضلات التنفس، سوف تحدث سكينة! أنت الآن في سلام مع بدنك، خُطوة صعبة لكنها ليست الأصعب!

في البهاغافاد غيتا Bhagavad Gita أيضاً: في مكان ليس فيه رياح لا يرتجف نور السراج، يُوجَد نور داخلي ولابد أن تُركِّز، هذا الهدف! لا يُوجَد توتر عضلي، لا يُوجَد تشويش، ولا يوجد كذا وكذا، ومن ثم النور سوف يبقى مُتوهِّجاً تماماً، لا يطفأ ولا يرتجف، لا يُشوِّش الروية! لأن لا رياح الآن، مُهِم جداً النفس – قالوا – عندنا، لذا عندهم هذه التمارين!

خمسة، الآن وأنت وحدك مع جسمك للأسف – أنت جالس دون أي مشاكل داخلية عندك أو توتر للعضلات وما إلى ذلك – فُتِح الباب بصوت عالٍ، رجعت إلى العالم مُباشَرةً، قفزت إلى العالم، ضاع كل شيئ عليك، ضاع التركيز الذي قمت به – مثلاً – عبر ربع ساعة، انكسر شيئ فصاحت البنت قائلة يا بابا بصوت عالٍ، مُشكِلة! ماذا سنفعل الآن؟ التعامل مع الحواس الآن، أي السمع وما إلى ذلك، كيف سنفعل هذا؟ نحن قلنا قبل قليل كيف يُدرِك السمع، السمع هذا خطير جداً، عنده عشرون ألف حركة في الثانية، يلتقط بسرعة! وواحد من المائة – وبعضهم يقولون واحد من الألف – من الثانية يُدرِك فارق الصوت، مُخيف جداً! شيئ مُخيف، مُعجِزة إلهية كبيرة في السمع هذا، تخيَّل! ولذلك قالوا يُمكِن أن يأتي إليك صوت من هنا وصوت من هناك ويكون الفارق بينهما واحد على المائة من الثانية لكنك ستُدرِكهما في نفس الوقت، خطير! ولولم تُوجَد هذه القدرة لدعستنا السيارات في الشوارع كثيراً كل يوم، لأصبحنا مثل هذا القنفذ Bengel ولمتنا جميعاً، هذا شيئ كبير نتمتَّع به ولا نفهمه، ولذلك قالوا ليس الانتفاع بالشيئ فرع تصوره، يُمكِن أن تنتفع وأن تفرح دون أن تفهم شيئاً عن  وضعيتك، ولذا نُريد أن نعقد خُطبة – إن شاء الله – عن عجائب الأشياء هذه في الإنسان، وَفِي أَنفُسِكُمْ ۩، عجائب فسيولوجية هذه! لكي تتنبَّه إلى أن فيك الكثير من الأجهزة والكنوز التي لا تزال غير فاهم لها، أنت تعيش بها وتفرح دون أن تدري لماذا.

الآن نأتي إلى الحواس، هل يُمكِن أن أُسيطر على الحواس بالطريقة هذه بمعنى أن تصير الحواس عندي كالنوافذ فأفتحها وأغلقها وقتما أُريد؟ هل يُمكِن أن أفعل الشيئ هذا؟ يُمكِن، هناك إمكانية! وهذا يحصل معنا كلنا، اليوم حصل معي هذا، كلنا يحصل معنا! كم مرة اتفق معك أن تكون جالساً هكذا وإذا بصديقك أو بزوجتك تقول لك ما هذا؟ أنت جنَّنتني يا أخي؟ خمس مرات أُنادي، يا محمد يا محمد! فتقول لها خمس مرات؟ والله العظيم لم أسمعك! أنت صادق وهي صادقة، اليوم زوجتي قالت لي ما الأمر؟ قالت لي ناديت خمس مرات، فقلت لها أُقسِم بالله لم أسمع أي شيئ، كنت أُفكِّر في قضية وأكتب أشياء، لم أسمع شيئاً أبداً! وأنا الحمد لله عندي القدرة هذه، أفتح التلفزيون Television وأُتابِع برنامجاً في بعض مرات وأجلس مع أولادي وهم يتنططون وأكتب وأُفكِّر وما إلى ذلك، عندي هذه القدرة، تعوَّدت! ربما هذا تعوّد فقط، فهذا يحدث معنا! لكن هذا يعني ماذا؟ هي تقول إنك لم تسمع، الآن يُوجَد سؤال علمي وفلسفي، هل أنت سمعت أم لم تسمع؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور لم أسمع، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم غلط، إذا قلت لم أسمع فهذا غلط، ثم قال آخر سمعت، فقال فضيلته أيضاً غلط، ثم استتلى قائلاً هذا غلط وهذا غلط، هذه مسألة تعريف! أي Definition case، هذه مسألة تعريف، أي @@32:44@@، هذه مسألة تعريف! ما هو السمع؟ إذا قلت إن السمع هو ارتطام الموجات الصوتية المُتضاغِطة بالطبلة وتحريك عُظيمات الأُذن هذه فقد سمعت، إذا هذا السمع فأكيد أنت سمعت، وإذا قلت إن السمع هو نقل هذا إلى الدماغ وتحويله إلى وعي به فأنت لم تسمع، هل هذا واضح؟

على كل حال تُوجَد هنا مسألة تعريف علمي أيضاً، ما هو الصوت؟ ذكرنا عدة مرات هذا! الصوت ليس هو الموجات، أليس كذلك؟ مُستحيل! هذه الموجات وحدها ليست هي الصوت، هذه اسمها موجات، متى يُمكِن أن أُطلِق عليها صوتاً؟ حين تُترجَم في الوعي عندك نُسميها الصوت، بدليل أننا الآن لو صوَّرنا هذه الموجات بجهاز مُعيَّن اسمه تصوير الموجات لاستحال من الصورة أن تقول هذا صوت صكة الباب – الباب انصك بالموجة هذه – وهذا صوت زئير الأسد، مُستحيل! أليس كذلك؟ لا تعرف هذا، مُستحيل! إذن متى يُمكِن أن تُصبِح الموجات صوتاً؟ إذا تُرجِمت في الوعي الإنساني، أي إذا سُمِعَت كصوت، كيف تُسمَع كصوت؟ ليس بالأُذن فقط، بالأُذن زائد الدماغ والوعي، هذا اسمه الصوت! لذلك يُوجَد سؤال فلسفي فيزيائي، يقولون هناك غابة ليس فيها أحد ووقعت شجرة فهل لها صوت؟ ليس لها صوت، لا! ليس لها صوت، لا يُمكِن! لا يكون الشيئ أو الموجات المُنتشِرة هذه بحسب قانون دوبلر Doppler صوتاً إلا إذا وجدت جهازاً واعياً يلتقطها ويُترجِمها صوتاً، فالصوت ليس شيئاً في الطبيعة، ما رأيك؟ الصوت شيئ في الدماغ، الطبيعة فيها أمواج وفقط، انتهى! هذه هي، فإذن مَن قال سمعت مُخطئ ومَن قال لم أسمع مُخطئ، لا تزعلوا! هذه مسألة تعريف، اليوم قلت لكم لابد أن نُدرِّب أنفسنا ونُدرِّب أولادنا على أن أكثر الأسئلة لا تقبل الجواب الحاسم، وأكثر قسمة الفكر دائماً عندها Rest، يُوجَد Rest دائماً، إذا قلت إنها بلا Rest فستكون مُخطئاً، غير موجودة هذه! كلها فيها Rest، سوف تتسبَّب لك في مُشكِلة جديدة وسوف تفتح لك صندوقاً جديداً وهكذا، الكل معه Rest على الإطلاق! الذي ليس عنده Rest وما إلى ذلك هو الأشياء التافهة الصبيانية الصغيرة والتي لا تُقارِب الحقائق، لا تُقارِب حقائق أي شيئ، ما رأيك؟ هذه هي، لكن هذا موضوع آخر!

نرجع، الآن ما الراچا يوجا Raja yoga هذه؟ تُعنى يا إخواني بأن تُحوِّل هذه الظاهرة الاتفاقية الصُدفية إلى مسألة تصنيع ومسألة امتلاك! أنا سأمتلكها وسأُصنِّعها، هذا تحكم! أي كنترول Control، وقتما أُريد سأفعل، أنا الآن قرَّرت ألا أسمع ومن ثم لن أسمع شيئاً، هل أستطيع هذا؟ تستطيع، وكذلك إذا قررت ألا أُبصِر شيئاً، فلن أرى أي شيئ! أنا الآن أُريد أن أُفكِّر في اللاشيئ، شيئ لا مُتشيئ ولا مُتعيِّن! الحقيقة المُطلَقة هذه، عبر المراس والتدريب – قالوا – يُمكِن أن تصل إلى الحالة هذه!

يحكون عن أكبر قدّيس هندوسي في القرن التاسع عشر وهو راما كريشنا Ramakrishna، كلمة كريشنا Krishna – تعرفون أن هذا الإله الخاص بهم – معناها الأسود، لكن هذا راما كريشنا Ramakrishna وليس كريشنا Krishna  الذي كان قبل المسيح بألف وسبعمائة سنة، راما كريشنا Ramakrishna هذا كان قدّيساً في القرن التاسع عشر، وهو مشهور! له كتابات وشروحات على الفيدا Vedas وما إلى ذلك، مشهور جداً! أكبر قدّيس عندهم وعنده أشياء عجيبة ومُعجِزات وما إلى ذلك، هذا طبعاً مات بسرطان الحنجرة Kehlkopfkrebs، كان ذات مرة عند الطبيب المُعالِج فأحب أن يختبر النسيج – Tissue – المُتحلِّل الخاص بالحنجرة، مُؤلِم جداً هذا! فحين وضع المسبار تألَّم وقال له لا، بعد ذلك قال له عفواً، لحظة! لحظية يا سيدي، حين أُعطيك إشارة – قال له – مارس عملك، فركَّز ودخل – انظر إلى التحكم – ثم أعطاه الإشارة، قالوا مارس وكأنه يشتغل على خشب، لا يشعر بأي شيئ، في لحظة فعل هذا! عنده القدرات هذه ففعلها، عادي! لذا تسمعون أن عُروة بن الزُبير لم يشعر بأن رجله قُطِعَت، هو فعل هذا قبل راما كريشنا Ramakrishna، قال لهم لا، الرجل هذه المُصابة بالغرغرينا Gangrene اقطعوها في الصلاة، وأنا أُصلي وما إلى ذلك تفضَّلوا، فجاءوا وقطعوا له رجله، رجل – رجل كاملة – وليس شيئاً يسيراً، رجل كاملة قطعوها وحسموها بالزيت الحار وما إلى ذلك دون أن يشعر بشيئ، وحين سلَّم قال لهم هل فعلتم؟ فقالوا له فعلنا! ثم يُتحدَّث عن الهندوسية، هؤلاء هم المُسلِمون أيضاً، هذا تابعي! عُروة بن الزُبير أبوه هو الزُبير، هذا تابعي جليل ومن رواة الكُتب الستة، تابعي هذا! ثم يُقال نحن مُسلِمون وعندنا إيمان، مَن نحن؟ لا شيئ، نحن صفر! ليس لنا علاقة لا بالتابعين ولا بالصحابة، نحن لا نفهم شيئاً، نحن أُصيبنا بالهبل، والله أنا قلت نحن مسخنا الإسلام كله، ونحن مسخنا عمر ومسخنا عُروة ومسخنا فلان وعلان، كل شيئ مُسِخ عندنا، نحن مسخناه! حتى النبي نتحدَّث عنه بطريقة ممسوخة، لا نفهم شيئاً! وهذا شيئ طبيعي طبعاً في النهاية، من الطبيعي أن تتحدَّث من خلال منظورك، أليس كذلك؟ حتى الشيئ العظيم حين تتناوله لا تتناوله بحجمه، لا تقدر! أليس كذلك؟ أنت تُدرِك المُحيط بحسب حجم يديك، وتظن أنك غرفت من المُحيط! هذا بالنسبة إلى موضوع الحواس، انتهينا منه.

الآن قالوا أصبح العقل وحيداً مع أفكاره، انقطعت الصلة بماذا الآن؟ بالجسم، وانقطعت الصلة بالعالم الخارجي، أليس كذلك؟ ظل العقل مع ماذا الآن؟ مع العقل، أي العقل مع نفسه، وحيداً مع أفكاره، ولم تنته المعركة بعد، لأن أسوأ وأشرس خصوم العقل هو العقل نفسه، يُوجَد سؤال في السيكولوجيا Psychology وفي علم النفس التربوي بالذات وغيره يطرحونه، كم يستطيع المرء أن يُركِّز في فكرة واحدة وحيدة فلا ينتقل عنها منها إلى غيرها؟ أكثر شيئ ما هو؟ أكثر عبقري شاطر يفعل هذا في كم؟ ثلاث ثوان ونصف الثانية! بعد ذلك يذهب كل شيئ، لا يقدر! فالعقل ريثما يكون وحده كيف تكون حالته؟ الآن هو وحده! كيف لو كان في هذه الضجة؟ هذا يعني أنه أُصيب بالهبل وبالجنون، لكن حين يكون وحده مع كل هذا التركيز والانفصال عن العالم الحسي كله وعن الجسد نفسه كيف تكون حالته؟ والآن العقل مع العقل! قالوا هذا العقل مثل القرد – يُشبَّه في الهندوسية هكذا، هذا ليس تشبيهي – السكران، انظر كيف يتحرَّك القرد السكران ويتنطط؟ قرد ما شاء الله وسكران أيضاً، يشعر بالنشوة وباللذة Lust وما إلى ذلك، يتنطط ويذهب ويجيء ويُصاب بالهبل، يُشبِّهون العقل في غائيته وانتظام حركته – ما معنى في غائيته؟ أي لماذا ينتقل من شيئ إلى شيئ؟ هل تُوجَد غائية؟ لا تُوجَد – بالقرد، العقل هذا مثل القرد المجنون، يُفكِّر في أشياء غريبة، يُمكِن أن تجد شخصاً يسمع كلامي هذا – يسمع كلامي عن القرد النطّاط – لكنه يُفكِّر في زوجته ويقول لماذا وضعت الكرفس على الطبيخ؟ لماذا الكرفس؟ لعنة الله على الكرفس، ما علاقة القرد النطّاط بما يُفكِّر فيه؟ هو هكذا عقله! يتنطط باستمرار، مثل كرة البينج بونج Ping Pong، هل تعرفون لُعبة البينج بونج Ping Pong؟ تُلعَب على الطاولة، ترمي بالكرة ولا تطير لتصطدم بالجهة التي وجَّهتها إليها إلا ريثما ترتد في حركة طيران نزقة مجنونة مهووسة لا يضبطها ضابط، العقل – قالوا – مثل هذه، مثل  البينج بونج Ping Pong هذه! فالقرد النطّاط هذا هو عقل الإنسان، يُشبَّه به! وهو سكران، ثم قالوا ليس هذا فحسب، هو قرد نطّاط سكران جذلان مجنون، مجنون! هو أصلاً مجنون، والعقل مثل هذا، حركاته عجيبة، ثم قالوا ليس هذا فحسب، هو قرد سكران طبعاً ونطّاط طبعاً ومجنون ويرقص رقصة القدّيس فيتوس Vitus، هذه رقصة فوضوية – Chaotisch – بالكامل، لا شيئ! ليس لها معنى، لكنه يرقصها أيضاً، ثم قالوا ليس هذا فحسب، يُوجَد شيئ آخر، هذا آخر تشبيه عندهم! هو القرد السكران المجنون الذي يرقص رقصة القدّيس فيتوس Vitus والذي تم وخزه بأبرة حادة لتوه، شككنا بها! كيف ستصير حالته؟ قالوا هكذا العقل! يُحاوِلون أن يُشبِّهوهه لأنه فظيع، لا يقدر العقل هذا على أن يُركِّز على أي شيئ، وأنت تقول لي أُريد أن أجلس وأتأمَّل وأُفكِّر وأستغرق، أين هذا؟ لا يدعك تفعل هذا، لا يدعك! تجلس معه وتبدأ – قالوا – في التشتت، فرجل قال هذه سهلة، سوف نسد عليه بإقامة السدود أمام كل ما يصب فيه من مياه النُهيرات والجداول، وهذا ما قامت به الخُطوات السابقة بجدارة، أليس كذلك؟ الخمسة! الخمس خُطوات قامت بنجاح مُمتاز بإقامة السدود أمام كل الجداول والمسارب والنُهيرات التي تقذف الماء في بُحيرة العقل الرجراجة المُرتجِفة والمجنونة، سوف نُفكِّر في كل شيئ، فكَّرنا لكنهم قالوا لا يكفي، نحن فكَّرنا وعملنا قبل قليل وقلنا والآن العقل أصبح وحيداً مع نفسه، لكن أسفل البُحيرة يُوجَد منبع للبقبقة يا حبيبي، في أسفل بُحيرة العقل قالوا! تنبع من هناك وتطلع البقبقات، تتشكَّل بقبقات مُستمِرة، والبُحيرة تشتغل وتهتاج بشكل مُستمِر، مع أن المنابع الخارجية كلها سُد الطريق أمامها، وكان لابد من سدها! لكن البقبقات هذه لا تزال موجودة، ما البقبقات هذه؟ الذكريات وسلاسل الخيال اللامعقولة المجنونة والتي ما من رابط بينها أو إن وُجِدَ أحياناً فهو رابط في شدة الوهن والضعف، تخيلات غريبة وأشياء عجيبة جداً، غير طبيعية! لكن هذا العقل.

لو أمكن ترجمة هذه النطنطات والنزقات التي في عقيدتنا لمُدة خمس دقائق فقط بشكل مكشوف أمامنا لرأينا لوحة لا يُمكِن أن تُقرأ، شيئ أكثر من الجنون نفسه، يُجنِّن الجنون! لكن هذا العقل الإنساني، غريب يا أخي! لكن هو هذا، فظيع! ماذا سنفعل إذن؟ كيف يُمكِن وقف هذه البقبقات؟ بقبقات الذكريات والأشياء وسلاسل الوهم والخيال المُعقَّدة المُتكاثِرة بشكل انشطاري ذري؟ كيف؟ قالوا لابد من آلية لكي نُؤدِّبها – هذه مُشكِلة – وإلا لن نقدر على أن نُركِّز ولن نقدر على أن نصل، لن نصل إلى الذات الباطنية إذن، مُشكِلة! بقينا مع هذا الأهبل، مع هذا القرد الخاص بنا، أي العقل! ماذا سنفعل؟ قالوا سهلة العملية أو ينبغي أن تكون سهلة، أنا أقول لك هي ليست سهلة وليست صعبة، هي بسيطة وصعبة بصراحة، هي بسيطة لأنها تُوصَف بُجملة واحدة وصعبة لأن من الصعب أن تتدرَّب عليها، ما هي؟ في الفترة هذه – قالوا – حين يصير العقل وحده مع نفسه اترك العقل وبقبقاته، دعه يُبقبِق كيفما يُريد، مثلما قال عمر لبطنه قرقري كما شئت أن تُقرقري، دعه يُبقبِق – قالوا لك – ريثما يكف عن بقبقاته، أنت جالس في هذا الوضع التام الهادئ الساكن وأنت مُنفصِل عن العالم وعن الجسم، بقيَ هذا القرد الذي يُبقبِق، دعه يُبقبِق ريثما تفني البقبقات نفسها، (ملحوظة) قال أحد الحضور حتى تفنى الطاقة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، حتى يستنفذ الطاقة ويتعب، حين تنام أنت كل يوم يحدث لك هذا، أليس كذلك؟ وهذا يحدث لي ويحدث لنا كلنا، أنا كلما نمت حدثت لي حالة جنون فظيعة، كل يوم! أنا حين أكون تعباناً طبعاً، لا أنام هكذا لأنني أشتهي النوم، أدرس وأتعب وأنهلك، فاذهب لكي أنام، أقرأ الورد الخاص بي وفي بعض المرات لا أقدر على إكمال الورد، يدخل بعضه في بعض والكلمات تصير فظيعة غريبة، وتحدث أشياء جنونية، جنون! أشياء أنا أضحك منها في بعض المرات، أقول يا ربي ما هذا؟ في بعض المرات أضحك على ضحكي، أنا وأنا أضحك، شيئ غير طبيعي! أفكار وكلمات لا رابط بينها بأي طريقة من الطرق، والله العظيم! شيئ غير مُمكِن، شيئ غير عادي، هذا العقل! لكنه يظل هكذا ويُجَن للحظات بالطريقة هذه لكن بعد ذلك يستسلم، هناك استسلم لا للنوم وإنما للإبصار وللتنور، أرأيت؟ عندهم خبرة هؤلاء الفلاسفة، ولذلك قال هكسلي Huxley هؤلاء الناس طوَّروا مهارات في التعامل مع البدن – لم يقل حتى مع النفس أو مع العقل – لم تخطر على بال الغرب – غربنا – يوماً على بال، قال لم يقدر الغرب على تخيلها، قال هؤلاء أُناس خطيرون، الغرب يستغرب كثيراً من رجل هندوسي يدفن نفسه حياً في رمل – مثلاً – لأربعين يوماً، لا نفس ولا أكل ولا شرب ثم يخرج حياً بعد أربعين يوماً، ما رأيك؟ عادي! هؤلاء فظيعون ولذ جننوهم، هذه أشياء أخطر من أن تدفن نفسك حياً لأربعين يوماً، أخطر بكثير! كيف؟ كيف يُمكِن إيقاف حركة العقل هذا الأشبه بالقرد النطّاط؟ قالوا هكذا! وفعلاً نحن يحدث معنا هذا بشكل تلقائي لكن للأسف نخلد إلى النوم، إلى نط من نوع ثانٍ، ومجنون أيضاً الثاني! هم قالوا نُريد ما بين المُستويين، بدل أن نخلد إلى النوم نخلد إلى الغوص في العمق، هذا ما نُريده، لا نُريد أن ننام، إذا وصلت إلى هذا فستكون مُمتازاً، ومن ثم سوف يبقى لديك خُطوتان وينتهي كل شيئ، تكون بهذا حقَّقت ما تُريد، تخيَّل! تدريب غريب عجيب جداً جداً، وهم يُعطون إمكانية هذا الشيئ، يقولون لك العقل العادي ما وصفه؟ هذا القرد النطّاط الذي هو كذا وكذا وكذا هو العقل العادي، دونه يُوجَد العقل الهواسي، أي الــ Manic mind، الــ Manic mind هو العقل الهواسي، مهووس هذا! انظر إلى القرد النطّاط، هذا لا يزال مُؤدَّباً وشديد الانضباط بالنسبة إلى العقل المهووس، قلت لأخينا المُهندِس صاحبك مجنون – وهذا حين يكتب ويُركِّز – لأن عقل هذا المسكين يُفكِّر بطريقة هواسية، تدخل الأمور عنده بطريقة لا يحكمها منطق، شيئ جنوني، معروف! وهذا غير تعبيره، هذا العقل الهواسي!

قالوا نُريد الآن إنجاز حالة للعقل، ما هي؟ فوق العقل العادي في الانضباط والتحكم بمقدار ما يتدلى وينحط العقل الهواسي عن العقل العادي، المفروض تناظرياً أن تكون موجودة هذه الإمكانية، وهي موجودة طبعاً! هناك العقل العادي وهذه نُقطة الصفر، وهناك العقل الهواسي وهو زائد – Plus – خمسة مثلاً، لكننا نُريد سالب – Minus – خمسة، أرأيت؟ العقل يتحكَّم، هذا الذي يُوقِّف هذه البقبقات، هل هذا مُمكِن؟ قالوا مُمكِن، ولابد أن تصل إلى الدرجة هذه، مُمتاز!

يقول الحكيم طبعاً في الأوبنشاد Upanishad – نوع من الأوبنشاد Upanishad اسمها الكاتها Katha، أي الكاتها أوبنشاد Katha Upanishad – حيث تقف وتجمد جميع الحواس ويهدأ العقل ويستقر ولا يتذبذب الذهن، حينها يكون المقام الأعلى، الحواس والعقل والذهن، الكل يسكن! قال هذا المقام الأعلى!

سابعاً، الآن يُوجَد عندنا سبعة وثمانية وهما آخر الخُطوات، في الخُطوة السابعة الآن – بعد خُطوة البقبقات هذه – تنحل الاثنينية وتذوب في واحدية، انتهى! أنت بلغت الآن العمق، الذات الحقيقية المُرتبِطة بالكُلي، الآن كل هذا يصير واحداً، هذه يُسميها الصوفيون عندنا الاتصال، هؤلاء يُسمونها الفناء والاتحاد والاندماج، يبدأ يصير الكل واحداً، عبَّر عنها الفيلسوف الألماني شيلينغ Schelling ذات مرة، ماذا قال؟ قال في مثل هذه اللحظة لا يعود الزمان زماناً، بل لا يعود ثمة زمان أصلاً، لأن الأبدية والسرمدية تغوص فينا، هي التي تغوص فينا! انظر إلى هذا، فهو كان يستوعب الحالة هذه، هذه يُمكِن لليوجوي أن يصلها دائماً مع كل تمرين من هذه التمرينات التي يجدها في الراچا يوجا Raja yoga إذا كان من أهل هذا الشيئ.

آخر شيئ – رقم ثمانية – بعد أن تنحل الاثنينية يصير عندهم مقام السامادي Samadhi، هذا مقام من المقامات لكن هذا أعلى مقام، هذا القمة! القمة الملكية اسمها السامادي Samadhi، أي مع الله، السامادي Samadhi معناها مع الله عز وجل، هو هكذا!

تُوجَد عندهم عبارة غريبة جداً جداً، إذا كان مع الله – هذه حالة معية تامة واندماجية – فهذا يعني عدم وجود حدود وعدم وجود قيود وعدم وجود نهايات، هذا صحيح! ولا تُوجَد تعينات، وهذا يعني أن العقل الآن يُفكِّر بشيئ أو بلاشيئ؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور يُفكِّر بلاشيئ، فقال الدكتور عدنان إبراهيم، أحسنت، يُفكِّر باللاشيئ! الهندوسية لا تميل إلى العدم، قد يُقال هذا عدم، لكن هو يُفكِّر الآن باللاشيئ، لأنه لو فكَّر بشيئ للزم أن يُفكِّر بمحدود وبمُتناهٍ وُبمشخَّص وبمُتعيِّن، لا! التفكير بلاشيئ، لكن هذا لا يعني – قالوا – أنه لا يُفكِّر بشيئ، تخيَّل! هو يُفكِّر باللاشيئ وهذا لا يعني أنه لا يُفكِّر بشيئ، أي أنه يُفكِّر أو لا يُفكِّر؟ يُفكِّر، لكنه يُفكِّر باللاشيئ، يعني ماذا؟ بالذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، هو هذا! اللاشيئ هو الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، بالضبط هذه هي الترجمة الهندوسية الدقيقة للآية القرآنية، حين تُفكِّر بالله وتكون مع الله – في مقام السامادي Samadhi أو في حالة السامادي Samadhi – فأنت تُفكِّر بالله، وهذا يُساوي (اللاشيئ)، أي الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، ولا تقل أنا لا أُفكِّر بشيئ، لا! تُفكِّر أنت، لكن لا بشيئ، باللاشيئ! هذه حالة السامادي Samadhi، آخر شيئ! وهذه هي الذروة الملكية التي تُؤهِّل الراچا يوجا Raja yoga صاحبها ومُتعاطيها ومُمارِسها للوصول إليها، لذلك يُسمونها اليوجا Yoga الملكية.

أعتقد هذا عرض إلى حدٍ ما مُفيد – إن شاء الله – وغير مُخِل كثيراً بأنواع هذه اليوجات Yogas الأربعة التي تُجيب عن الهاجس الأكبر والحُلم الأعظم لدى الهنادكة عبر تاريخهم، ما بقيَ – إن شاء الله – في المُحاضَرة الثالثة والأخيرة عن الهندوسية هو تعريف ببعض الأشياء الأُخرى كما قلنا، بالعقائد – أجزاء أُخرى من العقائد – وبمراحل العمر المُختلِفة وبالطبقات ونظام الطبقات، ولابد أن نتكلَّم في النهاية عن السيخ، طائفة السيخ! لأنها طائفة مُتولِّدة بين المُسلِمين والهندوس، وهي أشبه أن تكون حركة إصلاحية – Reformation – للهندوسية منها بحركة تجديدية في الإسلام، هي حركة إصلاحية! والجورو Guru الأول نفسه كان هندوسياً طبعاً وإن تربي بين المُسلِمين.

الساعة الآن الحادية عشرة والنصف، سوف نفتح المجال لمدة عشر دقائق أو ربع ساعة من أجل تلقي الأسئلة ثك ننطلق بعد ذلك إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين، تفضَّل يا بشمهندس.

(ملحوظة) طرح أحد الحضور سؤالاً عن إمكانية استخدام بعض هذه الآليات المُتعلِّقة بالتأمل من أجل الخشوع في الصلاة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم إن هذا مُمكِن طبعاً، ثم استتلى قائلاً أنا أشرت إلى هذا غير مرة، طبعاً والصوفيون يفعلون هذا باقتدار، السادة الصوفية – واليوم ذكرت هذا – يفعلون هذا تماماً، أبو طالب المكي في قوت القلوب وعنه الغزّالي نقل طبعاً تحدَّث عن أبي القاسم الجُنيد، هناك قصة مشهورة جداً! دخل عليه أحدهم في بيته وهو جالس – جلسة تأمل – فلم يتحرَّك ولم يشعر بشيئ، لا بالداخل ولا بأي شيئ، شيئ غريب! وبعد ذلك حين عاد – عاد من تأمله – قال له من أين لك هذه الرقابة؟ هذه يُسمونها الرقابة، أي المُراقَبة! فقال له من سنور كان لنا، قط! كان إذا أراد أن يصطاد الفأر فعل هكذا قال له، يقف ولا يتحرَّك، الحيات هذه في الصحراء تفعل نفس الشيئ، تُخرِج فقط طرف رأسها ولا تتحرَّك إلى أن تأتي الفريسة، وكذلك الحال مع الضفدع Frog، نفس الشيئ! فالإنسان أولى بهذا، لكي يصطاد بشبكة الروح أو النفس أو العقل الفكر الإلهية لابد من أن يهدأ، هل تعرف بدليل ماذا؟ أنا سأقول لك كيف هذا ببساطة، إذا لم تهدأ وبقيَ كل شيئ فيك يتنطَّط في الداخل والخارج لن تسمع أصلاً ولن تُبصِر، أنت سوف تبقى مع هذه المُشوِّشات والإدمانيات تماماً، وهناك دليل، مثلاً تعال هنا في ليلة نام فيها الناس – ما من أحد وما من صوت – وتحرَّك في عمارة – مثلاً – على سلم، لو وقع منك عشر سنتات سوف تسمع صوتاً عالياً وتقول هذا سوف يُزعِج الناس، أليس كذلك؟ مُزعِج جداً، يُوجَد هدوء الآن، الهدوء هذا يُعظِّم الإشارة من غير تشويش، يمحضها! أليس كذلك؟ نحن نُريد مخض – ليس محضاً الآن وإنما هو مخض، هل تعرف المخض الخاص بالزبدة – للإشارات، نُريد أن نمخض الإشارات هذه، فنحن نحتاج إلى هذه السكينة، وإلا لماذا هذه؟ لماذا هذه المُرابَطة؟ هذه نوع من السكينة، نوع من نفي كل المُشوِّشات، أليس كذلك؟ والمُلهيات، لكي نقدر على أن نلتقط بمرآة – Spiegel – القلب هذه ومرآة النفس الإشارات الإلهية بإذن الله والمعاني الربانية، هذه تحتاج إلى نوع من الهدوء بعيداً عن التشوش، على عكس الذي استولى عليه القلق والحسد والحقد والأشياء التافهة وحُب الدنيا وحُب كذا وكذا، مُستحيل! لابد وأن يترك كل هذه الأشياء، فهذا مُمكِن جداً والصوفيون يفعلون هذا دائماً.

ويُحكى عن بعض السلف أنه كان إذا دخل البيت أو الدار سكت مَن كل في البيت، محمد بن واسع – مثلاً – إذا دخل الدار سكت مَن كل في البيت، كانوا يهابونه! فإذا قال الله أكبر يُصلي – قالوا – تنططوا وصرخوا وتصايحوا – أي أولاده وبناته – كأنه غير موجود، لأنه لا يسمع شيئاً، حين يقول الله أكبر لا يعود يسمع شيئاً، عادي! يُصرِّخون وما إلى ذلك لأنهم يعرفون أنه لا يسمع، لن يشعر بأي شيئ!

حدَّثتكم عن قصة الرجل الصالح الشيخ عبد الوهّاب – رحمة الله عليه – الذي كان عندنا وهو من الأولياء، حدَّثتكم عنه وقلت إنه كان يرتجف في الصلاة، هو إنسان صالح ومعروف أنه ولي، وأبوه كان ولياً من كبار الأولياء، رحمة الله عليه، أنا لم أكن في هذه القصة لكن أصدقائي وإخواني كانوا في ذلك اليوم، للأسف لم أكن معهم، في الصباح قبل صلاة الظهر دخلوا المسجد لكي يتطوَّعوا وما إلى ذلك على عادتهم والشيخ عبد الوهّاب – رحمة الله عليه – كان جالساً، ومن طبعه أنه كان يُحِب أن يجلس وحده، لا يُحِب مُجالَسة الشيوخ الكبار في السن ولا أي أحد من الناس، دائماً وحده! كان رجلاً صالحاً عجيباً، رحمة الله عليه، فكان جالساً مُنتصِباً – وهو دائماً كان يجلس بانتصاب، سُبحان الله! ومات عن أكثر من ثمانين صحة، كان يجلس مُنتصِباً ومتَّعه الله بصحته – كأنه لا يشعر بشيئ، فطرحوا عليه السلام، قالوا له السلام عليك يا شيخ عبد الوهّاب، أصحابي وإخواني كانوا يُحِبونه وما إلى ذلك، ونحن كنا نعرف  أنه رجل صالح فعلاً، فلم يرد عليهم، قالوا له السلام عليك يا شيخ عبد الوهّاب، فلم يرد، فظنوه ميتاً! فاستغاثوا بالشيوخ – الشيوخ الكبار في السن – وقالوا لهم انظروا إلى الشيخ عبد الوهّاب، لا يتحرَّك، لعله كان ميتاً، فجاءوا ونادوا عليه بصوت عالٍ أكثر من مرة، قالوا له أكثر من يا شيخ عبد الوهّاب لكن الشيخ عبد الوهّاب لا يرد، فظنوا أنه مات، فذهبوا وأتوا بقوة، قالوا له يا شيخ عبد الوهّاب، فاستفاق! لكنه قام وأخذ عمامته مُباشَرةً وخرج حتى لا يُسأل، أين كان هذا الرجل؟ كان جالساً، تراه مثل الصنم أو الصدندوق وهو جالس، لكن لا شيئ، لا يسمع ولا يرى ولا يحس بمَن حوله، في لحظة تجلٍ! يعيش في عالم آخر، تخيَّل! هناك أُناس هكذا بفضل الله، هذا هو! هذه هي النتيجة التي نحن نُريدها في النهاية، أن نصل إلى درجة من الاستغراق ومن الفناء عن هذا العالم الحسي اللعين، القرد النطّاط هذا لا يهتم إلا بالأكل والشرب والــ Naschmarkt والسيارات و@55:40@@ و@@@ ، كل هذا يأتيك في الصلاة مُباشَرةً، إلى أن تُكبِّر يأتي إليك! أليس كذلك؟ يُجنِّنك! أي صلاة هذه؟ ما صلينا ولا عرفنا الصلاة أصلاً، لم نتمتَّع بها للأسف الشديد، وهي صعبة! ثابت البُناني تَلميذ أنس بن مالك – التابعي الجليل ثابت – كان يقول كابدت الصلاة عشرين سنة – كان يُريد أن يصل إلى الدرجة هذه، أي إلى الدرجة الملكية هذه إن جاز التعبير، القمة الملكية والذروة، قال كابدت الصلاة عشرين سنة، عشرون سنة وهو يُحاوِل هذا، يُريد أن يفنى، حين يُصلي يرغب في أن يفنى – وتنعَّمت بها عشرين سنة.

سُئل سُفيان الثوري كيف الخشوع في الصلاة؟ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ۩، كيف الخشوع؟ قال لهم الخشوع أن يقف بين الرجلين يعرفهما – أنا الآن بين أسعد وسعيد – فإذا كبَّر لم يدر أين هو، ما عاد يعرف! سوف ينسى أن هنا أسعد وهنا سعيد، لن يعرف شيئاً، وبعضهم قال لو وُخِزَ بمنخاز لا يشعر، في القرطبي هذا! في تفسير القرطبي هكذا قال أحد الصالحين، قال الخشوع لو وخزته حتى بإبرة هكذا لا يشعر بها، عُروة بن الزُبير قطعوا رجله ولم يشعر بها، لم يشعر! فهذا هو، وهذا يعني أنهم وصلوا إلى هذه الحالة وتجاوزوها، أكيد بلا شك، تخيَّلوا! فنحن مساكين ومحرومون لذا نحتاج إلى الأشياء هذه، الآن السؤال يُمكِن أن يُصاغ بصيغة أُخرى، وطبعاً الصوفيون عندهم أشياء كثيرة مثل هذه وكلام كثير وأدبيات كثيرة جداً في باب المُراقَبات والمُجاهَدات التي مثل هذه، لكن إذا كان السؤال هل يسوغ لنا أن نُمارِس اليوجا Yoga نفسها في مدارس خاصة هنا وما إلى ذلك؟ فالجواب هو يسوغ في الإطار الذي ذكرناه اليوم والحمد لله، لا يُوجَد شرك ولا تُوجَد أدعية شركية، لكن الأمر يختلف إذا صار عندنا أسماء شركية مثل الجامبا Jampa، عندهم شيئ يُسمونه الجامبا Jampa، ما الجامبا Jampa هذه؟ هي الذكر، الذكر هنا اسمه الجامبا Jampa، تبدأ تذكر أسماء مُعيَّنة عندهم، هذا لا يُبيحه شرعنا، لأنك قد تذكر أسماء آلهة وثنية، أليس كذلك؟ آلهة غير الله، هذا كله كلام فارغ ولا يجوز، عندهم الــ Mantras في التأمل، وعندهم من لوازم هذا الــ Mantras أنهم يذكرون أسماء، ممنوع هذا! إذا هذا طُلِب منك فلا تفعله، اذكر اسم الله أو كرِّر اسم الله، المسيحيون يذكرون اسم مَن؟ عيسى، المسيحيون عندهم ذكر مثل الجامبا Jampa هذه، يُوصون أن يفعلوا هذا في اليوم كم مرة؟ اثني عشر ألف مرة، يقولون اذكر اسم يسوع اثني عشر ألف مرة، اذكره كما هو، قل Jesus باستمرار إلى أن تصل إلى اثني عشر ألف مرة، في اليوجا Yoga نفس الشيئ، تذكر اسم الإله أو الآلهة كم تستطيع، ذكر مُتواصِل من غير طلب ومن غير تأمل، من غير أي شيئ! ذكر مُستمِر، لماذا؟ قالوا في النهاية هذا ينحدر من لسانك إلى وعيك ومن وعيك إلى لاوعيك ومن اللاوعي إلى الذات نفسها، ينحدر – قالوا – ويرسب ويطبع آثاره، فالذكر مُتفَق عليه، عند المسيحيين وعند الهنادكة وعند المُسلِمين وعند الكل! لكن نحن لا نذكر إلا الله تبارك وتعالى، نذكر باسم الله، ممنوع بأي اسم آخر، فيما عدا ذلك لا يُوجَد أي محظور، بالعكس! هذه تقنيات كلها، ميكانيزمات – Mechanisms – هذه وآليات مُعيَّنة لكي نصل إلى شيئ نُريده، الآن في نهاية المطاف اليوجا Yoga أو هذا الشيئ – أنا أقول لكم – ينحل في ماذا؟ يتصل مع مَن؟ ويصل إلى مَن؟ إلى الإطار الفلسفي الديني الذي يُؤمِن به في النهاية، أليس كذلك؟ ضمن إطاره! لكن نحن عندنا تصور آخر عن الله تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ يتشابه مع تصورهم لكنه أعمق وأكثر تجريدية وأكثر كمالاً بفضل الله عز وجل، ليس له نظير، فجيد أن نأخذ الآليات هذه لكي نبدأ في الاستفادة منها، يا ليت والله! جيد أن يجلس الإنسان على الأقل لعشرين ثانية أو ثلاثين سنة – أي نصف دقيقة –  ولا يجعل الفكر فعلاً إلا في الله، بالمُناسَبة في الراچا يوجا Raja yoga يقولون لابد أن تصل إلى درجة لا تُفكِّر معها في شيئ، لا تُفكِّر في شيئ ولا تطلب شيئ، انتهى! هذا نوع من الاستقرار التام لبُحيرة النفس والعقل، التام! حتى في كونك لا تُفكِّر في شيئ، ممنوع أن تُفكِّر في الشيئ هذا أيضاً، انتهى! أي كأنك معدوم، تخيَّل! أشياء عجيبة.

(ملحوظة) استفسر أحد الحضور عن إجابة الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم عن السؤال السابق فقال له إن هذا مُمكِن من أجل الصلاة طبعاً، ثم استتسلى قائلاً لِمَ لا؟ طبعاً! ظننت أنك تسأل عن الوضع الخاص باليوجا Yoga، فهذا لا! الصلاة عندها أوضاعها والحمد لله، لكن يُمكِن أن تصل إلى الدرجة هذه طبعاً، يا ليت! وهذه الدرجة وصل إليها الصالحون – كما قلنا – الذين كانوا كذا وكذا، عبد الله بن عمر جاءه ذات مرة رجل من آل الزُبير يخطب ابنته، وكان ابن عمر يطوف! بعد ذلك حين جاء وكلَّمه غضب، قال له يا أخي لم تأتني إلا في ساعة وأنا مع الله، كأني أَتَرَاءَى الله، كأني كنت أراه – قال له – وأنت أتيت لكي تُحدِّثني عن خِطبة وما إلى ذلك، أتُريد أن تخطب ابنتي؟ لا يُريد هذا، انزعج من الشيئ هذا لأنه كان في حالة عجيبة جداً من التجلي، وبعد ذلك نحن عندنا مقام الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، هو هذا! هذا الإحسان، لابد أن تصل إلى الدرجة هذه بعون الله، إن شاء الله الله يُعطينا ربنا من عطائه، لكن هذا يحتاج إلى اجتهاد، وبالمُناسَبة في كل هذه اليوجاوات Yogas بعض المصادر تذكر شرطاً أساسياً وهو الرغبة الأكيدة، هل عندك رغبة أكيدة أم أنك أتيت لكي تلعب؟ إذا أتيت لكي تلعب فلن تصل، لابد أن تُوجَد عندك رغبة أكيدة في هذا الشيئ، إذا لم تُوجَد رغبة ودخلت هكذا – قلت هيا بنا دون رغبة – فلن تنجح، لابد من وجود شوق حقيقي إلى الشيئ هذا، أنت تُريد أن تُحقِّق هذا الشيئ، هذا مُعين لك على الشيئ هذا! لكن نحن دافعنا أكبر من هذا – والله – فعلاً، أنا دافعي حقيقي والحمد لله، وربنا يُعينني عليه، لكنه ليس سهلاً، لا يقول أحد أن هذه الأشياء سهلة، وضع واحد – اللوتس Lotus هذا – يحتاج إلى أشهر لكي تتعلَّمه فقط، لكنك سوف تستفيد منه طيلة حياتك، أليس كذلك؟ الجلسة هذه اتعب فيها لأربعة أو خمسة أشهر وسوف تستفيد منها – إن شاء الله – لأربعين سنة، مُمتاز والله! تجارة رابحة هذه، أليس كذلك؟ انظر أنت الآن كم مرة حرَّكت يدي في الخُطبة! وأنت تحك وتشرب وما إلى ذلك، خمسون شيئاً! أليس كذلك؟ وتتنحنح وتكح، كل هذه مُشكِلات! لكن هؤلاء قالوا لك لا، انتهى! حاول أن تصل، والله أعلم، تفضَّل يا أخي.

(ملحوظة) سأل أحد الحضور سؤالاً يتعلَّق بالفرق بين المُسلِم الذي يطوف حول الكعبة والهندوسي الذي يعبد الله من خلال صنم، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم سأقول لك الفرق، هناك فروق كثيرة، لكنني لا أُريد أن أُجيب، أُريد منكم أنتم أن تُجيبوا، هناك فروق كثيرة، أولاً مَن يقول لي ما الفرق بين المُسلِم وأي هندوسي أو وثني Paganist – أي وثني – يعبد الله من خلال صنم مع تأكيده على أنه يُوحِّد الله؟ انتبه فالوثني يُؤكِّد على هذا، الهندوسي هذا يقول لك إياك أن تظن أنني أعبد هذا الصنم، أنا لا أعبده، أنا أعبد الإله الواحد الذي له ثانٍ، لكن هذه مظاهر وصور لتجلياته لكي أُركِّز، لكن المعبود شيئ آخر، وقلنا اليوم ماذا يقول كاهن القرية، اغفر لي ثلاث خطايا ناجمة عن حدودي البشرية، أرأيت؟ عندهم هكذا هذه الفلسفة، جيد! إذا كان هو كذلك فأنت عندك نفس الشيئ، تذهب إلى الحجر هذا – هذا حجر لكن بشكل مُقعَّر – وتطوف به وترفع يديك وتدعو وتبتهل أمام الحجر هذا لله، وهو يفعل نفس الشيئ! لكن الحجر الخاص مُشكَّل، أي في شكل صورة، وهذه ليست صورة إله، هو يقول لك هذه ليست صورة الله، هو ليس له صورة، هم يقولون نحن نعبدك عبر هذه الصور ولا صورة لك ولا جسم ولا رسم فاغفر لنا، أرأيت؟ يقولون لك نفس الشيئ! ما الفرق؟ تفضَّل يا بشمهندس، هذا سؤال جيد، أليس كذلك؟ لكي نختبر ما لدينا، أنا دائماً أُحِب اختبار قناعاتنا وما عندنا عبر طرح هذه الأسئلة، لا تظن أن كل شيئ مُسلَّم وكل شيئ عندك عنه جوابه، اطرحه وأرني كيف هذا، والآن يُطرَح عليك سؤال.

(ملحوظة) أجاب المُهندِس الذي سُئل بإجابة مُلخَّصها أن المُسلِم مأمور شرعاً بهذا، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا الجواب مع احترامي له ليس له أدنى قيمة، سوف يقولون لك نحن مأمورون أيضاً في الأوبنشاد Upanishad والفيدا Vedas والكُتب الدينية المُقدَّسة التي نزلت من الله، هذا لا يكون جواباً أبداً، مُستحيل! لأن ليس هذا هو السؤال، هو لم يقل لك هل أمرك الله أن تعبده بعبادة وثنية ومن ثم أنت لك ذلك؟ هو لم يقل لك هذا! هو قال لك عبادتك التي تزعم أنها إلهية وما إلى ذلك هي وثنية مثل عبادتي، إذا قلت هي ليست وثنية فإذن أنا أيضاً عبادتي غير وثنية، لأنها من نفس الجوهر، نفس المنطق بينهما! المنطق الكامن وراء عبادتك مثل المنطق الكامن وراء عبادتي، لماذا تقول إني عابد للأصنام وما إلى ذلك؟ أنا لا أعبدها، انتبه! إذا قلت الله أمرني بكذا وكذا فهو أيضاً الله أمره، وبنفس الشكل والعبادة! سوف يقول لك أنا مأمور بما أُمِرت به أنت، نفس الشيئ أيضاً، لا يختلف!

(ملحوظة) أدلى أحد الحضور برأيه بعد أن قال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم تفضَّل، ثم سأله لماذا تطوف هناك؟ لو أنت تطوف لله لماذا لا تطوف في كل مكان وفي أي بُقعة؟ لماذا حول هذه البنية بالذات من الأحجار؟ (ملحوظة) أجاب الشخص قائلاً لأن هذه رمز، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هو عنده نفس الشيئ، سيقول لك هذا رمز! هو طبعاً سيقول هذه رموز، في الحقيقة ليس الله هذا ولا شكل الله ولا صورة الله ولا جسم الله، الله ليس له لا شكل ولا صورة ولا جسم، رمز – يقول لك – هذا، هذا ليس فرقاً.

(ملحوظة) سمح الدكتور عدنان إبراهيم لأحد الحضور بأن يُدلي برأيه قائلاً تفضَّل، وذلك بعد أن قال اتضح أن هذا السؤال ليس سهلاً، فقال أحد الحضور لأنه يعتقد بهذا الشيئ، فسأله فضيلته يعتقد بماذا؟ فقال يعتقد أن هذا إلهه، فقال فضيلته هل نحن نقول هذا؟ هل هو قال هذا قبل قليل؟ لنا ثلاث ساعات في هذا الحديث، نفخت رأسي، سامحك الله! هم يقولون لك هذا إله واحد، ليس له شريك وليس له اسم ولا رسم ولا جسم ولا تحده حدود، هذه رموز لتجلياته وليست حتى له، هناك تجليات وهذه رموز لها فقط لكي نُركِّز قالوا، فقط لكي نُركِّز، ليس أكثر من هذه! لكن هذه ليست آلهة، وهم يعرفون هذا، نحن نصنعها بأيدينا وبعد ذلك يُمكِن أن تخرب فنرميها ونأتي بغيرها، هذا عادي، تخيَّل! نفس المنطق، مثل الكعبة التي قد تُحرَق وما إلى ذلك فنُجدِّدها وما إلى ذلك، إذن ما الفرق؟ إذا تعدون هذه وثنية فأنتم وثنيون، وإلا تراجعوا عن وصمنا بالوثنية، فلسنا وثنيين، نحن مُوحِّدون مثلكم!

(ملحوظة) قال أحد الحضور هذه ليست عبادتنا الوحيدة يا شيخ، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم وهي ليست عبادتهم الوحيدة، أنت اليوم رأيت أن الواحد منهم يُمكِن أن يصل إلى الله في المكتب – Büro – الخاص به، يوجا Yoga العمل هذه، الكرما يوجا Karma yoga! فهم عندهم خمسون ألف نوع من العبادة، من عباداتهم قراءة الفيدا Vedas والأوبنشاد Upanishad، قراءة عندهم مثل قراءة القرآن! عندهم عبادات كثيرة، كالصدقات والإحسان وخدمة الناس وما إلى ذلك، كله نفس الشيئ! ليس هذا الجواب، ليس له علاقة، عجيب! هل إلى هذه الدرجة السؤال هذا صعب؟ ما الجواب يا إبراهيم؟ ألا يُوجَد عندك شيئ؟ تفضَّل، (ملحوظة) تحدَّث السائل عن مكان الكعبة المُقدَّس، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هل لو كان الصنم الخاص بهم الذي يُؤمِنون به – الصنم الأكبر – تحت بيت إلهي لأمكن هذا ولما كانت هذه وثنية؟ أهذا منطق؟هم سوف يقولون لك هذا، وبالمُناسَبة أكثر الأديان تقول بُقعتنا وموطن آلهاتنا مُقدَّس طبعاً، هكذا تقول لك أكثر الأديان! المسيحي يذهب كالأهبل إلى بيت المُقدَّس ثم يقول أين طريق الآلام؟ أين كأس القيامة؟ وأين كذا وكذا؟ مُقدَّسات! كل الناس هكذا، أليس كذلك؟ ليس هذا هو الجواب.

(ملحوظة) تحدَّث أحد الحضور عن بناء سيدنا إبراهيم وإسماعيل للكعبة، وأشار إلى أنها واحدة، فسأله الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم وما العلاقة؟ ما علاقة هذا بهذا؟ الآن إذا وجدنا مئات الأديان وكان كل واحد فيها – مثلاً – يعبد إلهاً أو صنماً ليس له ثانٍ – إله مُتميِّز – فهل هذا سيكون حقاً لأن ليس له ثانٍ؟ مَن يعبد المسيح في الأرض كلها؟ فقط المسيحيون، هل هذا يعني أن المسيح صار حقاً لأن فقط لا يُوجَد مثله مثلاً؟ مَن يعبد المسيح إلا المسيحيون؟ فكِّروا بمنطق يا جماعة، ليس هكذا! لا تُجيبوا بأجوبة مثل هذه مع احترامنا لهذه الأشياء، نحن نُريد الاجتهاد لكن فكِّروا!

(ملحوظة) أدلى أحد الحضور وهو الأستاذ إبراهيم برأيه، والذي يُلخَّص في أنهم يعبدون فعلاً هذه الأشياء، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، كيف هذا؟ هو يقول لك فعلاً أنا لا أعبدها، وأنا أعرفها وأعرف ما شأنها وما شأني، وما صفة الإله؟ الواحد الكُلي الكذا والكذا، قلنا هذا مائة مرة! فكيف إذن؟

(ملحوظة) أكمل الأستاذ إبراهيم وجهة نظره، فذكر أننا نحن حين نطوف حول الكعبة ونسعى ونفعل هذه الأشياء لا نذكر إلا اسم الله، لكن هم حين يفعلون هذه الأشياء يُقدِّسون هذه المعبودات، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم جميل، هذا أحسن الأجوبة إلى الآن، لكن ما معنى التقديس؟ وما حدوده؟ لأن أيضاً الكعبة هذه أنت تُطيِّبها وتُلبِّسها، هناك منسوج بالحرير، أليس كذلك؟ تصرف عليها أشياء كثيرة، وعندها أيضاً قدسية من نوع خاص، ممنوع تدنيسها وممنوع كذا وكذا، أليس كذلك؟ وكذلك الحال مع الطواف، تطوف وأنت طاهر – على طهارة – وتُقبِّل الحجر الأسود والركن اليماني وتدعو عند أركان مُعيَّنة، هناك تقديس، هذه ليست أحجار عادية، مثل جلد المُصحَف! في الأول كان جلداً عادياً لكنه حين جاور المُصحَف صار مُقدَّساً، نحن عندنا أحجار الكعبة أحجار عادية لكنها حين صارت في الكعبة صارت مُقدَّسة، معروف! أرأيت؟

(ملحوظة) ذكر الأستاذ إبراهيم أننا لا ندعو هذه الأحجار، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم كلام أخينا إبراهيم هو أفضل كلام قيل إلى الآن، هذا أول شيئ وهو واضح وبسيط، لكن يُوجَد شيئ أعمق منه، ما هو؟ هؤلاء الناس – كما قلت لكم في مرة سابقة – يعبدون إلهاً واحداً ينحل إلى آلهة كثيرة جداً، هناك ثلاثمائة وأربعون مليون إله، لكن هذه الآلهة ترجع في الحقيقة إلى ثلاثة: إلى براهما Brahma وشيفا Shiva وفيشنو Vishnu، ويتوَّجهون أكثر شيئ في العبادة إلى مَن؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور إلى براهما Brahma، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، إلى فيشنو Vishnu، هل نسيتم؟ أنتم تنسون كثيراً، مَن فيشنو Vishnu؟ الإله الحافظ المُحيي اللطيف المُتجلي، براهما Brahma الخالق، وهذا كبيرهم! لماذا ليس براهما Brahma؟ قالوا هذا خلق وأنهى، هو الآن مشغول بتأمل نفسه، ينام على أذنيه ويتأمَّل في نفسه، يفرح بهذا ولا يُريدنا لا يحتاج إلينا! والخبيث الآخر – أي شيفا Shiva – الذي عنده ثمانية أذرع مُدمِّر، هذا مُدمِّر ويأتي بالحروب والطوفانات وما إلى ذلك، كفانا الله شره يقولون، نحن لا نُريده! أحسن شيئ هو أن نعبد فيشنو Vishnu، الإله الابن هذا عندهم بالمُناسَبة، مثل الابن عند المسيحيين، الابن! يُسمونه الإله الابن، هذا الابن! الإله الحافظ، هذا الذي ذلَّل نفسه وصار أرضاً أعشبت وأنبتت ومشى عليها الحيوان ورفع نفسه وصار غيماً فأمطر علينا المطر، هو نفسه فيشنو Vishnu الحافظ!

كلام إبراهيم أجود كلام إلى الآن قيل لكن ليس هو النهاية، هؤلاء يا جماعة نعم يدّعون أنهم يعبدون الإله الواحد خلف كل هذه الصور والتماثيل والمظاهر والتجليات لكنهم للأسف حين يدعون يدعون هذه الآلهة باسمها، ساراسواتي Saraswati – مثلاً – يدعونها باسمها ويصنعون لها أصناماً، يقولون هذا صنم ساراسواتي Saraswati، تخيَّل! ليس صنم الإله الكُلي، لا! هذا لساراسواتي Saraswati، وتُدعى هي ويُستغاث بها ويُقرَّب لها القرابين والنذور، أي لساراسواتي Saraswati أو للإلهة السوداء كالي Kali، زوجة الإله الأكبر هذه، كالي Kali! نفس الشيئ، يعبدونها! لكن عندهم مزية ذكرتها في أول الدرس، ما مزية آلهة الهندوس – وهي كثيرة جداً جداً – عن مزية آلهة الأولمب؟ وهي ليست آلهة الأولمب، هي آلهة اليونان، دعونا نقول هذا! لأن آلهة اليونان عموماً هي قسمان، أليس كذلك؟ هناك آلهة الأولمب الخاصة بالتيتانيين وهناك آلهة لأتباع خاصة بأتباع زيوس Zeus أو جوبيتر Jupiter، فهناك أتباع لساتورن Saturn أو كرونوس Cronos أو وهناك أتباع لجوبيتر Jupiter أو زيوس Zeus، هذا باللاتيني وبالإغريقي طبعاً! فهذه الآلهة مُتنازِعة مُتشاكِسة، كلها ضد بعضها وهناك حروب وما إلى ذلك، شيئ فظيع! أقبح ميثولوجيا – Methology – في نظري الميثولوجيا – Methology – اليونانية، من أسخف ما يكون! لكن الآلهة الهندية ليست كذلك، مُتآلِفة! طبعاً شيفا Shiva مثلاً – إذا أردت لكنه لا يُعبَد كثيراً – في محرب فيشنو Vishnu، تُصلي لساراسواتي Saraswati عند كالي Kali، وتُصلي لكالي Kali عند فيشنو Vishnu، عادي! لا يزعلون، يذهبون ويفعلون هذا، يأتي يوم عيد كالي Kali فيأتي واحد ويتعبَّد لساراسواتي Saraswati، مسموح قالوا لك، عادي! الآلة لا يزعلون، هم مُتحابون، لأنهم لا يزالون أقرب إلى فكرة التوحيد فعلاً من هؤلاء الإغريق الأغبياء، أقرب! سُبحان الله، ولذلك رأينا الهنود – سُبحان الله – حين دخل الإسلام الهند يعتنقون الإسلام بشكل غير طبيعي، اليونان العثمانيون كانوا فيها لأربعمائة سنة ولم يسلم يوناني واحد، لم يسلم واحد! قد تقول لي لا، هناك مَن أسلم في سالونيك Thessaloniki، وفعلاً سالونيك Thessaloniki أسلم فيها بعض الناس لكنهم أتراك، أتراك الأصل هؤلاء! أنا زرتها وهم أتراك الأصل، معروف! أربعمائة سنة ولم يُسلِم واحد، قالوا لم تُسجِّل إحصائية أن واحداً أسلم، يا أخي شيئ يُجنِّن! أُناس عندهم وثنية عجيبة، هؤلاء اليونان من أغبى خلق الله، لكن الهنود ليسوا كذلك، سُبحان الله! لا يزالون أقرب إلى التوحيد.

الذي أُريد أن أقوله الآتي، هل تعرفون ما الفرق الحقيقي في النهاية؟ يُوجَد فرق خطير جداً جداً، كما قلنا يُلِح القرآن ويُؤكِّد ونحن من ورائه – دائماً بإذن الله تعالى، اللهم اجعلنا أمامنا وإمامنا أبداً، دائماً وأبداً – في النهاية على التنزيه المُطلَق، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، التنزيه المُطلَق وبضربة قاسمة يقطع الطريق على الوثنيات والتجسيم وعلى وحدة الوجود، الأديان الهندية كلها وحدوية، بمعنى أن الأُطر الفلسفية الخاصة بهم والثيولوجية تسمح لهم برؤية الإلهية في كل شيئ والعياذ بالله، فطبعاً لِمَ لا يكون الصنم هذا إلهي الطبيعة؟ طبعاً إذا أنا العابد إلهي الطبيعة وكذلك الحال مع القرد والخنزير والكلب والدودة فالصنم هذا الذي يُعتبَر نوعاً من الترميز لتجلي الإله أحق بالإلهية، وهنا تأتي الخطورة، ومن هنا ما لاحظه أبو الريحان البيروني Abu al-Rayhan al-Biruni، قال في النهاية سمجت آراء العامة فيهم وانحطت إلى أقوال وثنية من أقبح ما يكون! وأتى بأمثال طبعاً، هناك وثنية حقيقية، لا تقل لي هؤلاء ليسوا وثنيين، هؤلاء صاروا وثنيين حقيقيين ومُشرِكين والعياذ بالله، لماذا؟ لأن عندهم الإطار الوحدوي، وهذا خطير جداً جداً جداً، أنا أقول لك أنت الآن كمُسلِم لو اقتنعت بالوحدوية يُمكِن أن تسجد لي – أستغفر الله العظيم – ويُمكِن أن أسجد لك، يُمكِن أن تسجد لفرج أو لحائط أو لشمس أو لقمر، لأي شيئ! هذا هو طبعاً، ولذلك أنا أقول لك حتى – هذه القضية عميقة – القرآن حين يُقيم الأدلة على هذه المسائل يكون غير مسبوق وغير ملحوق، ونحن لسنا على قده بالمُناسَبة، أنا أقول لك علماؤنا – والله – ليسوا على قده، وسأُعطيك مثالاً – وقد أطلنا فنُريد أن نختم به لكي نذهب – الآن، مثلاً في سورة الأنعام: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ۩، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ۩ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ۩، أليس كذلك؟ في الأول رأى كوكباً بعد ذلك رأي القمر ثم رأى الشمس، مَن يقول لي هذا البرهان لو أردنا أن نشرحه بطريقة علمية أو فلسفية هو استدلال بماذا على ماذا؟ وكيف؟ إبراهيم استدل بماذا على ماذا؟ بماذا استدل؟ (ملحوظة) تحدَّث أحد الحضور عن النُقصان، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أين النُقصان؟ لا يُوجَد نُقصان، لم يُذكَر نُقصان، ذُكِرَ أفول! فَلَمَّا أَفَلَ… ۩ فَلَمَّا أَفَلَ… ۩ فَلَمَّا أَفَلَتْ… ۩، الأفول! علماؤنا – مثل ابن سينا والفارابي كفلاسفة، والغزّالي رحمة الله عليه، أعني أبا حامد في كُتبه ومن ورائه كل الأشاعرة وكل العلماء المُسلِمين المُفسِّرين مثل الآلوسي وغيره – كلهم قالوا هذا برهان الحركة، المُتحرِّك هذا يدل على الحدوث، أي أنه في النهاية هو برهان الحدوث، والحدوث في النهاية يدور على ماذا؟ على المخلوقية، لأنه حادث! أُحدِث في الزمان والمكان بحسب هذا المعنى، أليس كذلك؟ فهو أُحدِث، أي أنه كان بعد أن لم يكن، أو أُخرِج من الليس إلى الأيس كما يقول ابن رشد في تهافت التهافت، أُخرِج من الليس إلى الأيس! من أين استدلوا عليه؟ ها هو يقول فَلَمَّا أَفَلَتْ ۩، غير صحيح! أنا أقول لك هذا فهم غير صحيح لكتاب الله عند كل هؤلاء الناس وهم على رأسنا من فوق، خاصة أبي حامد! لماذا؟ القرآن لم يقل هذا، أنا أقول لك الشمس يُمكِن إثبات إحداثها أو مُحدَثيتها من غير أن تأفل، بألف طريقة أُخرى! أليس كذلك؟ الله لم يقل هذا، الله قال فَلَمَّا أَفَلَتْ ۩، ومن ثم سيصير معنى الدليل لو لم تأفل وبقيت مُعلَّقة باستمرار – هكذا دون أن تغيب – لكان من المُمكِن أن يتجه القول إلى ربوبيتها، أن هذه هي الرب، قَالَ هَذَا رَبِّي ۩، انتبه! ثم إنه لم يقل هذا إلهي، القرآن دقيق جداً جداً لكنه يحتاج إلى تأمل، وهذا – بفضل الله – فُتِح علىّ فيه قبل أيام، لم أكن أعرف هذا أيضاً ثم عرفته لأول مرة في حياتي، مسألة غريبة! فقلت يا الله! لم أفهمها يوماً ولم يفهمها علماؤنا، هذه الآية دقيقة جداً! أدق مما تتخيَّل، لماذا؟ انتبه!

أولاً الاستدلال لم يكن على الإلهية، ما الإلهية؟ استحقاق الله للإفراد بالعبودية، بمعنى أن يُعبَد وحده، لكن ليس هذا هو، الموضوع عن ماذا؟ عن الربوبية، وأنا أقول لك هذه الربوبية بالمُناسَبة هي طريق الإلهية، لأن الذي سيثبت في نهاية المطاف أنه مَن خلقني وسوَّاني وصوَّرني وفي أي صورة ما شاء ركَّبني وعدلني ورزقني ويُحييني ويُميتني وإليه حسابي وإيابي ومآبي – وإلى آخره – هو الرب الذي يستحق أن يكون الإله بصراحة، أليس كذلك؟ الذي ثبتت له الربوبية من كل وجوهها يجب أن تثبت له الإلهية فلا يُعبَد إلا هو بصراحة ولا يُذكَر ولا يُشكَر ولا يُخضَع ولا يُبخَع إلا له هو، فإبراهيم مُتدرِّج هنا، لم يبدأ بالإلهية، وهم شركهم كان في الإلهية والربوبية على ما يبدو، لماذا؟ لأن إبراهيم استدل بماذا؟ هذه الآلهة البابلية والفدانيين كلها شرك في الربوبية، انتبه! شرك العرب – والعياذ بالله – كان في الإلهية أكثر، مَن خلقكم؟ الله يقول لهم، فيقولون الله! في سورة لقمان وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۩، وفي سورة المُؤمِنون قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ۩ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ۩ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ ۩، كله لله! ولماذا تعبدون هذه الأشياء معه؟ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ ۩، أرأيت؟ فالشرك عندهم مضروب في الإلهية، القرآن دقيق جداً! فشرك العرب هو شرك في الإلهية، أليس كذلك؟ شرك الفيدانيين والبابليين شرك في الربوبية، ولذلك هم عُبّاد الكواكب والنجوم التي يُسمونها المُدبِّرات، ما المُدبِّرات؟ الأرباب التي تُدبِّر الأرض كلها، أليس كذلك؟ وبقيَت فضلة من شرك الفيدانيين والبابليين وانتقلت إلى الصابئة بالمُناسَبة، كل فرق الصابئة تُؤمِن بتدبير الكواكب، خاصة الصابئة الحرانية بالذات والمانوية، وثابت في الدراسات العلمية أن المانوية والصابئة الحرانية مُتأثِّرتان جداً بالآلهة الفيدانية والبابلية القديمة، معروف!

فإبراهيم في هذا الإطار بُعِث، انتبه! القرآن دقيق جداً، لم يتكلَّم مثلما تكلَّم محمد مع كُفّار مكة، لا! الموضوع لا يتعلَّق بالإلهية، الموضوع يتعلَّق بالربوبية، موضوع مَن الذي خلق؟ مَن الذي سوى؟ مَن الذي رزق؟ مَن المُحيي؟ مَن المُميت؟ مَن المُدبِّر؟ ومَن المُعتني؟ يُسمونها العناية الإلهية، مَن يعتني بالكون؟ أليس كذلك؟ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۩، إلى آخره! فإبراهيم قال لهم هذا يعني أن لو لم تأفل هذا الشيئ لاتجه الجوه بربوبيتها، هل تعرف لماذا؟ أنا سأقول لك لماذا، أول معنى – أول معنى يفيض من اعتقاد الربوبية – هل تعرف ما هو؟ ما ختمت به قبل وهو العناية، أليس كذلك؟ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۩، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ۩، هو هذا! الرب المُدبِّر المُربِّي، لا إله إلا هو، العناية يُسمونها! نظرية العناية الإلهية، لو الشمس هذه فعلاً لا تشرق ولا تغرب ومُعلَّقة دائماً في حاقها ولا تغرب عنا أبداً ثم لاحظ البشر أنها التي تهب الحياة والنماء وما إلى ذلك لربما قام لهم عُذر في ادّعاء ربوبيتها، فالموضوع لا يتعلَّق بموضوع أنها مخلوقة أو غير مخلوقة بمعنى الحدوث، برهان الحدوث! لا! هل يسوغ أن تُعتبَر رباً أو لا يسوغ؟ لكن لما لاحظنا أنها تأفل وتغيب اختلف الوضع، أين هذا الرب الذي لا يراني؟ لا أنا أراه ولا هو يراني؟ هو لا يراني لأنه غاب عني، ودليل غيابه أنه أورثني الظلمة، غابت وذهبت! ما عادت تُرى، أليس كذلك؟ فكيف يكون لها الربوبية والعناية؟ 

البرهان يشتغل في إطار ثانٍ يا جماعة وهذا واضح جداً، لذلك الاستدلال ليس كما فهم ابن سينا والفارابي وأبو حامد الغزّالي وغيره، أنه بالحركة على الحدوث، لا! هذا لا يتعلَّق بموضوع الحركة، لو كانت تتحرَّك في مكانها هل كان يتوجَّه كلام إبراهيم؟ لا، سوف نقول ها هي موجودة، تتحرَّك وتلف، الشمس حتى وهي مُشرِقة قبل أن تأفل تتحرَّك حول محورها، أليس كذلك؟ موجودة! فالأمر لا يتعلَّق بالحركة وإنما بالغياب والأفول، فَلَمَّا أَفَلَتْ ۩، أَفَلَتْ ۩ بمعنى ماذا؟ غابت، والغائب لا يكون رباً، والقرآن يقول لك المفروض أن الرب الذي يستحق الربوبية لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ۩، لا يُمكِن! أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۩، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ۩، قال وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ۩! مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۩، هذا هو! حاضرٌ لا يغيب، موجود معك ومع أي شيئ في كل أينٍ وآنٍ، هذا الذي له الربوبية وله العناية، أرأيت؟ وأنا أقول لك من غير هذه الصورة للربوبية تغدو الحياة كئيبة، بالنسبة إلى لا تُطاق – أُقسِم بالله – ولا تُحتمَل، أنا غير قادر على أن أستوعب إلى الآن كيف يُمكِن لبعض الناس أن يعيش بلا اعتقاد صحيح في الله أو حتى بلا اعتقاد في الجُملة؟ يُنكِرونه! لا أقدر على أن أفهم كيف يعيشون هؤلاء، لكن طبعاً هم يعيشون حياة مثل الزفت، واضح أنها مثل الزفت، حياتهم صعبة جداً جداً جداً، أي شيئ يُمكِن أن يُسلِم الإنسان إلى الانتحار أو الجنون فضلاً عن القلق الدائم الدائب، نحن نقول لا إله إلا الله يا أخي، أنا كلما فكَّرت في هذا الشيئ شعرت بأن عقلي تشتَّت، عندي اعتقاد – كما قلنا اليوم – بأن هذا لا يقتصر فقط على ورق الشجر، فما من ذرة وما من شيئ إلا وهو يعرفه ويضبط حركته وعزمه، كل شيئ! لذا لن يُضيِّعني، لن يُضيِّعني هذا، يرى حالتي ويرى وضعي ويرى كذا وكذا فضلاً عن أنه يسمع دعائي وكلامي، لا إله إلا هو! فهنا الاستدلال على الربوبية، وأنا أقول لك مثل هذه الصورة – وهذا هو التوحيد – لا تجدها في أي دين من الأديان، لا في اليهودية ولا النصرانية – البوذية أصلاً بلا إله بشكل عام – ولا الهندوسية ولا الصابئة ولا الشنتاوية ولا في أي شيئ على الإطلاق، والذي يفهم هذا الكلام يفهم ما السر في وجود عقول ضخمة جداً جداً في أوروبا وأمريكا كانت ولا تزال تدخل الإسلام بفضل الله عز وجل، فلاسفة وعلماء ودارسون كبار، لماذا يا أخي؟ لماذا إذن؟ تُوجَد أمة مُنحَطة الآن، الأمة الإسلامية هذه مُنحَطة! أمة سيئة جداً جداً علمياً وحضارياً، مُتعَبة مُمزَّقة ويعمل بعضها ضد البعض، ما هذا الإغراء الرهيب؟ هذه آية من آيات الله، كأن الله يقول قوة هذا الدين في ذاته، ليس قوياً بسببكم! ومع ذلك نجد مَن يقول فتح الإسلام الدنيا بالسيف، ليس بالسيف – والله العظيم – وإنما بصحة عقيدته عقيدته يا جماعة.

أنا أقول لك هذه العقيدة تركب على الفطرة الإنسانية تماماً، أي إنسان عادي لم تُلوَّث فطرته أو بقيت في حالة شوق وتعاطي مع تلك المسألة حين يسمع هذا يقول لك هذا هو ويرتاح، يُلقي عصا التسليم ويقول هذا هو، يرتاح راحة مُطلَقة بإذن الله تعالى، فهذا هو! أين مثل هذا؟ أين هذا التوحيد الصافي؟ تخيَّل! القرآن يا أخي شديد الغيرة، انظر إلى موضوع القرابين، كيف يُقرِّبونها؟ وما الذي يعكسون بحجم الآلهة الخاصة بهم؟ كلهم – من بني إسرائيل إلى الهندوس وإلى كذا وكذا – عندهم شيئ مُخجِل جداً جداً ومُخزٍ، آلهة تجوع، آلهة تعطش، تُحِب الشواء، تُحِب اللحم، تُحِب الدم، تُحِب الأطفال يا أخي، تحب الأطفال الذكور والبنات الأبكار، ما الآلهة المُجرِمة هذه؟ انظر إلى ربك، بكل بساطة لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا ۩، بعد ذلك بالنسبة إلى الكعبة يقول فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۩، أليس كذلك؟ لا يُمكِن – قال لك – أن تقول هذا بيت الله وهو يسكنه أو أن الله هنا، حاشا لله! فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۩، قد تقول لي لماذا نحن نتوجَّه إلى القبلة دائماً؟ هذا لكي تُركِّز، نوع من التركيز! لكي تصير قطرات الماء دائماً تضرب في صخرة واحدة، لو مسموح لك أن تُصلي كل ساعة ناحية اتجاه مُختلِف لتشتَّت، هو ليس مُشتَّتاً لكن أنت مَن سيتشتَّت، ولذا أنت تتوجَّه إلى قبلة مُعيَّنة لكي تُركِّز وفقط، هذا هو فقط، ليس لأنه يحل في هذه القبلة، أعوذ بالله، حاشا لله! الله ليس له قبلة، قبلة ماذا؟ هذه جهة مخلوقة له، لكنها موجودة لكي تُركِّز، وأنت حين تذهب إلى الكعبة لا تقول يا كعبتي التي أنتِ تجلٍ لله أسألكِ كذا وكذا، أغيثيني يا كعبة، لم تقل هذا مرة! لا يُوجَد مُسلِم يفعل هذا، أليس كذلك؟ نقول يا الله يا الله! كله نداء لله تماماً.

بالمُناسَبة الذي يُنكِر الذهاب إلى الكعبة عليه أن يُنكِر استقبالها هنا في فيينا – مثلاً – أو على شواطئ الأندوس Indus عندهم هناك أو كلكتا Kolkata أو غير هذا، أليس كذلك؟ إذا لم تُنكِر التوجه إلى الكعبة كقبلة في كلكتا Kolkata لا تُنكِر أيضاً التوجه إليها عندها، لأن التوجه لله بالمُناسَبة، وليس لهذه قبلة، أليس كذلك؟ التوجه إليها والتوجه لله، أليس كذلك؟ العبادة لله وهي إلى الكعبة، أليس كذلك؟ والحج لله، وهو لكذا وكذا من الشهور الحُرم، لــ … لام التوقيت هذه، لابد أن نفهم الأشياء هذه، لكن هؤلاء ليس عندهم مثل هذا، هؤلاء على العكس من هذا، كما قال أخونا إبراهيم هم ليسوا كذلك، ولكي تتكامل الرؤية بين ما قال وما ذكرت أنا أُشير إلى أن نمطهم في إدراك الاتحاد – وحدة الوجود – بين الكائن والمُكوِّن أو بين الله وبين الموجودات يسمح لهم بعد ذلك اعتقاد الإلهية الحقة في أي شيئ في الكون، من باب أولى فيما يُراد على أنه رمز لإلهية الله أو تجلٍ لإلهية الله، فهذا هو طبعاً، لذلك يُمكِن أن يتوجَّه إلى أي شيئ، كما قلنا لو اعتقدت وحدة الوجود لأصبح عند الحق في أن تسجد لي، وأنا سأسجد لك، ونحن سنسجد لهذا أو لأي شيئ.

لذلك جوستاف لوبون Gustave Le Bon عنده كتاب اسمه حضارة الهند، كتاب مُمتاز! وقد عاش في الهند فترة ودرس الحضارة الهندية جيداً وأُعجِب بها، قال أكثر الناس آلهة وأغرب الناس عبادات هم هؤلاء الهندوس، قال لا يعبدون فقط ولا يركعون ويسجدون لله وحده، يسجدون لقطار السكة الحديد، رأوا القطار الطويل بطوله وهو يأتي – ما شاء الله – فسجدوا له، قالوا هذا تجلٍ لله وسجدوا له! قال ويسجدون للسكة الحديد نفسها، قال ويسجدون – هذا جوستاف لوبون Gustave Le Bon في حضارة الهند – للعامل والمُهندِس الإنجليزي الذي بناها، يسجدون له! قال هؤلاء أُناس غريبون وعجيبون، لأن عندهم في الأصل إطار فلسفي اسمه وحدة الوجود طبعاً، لِمَ لا؟ مُمكِن! يسجدون – والعياذ بالله – لعضو الرجل ولفرج الأُنثى، شيئ قبيح جداً جداً!

قبل أيام كنت أُطالِع موسوعة ألمانية عن الأديان اسمها أديان العالم، وجدت أنهم وضعوا صورة من أقبح ما يكون لكنها مُضحِكة، أنا جلست أضحك بسببها، شيئ لا يُصدَّق! جلست أضحك وحدي، وضعوا صورة لنساء مُهذَّبات واقفات بأحسن لباس، وكل واحدة منهن تحمل – والعياذ بالله – مُجسَّماً لقضيب الرجل، تحمل مُجسَّماً كبيراً في شكل عبادي، خشوع عجيب جداً! قلت ما هذا؟ ماذا يفعل الإنسان بنفسه؟ لماذا هذا؟ ولذلك بالمُناسَبة – هنا أختم بهذه الكلمة العجيبة لبليز باسكال Blaise Pascal – يُمكِن أن يضيع بعض الناس، نحن لسنا ضائعين بفضل الله، عندنا صور ومنائر وضوابط، يقول بليز باسكال Blaise Pascal درجتان من درجات العرض – درجات العرض فقط – يُمكِن أن تُحيل الخبيث طيباً والطيب خبيثاً والفضيلة رذيلةً والرذيلة فضيلةً… إلى آخره! ماذا يقصد؟ يقصد أن يقول هذا بسبب تغير البلاد والأماكن، عادي! هكذا تقول لنا الأنثروبولوجيا Anthropology وهكذا يقول التاريخ والدراسة المُقارَنة للمُجتمَعات، هذا ينطبق على كل شيئ، أنت تستغرب وتضحك لأنك لا تُصدِّق وما إلى ذلك، لكن هذا فعلاً يحصل، هم عندهم هذا، فلماذا إذن؟ لماذا تسخر؟ يقولون لك، كيف تسخر من الأشياء هذه؟ كيف تسخر من مُجسَّم القضيب هذا؟ كيف؟ عيب عليك، استح! ينزعجون منك، أنت ارتكبت إثماً عظيم النُكرة، سوف تذهب في أسفل سافلين، لكن هذا عندهم عادي، هم يرون أن هذا شيئ مُقدَّس، وأنت تراه شيئاً غير مُقدَّساً وتقول ما الهبل هذا؟ لكنهم يقولون لكن لماذا تقول هذا هبل؟ البقرة تُوضَع عندهم ويأخذون البول الخاص بها ويشربونه من أجل التداوي، يأخذون الخراء – حاشاكم – ويتداوون به، ما القصة؟ يقولون لا، مُقدَّس هذا! هذا الشيئ أنت غير قادر على أن تفهمه، مساكين! فباسكال Pascal حين رأى هذا قال ما هذه القصة يا حبيبي؟ كل شيئ يُمكِن أن يكون أي شيئ تُريده، فتُصبِح الفضيلة رذيلةً والرذيلة فضيلةً والحق باطلاً والباطل حقاً، كل شيئ! فلا تُوجَد ضوابط، لكن لابد من وجود ضوابط لهذا كله فعلاً، فكلمة بليز باسكال Blaise Pascal هذه صحيحة، تاريخياً وأنثروبولوجياً صحيحة، هذا الذي يحصل! نقدر على أن نُؤلِّف كتاباً في الشيئ هذا، وهناك كُتب مُؤلَّفة عنه، وهي مشوقة جداً ولذيذة، سوف ترى الاختلافات والتنوعات الغريبة العجيبة، لكن هذا كله في النهاية يُؤكِّد ماذا؟ يُؤكِّد – سُبحان الله – ضرورة أن تكون هناك رسالة مُفارِقة لوعينا واستخلاصاتنا، لا أُريد كتاباً فلسفياً، لا أُريد! لا أُريد فهمك ولا فهمي، لا أُريد سقراط Socrates، ولا أُريد مارتن لوثر Martin Luther، أُريد شيئاً من عنده هو، ويثبت لي أن هذا من عنده وأن هذه أوامره وهذا كلامه.

بالمُناسَبة إذا أحببت أن تُعلِّم الله – أستغفر الله العظيم – وتُقدِّم بين يديه وتدّعي أنك فيلسوف على الله فهذا لن ينفعك، سوف يُضلِّلك بشكل زائد، وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ۩، عندهم نية دائماً ليُبرِزوا تناقضه، وأنت عندك نية أن تُبرِز قصوره، أنه غير كافٍ لك، كما قلت أمس في الخُطبة لا فائدة، نُصِر نحن المُسلِمين – سُنة وشيعة وغير ذلك – على أن القرآن غير كافٍ، لابد وأن نأتي بأشياء من عندنا، ولذلك نُغالِطه، لا فائدة! ونتعامل معه على أنه كتاب منقوص، جريمة كُبرى – أُقسِم بالله – هذه، جريمة وإلحاد في كلام الله، لكن لا! كما نقول اجعله الإمام، اجعله المُعلِّم، لا تُقدِّم بين يديه، تعلَّم منه ولا تُعلِّمه، أليس كذلك؟ وتلقَّن منه ولا تُلقِّنه، لا تتأستذ على رب العزة، وسوف ترى أن الأمور واضحة وبسيطة جداً جداً جداً، أتحدى أن تأتني بآية واحدة في كتاب الله – آية واحدة – تقول يجوز أن تذهب إلى نبي – إلى محمد حتى – وتستغيث به أو تدعوه أو حتى – أنا أقول لك – تتوسَّل به كأن تسأل الله بمحمد، ائتني بآية من كتاب الله تقول هذا! لكنك سوف تجد مئات الآيات – مئات الآيات وليس آية واحدة – كلها تترى وتتضافر كلها على تقرير حقيقة واحدة، الخشوع لله، الدعاء لله، العبادة لله، الرغبة في الله، الرهبة من الله، الطمع في الله، الاحتساب بالله، التوكل على الله، مئات! أليس كذلك؟ ما معنى هذا إذن ببساطة وبدون فلسفة؟ لا تُجنِّني من خلال أن تأتي بأحاديث وتقول هذه صحَّحها وهذه ضعَّفها وقال الطبراني وقال فلان، أصابوا الناس بالهبل يا أخي، والله العظيم! وفلان قال وفلان عمل، لا أُريد هذا، أنا أُريد كتاب الله، ما معنى هذا؟ واضح جداً جداً، أنت تتكلَّم عن شيئ من مُستوى مُختلِف تماماً فعامله كما يطلب هو بمُستوى مُختلِف تماماً بوضوح وببساطة من غير فلسفات، وسوف تجد أن التوحيد – ما شاء الله – استقر، وهذا مُريح للنفس والله العظيم، أُقسِم بالله! أنا عندي هذا أريح، وقلت في مرة سابقة – وبعض الناس ربما فهم عكس ما قصدت – ليس عندي – باستثناء رسول الله حين أذهب لكي أحج – رغبة في زيارة قبور الأولياء، وليس عندي حتى نية أن أذهب بشكل مخصوص لكي أزور قبر الرسول، ليس عندي هذا! الرسول حاضر في قلبي وفي فكري وفي عقلي – بإذن الله – دائماً، لكنني حين ذهبت هناك لم أره بصراحة ولن أقدر على أن أره ولن أقدر على لمسه بصراحة، لا أكذب عليك! هل تعرف ماذا ألمس؟ ما الذي ألمسه؟ مَن يقول لي؟ سوف نختم بهذا! ما الذي ألمسه؟ ما الذي تلمسه؟ أنا أقول لك ألمس أفكاري ومشاعري تجاه الرسول فقط، والله العظيم! حُبي له هنا ومعرفتي به وتقديري له وفكرتي عنه ودراساتي عنه هي التي أُحاوِل أن أسقطها هناك على هذا الضريح لأنني لا أرى، نحن لا نراه! نرى حديداً مُشبَّكاً ونرى شيئاً أخضر، لا نقدر على أن نراه وهم يمنعوننا، والأحسن أن يمنعونا بصراحة، بارك الله فيهم، والله بدأت – أُقسِم بالله – أقول هؤلاء الناس خدموا التوحيد بالطريقة هذه، والله العظيم! ونحن كنا نلومهم لأنهم يتشدَّدون قليلاً، لكنهم يفعلون هذا لأنهم يعرفون أن هؤلاء الناس الله أرسلهم في أمة – والعياذ بالله – ربما تُصبِح وثنية وتعبد القبور والأولياء، شيئ فظيع وكريه جداً جداً جداً، من أقبح ما يكون والله العظيم! فأقول بارك الله فيهم بسبب الشيئ هذا.

فأنا هناك أُسقِط على المكان وما إلى ذلك فكرتي، لو جاء رجل أسلم من يومين – لا يعرف شيئاً إلا أن هذا محمد بن عبد الله وأنه مُؤسِّس Founder الإسلام – لن يشعر بأي شيئ، سوف يقول لماذا هؤلاء يبكون وما إلى ذلك؟ ما القصة؟ ما الأمر؟ طبعاً نحن لا نُنكِر تنزلات الله، أي تنزلات رحمات الله وما إلى ذلك، لكن هذه التنزلات – أنا أقول لك – أيضاً لها علاقة بمُستواك، ومُستواك هو ما أعطاك إياه إيمانك ومعرفتك بالرسول، أليس كذلك؟ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ۩، الآن بالمُناسَبة لو بُعِثَ الرسول حياً هل تظن أنه كان  للصحابة شيئاً واحداً؟ يستحيل! الرسول لم يكن للصحابة شيئاً واحداً، كان يعني لأبي بكر شيئاً مُختلِفاً تماماً، أليس كذلك؟ ويعني شيئاً ثانياً لصحابي آخر ذهب وزنى فأخذوه ورجموه، أين هذا يا بابا؟ هل أبو بكر يزني؟ عبد الله بن حنظة قالت نافقت، أي أنا صرت مُنافِقاً! لماذا؟ قال يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، جُنَّ لأنه يُقبِّل زوجته ويلعب معها ومع أولاده وما إلى ذلك، فقال هذه مُصيبة، أنا مُنافِق! أبو بكر يا حبيبي معرفته بالله وبالرسول تختلف تماماً عن رجل يذهب لكي يزني أو رجل قتل، ألم يقتل بعض الصحابة؟ قتلوا أُناساً وزنوا وسرقوا الأموال واتهموا الناس بالباطل وكذبوا على الرسول وضلَّلوه، أليس كذلك؟ هذه حقيقة! ما هذا؟ يُوجَد فرق، فيجب أن نفهم هذا، لكن هناك مَن يظن أنه حين يذهب هناك سيخرج له الرسول من القبر ويُسلِّم عليه كما سلَّم على أحمد الرفاعي في الخُرافة، هذا كلام فارغ لا وجود له، غير صحيح، الله وفقط! 

أجل الحديث، أكرم الحديث، أعظم الحديث، أملأ الحديث، وأسعد الحديث ما كان عن الله، والله العظيم! ما كان عن الله، ثم بعده بمراحل عجيبة فلكية إلهية ما كان عن رسول الله، لا قياس! رقم اثنان، لكن أين الفرق؟ كالفرق بين الله وبين الرسول، هو هذا! لكن رقم واحد الله، لذلك أنا أقول لك بصراحة نحن لكي نتناغم مع خُطة التوحيد ومع القرآن ومع عظمة الله ينبغي أن يكون خطابنا وكتابنا وكلامنا وشوقنا وهمنا يتناسب بحسب المراتب هذه، أليس كذلك؟ فيُخَص الله بأعظم نصيب وقسم بصراحة، يكون مُعظَم كلامنا عن الله، كلامك الرسول كان عن ماذا؟ هل كان عن  نفسه؟ هل كان يقول أنا وأنا وأنا وأنا؟ أبداً، النبي عظمته أو بالأحرى جُزء من عظمته أنه كان يُفيض عظمة دون أن يعمل على تأكيدها، لم يكن عنده هم أبداً لتأكيد عظمته، لأنه عظيم فعلاً بالاصطفاء الإلهي وبالفطرة الخاصة به، عظيم الرجل هذا! لكن مَن ينتهز الفرص لكي يُؤكِّد عظمته لن يكون عظيماً، أليس كذلك؟ لكنه كان يُدندِن دائماً حول لا إله إلا الله، جاء أعرابي إلى رسول الله وقال يا رسول الله إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة مُعاذ، وإنما أسال الله الجنة وأعوذ بها من النار، فقال رسول الله حولها نُدندِن، نحن كل دندنتنا عن لا إله إلا الله، أي والله العظيم! أعظم الحقائق على الإطلاق هذه، هي حقيقة الوجود كله، ما رأيك؟ حقيقة كل الوجودات لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ليست بمعنى أن الله موجود، الله موجود لكن ليس هذا المقصود، لا إله إلا الله بمعنى أن الربوبية تقرَّرت، انتهى! تقرَّرت وحدة الربوبية، انتهى! وتقرَّرت الإلهية والآن لابد وأن تُقرَّر واحدية الإلهية وآحادية الإلهية، ليس أنه إله فقط، فهو واحد أحد، لا إله إلا هو! لا ينبغي أن يُشرَك معه أحد لا في كبير ولا في صغير بجهلنا، وأستغفرك لما لا أعلم، لأنني أجهل في بعض المرات وأنتقص من شرف ونزاهة وقدسية الإلهية بجهلي، ولذلك يُعلِّمنا النبي أن نقول هذا، فنستغفر الله مما لا نعلم لكننا نقع كثيراً في هذه الأشياء، فلابد أن نقوم بعمل هذه الخُطة المُتناغِمة مع هذه الصورة بمراتبها يا جماعة، والله العظيم! 

قلت مرة في درس لي عن الشيعة إن إخواننا الشيعة – مثلاً – دائماً ما أعتب عليهم، حين ترى كُتبهم تجد كُتباً كثيرة جداً جداً عن أهل البيت، أين كُتبكم عن رسول الله؟ أتحدى! أرني هذا، نحن عندنا الكُتب التي ألفَّوها، أرني هذا ! كم عدد الكُتب المُؤلَّفة عن رسول الله؟ هل تعرف لماذا؟ لأن عملياً – عملياً وليس بالدعوى، نظرياً الرسول رقم واحد بعد ذلك أئمة أهل البيت – هم يُحِبون أهل البيت أكثر من الرسول، لماذا؟ مشغولون بهم أكثر من الرسول، معنيون بهم أكثر من رسول، عملياً يا أخي! بيِّن وواضح يا أخي، انظر إلى دروسهم وما إلى ذلك، شيئ يُجنِّن! كلها عن أهل البيت والأئمة، أين الرسول؟ أين رب العزة يا أخي؟ هلكتمونا! حكيتم في مائة ألف مجلس عن الإمام عليّ عليه السلام، أعطونا مائة ألف مجلس عن رب العزة وعن عظمته وعن جلاله وعن جماله يا إخواني، قرَّبونا منه! لكن كلها عن البشر، بشر ترابهم أشرف منا لكنهم يظلون بشراً يا إخواني، أليس كذلك؟ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۩، الله يقول الرُسل حتى يوم القيامة تعزب عنها عقولها، كل رسول يعرف ماذا قيل له، من شدة الخوف بين يدي الله يقول لا أعرف، لا أعرف يا ربي، يقول له لا أعرف ما الذي حصل، لا يعرف! موقف مُخيف، هذا رب العزة يا حبيبي وليس الإمام، الأنبياء هذه تعزب عنهم في لحظة مُعيَّنة عقولهم من شدة الخوف يا جماعة الخير، هذا رب العزة يا أخي، هذا ليس أي كلام، نحن نتوثَّن! أنا شعرت فعلاً بأننا نتوثَّن، لذلك – سُبحان الله العظيم – أشعر أن فعلاً الدين الصحيح يُعنى بالله، رقم واحد وبنسبة تسع وتسعين في المائة، وبعد ذلك يأتي أي شيئ.

انظر إلى الإنجيل، كم حديثه عن المسيح؟ يكاد كله يكون عن المسيح، أليس كذلك؟ انظر إلى الأناجيل وانظر إلى القرآن، القرآن يكاد كله يكون عن الله، في كل شيئ الله، في التاريخ الله، في الحكايات الله، في القصص الله، كله! في العقوبة الله، في الإنعام الله، في النبوة الله، في الرسالة الله، في كل شيئ ربنا! في الأكل، في الشرب، وفي الجنس الله، في كل شيئ! أليس كذلك؟ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۩، وأنا أرى أن المُسلِم بالمُناسَبة الذي يتربى على القرآن من نعومة أظفاره – أُقسِم بالله – فعلاً يرى الله في كل شيئ، لأن القرآن يُريد منه أن يكون هكذا، هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ۩، اشتغل واكسب وسوف ترجع إلىّ، النشور والبعث لي والحساب عند، شيئ مُخيف! هذا في كل شيئ، في الرزق وفي العلاقات وما إلى ذلك، في كله! الله أمامك باستمرار، هذا هو القرآن، لأن هذا كلام الله، وهو يُترجِم عن الله، لا يُعنى بأن يُترجِم عن الرسول، والعكس يحدث في عدة مرات، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ۩، قال لهم رسول هذا وسوف يموت، إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ۩، فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ۩، آيات كثيرة جداً وكلها تدور على هذا المعنى، أنت سوف تذهب، هذه ليست قضيتك قال له، سواء انتصروا أو هُزِموا هذه ليست مسألتك، مسألتي أنا! أنت تفعل ما أقوله لك، ثم إنه يُخوِّفه ويُحذِّره، احذر من أن تذهب هنا أو هناك، لا تركن! لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ۩، شيئ مُخيف يا جماعة، هذا هو! 

ثم ترى عندنا مَن يسمون أنفسهم الصوفيين والشيعة وغير الشيعة يُحوِّلون رسول الله إلى مرتبة إلهية يا رجل، والأئمة والمشايخ أيضاً، يصيرون تسعة أعشار – أستغفر الله العظيم – آلهة، كلام فارغ كله هذا، القرآن لا يقول هذا! فأنا صار عندي دائماً هذا الهاجس وهذا الهوس، هوس رباني – إن شاء الله – محمود بإذن الله تعالى، القرآن هذا لابد أن يكون مُحكَّماً، لابد أن نُحكِّمه في كل شيئ وسوف نرى النتيجة، وهو الميزان بالمُناسَبة، هذا ميزان! مثل الترمومتر Thermometer ومثل الترموستات Thermostat وما إلى ذلك، ميزان نزن به كل شيئ ونقيس به كل شيئ، نعرف به حرارة كل شيئ كحرارة الإيمان وما إلى ذلك بالكتاب هذا! وسوف نجد أنه سوف يُنصِف، لكنه سوف يفضح أيضاً، سوف يفضحنا جميعاً وأنا أولكم، سوف يفضح مُعظَم الناس.

انظر – مثلاً – إلى نظرية القرآن في النجاة، مَن الذي ينجو؟ عملية ليست سهلة، والله مُخيفة أُقسِم بالله، كل الآيات التي تتحدَّث عن المغفرة وما إلى ذلك باستثناء آيات قلائل لا تُيئسك من رحمة الله تجد أنها كلها مُقيَّدة، أليس كذلك؟ تشترط الإيمان والتوبة والعمل الصالح وكذا وكذا وكذا، شيئ غير طبيعي! وهذا مع الإخلاص طبعاً والإحسان، هذه ليست عملية جُزافية! ورأينا أمس في الخُطبة مَن يقول لا، مَن يأتي عليه مِن غُبار زوّار الحسين سوف يدخل الجنة، انظروا إلى هذا الهبل! أنت يا سيدي فقط أحب أهل البيت وسوف ينتهي كل شيئ، عند إخواننا الشيعة عشرات الأحاديث الصحيحة التي تقول هذا، أحبونا ولا تخافوا، لكن كونوا مُسلِمين طبعاً، لا تكونوا كفّاراً، كونوا مُسلِمين وأحبونا، وسواء زنيت أو سرقت أو قتلت كل هذا مغفور، إلى الجنة ولن تمسك النار، كذب! والله العظيم كذب، والله العظيم لو أئمة أهل البيت فعلوا هذا للزم أن يُحاسِبهم الله، ما رأيكم؟ هذا كلام فارغ يا جماعة، ما الكذب هذا؟ أين هذا؟ نحن لا نتحدَّث عن هذا، ولذلك أنا اليوم كنت ضد العبث الذي يقول هذا صديق وهذا ولد وهذا والد وكل الكلام الفارغ هذا، هذا الله! ليس صديقنا وليس أباً حقيقياً لنا وهو ليس ابناً – أستغفر الله العظيم – لنا ولا معشوقة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يا أخي!

نشيد الأنشاد – نشيد الأنشاد في الكتاب المُقدَّس – يتحدَّث عن الله كمعشوقة، نسيت أنا أقول لكم هذا، لكن هذا موجود طبعاً، اقرأوا نشيد الأنشاد، على لسان سُليمان – عليه السلام – بن داود الله يُتحدَّث عنه في صفحات قبيحة وبذيئة جداً جداً، فيها ذكر للمني وذكر للفروج وذكر للنهود الجميلة التي هي مثل الرُمان، كلام من أقبح ما يكون! يتحدَّث عن الله بمجاز المعشوقة، المرأة المعشوقة! هذه قلة أدب، وهذا الذي يُسمي نفسه الشيخ الأكبر إذا كتب الكلام هذا فعليه من الله ما يستحق، هذا إذا كتبه! الله أعلم كتبه أو لم يكتبه، رحمه الله، فما نكح سوى نفسه، أستغفر الله العظيم! ما هذا؟ ما قلة الأدب هذه؟ ما الكفر هذا والوقاحة والسفالة البشعة؟ هذه سماعها بشع يا أخي، الحق حين تسمعه تجد أنه جميل، أليس كذلك؟ حين تسمعه ترتاح، الحق جميل يا أخي، القرآن ما أجمل كل آياته – والله العظيم – يا أخي، جميل جداً جداً! ما القباحة هذه؟ انظر إلى قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، ما أجمل الآية هذه يا أخي! فظيعة، انظر إلى الفرق بين قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩ وبين – أستغفر الله العظيم – فما نكح سوى نفسه، فمنه الصاحبة والولد! لعنة الله على هذا الكلام، لعنة الله على هذا الكفر السخيف السمج، هذا هو! هذا العبث، العبث بالدين! وأنا دائماً صرت أشعر بأن هذا كله عبث بالدين، والله العظيم! لأن الإيمان الحق يا جماعة يفرض على صاحبه بصراحة توقيراً لله، أول شيئ التوقير، والتوقير تنحل منه الخشية والمحبة، تصير هناك خشية وهناك محبة لكن في الأول هناك توقير، وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۩، توقير حقيقي! لأن مَن عرف الله وقَّره يا جماعة، النبي قال مَن عرف الله كلَّ لسانه، ما معنى هذا؟ الذي يعرف الله سيذكر لسانه في الليل والنهار الله، لن يقدر على السكوت، إلى أن يتعب وإلى أن ينتهي، لن يسكت! لن يصمت لحظة عن ذكر الله، انظر إلى هذا الحديث، مَن عرف الله كلَّ لسانه، تبدأ تذكر على مدار الأربع والعشرين ساعة، وأنت نائم حتى! لأن هذا شيئ كبير، أكبر كبير لا إله إلا هو، أما العبث به بالطريقة هذه باسم كذا وباسم كذا وباسم كذا فلا يجوز، أي دين هذا؟ وأي لعب هذا؟ ضللتم الناس، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ۩، وبعد ذلك بالذات السير إلى الله – أنا أقول لك والله العظيم – أوسع طريق وأضمن طريق بإذن الله تعالى، حاشا لله أن يُضِل امرأً يُريد أن يقترب منه، حاشا لله! حاشا لله أن يُعرِض عن مَن أقبل عليه، أليس كذلك؟ لا تُعقِّدوا الأمور علينا، لا تشترطوا علينا شروطاً غير موجودة، غير صحيح والله العظيم! 

فقط أري الناس من نفسك الصدق – أنك صادق وتطلبه بصدق، أنت تُريده بصدق – وسوف ترى العجب – الله العظيم – من ألطافه وعطائه، أُقسِم بالله! سوف ترى العجب، لأنه يُريد هذا، هو خلقك من أجل هذا، من أجل أن تعرفه وتتقرَّب إليه، وأن تُريد هذا، فإذن أنت وصلت، وصلت! الهندوس ألم يقولوا هذا؟ لكن نحن نقول هذا في سياق آخر، قالوا ما تُريده يُمكِن أن تصل إليه، وإذا تعلَّق الأمر بأكثر من هذا فسيكون عندك، انتهى الأمر! أنت وصلت إليه، كيف؟ سوف نرى هذا، ونحن نقول هذا أيضاً، نقوله هذا لكن مع الله وبطريقة أكثر تنزيهيةً بعون الله تبارك وتعالى.

أنا مُتأكِّد من خلف ومن وراء هذا الكلام – كلام العبد الفقير المسكين، أخوكم – في كل درس وفي كل مرة تصير عندكم مواجيد وأفكار وأشياء جميلة وطيبة، وربما هذا لأول مرة، تشعرون بها وتقتربون بها أكثر، أكيد! مائة في المائة، طبعاً! أنتم انظروا إلى هذا الإنسان المسكين، هذا الإنسان مسكين! هذا القلب يُمكِن أن يسع الله، ما وسعتني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المُؤمِن، لكن كيف وسع الله؟ على قدر هذا القلب، انتبهوا! على قدر الله لا شيئ يسعه، مُستحيل! لا شيئ يسعه، لا قلب نبي ولا قلب غير نبي، مُستحيل! لكن هذا القلب نفسه يُمكِن أن يُملى بحُب امرأة قبيحة وقد تكون حتى من الساقطات، أليس كذلك؟ وينتحر من أجلها، غبي!  هذا مُمكِن، ويُمكِن أن يُملى – حاشاكم – بحُب الفواحش أو بحُب المال، الدرهم! يتعبَّد من أجل الدينار والذهب والليرة، يُصاب بالهبل ويُصاب بالجنون من أجل هذه الأشياء، يا الله! أهذا مُمكِن إلى هذه الدرجة؟ مُمكِن! ويُمكِن ألا يملأه إلا حُب الله، فلماذا؟ لماذا لا نكون في الطريق الثانية؟ نقول لا، هذا القلب أثمن شيئ، روحي هذه أثمن شيئ أنا أُخاطِر به، ولا أرضى لها غير الله ثمناً وبدلاً، أليس كذلك؟ لله نعم، لغير الله لا، لا أُعطي روحي لغير الله، هذا الله وروحي له، وهذا لسان إبراهيم الخليل، أرأيت؟ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، كله! كله له قال، وهذا صحيح فهو له أصلاً في الواقع والحقيقة.

هل تعرفون لماذا الله اسمه الحق؟ أطلت عليكم! فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۩، الآن أُلهِمت هذا المعنى وأنا أتكلَّم، هل تعرفون لماذا؟ نحن قلنا هذا قبل ذلك، الحق هو الشيئ الثابت، حق الشيئ يُحِقه بمعنى ثبت، في النهاية أنت حين تأخذ بالحق وتقول بالحق وما إلى ذلك – أنا أقول لك – أنت لم تكتشف شيئاً ولم تختلق شيئاً ولم تفتر شيئاً، بالعكس! إذن ما الذي حصل؟ أنت تُقرِّر شيئاً كما هو فقط، هذا هو فقط! الحقيقة كما هي من غير اكتشاف ومن غير اختراع ومن غير زيادات ورتوش ما هي؟ كل شيئ لله، إِنَّا لِلّهِ ۩، أليس كذلك؟ ونحن مُعبَّدون له وهو معبودنا، نحن مخلوقون وهو خالقنا، هذه الحقيقة يا جماعة، لا نُكابِر فيها، هذه هي! لكننا لا نعيشها، أليس كذلك؟ ونُعرِض عنها ونتغافل عنها، حين نعيشها لا نكون أتينا بشيئ جديد، نكون رجعنا ووضعنا الأمر في نصابه فقط بصراحة، ليس أكثر من هذا! ولذلك الله يقول أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ۩، ما معنى أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ۩؟ كأن الله يقول لك أنت كنت تسير في طريق قلق، ليس هذا طريقك، القلب لا يُريد هذا، قال:

هوى ناقتي خَلْفِي وقُدَّامي الهوى                             وَإنِّي وَإيَّاهَا لَمُخْتَلِفَانِ.

تعرفون قصة المجنون قيس بن الملوح، ركب على ناقة وضعت فصيلها للتو، أخذها لأن المسكين يُريد ليلى، هو يُريد ليلى وهي تُريد الفصيل! فكانت تُغافِله، كلما نام وتعب قليلاً رجعت، فلم يقترب من ليلى وكان يقول لها ارجعي، ظل يُرجِعها وبعد ذلك قال هذا، قال:

هوى ناقتي خَلْفِي وقُدَّامي الهوى                             وَإنِّي وَإيَّاهَا لَمُخْتَلِفَانِ.

الشهوات عندك والحس والدنيا والمُجتمَع والضغوط تُريد الطريق هذا، لا تُريد طريق الحق، تُريد طريق الباطل، فتذهب إليه، لكن ما الذي يحدث لك؟ القلق والاضطراب، تشعر بوجود شيئ غير صحيح، هناك شيئ غير سليم، ولذا تضيع وتتوه في بعض المرات، أليس كذلك؟ الله سماه الضلال، هل تعرف ما الضلال؟ التيه والذوبان، تذوب وتتحلَّل شخصيتك، كالحجر – قالوا – الذي يسقط في النهر، هذا يُسمونه الضضلة، ضاع! من أين نأتي به؟ هذا حجر من مائة ألف حجر، أو ضل اللبن في الماء، تخيَّل! اللبن أو الحليب وضعته في الماء فذاب، والمعنيان خطيران! أول مرات الضلال أن تفقد الطريق، كالحجر الذي ذهب في قعر النهر، أليس كذلك؟ لكن هذا المفروض أن يكون حجر الزاوية، لابد أن يُوضَع في الزواية، لكنه ذهب في النهر وضاع، هذا ضلال! الأسوأ منه تحلل – Dissociation – الشخصية، تذوب الشخصية! إذا ذابت الشخصية فمن الصعب جداً جداً أن ترجع تُركِّبها، هذا يكون ضلالاً مُتقدِّماً والعياذ بالله، تقدَّم كثيراً الإنسان في هذا، ما عاد يقدر على أن يجتمع على نفسه، تشتَّت ويتمزَّق، تحلَّل وضل! الضلال هنا بمعنى الذوبان، ذابت الشخصية، وهذا معنى خطير في اللُغة، القرآن يستخدم الضلال، مثل ضل اللبن في الماء، تحلل وضاع، ما عدت قادراً على تجميعه، أخرج لي اللبن من الماء الآن، ضاع عليك هذا وفقدته، فالله قال لك إذا تركت الضلال هذا ورجعت إلى هذه الطريق فأنت تُحِق الحق فقط، أليس كذلك؟ أنت رجعت إليه، لا اكتشفته ولا اخترعته، هو هذا! ترجع فتشعر مُباشَرةً بالسكينة وبالراحة، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ۩.

وضعنا الآن غطاء على الطبق الخاص بها، نُسكِّر جيداً ونستقر هنا، هو هذا! هذا الذي نُريده، نُلقي عصا التسليم ونرتاح، لكن الناس المساكين لا يُجرِّبون هذا، يعيش الواحد منهم الضلال من خلال سُمعة الإيمان أو عنوان الإيمان، ويظن أنه يُمارِس الإيمان، لكنه لا يُمارِس الإيمان، ولذلك يبقى مُشتَّتاً مُمزَّقاً، أنا كثيراً ما أشعر بالأسى على إخواني المُسلِمين والله العظيم، أُقسِم بالله! انظروا إلى كلامي هذا، أحكي كلاماً كثيراً في الخُطب وفي الدروس، وهو كلام عميق – والحمد لله – وفيه أشياء طيبة، لكن لا أعرف لماذا أجد أقرب الناس إلىّ يتدابرون ويتباغضون ويتقاطعون ويتحاسدون ويغتاب بعضهم بعضاً ويُسيء بعضهم إلى بعض، ويحزن قلبي ويتمزَّق، أُقسِم بالله! لماذا؟ لأنني أعلم أنه ما ذاقوا شيئاً من هذا ولم يفهموا شيئاً منه، أقول أنا أُخاطِب بشراً أم أُخاطِب أحجاراً وجلاميد؟ لا شيئ إذن! لم يفهموا شيئاً، لماذا؟ ومن أجل من ماذا؟ بالعكس! أنا أتقرَّب إلى الله عبرهم، وأنت تقرَّب إلى الله عبر هؤلاء الناس، أعطهم ما يُريدون، إذا أرادوا المال فأعطهم إياه، في ستين داهية، مال ماذا؟ كلام فارغ كله، هذا المال لا ينبغي أن يكون له قيمة عندك، ما المال؟ كلام فارغ! أليس كذلك؟ لا تُفكِّر فيه، كم عمرك؟ يصل عمرك إلى أربعين سنة أو خمسين سنة أو ثلاثين سنة، كم يوم جُعت في حياتك؟ قد تقول لي في مرة أو مرتين جُعت قديماً، جُعت في مرة أو مرتين فقط عبر خمسين سنة! هل سوف تجوع الآن أو في السنوات القادمة عندك كبرك وضعفك؟ حاشا لله أن يتخلى عنك، لماذا؟ لماذا تتهمه باللؤم والعياذ بالله؟ هل الله لئيم؟ الله كان كريماً معك عبر خمسين سنة، ولا تزال تُعامِله على أنه لئيم! تقول إذا لم أجتهد وبخلت ومنعت وما إلى ذلك فسوف أضيع، هذا يعني أنك لئيم لأنك ترى الله من خلال نفسك، أليس كذلك؟ وفعلاً تجد مَن يُفكِّر هذا لئيماً، وتجد أن الكريم – سُبحان الله – المعطاء يُكرِمه الله ويزيده، لأنه يرى الله من خلال أيضاً تجربته، الكرم! يقول الله لن يُضيعني، لماذا يُضيعيني؟ مُستحيل أن يُضيعني، أليس كذلك؟ الله يُثبِت لنا الأشياء هذه، وهذه لا تزال أبسط ما نتلهى فيه، فنحن نحتاج إلى إعادة ربط علاقتنا بالله بشكل سليم يا جماعة، وهذا الشكل السليم ليس كلاماً وما إلى ذلك، كما قلنا هو تجربة وخبرة المعيشة، والله العظيم! والله سوف يتولاها برعايته وسوف يُثمِّنها ويُكبِّرها – بعون الله تعالى – ومن ثم سوف تنضح.

أعطانا الله وإياكم ذلك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: