الدرس السادس
تفسير سورة البقرة من الآية التاسعة والثلاثين بعد المائتين إلى الآية السادسة والخمسين بعد المائتين

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، الله صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا. 

۞ الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۞ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۞

أيها الإخوة:

بلغنا إلى قوله – تبارك وتعالى – الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۩، وتكلَّمنا بما تيسَّر على هذه الآية الجليلة، وفيها حديثٌ عن الخلع، ثم قال – تبارك وتعالى فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۩، قلنا أيها الإخوة كان للمُسلِمين قبل هاتين الآيتين أن يُطلِّق أحدهم زوجه ما شاء وأن يُراجِعها ما شاء حتى لو مائة مرة، ثم قُصِروا وحُصِروا في ثلاث طلقات، طلقتين منهما رجعيتين، والثالثة تبين منه، إذن يستطيع أن يُراجِعها إذا طلَّقها الأولى ويستطيع أن يُراجِعها إذا طلَّقها الثانية، فإن طلَّقها الثالثة قال تعالى: فَإِن طَلَّقَهَا – يعني الثالثة – فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ – للمُطلِّق – حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۩.

أيها الإخوة:

فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۩ بنكاحٍ شرعيٍ صحيحٍ وبدخول، العقد وحده ليس كافياً، والأحاديث الصحيحة صريحةٌ في هذا المعنى، الأحاديث الصحيحة صريحة في هذا المعنى وفي هذا الشرط، فقد أخرج الإمام مُسلِم وغيره عن أم المُؤمِنين عائشة – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – سُئل في امرأةٍ طلَّقها زوجها ثم تزوَّجها رجلٌ آخر ولم يدخل بها، فإن طلَّقها – أي الزوج الثاني – هل تحل للأول؟ قال لا حتى يذوق عُسيلتها، كن عن الجماع بالعُسيلة، نسبةً إلى العسل، وأما التأنيث – التاء، قال عُسيلتها – فهذا بتضمين قطعة عسل، كأنه شبَّه الجماع بأنه قطعة عسل، هذا سر التأنيث في العُسيلة، على كل حال كناية عن الجماع، قال لا حتى يذوق عُسيلتها، يجب الدخول، العقد وحده ليس كافياً، وفي الصحيحين أيضاً من حديث زوجة أو زوج رفاعة القرظي – وهو حديث مشهور جداً ومُتداوِل، أي سائر هذا الحديث، هذه زوجة رفاعة القرظي، فهو من بني قريظة – جاءت إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقالت يا رسول الله كنت تحت رفاعة فطلَّقني فتزوَّجني عبد الرحمن بن الزُبير وليس معه أو عنده إلا مثل هُدبة الثوب، وأخذت هُدبة من ثوبها وقالت مثل هذه، كناية عن ضعفه وعدم انتصابه وصغر عضوه، أحد الصحابة كان بالباب فخجل جداً، فقال ألا تنهوا هذه؟ انظروا ماذا تقول لرسول الله، ما هذه الجراءة العجيبة؟ تتكلَّم بشكل واضح وصريح! يقول الرواي ورسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا يزيد على التبسّم، يتبسَّم من جراءة هذه المرأة، لكن هي امرأة فصيحة ومنطيقة، كنت عما هو في الواقع بأسلوب أديب، قالت وليس معه أو عنده إلا مثل هُدبة الثوب، كناية قوية جداً، فقال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – تُريدين أن تعودي إلى رفاعة؟ هي لا تُريد أن تعيش مع عبد الرحمن بن الزُبير، طبعاً واضح من شكواها أو من شكاتها أنه لم يدخل بها، ابن الزُبير ضعيف، ربما يكون عنيناً، على كل حال هذه ليست تُهمة، لأن هذه الحادثة تكرَّرت ثلاث مرات، وفي مرتين كان المُتهَم هو عبد الرحمن بن الزُبير، وفي روايات أنه أنكر ذلك وكان عنده الولد، وقال بل نفضتها يا رسول الله نفض الكساء لكنها تكره وتُريد أن تعود إلى زوجها الأول، كاذبة! تكذب، لست بالرجل الضعيف، على كل حال الله أعلم، قد يكون من كيد النساء، الله أعلم، تُهمة كبيرة طبعاً وصلتنا بعد ألف وأربعمائة سنة على كل حال، فقال النبي عليه الصلاة وأفضل السلام – تُريدين أن تعودي إلى رفاعة؟ قالت نعم، قال لا حتى يذوق – يعني عبد الرحمن بن الزُبير – عُسيلتكِ وتذوقي عُسيلته، يجب!

لا يُمكِن للمرأة المُطلَّقة ثلاثاً – ثالثة طلقاتها – أن تعود إلى الأول بمُجرَّد العقد الصحيح على آخر، بل لابد من الدخول، هذه أحاديث صحيحة صريحة في هذا الحُكم، وكل ما قيل خلاف ذلك هو نوع من العدوان على هذه النصوص، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

إذن هذا معنى حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۩، لأن النكاح في لُغة الشرع يُطلَق على العقد كما يُطلَق على الدخول، هنا يُراد به ماذا؟ كلا الأمرين: العقد مع الدخول، لابد من العقد مع الدخول طبعاً، فَإِن طَلَّقَهَا ۩، أي الزوج الآخر الآن، فَإِن طَلَّقَهَا ۩، أي الزوج الآخر، فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۩، هي والزوج الأول، هذا معنى فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۩، إن طلَّقها الآخر فلا جُناح عليها ولا جُناح على زوجها الأول الذي أبت طلاقها، أَن يَتَرَاجَعَا ۩، يخطبها، يتقدَّم إليها في الخاطبين، هو واحد من الرجال يُعتبَر الآن، هو واحد من الرجال العاديين فيتقدَّم إليها مع مَن يتقدَّم، فإن قبلت به الله يقول جائز، لا يُوجَد جُناح ولا يُوجَد إثم أن تعود إليه وأن يعود إليه، إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۩، لماذا؟ لأن الطلاق أصلاً كان بسبب ماذا؟ المُشاقة، وبسبب تعنت أحد الطرفين أو كليهما، فالآن إذا غلب على ظنهما وظنا أن الخير في العودة عادا، وهذا يُؤكِّد أن الظن كما هي القاعدة الشرعية وخاصة الظن الغالب كافٍ ومُجزيء في كل الأحكام العملية، حتى في العبادات، حتى في الطهارات، حتى في هذه الأحكام، أحكام النكاح مثلاً، وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۩.

۞ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۞

وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۩، هنا عبَّر – تبارك وتعالى – بقوله فَبَلَغْنَ ۩ عن المُشارَفة وليس عن البلوغ حقيقة، أي فشارفن أن يبلغن نهاية العدة، هنا قد يقول لي أحدكم من أين أتيت بالكلام هذا؟ بدليل قوله فَأَمْسِكُوهُنَّ ۩، لو بلغت حقيقة لا تستطيع أن تُمسِكها، حتى لو كانت طلقة رجعية واحدة وطلَّقتها وانقضت العدة تبين منك بينونة صُغرى، ولا تحل لك بعدُ إلا بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ جديدٍ، أي زواج جديد بالكامل، وهذا إذا رضيت، أنت الآن واحد من الرجال أيضاً، هذه بينونة صُغرى، أنت واحد من الرجال، هل هذا واضح؟ إذن قوله – تبارك وتعالى – فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۩ قرينة ذكرية، قرينة مذكورة في النص تُؤكِّد أنه أراد بقوله فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ۩ أي فشارفن، أي أن العدة في آخر أيامها، بقيَ منها قليل، نزر يسير جداً، الآن إذا أردت أن تُعيدها إلى عصمة النكاح وأن تتقي الله وتُريد أن يُؤدَم بينكما وأن تستمر الحياة على وفاق فلا بأس، وإذا أردت أن تُسرِّحها فسرِّحها أيضاً بمعروف، سرِّحها بمعروف من غير عدوان ومن غير بغي.

وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ ۩، ليس في نيتك أن تُمسِكها لكي يُؤدَم بينكما ولكي تعيشا في معروف ووفاق، وإنما تُريد فقط المُضارة بها، ما معنى المُضارة بها؟ تُريد تطويل المُدة عليها، أنت لا تُريدها زوجة، لكن تقول هذا جيد، هذه أول طلقة وسأُعيدها، وبعد فترة سأُطلِّقها الثانية، وقبل أن تنقضي العدة سأُعيدها، وهكذا! بعد الثالثة فلتذهب في أمان الله، أي أنك طوَّلت عليها المُدة، وأنت بين ذلكم أو بين ذلك ربما تسومها الخسف والذل والمُعامَلة السيئة، فهذا لا يجوز، بهذه النية لا يجوز، قال تعالى مُحذِّراً مُتوعِّداً وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۩، بماذا؟ بتجاوز حدود الله، سمى الله هذه الأحكام حدوداً، حدود هذه حدها الله، لابد أن تُراعى، إذن على كل زوج مُسلِم وعلى كل زوجة وامرأة مُسلِمة أن تُدرِك أن المُعامَلة محوطة ومضبوطة بماذا؟ بحدود إلهية، العدوان عليها وتجاوزها إثمٌ عظيمٌ، ليست مسألة كما يُصوِّر بعض الناس لهم هواها أنها مسألة شخصية ويقول الواحد منهم أنا حر في زوحتي وما إلى ذلك، لا! هذا غير صحيح، هناك حدود لابد أن تُراعى كما تُراعى سائر حدود الله بل هي من أعظم حدود الله.

قال تعالى وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۩، يُقال هذه الآية نزلت في رجل طلَّق زوجه ثلاثاً دُفعة واحدة، والله قال الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ۩، أي مرة بعد مرة، هكذا! في قُبل العدة كما بيَّن النبي في حديث ابن عمر الصحيح وغيره، فغضب النبي، أُخبِر النبي بأن فلاناً طلَّق زوجته ثلاثاً دُفعة واحدة، فغضب النبي وقام – قام كما نقول على حيله – غضبان غضباً شديداً، ثم عاد فقال أيُلعَب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ هذا لعب، الله لم يُشرِّع لكم أن تُطلِّقوا على هذه الكيفية أو بهذه الطريقة، حتى قال – لما رأى هذا القائل من غضب رسول الله وشدة موجدته – يا رسول الله أفلا أضرب عُنقه؟ أنقتله ونُخلِّصك منه؟ أي أن هذا ذنب عظيم، فلا يجوز أن تقول أنتِ طالق بالثلاث، أنتِ طالق طالق طالق، وكلما تحلي تحرمي، لا تجوز العنجهية هذه في الدين، ينبغي أن نحترم حدود الله تبارك وتعالى، تُطلِّق بحسب ما رسمت لك الشريعة، هذا حق أعطاك الله – تبارك وتعالى – فلابد أن تحترمه وأن تستخدمه كما رسم الله وحد سُبحانه وتعالى.

وذكرت لكم أمس حديث الأشعريين، حين غضب النبي على الأشعريين وسمع أبو موسى الأشعري بذلك فجاء مُشفِقاً على قوله وقال يا رسول الله بلغني أنك غضبت على الأشعريين، قال نعم، يقول أحدكم طلَّقت وراجعت، طلَّقت وراجعت، ليس هذا بطلاق المُسلِمين، طلِّقوا النساء في قُبل عدتهن، أي – كما قلنا – في طهرٍ لم يمسسها فيه، هذا معنى في قُبل عدتهن، وهذا هو التطليق للعدة المذكور في سورة الطلاق، هذا معنى التطليق للعدة.

وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۩، أي يأمركم وينهاكم، يعدكم ويتوعَّدكم، وفعلاً من فضل الله أن شرع لنا هذه الأحكام وبيَّن لنا هذا البيان وفصَّل لنا هذا التفصيل وأزال كل شُبهة، فله الحمد والمنّة.

۞ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ۞

وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۩، سواءٌ كانت المرأة بائنة من زوجها بينونة صُغرى أو بينونة كُبرى لكن حلت له بزواج من آخر والرجل أحب أن يعود إلى زوجه وهي أيضاً هَويَت أن تعود إليه لا يجوز للأولياء أن يمنعوا المُوليات أو الولايا كما نقول – الولايا كلمة فصحى وكلمة عامية عندنا في عامية الشام يقولون ولايا عن النساء وهي كلمة فصحى تماماً أو المُوليات، أي التي في ولاية الأولياء، فلا يجوز للأولياء أن يمنعوا الولايا أو المُوليات من ماذا؟ – من أن يعدن إلى أزواجهن إذا هَوِينَ ذلك، أي أحببنَ ذلك، هَوَين تعني وقع من فوق، هَوِينَ تعني أحببنَ، يُوجَد فرق بين هَوَى وهَوِيَ، وهَوِيتُ وهَوَيتُ، هَوَيت نزلت من فوق، هَوِيت أحببت، فلا يجوز للأولياء أن يمنعوا الولايا أو المُوليات من أن يعدن إلى أزواجهن إذا هَوينَ ذلك.

هذه الآية أيها الإخوة الأفاضل والأخوات نزلت في معقل بن يسار المُزني، والحديث في البخاري، أي الحديث في صحيح البخاري، أخته – كان له أخت – طلَّقها زوجها حتى انقضت عدتها، طبعاً هنا بينونة صُغرى على ما يبدو، لم يُطلِّقها ثالث طلقاتها، طلقة أولى أو ثانية، المُهِم حتى انقضت العدة، فبانت منه بينونة صُغرى، إذن لا تحل إلا بنكاح جديد، فجاء الرجل يطلب يدها من جديد، فقال له لا، لا والله لا أُزوِّجك إياها أبداً وآخر ما أنت عليه، أي أبد الدهر، لا يُمكِن، انتهى! وهي هَوِيت أنت تعود إلى زوجها وهو أيضاً هَوِيَ أن تعود إليه، عند الإمام الترمذي بزيادة: قال له يا لُكع أكرمتك وزوَّجتك أختي ثم طلَّقتها حتى انقضت عدتها، والله لا أُزوِّجك إياها أبداً، لا يُمكِن، انتهى، لا يُوجَد أمل، وعلم الله – تبارك وتعالى – أنها تهوى أن تعود إليه وأنه يُحِب أن يعود إليها فأنزل هذه الآية: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ۩، إذن قال الله وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ۩، هنا ما معنى أَن يَنكِحْنَ ۩؟ أن يعدن إلى نكاح أزواجهن مرة أُخرى بعد انقضاء العدة، إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۩ فسمعها معقل بن يسار، قال سمعاً وطاعةً لربي، انظر إلى هذا، كانوا وقّافين عند كلام الله، انتهى الأمر، هذه آية قرآنية، قال سمعاً وطاعةً لربي، ثم جاء الزوج فقال له أُزوِّجك وأُكرِمك، زاد أبو بكر بن مردويه – رحمة الله تعالى عليه – وكفَّرت عن يميني، وذكرنا أمس موضوع التكفير عن اليمين، قال وكفَّرت عن يميني، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ ۩، مَن كَانَ مِنكُمْ ۩ أيها الناس، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ۩، ويعلم أنه موقوف بين يدي الله غداً، مُحاسَب على القطمير والنقير، ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۩، أطهر لقلوبكم مُتابَعة أوامر الشرع والوقوف عند حدود الله.

۞ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلادَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۞

وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۩، هذا ظاهره الخبر وباطنه الإنشاء، أي عليهن إما وجوباً وإما ندباً، طبعاً والأرجح أنه ليس واجباً، لكن هو ظاهره الخبر وباطنه ماذا؟ الطلب، وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۩، أي كأنه قال على الوالدات أن يُرضِعن أولادهن حولين كاملين، وإلا الصيغة خبرية، وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۩، كان السلف الصالحون لا يستحبون إرضاع الطفل بعد الحولين، ويقولون هذا يُؤثِّر على عقله وخُلقه، رأى أحد كبار التابعين امرأةً تُرضِع ابنها وأُخبِر أنه فوق الحولين فقال لا تُرضعيه، افصليه، ليس جيداً له، سُبحان الله حتى عند العامة الآن في بلادنا يظنون أن الطفل الذي يُرضَع فوق سنتين يخرج عنيداً شديد العناد، بالتجربة! هذا من علم الناس العوام الذي أُخِذ بالتجاريب، وقد يكون صحيحاً، الله قال حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۩، فيهما الكفاية،  لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۩، هذه هي الرضاعة التامة التي تفتق الأمعاء وتُنبِت اللحم وتُنشِز العظم وتقي من المجاعة كما قال عليه الصلاة وأفضل السلام، وطبعاً أنتم تعلمون أن الرِضاع أو الرَضاع – يُقال رِضاع ورَضاع، كلاهما صحيحان – المُؤثِّر الذي يُؤثِّر تحريماً ويحرم منه ما يحرم من النسب هو الذي يكون في الحولين عند الجماهير وخالف أبو حنيفة كما ذكرنا في درس سبق “درس السبت”، قال لا، سنتان ونصف، لماذا؟ احتج بآية وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ ۩، وعنده طريقة في فهم هذه الآية، لكن المُهِم أن الجماهير يرون أن الرضاع المُؤثِّر هو ما كان في الحولين، ما كان بعد الحولين كما عند الترمذي فليس بشيئ عن ابن عباس، قال ما كان بعد الحولين فليس بشيئ، لا يُحرِّم، وخالف في هذه المسألة أمنا عائشة – عليها الرضوان والرحمة الصدّيقة الكُبرى – وأيضاً عطاء بن أبي رباح – مُفتي أهل مكة أو مُفتي مكة – والإمام الليث بن سعد – أبو الحارث وهو إمام أهل مصر في وقته – رحمة الله تعالى عليهم أجمعين، فرأوا – هؤلاء الثلاثة رأوا – أن رضاع الكبير يُؤثِّر، عائشة كانت تحتج بحديث سالم مولى أبي حُذيفة، تعرفون سالم فهو من القرأة الكبار، من قرّاء القرآن الكريم وهو إنسان من الأولياء الأتقياء وجهاده في اليمامة معروف ومُقرَّر، على كل حال سالم مولى أبي حُذيفة هو مولى وكان أبو حُذيفة يعده كابنه وكذلك زوجة أبي حُذافة، لكن طبعاً هو ليس ابناً صُلبياً، لكن يدخل ودائماً هي لابد أن تأخذ كما يُقال الحيطة وما إلى ذلك، فضاق عليها، فذُكِرَ ذلك للنبي فقال أرضعيه يُصبِح كابنك، مع أنه كبير، شاب بالغ، فعائشة احتجت بهذا الحديث، وكانت تقول للنساء – أي اللاتي يتعرضن لمثل هذا الموقف – أرضعيه، إذا كان هناك رجل له علاقة خاصة أو شاب بالعائلة وما إلى ذلك يُمكِن أن تُرضعيه، تعطيه من حليبك قليلاً فيُصبِح كالابن من الرضاعة ويحرم عليكِ وإلى آخره، أمهات المُؤمِنين – أم سلمة وزينب وكل أمهات المُؤمِنين – خالفن السيدة عائشة في هذه المسألة، عائشة لم تكذب – وحاشاها – على رسول الله، هذا حصل، ورسول الله أعطى هذه الرُخصة، لكن هنا طريقة الاستنباط والنظر إلى هذا النص فيه اختلاف، أي زاوية النظر، أمهات المُؤمِنين الأُخريات كن يرين أن هذا من الخصائص وليس حُكماً عاماً للأمة، ليس حُكماً عاماً في المِلة، إنما هو فقط من الخصائص، أي يختص بمَن؟ بسالم مولى أبي حُذيفة وهذا الصحيح، هذا هو الصحيح، وهذا رأس الجماهير، ولذلك لم يقل بتأثير رضاع الكبير إلا عائشة وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد فقط، وجماهير علماء الأمة قالوا الرضاع المُؤثِّر ما كان في الحولين، أخرج الترمذي وقال حديث حسن صحيح: قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – الرضاع الذي يُحرِّم الأمعاء في الثدي وكان دون الحولين، ما معنى في الثدي؟ أي في فترة الرضاع، وفترة الرضاع حددها النبي مرة أُخرى للتوضيح، قال وكان دون الحولين، في الحديث الصحيح الذي تعلمونه – بالقطع سمعتموه – قال إن إبراهيم مات في الثدي، وإن الله – تبارك وتعالى – اتخذ له مُرضِعاً في الجنة، ما معنى إن إبراهيم – عليه السلام – مات في الثدي؟ أي مات في فترة الرضاع، وكان ابن ستة أو سبعة عشر شهراً، عمره عليه السلام، فهذا هو، في الصحيحين أيضاً عن عائشة قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – انظرن إخوانكم فإنما الرضاعة من المجاعة، إذن قال انظرن إخوانكم، طبعاً كثير من الناس يدّعون أن هذا أخي وهذا أخي وهذا أخي، النبي قال انتبهوا، ليس كل مَن رضع معك تقول عنه هذا أخي من الرضاعة، الرضاعة من المجاعة، ما معنى هذا؟ بم فُسِّر هذا القول الكريم؟ أي في فترة الرضاعة فعلاً التي لا يستقل ولا يستطيع أن يستقل فيها الرضيع عن لبن أمه، هو أكثر شيئاً يُمكِن أن يكون غذاءً كاملاً له، إنما الرضاعة من المجاعة، وهذا في الصحيحين، والله تعالى أعلم.

بالمُناسَبة – سُبحان الله – أحببت قبل أيام – ولكن دائماً أنسى – أن أقول أخي إبراهيم سألني سؤالاً عن لبن الفحل في درس سبتي، وقلت له الجواب، وبحمد الله كل ما ذكرته هو صحيح إلا في شيئ واحد أخطأت وأستغفر الله تبارك وتعالى، هو سألني لو زوج المُرضِع تزوَّج امرأة أُخرى ولم تُرضِع هذا الطفل أو الطفلة هل أيضاً يُعتبَر أولاده من الزوجة الأُخرى إخوة وأخوات لهذا؟ أنا قلت ليسوا إخوة وهذا الكلام غير صحيح، المذاهب الأربعة وهم يقولون بلبن الفحل ورأي الجماهير على لبن الفحل قالوا يُعتبَرون أيضاً إخوة وطردوا القاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب  حتى في هذه الصورة وأستغفر الله تبارك وتعالى.

وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، مَن هو المولود له الآن هنا؟ الأب، الأب إذا كان قد طلَّق زوجه وهي تُرضِع ابنه فلابد أن يُعطيها أجر الرضاعة، النفقة والكسوة! بِالْمَعْرُوفِ ۩، أي بحسب عُرف الناس.

لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ۩، كما قال أيضاً في الطلاق لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۩، قال الله وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ۩.

لاَ تُضَارَّ ۩، ما الفرق بين لا تُضارُ “بالضمة” وقوله لاَ تُضَارَّ ۩ “بالفتحة”؟ لاَ تُضَارَّ ۩ هنا نهي، ممنوع! الله ينهى الوالدة أن تُضار بولدها، كيف تُضار الوالدة بولدها؟ تُمسِكه وتمنعه من أبيه مُضارَةً بالأب، وهذا لا يجوز، كذلك الأب لا يجوز له أن يأخذ الطفل ويُمسِكه ويمنعه من أمه مُضارَةً بالأم، لا يجوز، والضحية في الحالتين مَن هو؟الطفل الرضيع، لا يجوز، لذلك قال لاَ تُضَارَّ ۩، لو قال لا تُضارُ لكانت هذه الـ (لا) نافية، لكن هذه الـ (لا) ناهية، هذا الفرق بين لا تُضارُ “بالضمة” وقوله لاَ تُضَارَّ ۩ “بالفتحة”. 

لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ – أي الأب – بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ ۩، طبعاً لاَ تُضَارَّ ۩ جملة اعتراضية أيضاً حتى نفهم الآية، ثم قال بعد ذلك وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ۩، أي على وارث الولد، إذا لم يكن له أب فله وارث، أليس كذلك؟ أياً كان هذا الوارث، يجب عليه ما كان يجب على الأب من النفقة والكسوة بالمعروف، هل هذا واضح؟ هذا معنى وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ۩.

فَإِنْ أَرَادَا ۩، يعني الوالدين، أي الأب والأم، فِصَالاً ۩، ما معنى فِصَالاً ۩؟ ليس فصال الزوجية وإنما الفطام، إذا أراد الأب والأم أن يفطما الطفل قبل الحولين، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ ۩، ليس مُضارَةً وإنما الاثنان يُريدان عن تراض وتشاور، وظاهر هذه الآية كما قال العلماء والمُفسِّرون أنه لا يجوز لأحدهما أن يستقل بأخذ القرار، كأن يقول الأب أنا قرَّرت أن الطفل سنفطمه بعد سنة، لا يجوز، لابد أن يكون أيضاً برضا الزوجة، كذلك الأم لا يجوز لها أن تفعل ذلك إلا برضا الأب، هذه مسألة مُشترَكة، طبعاً ونظر الاثنين – نظر الوالدين للطفل – خيرٌ من نظر أحدهما، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۩.

وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلادَكُمْ ۩، ما معنى وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلادَكُمْ ۩؟ تُريد أن تأخذ الابن وأن تُعطيه لامرأة أُخرى لتُرضِعه وليس المُطلَّقة، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۩، إذا أعطيتم الزوجة الأولى ما يجب عليها من الكسوة والنفقة بِالْمَعْرُوفِ ۩، أي سويتم الحساب، إذا سويتم الحساب وكل شيئ كان تماماً يُمكِن أن تأخذوا الطفل وتُعطوه لامرأة أُخرى لتُرضِعه.

۞ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ۞

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۩، شرحناها أمس تقريباً، قلنا هذه الآية في العدة، في عدة المُتوفى عنها زوجها، كل مَن تُوفيَ عنها زوجها – انتبهوا – سواءٌ قبل الدخول أو بعد الدخول – قبل الدخول أو بعد الدخول، مُسلِمة أو غير مُسلِمة، من ذوات الحيض أو مِمَن انقطع الحيض أو صغيرة لم تحض أصلاً وإلى آخره، المُتوفى عنها أزواجها، كل المُتوفى عنهن أزوجهن عدتهن ماذا؟ – عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام إلا الحامل فعدتها أن تضع حملها، فقط هذه الحالة الاستثنائية الوحيدة، وخالف فيها الإمام عليّ – عليه السلام – وتابعه ابن عباس وقيل أن عليّاً عاد عن ذلك والله أعلم، فكان يقول بأبعد الأجلين، إن كان الأبعد أربعة أشهر وعشر اعتدت به، إن كان الأبعد الحمل – أي وضع الحمل – اعتدت به، والصحيح الأول، والأحاديث الصحيحة أيضاً الثابتة والتي لا تقبل التأويل تُؤكِّد القول الأول وهو قول جماهير أهل العلم أيضاً، أن الحامل عدتها وضع الحمل، انتبهوا! الآن أن تكون عدة الحامل وضع الحمل ليس فقط خاصاً بمَن تُوفيَ عنها زوجها بل بكل حامل، تُوفيَ عنها زوجها أو طُلِّقت وإلى آخره، أي حامل عدتها وضع الحمل، هل هذا واضح إن شاء الله تعالى؟ وعموماً هذه الآيات – كما قلت أمس – مع آيات سورة الطلاق نستطيع أن نُلخِّص وأن نستخلص منهن أحكام العدد، فهناك عدة بالأقراء وهناك عدة بالشهور وهناك عدة بوضع الحمل، أليس كذلك؟ واضح فقط في هذه الآيات وفي آيات سورة الطلاق.

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ۩، قيل المُخاطَب هنا الأولياء، أولياء هذه المُتوفى عنها زوجها، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، كناية عن ماذا هذا؟ أنها تزيَّنت للخطاب، أي تُريد أن تُظهِر زينتها وما إلى ذلك لكي تُخطَب، أي أنها تُريد النكاح، الله قال  فَلاَ جُنَاحَ ۩، لماذا؟ انقضت فترة العدة والحداد، وكما قلنا أمس أيضاً في الأحاديث الصحيحة لا يحل لامرأة تُؤمِن بالله واليوم الآخر أن تُحِد على ميتٍ أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، أي أن تُحِد أربعة أشهر وعشراً، وسوقنا فيه حديث زوجات رسول الله، أعني أم حبيبة وزينب بنت جحش، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ۩.

۞ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ۞

وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء ۩، ما هو التعريض؟ ما هو التعريض بخِطبة النساء؟ التعريض بالخِطبة – أي خِطبة النكاح، والجُمعة خُطبة اسمها، خُطبة المنبر اسمها خُطبة “بالضم”، وخِطبة النكاح اسمها خِطبة “بالكسر”، هذا الفرق، يخطِب ويخطُب، يخطُب الناس ويخطِب المرأة، على كل حال ما معنى التعريض بالخِطبة؟ – يعني ألا تقول لها أُريد أن أتزوَّجكِ، ممنوع! ولكن تُعرِّض بالكلام، أي تأشيرات وإيماءات بعيدة بعيدة، كأن تقول – مثلاً – والله أنا أتمنى أن يرزقني الله امرأةً صالحةً من أوصافها كذا وكذا، وهي فيها هذه الأوصاف، أليس كذلك؟ الرجل – والله – يا جماعة لا يستطيع أن يعيش بغير زوجة، كم هي شاقة العزوبة! تُسمِعها كلاماً وترمي لها كلاماً لكي تفهم أنك ترغب في خِطبتها، هذا اسمه تعريض.

باختصار حتى لا نُطوِّل مَن هي التي يجوز التعريض بخِطبتها ومَن هي التي لا يجوز؟ تُوجَد قاعدة منطقية هنا، منطقية! المبتوتة التي لا تحل لزوجها الأول والمُتوفى عنها زوجها هذه التي يُعرَّض بخِطبتها، أليس كذلك؟ انتهى الأمر! لكن أما الرجعية فيحرم حتى التعريض بخِطبتها، فضلاً طبعاً عن التصريح، كأن تأتي إلى امرأة رجعية – أي يُمكِن في العدة أن يُراجِعها زوجها – وتقول لها فليذهب – والله – إلى ستين داهية، ماذا رأيتِ منه؟ أنا – إن شاء الله – مُستعِد لأن أتزوجكِ، أنا سأُعطيكِ كذا وكذا، ممنوع! هذا حرام، وقد أجمع العلماء على أن العقد في العدة غير صحيح ومُحرَّم، أيضاً أجمعوا على أن التصريح بالخِطبة في العدة مُحرَّم، إثم كبير، لا يجوز! إذن بالمنطق يجوز للمبتوتة، لماذا؟ لأن انتهى الأمر، انقطع أمل الذي بت طلاقها منها، انتهى! هي لن تتزوَّجه الآن، الآن الفرصة ليست له وإنما لغيره، وأنا واحد من هذا الغير، فأُريد أن أُعرِّض، أليس كذلك؟ حتى لا تسبقني بنفسها، كيف حتى لا تسبقني بنفسها؟ بمعنى أن تُعطي كلمة لرجل آخر فيما بعد أو تربط نفسها عاطفياً برجل ثانٍ، فحتى لا تسبقني بنفسها أنا أُعرِّض لها، أي “تلطيش كلام” كما يُقال، من بعيد لبعيد إيماءات وما إلى ذلك، فهذا مُمكِن، وكذلك التي تُوفيَ عنها زوجها، تُوفيَ وانتهى الأمر، هل هذا واضح؟ إذن بالمنطق هذا المسألة لا تُنسى، الرجعية لا يُعرَّض بخِطبتها، المبتوتة والمُتوفى عنها زوجها هما اللتان يُعرَّض بخِطبتهما، هذا معنى التعريض. 

أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۩، ما معنى هذا؟ الزواج، أي نية الزواج، قال تعالى عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ۩، ما معنى هذا؟ ليس لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ۩، حال هنا، بعض الناس يظن أنها حال، أي لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ ۩ في حال الإسرار بالموعدة، غير صحيح! الصحيح هو لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ ۩ أمراً سراً، هذه صفة لمحذوف، أمراً سراً، أي أمراً خفياً، ما هو هذا الأمر؟ الزواج، كأن تقول لها توكلي بيني وبينك وسوف أتزوَّجكِ، ممنوع الله قال، حرام هذا، التعريض جائز لكن أن تُصرِّح لها هكذا بالنكاح بينك وبينها لا يجوز، هذا معنى وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ۩، قال الله إِلاَّ ۩، عاد وقال إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ۩، قيل هي أن تُعرِّض لها بخِطبة أو تقول لأوليائها يا فلان بالله لا تسبقني بكلمتك، هكذا كانوا يقولون العرب، لا تسبقني بها، وقد عرَّض النبي لفاطمة بنت قيس، حين أبت زوجها طلاقها – طلَّقها – جاءها النبي وقال لها يا فاطمة اعتدي – هذا في صحيح مُسلِم ومعروف الحديث طبعاً ففيه أحكام فقهية كثيرة – في بيت ابن أم مكتوم – كان قريبها، ابن عمومة، وطبعاً هو رجل ضرير، لا يرى وليس له أرب في النساء – وإذا حللتِ فآذنيني، أي إذا انقضت العدة أخبريني وقولي لي، ففهمت، تعريض! هذا التعريض، أرأيتم؟ النبي عرَّض بخِطبتها، لمَن؟ لمولاه أُسامة بن زيد بن حارثة، أي لابن مولاه فهو مولاه، إذن هذا لأُسامة، وفعلاً حين انقضت عدتها وبلغت الأجل أتاها النبي وخطب عليها أُسامة بن زيد، هذا التعبير فصيح في الخِطبة، يُقال خطب عليها أُسامة، أي خطبها لأُسامة، وخطب عليها أُسامة وفعلاً تزوَّجت بأُسامة، وهذا في الصحيح، في مُسلِم، التعريض إذن جائز والنبي آتاه عليه الصلاة وأفضل السلام.

وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۩، قلنا أجمع السادة العلماء على أن العقدة لا تجوز في العدة، هكذا يقولون العقدة لا تجوز في العدة، وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۩، هذا واضح، وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ۩، هذا واضح أيضاً.

۞ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ۞

لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ ۩، قال ابن عباس هذه الآية أباحت للمُسلِمين طلاق النساء أن يدخلوا بهن، لا نتحرَّج، جائز! حتى قبل أن تدخل بها يجوز أن تُطلِّقها، مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ ۩ بمعنى ماذا؟ ما لم تبنوا بهن، ما لم تدخلوا بهن، أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ۩، وهذه هي المُفوَّضة، أي التي لم يُفرَض لها تُسمى ماذا؟ مُفوَّضة، لم يذكر مهرها، اسمها ماذا؟ المُفوَّضة، لاَّ جُنَاحَ ۩.

وَمَتِّعُوهُنَّ ۩، هنا صُرِّح بالمُتعة، حتى قال بعض العلماء هذه المُتعة المشروعة الوحيدة، وهذا ليس بالقوي جداً، لماذا؟ لأن تأتي آية أُخرى الآن وتقول وَلِلْمُطَلَّقَاتِ ۩، عمَّمت المُتعة في نوع وفي جنس المُطلَّقات، وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ۩، وسيأتي سببها.

وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ۩ بمقدار ماذا؟ ما وسَّع الله عليه، وَعَلَى الْمُقْتِرِ ۩، الفقير المُعدِم، قَدَرُهُ ۩، بمقدار ماذا؟ ما ضيَّق الله عليه، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ ۩.

مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۩، بحسب العُرف السائد، حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ۩، حين سمع أحد الصحابة هذه الآية قال حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ۩: إن شئت متَّعت وإن شئت لم أُمتِّع، الله قال الْمُحْسِنِينَ ۩، الذي يُريد أن يُحسِن، هذا شيئ زائد، فأنزل الله بعد حين وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ۩، هنا قال حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ۩، الله قال انتهى، قطع حُجته، تفاعلهم كان جيداً – سُبحان الله – فكان سبباً في استنزال مزيد من الآي والأحكام، رضيَ الله عنهم وأرضاهم.

۞ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۞

وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ۩، قبل المسيس أيضاً، وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ۩، هذه الحالة الأُخرى، فهناك مُطلَّقة قبل الدخول وهناك مُفوَّضة وهناك مُسمىً مهرها، هذه ما حُكمها؟ وهذه ما حُكمها؟ الأولى ذكر الله حُكمها، والتي سُميَ مهرها قال عنها فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ۩، الرجل إذا تزوَّج امرأة – تزوَّج امرأة بمعنى عقد عليها، أي إذا عقد عليها – وأراد أن يُطلِّقها قبل الدخول كم يكون لها؟ بالمُناسَبة السبب منه هو، هو لا يُريد، إذا هي رفضت هي وأهلها فليس لهم شيئ، انتبهوا إلى هذا، حتى لو كانت مُسمىً مهرها، ليس لهم شيئ حتى إذا كان مُسمىً مهرها، هم قالوا نحن لا نُريدك، أنتم لا تُريدونني فإذن مع السلامة، ليس لكم أي شيئ، لكن إذا الزوج الناكح لم يُرد فكم لها وهو لم يدخل بها؟ نصف المهر، فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ۩.

إِلاَّ أَن يَعْفُونَ ۩، هذه الكلمة فيها مبحث صرفي طويل وهو معروف، أَن يَعْفُونَ ۩ هنا يُراد بها مَن؟ النساء، ولا تُفسَّر إلا بالنساء – انتبهوا – صرفياً، لكن لا نُريد أن ندخل الآن في هذا المبحث، أَن يَعْفُونَ ۩ أي النساء، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۩، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – الزوج بيده عُقدة النكاح، طبعاً المذاهب اختلفت في هذه المسألة، حتى الصحابة أنفسهم اختلفوا في هذه المسألة، مَن الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۩؟ والأمر لا يخرج عن اثنين، إما الزوج وإما الولي، أي الولي هو الذي يستطيع أن يُزوِّجك ويستطيع أن يرفض، إذن بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۩، قالوا الأقوى منه الزوج، الزوج هو الذي تزوَّج ووافق على ذلك وهو الذي يستطيع أن يحل وأن ينقض هذه العقدة بالطلاق، الزوج! أليس كذلك؟ فهو أقوى، فعلاً هذا أقوى، أن يكون الذي بيده العقدة هو الزوج أقوى من كونه الولي، هل هذا واضح؟ إذن فيها قولان، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۩.

ما معنى عفو النساء – إِلاَّ أَن يَعْفُونَ ۩ – هنا؟ يُسقِطن حقهن في نصف المهر، يقولون لا نُريد هذا منك، حدث طلاق فمع السلامة، لا يُوجَد دخول ولا نُريد حتى النصف هذا، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۩ عن ماذا؟ عن النصف الآخر الذي استبقاه فيُعطيها كامل المهر، قال – تبارك وتعالى – وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۩، ومَن هنا المُخاطَب؟ كلا الفريقين: النساء والأولياء والأزواج، الله يأمر الجميع بالعفو، يأمر الجميع بالتعافي، أنت اعف وأنتم اعفوا، هذا المفروض، أخلاق عالية! لو الناس أخذوا بهذا لن تحدث خلافات حادة، الناس الآن يحدث بينهم أحياناً مقاتل ومحاكم ومشاكل وبهادل من أجل ماذا؟ من أجل قروش معدودات في أشياء مثل هذه، يُقال لك حقي! الله قال الذي يتسم بالتقوى يكون من أهل العفو، تنازل وتساهل، كُن هيناً ليناً، وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۩.

وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۩، هذا واضح.

۞ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ ۞

حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ ۩، المُحافَظة على الصلوات معروف بأدائها في أوقاتها وأيضاً بأحسن هيئاتها وشرائطها، هكذا تكون المُحافَظة، وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى ۩ مُختلَف فيها، فيها أكثر من ستة عشر قولاً، أكثر من ستة عشر قولاً! هنا قد يقول لي أحدكم كيف وهي خمس صلوات؟ لكن لا، مذكور أشياء كثيرة، مَن أستحب أن يستوفيها درساً فليعد إما إلى الفتح – فتح الباري – أو نيل الأوطار للعلّامة الشوكاني، طبعاً الشوكاني عالة في كل كتابه – هذا من أجل التعريف فقط بأقدار العلماء – على الحافظ ابن حجر، حتى قال علماء الحديث الكبار كالشيخ الغُماري لولا ابن حجر ما ذهب الشوكاني ولا جاء، لا يقدر على أن يفعل شيئاً، كل كتابه من فتح الباري، كل التحقيقات وكل المعلومات الحديثية! وكان ضعيفاً جداً في الرجال، يعتمد على ابن حجر بالكامل في موضوع الرجال والجرح والتعديل طبعاً، فالفتح هو الأصل، أي فتح الباري، لا هجرة بعد الفتح، ولذلك حتى لما قيل للشوكاني ألا تشرح البخاري؟ قال لا هجرة بعد الفتح، بعد فتح الباري مَن يقدر على شرحه؟ انتهى الأمر! رحمة الله على الجميع، أنصف – والله – الرجل.

وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى ۩ حتى الحافظ الدمياطي – رحمة الله عليه – صاحب المتجر الرابح عنده كتاب اسمه كشف المُغطى في تبيين الصلاة الوسطى، كتاب كامل يشرح فيه الخلاف في هذه المسألة، ورجَّح وانتصر أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر وهذا صحيح، والنصوص لا يُمكِن أن تُعانَد هنا، نصوص صريحة وصحيحة كثيرة، يكفي ما أخرجاه في الصحيحين وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى “صلاة العصر”، ملأ قلوبهم وبيوتهم ناراً، وعند ابن إسحاق حتى آبت الشمس في مآبها، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً، صرَّح بأن الصلاة الوسطى هي ماذا؟ صلاة العصر، وروى الإمام أحمد في المُسنَد وغيره قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – صلاة الوسطى – هكذا بالإضافة: صلاة الوسطى – صلاة العصر، واضح جداً، قال صلاة الوسطى صلاة العصر، وأيضاً يُؤكِّد هذا الفهم – أنها هي العصر – نحو قوله أو مثل قوله – عليه الصلاة وأفضل السلام – وهو مُخرَّج في الصحيحين – في البخاري ومُسلِم – مَن فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله، كأنه فقد أهله وماله، ولذلك قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – بادروا بالصلاة في يوم الغيم – إذا كان هناك غيم ولا تعرفون يُمكِن أن يدخل وقت المغرب وأنتم لا تنتبهون، هذا معنى في يوم الغيم، يُمكِن أن يدخل عليكم المغرب ويذهب وقت العصر دون أن تشعروا، قال بادروا بالصلاة، أي صلاة إذن هنا؟ العصر – فمَن فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله، خطير جداً! وهذا غير موجود إلا في صلاة العصر بالذات، ثم إن من جهة المعنى هي وسطى، لماذا؟ تتقدَّمها صلاتان نهاريتنا: الظهر والصبح، والصبح هو أول النهار، أليس كذلك؟ صلاة الفجر أول النهار، استقبال للنهار واستدبار لليل، ويعقبها صلاتان ليليتان: المغرب والعشاء، فبقيت هي في الوسط، فإذن حتى من جهة المعنى والواقع هي وسطى، وقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن صلى البردين دخل الجنة، فنوَّه بها مع الصبح، وصلاة البردان هما صلاة الصبح وصلاة العصر، هناك نصوص كثيرة، إذن الراجح – والله أعلم – أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، أعاننا الله على المُحافَظة على الصلوات جميعاً.

وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ ۩، ما معنى قَانِتِينَ ۩؟ قيل مُتمسكِنين مُتذلِّلين مُتخشِّعين، وقيل صامتين، أي لا تتكلَّموا، وقلت لكم في دروس التفسير أن القنوت له اثنا عشر معنىً، له اثنى عشر معنىً مذكورة في كتب الفقه واللُغة وغيرها على كل حال، عن البراء بن عازب قال كانوا – عن الصحابة، يعني الصحابة – يُصلون ويُحدِّث بعضهم بعضاً، يُصلي الواحد منهم ويقول – مثلاً – لأخيه بالله عليكَ ما الذي صار في التجارة؟ فيقول له الحمد لله رب العالمين، ثم يُصلي ويعود قائلاً ما الذي حدث مع ابنتكَ؟ هل زوَّجتها؟ فيقول له كذا وكذا، وهذا معروف، الصحابة كانوا هكذا، لأن شرع هذا، لم يكن مُحرَّماً حينها، هذا مسموح، والأصل في الأشياء الإباحة، مُباح أن نتكلَّم، حتى أنزل الله – تبارك وتعالى – ماذا؟ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ ۩، قال فأمسكوا عن الكلام، توقَّفوا عن هذا، الرسول نفسه أحياناً حين كان يُصلي ويُلقى عليه السلام يقول وعليكم السلام ورحمة الله ثم يرجع ويُكمِل الصلاة، يقول وعليكم السلام ورحمة الله، عادي! في يوم من الأيام جاء ابن مسعود ولم يكن عارفاً بالحُكم الجديد فقال السلام عليكم يا رسول الله، والرسول لم يتكلَّم، فخاف! قال هذا يعني أنني ربما أحدثت شيئاً، ربما أحدثت حدثاً كبيراً، الرسول لم يرد السلام، فالنبي لما سلَّم طمأنه، قال له إن في الصلاة لشغلاً، الصلاة شغلتني عنك، انتهى هذا، لا يُوجَد كلام، هذا معنى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ ۩.

۞ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ۞

فَإِنْ خِفْتُمْ ۩، أي في حال الخوف، فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا ۩، وضَّحه ابن عمر في حديث مشهور، وإن شاء الله سنتحدَّث عن صلاة الخوف بإسهابٍ في تفسير سورة النساء، ابن عمر تحدَّث في حديثه المشهور مرفوعاً طبعاً وموقوفاً عليه أيضاً كيف يُصلي الخائف راجلاً أو راكباً، على دبته – أي راكباً – على رجليه – أي راجلاً – مُستقبِلاً القبلة أو غير مُستقبِل القبلة، الإمام الأوزاعي كان يقول ماذا؟ يُصلون، أي فإذا استطاعوا أن يُصلوا فرادى صلوا، إذا أمنوا صلوا جماعة ولو ركعتين، إذا لم يستطيعوا صلوا ركعة بسجدتين، ركعة واحدة في الخوف تجوز، ولكن لا يُجزيء التكبير وحده دون ركوع وسجود، أي هذا آخر شيئ، على الأقل تكبير مع قيام وركوع واحد وسجدتين، أقل شيئ في الخوف، فكم هي الصلاة خطيرة! كم هي شريفة! كم يُؤكِّد الله – تبارك وتعالى – عِظم أهميتها! هل هي هامة إلى هذه الدرجة حتى في الخوف وحتى في المُجالَدة والمُناضَلة وفي ساحة المعركة والموت الأحمر على الرؤوس؟ نعم، لابد أن تُصلي، لا إله إلا الله، هذا يعني أن الذي يُفرِّط فعلاً في الصلاة وينام عنها وما إلى ذلك لابد أن يعرف فعلاً أنه أتى باباً عظيماً من أبواب الكبائر، كبيرة من أكبر الكبائر، الإمام أحمد كان يقول ويُؤكِّد – وهذا مذهبه – ليس بعد الشرك بالله ذنبٌ أعظم من ترك الصلاة، قالوا أعظم من القتل ومن الزنا؟ قال أعظم حتى من القتل والزنا، ترك الصلاة! والنبي كان يقول لا حظ في الإسلام لمَن لا صلاة له، ليس له حظ! والله قال حتى في الكفّار والمُشرِكين فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۩، قال هذا المطلوب منهم، أن يشهدوا بالشهادتين وأن يُصلوا وأن يُزكوا، إذا لم تُوجَد الشهادة ولم تُوجَد الصلاة ولم تُوجَد الزكاة انتهى الأمر، أليس كذلك؟ وفي الحديث الذي خرَّجاه  في الصحيحين عن مُعاذ بن جبل قال إنك تَقدم أو تأتي قوماً أهل كتاب، فإن أنت أتيتهم فأخبرهم أن يشهدوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك – هذا لفظ في الصحيح، أي أطاعوك، فإن هم أطاعوا لك بذلك، أي أطاعوك – فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقةً – سمى الزكاة صدقة واسمها صدقة كما في سورة التوبة أيضاً وفيها آية الصدقات – تُؤخَذ من أغنيائهم فتُرَد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فاتق كرائم أموالهم وإياك ودعوة المظلوم فإنه ليس بينه – هنا قال بينه، في روايات أُخرى بينها – وبين الله حجاب، أخرجاه في الصحيحين.

هنا يُوجَد سؤال ذكره كل شرّاح الحديث، لماذا اختصر النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام، صلوا عليه كلما سمعتم اسمه وإن شاء الله فسوف تُؤجرون – على الشهادتين والصلاة والزكاة؟ قلنا كما اختصر الكتاب، القرآن في آيات كثيرة يتحدَّث عن الصلاة والزكاة مع التوحيد، لأنهما آكد وأخطر وأشرف وأعلى وأجل وأجزل الفرائض – التوحيد مع الصلاة والزكاة – وأصعب الفرائض، أصعب الفرائض الصلاة والزكاة أيضاً صعبة، فمَن سهل عليه هذان الفرضان الكريمان فما بعدهما أسهل، يصير الصيام والحج أسهل، وصحيح هما أسهل بلاشك، الصيام مرة واحدة والحج مرة واحدة، الحج مرة واحدة في العمر والصيام مرة واحدة في السنة، سهل جداً، لكن الصلاة كل يوم خمس مرات، والزكاة طبعاً فيها إنفاق شقيق الروح “المال”، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ۩، صعب جداً المال هذا، صعب جداً، يُوجَد دين كثير بالكلام وما إلى ذلك لكن عند المال يقل الدين، إلا المال! خطير جداً على كثير من الناس، نسأل الله أن يجعله في أيدينا وأن ينزع حُبه من قلوبنا، المال هذا وثن.

۞ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۞

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۩، هذه الآية في قول أكثر العلماء والمُفسِّرين منسوخة، هذه الآية منسوخة! نسختها الآية التي تلونها قُبيل قليل وفسَّرناها، وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ۩، كم؟ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ ۩، قبل ذلك كانت عدة المرأة المُتوفى عنها – أي زوجها – كعادة الجاهلية، كانوا في الجاهلية يعتدون بكم؟ كانوا يعتدون بعام كامل، بحول!

قبل أن نُفيض في شرح هذه الآية العجيبة سنذكر بعض الأحكام، يقول – تبارك وتعالى – وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم ۩، ما معنى وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم ۩؟ يعني عليهم أن يُوصوا لأزواجهم، أي لزوجاتهم، بماذا؟ بالبقاء في بيت الزوجية عاماً كاملاً مع النفقة المُستحَقة، ويُنفَق عليهن من ماذا؟ من تركة الزوج، على أنه ليس لهن سوى هذا السكن وسوى هذه النفقة من ميراث الزوج، انتهى! ولذلك صح عن حبر الأمة ابن عباس أنه قال هذه الآية نسختها آية الميراث، أليس كذلك؟ المرأة لها في الميراث إما الرُبع وإما الثُمن، إذا لم يكن لها ولد فلها الرُبع، وإذا كان لها ولد فلها الثُمن، لكن هذه الآية ليس فيها هذا، فقط النفقة والسُكنى لسنة كاملة، هل هذا واضح؟ فهذا معنى وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم ۩.

 مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۩، ما معنى غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۩؟ لها النفقة مع السكن ما لم تخرج، فإن شاءت أن تخرج هي من البيت في فترة العدة خرجت وسقط حقها في ماذا؟ في النفقة، فيبقى لها ماذا؟ السُكنى، هل فهمتم ما غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۩؟ هذا معنى غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۩.

في الصحيحين عن أم سلمة – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، أي في البخاري ومُسلِم – أن امرأةً جاءت النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقالت يا رسول الله إن ابنتي تُوفيَ عنها زوجها وهي في العدة – طبعاً أربعة أشهر وعشرة أيام – واشتكت عينها أَفَنَكْحُلُهَا؟ – من كَحَلَ يَكحُل، أَفَنَكْحُلُهَا مثل أَفَنَحْلُبُهَا – فقال لا، هذه عدة، الكُحْل لا في العدة، فهي زوجها ميت، عندها رمد أو عندها مُشكِلة، المُهِم اشتكت عينها، ثم عادت فقالت يا رسول الله أفنَكحُلُها؟ – أي رخِّص لنا – فقال لا، ثم أتته الثالثة فقال لا، إنما هي أربعة أشهر وعشر، حد من حدود الله، لا يُوجَد لعب هنا قال النبي، قال إنما هي أربعة أشهر وعشر، أي عشرة أيام، وقد كانت إحداكن تمكث سنة ثم ترمي بالبعرة على رأس الحول، طبعاً هذا غير واضح بالمرة، ما معنى تمكث سنة ثم ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فسَّرت هذا زينب بنت أبي سلمة، وهي بنت أم سلمة عليها الرضوان والرحمة، زينب بنت أم سلمة وليس زينب زوجة رسول الله، هذه زينب بنت أبي سلمة، قالت زينب ماذا؟ أي زينب بنت أم سلمة – أم المُؤمِنين – راوية الحديث، فسَّرت هذه الكلمة بما يلي، كانت المرأة في الجاهلية إذا مات عنها زوجها يُفرَض عليها أن تأتي حشفاً – الحشف هو بيت أعراب قريب السقف من الأرض، أي خيمة صغيرة جداً وحقيرة – وتمكث فيها سنة كاملة، لا تمس طيباً ولا ماءً، لا غُسل ولا تطيب ولا أي شيئ، تُصبِح كالغول، شعرها وأظفارها في مُنتهى السوء، شيئ عجيب، سنة كاملة ممنوع، ممنوع أن تغتسل، ممنوع أن تمس الماء إلا للشرب طبعاً، ممنوع أن تُقلِّم الأظفار، ممنوع أن تمس الطيب، سنة كاملة! وبعد سنة طبعاً تخرج الآن من الحشف هذا كالغول، منظر مُخيف! تخرج فتؤتى بدابة، تُؤتى بطائر أو حمار وما إلى ذلك فتفتض به، ما معنى تفتض به؟ تمسح به – أكرمكم الله – فرجها، فقلما افتضت بشيئ إلا مات، من الوساخة والقذارة! حين تأخذ طيراً تمسح به فرجها يموت على المحل، فقلما افتضت بشيئ إلا مات، ثم تُؤتى ببعرة فترميها هكذا، إشارة إلى انتهاء العدة، النبي قال هذا هو، كنتم تمكثون سنة بالطريقة هذه، الآن أعطيناكن أربعة أشهر – من لدن الله طبعاً، عن أمر الله – وعشرة أيام، فالوضع أحسن بكثير، تجلس الواحدة منكن في البيت وتأكل وتشرب وتغتسل وعندها كل شيئ، لكن ممنوع الكُحْل وممنوع الطيب، فهذا هو، النبي قال لها لا، مرفوض! فهذا معنى هذه الآية، هذه الآية أُنسِخَت إذن، آية الحول هذه.

فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ ۩، وقلنا معناها يجوز لهن الخروج، لكن يسقط حقهن في النفقة.

۞ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ۞

وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ۩، شرحناها وقلنا ما سبب نزولها.

۞ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ۞

 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ۩ مَن هم المذكورون في هذه الآية الكريمة؟ اختُلِفَ فيهم، وفيهم قصص وحكايا إسرائيلية لا نستطيع أن نقطع بصحة واحدة منها، الله أعلم بالحقيقة، لكن في المشهور أنهم قوم من بني إسرائيل، قيل كانت عدتهم أربعة آلاف وقيل أكثر من ذلك وأقل من ذلك، المُهِم هناك روايات، أربعة آلاف خرجوا، قيل هروباً من الجهاد، وقيل هروباً من الطاعون، أتاهم وباء الطاعون فخرجوا يطلبون حياتهم، نيشدون حياتهم، فلما صاروا بوادٍ أفيح وقف ملك على عُدوة الوادي وقابلهم ملك على العُدوة الأُخرى وصاحا بهم فماتوا جميعاً من فورهم، الأربعة الآلاف هؤلاء ماتوا مُباشَرةً، حتى صاروا عظاماً ورماماً وتقطَّعوا، لم يبق منهم شيئ، ومر نبي من أنبياء الله وهو حِزقيال عليه السلام، علماً بأن هذه الرواية التي أذكرها الآن مذكورة عند ابن جرير وعند ابن كثير وفي الدُر المنثور وإلى آخره، وهي موجودة – مَن أحب أن يقرأها في التوراة – في سفر حِزقيال من التوراة في الإصحاح السابع والثلاثين، موجودة تماماً! فجاء حِزقيال – العرب يُسمونه حِزقيل أو حَزقيل، اسمه حِزقيال عليه السلام – إلى هذا الوادي الأفيح ورأى طبعاً العظام وكل هذه الأشياء، موتى! وألهمه الله – تبارك وتعالى – أن يُنادي – هكذا أن يُنادي – أيتها العظام الرميمة ليعد كل عظمٍ إلى عظمه فجعلت العظام تعود، سُبحان الله كل عظم يتركَّب على عظم، أيتها العظام بأمر الله، في التوراة قال له الله ماذا؟ قال له تنبأ عليها، صيغة وترجمة رديئة جداً في التوراة، تنبأ عليها قال له، فتنبأ عليها، ما معنى هذا؟ أي تكلَّم بها بأمر الله، المُهِم بأمر الله قال لها أيتها العظام إن الله – تبارك وتعالى – يأمركِ أن تكتسي لحماً ودماً فاكتست، أيتها الأرواح إن الله يأمركِ أن تعودي إلى أجسادكِ فعادت كل روح إلى جسدها وقاموا ينظرون، قالوا سُبحانك لا إله إلا أنت، الله أنزل آية عجيبة جداً، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ۩، أين فضل الله هنا؟ بإقامته وإرائته إياهم الآيات البيّنات والحُجج البالغات الفالجات، لكنهم لا يشكرون على ما هداهم بهذه الآيات والمعاجز، لاَ يَشْكُرُونَ ۩، وهذه نعمة من أعظم النعم، أعظم نعمة هي الدين، أليس كذلك؟ أعظم نعمة هي التشريع، وهكذا!

اللهم صل على سيدنا محمد، قلت لكم في أول دروس التفسير البقرة – سورة البقرة – فيها خمس قصص عن إحياء الموتى، أكثر سورة فيها قصص عن إحياء الموتى، نستذكرها سويةً:

أول قصة ما هي وقد مرت بنا؟ قوم موسى، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، وعرفنا السبعين الذين ذهبوا ليعتذروا عن فعلة قومهم وكيف أحياهم الله، القصة الثانية البقرة مع القتيل وكيف أحياه الله، أليس كذلك؟ القصة الثالثة هذه، أليس كذلك؟ القصة الرابعة قصة عُزير – أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ۩ – وستأتي، القصة الخامسة طيور إبراهيم، خمس قصص!

سورة البقرة فيها خمس قصص عن إحياء الموتى، وهذا باب واسع جداً جداً في البرهنة على إمكان البعث وحقنيته أو حقيته على كل حال، اللهم صل على سيدنا محمد.

۞ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۞

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩، ما مُناسَبة هذه الآية؟ ما اعتلاق – أي ما وجه اعتلاق – هذه الآية بالآية التي قبلها؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بالجواب الصحيح فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، ثم استتلى قائلاً الآية التي قبلها تقول باللفظ الواضح لا يُغني حذرٌ من قدرٍ، لا تستطيع أن تهرب من موتك، كما قال في آل عمران: قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ۩، أي تركتم الجهاد والنضال، لَبَرَزَ ۩، أي لخرج بتقدير الله وتيسير الله، الله يُحرِّكه، الله يجعله يتحرَّك من بيته، الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ۩، إلى أماكن موتهم، لا يُمكِن! لا يُغني حذرٌ من قدرٍ، فهذا الآن سر أنه كلَّف بالجهاد، قال وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩، ما دام لا يُوجَد مهرب ومعدى من الموت فلابد أن نُقاتِل.

۞ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۞

مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۩ ماذا عن هذه الآية الكريمة؟ قال الحسن البِصري ما أكرمه أنفسٌ هو خالقها وأموالٌ هو رازقها ثم يستقرضنا إياها ويرزقنا عليها! يجزينا عليها، يقول إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۩، كيف اشْتَرَىٰ ۩؟ الأنفس أنت خلقتها يا رب، أنت بريتها، هذه الأموال أنت موَّلتها، أنت أثَّلتنا هذه الأموال، أنت أعطيتنا، أنت رزقتنا هذه الأموال، أتستقرضنا إياها وتشتريها وتُعطينا الأجر والجنة أيضاً؟ ما أكرمك! هذا الحسن البِصري قدَّس الله سره الكريم.

وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ۩، يَقْبِضُ ۩ بمعنى ماذا؟ الرزق، يُضيِّق، وَيَبْسُطُ ۩ لبعض عباده، لماذا؟ لأنه – تبارك وتعالى – عليمٌ حكيمٌ، يعرف! في حديث الطبراني المشهور وإن مِن عبادي مَن لا يُصلِحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن مِن عبادي مَن لا يُصلِحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، طبعاً عبادي مَن؟ انتبهوا هنا، لم يقل إن عبادي، قال إن مِن عبادي، يقصد مَن؟ الصالحين طبعاً، لأنه يُريد إصلاحهم، إذن يُوجَد فقير صالح ويُوجَد غني صالح، كيف أصلح هذا الصالح؟ بالغنى، وإلا هناك غني فاسد، أليس كذلك؟ هناك غني كافر، هذا معنى الحديث، أي وإن من عبادي الصالحين مَن لا يُصلِحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن مِن عبادي الصالحين مَن لا يُصِلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وذكر مثل ذلك في السقم وفي الصحة والعافية، ثم قال إني أُدبِّر عبادي بعلمي وأنا العليم الخبير، لا إله إلا الله، فلابد أن نُسلِّم لله، نأخذ بالأسباب ونتحيَّل ونتوسَّل قدر المُستطاع – مطلوب منا هذا، جهاد طلب الرزق – ولكن في النهاية نُسلِّم لحكمة الله ولقضاء الله.

وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۩، أي يوم القيامة، وكل شيئ يرجع إلى الله، أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ۩، كل شيئ يعود إلى الله.

۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ۞ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۞ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۞

أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ….. ۩ إلى آخره، مَن هذا النبي وما قصة هؤلاء الملأ؟ باختصار – هذه قصة طويلة جداً لكن سنتحدَّث باختصار – تعلمون أن بني إسرائيل من بعد موسى ومن بعد يوشع بن نون – عليهما الصلوات والتسليمات – ظلوا مُدة في حال جيدة، يُقاتِلون في سبيل الله ولا يدخلون معركة إلا نصرهم الله على عدوهم، لم يكونوا ليُغلَبوا، وكان عندهم التابوت، تابوت العهد اسمه، تابوت العهد مَن أحب أن يعرف قصته – والله أعلم بحقيقتها – فليعد إلى البداية والنهاية لابن كثير أو قصص الأنبياء وهي مُستَلة من البداية والنهاية، فيه كلام طويل عن تابوت العهد، تابوت موسى عليه السلام، عندهم التابوت هذا، صندوق يضعونه أمامهم – أمام الجيش – فينتصرون دائماً، سُبحان الله لا يُهزَمون، ثم طرأ فيهم الفساد والانحراف – والعياذ بالله – وتنكب الصراط المُستقيم، فصاروا يُغلَبون وغلبهم عدوهم على ماذا؟ على التابوت، وفقدوا التابوت أصلاً، أُخِذ منهم، وصاروا يُهانون ويُذلون – والعياذ بالله – وينهزمون في أكثر معاركهم، ثم لم يبق فيهم نبي، لأن النبوة كانت في ذُرية مَن؟ في ذُرية لاوي عليه السلام، لم يبق فيهم نبي إلا امرأة حملت بغُلام ودعت الله تبارك وتعالى – دعت ربها تبارك وتعالى – أن يجعله نبياً لكي يتصل بالأنبياء مِن قبله ولعل الله يُصلِح به بني إسرائيل الفسقة المُنحرِفين، سُبحان الله لباها الله، مثل هذه امرأة عمران، امرأة صالحة سُبحان الله، عندها هم الأمة، عندها هم أمة إسرائيل، لباها الله ورزقها بغُلامٍ ذكر وأسمته لذلك – أي لهذا السبب – شموئيل أو شمويل، الآن يُسمونه ماذا هنا؟ صموئيل، أي صمويل، اسمه صموئيل، ما معناها؟ سمع إيل، أي سمع الله، هذا معنى صموائيل، أي سمع الله، أي سمع الله دعائي، لأن إيل هو الله كما قلنا، إيل هو الله، ومن هنا: جبرائيل، ميكائيل، إسرافيل، وإلى آخره، عبد الله: إسرائيل، صموئيل أو شموئيل أي سمع الله، بالعبرانية سمع الله، هذا اسم هذا النبي عليه الصلاة والسلام، المُهِم أيضاً انقطع فيهم المُلك، والمُلك كان في ذُرية مَن؟ في ذُرية يهوذا، لم يعد عندهم مُلك، لا أنبياء ولا ملوك، هكذا كالغنم السائبة في الليلة الشاتية كما يُقال، صحيح! فوضى لا سراة لهم، وهم جُهّال في جُلهم وعُظمِهم، فلما صار فيهم هذا النبي – صموئيل عليه السلام – قالوا له يا نبي الله – إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ۩، مَن هو إذن هذا؟ صموئيل، أي سمع الله – ادع الله أن يبعث لنا ملكاً، هذا الملك يقودنا لكي نسترد مجدنا وعزنا وننتصر على عدونا، فماذا قال لهم؟ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ ۩.

قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۩، على كل حال فماذا كانت القصة؟ فعلاً يسَّر الله لهم رجلاً هو أشكلهم وأعلمهم، ما معنى أشكلهم؟ من الشكل، شكله – ما شاء الله – جيد، أي الجسم! هو أشكلهم وأعلمهم يُدعى طالوت، قيل كان دبّاغاً، أي يدبغ الجلود، وقيل كان سقّاءً، فهو إنسان مُتواضِع صاحب حرفة، لكن – ما شاء الله – عنده جسم جيد فيصلح أن يكون قائداً عسكرياً وملكاً على أمة، فضلاً عن العلم، عنده علم، عنده عقل وحكمة، عقل راجح ونظر سديد، فقال لهم طالوت، لكن لم يكن طالوت من ذُرية يهوذا، قالوا كيف هذا؟ هذا ليس من يهوذا، لا يُمكِن، الملوك لابد أن يكونوا من ذُرية يهوذا، قال أنتم طلبتم والله اختار لكم ذلك، وهذا الرجل فضَّله الله واختصه عليكم بصفتين، هما أول وأجدر ما يُطلَب في الملوك، ما هما؟ قوة البدن وحُسن الشكل والعلم، العلم والرأي وسداد الرأي، عنده هذا الرجل جسم – ما شاء الله – حسن وعلم وعقل، لماذا تزورون عنه؟ الآن سأقطع حُجتكم، وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ۩، أي لكي تعرفوا أن هذا من عند الله وليس من عندي، قال لهم أنا نبي، أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ۩، ألم تفقدوه أنتم؟ سوف يأتيكم بإذن الله – تبارك وتعالى – التابوت لكي تنتصروا به مرة أُخرى، فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۩، قيل السكينة هي الوقار والجلال، وقيل الرحمة، والمعاني مُتقارِبة، كلٌ قريب إن شاء الله، وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ۩، وسوف ترون ذلك، ورأوا ذلك، رأوا الملائكة هابطة من السماء تحمل التابوت حتى وضعوه فأصبح في بيت طالوت، فآمنوا لصموائيل وأذعنوا لطالوت، فعلاً – قالوا – هذا نبي، نبي مُؤيَّد، وطالوت هذا رجل فعلاً يصلح للمُلك والقيادة، يا حيهلاً، أذعنوا وبعدها على عادتهم – سُبحان الله – نكصوا والعياذ بالله منهم، نبي يا أخي هذا، مُصيبة! أعان الله أنبياء بني إسرائيل عليهم، وأعاننا الله على شارون Sharon وجماعته، قال إِنَّ فِي ذَلِكَ ۩، أي فيما ذُكِر، لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۩، الآن ذهبوا إلى الحرب، وكان في الجُند مَن؟ دواد عليه السلام، وكان – يُقال – صبياً صغيراً وقيل كان غُلاماً، عمره كان ثتنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة، سوف نرى قصته.

۞ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ۞

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ۩، ذهب وتركوا مرابعهم وديارهم في اتجاه العدو، قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم ۩، أي مُختَبِركم، بِنَهَرٍ ۩، هو نهر الشريعة، نهر الأردن، بين الأردن وفلسطين، هذا النهر سوف نمر عليه قال لهم، فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ۩، ما معنى فَلَيْسَ مِنِّي ۩؟ فلا يتبعني، يرجع، لن يمشي معنا في الجيش، لا يُمكِن، لا يُوجَد جهاد، هذا الاختبار! وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ ۩، وهنا تُوجَد نُكتة، سُميَ شرب الماء ماذا؟ طعاماً، أليس كذلك؟ على كل حال قال فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ ۩، يُوجَد استثناء – قال – بمقدار غُرفة، إذا أخذت غُرفة فقط لكي تُسكِّن حرارة العطش فلا بأس، لا حرج عليك في ذلك، مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۩.

كانت عدتهم ثمانين ألفاً، أي الجنود هؤلاء من بني إسرائيل، كانوا ثمانين ألفاً، وجاءتهم الملائكة والتابوت وقصة طويلة عريضة سمعتموها، هل تعرفون كم عدد الذين نجحوا في الامتحان؟ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من ثمانين ألفاً، كله رسب! قال البراء بن عازب – الصحابي الجليل – في صحيح البخاري كنا نتحدَّث أصحاب محمد أن أصحابه يوم بدر كانت عدتهم عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، هذا صحيح، من ثمانين ألفاً ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، لكن الله نصرهم حتى وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، اختبار! وبالمُناسَبة الآن هذه الآية يُمكِن أن نستفيد منها الكثير جداً جداً تربوياً على مُستوى أمتنا وعلى مُستوى محنها الآن ومصائبها، أليس كذلك؟ الآن تُوجَد محن تتوالى وتترى على أمة محمد، كلها – والله أيها الإخوة ولا نشك في ذلك ونُقسِم على ذلك – اختبارات مُرسَلة من عند الله – تبارك وتعالى – لنا، هل تعرفون لماذا؟ لأن الآن كثر جداً ما يُعرَف بالإسلاميين والعودة إلى الله والتائبين والتائبات والمُتحجِّبين والمُتحجِّبات والصحوة الإسلامية، جميل! مُمتاز، لابد أن يحدث اختبار الآن للأمة، الله يُريد أن يُصفي هذه الأمة، فسلَّط علينا إسرائيل وبوش Bush وكل هؤلاء، جيد لكي يعرف الصادق من الكاذب.

اليوم جاءني أخ بعد أن حكيت عن مُؤسَّسة بافاريا Bavaria وما إلى ذلك وكان مزعوجاً، بارك الله فيه ويُحمَد له هذا الشعور وهذه الحمية الدينية، كثَّر الله من أمثاله، قال لي يا أخي إلى متى إذن تحظر علينا أمريكا كل شيئ وتُجمِّد أموالنا وما إلى ذلك؟ والإسلاميون لا يفعلون شيئاً، ما هذا؟ قلت له هذه أمريكا، لكن نحن ينبغي أن يكون علينا عقد الخناصر، ماذا نفعل نحن؟ هي تتحدانا، كيف نستجيب لهذا التحدي؟ نستطيع أن نُبطِل وأن ننقض عليها كل مكرها وكل تدبيرها بماذا؟ بأن نقف فعلاً وِقفة رجل واحد، وحين تحتاج إلينا أي مُؤسَّسة أو جماعة أو أي إنسان مُسلِم أو أي جهة إسلامية أو أي عمل إسلامي أو أي خير يُحتاج منا لا نتأخَّر بإذن الله تعالى، هم يمنعون التحويلات لكن نحن سوف نُوصِّل المال إلى الانتفاضة وإلى المُسلِمين وإلى المُجاهِدين يا سيدي بطريقة شخصية، تحمل أنت ويحمل هو وأنا وأنتَ وهي المال ونُوصِّله إليهم، لكن ما المُهِم؟ المُهِم ألا نتذرَّع فنقول لا والله لا نستطيع لأن لا يُوجَد تحويل، مَن أراد أن يتحيَّل وجد الحيلة، أليس كذلك؟ مَن يريد أن يتحيَّل سوف يجد الحيلة، ليس مثل المُنافِق الذي لم يُصل طيلة حياته وألحوا عليه كثيراً فقال نُريد أن نتخلَّص من هذه الدوشة، هيا نذهب إلى المسجد، وحين ذهب وجد المسجد مُغلَقاً، فقال جاءت منك يا جامع ولم تأت مني، الحمد لله ارتحنا، هناك أناس مثل هذا، يقولون لك يا أخي لا تُوجَد وسيلة، انتهى الأمر، لكن لا، اجعل هم الإسلام دائماً نُصب عينيك، أليس كذلك؟ وحين تزداد المحن على الأمة وعلى الإسلام وقضية الإسلام أنت لابد أن تزداد ماذا؟ تجوهراً وتمحضاً للإسلام ولله تبارك وتعالى، ثم تعيش الهم ليل نهار فعلاً، هكذا امتحان! الآن نحن مثل أصحاب طالوت في امتحان والله العظيم، والله نحن في امتحان، أنا أدركت هذا مُنذ الأيام التي خرج فيها الأحمق بوش Bush وبدأ يُهدِّد وما إلى ذلك، قلت بدأت الأمة الآن تعيش محنة حقيقية، وسيعرف الله – تبارك وتعالى – الصادق من الكاذب والمُخلِص من المدخول، سوف يبين هذا الآن، يا أخي رأينا أُناساً غيَّروا ورأينا أُناساً حتى منسوبين إلى أشياء كثيرة غيَّر الواحد منهم لهجته وغيَّر طريقته كأنه يا أخي صار يخطب ود أمريكا، ما هذا يا أخي؟ ما الذي يحدث هنا؟ أُناس غيَّرت أفكارها واتجاهاتها، نسأل الله التثبيت يا رب. اللهم آمين.

المُهِم قلنا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قال ابن عباس – قدَّس الله سره الكريم – مَن شرب منه عطش، ومَن اغترف غُرفة روي، انظر إلى الامتحان، مثل نار الدجّال، أليس كذلك؟ عنده جنة وعنده نار، مَن دخل جنته فهي نار ومَن دخل ناره فهي جنة، هذا نفس الشيئ، امتحان الآن، الآن هناك أُناس يقول لك الواحد منهم لا، دعني أخطب ود أمريكا، أُريد أن أسمعهم كلمتين أو أكتب منشورين من أجلهم، بإذن الله سوف يأتي هذا على رأسك وتذوق وبال أمرك في الدنيا والآخرة، ومَن يفعلون معهم العكس بإذن الله سوف ينقلب بإذن الله إلى صالحهم إن قريباً أو بعيداً وسيُعِزهم الله، لأنهم أهل الله، ثبتوا مع الله ولم يُزيِّفوا ولم يكذبوا لا على أمتهم ولا على ضمائرهم، هذا هو التحدي الحقيقي، فمَن شرب منه عطش ومَن اغترف غُرفة روي، انظر إلى كيفية الامتحان، امتحانات رب العزة تبارك وتعالى.

فَلَمَّا جَاوَزَهُ ۩، مَن الذي جَاوَزَهُ ۩؟ فقط هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ۩، سماهم الله ماذا؟ مُؤمِنين، انتبهوا! كأن الإيمان ليس دعوى، ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وقيل هو موقوف وقيل مُرسَل عن الحسن البِصري، لكن معناه صحيح، الإيمان ليس دعاوى – أنا مُؤمِن وأنا كذا وكذا – أو أشكال وهيئات، لا! الإيمان يأتي بعد الاختبار، نُريد أن نرى! بعد الاختبار شهد الله لهم بالإيمان، في الأول قال جنود، جنود وعساكر خرجوا، بعد ذلك قال المُؤمِنون، لم يقل هو وجنوده، قال هو والمُؤمِنون، الآن تمحَّض الإيمان، أليس كذلك؟ تبرهن كما يُسمى، تبرهن الإيمان بالبرهان، تبرهن الإيمان، فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ۩، أشفقوا لأنهم بشر ضعاف طبعاً، قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ ۩، أي لا حول ولا قوة، لا قبل لنا، بِجَالُوتَ ۩، اسمه في التوراة جوليات، حتى هنا يُسمونه جوليات Goliath، وكان ضخماً جداً جداً وفارساً مِغواراً لا يُشَق له غُبار كما يُقال، مُخيف ومشهور! لا قبل لنا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۩، جنوده بالآلاف، هم آلاف ونحن ثلاثمائة، فأهل العلم والذكر مثل أيضاً في قصة دخول الأرض المُقدَّسة – قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ۩، بالعلم والحكمة، هنا نفس الشيئ، جماعة مما أنعم الله عليهم بالعلم والحكمة والفطانة والزكانة الدينية ماذا قالوا؟ – قالوا كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ ۩، قالوا كَم ۩ أي ليس مرة أو مرتين، يحصل كثيراً بحمد الله تبارك وتعالى، لأن في النهاية وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۩، كلها أقدار وتياسير، كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ ۩ ….. الشرط ما هو؟ الصبر، لابد من الصبر، لابد أن نصبر، يُمكِن أن تكون الغلبة لنا والدولة لنا بإذن الله تبارك وتعالى، صحيح!

۞ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ۞

وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۩، بم استعانوا عليهم أول ما استعانوا؟ بالدعاء، انظر إلى العبودية، عبودية! إذا أردت النصر لابد من العبودية، النبي بم استعان وقد كانوا على عدة أصحاب طالوت والكفّار أكثر من ألف؟ بالدعاء، اللهم نصرك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابةُ لن تُعبَد بعد اليوم في الأرض، اللهم أنجز ما وعدت، اللهم اللهم… حتى سقط رداؤه الشريف عن منكبيه، صلى الله عليه وآله وسلم، وأنتم تعرفون قصة العريش، هذه عبودية الدعاء، استنصر واستنزل النصر لأنه من عند الله.

قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ۩، نحن ندعوك وهم كافرون، فنحن أحرياء قمناء بالنصر إن شاء الله تعالى، هذا معنى الدعاء.

۞ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ۞

فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، سُبحان الله! وَقَتَلَ دَاوُدُ ۩، في التوراة بالمقلاع، هذا في التوراة، غير مذكور عندنا في حديث صحيح أو ضعيف، لكن في التوراة مذكور بالمقلاع الذي كان معه، وكان طالوت وعده – وعد مَن؟ دواد – وقال له يا داود إن قتلت جالوت زوَّجتك ابنتي – تصير نسيبي وصهري – وأعطيتك المُلك بعدي – سأُوصي به لك، ستصير ملكاً بعدي – فما رأيك؟ والله وفَّق داود – سُبحان الله – فعلاً، ولم يكن نبياً إلى الآن، كان صبياً عادياً من بني إسرائيل، من ذُرية لاوي، ضربه بهذا الحجر  فارتز الحجر في رأسه ومات، سُبحان الله بأهون الأسباب، بحجر، بمقلاع، صحيح! وإن شاء الله بحجر الانتفاضة تنتهي إسرائيل، والله – والله يا إخواني، أُقسِم بالله – أن البصراء من هذه الأمة يرون إسرائيل تنتهي أصلاً الآن، مسألة عملية، مسألة انتهاء، هي الآن تنتهي، وهم يشعرون بهذا، وكتبوا وصرَّحوا به بالمُناسَبة، عدد من المُؤسِّسين الكبار صرَّحوا بإن إسرائيل الآن في طور الانتهاء، وهي تنتهي الآن بحمد الله تبارك وتعالى، وهذه التصرفات العنجهية الغريبة من باب ماذا؟ كما يُقال علامات النزع والاحتضار، يلبطون هنا ويخبطون هنا وما إلى ذلك لأنهم لا يعرفون كيف يتصرفون، وكسرت رأسهم الانتفاضة التي وعدت بمائة يوم بحمد الله تبارك وتعالى، مائة يوم! بالحجر، بالحجر انعكست الصورة، أرأيتم كيف كان دواد وجالوت؟ انعكست الصورة الآن، صار جالوت مَن؟ أحفاد داود، ونحن صرنا في مكان داود، نحن صرنا في مكان داود وهم صاروا في مكان جالوت.

وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ۩، مُلك مَن؟ مُلك طالوت، وفعلاً كان له المُلك من بعده، وَالْحِكْمَةَ ۩، النبوة، صار ملكاً نبياً كسُليمان ابنه الملك النبي، وَعَلَّمَهُ ۩، هذا غير النبوة أيضاً، مِمَّا يَشَاء ۩، الإشارة بقوله وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ۩ – أي وعلمه من الذي يشاء، فما موصولية هنا أو موصولة – علم اختصه به سُبحانه وتعالى، علوم أُخرى أيضاً زائدة أعطاها لداود عليه السلام.

 وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ ۩، مُدافَعة الناس بعضهم ببعض، هذا ينتصر من هذا وهذا ينتصر على هذا، هنا نصر وهنا هزيمة وتنعكس الأمور، في حديث هرقل وأبي سُفيان سأل أبا سُفيان قائلاً كيف الحرب بينكم؟ قال أبو سُفيان سجال، يُدال علينا ويُدال منا، أي يوم لنا ويوم علينا، مرة نتنصر على محمد ومرة هو ينتصر، قال وكذلك الأنبياء، ثم تكون العاقبة لهم، قال أنا بحسب دراستي وبحسب فهمي في النصرانية وتاريخ الأديان أعرف أن كل الأنبياء هكذا، ينتصرون وينهزمون وفي النهاية يكون النصر لهم، في آخر العاقبة، قال نفس الشيئ! وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ۩.

۞ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۞

تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۩، واضحة.

۞ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ۞

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ۩، هذا معروف طبعاً، وأفضلهم هو مَن؟ محمد، يليه إبراهيم، يليه موسى، يليه عيسى، يليه نوح عليه السلام، هؤلاء هم الخمسة أولي العزم من الرسل المذكورون في سورة الأحقاف، قد يقول قائل كيف هنا الله صرَّح بأن الرسل بعضها أفضل من بعض لكن النبي نهى عن تفضيل نفسه على بقية إخوانه؟ تعرفون الحديث الصحيح، (ملحوظة) قال أحدهم أن هذا من باب التواضع، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان من إبراهيم أحسنت، ثم استتلى قائلاً في الحديث الصحيح جاء يهودي يشتكي أحد الصحابة إلى الرسول، لطمه على وجهه – الصحابي هذا – وهو يستأهل، ما القصة؟ قال له يا محمد أنا قلت والذي فضَّل موسى على العالمين فضربني، قال له يا عدو الله، موسى أفضل من محمد؟ وتقولها في وجهنا هكذا؟ فلطمه على وجهه، فهذا ضربني وبهدلني، فالنبي قال لا تُفضِّلوني على موسى، فإني يوم القيامة حين أُبعَث أكون أول مَن يُبعَث فأجد موسى باطشاً بقائمة العرش – قبلي! صعد أصلاً موسى قبلي ومسك بساق العرش -، فلا أدري سبقني أو جُوزيَ بصعقة الطور، ربما هو لم يُصعَق من الأصل، وهو حي الآن في السماء، أليس كذلك؟ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۩، فربما موسى يكون مُستثنىً، ربما لم يُصعَق أصلاً، فلا تُفضِّلوني على أحدٍ من الأنبياء، هذا الحديث صحيح، لكن كما قال أخونا إبراهيم هذا من باب التواضع، من باب هضيمة النفس، وإلا هو يعلم نفسه، وهو قال في أحاديث صحيحة أُخرى أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، آدم فمَن دونه تحت لوائي ولا فخر، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، لكن هذا تواضع، وكذلك لما قال ثم سلوا الله لي الوسيلة وقال فإنها منزلة في الجنة – أعلى منزلة – لا تنبغي إلا لعبد واحد وإن أرجو أن أكون هو، هو يعرف نفسه، يعرف أنه هو، لكن كل هذا تواضع، مثل يوسف – عليه السلام – الذي أعطاه الله تأويل الأحلام، ماذا قال؟ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ۩، أي قال له إن شاء الله أنت تنجو وكلامي يكون صحيحاً، وهو يعرف أن كلامه هذا إلهام، إلهام إلهي! مائة في المائة صحيح، لكن هذا تواضع، وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ ۩، لم يقطع بالجواب وبالتأويل وبالتعبير، على كل حال هذا هو الصحيح إن شاء الله.

هناك أيضاً تأويل آخر، قيل نهي النبي عن المُفاضَلة بين الرسل في مثل هذه الحال، ما هذه الحال؟ حال الاختصام والمُنافَرة، لأن يُمكِن أن ينتقص الإنسان نبياً آخر، حين تأتي وتُفضِّل نبياً على نبي في حال الغضب والحمية والخصومة الدينية المِلية يُمكِن هنا أن تقع – والعياذ بالله – في ورطة انتقاص النبي ولو من طرف خفي، أليس كذلك؟ وهذا يحدث حتى لغير الأنبياء، أنا أعرف شيخاً من مشايخ الإسلام الكبار يقوم بعمل مُحاكَمة بين عليّ وبين مُعاوية، وهو يعلم أن عليّاً أفضل من مُعاوية، لكن لأنه يُريد أن يُدافِع عن بني أُمية – هذا الشيخ الفاضل رحمة الله عليه رحمة واسعة – ماذا يقول؟ انجر في الكلام فقال إن علياً لم يُحرِز في وقته نصراً على الكفّار ولم يحدث في عهده أي فتوح، ثم قال كلمة عظيمة، غفر الله لنا وله، قال وإنه لم يزل مخذولاً، أستغفر الله العظيم، ولذلك حكم كثير من العلماء المُعاصِرين له بالنفاق، وهو شيخ الإسلام وأنا أقول قدَّس الله سره وأنا أعتقد أنه من كبار أولياء هذه الأمة، أما أنه شيخ الإسلام وعلّامة كبير فهذا لا خلاف عليه إن شاء الله تعالى، لكن المُخاصَمات وأن تأت وتزن بين الناس فغير مقبول، هذا عليّ يا سيدي، فحين قال لم يزل مخذولاً حكموا عليه بالنفاق، قالوا نافق فلان، مُنافِق قالوا، مَن أنت لكي تقول في عليّ الكلام هذا؟ مَن أنت بالنسبة إلى عليّ؟ هذا الإمام عليّ عليه السلام، فمُشكِلة هذه، فكيف بالأنبياء أيضاً؟ ممنوع أن نقع في الورطة هذه، كلهم على خير وكلهم إخوة إن شاء الله تعالى، لكن الحقيقة أن محمداً قال هذا من باب التواضع وهضيمة النفس، وهذا تأويل – إن شاء الله – قوي للعلماء والله أعلم.

مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۩، روح القدس مَن هو؟ جبريل، فعيسى مُؤيَّد كإخوانه الأنبياء بروح القدس.

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۞

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ ۩، ما المقصود بالبيع والخُلة؟ البيع: لا يستطيع إنسان أن يبيع نفسه يوم القيامة على الله، لا يُمكِن، لا تقدر على أنا تقول أنا أُريد أن أفتدي نفسي، خُذ يا رب كل أموالي وأعتقني من نار جهنم، سوف يقول لك لا، لا يُمكِن، لا تقدرعلى أن تشتري نفسك مني، قال وَلاَ خُلَّةٌ ۩، ما الخُلة؟ الصُحبة، واحد يُحِبك فتقول هذا يُمكِن أن يشفع لي ويُمكِن كذا، أو النسب، أليس كذلك؟ قال الله فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ۩، وقال أيضاً الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ۩، فضلاً عن أنه قال على لسانهم فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ۩ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ۩، كل هذا ينقطع، الشفاعة، الصداقة، الخُلة، النسب، والصهر، كل شيئ ينقطع، يبقى ماذا؟ العمل والشفاعة التي يتأذن بها الله ويأذن بها، وهذا يدل على ماذا؟ على مزيد كبريائه وعظمته وتفرده بالأمر يومئذ، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ۩، قال يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ ۩، ليس لغيره، ليس لأي ملك حتى، وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ۩، وبعد إذنه، أي من بعد إذنه، مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۩، لابد أن يأذن الله حتى للرسول، حتى الرسول محمد عليه السلام، أليس هو صاحب الشفاعة العُظمى؟ يذهب ويستأذن، ثم يسجد لله ويمكث أسبوعاً كاملاً ساجداً، أسبوعاً كاملاً والله يتركه، وبعد ذلك يرفع رأسه ويُلهِمه الله محامد، يقول يُلهِمني محامد – أي محامد وأثنية – لم يُحمَد – تبارك وتعالى – بمثلها، أي من الناس، محامد غريبة حتى في الدنيا النبي لم يعرفها، يصير يحمد ربه وما إلى ذلك، الله يقول له قل يُسمَع لك واشفع تُشفَّع، فيخر ساجداً أسبوعاً ثلاث مرات، وبعد ذلك الله يأذن له، قال فيحد لي حداً فأُدخِلهم الجنة، يقول له عندك الحد الفلاني فهؤلاء أدخلهم، الآخرون بعد ذلك سوف ننظر فيهم، لا إله إلا الله، الأمر كله لله، هذا حديث الشفاعة في الصحيحين وفي غيرهما، حديث صحيح بلا شك، مروي من عدة طرق، من أجل الأحاديث وأعظمها، حتى الأنبياء من آدم إلى عيسى الكل يكع عنها، أي عن الشفاعة، الكل يخاف، يعتذرون ويقولون ماذا؟ لا، لسنا هنالك، إن ربكم اليوم غضب غضباً لم يغضب مثله من قبل قط، لا نستطيع، الوضع صعب جداً جداً، إلا محمد! فهذا هو المقام الذي يقومه عليه الصلاة والسلام، يحمده به الأولون والآخرون، يقولون نعم، هذا هو، فعلاً لا يُوجَد مثله، هذا الوحيد، هو الوحيد والحمد لله.

 زَادَنِي شَرَفـًا وَتِيهًـا                                       وَكِدْت بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا.
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ: يَا عِبَادِي                              وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا.

أكبر شرف أننا أتباع هذا النبي عليه الصلاة وأفضل السلام، ولذلك بعض الوفاء أيها الإخوة أن نُحافِظ على دينه، على شرعه، على كتابه، وعلى سُنته، أيضاً بعض الوفاء أن نتفقه في دينه، لا أن نحفظ فقط وإنما أن نتفقه في دينه ونتفقه في سُنته، نقرأ سيرته، ونعرف الكبير والصغير مما يتعلَّق به، أليس كذلك؟ وهذا يزيدنا حُباً فيه وصبابةً، أليس كذلك؟  للأسف محروم – والله محروم – الذي لا يقرأ السُنة والسيرة، لا يعرف عن الرسول شيئا، يقول فقط الرسول محمد، وهذا حدث من رجل من دير الزور ذات مرة، خرج الإمام يخطب عن وفاة الرسول والناس كانت تبكي، فجاء رجل مسكين بدوي أعرابي قال لماذا؟ هل محمد مات؟ قصة حقيقية، حدَّثني بها أخ هذه، قال لي في قريتنا هذا، لا يعرف أن الرسول ميت، انظر إلى أي مدى بلغ الجهل، يقول هذا من أمة محمد، جهل قبيح والعياذ بالله، الآن هناك أُناس يجهلون جهلاً طبعاً أخف من هذا لكن لا يعرفون الكثير عن نبيهم، قال – تبارك وتعالى – أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ۩، هذا حال الكفّار، فعيب أن يكون المُسلِم قريب من هذه الحال، لا يعرف عن رسوله إلا الشيئ البسيط جداً جداً، اقرأوا وتفقهوا في سيرته وفي سُنته، والله العظيم من أجمل ما يكون، اقرأ البخاري، البخاري كتاب عجيب، اقرأ هذا كل يوم أنت وزوجتك وأولادك، اقرأ منه الأحاديث وسوف تعرف أشياء غريبة، اقرأ مُسلِم، اقرأ مُوطأ مالك، ثم اقرأ الكتب الثانية، اقرأ السيرة، موجودة في كتب السير، اقرأ كل يوم فصل عن رسول الله، والله سوف تزداد صبابةً وتعشقاً له وتتيماً به، وسوف تشعر أن إيمانك صار أقوى، وحُبك لهذا الإنسان وحُبك لله صار أقوى بكثير، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ۩، أليس كذلك؟ نسأل الله أن يُعيننا على بعض ذلك إن شاء الله تعالى.

وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩، قال أحد الأسلاف الصالحين الحمد لله الذي قال وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩، ولم يقل والظالمون هم الكافرون، لماذا؟ ما الفرق؟ لو قال والظالمون هم الكافرون لذهبنا في داهية، لكن الحمد لله قال وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩، لماذا؟ مبتدأٌ محصورٌ في خبره، هكذا يقول النُحاة! مبتدأٌ محصورٌ في خبره، وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩، إذن لا يُوجَد ظلم على الحقيقة في غير الكافر، أي أن المُؤمِن – إن شاء الله – غير ظالم، لماذا؟ أي ظلم هنا؟ ليس الظلم البسيط، قال – تبارك وتعالى – على لسان إبراهيم في مُحاجته لقومه فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۩ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ۩، في الأنعام، اللهم إنا نرغب إليك أن تجعلنا منهم يا رب العالمين، هذه الآية حين سمعها الصحابة أشفقوا، في صحيح البخاري أشفقوا وخافوا، قالوا يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ أي بمعصية وبتفريط، كلنا ظلمنا أنفسنا، قال ليس ذلكم – المعنى ليس كما فهمتموه -، ألم تقرأوا أو قال ألم تسمعوا قول العبد الصالح – يعني مَن؟ لقمان عليه السلام – إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ۩؟ فالله قال وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩، هذا يعني أن الذي ليس كافراً ليس ظالماً بإذن الله تبارك وتعالى، لكن لو قال والظالمون هم الكافرون فسوف يكون المعنى ماذا؟ أن في غير الكافرين يُمكِن أن نكون من الظالمين، فدخلنا فيها وذهبنا، لن يكون لنا أمن يوم القيامة، فالحمد لله، أرأيتم كيف كان يفهم هؤلاء الناس القرآن الكريم؟

۞ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۞

آية الكرسي، لن نُفيض في شرحها، وبقيَ على كل حال تقريباً الآن عشر دقائق، تأخَّرنا اليوم، بقيَ عشر دقائق من ساعة ونصف، لكن مَن أحب أن يتوسَّع التفاسير موجودة، وأنا – أعوذ بالله من كلمة أنا – شرحتها مرة في خُطبتين جُمعيتين – أي على حلقتين – شرحاً مُطوَّلاً، أعني آية الكرسي، وهذا طبعاً قليل جداً جداً في شرح هذه الآية العظيمة التي هي أعظم آية في القرآن الكريم، أعظم سورة الفاتحة وأعظم آية الكرسي، في الحديث الصحيح أن النبي – عليه السلام – سأل أبا المُنذِر – أُبي بن كعب -، قال له يا أُبي أتعلم أعظم آية في القرآن ما هي؟ قال قلت الله ورسوله أعلم، أي لا أعرف، أي آية أعظم؟ الله ورسوله أعلم، قال ثم أعاد علىّ، أي أعاد السؤال، ما هي أعظم آية؟ قلت الله ورسوله أعلم، ثلاث مرات! قال ثم قلت يا رسول الله آية الكرسي؟ قال لي ليهنك العلمُ أبا المُنذِر، انظر إلى التشجيع، ما أحسن تعليم النبي! تشجيع، لم يقل نعم هذا جيد و Bravo، لا! يُشجِّع، حين تتحدَّث وما إلى ذلك يُشجِّعك ويرفع معنوياتك، قال له أنت عالم وعندك علم وهنيئاً لك به، هنيئاً لك بهذا العلم وبهذا الفتح الإلهي، قال له ليهنك العلمُ – الفاعل هو العلمُ طبعاً – أبا المُنذِر، وهذا في الصحيح، عند غير البخاري زاد الراوي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال والذي نفسي بيده إن لها لساناً وشفتين تُسبِّحان الله وتُقدِّسناه عند ساق العرش.

المُهِم أنها أعظم آية في كتاب الله، الكرسي أعظم آية في كتاب الله، هناك حديث صحيح عن أبي أيوب وحديث صحيح عن أبي هُريرة وله طرق كثيرة، أبو أيوب ذات مرة قال كنت هكذا في البيت في الليل – ذات ليلة – فإذا بالغول أقبلت، ما هي الغول؟ الجني إذا تبدى بالليل يُسمى غولاً، وفي الحديث سُئل عن إذا تغوَّلت الغيلان، صحيح! وأهلنا في البلاد الآن يُسمون فعلاً الجن في الليل بالغول، يقولون رأى الغولة وخرجت الغولة، هي فعلاً هذه، كلمة فصيحة وشرعية ولُغوية قبل حتى الإسلام، فالغول هي الجن إذا تبدت في الظلام، في الليل! فجاءت الغولة لمَن؟ لأبي أيوب الأنصاري، وجعلت تأخذ من الطعام، فأمسكها فقالت أرسلني، أرسلني فإني مُحتاجة، قال هيا اذهبي، فذكر ذلك للنبي، قال أما أنها ستعود، أي أن هذه الغولة سوف تعود لك الليلة، النبي يعرف طبعاً، هناك وحي، فجاءت فأخذها، قال سأذهب بكِ إلى رسول الله، قالت أرسلني، أرسلني فإني مُحتاجة، أي أن هذه آخر مرة، لن أعود، قال فأرسلتها، يا أخي ما هذه الرقة التي عند الصحابة؟ عندهم رقة وعندهم رحمة حتى على الجن، أرأيتم؟ ليسوا مثلنا حاقدين، اليوم حين يغلط أحدهم لابد أن يجلس ويعترف بالحق، يا أخي ما الحقد هذا، تساهل يا رجل، تساهل مع عباد الله لكي يتساهل الله معك، فانظر إلى الجني يا أخي، جني هذا، شيطان! قال اتركني، اتركني، فأنا محتاج، قال له اذهب، سهَّل الله عليك، لا إله إلا الله، الصحابة كانوا عجيبين يا أخي، هؤلاء تلاميذ محمد، أليس كذلك؟ رحمة ورقة ولطافة، كانوا أُناساً غير عاديين، والهمة التي عندهم كانت عجيبة، اليوم ذكرنا آية الخوف، صلاة الخوف! أنس بن مالك يقول كنت في فتح تُستر – النسبة إليها تُسترية ومنها سهل الولي – وحاصرنا البلدة هناك ولم يُمكِنا واشتد القتال عند الصبح، أي عند الفجر اشتد القتال، قتال شديد! حتى لم يُمكِنا أن نُصلي، يقصد ماذا؟ صلاة الصبح، لم نُصل – قال – حتى ارتفعت الشمس، فصلينا خلف أبي موسى، قال ما أُحِب أن يكون لي الدنيا بما فيها بهذه الصلاة، قال صلاة كانت عجيبة، صلاة خوف، وكنا في أرض رباط وجهاد وفي وضع استثنائي، قال الدنيا وبما فيها لا أُبدِّلها بالصلاة هذه، يا أخي ما هذه الهمم الشريفة العالية؟ هل فينا أُناس مثلهم؟ هل هناك مَن يُضحي الدنيا وما فيها من أجل نوع من طاعة أو صنف من طاعة أو طاعة؟ كان عندهم همم غريبة هؤلاء الناس، شخصيات غير عادية، ربانيين كانوا فعلاً، قال الدنيا وما فيها لا تُساوي صلاتي تلك، لن أنساها أبداً، عليه الرضوان والرحمة.

المُهِم قال فأرسلته، فقال للنبي، فالنبي قال له ما فعلك ضيفك البارحة؟ قال له عاد يا رسول الله كما قلت، قال سيأتيك الليلة، اقبض عليه وائت به، فجاء الثالثة، قال قلت سآخذك إلى رسول الله، قال أرسلني وأُعلِّمك شيئاً، أُعلِّمك آية – قال له – إذا قلتها لن يضرك شيئ، لا أنا ولا غيري، قلت ما هي؟ قال اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۩، أي آية الكرسي، فأرسلته ثم سألني النبي ما فعل ضيفك البارحة؟ قلت كذا وكذا، قال صدقك وهو كذوب أو صدقتك – لأنها غولة – وهي كذوب، هذا صحيح، هذه الآية فعلاً تحفظ الإنسان ولا يزال في حفظ الله، إذا قرأها حين يأوي إلى الفراش تحفظه من كل شرور، من شر الإنس والجن حتى يُصبِح، هذا يعني أنها عظيمة، فعلاً آية عظيمة، قريب من هذا جداً في الصحيح – في البخاري – وقع لأبي هُريرة، نفس الشيئ! أبو هُريرة المسكين لم يكن يعرفه أنه شيطان، يظن أنه إنسان عادي، فيما بعد – بعد المرة الثالثة وما إلى ذلك – حين علَّمه آية الكرسي النبي قال له أتدري مَن كان ضيفك؟ قال له لا، قال له ذاك شيطان، يا ويلتاه! لم يكن أبو هُريرة يعرف هذا، كان يتكلَّم معه وما إلى ذلك ويظن أنه إنسان عادي، جاءه في شكل إنسان عادي، النبي قال له ذاك كان شيطاناً جنياً، لم يكن إنساناً عادياً، فكان يقول له ماذا؟ دعني يا أبا هُريرة فإن علىّ عيال وبي حاجةٌ شديدةٌ وأنا مُحتاج، يقول له هذه العبارة فيتركه أبو هُريرة، تركه مرة ومرتين وثلاث، وبعد الثالثة علَّمه أن آية الكرسي هذه تحفظه من كل سوء حتى يُصبِح، فهي آية عظيمة جداً جداً.

اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۩، ما معنى قيوم؟ مَن يذكر؟ (ملحوظة) قال أحدهم الذي قام بنفسه ويقوم به كل شيئ، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، هذا المعنى الكامل، بعض العلماء يقول القيوم الذي يقوم به خلقه، بعضهم يقولون الذي يقوم بذاته ولا يحتاج إلى غيره، لكن المعنى مُكوَّن من هذين المعنيين، المعنى الصحيح! القيوم على وزن فيعول، وزنه فيعول، فيعول من القيام، وهو في معناه الأتم الذي قام بذاته ولا يحتاج إلى أحد غيره – تبارك وتعالى – وبه يقوم كل شيئ في الكون، أليس كذلك؟ ولذا لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ۩، لو أخذه قليل – وهذا طبعاً مُحال، فرض المُحال ليس بمُحال، لكن هذا مُحال – أو سنة من نوم ما الذي يحدث؟ يعود عالم المُمكِنات وهو كل ما عدا الله – كل ما عدا الله هو عالم المُمكِنات، المُمكِن هو الذي كان بعد أن لم يكن، أليس كذلك؟ أي المخلوق – إلى العدم في أقل من لحظة، يختفي، لا شيئ يبقى، لا إله إلا الله، ولذلك ربنا – عز وجل – لا تأخذه لا سنة ولا نوم، لا هذا ولا هذا أبداً أبداً، لأن الكون يخلقه الله في كل لحظة، علماً بأن هذه نظرية الإمام المُعتزِلي المشهور جداً النظّام، إبراهيم بن سيّار النظّام، شيطان المُعتزِلة كانوا يُسمونه وهو شيخ البخاري، علّامة كبير وخطير جداً، ووافقه عليها أبو عليّ بن حزم في الفِصل، قال أنا مع النظّام في هذه النظرية، ما هي؟ الخلق المُستمِر، أن الله يخلق الكون في كل لحظة، الكون يفنى ويُخلَق في كل لحظة، لماذا؟ لأنه لا يقوم بذاته، ليس عنده قوام ذاتي، وهذه نظرية فلسفية مُعمَّقة جداً جداً قال بها مالبرانش Malebranche وديكارت Descartes والآن الفيزياء الحديثة تقول بها، إن شاء الله بعد رمضان – لأن رمضان لا يليق به التفلسفات هذه فهي تُخرِّب الروحنيات ومن ثم نتركها إلى ما بعد رمضان – سوف نتحدَّث عن هذا الموضوع، فالكون هذا في كل لحظة يُخلَق خلقاً جديداً، إذن هذا وجود ظلي كله، أليس كذلك؟ شبحي! ولله المثل الأعلى.

على كل حال الشفاعة معروفة، وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ۩، ما معناها؟ ولا يُحيطون بأي شيئ من العلم الإلهي إلا إذا شاء الله أن يُعلِّمهم، هذا المعنى واضح، هناك معنى ثانٍ غير واضح، قيل وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ ۩ أي من العلم المُتعلِّق بذاته وصفاته، أليس كذلك؟ حتى الصفات هل يعلم أحد كيفياتها؟ لا أحد، أبداً! نُؤمِن بها لكن لا نعلم الكيفية أبداً، فلا أحد يعلم شيئاً يتعلَّق بذات الله أو كيفية صفاته إلا بما شاء سُبحانه وتعالى، قيل هكذا!
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ۩، لا إله إلا الله، قال ابن عباس الكرسي موضع القدمين، أي في اللُغة العربية حين نقول الكرسي والعرش، هل تعرفون العرش؟ هذا العرش، وما الكرسي في اللُغة العربية؟ ليس الذي تقعد عليه وإنما موضع القدمين، اسمه الكرسي، قال ابن عباس الكرسي موضع القدمين، وأما العرش فلا يُقادر قدره، لا يعرف سعته وعظمته إلا الذي خلقه، لا إله إلا الله! وأيضاً عن أبي ذر وابن عباس وغيرهما لو مُدت السماوات السبع – وفي رواية نُشِرت السماوات السبع، أي فُتِحن، وهذا يعني أن هذه إشارة إلى أنها مطوية أو على شكل إسطواني أو شكل كُري، الله أعلم، وهذا مُهِم فلكياً، المُهِم قال لو مُدت وفي رواية نُشِرت السماوات السبع – والأراضون السبع – إلى جانب بعضها البعض – لما كانت في عرش الرحمن إلا كحلقة في فلاة، أي مثل خاتم في صحراء، يا الله! إذن ما هذا العرش؟ شيئ مُخيف، الكون كله المخلوق هذا بالنسبة إلى العرش مثل خاتم في صحراء، لا إله إلا الله! لذلك لم تقرأ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩ تعرف ما معنى ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩، العرش هذا ليس شيئاً بسيطاً، كائن ضخم جداً جداً، ومحمد الذي يعيش في الأرض – كان يعيش في الأرض عليه الصلاة وأفضل السلام – أشرف عند الله من العرش والفرش، هذا العرش ليس له قيمة عند الله مثل محمد، هذا مُهِم لكي نعرف قيمة هذا الرسول الكريم، اللهم صل وسلم وبارك عليه.

وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ۩، لا يكرثه، لا يُثقِله، لا يُتعِبه حفظ السماوات والأرض، فهو القيوم عز وجل، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۩.

۞ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۞

نختم إذن بهذه الآية، لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩، قيل هذه الآية على وجهها، على ظاهرها هكذا بمعنى لا تُكرِهوا، أي أن هذا نهي، إنشاء، ممنوع أن يُكرِه المُسلِمون أحداً على دين الله الحق، كل إنسان وما اختار لنفسه من دين، وله سبب نزول رواه ابن جرير وغيره كالنسائي وأبي داود وابن أبي حاتم، سبب النزول أن المرأة من الأنصار – الأوس والخزرج – كانت في الجاهلية إذا كانت مقلاةً – ما معنى مقلاةً؟ لا يعيش لها ولد، تُخلِّف ثم يموت، على عجل يموت دائماً، يمضي شهر أو شهران أو أسبوع أو أسبوعان ثم يموت، يُسمونها المقلاة، أي التي لا يعيش لها ولد – نذرت أن إذا رزقها الله – تبارك وتعالى – ولداً جعلته يهودياً، يا الله سوف يصير يهودياً خنزيراً، مثل الآن والعياذ بالله، كيف؟ الآن الناس عندهم هذه النزعة، هذه كلها خُرافات تأتي عبر القرون للأسف، المرأة المقلاة في عصرنا الحديث خاصة في الأنجاع والقرى والأرياف ماذا تفعل؟ تُسمي ابنها اسماً – والعياذ بالله – مشنوعاً، مثل حمار أو ثور أو نمر وما إلى ذلك، أسماء حقيرة جداً لكي يعيش كما يقولون، ويعيش! وهذه الرواية أصلاً خبيثة جداً، نُسِبت إلى أبينا آدم وأمنا حواء، في تفسير الأعراف سنأتي عليها – إن شاء الله – في رمضان، وهي رواية باطلة، إسرائيلية فارغة، كلام فارغ، هذا غير صحيح وغير مشروع في الدين، فالمُهِم قالت سوف نجعله من أسوأ الناس، سوف نجعله يهودياً فربما يعيش، فكانوا يعيشون، ابتلاء من الله، يعيشون! فلما أُجليَ بنو النضير ما الذي حصل؟ تعرفون سورة الحشر، بعد مُحاوَلة قتل الرسول – لعنة الله عليهم – أذن الله للنبي بإجلائهم وبحشرهم، فحشرهم وأجلاهم، كان منهم مَن؟ أولاد الأنصار الذين تهوَّدوا أو هُوِّدوا بالأحرى، في الحقيقة هم هُوِّدوا، فقالوا لا، والله لا يذهب أولادنا معهم، هؤلاء يهود وما إلى ذلك ونحن أسلمنا، فأنزل الله لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩، إذا الولد أصبح بالغاً وعاقلاً راشداً هو الذي يختار دينه، إذا كان مُرتاحاً إلى اليهودية فليظل يهودياً وليظل مع بني النضير، انظر إلى أي مدى بلغت السماحة في هذا الدين، سماحة! ليس عندنا إكراه، لا يُوجَد عندنا إكراه في هذا الدين.

وقيل ظاهرها النهي وباطنها الخبر، وهذا قوي جداً، وذلك إذا فسَّرت الآية على أنه خبرية تقول لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۩ بمعنى لا يُتصوَّر الإكراه في الدين، هذا صحيح، هل تتصوَّرون الآن أنه يُمكِن إكراه إنسان على أن يعتقد ما لا يعتقده حقاً؟ مُستحيل، يُمكِن إكراه إنسان على أن يقول ما لا يعتقد، يُقال له قل أنا يهودي وربما يقول لأنه يخاف من الطخ ويخاف من الضرب، هذا صحيح، لكن هل قلبه يقول أنا يهودي؟ مُستحيل! لأن الله أعطاك سر الحرية وأمانة الاختيار، وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ۩، هذه الأمانة ليس إلا لله سُلطان عليها، أليس كذلك؟ كيف عرفنا أن الله وحده له سُلطان على هذا السر؟ لقوله – تبارك وتعالى – أو لما كان من قوله تبارك وتعالى – وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ۩، هو الذي يقدر على هذا، يقدر على أن يجعلك تفعل شيئاً أنت غير مُقتنِع به، ثم تقول كيف فعلته؟ كيف تورطت في هذه الورطة؟ إن الله إذا أراد أن يُنفِذ قضاءه سلب أهل العقول عقولهم، فإذا أنفذ قضاءه رد عليهم عقولهم، يبدأ التلاوم حينها، كيف فعلت هذا؟ ما هذه الغلطة؟ ما هذه المُصيبة؟ الله يُريد هذا، أليس كذلك؟ قال – عليه السلام – في حديث أم سلمة وغيرها قلوب العباد بين أُصبعين – طبعاً يُقال أُصْبع وإصْبِع وإصْبَع وهكذا، ستة وجوه للضبط فيها، من أفصحها أُصبع، وتُؤنَّث ولا تُذكَّر، هي أُصبع، هل أنتِ إلا أُصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيت؟ النبي كان يقول هذا، قال دميتِ، لم يقل دميتَ – من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف شاء، لما كان دائماً يُكثِر من قول يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك قالت له عائشة إنك تكثر أن تدعو بهذا فهل تخشى؟ قال لها وما يُؤمِّنني؟ وقلوب العباد بين أُصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف شاء، فوحده – تبارك وتعالى وعز شأنه وجل مجده – الذي له السُلطان على حرياتنا، على قلوبنا، وعلى ضمائرنا، ما عدا الله لا يُوجَد أحد، لا تُوجَد أي قوة في الكون لها سُلطان على قلبك حتى الشيطان بالوسوسة ليس له سُلطان، يُوسوِس فقط، أليس كذلك؟ فقط يُوسوِس، ولذلك قال ابن عباس ماذا؟ ذات مرة اجتمع ابن عباس بعبد الله بن عمرو، فقال ابن عباس – ونختم بهذا الحديث اللطيف – لابن عمرو يا عبد الله أي آيةٍ في كتاب الله هي أرجى عندك؟ أي ما أكثر آية تبعث الرجاء في نفسك، أي الرجاء في رحمة الله وفي عفوه وصفحه؟ فقال قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۩، قال أَسْرَفُوا ۩، أي سواء بالكبائر أو بالصغائر، إسراف يضمن الكل، فيها ست تأكيدات على الرحمة ذكرناها ذات مرة في خُطبة، قال له وأنت يا حبر؟ يا عبد الله بن عباس؟ قال له أما أنا أرجى آية – انظر إلى الفقه، هذا ترجمان القرآن، شخصية غريبة، لابد أن يكون رأيه مُختلِفاً عنا، الأمر ليس بهذه البساطة، والآن سوف تستغربون كلكم من أرجى ىية عنده – قوله – تبارك وتعالى – وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۩، أرجى آية عندي في كتاب الله! قال له كيف؟ ما هذا الفهم الغريب والدقيق؟ هذا من عميق العلم، من عميق علم الحبر البحر قدَّس الله سره، قال الله – عز وجل – غفر وتجاوز وحط عنا الوساوس، قال نحن أكثر خوفنا من الوساوس، يأتي شيطان ويُشكِّك المرء ويقول كذا وكذا، وهذه كلها وساوس أنا لا أُريدها، أليس كذلك؟ قلبي مُطمئن بالآية وهذه وساوس، فالآية أفهمتنا أن الله لا  يُؤاخَذ بذلك، فقال له هذه آية عندي، قدَّس الله سره الكريم ورضيَ الله عنهم وعنا وعنكم والمُسلِمين والمُسلِمات معهم أجمعين بفضله ومنّه.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: