الدرس الخامس
تفسير سورة البقرة من الآية الثالثة بعد المائتين إلى الآية التاسعة والعشرين بعد المائتين

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما يُحِب ويرضى، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ومولانا وحبيبنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومَن والاه، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً وفقهاً، ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، اللهم اجعل تجمعنا هذا تجمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً برحمتك يا أرحم الراحمين.

۞ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ۞

أيها الإخوة:

يقول الله – سُبحانه وتعالى من قائل – وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۩، هناك الأيام المعلومات وهناك الأيام المعدودات، الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، أي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق، أي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، اسمها أيام التشريق، وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۩، لماذا؟ للتكبير، لأن الحاج وغير الحاج أيضاً يُكبِّرون في هذه الأيام في أعقاب الصلوات، وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ۩، هذا في حق الحاج، لماذا؟ لأن المبيت بمنى أيام التشريق هو ثلاث ليال، بعض الناس يتعجَّل، الله – تبارك وتعالى – أعطى هؤلاء المُتعجِّلين رُخصةً أن يتعجَّلوا بعد يومين، أي يبيت الواحد منهم ليلتين ثم ينطلق في الثالثة، الله قال لا إثم ولا حرج، لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ۩.

۞ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۞

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۩، قيل نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وهو من الطائف، من ثقيف، وكان مُنافِقاً يُظهِر عكس ما يُبطِن أو يُبطِن عكس ما يُظهِر والعياذ بالله تبارك وتعالى، قيل نزلت فيه هذه الآية، وقيل بل هي في المُنافِقين عموماً.

 مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ۩، فيها تفسيران: التفسير الأول وَيُشْهِدُ اللَّهَ ۩ أي ويُبارِز الله تبارك وتعالى، من المُشاهَدة، يُبارِز الله بما في قلبه وهو الكفر والطُغيان والنفاق والكذب بعكس ما يُظهِره للناس من الإيمان والإسلام والاستسلام والعياذ بالله، أي يخشى الناس ولا يخشى الله تبارك وتعالى، يُراقِب الناس ولا يُراقِب الله تبارك وتعالى، يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ۩ كما في النساء، هذا التفسير الأول، التفسير الثاني وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ۩ أي يُقسِم ويَحلِف أن الذي في قلبه يُواطيء ما أظهره بلسانه وأفعاله، أي أنه رجل صادق، هذا المعنى الثاني وهذا الذي يتبادر لنا، أي إنسان عربي عادي يتبادر له هذا المعنى الثاني، على كل حال المعنيان صحيحان – إن شاء الله – وقال بهما جماعة.

 وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۩، من اللدد، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم، من اللدد، ما هو اللدد؟ العوج، اللدد هو العوج، الإعوجاج! لأن المُنافِق يزور عن طريق الله – سُبحانه وتعالى – ويتنكَّب سبيله وصراطه المُستقيم، هو أعوج، قال – تبارك وتعالى – وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ۩، أي عوجاً، اعوجوا وازوروا عن الصراط المُستقيم، هذا أصل اللدد، هذا أصل كلمة اللدد، بعض الناس يفهم منها فقط المُبالَغة في الخصومة، لا! أصلها اللُغوي هو العوج، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ۩.

۞ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ۞

وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۩، طبعاً كل عاصٍ هو مُفسِد والعياذ بالله، كل عاصٍ هو مُفسِد، وما فسدت الأرض بكل مرافقها بشيئٍ كما فسدت بمعصية الله تبارك وتعالى، قال – عز من قائل – ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ۩ في الروم، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ ۩، الحرث هو الأرض التي يزدرعها الناس، وهذه نصف قوام معاشهم، النصف الآخر النسل وهو نتاج الحيوان، يُفسِد نتاج الأرض أو زرع الأرض وأثمارها ويُفسِد أيضاً نتاج الحيوان، بالمُناسَبة أيضاً – ما دمنا نُذكِّر كل يوم بالمبني المجهول – لا يُقال أَنتَج الحيوان وإنما أُنتِج، انتبهوا! أُنتِجت الناقة وليس أَنتَجت الناقة كما قد يتبادر، أُنتِجت الناقة، فهي مُنتَجات بالبناء للمفعول، ولم يُسمَع منه بناء للفاعل، لا يُقال أَنتَج الحيوان وإنما أُنتِج، فهذا نتاج للحيوان وهو النسل.

۞ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ۞

وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ ۩، أي ودع ما أنت فيه واترك ما تخوَّضت فيه، أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ ۩، الباء هنا ما موقعها؟ باء السببية، أي بسبب الإثم الذي تلبَّس به والعياذ بالله، إذن كل إنسان – والعياذ بالله – إذا كان ينطوي على إثم وعلى معصية وعلى دغل – والعياذ بالله – وعلى دخيلة ليست طيبة ويُوعَظ ويُنصَح بسبب هذا الإثم لا يقبل الموعظة والنصيحة، هذا معنى الآية، بسبب هذا الإثم! وأما الإنسان المُؤمِن الذي ظاهره كباطنه وربما يُكون باطنه خيراً من ظاهره على العكس من ذلك، إذا وُعِظَ مُباشَرةً يستكين، كان سيدنا عمر يكون في ثورة الغضب – يغضب غضباً شديداً – فإذا ذُكِّر بالله استكان مُباشَرةً، وكل الصحابة الكبار كانوا هكذا، حتى عثمان مُباشَرةً إذا قيل له هذا يستكين لها، حين يُذكَّر بآية أو بحديث مُباشَرةً يستكين، لأن لا يُوجَد إثم في الداخل، يخاف ويخشى الله تبارك وتعالى، أما المُنافِق يغضب، حين تقول له اتق الله يقول لك اتق الله أنت، أنت! ويُعطيك درساً – سُبحان الله – لأنه تعبان! هذه الآية مُخيفة، قد تنطبق على بعض الناس، فلينظر امرؤٌ لنفسه، أي بسبب الإثم الذي تلبَّس به وانطوى عليه.

فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۩، أي هي كافيته عقوبةً، وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ۩، أصل المهاد هو ما يُوطأ للصبي، شبَّهها – والعياذ بالله – بأنها كالمهاد الذي يُوطأ للصبي.

۞ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ۞

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ۩، أيضاً هذا من مثاني الكتاب، وقد فسَّرنا وذكرنا ما هو أصح الأقوال في معنى مثاني الكتاب وتثنية آيات الكتاب، فهذا من المثاني، بعد أن ذكر هذا الصنف الرديء من الناس ذكر الصنف المُقابِل الجيد النفيس الشريف، قال وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ ۩، تعلمون جميعاً أنها نزلت في أبي يحيى صُهيب الرومي رضيَ الله عنه وأرضاه، حين أراد أن يُهاجِر كما هاجر مَن سبقه منعته قريش، إلا أن يترك كل ما تأثَّله من مال وكل ما دخره، فتركه لهم، فاشترى نفسه – سُبحان الله – مُهاجِراً بماله وما تأثَّله من مال، ونزلت فيه هذه الآية وهو لا يعلم، وهو يتوجَّه تلقاء المدينة عرض له عمر بن الخطاب – عليه الرضوان والرحمة – في نفر وجماعة من أصحاب رسول الله، فلما بدا لهم قال له عمر بيعٌ رابحٌ، بيعٌ رابحٌ يا صُهيب، قال وأنتم لا أخسر الله تجارتكم، ما ذاك؟ أي ما القصة؟ انظر إلى الأدب كيف يكون والدعاء، ثم إن أين المغزى الحقيقي في القصة؟ ما هو؟ المغزى الكبير في القصة ما هو؟ فرح المُؤمِن لأخيه المُؤمِن، عمر يخرج من المدينة ويتلقاه عند قباء، لأنه فرحان لصُهيب، لم يحسده، لم ينفس عليه، لم يزعل، لأنه يتشرَّف بأخوة رجل كهذا تنزل فيه آية قرآنية، ويُريد أن يتودَّد إليه، أي عمر يُريد أن يتودَّد إلى صُهيب، لكي يُوثِّق أُخوته مزيد توثيق، رجل ينزل فيه قرآن، هذا حقيق بأن أقترب منه، هذا المغزى! المُؤمِن يُحِب الخير لأخيه المُؤمِن، وإذا أصابه الله أو ابتلاه بشيئ من الخير وأنعم عليه بشيئ من النعم يفرح، المُؤمِن يفرح لأخيه، يفرح حقيقةً، لكن ضعيف الإيمان أو المُنافِق أو ابن الدنيا أو رجل الدنيا وما إلى ذلك يغضب ويحزن ويغتم ولا يستطيع أن ينام الليل، سُبحان الله، هذه نعمة نزلت لأخيك، لا حول ولا قوة إلا بالله، نقص تربية ونقص فهم والعياذ بالله، عمر خرج في نفر يستقبل صُهيباً، قال له بيعٌ رابحٌ، بيعٌ رابحٌ يا صُهيب، فقال له وأنتم لا أخسر الله تجارتكم، ما ذاك؟ أو قال وما ذاكم؟ قال أنزل الله فيك قرآناً وتلا له الآية، وأيضاً في رواية أُخرى ومخرج آخر أن الرسول أيضاً قال لصُهيب الكلمة المشهورة ربح البيع، ربح البيع، بخٍ بخٍ، ربح البيع، ربح البيع أبا يحيى، بيعٌ رابحٌ فعلاً، صفقة! طبعاً اشترى نفسه بمال، بعرض بسيط، وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ۩.

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ۞

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً ۩، السلم هنا عند عامة المُفسِّرين هو الإسلام، ادخلوا في الإسلام كافة، أي خذوا عقائده ومعاقده وأخلاقه وشعائره وشرائعه جُملةً واحدةً، لا تستثنوا، هكذا! لا تتخيَّروا كأهل الكتاب، أليس كذلك؟ يأخذون نصيباً ويتركون نصيباً، ما وافق هواهم أخذوه، ما لم يُوافِق تركوه، لا! نحن أُمِرنا بأن نأخذ دون تخير، الرسول عرض نفسه على قبيلة من قبائل العرب على أن يمنعوه وأن يدخلوا في هذا الدين وعلى أن يحوطوه من جميع جوانبه، قالوا نمنعك نعم، أما أن نحوط الدين من جميع جوانبه فلا، قال لا حاجة لي بنُصرتكم، لا يُوجَد نصف إسلام وربع إسلام، لا يُمكِن! إما أن تأخذ الإسلام كما هو وتستعد وإما لا، النبي رفض، هم لم يُريدوا أن يأخذوا على أنفسهم العهد والميثاق بأن يحوطوا هذا الدين من جميع جوانبه، فالنبي ترك نُصرتهم،  ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ۩. 

۞ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۞

فَإِن زَلَلْتُمْ ۩، معروف الزلل، مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ ۩، الحُجج الفالجة الواضحة، فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ۩، لا يُقادَر ولا يُؤخَذ، حَكِيمٌ ۩، حكيم في فعله وأمره، في شرعه وقدره.

۞ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۞

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ۩، هذه كقوله – تبارك وتعالى – وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ۩، وكقوله هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ۩، قال الله هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ۩، وقُرِأت هذه الآية هل ينظرون إلا أن يأتيهم في ظُللٍ من الغمام اللهُ والملائكةُ، هكذا! بالتأخير، اللهُ والملائكةُ! على كل حال قال أبو العالية في تفسيرها الملائكة تأتي في ظُللٍ ويأتي الله فيما يشاء، ولماذا؟ لا! نحن نأخذ الآية بظاهرها، نعم الله يأتي في ظُللٍ، كيف إتيانه؟ لا نعلم، لا نعلم كيفية ذلك، نُؤمِن بما وصف الله به نفسه وبما أسند إلى ذاته الشريفة، ونترك البحث في الكيفية له سُبحانه وتعالى، لا أحد يعرف هذه الكيفية، وهذا مذهب أسلاف هذه الأمة وهو أسلم وأعلم – إن شاء الله – وأنجى، وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۩، متى؟ متى يكون هذا الإتيان؟ يوم القيامة، ولماذا؟ لماذا يكون؟ لفصل القضاء بين العباد في يوم الدين، في يوم الحساب، في يوم الدينونة، هذا هو، إذن الله يتوعَّدهم بماذا؟ بيوم القيامة، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۩.

۞ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ۞

سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۩، واضحة أيضاً ولائحة، الآيات التي أُوتيها بنو إسرائيل كثيرة جداً، قال – تبارك وتعالى – فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ ۩، ما هي هذه الآيات، خاصة آيات موسى طبعاً؟ أول شيئ اليد، بعد ذلك العصا، قبل ذلك الحجر، فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ۩، اعلموا هذا إذا قرأتم آية الحجر،هذا معنى الحجر، فإذن الحجر، بعد ذلك فلق البحر، أليس كذلك؟ بعد ذلك تظليل الغمام عليهم، المن والسلوى، كل هذه آيات، وماذا بعد؟ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ ۩، كل هذا أيضاً من آيات الله، هذه أُرسِلت على مَن؟ على فرعون وآل فرعون، أليس كذلك؟ وهي آية من سورة الأعراف، كل هذه مجموع الآيات، واختُلِف في تعيين التسع منها بالضبط، هذه تقريباً إحدى عشرة آية، أين التسع؟ يُوجَد خلاف، بعضهم يحذف آية ويأخذ آية، لكن طبعاً لا خلاف على البحر واليد والعصا، هذه الآيات لا خلاف فيها، هذه الآيات دائماً تُذكَر، وكذلك المن والسلوى، على كل حال آيات كثيرة، سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ۩.

۞ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ۞

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۩، طبعاً فهي زينتهم وهي أسعد ما مُنَّ به عليهم، وليس لهم في الآخرة من خلاق، أي وليس لهم في الآخرة من نصيب، وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ ۩، لقلتهم وعيلولتهم وفقرهم، قال – تبارك وتعالى – وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۩، يوم القيامة تنعكس الآية، تنعكس الصورة فيصير مَن كان يظن نفسه عالياً شريفاً واطئاً خاسئاً ذليلاً مُهاناً ويصير مَن كان يُظَن فيه أنه من الدون وأنه من السفلة وأنه من القلة في أشرف مقام وفي أعلى مكان إن شاء الله تبارك وتعالى، طبعاً والعبرة بالخواتيم، العبرة بالعواقب، وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩.

۞ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۞

كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ۩، عبد الله – إذا قرأنا أيها الإخوة كلمة عبد الله في القراءات يُقصَد بها ماذا؟ ابن مسعود – وأُبي بن كعب وناهيك بهما قارئين – النبي كان يقول خُذوا القرآن من ابن أم عبد أو اقرأوه على ابن أم عبد، مَن هو؟ ابن مسعود، أبو عبد الرحمن، وأما أُبي فالنبي كان يطلب منه أن يقرأ وهو يسمع، يقول أقرأ وعليك أُنزِل؟ تعرفون الحديث، فهذا أُبي وهذا ابن مسعود – كانا يقرأن كان الناس أمةً واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مُبشِّرين ومُنذِرين، ومعنى أو وجه هذه الآية أنه كان بين آدم – عليه الصلاة وأفضل السلام – وبين نوح – عليه الصلاة وأفضل السلام – عشرة قرون – ألف سنة – كلهم على الحق وعلى هُدى مُستقيم، ثم حدث بعد عشرة قرون ماذا؟ ما الذي حدث بعد ألف سنة؟ حدث تغيير وتبديل، ودخل الشرك وطرأ على الناس، فبعث الله نوحاً – عليه الصلاة وأفضل السلام – وهو أول الأنبياء والرُسل المبعوثين بعد آدم، بسبب ماذا؟ بسبب هذا الفساد الطارئ على العقيدة، بسبب هذا الفساد والشرك الذي طرأ في عقائد الناس. 

كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ۩، هذا كله واضح، لكن هذه الآية وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۩، في آيات أُخرى مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۩، هذا يُؤكِّد أن العلم والبيّنة وحدهما ليسا كافيين في الهداية، أليس كذلك؟ غاية ما هنالك أنهما يهديان هداية بيان، تبيين وإيضاح، لكن تبقى الهداية الحقيقية وعليها المُعوَّل بيد الله تبارك وتعالى، وهي أن يفتح مسامع القلب للاهتداء بهذه الحُجة، رُب إنسان يسمع آية واحدة تتغيَّر حياته كلها، بآية أو بموعظة! ورُب إنسان يُدرِّس العلم – سُبحان الله – ويعيش ويموت فاسقاً، أليس كذلك؟ تعرفون الأحاديث الكثيرة في علماء السوء، كثيرة جداً وهي صحيحة، في الصحاح وفي السُنن وفي غيرهم.

 فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۩، كان من دعاء مولانا رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله علينا مُلتبِساً فنضل وقنا عذاب النار، هكذا النبي كان يدعو، وفي الصحيحين من حديث أمنا عائشة – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين – قالت كان النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يقول في صلاة الليل – أول ما يقوم – ماذا؟ ماذا كان يقول؟ كان يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاءإلى صراطٍ مُستقيم، أخرجاه في الصحيحين وأخرجه طبعاً غيرهما، أنا دائماً حين يكون الحديث في الصحيحين أكتفي بهما، لا أقول وأخرجه فلان وعلان، هذا يكفي! حين يكون في البخاري ومُسلِم تكون هذه أحسن نسبة، هذا يكفي عن ذكر بقية المخارج للحديث، فهذا كان دعاؤه عليه الصلاة وأفضل السلام.

۞ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ۞

أَمْ حَسِبْتُمْ ۩، أي ظننتم وخِلتم، أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۩، يُوجَد حذف في الآية، بلاغة! أي أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما تُبتَلون ولما تُختبَروا ولما تُمتحنوا ويأتكم مثل الذين ابتُلوا من قبلكم، هذا معنى الآية، وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۩، خَلَوْا ۩ تعني ماذا؟ مضوا من الأمم والناس، مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء ۩، فسَّرنا البأساء أمس وهي الفقر، وَالضَّرَّاء ۩ الأسقام والأوجاع وما شاكل وما داخل، وَزُلْزِلُواْ ۩، ما معنى وَزُلْزِلُواْ ۩؟ صاروا في شدة شديدة وفي خوف كبير، مثلما وقع للصحابة يوم الأحزاب، أليس كذلك؟ يوم الأحزاب! هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ۩، نفس الشيئ، فلأصحاب محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – الحظ الوافر من هذا الزلزال ومن هذا الابتلاء في الله – تبارك وتعالى – ومن الصبر الجميل أيضاً والوفاء بعهد الله، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، فقد كانوا خير أصحاب لخير نبيٍ عليه الصلاة وأفضل السلام، وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ۩، يستفتحون، إنهم يستفتحون، مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ۩ استفتاح، يستعجلون نصر الله تبارك وتعالى، يقول الله – عز وجل – أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ۩، هذه الآية فيها عبرة وفيها فائدة كُبرى، ما هي؟ أن نصر الله لا يأتي من طريقٍ قريبٍ، أي لا يأتي بعد اختبار قصير ووجيز، لا! لابد أن يسبقه زلازل وقلاقل ومحن شديدة، وهنا يختبر الله ماذا؟ صبر عباده ووفاءهم بالعهود والمواثيق، فإذا ما أعطوا هذا المعنى من أنفسهم تأذَّن الله بالنصر والفتح، فيأتي في آخر شيئ – سُبحان الله – كنور الفجر الذي ينبلج في أحلك ساعات ظُلمة الليل وهي التي تسبق الفجر، تكون أحلك ما يكون، هكذا! هذه حكمته وسُنته، هذه سُنة إلهية، وإن شاء الله الآن أمة محمد في محنة وبلية كبيرة جداً، الآن! الكل يلحظ هذا، فعلاً هناك محنة شديدة جداً جداً جداً عمت هذه الأمة – والله – وطمت، فإن شاء الله يتأذَّن الله بالنصر، لأن أمة محمد أيضاً فيها خير، لا نستطيع أن نُحمِّلها كل شيئ، فيها خير كثير وتُؤدي ما عليها، حقيقةً لو أردنا أن ننظر في القرن العشرين لوجدنا بلا شك ومن غير مُبالَغة أن أكثر الأمم جاهدت وناضلت وقدَّمت النفس والنفيس والدماء والأبناء والمُهج هي أمة محمد، أليس كذلك؟ أكثر الشعوب تحررت وناضلت الاستعمار هي أمة محمد، إذن هذه أمة مُجاهِدة، أمة مُناضِلة إن شاء الله.

۞ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ۞

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۩، قيل كيف ينفقون؟ وقيل على وجهه، قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۩، النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان يقول ابدأ بنفسك، إنما هي نفسك، ثم أهلك، ثم أختك، ثم أخوك، ثم أدناك وأدناك وأدناك، الأقربون أولى بالمعروف، وهكذا تبدأ بالأقرب ثم بالأبعد فالأبعد فالأبعد، هكذا تكون النفقة، قال له يا رسول الله عندي دينار، قال أنفقه على نفسك، قال عندي آخر، قال أنفقه على أهلك، قال عندي آخر – وهذه حُجة، هذا الصحيح، أنه يُقال للثاني والثالث والرابع: آخر آخر آخر، بعض الناس تشدَّد وقال لا، لا يُقال آخر إلا للآخر فعلاً، أي يُقال عندي دينار وعندي ثان وعندي ثالث وعندي رابع وعندي خامس وعندي آخر، لكن لا، ليس شرطاً، فيما بعد الأول يُقال: آخر وآخر وآخر، جائز لُغةً، لكن بعضهم تشدَّد فيه، على كل حال قال عندي آخر للثاني، وعندي آخر أي ثالث -، قال أنفقه على أقربائك، قال عندي آخر، قال أنت أبصر، أتُريد أن تُطوِّل القصة إلى الصباح؟ تقول عندي وعندي وعندي، النبي دائماً يُعطي القواعد العامة، أليس كذلك؟ ولذلك لما سُئل عن الحمير – النبي سُئل عن الحمير، أليس كذلك؟ هل فيها صدقة؟ هل فيها زكاة؟ هل فيها خير؟ هل يُمكِن أن نتوسَّلها وسيلة إلى اصطناع المعروف بأي طريقة؟ – قال ما أُنزِلَ علىّ فيها شيئ إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ۩ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ۩، أرأيت كيف الاستنباط؟ يُعلِّمنا النبي الاستنباط، هو الذي قعَّد قواعد الأصول، أول مَن فعل هذا الرسول، يُعلِّمنا أن ليس شرطاً في كل شيئ أن تجد نصاً واضح، كأن يكون هناك نص بشكل واضح في الخير ونص في كذا ونص في كذا، لكن عندك آية جامعة فاذة: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ۩، في أي شيئ سواء كبر أو صغر.

قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۩، ذكرنا هذه الأصناف، وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ۩.

۞ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ۞

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۩، لما فيه من البُعد عن الأهل، أليس كذلك؟ وعن المال، وعن الخلان والأحباب، وعن المألوف والمُعتاد، ولما فيه من التعرض للموت أو الجُرح والأذى و و و و، فالإنسان يكره بطبعه، صحيح! الله قال ماذا؟ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۩، خيرٌ دنيوي وخيرٌ ديني، أما الدنيوي فبماذا؟ بالنصر والغنيمة إن شاء الله، تعودون غانمين سالمين، وأما الخير الأُخروي فهو الأجر أو الشهادة، في الحديث الصحيح قال – صلى الله عليه وسلم – تكفَّل الله – تبارك وتعالى – لمَن خرج مُجاهِداً في سبيله إن هو قُتِل أن يُقتَل شهيداً وإن هو عاد أن يعود بما نال من أجر أو غنيمة، ثم قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – والذي نفسي بيده لوددت أني أُقاتِل في سبيل الله فأُقتَل ثم أُحيا ثم أُقتَل ثم أُحيا ثم أُقتَل ثم أُحيا، ثلاث مرار! قال ولولا أن أشق على أُمتي ما قعدت خلف سريةٍ قط، ثم قال ولوددت أنِّي أُقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أُقتل ثم أحيا، ثم أُقتل، فهذا فيه أجر كبير جداً جداً لمَن كان يعلم، وطبعاً عكسه وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۩، القعود عن القتال وعدم مُفارَقة الأهل والأوطان والأموال مُحبَّب للنفس لكن قد يكون فيه – والعياذ بالله – الذلة في الدين والهوان في الدنيا، قد يكون هذا القعود هو السبب ويكون شراً علينا.

۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۞

هذه الآية عجيبة بعض الشيئ، ما لم نعرف سبب نزولها لا تُفهَم، وتركيبها عجيب غريب، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۩، حتى من ناحية إعرابية غريبة هذه الآية، لكن فعلاً فيها بلاغة وجزالة عجيبة جداً، سبب هذه الآية أيها الإخوة باختصار – قرأتموه في السيرة طبعاً وهو مشهور – أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – بعث أبا عُبيدة بن الجرّاح – أمين هذه الأمة رضيَ الله عنه وأرضاه – على رأس مجموعة من المُجاهِدين لكي يتسقَّطوا أخبار قريش من غير قتال، أمرهم بأنه لا قتال، ودفع إليهم كتاباً، أوصاهم ألا يُفتَح في مكان مُعيَّن ويُقرأ على هؤلاء القوم، فمشى أبو عُبيدة قليلاً ثم أجهش باكياً صبابةً إلى رسول الله رضيَ الله عنه وأرضاه، غير قادر على أن يُفارِق الرسول، حُب شديد كان عندهم للرسول، حُب غير عادي، يُحِبون دائماً أن يكونوا معه، مع أن بعثه مُجاهِداً وأمير سرية، مشى خُطوات وما إلى ذلك ثم جعل يبكي يبكي، فالنبي أشفق عليه فأرجعه، قال تعال، ابق هنا، لم يقدر على أن يُفارِق النبي، صبابةً إلى رسول الله فأجلسه، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، أمين هذه الأمة، قال عمر لو كان أبو عُبيدة حياً لاستخلفته، هذا فيما بعد، لكن هو كان ميتاً، شهيداً في عمواس، أي في طاعون عمواس بفلسطين، رضيَ الله عنه وأرضاه، المُهِم أرجعه وأرسل بدله أو مكانه مَن؟ عبد الله بن جحش، المُهِم قرأ الكتاب في المكان المُحدَّد فيما بعد وقال إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩، ثم أخبرهم بأمر رسول الله، وعرض لهم جماعة من الكفّار المُشرِكين على رأسهم ابن الحضرمي فقتلوه وسبوا ما كانوا معهم، ولم يكونوا يعلمون أنه قد استهل هلال رجب، كانوا يظنون أنهم في آخر جُمادى الآخرة، لكن رجب دخل، ورجب الأصم الفرد هو شهر حرام، من الأشهر الحُرم، لكن هم ما كانوا يعرفون، فطبعاً أرجف بهذا الحادث – وهو حادث جلل بلا شك – مَن؟ المُشرِكون، وقيل بعض المُنافِقين في المدينة، قيل هذا لكن نحن علمنا أن النفاق لم ينجم – مما يُضعِف هذا القول – إلا بعد بدر الكُبرى، أليس كذلك؟ فهذا القول يُصبِح ضعيفاً، الصحيح أن المُشرِكين هم الذين أرجفوا، محمد يدّعي  أنه يُعظِّم حُرمات الله وأشهر الله وها هم جُند محمد يقتلون الناس في الشهر الحرام، كلام كثير أصبح هناك، وأخذ الشفق – إي الإشفاق – ابن جحش وجماعته، هو وأصحابه أشفقوا إشفاقاً شديداً، أي ظنوا أنهم هلكوا، مع أنهم لم يتجانفوا الإثم، لم يتقصَّدوا، لم يعمدوا إلى هذا عن علم، لم يعمدوا إلى هذا الفعل أو هذه الفعلة عن علم، كانوا يجهلون هذا الشيئ، أنه قد أهل عليهم رجب، أخذهم الشفق أخذاً وجيعاً، حتى تأذَّن الله فأنزل هذه الآية الكريمة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۩، أي هل يجوز فيه القتال؟ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ ۩، بلا شك عظيم، أمر عظيم، ليس جيداً، أي استحلال الشهر الحرام، قُلْ قِتَالٌ فِيهِ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ ۩، معنى الآية: ولكن صدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به، مَن الذي صد؟ ومَن الذي كفر؟ قريش ومَن لف لفهم، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۩، أي صدّ عن المسجد الحرام، مَن الذي صُدَّ؟ المُسلِمون صُدَّوا عن المسجد الحرام وأُخرِجوا منه وهم أهله، هم هاجروا لكن في الحقيقة هم أُلجِئوا حتى يُهاجِروا، هم هُجِّروا، في الواقع أنهم هُجِّروا، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۩، والنبي قال هذا، نحن نقول النبي هاجر لكن هو هُجِّر في الحقيقة، وحين وقف بالحزورة على مشارف مكة – مكان مرتفع كالتلة – نظر إليها وبكى وقال إنكِ لأحب بلاد الله إلى الله وإنكِ لأحب بلاد الله إلىّ ولولا أن أهلكِ أخرجوني منكِ ما خرجت، أي أنا أُخرِجت، اضطروه واضطروا أصحابه إلى الخروج منها، فهذا هو الصدّ، ليس في الحُديبية هذه، ليس لها علاقة بها، هذه قبل الحُديبية، هذه قبل بدر الكُبرى بكثير، الحُديبية في السادسة، وهذه قبل، إذن معنى الصدّ هنا هو ماذا؟ معنى الصدّ هو إخراج أهل الحرم منه وهم الصحابة المُهاجِرون، أُخرِجوا منه هكذا ظلماً وعدواناً.

وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۩، هنا المعنى الراجح من معاني الفتنة ما هو؟ (ملحوظة) قال بعض الحضور الكفر فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، صدّ المُسلِمين وليس الكفر، صدّ المُسلِمين وابتلاؤهم  وامتحانهم في دينهم حتى يتركوا هذا الدين، فتنة المُؤمِن في دينه ليكفر، هذا أكبر أيضاً مما وقع،  أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۩.

وَلاَ يَزَالُونَ ۩، أيضاً عن هؤلاء الكفّار والمُشرِكين، يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ۩، هذه الآية بعض العلماء اشتم منها – كالعلّامة المُفسِّر الشيخ الطاهر بن عاشور قدَّس الله سره – أنها قد تُؤشِّر وقد تُؤميء إلى حد الردة، لأن طبعاً القول الشائع وهو صحيح بلا شك أن الردة لا يُوجَد لها حد في الكتاب، حد الردة ما هو؟ القتل، أليس كذلك؟ بعد الاستتابة طبعاً، القتل بعد الاستتابة والمُحاجَجة، قالوا هذه ثابتة بالسُنة، لكن ليس في القرآن آية تُشير أو تُصرِّح بحد الردة، ابن عاشور قال لا، هذه الآية يُمكِن أن يُشتَم منها هذا، لماذا إذن؟ لأنه قال وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ ۩، لم يقل ثم يمت، قال فَـــــ ، مُباشَرةً ترتيب مع تعقيب، هذا يعني أنها إشارة إلى أن يُقتَل، إذا ارتد اقتلوه وسوف يذهب إلى جهنم ويهلك، حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۩، وهذا في النفس منه شيئ، أنا شخصياً لم أرتح له، هذه ليست حُجة وإنما شُبهة، لماذا؟ لأن القرآن يُعلِّمنا أن الذي يكفر بعد إيمان هو مُباشَرةً دخل في الموت، هو ميت! والكافر أصلاً هو ميت، أليس كذلك؟ والقرآن سمى الكفّار أمواتاً في عشرات الآيات، هم أموات، ولا حياة للإنسان حقيقية يعترف بها القرآن الكريم إلا بالإيمان، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ۩، هناك آيات كثيرة عن هذا، وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ۩، يُشبِّههم بالموتى، قال موتى، هؤلاء موتى، موتى أصلاً هؤلاء، فالإنسان فعلاً يموت مُباشَرةً بالكفر والعياذ بالله، ليس شرطاً الموت بضرب السيف والله أعلم، على كل حال فيها مبحث، وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۩.

۞ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۞

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، هذه الآية جميلة أيضاً، لماذا؟ بعد أن أنزل الله – تبارك وتعالى – عُذر أو معذرة ابن جحش وأصحابه وإخوانه طمعوا في الأجر كما قال محمد بن إسحاق علّامة السيرة الكبير ، للأسف لم تصلنا سيرته، وصلنا منها مُجلَّد واحد في الهند، عبد الملك بن هشام صاحب السيرة أخذ من ابن إسحاق، لكن السيرة الأصلية لابن إسحاق لم تصلنا كاملة، يا ليت تصلنا إن شاء الله، يُقال في الهند موجودة كاملة، مصدر أساس ومُتقدِّم ومُهِم جداً جداً، فقط طُبِعَ منها مُجلَّد واحد وهي كبيرة، يقول محمد بن إسحاق – رحمة الله تعالى عليه – لما أنزل الله أولئك الآيات في معذرة ابن جحش وأصحابه طمعوا في الأجر، هكذا الإنسان! طمّاع في الخير، هذا جيد، نحن الآن برءاء، ليس علينا أي مُشكِلة، ونحن حين خرجنا وقاتلنا الكفّار – وصحيح كان هذا في رجب – هل عندنا أجر إن شاء الله؟ فأتوا إلى الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقالوا يا رسول الله أنطمع أن يكون لنا في خروجنا وجهادنا أجر مُجاهِد في سبيل؟ هل هذا كُتِب لنا إن شاء الله؟ كانوا حريصين على الأجر، ليس على المال والغنائم، كانوا يُريدون الأجر هم، فأنزل الله هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ فوضعهم الله من ذلك على أمل عظيم، وضعهم الله من ذلك على أمل كبير، قال لهم نعم، ائملوا في الأجر إن شاء الله، لكم أجر مُجاهِدين – وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩.

۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ۞ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۞

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ۩، الآية مشهورة جداً جداً، آية الإثم والمنافع.

أيها الإخوة:

كان الفاروق عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه – يقول دائماً اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، عمر – سُبحان الله – بطبيعته وبفطرته السليمة التي لم تشبها شائبة حقيقية كان يتمنى أن القرآن يُحرِّم الخمر، الصحابة كانوا يشربونها ويختزنونها في البيوت، وعمر لا يرتاح إلى ذلك، يُحِب ويهوى أن الله يُحرِّم الخمر، يقول اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، أنتم تعلمون أن الخمر أنزل الله فيها أربع آيات، المشهور ثلاث لكن هي في الحقيقة أربع، أول هذه الآيات آية سورة النحل: وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۩، قال سَكَرًا ۩، هذه هي، أول شيئ! هذه تمتن – ظاهرها فقط وباطنها الامتنان – علينا، تتخذوا منه عصيراً مُسكَّراً حلواً، ويُمكِن أن يكون أيضاً بمعنى ما يُسكِر، سماه سَكَرًا ۩، وهو العصير الحلوة، قال هذه منّة، بعد ذلك نزلت الآية التي في البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ۩، إذن قال  قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ۩، وسنشرح الإثم والمنافع، وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۩، قالوا لعمر هذا هو، قال اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، غير مُقتنِع، هذا لا يكفي، لأنها غير واضحة فعلاً، لا تقول أنه حرام، أليس كذلك؟ قال لا، اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، يُريد أن يقطع الله دابر الخمر، ثم نزلت آية النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ۩، هل هذا واضح؟ انظر إلى هذه الآية، انظر إلى التربية الإلهية، تربية! الآن قلَّ الله – تبارك وتعالى – وقت تعاطيهم الخمر، لأن الوقت من الصلاة إلى الصلاة قصير، ولم يبق إلا وقتان: بعد العشاء إلى الصبح وبعد الصبح إلى الظهر، أليس كذلك؟ هذا وقت طويل يتسع للسُكر، لكن من الظهر إلى العصر لا يتسع الوقت، ومن العصر إلى المغرب لا يتسع الوقت، ومن المغرب إلى العشاء لا يتسع الوقت، تضييق! أسلوب تربوي هاديء، قليلاً قليلاً، فبعث الرسول مُؤذِّناً يُؤذِّن لا يقربن الصلاة سكران، قالوا له تعال يا عمر، تعال اسمع إلى ما أنزل الله، قال ماذا أنزل؟ قالوا كذا وكذا، أي آية النساء، قال اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، غير مُقتنِع، ليس كافياً هذا، أي نُريد بالمرة البيان الشافي، حتى أنزل الله التي في المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ – أي خبث أو إثم – مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩، إلى أن قال فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ۩، قال انتهينا، انتهينا، وكان فرحاً جداً عمر، يُحِب الخير لأمة محمد هو، انظر إلى هذا الرجل، عمر عجيب! وقلنا قصته مع صُهيب، عنده نفسية دائماً تطمع في الأخير وترتجي الخير للأمة كلها، ليس لنفسه وإنما للأمة كلها، لم يكن أنانياً بالمرة، ولذلك لما صار خليفة فعلاً كان أنجح رجل حقيقةً، الله يسَّر له – سُبحان الله – من الأمور الكثير حتى طول خلافته، لم تكن فترته مثل أبي بكر، ففترته كانت طويلة، أكثر من إحدى عشرة سنة، إحدى عشرة سنة والله يُيسِّر له، وكان أنجح رجل دولة في تاريخ الإسلام، لأن تفكيره تفكير أُممي، على مُستوى الأُمة كله، وسُبحان الله همه المُقيم المُقعِد وأمله وحُزنه وفرحه وحُبه كله للأًمة، كل شيئ للأُمة، ما شاء الله عليه، وعاش ومات فقيراً بمدرعة مُرقَّعة هو وأولاده، لكن أهم شيئ عنده الأُمة، فرضيَ الله عنه وأرضاه والله، رجل عظيم، حين تُفكِّر فيه تجده إنساناً – سُبحان الله – عجيباً، وفعلاً لو كان نبي بعد رسول الله لكان عمر وأمثال عمر، لو كان هذا في الأُمم الثانية – سُبحان الله – لاختلف الأمر، شيئ غريب، لكن هذه حكمة الله تبارك وتعالى.

قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ۩، ما الإثم الذي فيهما؟ معروف طبعاً، كثيرة جداً جداً، ما هي المنافع الآن؟ منافع التجارة وهذه اللذة المُطرِبة التي تحصل للمخبول الذي يتعاطاها، طبعاً هناك أُناس عقلاء حتى في الجاهلية لم يشربوا الخمر من غير تشريع، بعقله يعرف أن هذا الشيئ لا يُتعاطى، لماذا أدفع مالي وأخسر عقلي؟ أدفع مالي أيضاً وهذا عجيب، مثل هذا ولا تزعلوا منا الدخان، الذي يُدخِّن ينطبق عليه هذا، والله – أنا قلت لكم هذا قديماً في مسجد الهداية – أنا عرفت لأول مرة – كنت شاباً كبيراً حينها، ربما كنت في الثالثة والعشرين أو الرابعة والعشرين من عمري، في هذه الحدود – أن الذي يُدخِّن هذه الدخينة أو السيجارة يشفط هذا الهواء المُسمَّم إلى الرئتين، لم أُصدِّق وثُرت ثورة كبيرة على صديق لي وبهدلته وصرت غضبان، لم أُصدِّق، قلت هذا مجنون، مُستحيل! لا يفعل هذا عاقل بنفسه، كنت أظن أنهم يأخذونها كنوع من التسلية دون شفط، قال لي لا، هو يأخذ الهواء المُسمَّم إلى الداخل، قلت له إلى الداخل؟ لم أُصدِّق، وفعلاً إلى الآن أستغرب وأُقسِم بالله على هذا، كيف يفعل عاقل هذا بنفسه؟ كيف؟ مُستحيل! المفروض الإنسان يعلم أن هذه أمانة، البدن هذا أمانة وأنت مسؤول عنه أمام الله، مسؤول عنه حتى إذا كنت تسهر، السهر يُهلِك الجسم، إذا كنت تسهر في غير طاعة إثم هذا يا مسكين، والله سوف يقول لك أنت أتعبت هذا البدن واستهلكته قبل أوانه، أحرقته بالسهر، أليس كذلك؟ لماذا؟ وهذا لم يكن في طاعتي، من أجل المُسلسَلات والتلفزيون Television والأفلام الأكشن Action والسينما Cinema وكل هذا الكلام الفارغ، كل هذا ستُحاسَب عليه فانتبه، وليس بعد بعد الحق إلا الضلال، أليس كذلك؟ انتبه فهذا مقياس الإمام مالك أعطانا إياه، إمام المذهب! يوم القيامة تُوجَد كفتا ميزان، هناك حق وهناك باطل، أليس كذلك؟ كل شيئ لابد أن يُوضَع إما في الحق وإما في الباطل، وأنت قدِّر لنفسك، الذي يُضيِّع عُمره وحياته وما إلى ذلك ويكسل عن صلاة الصبح من أجل أن يحضر أفلام ومُسلسَلات وكلام فارغ، هناك أُناس يتركون حتى مثل هذا الدرس، تفسير قرآن هذا، أليس كذلك؟ ليس سياسة وليس فلسفة وما إلى ذلك، ويذهبون من أجل المُسلسَلات، طبعاً هناك أُناس أنا أعذرهم والله، وجيد أنهم يأتون لكي يُصلوا معنا ومع غيرنا، لأن الواحد منهم يعمل من الساعة السادسة صباحاً، فبارك الله فيهم، لعل الواحد منهم أجره عند الله كأجر العشرات من أمثالنا، لكن هناك أُناس ليسوا كذلك، الواحد منهم مرتاح، يعود من عمله في الساعة الثانية أو الثالثة، ويعود فقط بدافع أن يحضر التمثيلية، ما هذا؟ للأسف! لابد من العقل، الإنسان لابد أن يكون عنده عقل، أليس كذلك؟ العقل يهدي دائماً إلى البر، فنسأل الله أن يُكمِّل علينا عقولنا.

وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۩، ما هو العفو هنا؟ الزيادة، ما فضل عن الحاجة، وهذه لن أُفسِّرها لأن عقدها عنها خُطبة طويلة، خُطبة إنفاق العفو في الإسلام وفلسفة إنفاق العفو، كلام طويل! لكن باختصار فيها أحاديث كثيرة، في إنفاق العفو أحاديث كثيرة، قال يا ابن آدم إنك إن تُنفِق العفو خيرٌ لك ولا تُلام على كفاف، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ۩ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ۩، في الدنيا وسرعة زوالها ووحي تقضيها وفي الآخرة وخلود مَن أقام فيها، فكِّر ووازن، كما قال العلّامة ابن قدامة المقدسي في رسالة له عجيبة غريبة في التصوف – رحمة الله على الفقيه الكبير – كل لحظة يا عبد الله يا مُسلِم اعلم أنه يُقابِلها في الآخرة إن في نعيم الأبد وإن في عذاب الأبد – والعياذ بالله، نسأل الله حُسن الختام والسعادة في الدارين، كل لحظة ماذا يُقابِلها؟ – ما لا ينقضي في أبد الآخرة، أنت الآن ساعة – مثلاً – تقضيها في صلاة أو في ذكر الله أو في استغفار أو في التفكر في عظمة الله وخلق الله وفي نعمة الله عليك – ساعة! ساعة فكر – أجرها يوم القيامة ما هو؟ خلود، يُعطيك الله عليها نعيماً، هذا النعيم خالد بسبب ساعة واحدة، والعياذ بالله العكس أيضاً صحيح في حق الكفّار طبعاً، فالإنسان لابد أن يُفكِّر وأن يُوازِن دائماً بين الدنيا وخساستها وسرعة زوالها وبين الآخرة ودوامها وخلودها وعِظم نعيمها.

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۩، غير واضحة الآية بالمرة، ما معنى إصلاح؟ وما معنى تُخالِطوهم؟ هل يعني هذا أن نتعامل معهم؟ نحن نتعامل! لكن لا، ليست هذه القضية، القضية أن الله – تبارك وتعالى – حين أنزل إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ۩ أشفق الصحابة الذين كان في ولايتهم أيتام إشفاقاً شديداً جداً، قالوا مُصيبة هذه، نحن نأكل معهم وربما نظلمهم في شيئ، فمازوا أنفسهم من اليتامى وأموالهم، وجعلوا اليتامى يأكلون وحدهم، حتى في الأكل اليتيم عنده طبق وحده وخبز وحده وكل شيئ وحده، ونحن نأكل وحدنا، قالوا نحن لا نُريد هذه المُشكِلة يا أخي حتى لا يحدث شيئ، وهكذا! وهذا ثقل عليهم، صعب حين يكون عندي يتيم أو اثنان في الدار أن نعمل دائماً طعاماً له وحده من ماله على حدة وأن يكون له طبيخ وحده وصحن وحده وكل شيئ له وحده، ما هذه القصة؟ فأصبح أمراً مُحرِجاً لأهله، وتساءلوا ما القصة هذه؟ فأنزل الله – تبارك وتعالى – وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ۩، هم سألوا النبي في المسألة هذه، قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۩، حاوِلوا قدر المُستطاع أن تُصلِحوا من شأنهم ومن أموالهم وأن تستثمروها وأن تُثمِّروها، هذا المطلوب وهو الأصل، وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ۩، وإن تأكلوا معهم في نفس الأطباق وما إلى ذلك، قال هذه ليس فيها شيئ، فَإِخْوَانُكُمْ ۩، هم إخوانكم في الدين، اعتبر اليتيم أخاً عادياً، والإنسان يأكل مع أخيه، فيظل أخاك اليتيم هذا، لا تُوجَد مُشكِلة، فكُل معه وشاركه في الطعام والشراب وما إلى ذلك، هذه ليس فيها شيئ، بالعكس الله – تبارك وتعالى – أباح ما هو أكثر من ذلك، وماذا قال؟ قال وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۩ في أول النساء، وسَّع أكثر من هذا أيضاً، قال إذا كنت ولياً على اليتيم فتستطيع حتى أنت تأخذ من ماله إذا احتجت، إذا احتجت على خلاف بين السادة الفقهاء، تأخذ بغير بدل – على سبيل المُسامَحة وبقدر ما تحتاج فقط – أو إذا أيسرت سددت، هناك قولان مشهوران، والمذاهب مُوزَّعة على القولين، المذاهب الأربعة مُوزَّعة على القولين وعرضنا لها ذات مرة في درس لا أعرف الآن أكان فقهياً أو أصولياً، المُهِم هذا هو، هل هذا واضح؟ هناك أُناس قالوا تأخذ من مال اليتيم حتى إذا أيسرت وصار عندك مال تُعيد إليه ماله، هناك أُناس قالوا تأخذ وتأكل هنيئاً مريئاً – إن شاء الله – ولكن بقدر الحاجة ولا تُعيد شيئاً إليه، فالمسألة فيها سعة والحمد لله، أصبح فيها سعة، هذا معنى وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۩، هذا معنى المُخالَطة هنا، أي في الأكل والشراب وما إلى ذلك.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۩، الله مُطلِع على البواطن وحقائق الأمور، أليس كذلك؟ لا يغتر بظواهرها وتلبيسات مَن لبَّس فيها، وهو يعلم مَن نيته الإصلاح لهم ومَن نيته إفساد أموالهم وأخذها بغير حق، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ۩ قال، تخافوا، لكن أنت كُن على بيّنة من أمر نفسك ولا تُخادِعن نفسك، والأمور عند الله – إن شاء الله – واسعة.

وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ ۩، العنت هو الضيق والحرج، أي يُتعِبكم ويُضيِّق عليكم، بماذا؟ باستبقاء الحُكم الأول، فكل إنسان يأكل وحده وكل مال ينماز ومن ثم هذا يُصبِح فيه عنت شديد على أصحاب هذه المسألة، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩.

۞ وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ۞

وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ۩، واضحة! هذه الآية يُمكِن أن يدخل فيها كل مُشرِكة بإطلاق وهذا إذا قلنا أن أهل الكتاب من المُشرِكين، هل هذا واضح؟ طبعاً لا خلاف أن أهل الكتاب كفّار، هل هذا واضح؟ أهل الكتاب كفّار، لا خلاف بين العلماء حول هذا، ولكن هل يدخلون في مُسمى المُشرِكين أو لا يدخلون؟ قولان للعلماء، وظواهر كتاب الله حقيقةً تُؤكِّد أنه لا، أنهم لا يدخلون في مُسمى المُشرِكين مع أنهم أتوا أفعالاً شركية، أليس كذلك؟ وكفرهم بسبب الشرك مثل النصارى، لكن لا يُسمون مُشرِكين، لماذا؟ لأن القرآن لا يفتأ في مواضع كثيرة جداً يُميِّز بين المُشرِكين وأهل الكتاب، فهذا يعني أن هذا شيئ وهذا شيئ، لماذا؟ لأن هناك شركاً أصلياً كشرك الوثنيين والثانويين، وهناك شركٌ طارئ كشرك الكتابيين، كانوا مُوحِّدين وأهل دين وأهل كتاب ثم طرأ عليهم شرك، فالشرك الطارئ له أحكامه والشرك الأصلي له أحكام، والمسألة طويلة بالمُناسَبة وفيها كلام كثير، الله يقول وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ۩، والراجح في هذه الآية وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ ۩ أي الوثنيات، ولا يدخل في الآية الكتابيات، وإذا قلنا بأنها عامة فهي من سورة البقرة، وسورة المائدة التي فيها إباحة نكاح الكتابيات مُتأخِّرة، بل المائدة من آخر إن لم تكن آخر القرآن نزولاً كسورة، من السور اللاتي تأخَّر نزولهن أو نزولها أو آخر السور نزولاً، معروفة! والأحاديث في ذلك مشهور جداً وثابتة، أن سورة العقود من آخر القرآن نزولاً، إذن لابد أن تكون آية المائدة خصَّصت عموم آية البقرة إذا قلنا أن المُشرِكين يدخل فيه الكتابي أيضاً، إذا قلنا بذلك تصير هذه آية عامة وتلك خاصة، لا تُوجَد مُشكِلة، ما المُشِكلة هنا؟ لا تُوجَد مُعارَضة، وإذا قلنا لا يدخل الكتابي في المُشرِك لن تُوجَد أيضاً مُشكِلة، هذا حُكم وذاك حُكم آخر. 

وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ ۩، قال وَلاَ تُنكِحُواْ ۩، أي ولا تُزوِّجوا، قال وَلاَ تُنكِحُواْ ۩ “بضم التاء” وليس ولا تَنكِحوا “بفتح التاء”، وَلاَ تُنكِحُواْ ۩، أي ولا تُزوِّجوا بناتكم للمُشرِكين.

أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۩، هذه الجُملة أُقيمت مقام تعليل، لماذا حرَّم الله تزويج المُشرِكين والزواج منهم وإليهم؟ طبعاً يُقال التزويج أيضاً بمعنى الزواج فانتبهوا، التزويج بمعنى الزواج، والتزويج أيضاً بمعنى إعطاء الآخر زوجةً، لماذا حرَّم الله تزويج المُشرِكين منهم وإليهم، قال – علَّل – أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۩، بهديهم وطريقتهم وسلوكهم وما إلى ذلك هم دُعاة إلى نار جهنم، وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ۩.

۞ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ۞ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ۞

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ۩، لماذا؟ لأن اليهود أيها الإخوة كما تعلمون كانوا إذا حاضت المرأة لم يُؤاكِلوها ولم يُجامِعوها في المنازل، كانوا يعزلون النساء في الخارج، في الصحراء تخرج ويُضرَب لها حفشٌ – أي بيت مثل بيت الأعراب من وبر أو من شعر – وتقعد فيه حتى تنقضي الحيضة أو ينقضي النفاس أيضاً، فهذا حتى في النفاس، ولا يأكلون من تحت يدها أي شيئ صنعت، لا شيئ! يرون أن كل هذا مُتنجِّس، كله فيه نجاسة، فيبدو أن الأنصار – الأوس والخزرج – تأثَّروا وبدأوا يتساءلون، هل هذا الكلام يُوجَد عندنا؟ سألوا الرسول فأنزل الله هذه الآية، قال وَيَسْأَلُونَكَ ۩، لأنهم كانوا يتساءلون، أي ما الحُكم؟ وقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – افعل كل شيئ إلا الجماع، افعل كل شيئ – عادي أن تأكل معها وتشرب معها وتنام معها، لا تُوجَد مُشكِلة، وتُقبِّلها وتضمها وكل شيئ، تتمتَّع بها – إلا الجماع فقط، عائشة كانت تقول نفس الشيئ، في الصحيحين قالت لما كنت حائضاً كنت أفلي لرسول الله شعره وكنت آخذ العرق أتعرَّقه – ما العرق؟ عظم على القليل من اللحم، اسمه العرق هذا، حين يُوجَد بعض اللحم يُقال يتعرَّق – فيأخذه رسول الله ويضع فمه أو فاه على مكان فمي، وهي حائض، هذا هو، قالت وكنت أشرب من الإناء فيأخذه ويضع فمه مكان فمي، يشرب ويُوضِّح لهم، وذات مرة قال لها ناوليني، النبي كان في المسجد وهي في الحُجرة، حجرتها كانت تفتح على المسجد وكذلك حجرات أمهات المُؤمِنين، فقال ناوليني، فقالت قلت يا رسول الله إنني حائض، قال حيضتك ليست في يدكِ، ما المُشكِلة في كونك حائض؟ هل حين تكونين حائضاً سوف تأتي الحيضة فيما تمسكين؟ لا، حيضتك ليست في يدكِ، فهذا كله تسهيل ورحمة – الحمد لله – وإعادة اعتبار للمرأة، المرأة إذا حاضت هذا شيئ إلهي فطري، ما المُشكِلة؟ لا تُعتبَر نجسة ولا خبيثة ولا مُتشيطنة ولا أي شيئ، عادي! وفقط مُنِعَت من المساجد لاعتبارت ومنها حتى موضوع قطر الدم وأشياء قريبة، فإذن باختصار كل شيئ إلا الجماع، ممنوع منعاً إتيان المرأة وهي حائض.

وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ۩، وبعد ذلك قال فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ۩، لم يقل فإذا طَهُرن، يُوجَد فرق إذن، حتى يَطهُرن: أي ينقطع الدم، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ۩: أي بالماء، بالغُسل، هذا هو، وهذا الصحيح خلافاً للحنفية، هذا الصحيح! أن المرأة ينبغي أولاً أن ينقطع عنها الدم ثم تغتسل، ولا يحل قبل ذلك، وهذا قال به كثرة الجماهير الغالبة من علماء الإسلام، من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ومَن بعدهم، قالوا لابد أن ينقطع الدم ثم تغتسل.

فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۩، تُفسِّرها التي بعدها، سنتكلَّم فيها مرة واحدة.

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۩، في الصحيح عن جابر بن عبد الله – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – قال أن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل زوجته في قُبلها من دُبرها – أي من الخلف، يُجامَعها من الخلف ولا مُؤاخَذة، لا حياء في الدين – أتى الولد أحول، اسمها التجبية، تجبية النساء، يأتيها من الخلف لكن في القُبل، في موضع البذر، اليهود قالوا لا، سوف يأتي أحول الولد، ما شاء الله طب هذا يهودي عجيب! فذُكِرَ هذا للنبي، هل هذا صحيح يا رسول الله؟ فأنزل الله الكلام هذا، قال لا، نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۩، ما معنى أَنَّى شِئْتُمْ ۩؟ أي كيف شئتم، مُقبِلين أو مُدبِرين لكن في صِمَامٍ – علماً بأن اسمه صِمَام وليس صمَّام، اسمه صِمَام – واحدٍ، أي في موضعٍ واحدٍ، ألا وهو ماذا؟ الله ذكره، قال ماذا؟ قال حَرْثٌ ۩، ما الحرث؟ الأرض التي تُحرَث وتُزرَع، وأين الزرع ينبت: في القُبل أو الدُبر؟ في القُبل، أليس كذلك؟ ليس في دُبر المرأة، ليس في عجيزة المرأة، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن الله لا يستحي من الحق ثلاثاً – ثلاث مرات قالها -، لا تأتوا النساء في أعجازهن، قال النبي سأقولها ولن أستحي لأن الله لا يستحي من الحق، لا تفعلوا هذا الشيئ، وفي أحاديث سمى النبي هذه الفعلة كفراً، فقد كفر بما أُنزِل على محمد، ليست كفراً في الدين طبعاً هي، هذا كفر عمل، لا يجعلك كافراً حقيقةً، لكن يبدو أن النبي غلَّظ فيها بشدة، فممنوع أن يُفكِّر الإنسان أن يأتي هذا العمل المشين مُطلَقاً وبتاتاً والعياذ بالله، وأضراره طبياً وما إلى ذلك معروفة والعياذ بالله تبارك وتعالى، يُنسَب إلى الإمام مالك أنه كان يقول ذلك للأسف الشديد، إلى الآن بعض الأغبياء والشاذين فكرياً – طبعاً هؤلاء ليسوا فقهاء، وإنما هم أُناس تعبانون علمانيون – يقولون لا، هذا جائز! ويكتبون كُتباً عن الفقه الجنسي في الإسلام ويُناقِشونها في السوربون Sorbonne، عندي كتاب عن هذا قرأته، سُخفاء! هذه سخافة، وطبعاً من الجهل يجعلون من الحبة قُبة، إذا عندك إجماع للأمة – مثلاً – أو اتفاق للمذاهب الأربعة على رأي هذا لا ينظرون إليه، لكن رواية في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وما إلى ذلك تقول أن مالك أحل ذلك يُكبِّرونها ويقولون الإمام مالك مذهبه هذا، مذهب! أهذا يُفتي به في المذهب المالكي؟ هل هذا موجود في المُدونات الفقهية المالكية؟ غير موجود، ما الكذب هذا؟ وينشرونه عند الفرنسيين لكي يقولوا لهم نحن مُتقدِّمون ونُجيز لواط النساء، لعنة الله على هذا التقدم، فالإمام مالك لا يصح عنه هذا، عن إسماعيل بن روح قال قلت لأبي عبد الله – الإمام مالك – يا أبا عبد الله يقولون عنك إنك تُبيح – والعياذ بالله – إتيان النساء في أدبارهن، فقال أما أنتم قومٌ عربٌ؟ – يا أخي ألستم عرباً أنتم؟ يقول له مالك، أما أنتم قومٌ عربٌ؟ التعبير واضح – الحرث موضع الزرع، قال له الآية تقول هذا، هل أُكذِّب الله؟ الله يقول فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ۩، وما هو الحرث؟ موضع الزرع، أي القُبل، لا يُمكِن غير هذا، لا ينبت شيئ في الدُبر والعياذ الله، قال له انتهى! فقال له يقولون عنك كذا وكذا، قال كذبوا علىّ، كذبوا علىّ، وهذا الصحيح والثابت عن الإمام مالك، والكلام الآخر كله كلام فارغ ولا يجوز، فانقطع الأمل من هذه الفعلة الشنعاء، نسأل الله الستر.

فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۩، أي مُقبِلين أو مُدبِرين – هذا ليس له تأثير على حول الولد ولا على غير حوله، كلام فارغ – لكن في صِمَامٍ واحدٍ، وهناك قصة طبعاً كما قلت لكم، حكاية أن هذه دعاية يهودية، أليس كذلك؟ ومَن الذين تأثَّروا بها أكثر؟ الأنصار، كان الصحابة المُهاجِرون يأتون نساءهم من قُبل ومن دُبر في القُبل، أي كانوا يتفننون جنسياً في مكة، عندهم هذه الأشياء، لما جاءوا إلى المدينة وجدوا أن أهل المدينة نوعاً ما مُشتبِّثين ومُتأثِّرين باليهود، قالوا لا، لا يُمكِن! المرأة تُؤتى على جنب فقط، لا تُوجَد هذه الوضعيات – Positions – الكثيرة، الكلام فارغ هذا ليس عندنا ولا نعرفه، هذه الطرق لا نعرفها، فالمُهِم هناك صحابة تزوَّجوا من النساء الأنصاريات، وهذا الكلام غير مُضحِك، هذا علم، علم وفيه أحاديث صحيحة في الصحيحين وفي غيرهما، فتزوَّج بعض الصحابة المُهاجِرين من نساء من الأنصار، فأراد بعضهم أن يأتي زوجته في قُبلها من دُبرها، فرفضت وقالت لا، هذا الشيئ لا نعرفه ولا أدعك تفعل ذلك حتى نأتي رسول الله، نسأل الرسول! ما تفعله هذا فظيع، لكن هو يطلب الحلال، المُهِم جاءت المرأة الأنصارية إلى الرسول، لكن لما صارت عند الرسول استحيت، فذكرت لأم سلمة، قالت لها والله القصة كذا وكذا، ما القصة هذه؟ ما هذا الذي يحدث معنا من المُهاجِرين؟ فاسألي رسول الله، فسألت الرسول أم سلمة، المرأة الأنصارية المسكينة ذهبت، خجلت وذهبت، حياء! مع أن بشكل عام النبي قال ماذا؟ في حديث عائشة قال إن نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، لكن يظل الحياء عند المرأة المُسلِمة طبعاً، ولا خير في إنسان ليس عنده حياء، رجل أو امرأة حقيقةً، الذي ليس عنده حياء لا خير فيه، حين تتكلَّم هكذا بشكل عام يكون هذا أمراً عادياً، لكن حين تتكلَّم بشكل خاص يختلف الأمر، طبعاً يغلب الحياء على الإنسان، كأن يحكي شيئاً حصل معه وما إلى ذلك، صعب! المُهِم قالت للرسول هناك كذا وكذا، فالنبي قال ادعي – من الدعاء والنداء – الأنصارية، قال ادعي الأنصارية فدعتها، قالت لها تعالي، فتلا عليها نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۩، تلا عليها الآية، أي قال لها لا، هو ما طلب منك وما ابتغى إلا الحلال، جائز فلا تمنعيه، ليس فيه شيئ، جائز! فانقطع – كما قلنا – حُجة مَن منع ذلك من اليهود، قالوا هذا ممنوع وما إلى ذلك.

وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ ۩، كيف يكون التقديم؟ هناك أُناس أخذوا وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ ۩ بمعنى الأعمال الصالحة للآخرة، أي تزوَّدوا للآخرة، لكن لا! يصير هناك تفكيك حتى في معاني الآية، المفروض وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ ۩ يُراد بها في الجماع، في إتيان الأهل، ولذلك قال ابن عباس وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ ۩: التسمية، وفي الصحيحين قال – صلى الله عليه وسلم – لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا، وقدَّر الله بينهما ولداً لم يضره الشيطان، هذا التقديم، عند الجماع تُسمي، تقول بسم الله، انظر إلى هذا! فحتى الجماع وهو من الشهوات المُستحَبة للناس في هذه الدنيا ومع ذلك أراد الإسلام أن يُحوِّله إلى شيئ أشبه بالعبادة، تقول بسم الله، تذكر الله، تُمارِس هذا الشيئ وأنت ذاكر لله تبارك وتعالى، شيئ راق، لا يُوجَد كبت، لا يُوجَد شعور بالدونية والحيوانية والقذارة أبداً، بالعكس! كيف ونحن أتينا من هذه السبيل؟ عادي، ليس فيها شيئ، بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا، أنا أقول لا يزال ما هو أوسع من هذا، الأمر لا يقتصر على التسمية فقط، فهناك ما ذكره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أيضاً، وهو ماذا؟ القُبلة والمُداعَبة والتهيئة، أي كل المسائل التي تسبق الوقاع، كلها من باب التقديم، فالآية فيها ملحظ علمي دقيق، وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ۩.

۞ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۞

وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ ۩، كيف تفهم العامة هذه الآية؟ على وجهٍ واحدٍ، وهو وجه خاطيء أيضاً: ولا تُكثِروا الحلف بالله، هذا معنى الآية، لكن هذا ليس معنى الآية، أليس كذلك؟ يُقال لك لماذا يا أخي تحلف كثيراً؟ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ۩، لكن ليس هذا معنى الآية، ما معنى الآية؟ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ۩، أكمل الآية، لو كانت وحدها فقط لاختلف المعنى، بلُغة القرّاء وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ۩ هل هي فاصلة؟ ليست فاصلة ولا رأس آية، لا فاصلة ولا رأس آية، طبعاً ما هي الفاصلة؟ الفاصلة حيث يتم المعنى ويُمكِن الوقوف عنده، أليس كذلك؟ لا هي فاصلة ولا رأس آية حتى نكون هكذا يكون تفسيرها: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ۩ بمعنى لا تحلفوا بالله كثيرا، لكن ليسه هكذا الآية، الآية تقول وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ۩ ثم تقول ماذا؟ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ ۩، وهكذا يُصبِح معنى الآية أيها الإخوة والأخوات لا تجعلوا حلفكم وإقسامكم بالله تبارك وتعالى – إذا حلفتم وأقسمتم – سبباً يحول بينكم وبين عمل الخير والبر، يا أخي – نقول له – اذهب عيِّد على ابنك عمك، فيقول لا، حلفت يا أخي ولن أُعيِّد عليه، العيد جاء فتوكَّل على الله، رمضان كريم وما إلى ذلك، اذهب وعيِّد عليه، فيقول لا، حلفت! يا أخي كفِّر عن يمينك، كفِّر ولا تجعل يمينك عُرْضَةً۩ – سبباً – يحول بينك وبين أن تصل ابن عمك، تقول لأحدهم أعط – والله – هذا الفقير، فيقول أنا كنت أُعطيه لكنني – والله – حلفت ولن أعطيه، لن أحنث بيميني، لا يا سيدي، ليس عندك مُشكِلة، كفِّر عن اليمين وأعط هذا الفقير الذي كنت تُعطيه.

وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۩، الآية من سورة النور، في مَن نزلت هذه الآية؟ في أبي بكر الصديق كما تعرفون بعد حادثة الإفك، كان مِن ضمن مَن تخوَّض – والعياذ بالله – في عِرض أم المُؤمِنين الصدّيقة بنت الصدّيق – قدَّس الله سرهما الكريمين – مَن؟ ابن خالة سيدنا أبي بكر الصدّيق، ابن خالته! اسمه مسطح بن أثاثة، فهذا الرجل تخوَّض في عرض أم المُؤمِنين وكان فقيراً مُعدِماً، ويبدو أنه كان وحيد أمه، أمه كبيرة وهو الوحيد، وكل النفقة والعارفة تأتيه مِن مَن؟ مِن سيدنا أبي بكر الصدّيق، وأبو بكر – ما شاء الله – كان رجل صاحب فضل في الدين والدنيا على الناس، أبو بكر أعتق من المُسلِمين – ما شاء الله – الكثير، مِن ضمن مَن أعتق مَن؟ بلال، أولاً اشتراه، أليس كذلك؟ أولاً اشتراه ثم أعتقه بعد ذلك، كان يقدر على أن يجعله عبداً عنده، أليس كذلك؟ اشتراه وأعتقه، فله فضل عليه أكثر من مرة، على كل حال كان صاحب فضل في الدين والدنيا ما شاء الله، أعني سيدنا أبا بكر، وكان عنده مال كثير، بالمُناسَبة أبو بكر كان من أغنياء الصحابة، ولكنه مات من فقراء الصحابة، لماذا؟ لم يترك من ماله شيئاً، لم يترك وجهاً من وجوه البر والخير إلا رضخ بماله فيه، كان يُعطي باستمرار حتى مسح كل المال وصار فقيراً، أبو بكر كان من أغنياء الصحابة، وذهب كل ماله في سبيل الجهاد في سبيل الله، ولذلك النبي قال إن أبا بكر أكثر رجل نفعه، هو أمنّ الناس – قال – في صحبته وماله علىّ أبو بكر، أي أكثر مال نفعني الله به مال أبي بكر، وأكثر صُحبة الله نفعني بها صُحبة أبي بكر، ولذلك النبي كان يُحِبه وكان يتعصب له، لا يُحِب أن يُضايق أحد أبا بكر أو يتكلَّم فيه كلاماً سيئاً، يغضب غضباً شديداً له، هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ اتركوا لي صاحبي يقول لهم، لا يتكلَّم أحد فيه، لا ينتقده أحد، لا أُريد هذا، لا أُريد أن أسمع كلمة فيه، لأنه من أمنّ الناس عليه، وهذا من وفاء النبي عليه السلام، أليس كذلك؟ لا يأتني أحد أسلم في الساعة الثالثة والعشرين وقام بعمل واحد ويُريد أن يضع رأسه برأس أبي بكر، لا يا حبيبي، لا لن تقدر على هذا، لن تقدر، أبو بكر من الساعة الأولى وهو مُسلِم، أليس كذلك؟ جاهد أعظم الجهاد، ومن السابقين ومن الصادقين المُخلِصين، فالمُهِم أبو بكر قال لما تكلَّم مسطح بعد كل هذا المعروف الذي نعمله معك والعارفة التي نُوصِّلها إليك تتكلَّم في عِرض ابنتي وهي زوجة الرسول؟ فغضب أبو بكر وحلف يميناً لا يصلن مسطحاً هذا بعارفةٍ، أي بشيئ من الخير، لن ترى مني – قال له – شيئاً، وبعد ذلك ثابت النفوس بعد أن أنزل الله تبرئة الصدّيقة الكُبرى وفرح المُسلِمون بذلك وعائشة والرسول، ثابت النفوس – أي إلى رُشدها وإلى هدوئها وسكينتها – وأنزل الله هذه الآية وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۩، قال أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۩، ارجعوا! فأبو بكر بكى وقال بلى، بلى أُحِب أن تغفر لي، ورجع يُعطي مسطحاً وقد حلف، لكنه كفَّر طبعاً، كفَّر!

النبي قال إني والله إن شاء الله – أقسم واستثنى – لا أحلف على يمينٍ – ما معنى لا أحلف على يمينٍ؟ أي لا أحلف يميناً، هذا معناها بلُغتنا العادية، لكن هذه بلاغة العرب – ثم أرى غيرها أبر أو خيراً منها إلا فعلت الذي هو خير وتحلَّلتها، أي أُكفِّر قال، قال وأنا النبي أفعل هذا، النبي أعرفنا وأخشانا وأرعانا لحدود الله وحُرماته، هو الأرعى! فإذن موضوع التكفير ليس عائقاً، يقول لك الواحد منهم أنا لا أُكفِّر، انتهى الأمر لأنني حلفت يميناً، يا أخي لا تُوجَد مُشكِلة، النبي قال لك أنا – وأنا النبي – إذا حلفت على شيئ ووجدت أن الشيئ الآخر أبر وأحسن وأكثر خيراً منه أتحلَّل من اليمين وأُكفِّر عنه، أُكفِّر عن اليمين، أليس كذلك؟ وأفعل الخير، وفي صحيح مُسلِم مَن حلف على يمينٍ ثم رأى الخير في غيرها – أو كما قال – فليُكفِّر، افعل الخير وكفِّر عن يمينك، الآن هل وضح لك معنى الآية؟ هذه هي، فلا تجعلوا أيمانكم وحلفكم بالله – إذا حلفتم في أمور مُعيَّنة – سبباً يعرض لكم ويحول بينكم وبين فعل الخير بحُجة أنكم حلفتم ألا تفعلوا هذا الشيئ، يا سيدي لا تُوجَد مُشكِلة، كفِّروا وتحلَّلوا من هذه الأيمان وافعلوا هذه الوجوه من الخير والبر، هذا المعنى الصحيح والمُستقيم للآية، وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩.

۞ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ۞

لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ ۩، ما هو اللغو؟ ما هو لغو اليمين؟ في الحديث عن رسول الله عن عائشة طبعاً – من رواية عائشة – قال – صلى الله عليه وسلم – هو قول الرجل في أهله لا والله، بلى والله، مثل والله ذهبنا اليوم واشترينا كذا وكذا، لا والله ليس كذا، والله لا تذهب يا رجل واجلس، والله لا تذهب يا رجل، والله لتأخذ يا أخي، والله كذا وكذا، أنت لا تقصد اليمين، أليس كذلك؟ كلمة، لغو هكذا! لا نتشدَّد، انظر إلى الكريم عز وجل، يا أخي هناك ما هو أصعب من هذا، في البخاري قال – صلى الله عليه وسلم – مَن حلف فقال واللات والعُزى فليقل مكانها لا إله إلا الله، لم يقل كفرت أو تزندقت فاذهب وطلِّق زوجتك، لم يقل هذا، لا تُوجَد مُشكِلة، لماذا؟ لأنه خاطب – كما قال الحافظ ابن كثير – بهذا أُناساً كانوا حديثي عهد بجاهلية، وبالتالي هم حديثو عهد بإسلام، أليس كذلك؟ وهذا يمشي على ألسنتهم، يقولون واللات والعُزى وهُبل وما إلى ذلك، فلعله ينسى أحياناً، فالنبي قال إذا زل أحدكم لسانه وقال واللات والعُزى يقل لا إله إلا الله، هذا سوف يُكفِّر، هذه كفارة إن شاء الله، ما أحسن هذا الدين! أليس كذلك؟ اليوم هناك أُناس ليسوا كذلك، يترقَّبون منك الغلطة لكي يقولوا لك كفرت يا أخي، قال الحافظ كذا وكذا وكذا، هيا نُجدِّد لك عقد زواجك وما إلى ذلك، الواحد منهم يقطع قلبك ويُخوِّفك، وطبعاً تجديد معنى عقد الزواج لا يعني أنك أرجعتني إلى الإسلام فقط، حبطت أعمالي كلها بهذا المعنى، إذا كفرت أنا – وأنا من ثلاثين سنة أُصلي وأصوم وما إلى ذلك – فهذا يعني أنا كل أعمالي ذهبت بلا مُقابِل، أليس كذلك؟ والسيئات ظلت، يا فرحتي إذن، مُصيبة! لكن لابد أن نُيسِّر على الناس، والتيسير لا يأتي إلا من سعة العلم، أليس كذلك؟ لابد أن تقرأ كثيراً وتتعلَّم كثيراً، اقرأ التفسير والحديث والفقه والأصول وما إلى ذلك، كلما تقرأت أكثر وتتعلم وتتعمَّق وتتفلسف في الدين جيداً تُيسِّر على الناس، تُصبِح فاهماً اكثر، كما قال سُفيان الثوري ليس الفقه هو تحريم الحلال – أن تُحرِّم على الناس الحلال -، إنما الفقه الرُخصة من ثقة، والتحريم كل أحد يُحسِنه، هناك مَن يقول عن كل شيئ حرام، والله يا أخي هذا فيه شُبهة، حرام! تقول هذا زواج على ورقة وليس معي فيزا Visa يا جماعة الخير فيُقال حرام، لماذا هو حرام؟ لماذا تُحرِّمون كل شيئ على الناس؟ لماذا هو حرام؟ يقولون لا للزواج على الورق وما إلى ذلك، الرجل هنا مُضطَر، ليس عنده أي وسيلة، من أربع سنوات وهو من باب إلى باب ولم يقدر على تحصيل أي شيئ، لا فيزا Visa ولا رُخصة عمل ولا أي شيئ، والرجل مُبهدَل، أليس كذلك؟ قال أُريد أن أتزوَّج على ورق، أولاً الزواج على الورق يا سيدي هل يستوفي الشروط الشرعية؟ عند الأحناف والمالكية والشافعية غير مُستوفٍ، زواج في الـ Standesamt، أليس كذلك؟ غير مُستوفٍ، طبقوا عليه الشروط، يا سيدى أستوفى، قالوا القرضاوي أفتى، الله يحفظه القرضاوي، أفتى القرضاوي وقال هذا الزواج شرعي، حتى لو في الـ Standesamt هو زواج شرعي يا سيدي، تزوَّجت زواجاً شرعياً من النصرانية هذه وحين أخرج سوف أقول لها على باب المحكمة أنتِ طالق مُباشَرةً قبل أن أدخل بها، ما حُكمها شرعاً هذه؟ قلت لها أنتِ طالق قبل أن أدخل بها، ما حُكمها؟ بانت مني، أليس كذلك؟ انتهى كل شيئ يا سيدي، قالوا ربما يأتي رجل وينكحها، لكن ليس عليها عدة فلينكحها، لا تُوجَد مُشكِلة، أليس كذلك؟ هذا من الفقه في الدين، لأن لا تُوجَد عدة عليها، أليس كذلك؟ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۩، إذا امرأة عقدت عليها – نفترض أن هذا العقد صحيح – وطلَّقتها مُباشَرةً تبين مني، أليس كذلك؟ وليس لي عليها من عدة أعتدها، فتذهب وتتزوَّج، فلتذهب إلى ستين جهنم، ماذا أفعل لها؟ فيسِّر على الناس، أنا هذا أفتي به من عشر سنين والحمد لله، يأتي أُناس ويقولون والله نسمع أن الأخ عدنان يُفتي في كذا ونُريد أن نسأل فلاناً، اذهب واسأل يا أخي يا فقيه، اذهب واسأل مَن لا يفهم أوضاعك هنا وسوف يُحرِّم هذا عليك، لأن أسهل شيئاً أن يقول لك لا يجوز يا أخي، اتقوا الشُبهات، سدها عليك! فاذهب وافتحها أنت فيما بعد، لكن لا! لذلك الفقه يحتاج إلى سعة، افقه يحتاج إلى فهم، أليس كذلك؟ يحتاج إلى سعة ويحتاج إلى أن تعرف الأشياء من كل جوانبها ثم تُقارِن، ولذلك قال سُفيان وأما التحريم أو التشديد فكل أحد يُحسِنه، أسهل شيئاً أن يُقال لا يا أخي، اتق الشُبهات، لا فهذا حرام، وما إلى ذلك، لكننا نُريد أن نُيسِّر على عباد الله، فنسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء، (ملحوظة) سأل أحد الحضور سؤالاً فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أنت تفترض قبل قليل أن هذا عقد شرعي صحيح، ثم استتلى قائلاً هذا سليم بنسبة مائة في المائة، أليس كذلك؟ هذا عاقد وقال أنا تزوَّجتك، وهي قالت قبلت، وأنا قلت لك فلنتنزَّل إلى هذه الدرجة ونعتبره عقداً صحيحاً، تُطلِّقها أمام الـ Standesamt مُباشَرةً، يا ابنة الناس أنتِ طالق، انتهى كل شيئ، إذا ذهبت وزنت وفعلت أي شيئ هي ليست زوجتي وأنا غير مسؤول عنها، ولا تُوجَد عدة أيضاً، أليس كذلك؟ تقدر على أن تتزوَّج في نفس الساعة هي، انتهى كل شيئ، المسألة سهلة، وتكون خلَّصت نفسك من المشاكل التي أنت فيها من أربع سنوات يا أخي، وإخوانك هؤلاء الذين يقولون لك هذا حرام وهذه شُبهات لا يقدرون على أن يُقدِّموا لك يد المُساعَدة، ولا يستطيع أحد منهم أن يُعطيك لا جنسية ولا فيزا Visa ولا رُخصة عمل ولا مالاً ولا صدقة حتى، أليس كذلك؟ هو عنده شطارة فقط في أن يقول لك لا، ممنوع وحرام، جعلنا الله من الناس التي تُيسِّر على الناس لكن بفقه – إن شاء الله – نُصيب به مقطع الحق. اللهم آمين.

(ملحوظة) سأل أحد الحضور سؤالاً فقال له الأستاذ الدكتور أنها لن تُقدِّم لك هذا بلا مُقابِل وعليك أن تدفع لها طبعاً، ثم استتلى قائلاً على كل حال نحن دخلنا في مسألة ثانية، إذن اللغو في اليمين، ما هو لغو اليمين؟ هو مثل هذه الأشياء التي لا يقصدها الإنسان، يقولها ويسبق بها اللسان للإلف، فقط ألفها واعتادها، فيقول لا والله، والله بلى، والله كذا، ليس فيها أي شيئ، قال ابن عباس وغيره لغو اليمين هو اليمين في الغضب، أي الإنسان حين يغضب ويحلف، لماذا؟ لأن الإنسان الغضوب أو الذي في حال الغضب وفي ثورة الغضب قد يحلف ولا يعزم، قد يحلف ولا يقصد، بسبب الغضب تخرج منه الكلمة، فالله لا يُؤاخِذه بها، وهذا قال به كثير من أسلافنا من الصحابة والتابعين، أن اليمين في الغضب لغو، وهذا جميل، هذا لا يزال أوسع، أليس كذلك؟ لأن هذا يقع من ناس كثيرة، وروى أبو داود – روى أبو داود في السُنن – أن رجلاً من الأنصار كان له أخٌ وكان بينهما تركة – أي ميراث – واختلفا على القسمة، ما لك وما لي وما إلى ذلك – فغضب أحدهما وقال لأخيه والله لئن لم تكفن لأجعلن المال كله في رتاج الكعبة، سوف أتصدَّق به كله للكعبة، أي مالي ومالك وكل التركة، أف! حلف يميناً عليها، فبلغ ذلك عمر، فقال عمر له الكعبة غنية عن مالك، ما شاء الله عليك، هل أنت تتصرَّف بحسب مزاجك؟ قال له الكعبة غنية عن مالك، فقال له يا أمير المُؤمِنين هل علىّ كفارة؟ قال له لا، قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – ليس لأحدكم من يمينٍ أو نذرٍ في معصية الله أو فيما لا يملك، إذا شيئ في معصية أو شيئ لا تملكه لا تقل أنا نذرت أو أنا حلفت، هذا كلام فارغ، كيف حلفت؟ أحلفت على شيئ لا تملكه؟ أنذرت شيئاً لا تملكه؟ لا ينبغي، فقال له توكَّل على الله، لا يُوجَد شيئ، أعط أخاك قسمته وانتهى كل شيئ، حتى لم يجعله يُكفِّر، لأنه اعتبر أن هذا يمين غضب، وهذه شهادة لقول مَن؟ ابن عباس، أن يمين الغضب هي من اللغو.

على كل حال قال الله وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۩، هذه في معنى آية المائدة: بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۩، هنا قال بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۩، ما معنى كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۩ أو عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۩؟ أي اليمين التي أردتموها حقيقةً، وقيل يعني بها اليمين – والعياذ بالله – التي يحلفها المرؤ وهو يعلم أنه مُبطِل وكاذب، هذه يُؤاخَذ عليها، هل تعرفون لماذا؟ لماذا هذا التفسير أقوى؟ لأن من المُمكِن أن أحلف يميناً عاديةً بصراحة وأنا مُحِق والله لا يُؤاخِذني بها، أليس كذلك؟ وتكون يميناً معقودة، أنا أُريدها، أقول والله والله كذا وكذا، أي كلام، وهو كلام حق وأنا أُريده، وربما يأجرني الله عليها، أليس كذلك؟ هذه هي، فلا تقل معنى بِمَا كَسَبَتْ ۩ ومعنى بِمَا عَقَّدتُّمُ ۩ أن كل الأيمان المقصودة سوف يُؤاخِذني الله بها، كيف يُؤاخِذني؟ لا، لأن المُؤاخَذة لا تعني أنه يُعطي الخير أو الشر، فيُؤاخِذ هنا معناها ماذا؟ بعقوبة، يُؤاخِذك بعقوبة، يُؤاخِذك مُؤاخَذة، لا يُقال يُؤاخِذه بمعنى أعطاه جزءاً، لا! هذا التعبير غير معروف في اللُغة الشرعية، فهذا التفسير هو الأقوى، إذن هي اليمين المُبطِلة التي يحلفها المرء وهو يعلم أنه مُبطِل والعياذ بالله تبارك وتعالى.

وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ۩: طبعاً غَفُورٌ ۩ معروف معناها، يغفر وما إلى ذلك، حَلِيمٌ ۩ لا يعجل بالعقوبة، لا يعجل على عبده بالعقوبة.

۞ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۞

لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ ۩، يُوجَد تناسق بين الآيات، الأولى كلها في اليمين، الثانية أيضاً في اليمين، الثالثة في اليمين، آية الإيلاء هذه في اليمين، لماذا؟ لأن الإيلاء ما هو؟ يمين، آلى فلان وتألى فلان ومَن ذا الذي يتألى علىّ؟ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ ۩ ما معنى كل هذا؟ حلف، يحلف، ولا يحلف أولي الفضل منكم، الألية هي اليمين، لما قال الله لأبي بكر وأمثاله وَلَا يَأْتَلِ ۩ كان المعنى ولا يحلف أصحاب الفضل أن يمنعوا فضلهم في الأصناف المذكورين، هذا معناها!

وفي الحديث في مُسلِم مَن ذا الذي يتألى علىّ ألا أغفر لعبدي؟ أي مَن الذي يحلف باسمي على أنني لن أغفر؟ مَن هذا؟ لا يملك أحد أن يحلف هكذا، هذا معنى يتألى، هل فهمتم؟ من الألية وهي اليمين، فالله قال لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۩، أي للذين يحلفون من نسائهم تربص أربعة أشهر، عندهم فرصة، ما هي هذه الفرصة؟ يحلفون، ما المُراد بيحلفون؟ يحلفون على عدم قُربان نسائهم، مثل رجل يحلف ويقول والله كذا وكذا لا أقربنك، هكذا! الله قال ما الحل في هذا؟ نُعطيه فرصة أربعة أعشر، نتربَّص به، ننتظر أربعة أشهر، إذا مضت أربعة أشهر ينبغي أن يُوقَف، وهذا كلام الخلفاء الأربعة وعامة علماء الأمصار، يقولون له تعال، المسألة أصبحت قضائية إذا لم يرجع، يُوقَف! فنقول له إما تُطلِّق وإما تفيء، ما المُراد بتفيء؟ الجماع، أي ترجع، الرجوع إلى الجماع، هذا معناها، فَإِنْ فَاءوا ۩ كناية عن الجماع قال ابن عباس، فَاءوا ۩ تعني رجعوا، تعود وتنام مع زوجتك بشكل طبيعي، ماذا استفدنا من هذا القول؟ استفدنا أيها الإخوة أن القضاء مُهلة أربعة أشهر بذاته لا يُعتبَر طلاقاً، انتبهوا فهو لا يُعتبَر طلاقاً، إنما يكون الطلاق بعد ذلك، أي بعد الإيقاف والتخيير، نقول له يا عبد الله مرت أربعة أشهر، تُريد أن تُطلِّق أو تُريد أن تعود إلى زوجتك والأمور تعود إلى مجاريها؟ واحدة من الثنتين، هذا معنى الآية.

لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ ۩، أي يحلفون ويُقسِمون، مِن نِّسَائِهِمْ ۩، ماذا قال؟ ماذا لهم؟ لهم فرصة: تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۩، قال  فَإِنْ فَاءوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، ما معنى فَإِنْ فَاءوا ۩ كما قلنا؟ عادوا إلى الجماع، عادوا إلى الحياة الطبيعية، لا يُوجَد شيئ.

۞ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۞ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۞ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۞

وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ ۩، بعد أن يُوقَفوا بإنقضاء المُدة، فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩، فلابد من عزمة الطلاق، إرادة الطلاق، ثم شرع – سُبحان الله تناسق عجيب – في تفصيل أحكام الطلاق والمُطلَّقات، وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ۩، ما معنى ثَلاثَةَ قُرُوءٍ  ۩؟ طبعاً نحن أيها الإخوة لسنا في درس فقهي، انتبهوا! نحن لا نُحاوِل أن نستوفي لا أحكام اليمين ولا أحكام كفّارة اليمين ولا أنواع اليمين ولا أحكام الإيلاء، صعب جداً هذا، يُمكِن أن نقعد فيه سنيناً بالطريقة هذه، فنحن لا نحتاج هذا الآن، هذا فقط لكي نفهم سياق الآية فقط، وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ ۩، أي ينتظرن أيضاً، بِأَنفُسِهِنَّ ۩، كم؟ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ۩، ما معنى قُرُوءٍ ۩؟ هي جمع قرء، والقرء ما هو؟ إما الحيضة وإما الطهر، والمذاهب اختلفت أيضاً باختلاف تفسير هذه اللفظة، الخلفاء الأربعة أيضاً وكثير من العلماء فسَّروا القرء بماذا؟ بالحيضة، الآن لو سألك أحدهم ما مذهب عليّ؟ قل له الحيضة، لو سألك أحدهم ما مذهب أبي بكر؟ قل له الحيضة، لو سألك أحدهم ما مذهب عمر؟ قل له الحيضة، لو سألك أحدهم ما مذهب عثمان؟ قل له الحيضة، لو سألك أحدهم ما مذهب ابن مسعود؟ قل له الحيضة، لو سألك أحدهم ما مذهب ابن عباس؟ قل له الحيضة، لو سألك أحدهم ما مذهب أبي الدرداء؟ قل له الحيضة، لو سألك أحدهم ما مذهب سعيد بن المُسيّب؟ قل له الحيضة، كثير كثير كثير! كثير مذهبهم أن القرء هو الحيضة، آخرون قالوا ماذا؟ الطهر، هناك حديث مُهِم في هذا الصدد، حديث فاطمة بنت أبي حُبيش وهي معروفة، لها أحاديث حتى في البخاري، هذه قال لها النبي – عليه السلام – دعي الصلاةً أيام أقرائكِ، لو صح هذا الحديث يكون نصاً في محل النزاع، لأن ما معنى دعي – اتركي – الصلاة أيام أقرائك؟ أي أيام ماذا؟ الحيض، فهذا يعني أن النبي سمى الحيضة قرءاً، انتهى كل شيئ، لكن الحديث فيه مُشكِلة وقد رواه أبو داود وغيره، فيه المُنذِر، رجل اسمه المُنذِر، قال فيه ابن أبي حاتم مجهول لا يُعرَف، لكن جعله ابن حبان في الثقات، ففيه خلاف، لكن لو كان صحيحاً الحديث – من جهة الصنعة الحديثية – ينقطع الأمر، والمسألة فيها أيضاً خلاف فقهي مشهور جداً.

وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ۩، ما هو هذا الذي خلق الله في أرحامهن؟ من الحيض أو الحبل، أليس كذلك؟ أن تكون حاضت أو حبلت، لابد أن تقول ما الذي صار معها في هذه الفترة، إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ۩، وأنها موقوفة ومسؤولة أمام الله، فلتتق الله ولا تكذب ولا تتعد الحق والواقع. 

وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ۩، ما معنى قوله  فِي ذَلِكَ ۩؟ أولاً ما هو البعل؟ الزوج، الله يقول وأزواجهن أحق بردهن في ذلك، ما معنى قوله فِي ذَلِكَ ۩؟ في العدة، أي في مُدة العدة، هل فهمتم؟ ذَلِكَ ۩ اسم إشارة إلى العدة، الله يقول العدة ثلاثة قروء، في فترة العدة الزوج له الحق أن يرد وأن يُراجِع زوجته، هذه الآية بعد ذلك جرى عليها حصر وقصر، قُصِرَت أحكامها، لماذا؟ بحسب هذه الآية كان الرجل يستطيع أن يُطلِّق ويُراجِع ويُطلِّق ويُراجِع مائة مرة، انتبهوا إلى هذا، مائة مرة ولا تُوجَد مُشكِلة، وأحد المُسلِمين قال لزوجته والله لا أُطلِّقكِ ولا آويكِ أبداً، لا تصيرين مُطلَّقة ولا تصيرين زوجة، سأظل أفعل هذا، قالت له كيف؟ قال لها أُطلِّقكِ حتى إذا اقتربت نهاية عدتك راجعتك ثم طلقَّت، سأظل أفعل هذا، عندي أنا رُخصة شرعية بالشيئ هذا، فأنزل الله ماذا؟ الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ۩، بعد ذلك الطلقة الثالثة، قال لا، هذا معناها، عندك طلقتان رجعيتان، في الطلقة الثالثة يضيع منك كل شيئ، طبعاً لأن هذه مُصيبة على النساء المسكينات بالطريقة هذه، فهذه الآية – وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩ – أيضاً في قول كل المُفسِّرين فيها معنى منسوخ، وهو في الحقيقة ليس نسخاً، صار نوعاً من ماذا؟ من تخصيص الحُكم، تقييده بثلاث! كان مفتوحاً ثم قُيِّد، الحُكم كان مفتوحاً فتُطلِّق وتُراجِع وتُطلِّق وتُراجِع وتُطلِّق وتُراجِع وأنت أحق الناس، زوجها! هل هذا واضح؟ فإذن اسم الإشارة فِي ذَلِكَ ۩ إشارة إلى ماذا؟ إلى العدة، في فترة العدة الزوج عنده الحق أن يُراجِع زوجته – يقول والله أنا أُريد أن أرجعها – حتى دون أن تهوى وأن ترضى، إذا لم تُحِب هذا يُمكِن أن يُرجعها دون أي مُشكِلة، هذه أحكام الرجعة.

إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا ۩، مَن الذين أَرَادُواْ ۩؟ أي هو وهي، إذا أرادوا الإصلاح، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، ولهن من الحقوق مثل عليهن من الواجبات، سُئل النبي عليه الصلاة وأفضل السلام – أعتقد هذا حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهو من مظان الحسن – يا رسول الله ما حق المرأة على بعلها؟ فقال أن تُطعِمها إذا طعمت وأنت تكسوها إذا اكتسيت وألا تضرب الوجه ولا تُقبِّح، هذا حق المرأة، مثلما تأكل تُأكِّلها، مثلما تلبس تُلبسِّها، هذا هو طبعاً لا تلبس هي الخرق وأنت تلبس ما شاء الله تلبس الجديد، لا! لابد من العدل، ولا تضرب الوجه، ممنوع ضرب الوجه، ولا تُقبِّح، كأن تقول يا بنت كذا ويا بنت كذا، ممنوع هذا، لها كرامتها، قال هذا حق المرأة، وعندنا حقوق أُخرى طبعاً، هذا الحديث ليس جامعاً مانعاً، فلا تزال هناك أشياء أخرى في نصوص قرآنية وسُنية حديثية.

 وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۩، كلمة المعروف دائماً – بِالْمَعْرُوفِ ۩ – ماذا تعني؟ ما معنى بِالْمَعْرُوفِ ۩؟ بحسب العُرف السائد، انتبهوا! بحسب ما تعارف الناس أو بحسب ما يتعارف الناس في البلد الذي تعيش فيه، هذا هو معنى بِالْمَعْرُوفِ ۩، هل هذا واضح؟ لا تقل لي أنا في النمسا هنا وأُريد أن ألبِّس زوجتي مثلما أُلبِّسها في صعيد مصر أو في قرية في فلسطين، كيف هذا؟ لا يُمكِن، سوف تكون هنا مسخرة بين الناس، لا تُلبسها لباساً حقيراً وفقيراً وبسيطاً، لبِّسها لباساً يليق بحال الناس الذين يسكنون في النمسا، أليس كذلك؟ مُستوى أرفع، لأن حتى مُستوى الدخل أرفع من مُستوى قرانا وبلادنا الفقيرة، هذا هو، هذا معنى بِالْمَعْرُوفِ ۩، بحسب العُرف.

وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۩، درجة ماذا؟ تفضيل، بماذا استحق الرجال هذه الدرجة؟ هل بالفطرة؟ بالفطرة أولاً، الله قال الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۩، فلهم القوامة بالتفضيل الفطري، وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۩، ثم إن الرجال بصراحة هم الذين يُجاهِدون، هم الذين يعولون، هم الذين يزودون ويحمون الزمار والأعراض، الرجال! انظروا ماذا يحدث الآن في فلسطين والعراق بصراحة، صحيح هناك – ما شاء الله – أخوات – أخوات رجال ما شاء الله – استشهاديات لكن كم عددهم؟ مَن الذين يموتون؟ مَن الذين يُعتقَلون؟ مَن الذين يتكسَّرون وما إلى ذلك؟ دائماً الشباب، الرجال دائماً، هذا عبر التاريخ، سُنة الله، أليس كذلك؟ فهذه درجة، درجة فطرية لا تُنكَر، الله قال وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۩، ولم يقل درجات، قال دَرَجَةٌ ۩، يُوجَد فرق طفيف لحكمة الله، لكي تسير الأمور، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩.

 كما قلنا هذه الآية – الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩ – الآن خصَّصت أو نسخت بعض المعنى، فالتخصيص هو نسخ لبعض المعنى كما يُسمى، قال الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم لكن هو ثلاث مرات، إذن كيف تُفسَّر الآية؟ الطلاق الرجعي، الطلاق الذي تستطيع أن تُراجِع فيه زوجتك مَرَّتَانِ ۩، إذن الطلقة الثالثة تكون ماذا؟ بائنة، تبين! إذا أوقعت عليها بانت منك ولا سبيل إلى إرجاعها إلا بما ذكر الله من شرطٍ وسيأتي بيانه الآن.

الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ۩، وما معنى قوله مَرَّتَانِ ۩؟ بصراحة ظاهر نظم الآية – مَرَّتَانِ ۩ – أنه يُوقَع بالطريقة السُنية في قُبل العدة، أي في طهرٍ لم تمسسها فيه، هذا معنى في قُبل عدتها، فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ۩ الله قال، وفي حديث ابن عمر في الصحيحين في قُبل عدتها النبي قال، هكذا! ولما بلغ النبي أن الأشعريين – قوم أبي موسى الأشعري من اليمن – يتلاعبون بالطلاق غضب، وذكر غضبه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أمام أصحابه، فأشفق أبو موسى وقال يا رسول الله سمعت أنك غضبت على أشعريين، قال نعم، يقول أحدهم طلَّقت وراجعت، طلَّقت وراجعت، هذا استهزاء بأحكام الله، طلِّقوا النساء في قُبل عدتهن، طلِّقوا على السُنة، هذا يعني أن من البدع الشنيعة المُستفظَعة أن يجمع الرجل الطلقات الثلاث مرة واحدة على زوجته، أي أن يقول لها: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، يُريد أن يفعل هذا في مرة واحدة، يا أخي ما هذا؟ ليس طلاقاً شرعياً هذا، لا يجوز! تُطلِّقها – كما قلنا – في طهر لم تمسسها فيه، حتى إذا انقضت العدة أو شارفت تنظر، إما أن تُراجِع وإما أن تُسرِّح بالمعروف في الحالتين، هكذا يكون الطلاق، أليس كذلك؟ لكن لا تقل لها: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، النبي لم يشرع لنا هذا ولا الله عز وجل، وهذا مكروه كراهة شديدة جداً جداً، يقع أو لا يقع؟ فيه خلاف بين المذاهب على كل حال، المذاهب الأربعة يرون أنه يقع، حتى لو طلَّقت على البدعة يقع، غيرهم كابن تيمية يرى أنه لا يقع، الطلاق البدعي هذا.

فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۩، واضح الإمساك، إرجاعها إلى العصمة، أي إلى عصمة النكاح، قوله أَوْ تَسْرِيحٌ ۩ يعني ماذا؟ تركها.

وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ ۩ …….. إلى آخره، هذا استثناء، سوف نعرف ما معنى هذا الاستثناء، كيف وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ۩؟ معنى هذا لا يجوز لكم أن تُضيِّقوا عليهن أصلاً لكي تضطروهن إلى الطلاق لغاية أن تأخذوا من أموالهن، حتى تضع المرأة لك بعض المهر أو حتى المهر كله، لا يجوز! فهذه الآية في معنى قوله – تبارك وتعالى – وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ۩، نفس المعنى! ماذا قال بعد ذلك؟ قال إِلاَّ ۩، يُوجَد استثناء، قال إِلاَّ أَن يَخَافَا ۩، مَن هما؟ الزوج والزوجة، أَلاَّ يُقِيمَا ۩، قال يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا ۩، ما معنى هذا؟ ما هو الشيئ غير المُؤكَّد؟ إقامة حدود الله، هما الاثنان مُتأكِّدان أنهما غير قادرين على أن يُقيما حدود الله في الحياة الزوجية، لا هو قادر على أن يعيش معها بإحسان ولا هي مُطمئنة إلى العيش معه بإحسان، أي أن الاثنين نفرا من بعضهما، فالله ماذا قال؟ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۩، ولم يقل عليها أو عليه، فالرجل حتى سيأخذ مال الخلع وهو مُطمئن إن شاء الله، حلال زلال، وهي ستدفعه أيضاً وليس عليها أي شيئ، قال فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۩، هذه الآية أو هذه الجُملة الاستثنائية كلها هي في ماذا؟ في الخلع، أتسمعون بالخلع والمُخالَعة؟ هذا هو الخلع، الله مكَّن الرجل من الطلاق ومكَّن المرأة من الخلع، أعطاها الخلع، الخلع مُقابِل الطلاق، هذا عدل أيضاً، الرجل عنده سلاح الطلاق والمرأة عندها سلاح الخلع، والأصل في الخلع في السُنة النبوية – هذه الآية في القرآن الكريم، فماذا عن السُنة النبوية؟ – حديث حبيبة بنت سُهيل الأنصارية وقيل هي حبيبة بنت عبد الله بن أُبي بن سلول، فلا نعرف! مذكور كل هذا في السُنن، إما بنت أُبي وإما بنت سهل، قالوا حبيبة بنت سُهيل وقالوا حبيبة بنت عبد الله بن أُبي بن سلول، الله أعلم! على كل حال هذه كانت تحت مَن؟ تحت قيس بن ثابت بن شمّاس، صحابي مشهور قيس بن ثابت، سنأتي برواية مالك في المُوطأ، روى الإمام مالك أن حبيبة هذه جاءت إلى رسول الله في الغلس، هل تعرفون الغلس؟ ما يُعرفن من الغلس في حديث عائشة أيضاً وفي المُوطأ، الغلس ما هو؟ آخر سواد الليل عند الفجر، لم يطلع الصبح إلى الآن، غبش الليل، يُسمونه الغبش، أي لم يطلع الفجر بنسبة مائة في المائة، تقول ما يُعرفن من الغلس، أي الغبش الذي يكون بعد الفجر وقبل الشروق، بعد الفجر وقبل الشروق اسمه الغلس، والتغليس من الغلس، على كل حال أتت الرسول بغلس، وقفت تنتظر! فالنبي قال مَن هذه؟ قالت حبيبة، قال ما لكِ؟ قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس، ما معنى هذه الكلمة؟ ما معنى قولها لا أنا ولا ثابت؟ أي أنها تذكر شراً، أي أن الأمور لا تمشي على ما يُرام، هذا المذكور في الحديث: لا أنا ولا ثابت، وإذا بثابت يَقدم، أي يأتي، فقال له النبي هذه زوجتك حبيبة وقد ذكرت ما شاء الله لها أن تذكر، لم تترك شيئاً النبي قال له، أي طف الصاع عندها، ما لهذه المرأة؟ ما الذي حدث بينكما؟ فقالت يا رسول الله كل شيئ أعطانيه عندي، أي عندي المهر وكل شيئ أعطاني إياه، لا أُريد أن أعيش معه، كل شيئ أعطاني إياه كهدية أو مهر وما إلى ذلك موجود، كل شيئ أعطانيه عندي، فالنبي خالع بينهما، في رواية البخاري – السابقة كانت عند مالك وهذه رواية البخاري – قال لها النبي هل تردين عليه حديقته؟ كان يبدو أنه أمهرها حديقة، بُستان! قالت نعم، قال يا ثابت خُذ الحديقة وطلِّقها تطليقة، هذا الأصل في الخلع، أيضاً في رواية صحيحة أنها قالت يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعتب عليه في خُلق ولا دين، أي لكي تفهموني – قالت – وتفهموا موقفي الرجل لا غبار عليه لا من ناحية الخُلق ما شاء الله ولا من ناحية الدين ما شاء الله، ولكنني أكره الكفر في الإسلام، تعني بالكفر ماذا؟ كفر الزوج، ليس كفر الدين وإنما كفر الزوج، النبي قال في حديث الكسوف ورأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا بم يا رسول؟ قال بكفرهن، قيل يكفرن الله؟ قال لا، ولكن يكفرن العشير…. إلى آخر الحديث، كفران الزوج، قالت لا أُحِب أن أعيش معه وأنا مُسلِمة وأكفر الزوج هذا، أظل كل يوم أُنكِّد عليه وأُناكِده وأُنغِّصه وأُشاقِقه، لا أُريد هذا قالت، لماذا؟ هذا ما خرج من قلبها، وهناك قصة ثالثة أيضاً معروف فيها لماذا فعلت هذا، كانت في يوم من الأيام في خبائها إذ رفعت طرف الخباء ونظرت فإذا بثابت يَقدم في جماعة من أصحابه وإذا هو أقصرهم وأبشعهم، لا تُوجَد عليه أي مسحة جمال، قال يا خراب بيتك يا بعيدة! أتأخذين هذا أنتِ؟ كانت لا تنظر في الأول، أخذت المسكين واقتنعت به، لكن لما أجرت مُقارَنة – Compare – قالت لا، ظُلِمت أنا، فخرج من قلبها هذا، لكنها امرأة – ما شاء الله – أخت رجل فعلاً، تُحترَم! لماذا؟ لم تُحِب أن تعيش معه وتلف، لا تُريد هذا هي، انتهى الأمر، لا أُحِبه وأُريد أن أعطيه كل ما يُريد ثم أعيش فيما بعد بطريقة شرعية صحيحة، أتزوَّج رجلاً أحترمه، ويا ليت نساءنا يكونون هكذا، إذا كنتِ مُتزوِّجة رجلاً اتقي الله فيه، لا تُنكِّدي عليه وما إلى ذلك، إما تعيشي معه بالحُسنى أو تذهبي، لكن هذا وهذا لا يصح، فهذه – ما شاء الله – كان موقفها سليم، وهذا أصل في الخلع، هذه كلها بعض روايات حديث حبيبة بنت سُهيل أو حبيبة بنت عبد الله بن أُبي بن سلول في المُخالَعة، فالله قال ماذا؟ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۩، تُقدِّم شيئاً كفدية للخلع، تدفع له من المهر أو المهر كله، وهو يأخذ، الله قال هو يأخذه حلالاً زلالاً، لا تُوجَد أي حريجة، خُذ هذا المال من غير حريجة وطلِّقها، الآن بكم تعتد؟ عدة المُختلِعة هذه كم؟ إذا خالعها كم؟ المُختلِعة ليست كالمُطلَّقة العادية، لها عدة خاصة، في أبي داود في السُنن أن الرُبيع بنت مُعوذ بن عفراء خالعت زوجها، أي اختلعت، فأمرها النبي أن تعتد بحيضة، فقط واحدة، شهر! هذه لها هذا.

لو أردنا أن نُلخِّص لكم – لكي نختم الدرس، للأسف تبقى سبع دقائق – أحكام العدد أو العدة أيها الإخوة كيف يُمكِن أن نُلخِّصها بسهولة؟ فلنقل الآن عدة المُطلَّقة وعدة المُتوفى عنها زوجها، أليس كذلك؟ نأتي الآن إلى المُتوفى عنها زوجها لأنها الأسهل، المُتوفى عنها زوجها قد تكون تُوفيَ عنها قبل الدخول وقد تكون تُوفيَ عنها بعد الدخول، الذي تُوفيَ عنها بعد الدخول قد تكون حاملاً وقد تكون حائلاً، أي ليس عندها حمل، خالية! قبل الدخول طبعاً على كل الأحوال هي حائل، كل هذه الحالات في المُتوفى عنها زوجها يجب عليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام إلا الحامل، هل هذا واضح؟ وفيها خلاف هذه المسألة أيضاً، فيها خلاف! عليّ كان يقول بأبعد الأجلين، لكن رأي الجماهير وهو الصحيح حقيقةً بنص الأحاديث الصحيحة كلها إلا الحامل تعتد بماذا؟ بأربعة أشهر وعشرة، حتى لو لم يدخل بها؟ حتى لو لم يدخل بها، وهذا غريب، هو لم يدخل بها، حتى لو لم يُسم له المهر؟ حتى لو لم يُسم لها المهر، أربعة أشهر وعشرة؟ أربعة أشهر وعشرة، أرأيتم؟ غريب جداً، المُتوفى عنها زوجها عليها عدة؟ مُتوفى عنها وليست مُطلَّقة، عليها عدة؟ عليها عدة، عكس المُطلَّقة التي لم يدخل بها زوجها، ليس عليها عدة، أليس كذلك؟ هذه عليها عدة أيضاً.

تذكرون في دروس الأصول أننا ذكرنا لكم مسألة المُفوَّضة، مسألة المُفوَّضة التي سُئل فيها حبر الأمة عبد الله بن مسعود وتردَّدوا إليه قيل شهراً وهو خائف من أن يتكلَّم فيها، مَن هي المُفوَّضة؟ امرأة – قصة حقيقية – تُوفيَ عنها زوجها ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقاً، لم يُسم لها مهراً ولم يدخل بها ومات، فشهر وهم يسألونه وهو خائف، ثم قال أقول فيها بقولي، فإن يكن صواباً فالحمد لله وإن يكن خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان من ذلك، كان يخاف جداً، هذه فتوى، الأمر ليس سهلاً، ماذا تقول يا ابن مسعود إذن؟ قال أقول لها المهر وفي رواية لها الصداق وفي رواية لها مهر مثلها – أي نفس الشيئ ولا تُوجَد مُشكِلة، ماذا يكون؟ مهر المثل – وعليها العدة أربعة أشهر وعشرة أيام ولها الميراث، فقام معقل بن يسار المُزني – من أشجع – وقال ماذا؟ قال أشهد لقد قضى رسول الله في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت به، قال نفس الكلام! ففرح ابن مسعود بهذه المُوافَقة فرحاً شديداً، أي ما يُحِب أن يكون له الدنيا وما فيها بهذه المُوافَقة، الله أرشده – سُبحان الله – إلى حُكم شرعي النبي قاله بالضبط، لكن هو قاله من عنده ومن اجتهاده، وفي رواية قام رجل من أشجع وهي قبيلة معقل بن يسار – ليس واحداً، ليس معقلاً وحده وإنما رجال – وقالوا نشهد أن الرسول قضى بمثل ما قضيت به، عندها أحكام خاصة – انتبهوا – الوفاة، حتى لو كانت نصرانية أو يهودية تعتد هذه العدة، شيئ غريب! وأيضاً أحكام المُتوفى من باب تجلة الموت، أليس كذلك؟ والوفاء للزوج، من أحكام المُتوفى الحداد، أليس كذلك؟ تحد المرأة عليه، كم تحد؟ الفترة: أربعة أشهر وعشرة، في غير هذه الحالة لا يُوجَد حداد إلا كم؟ ثلاثة أيام فقط، وفي الصحيحين عن أم حبيبة – وهي بنت أبي سُفيان – وعن زينب بنت جحش أيضاً زوجة رسول الله كلتيهما – عنهما كلتيهما – أنهما روتا عن رسول الله أنه قال لا يحل لامرأةٍ تُؤمِن بالله واليوم الآخر أن تُحِد على ميتٍ فوق ثلاث إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشرة، وانظر – سُبحان الله – إلى حرص أمهات المُؤمِنين والأسلاف الصالحين على اتباع السُنة وأخذ صفو الدين والمُتابَعة الكاملة، أم حبيبة هذه لما مات أبوها – أبو سُفيان – دعت بطيب بعد ثلاث أيام، أبوها مات وبعد ثلاثة أيام دعت بطيب، مست منه ووضعت على عضديها ـ، قالت والله ما بي حاجة إلى الطيب – أنا أصلاً ليس لي نفس له – ولكن سمعت – وهذا سبب الحديث – رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  لا يحل لامرأةٍ تُؤمِن بالله واليوم الآخر أن تُحِد على ميتٍ فوق ثلاث إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشرة، انظر إلى أي مدى المُتابَعة، قالت أُريد أن أُطبِّق هذا حتى لا أقع فيما نهى الرسول عنه، وهذا أصلاً غير مفروض عليها ولا نقول حتى مُستحَب لها أن تضع الطيب، لأن هي في نفسها اعتبرت نفسها لا تُحِد الآن وانتهى الأمر، لكن من أجل أن تُفارِق أي مدخلية  للنفس أو للشيطان في مُشابَهة الحداد، قالت لا، أُريد أن أضع من الطيب حتى لا أكون حديت على أبي بعد ثلاثة أيام، أرأيتم؟ ومثلها فعلت مَن؟ زينب بنت جحش، لا أدري في أخيها أو في غيره، أعتقد في أخيها، المُهِم حدث نفس الشيئ، بعد ثلاثة أيام دعت بطيب ومست بعرضيها وقالت الحديث، وهذا سبب الحديث، وهو في الصحيحين، في البخاري ومُسلِم، فهذا بالنسبة إلى المُتوفى عنها زوجها، بالنسبة إلى المُطلَّقة اليوم تحدَّثنا عنها، المُطلَّقة الآن قد تكون مُطلَّقة قبل الدخول وقد تكون مُطلَّقة بعد الدخول، بعد الدخول إما أن تكون حاملاً وإما أن تكون حائلاً، طبعاً قبل الدخول لا يُوجَد حمل وهذا واضح، المُطلَّقة قبل الدخول هل عليها عدة؟ لا تُوجَد عدة أبداً وهذا معروف في سورة النور، المُطلَّقة الحامل بعد الدخول ما وضعها؟ هذا وضع الحمل، إذن نفس الشيئ وهذا الصحيح، ذكرنا أعتقد في دروس قبل رمضان حديث أبي السنابل بن بعكك، أليس كذلك؟ عن الوليد بن جعفر، لما قال لسبيعة الأسلمية ماذا؟ نفس الشيئ، قال لها لا يجوز، وهي طبعاً كانت حاملاً ومات عنها زوجها ووضعت حملها فتزيَّنت للخطاب طبعاً، تبتغي ماذا؟ النكاح، الزواج! فرآها أبو السنابل بن بعكك – هذا عن الوليد بن جعفر – فقال لها أراكِ تزينتِ للخطاب، ما أنتِ بناكحة حتى تعتدي أربعة أشهر وعشرة، قالت فلما قال لي ذلك شددت علىّ ثيابي حين أمسيت وأتيت الرسول، فقلت له كذا وكذا وكذا، فقال لقد حللتِ حين وضعتٍ حملكِ، قال العلماء ولو بعد لحظة، لو الآن الزوج طلَّق أو مات ووضعت الحمل ينتهى الأمر، فيبدو أن العلة هنا هي ماذا؟ استبراء الرحم، هل هذا واضح إن شاء الله؟ هذه الحامل، الحائل ماذا عنها؟ في الآية قال الله ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ۩، هل هذا واضح؟ هذا المُلخَّص وهناك أشياء أُخرى أيضاً مذكورة في سورة الطلاق، يُمكِن أن ترجعوا إليها إن شاء الله تبارك وتعالى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، نُكمِل غداً إن شاء الله.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: