الدرس الثاني عشر
تفسير سورة آل عمران من الآية الواحدة والعشرين بعد المائة إلى الآية الخامسة والثلاثين بعد المائة

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين حمداً يُوافي نعمه ويُكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، اجعلنا هُداة مُهتَدين غير ضالين ولا مُضِلين، علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، اللهم ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، اللهم علِّمنا القرآن، اللهم انفعنا به وارفعنا به، اللهم ذكِّرنا منه ما نُسّينا وعلِّمنا ما جهلنا واجعله حُجة لنا ولا تجعله حُجة علينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُرضيك عنا يا كريم يا منّان. اللهم آمين.

۞ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۞

أيها الإخوة والأخوات:

وقفنا أمس عند قول الحق – سُبحانه وتعالى – وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩، أيها الإخوة من لدن هذه الآية وما يليها من آي يبدأ الحديث الإلهي عن معركة أُحد، يقول – تبارك وتعالى – وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۩، ما معنى تُبَوِّئُ ۩؟ وما معنى غَدَوْتَ ۩؟ ما معنى وَإِذْ غَدَوْتَ ۩؟ معنى وَإِذْ غَدَوْتَ ۩ أي واذكر يا محمد إذ غدوت، كما قلنا مرة كلما قرأتم هذه الصيغة ” وَإِذْ ۩” اعلموا أن المقصود واذكر إذ، أي واذكر إذ واذكر حين حصل كذا وكذا، إذن واذكر يا محمد وَإِذْ غَدَوْتَ ۩، أي إذ خرجت بالغداة، صباحاً، إذ خرجت صباحاً تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ ۩، صباح ماذا إذن؟ صباح السبت، أليس كذلك؟ قلنا أمس النبي استشارهم بعد الجُمعة، أليس كذلك؟ استشارهم في الخروج أو المكوث في المدينة، وكان ما كان من أمر الشباب الذين ظنوا أنهم استكرهوه عليه الصلاة وأفضل السلام، واستلأم النبي سلاحه – أي لبس لأمته – وقال ما كان لنبيٍ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يُقاتِل، استلأم السلاح وعزم على ما قضى الله وحتم وحكم به سُبحانه وتعالى.

إذن كانت المعركة متى؟ يوم السبت، هذا صحيح، كانت يوم السبت أيها الإخوة، في السادس عشر من شوال أو في الخامس عشر من شوال، سنة ثلاثٍ من هجرة المُصطفى عليه الصلاة وأفضل السلام، بدر كانت في سنة اثنتين أو ثنتين من الهجرة.

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۩، أي تُنزِلهم مقاعدهم للقتال، تعرفون كيف يكون تخميس الجيش، هذا اسمه تخميس الجيش ومن هنا سُميَ الجيش خمسياً، لأنه كان يُخمَّس خمسة أقسام، كيف؟ الميمنة، الميسرة، المُؤخَّرة أو مُؤخَرة الجيش، يُقال مُؤخَّرة أو مُؤخَرة، القلب، والمُقدِّمة، خمسة أقسام! ولذلك يُسمى الجيش خميساً، لأنه كان يُخمَّس، وهكذا! حتى الكفّار – لعنة الله عليهم، أعني على مَن مات منهم ولم يُسلِم – عندهم نفس الشيئ أيضاً، وجعلوا على ميمنة جيشهم خالد بن الوليد – رضيَ الله عنه بعد – وعلى ميسرة جيشهم عكرمة بن أبي جهل رضيَ الله عنه بعد ولعنة الله على أبيه إلى يوم الدين، إذن على الميمنة كان خالد وعلى الميسرة كان عكرمة بن أبي جهل رضيَ الله عنهما، وهكذا! وكان لواء المُسلِمين مع مُصعَب بن عُمير رضيَ الله تعالى عنه، شهيد أُحد، وهكذا!

تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۩، أنت هنا وأنت هنا وأنتم هنا وأنتم هنا وهكذا، كل شيئ كما ينبغي، أهم شيئ في هذه التبوئة تبوئة الرُماة وكانوا خمسين، وكان عليهم – أي على رأسهم وفي قيادتهم – عبد الله بن جُبير رضيَ الله عنه وأرضاه، وقال لهم النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – انضحوا عنا بالنبل ولا تُغادِروا – لا تبرحوا، لا تروموا – أماكنكم، مهما وقع من أمر! إن رأيتمونا غُلِبنا فلا تبرحوا أماكنكم، سُبحان الله! رسول يا أخي يُوحى إليه فيعرف هذا، هو تقريباً عارف كل شيئ، لماذا بالذات الرُماة؟ يعرف! إن رأيتمونا غُلِبنا فلا تبرحوا وإن رأيتمونا كانت لنا الغلبة فلا تبرحوا وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا أماكنكم، يا أخي هذا واضح، إذن صدق الله: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ۩، مُخالَفة واضحة كانت فاستحقوا الهزيمة، النبي قال حتى لو رأيتمونا تخطفنا – أي تتخطَّفنا – الطير فلا تبرحوا – لا تروموا – أماكنكم، لا تتركوها، فهو بوأهم، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩.

۞ إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ۞

إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۩، بنو حارثة وبنو سلمة، ما قصة هاتين الطائفتين؟ ولِمَ أنزل الله فيهما هذا القول الكريم؟ أيها الإخوة تعلمون أن عبد الله بن أُبي بن سلول – لعنة الله عليه – كان من رأيه ما يُطابِق وما يُوافِق رأي رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن يُحرِّزوا أنفسهم في المدينة وألا يخرجوا، لكن – كما قلنا – الأمر في النهاية أو بأخرة كان وفق رأي جمهور أهل الشورى، النبي استشار والجمهور – أكثره من الشباب الذين لم يشهدوا بدراً – أن نخرج حتى لا يروا أننا ضعفنا أو جبنا عنهم، فإذن انتهى! هذا لم يُعجِب مَن؟ الذين آثروا ويُؤثِرون العافية والسلامة كالمُنافِقين، لا يُحِبون القتال هم، يُؤثِرون العافية، يُؤثِرون السلامة، ويودون دائماً أن يظلوا بمنجاةٍ، لم يُعجِبه فبيَّتها في نفسه، فلما انطلق الجيش كما كان؟ ألفاً، كان ألفاً من الرجال ومن الفرسان، ألف ليس كثيراً، جيش الكفّار كم كان؟ سُبحان الله مثل بدر، نفس الشيئ: ثلاثة أضعاف، نفس الشيئ! ثلاثة أضعاف من قريش وحلفائهم والأحابيش حول مكة ومن حلفائهم أيضاً من تهامة وكنانة، كلهم! وقد دفعوا في هذا الجيش الذي جيَّشوه بخمسين ألف دينار هي قيمة العير، خمسون ألف دينار ذهبية مبلغ كبير جداً جداً أرصدوه لحرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حسنٌ! فخرجوا حتى إذا كانوا بالشوط – مكان بين المدينة وجبل أُحد اسمه الشوط – انخذِلَ ويُقال انخذَلَ – نفس الشيئ: انخذِل أو انخذَلَ – رأس النفاق عبد الله بن أُبي بثلاثمائة، لا إله إلا الله! ثُلث الجيش، أرأيتم كيف؟ ابتلاء، هذا الدين ابتلاء، تاريخ هذا الدين تاريخ الابتلاءات، النفاق موجود وضعفاء الإيمان موجودون والمُغفَّلون – الذين يُستغفَلون – موجودين، هل يُظَن أن كل الذين انخذَلوا كانوا مُنافِقين؟ منهم مُنافِقون طبعاً بلا شك، لكن بعضهم ربما كان جاهلاً لا يفهم للأسف الشديد أو ضُحِكَ عليه كما يُقال، فهذا موجود في الأمة دائماً للأسف، للأسف لا يُمكِن أن تكون الأمة كلها طبقاً واحداً، والأمور بيّنة ورسول الله بين ظهرانيهم وعليه يتنزَّل الوحي، ومع ذلك ينخذَلون وينخذِلون مع رأي النفاق الخبيث المُخبَّث والعياذ بالله، قال أطاعهم وعصاني فعلام نقتل أنفسنا يا قوم؟ قال أطاع بعض الأولاد وما إلى ذلك – يتحدَّ البعيد لعنه الله عن النبي، لعنة الله عليه – وعصاني، قال أطاعهم وعصاني فعلام نقتل أنفسنا يا قوم؟ ما أرى أن هناك قتالاً، قال واضح أن الحكاية ليس فيها أي قتال، كيف هذا؟ هل تعرف الغيب يا رأس النفاق أنت؟ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۩، قال أنا لا أرى أن هناك قتالاً اليوم، لن يكون هناك أي قتال، هذه نُزهة، هيا نرجع! فانخذل بثلاثمائة، ثُلث الجيش! مما أحزن النبي وغمه عليه الصلاة وأفضل السلام، وطبعاً هذا أحزن الصحابة، فلحق بهم مَن؟ عبد الله بن عمرو بن حرام، تعرفون هذا الرجل العظيم، هذا والد جابر، والد الصحابي المُعمَّر الجليل الراوي المُكثِر من الحديث جابر: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضيَ الله عنهما، وهذا – عبد الله هذا – أحد شهداء أُحد العظام، واليوم سأتحدَّث عنه بسرعة – إن شاء الله – وهو معروف، فلحق بهم على فرسه وقال لهم يا قوم اتقوا الله، اتقوا الله ولا تتركوا نُصرة نبيكم ولا تخذلوه وقد حصل ما ترون، يا جماعة اتقوا الله وكذا وكذا، فقال له رأس النفاق ما أرى أن سيكون قتال، فقال تعساً لكم يا مُنافِقين، تعساً لكم يا مُنافِقين فإن الله – تبارك وتعالى – سيُغني رسوله عنكم، اخس عليكم! وانفتل بفرسه وعاد إلى الرسول.

الآن المُشكِلة أن بني حارثة وبني سلمة – بني حارثة من الأوس وبني سلمة من الخزرج، أي أنهما من الأوس والخزرج، الأنصار – لما رأوا انخذَال أو انخذِال رأس النفاق بثلاثمائة – ثُلث الجيش – هموا أن ينخذلوا أيضاً، هموا! مُجرَّد هم وحديث نفس، نرجع نحن أيضاً أو لا نرجع؟ لكن الله ثبَّتهم وعصمهم، قالوا لن نرجع – إن شاء الله – وسنظل مع الرسول، قال – عز من قائل – إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ ۩، إذن مَن هما الطائفتان؟ بنو حارثة وبنو سلمة، من الأوس ومن الخزرج! إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ ۩، الفشل في اللُغة العربية يأتي بمعنى ضد النصر والنجاح ويأتي بمعنى الجُبن، في اللُغة الليبية بمعنى الكسل، أليس كذلك؟ يُقال فاشل بمعنى كسلان أو فشلان كما يُقال، لكن في اللُغة العربية معناها ضد النجاح وضد النصر وأيضاً ضد الشجاعة، يُقال جبن أي فشل، فاشل تعني أنه جبان، وهذا من باب المجاز، لماذا؟ مجاز عقلي! لأن الفشل سبب الهزيمة، أليس كذلك؟ الفشل – أي الجُبن أقصد – سبب الهزيمة، فسُمي الجُبن فشلاً لأنه سبب في الفشل، هذا مجاز والله أعلم، ربما يكون هكذا مجازاً عقلياً.

على كلٍ قال إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۩، أرأيت؟ أي أن الله عصمهما، ولذلك روى البخاري عن جابر بن عبد الله – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – قال فينا نزلت هذه الآية، في بني حارثة وبني سلمة، وما نُحِب أنها لم تنزل – أي جيد أنها نزلت، لا يهم! لماذا؟ – لقول الله وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۩، تُوجَد شهادة لنا، أرأيت كيف الفهم في القرآن؟ هذا بعض العتب لكنه جيد، لأنه في النهاية أعطانا مهراً جيداً، مهر أي ختم وصك شرف، قال وما نُحِب أنها لم تنزل لقول الله – أي لما كان من قول الله – وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۩، يحدث هذا سُبحان الله، يحدث هذا! المُؤمِن يتردد أحياناً، يحدث التردد فيهم بشيئ، هو هم لكن لم يكن أكثر من ذلك، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ۩.

۞ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۞

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۩، قلنا أمس ذِلة القلة، فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩.

۞ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ ۞

إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ ۩، قال أَلَن يَكْفِيَكُمْ ۩؟ بلى طبعاً، كافية ثلاثة آلاف.

۞ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ۞

بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم ۩، آية من أصعب الآيات، ليست واضحة، حين تقرأ هكذا تجد أن من الصعب جداً أن تُفهَم، بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم ۩، تُوجَد جُملة اعتراضية، دائماً الاعتراضية هي التي تتسبَّب في مشاكل، أليس كذلك؟ إذا لم تفهم أنها اعتراضية تُخربِط لك كل القصة، فدعونا نحذفها لكي تُصبِح الآية واضحة، الله ماذا قال؟ بلى إن تصبروا وتتقوا يُمدِدكم ربكم بخمسة آلاف، مفهمومة صارت، أليس كذلك؟ مع الصبر والتقوى الثلاثة إما أن تصير خمسة أو نزيدكم خمسة أيضاً، فيها أقوال للمُفسِّرين، لكن ما معنى وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا ۩؟ هَذَا ۩ اسم إشارة للفور، انتبهوا! ليس هَذَا يُمْدِدْكُمْ ۩، وإلا سوف تُصبِح غير مفهومة، ما معنى هَذَا يُمْدِدْكُمْ ۩؟ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ ۩، ما معنى مِّن فَوْرِهِمْ ۩؟ أقاويل للسادة المُفسِّرين مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، قيل من غضبهم، من قولهم فارت القدر، أي مَن هؤلاء؟ الإشارة إلى مَن؟ هل الإشارة إلى الملائكة؟ لا، إلى الكفّار، إلى كفّار قريش، إلى الثلاثة آلاف الذين أتوا مُحنَقين، يتحرَّقون على المُؤمِنين، لا يُقال تحرَّق له، غلط هذا! يتحرَّق إلى كذا وكذا، وهذا غلط، لا يُقال يتحرَّق إلى وإنما يتحرَّق على، يتحرَّقون على قتال الرسول وأصحابه معه، يتحرَّقون في غضب شديد، مُحنَقين مُغضَبين يتحرَّقون، وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا ۩، أي من غضبهم، وقيل من فورهم أي من سفرهم، هم سافروا وأتوا، والنبي أُعلِم بسفرهم، أول إعلام للنبي كان على يد مَن في أُحد؟ العبّاس عمه، أليس كذلك؟ وتعرفون ما كان من النبي للعباس في بدر حين أُسِر، وبعد ذلك أُطلِق وكان يستسر بالإسلام، وجعله النبي كالعين له، أي شيئ يحدث أخبرنا به، وفعلاً عم النبي العباس – عليه الرضوان والرحمة – أرسل إلى رسول الله يقول له انتبه، سوف يحدث كذا وكذا وكذا، والجماعة خرجوا في ثلاثة آلاف وسافروا، الآن هم يتوجَّهون إليكم، وذهب النبي أيضاً وأرصد عيوناً وأرسل عيوناً له فتأكَّد الخبر، أنهم فعلاً سافروا وأتوا وأصبحوا على مقربة، وبالعكس استفزوا أيضاً مجموعة رُعاة للنبي وللمُسلِمين، والنبي أمر ألا يكون قتال حتى يكون هو الذي يأمر، على كل حال تأكَّد هذا، من سفرهم هذا، وقيل مِّن فَوْرِهِمْ ۩ أي من وجههم، من جهة مُعيَّنة النبي يعلمها، من هذه الجهة هم يأتون، لا تخافوا، يُوجَد مدد ملائكي، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم ۩، لكن الآن تُوجَد مُشكِلة فانتبهوا، نُريد أن نُركِّز، اختلف السادة المُفسِّرون في هذا الإمداد أيها الإخوة، هل كان في أُحد أم كان في بدر؟ على كلٍ لا خلاف أن المُسلِمين لم يُمدوا في أُحد، حتى تُريحوا أنفسكم ولا تُخربطوا لم يكن هناك مدد، لماذا؟ لأنهم لم يصبروا ولم يتقوا، انتبهوا! يُوجَد شرط، كل شيئ بشرط، هم لم يصبروا ولم يتقوا، لو صبروا واتقوا لأمدهم الله، فعلى كل حال وعلى كل الوجوه المُسلِمون لم يحصل لهم إمداد بالملائكة في أُحد، لكن الخلاف هل هذا الوعد كان للمُسلِمين في أُحد أو كان للمُسلِمين في بدر؟ هنا قد يقول لي أحدكم أن السياق في أُحد، لكن لا، لا تنس قول الله وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ ۩، تُوجَد آية تتحدَّث عن بدر: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، هل هذه تتبع الآية التي تتعلَّق بدر أو تتبع آية وَإِذْ غَدَوْتَ ۩ وما بعدها؟ يُوجَد خلاف، هذه هي، فبعضهم يقول لا، هذه الآية تتحدَّث عن بدر، لكن سيقول بعض الناس هذا لا يستقيم، لماذا لا يستقيم؟ لأن الله – عز شأنه – في الأنفال ذكر أن المدد والإمداد سيكون بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ۩، هنا يقول بِثَلاثَةِ آلافٍ ۩ ثم يقول بِخَمْسَةِ آلافٍ ۩، لكن لا يتناقض الوعد بألف ثم بثلاثة ثم بخمسة، وكان ذلك أيضاً كما نص عليه الأئمة كالإمام عامر بن شراحيل الشعبي وغيره مشروطاً أيها الإخوة، كيف؟ إذا بلغ المُسلِمين أن كُرز بن جابر المُشرِك أراد أن يُمِد الكفّار في بدر بعدد كبير من الفُرسان والراجلة، فعظم ذلك على المُسلِمين، قالوا مُصيبة، نحن أصلاً ثلاثمائة وثلاثة عشر وهم حوالي ألف وأيضاً سوف يأتيهم مدد! فطمأنهم الله بقوله لا تخافوا، يُوجَد ثلاثة آلاف، ومع الصبر والتقوى سوف نمدكم أيضاً بخمسة آلاف أو سوف يصيرون خمسة آلاف، فهناك قولان كما قلنا في الأول، هل هذا واضح؟ لكن لم يحصل، لماذا؟ لأن كُرز بن جابر – وهذا كله في السيرة، هذه المعلومات كلكم قرأتموها في السيرة، موجودة في أي كتاب في السيرة – المُشرِك بلغه خبر هزيمة الكفّار في بدر فلم يفعل شيئاً وبالتالي فلم يُمِد الله – تبارك وتعالى – المُسلِمين، إذن لم يحصل إمداد بثلاثة وبخمسة بعد ذلك، لم يحصل، هل هذا واضح؟ هذا قول، هذا اتجاه.

بعضهم يقول لا، حصل الإمداد، حصل بألف وبثلاثة وبخمسة، والرأي الذي سُقته قبل قليل هو رأي الإمام الشعبي وقال به أيضاً جماعة، قال به جماعة! لكن يبدو أن اتجاه أكثر المُفسِّرين أن هذه الآية في بدر وليست في أُحد، والله – تبارك وتعالى – أعلم، لن نتحدَّث عن إمداد الملائكة وهل قاتلوا أو لم يُقاتِلوا، الإمداد في بدر أجمع عليه العلماء قاطبةً، لم نجد عالماً أنكره، طبعاً رجل مثل أبي بكر الأصم المُعتزِلي أنكره وهذا كلام فارغ، هذا مُعتزِلي وهم أصحاب عقول تعبانة، لكن العلماء الذين يُعتَد بآرائهم في الإجماع أجمعوا قاطبةً على أن الله أمد المُسلِمين في بدر لكن اختفوا في مسألة ثانية وهي هل قاتلت الملائكة أو كانت فقط للتكثير والمُرابَطة؟ فيها خلاف، والأرجح أن جماعة منهم قاتلت، لكن لم تُقاتِل كل الملائكة، انتبهوا! ليس كل مَن نزل قاتل، هناك جماعة كانت للتكثير، وهناك جماعة قاتلت، وهذا أرجح الآراء، والله أعلم.

في أُحد حصل مدد شخصي لرسول الله، في الصحيحين – في البخاري ومُسلِم – عن سعد بن أبي وقاص يقول لقد رأيت رجلين يلبسان ثياباً بيضاً يُقاتِلان عن رسول الله – ما معنى عن رسول الله؟ دفاعاً عنه – قتالاً لم أر مثله قط، لم أراهما من قبل ولا من بعد، أي وما رأيتهما من بعد، مرة واحدة رأيتهما، يعني ماذا؟ يقول الراوي جبرائيل وميكائيل، جبرائيل وميكائيل يُقاتِلان عن النبي حفاظاً عليه، هذا مدد خاص، هذا ليس للأمة كلها، ليس للمُجاهِدين كلهم، وإنما للرسول عليه الصلاة وأفضل السلام، بخلاف بدر كان المدد للجميع، أي كان المدد لجميع المُجاهِدين، وكان بعضهم حتى يُقاتِل مع المُجاهِدين، رأوا أشياء مثل هذه، وقال له أعانك عليه ملكٌ كريمٌ، تعرفون قصة أبي اليسر الذي نزلت فيه آية هود مع العباس عم النبي، والعباس كان ضخماً جداً جداً جداً، كان عملاقاً العباس، كان عملاقاً! كان يُلقَّب بماذا؟ بمُقبِّل الظُعن، هذا يعني ماذا؟ أنه كان يقدر على أن يُقبِّل المرأة وهي في الهودج، هو واقف على رجليه وهي على الجمل وفي الهودج أيضاً، أي شيئ عجيب! ربما كان طوله مترين وسبعين أو مترين وخمسين، شيئ مُخيف، ضخم جداً جداً، جاء له مَن؟ أبو اليسر هذا، وأبو اليسر كان قصيراً، كله شبر وفتر، وكان قبيحاً وصغيراً جداً جداً، جاء إلى العباس وما إلى ذلك، فالصحابة استغربوا وكانوا يُعايرون بها العباس، يقولون له يا عباس لو قلت بيدك هكذا لنلته، أنت أصبعك كبير، لو قلت له هكذا لحملته كله على بعضه، فكيف يحدث هذا؟ قال لهم ماذا؟ ترون أبا اليسر هو الذي أسرني؟ والله – قال لهم – الذي لا إله إلا هو لقد رأيته كالخندمة، جبل مكة الضخم اسمه الخندمة، جاء علىّ جبل خندمة وأخذني، انظروا إلى ربكم عز وجل، سوف ترون الآن في الآيات هذه عن معركة أُحد أشياء غريبة جداً جداً أيها الإخوة، تحصل أشياء إلهية، فعلاً وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۩، لكن حين نستحقه، حين يستحقه المُجاهِد المُسلِم ينتهي الأمر، لا تقل لي غير هذا، إذا حكم كما يُقال القضاء ووقعت معركة والله يُريد أن يتأذن بالنصر والله ينصر، ينصر من حيث لا تحتسب ولا تعرف – بإذن الله – بأساليبه وطرقه تبارك وتعالى، عنده طرقه الخاصة!

بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ۩، ما معنى مُسَوِّمِينَ ۩؟ قال بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ۩، ما معنى هذا؟ عليهم السيمة، أي العلامة، قيل في بدر كانت علامتهم العمائم السود يتعجرونها، يُقال اعتجر العمامة، يعتجرون العمائم السود، وقيل كانوا يعتجرون العمائم الصفر على عمامة الزُبير، الزُبير حواري رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، يُوجَد خلاف، لكن الأشهر أنها كانت عمائم سوداً، والله – تبارك وتعالى – أعلم، هذا معنى السيمة، وقيل السيمة كانت في خيولهم، في غُرة أو غُرر خيولهم، هذه هي سيمة الملائكة، كانت في الخيول الخاصة بهم وليس فيهم، المُهِم هذا معنى مُسَوِّمِينَ ۩، من السيمة، تعرفون السيمة، أي العلامة، Zeichen! تُوجَد علامات مُعيَّنة لهم، هذا معنى مُسَوِّمِينَ ۩.

۞ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ۞

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ ۩، هذا الإمداد الإلهي الله جعله بُشرى لكم، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۩، لكي تعرفوا أنكم مُؤيَّدون وأنكم مع الله تبارك وتعالى، وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۩، إذا كان هناك مدد من الملائكة فهذا يعني أن النصر من عند الله، فلا يُطلَب إلا مِن الله، لأنه في خزائن الله، الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ۩.

۞ لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ ۞ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ۞

لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ۩، هنا تُوجَد عجيبة، يُوجَد استقصاء عجيب لكل الأطراف أو لكل الاحتمالات المُمكِنة، قال لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ ۩، لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ۩، إما كذا وإما كذا وإما كذا وإما كذا، هذه لها علاقة الآن ببدر أو بأُحد؟ رجعنا إلى أُحد الآن، إذن بنا أن نستعرض بعض ما وقع في أُحد على جهة الاختصار لأن هذا ليس درس سيرة وإنما درس تفسير، ما الذي حصل في أُحد باختصار أيها الإخوة؟

الذي حصل في أُحد فعلاً أن النوبة في البداية كانت لجيش التوحيد، أي للمُسلِمين، ما شاء الله أبلوا بلاءً حسناً، يقول الصحابة لقد كنا نرى نساءهم، ما المُراد بنسائهم؟ لأن هؤلاء الكفّار لما خرجوا اختلفوا: هل نأخذ معنا النساء أو لا نأخذ؟ ثم انحط رأيهم على أن يأخذوا النساء لئلا يفروا، نأخذ معنا نسوانا وحرمنا، أبو سُفيان أتى بهند وكذلك عكرمة بن أبي جهل وخالد وعمرو بن العاص، كل واحد أتى بزوجته معه، أي حُرمته، أتوا بالولايا من أجل ماذا؟ أن يبقى كل واحد منهم إلى آخر لحظة ثابتاً، فإما النصر وإما الفطس، يموت فطساً! وهذا غير موجود طبعاً لكنهم فعلوا ذلك على هذا الأساس، فعلاً أتوا بالنسوان، فلما حصل أن انكشفوا وأُديل عليهم أو منهم حتى نساؤهم كانوا يُصعِدن في الجبل، يقول الصحابة – أكثر من صحابي – لقد رأينا سيقانهن، كل واحدة كشفت عن رجلها وجرت، ما بيننا وبين أن نأخذهن شيئ، أي نقدر على أن نأخذهن ببساطن ونأسرهن، كان نصراً مُؤزَّراً جداً، كيف حصلت الهزيمة والنكسة؟ هذه نكسة! أُحد كانت نكسة، ولا تسمعون كلام بعض المشايخ الطيبين والأولياء الذين يقولون أُحد كانت نصراً، لم تكن نصراً، نصر ماذا؟ الله سماها مُصيبة وأنت تقول لي هذا نصر؟ لا أُحِب أنا هذا التفلسف أمام النص الشرعي، كأن يأتي خطيب بكلام ويتشدَّق قائلاً لقد كانت نصراً مُبيناً، نصر ماذا يا حبيبي؟ الله قال أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ ۩، والنبي حزن وُوجِع وشُق، كاد يُقتَل النبي، وقع وحصلت له أشياء سوف نراها، ثم تقول لي هذا نصر، نصر ماذا؟ لم يكن نصراً، كانت مُصيبة ونكسة، نكسة شديدة جداً جداً، والله عتب على المُسلِمين عتباً شديداً بسببها، ما سبب هذه النكسة أيها الإخوة؟ وما سبب هذا الشؤم الذي حصل للمُسلِمين؟ المُخالَفة، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ۩، ممنوع مُخالَفة أمر الرسول، وهو أمراً مُؤكَّداً، أليس كذلك؟ ومُؤصَّر ومُثقَّل ومُحتَّم، قال لهم حتى لو تخطَّفتنا الطير لا تتركوا الجبل، وهو جبل صغير، الذي زار المدينة المُنوَّرة – على مُنوِّرها ألف تحية ومليون سلام – يعلم هذا، يرى أُحد قُبالته هكذا ويرى هنا جبل الرُماة الصغير، جيل صغير، أي يُصعَد ربما في ثلاث دقائق، صغير! كان عليه خمسون من الرُماة، فهم لما رأوا الكفّار وقد انكشفوا وهُزِموا صاحوا قائلين الغنيمة الغنيمة، غنائم! فنزلوا، فصاح بهم قائدهم عبد الله بن جُبير يا قوم، يا قوم لا تنسوا وصية رسول الله، لا تُخالِفوا عن أمر رسول الله، يا رجال كذا وكذا، لكن لا فائدة، انتهى! يُريدون الدنيا والغنيمة، يُوجَد نصر قالوا، لكن يا أخي الرسول أوصاكم، نزلوا! لما نزلوا والكفّار كانوا مُنكشِفين وقد ولوا الأدبار أصلاً على وجههم رأى ذلك عبقري الحروب وخرّيت المعارك سيف الله المسلول خالد، فرصة قال، أمكنته الفُرصة، مُباشَرةً بجماعة معه من الخيّالة والفُرسان لوى أعنة الأفراس وعاد من خلف جبل الرُماة، صعد الجبل الآن، والآن عاد الكفّار الآخرون من الوجه الآخر فصار المُسلِمون بين فكي كمّاشة، هؤلاء في وجوههم وهؤلاء من فوقهم، ونزلوا فيهم نطحاً بالنبل وضرباً بالسهام، مُصيبة! وأُشيع في الناس أن الرسول قد قُتِل، رجل كافر اسمه ابن قمئة قال قتلت محمداً، هو تأكَّد من هذا لأنه ضرب الرسول عليه السلام، ضرب الرسول – شُلَّت يده – في وجهه فجرح وجنته الشريفة، خده! ودخلت حلقتان من حلقات المِغفر الذي يستر الرأس في وجنة رسول الله، وعُتبة بن أبي وقاص – أخو سيدنا سعد – ضرب النبي أيضاً فجرح شفته العُليا وكسر رباعيته، سنه! بين الثنية والناب اسمها الرباعية، فهو كسر الرباعية وجرح شفته العُليا عليه الصلاة وأفضل السلام، وعبد الله بن شهاب أيضاً ضرب النبي فشج وجهه، أي شُج النبي شجاجاً، الشفة والرباعية ووجهه أيضاً ضُرِب، وكان يُوجَد بئر احتفر المُشرِكون دون أن يعملوا به المُسلِمون فوقع فيه النبي، وقع فيه أيضاً! وجاءه أسد الإسلام وبطل المُسلِمين عليّ بن أبي طالب – عليه السلام – وطلحة بن عُبيد الله الشهيد الحي، وبالمُناسَبة يُوجَد نفر قليلون – يُقال تسعة ويُقال أقل – هم الذين ثبتوا مع الرسول، سيدنا عمر هرب، سيدنا عثمان هرب، أبو بكر أُرجِّح أنه بقي، في روايات تقول هرب، لأنهم لم يهربوا جُبناً، عرفوا أن الرسول قد قُتِل، فإذا قُتِل انتهى الأمر، الآن ليس عندهم حتى كما يُقال شجاعة لكي يُقاتِلوا، أي أن بعد موت الرسول انتهى كل شيئ، فُجِعوا! لكن الله عفا عنهم، حتى الذين هربوا عن الرسول – وهم لم يكونوا يعرفوا – الله عفا عنهم وستأتي الآية، سنقول الآن ماذا قال الله فيها عز وجل، وغفر لهم هذا الذنب، على كل حال عليّ وطلحة ظلا مع الرسول بلا شك، وسعد بن أبي وقاص ظل مع الرسول، طلحة فقد يمينه وهو في الجبل يُدافِع عن الرسول، شُلَت يمينه أو قُطِعت حتى! والنبي قال مَن شاء أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى  طلحة، شهيد حي! هو كان في حُكم الأموات، فهو شهيدٌ حي، أعني طلحة بن عُبيد الله، والإمام عليّ أيضاً!

في أول المعركة حين كان هناك النصر النبي أخذ سيفاً هكذا وهزه، مشهد مُشرِّف جداً – وقال مَن يأخذ هذا بحقه؟ قال مَن يأخذ هذا بحقه؟ فتقدَّم أُناس، يقول كل واحد منهم أنا يا رسول الله، أنا يا رسول الله، والنبي يردهم، لا! لا يفهمون هؤلاء، كيف أنتم؟ لماذا ردهم الرسول؟ هل تعرفون لماذا؟ النبي يقول مَن يأخذ بحقه؟ فيقول أحدهم أنا يا رسول الله فيقول له ارجع، فيقول رجل ثانٍ أنا يا رسول الله فيقول له ارجع، فيقول رجل ثالث أنا يا رسول الله فيقول له ارجع، وهكذا! حتى جاء أبو دُجانة، تسمعون بأبي دُجانة، ليس المُنشِد وإنما صاحب رسول الله، صاحب العصابة الحمراء هذا، بطل من أبطال الإسلام رضيَ الله عنه وأرضاه، جاء أبو دُجانة – اسمه سماك بن خرشة، سماك بن خرشة هو أبو دُجانة، المُهِم أنه يُعرَف بأبي دُجانة – وقال يا رسول الله وما حقه؟ رجل فاهم هذا، أتُقدِم على أمر وأنت تفهمه؟ كيف تقول أعطني؟ كيف أعطيك؟ لابد أن تسأل، فردهم النبي، لا يُحِب النبي أن يتقحَّم الواحد شيئاً لا يفهمه، ولذا ظل يردهم، لكن هذا كان يفهم، قال له وما حقه يا رسول الله؟ أنت تقول مَن يأخذ هذا بحقه؟ وما حقه يا رسول الله؟ قال حقه أن تضرب فيه أعداء الله حتى ينثني، قال له أنا آخذه، وكان بطلاً مِغوراً، معروف أبو دُجانة هذا، كان بطلاً مِغوراً يُهاب، وهو كميٌ فارسٌ لا يُقام له، لا يقدر أحد على أن يقف أمامه، قال له أنا يا رسول الله، أخذ السيف وهزه هكذا ثم أخرج عصابته، ومعلومٌ عنه إذا اعتصب بها فإنه مُقاتِل، ومَن المُقاتِل؟ أبو دُجانة الذي يُقاتِل الآن، هذا ليس كأي إنسان، أسد! عصب رأسه ثم جعل يتبختر بين الجيشين، ظل يتمشى مشية غريبة كلها كبر وخُيلاء، فالنبي قال إن هذه مشية يُبغِضها الله – عز وجل – إلا في هذا الموطن، أي أمام الكفّار، هيا أرهم هذا، العب بأعصابهم، دعهم يروا مَن هم رجال المُسلِمين، رضيَ الله عنه وأرضاه، هذا أبو دُجانة، ولذلك النبي حين عاد بعد الهزيمة إلى بيته ودفع سيفه إلى فاطمة وقال يا فاطمة – البتول الزهراء عليها السلام – أميطي عن هذا دمه فقد صدقني اليوم، فجاء عليّ أخذ سيفه وقال لها يا فاطمة أمطيني عن هذا دمه فقد صدقني اليوم أيضاً، قال له لإن صدقك فقد صدق أيضاً أبو دُجانة اليوم، أبو دُجانة – قال له – اليوم قاتل قتالاً – ما شاء الله – مُشرِّفاً، هذا أبو دُجانة أيضاً، لست وحدك يا عليّ فقط فحتى أبو دُجانة قاتل قتالاً غريباً نادراً، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.

هذا كان في البداية كما تعرفون، طبعاً كيف صارت الهزيمة والعياذ بالله؟ كما قلنا بسبب الرُماة، حمزة بن عبد المُطلِب قتله مَن؟ أبو دسمة هذا، وحشي! وكان عبداً لمَن؟ لجُبير بن مُطعِم، رضيَ الله عن جُبير، جُبير أسلم بعد ذلك وهو صحابي جليل، لكن في تلك الأيام كان في الشرك، وهذا عبد لجُبير بن مُطعِم، مُطعِم بن عدي! جُبير بن مُطعِم كان هذا عبداً له ويُكنى بأبي دسمة، وحشي! وأنتم تعرفون قصته، رأيتموها مائة مرة مع عبد الله غيث في التلفزيون Television وتعرفونها عن غيب، فضرب حمزة هنا في أسفل بطنه فقتله، لن نتكلَّم بشيئ، كلما قرأت القصة يخطر لي أن ألعن الوحشي وبعد ذلك أقول لا، لقد أسلم هذا، شيئ يغيظ جداً ما فعله هذا الرجل، حتى النبي في فتح مكة حين سأله قال له إن الله سيغفر له وما إلى ذلك ولكن غيِّب وجهك عني، أي لا أُريد أن أرى خلقتك – قال له – إلى أن تموت، وفعلاً كان دائماً يختفي من أمام النبي، قال له الله غفر لك لأنك أسلمت وهذا جيد لكن غيِّب وجهك عني، لأن النبي أُصيب بعمه حمزة – عليه الرضوان والرحمة وقدَّس الله سره – مُصاباً عظيماً جداً، فيما بعد سوف نرى ما الذي حصل مع حمزة ومع سعد بن الربيع وما إلى ذلك.

المُهِم حصلت الهزيمة أيها الإخوة، جاء طلحة وعليّ – عليهما الرضوان والرحمة – وأخرجا رسول الله حتى قام واقفاً من الحفرة، الآن طبعاً الناس ولوا الأدبار، المُسلِمون ولوا وذهبوا، وهناك أُناس منهم وصلوا إلى المدينة، دخلوا المدينة فارين، والنبي يقول إلىّ إلىّ أيها الناس، إلىّ إلىّ أيها الناس، ارجعوا ارجعوا! فمَن سمع رجع طبعاً، الذي عرف أن النبي لم يمت رجع، هناك أُناس ماتوا وظنوا أن النبي قد مات مثل مُصعَب بن عُمير، مُصعَب كان يحمل لواء المُسلِمين، ومَن الذي قتله في النهاية؟ أُبي بن خلف لعنة الله عليه، أُبي بن خلف هو الذي قال أنا أُريد أن أقتل محمداً، كان في مكة يتفلسف، وقال إن لقيت محمداً – قال – في أي ساحة لأقتلنه، ما شاء الله فارس كبير! فبلغت الكلمة النبي، قال هو قال هذا؟ بل أنا أقتله، بالضبط قال بل أنا أقتل أُبياً، فبلغت الكلمة أُبي وعرف أنه سيُقتَل، هم يعرفون يا أخي أنه نبي صادق لكنهم كانوا مُكابِرين، قال هو قال هذا؟ قالوا نعم، قال بل أنا أقتل أُبياً، فعرف أُبي أنه سيُقتَل، فكان حريصاً جداً على أن يقتل النبي لكي يذهب هذا الهاجس من عنده، لكن لا طبعاً، مُستحيل! لن تخرق قدر الله تبارك وتعالى، وسوف نرى ما الذي حصل مع أُبي، أُبي هذا الملعون هو الذي قتل سيدنا مُصعَب في النهاية، مُصعَب كان يُعفِّر وجهه بالتراب ويلفظ أنفاسه ويقول وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ۩ هذا في رواية ضعيفة! ويُقال على كلامه نزل قول الله – تبارك وتعالى – وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ۩، مر مُهاجِري بأنصاري يتشحط في دمه – يموت ويلفظ أنفاسه المسكين – وقال له هل دريت؟ قال له بماذا؟ قال له أن محمداً قد قُتِل؟ قال له إن كان رسول الله قد قُتِل فقد بلغ، أي أدى الذي عليه، قال إن كان رسول الله قد قُتِل فقد بلغ، فما الحياة بعده؟ أي لماذا أنتم تعيشون؟ قاتلوا عن دينكم، ومات! انظروا إلى الرجال، كانوا رجالاً صادقين، صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۩، قال هذا وهو يلفظ أنفاسه، الرسول مات وماذا تفعلون أنتم؟ هو أدى الذي عليه – أي الرسول – فكمِّلوا أنتم، كمِّلوا المشوار وقاتلوا عن دينكم، ما هذا؟ 

يُوجَد رجل اسمه أنس بن النضر تعرفون قصته عليه الرضوان والرحمة وقدَّس الله سره الكريم، أنس بن النضر عم سيدنا أنس بن مالك، نفس الاسم: أنس وأنس، أنس بن مالك عمه – أخو أبيه – اسمه أنس بن النضر، هذا عمه! هذا لم يشهد بدراً، وبعد ذلك ماذا قال المسكين؟ كان يتأسَّف ويتلاوم، يقول لم أشهد أول قتالٍ مع رسول الله، أول قتال قاتل فيه الرسول لم أشهده معه، فاتني! قال فوالله لئن أشهدني الله مع رسول الله موقعة ليرين الله ما أجد وفي رواية ما أصنع، سوف أري الله ماذا سأفعل إن شاء الله، ويُقسِم هو عليها، فلما كان أُحد وسمع بما أُشيع أن الرسول قد قُتِل مر على عمر بن الخطاب في جماعةٍ من الصحابة، فقال له عمر هل بلغ نبأ مقتل رسول الله؟ قال نعم، ولكن ما يُخليكم بعده؟ المُراد بقوله ما يُخليكم بعده؟ أي ماذا تفعلون أنتم الآن؟ وعمر طبعاً كان تاركاً لسيفه وتاركاً لكل شيئ، هم تركوا كل شيئ لأنهم فشلوا، شعروا بأن كل شيئ انتهى، مات الرسول فانتهى كل شيئ، قال له ما يُخليكم بعده؟ فما الحياة بعده؟ أي ما قيمة الحياة الآن؟ ثم انطلق وجعل يُقاتِل، في البخاري الآن – هذه التكملة الآن من صحيح البخاري، الأولى من ابن إسحاق – جعل يُقاتِل أنس بن النضر حتى قُتِل فما تعرَّف عليه إلا أُخته، يُقال ببنانه – رؤوس أصابعه تعرفها، ربما لها هيئة مُعيَّنة – أو بشامة، لماذا إذن صعب التعرف عليه؟ وُجِدَ في بدنه الشريف بضع وثمانون ضربة، ما بين ضرب سيف وطعنة برمح ورمية بسهم، تخزَّق كل بدنه، ظل يُقاتِل إلى آخر رمق رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، رجل صدق ما عاهد الله عليه، هذا أنس بن النضر.

سعد بن الربيع أيضاً بعدما وضعت الحرب أوزارها وانتهى كل شيئ وذهب الكفّار ووقعت الهزيمة كان النبي يتفقَّده، قال أين سعد بن الربيع؟ ابحثوا عنه، وأين حمزة عمي؟ لم يكن النبي يعرف حينها أنه استُشهِد، لم يكن يعرف أين هو وما الذي حصل معه، المُثلة هذه! لم يكن يعرف ما الذي حصل له، فذهب جماعة وبحثوا فوجدوا سعد بن الربيع وهو يلفظ أنفاسه، فسألهم ما فُعِل برسول الله؟ لا يُخلَص إلى رسول الله وفيكم عينٌ تطرف قال لهم، انتبهوا! يُوجَد رمق من الحياة فيكم فلا يُصيب أي شيئ، ثم لفظ أنفاسه، مات وهو حريص على أن يمس الرسول سوء، رضيَ الله عنه وأرضاه، هذا سعد بن الربيع، وهكذا! على كل حال النبي الآن يُريد أن يُلملِم الموقف أيضاً، قال إلىّ أيها الناس، ثم لاحظ شِعباً في الجبل، أي في جبل أُحد، لاحظ شِعباً، وأنتم تعرفون الشِعب، طريق هكذا! فالنبي انكفأ إليه وانكفأ معه الناس، يُريدون أن يُحصِّن نفسه مع جماعة أو بقية من الفُرسان وما إلى ذلك، فانكفأوا إلى الجبل، ووضع خطي دفاع، خط نبالة – ينضحون بالنبل – وخط من الفُرسان الأشداء الأقوياء، يُقاتِلون حتى بأرواحهم، باعوا أنفسهم لله حتى لا يُوصَل إليه، لماذا؟ هذا مقر القيادة في أُحد، في الشِعب الآن! وفعلاً كان يأتي جماعة من هؤلاء فيُنضَحون بالنبال فيموتون، ثم أقبل جماعة كثيرة منهم – من هؤلاء الملاعين – وقالوا هناك محمد ونُريد أن نُنهي حياته، لابد أن نُنهي حياته، لابد! فجاءوا إلى هناك، النبي قال مَن يشتري نفسه من الله الآن؟ الآن ساعة جد، فخرج خمسة يُقاتِلون الواحد تلو الواحد ويموتون، يموتون يموتون يموتون يموتون يموتون، كلهم! حتى استُشهِدوا جميعاً، ثم عاد أيضاً الكفّار ولم يصلوا إلى رسول الله بسوء، هنا في هذا الموقف بالذات وفي هذه اللحظة مع مقر القيادة الجديد قُتِل مَن؟ أُبي بن خلف لعنة الله عليه، عرف أن النبي هناك فجاء وقال له محمد لا نجوت إن نجوت، أي لا أحياني أن ظللت حياً، لا نجوت إن نجوت! فالنبي قال لرجل من أصحابه، هات الحربة، جاء إلى أجله هذا الأهبل، ولاحظ النبي وجود فراغ أيها الإخوة، هو كان يلبس الدرع السابغ والمِغفر، لكن كان يُوجَد فراغ، لاحظ بياض لحمه في أسفل رقبته، فقال لأحد أصحابه هات الحربة، ثم قال له خُذ، ولم ينزل دم، خدش خفيف، لم ينزل دم حتى! لعلها أتت بشكل جانبي، قال آآآه وظل يخور كالثور، ظل يخور قائلاً آآآه، قالوا له ما لك؟ ما هو إلا خدش! قال خدش؟ قال لهم واللات والعزى – قال البعيد واللات والعزى – لو كان بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون، قال لهم ألا تعرفون مقدار الألم؟ قال لي إنه قاتلي، هو قال أنه سيقتلني، واللات والعزى – قال لهم – لو بصق علىّ لمت، خرَّب الله بيتك، هذا يعني أنك تعرف الحقيقة، أنت تعرف أن النبي صادق وأن كلمته لا تسقط الأرض، وهم طبعاً لا يشعرون بالذي يشعر به هذا المسكين، لا يشعرون بما فيه، هم رأوا أن هناك خدشاً لكن هو كان يشعر بألم فظيع، فعلاً – سُبحان الله – سوف يموت، روحه تخرج، قالوا له خدش بسيط، حتى الدم لم يكن موجوداً، لم ينزل دم، قال لهم لو كان بأهل ذي المجاز – أي سوق ذي المجاز – لماتوا أجمعون، في رواية قال لهم لو بصق علىّ لمت، فعلاً حين رفعوه وفحصوه وما إلى ذلك وجدوا أنه فطس، ذهب إلى الجحيم والعياذ بالله، ذهب إلى أمه الهاوية وانتهى الأمر، قتله الرسول مثلما قال، قال أنا أقتل أُبياً، أنا مَن سقتله وليس هو مَن سيقتلني، أي الخبيث هذا.

على كل حال عاد الكفّار – لعنة الله عليهم – وعاد النبي ومَن معه إلى المدينة، كما قلت لكم بحث عن حمزة، أين حمزة؟ جعل النبي يبحث في نفر من أصحابه عن حمزة بنفسه، حتى وجده بباطن الوادي وقد مُثِّل به، بُقِرَ عن كبده واستُخرِجَ كبده – والعياذ بالله – وجُدِعَ أنفه وقُطِعَت أُذناه، فلما رأى النبي ذلك حزن حُزناً شديداً واغتاظ واغتم غماً كبيراً وقال والله لئن أظفرني الله بهم لأُمثِّلن بثلاثين منهم، بثلاثين رجلاً سوف أُمثِّل بسبب ما فعلوه بعمي حمزة، قال ولو أن تحزن صفية – مَن هي صفية؟ صفية مَن؟ بنت عبد المُطلِب، أخت حمزة، هذه أخته – لجعلته حتى يُحشَر من بطون السباع والطير، أي سأتركه هنا ولن أدفنه، سأتركه لكي تأكله السباع والطير ثم يحشره الله من بطون السباع والطير، لكي يُشهَد له بهذا، كان بعض الصالحين من الصحابة والتابعين يدعون الله أن يُحشَروا من بطون السباع والطير، تعرفون مَن كان منهم؟ العلاء بن الحضرمي، ويُقال فعلاً دفنوه، وبعد أن دفنوا نبشوا فوجدوه غير موجوداً، الله سلَّط عليه سباع الوحش والطير، كانت دعوته أن يحشره الله من بطون السباع والطير رضيَ الله عنه وأرضاه، هذا الذي ذهب إلى البحرين ومشى في الماء هو وخيوله، في الماء! فهذا هو، فالنبي قال لكن سوف تحزن أخته صفية، سوف تقول أخي مُثِّل به وقُتِل وبعد ذلك تأكله هكذا العوافي أو السباع؟ لا، فحملوه ووضعه النبي في القبلة وصلى عليه، كبَّر سبع تكبيرات على حمزة، ثم بعد ذلك كان يُؤتى بالشهداء، فيُصلي على كلٍ – على كل واحد – وعلى حمزة حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة، رضيَ الله عنه وأرضاه، هنيئاً له والله، هنيئاً لحمزة، صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة، أسد الله حمزة هذا، لم يكن إنساناً عادياً، وقد نصر الإسلام، أعز الله به الإسلام والمُسلِمين، هذا حمزة رضيَ الله عنه وأرضاه، اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الشهداء والصالحين يا رب العالمين.

المُهِم بعد ذلك كان هناك نفر من المُسلِمين يأخذون شهداءهم ويدفنونهم بالمدينة، فلما علم النبي نهى عن ذلك، قال ادفنوهم حيث صُرِعوا، لا تأخذوهم وتدفنوهم في المدينة، لا! ادفنوهم في المكان، حتى يشهد لهم المكان أنهم قُتِلوا هنا في سبيل الدفاع عن الدين ومجد الإسلام، قال ادفنوهم حيث صُرِعوا، أي لا تحملوهم إلى المدينة، وهكذا! ثم قال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا تأذنوا لصفية، إذا جاءت صفية وأرادت أن ترى أخيها حمزة لا تأذنوا لها، خاف طبعاً عليها، لعلها تُحدِث شيئاً فيما بعد أو تقول كلمة لا تنبغي – لا تعرف – في حال غضب وفي حال زعل، فأقبلت صفية وقالت أين أخي حمزة؟ قالوا لها رسول الله لا يأذن، قالت لِمَ وقد ذهب إلى سبيل الله؟ أنا أعرف أنه استُشهِد، والله لأصبرن ولأحتسبن، فقالوا للنبي، قال ائذنوا لها، إذا كانت هكذا وعندها هذا ائذنوا لها، فجاءت ورأته، قالت إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩، ثم رفعت يديها ودعت له، وبكت طبعاً! والحمد لله لم تنطق إلا بما يُرضي الله تبارك وتعالى، أخوها بطل وسيد من سادات قريش، هذا حمزة بن عبد المُطلِب، وهكذا كان أعظم الشهداء طبعاً، وتعرفون قصة مُصعَب وكيف دُفِن وما إلى ذلك، تعرفون الشاب المُنعَّم الذي وُلِدَ كما يُقال وفي فمه ملعقة من ذهب، لم يجدوا ما يوارون به جسده الشريف، ثوب قصير جداً عليه وما إلى ذلك، إذا غطوه من أعلى تبدو ساقاه، وإذا غطوه من أدنى يبدو أعلاه، وهكذا! فغطوه بماذا؟ بما عليه من ثوب وبالإذخر، ورق الإذخر وضعوه عليه ودفنوه رضيَ الله عنه، والنبي جاء وقال ماذا؟ قال انظروا هؤلاء فإني أشهد لهم، قال هؤلاء الذين استُشهِدوا في أُحد أنا أشهد لهم، أي يشهد لهم بماذا؟ أنهم كانوا صادقين وأنهم قاتلوا مُخلِصين، عندي – قال – شهادة، قال انظروا هؤلاء فإني أشهد لهم، انظروا أيهم أكثر أخذاً للقرآن فضعوه قبل صاحبه، يا الله! انظرو إلى العدالة حتى، حتى في الدفن! وقد كان يُدفَن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، والنبي كان ماذا يقول؟ كرامة النبي تعجيل دفنه، فإذا وضعنا رجل قبل رجل هذا سوف يكون إكراماً له، فالنبي قال كيف يكون الإكرام؟ ليس بالطول وبالعرض وبالجسم وما إلى ذلك، لا! كيف يكون الإكرام؟ بالقرآن، الذي يحفظ قرآناً أكثر نُنزِله أولاً، انظروا إلى هذا، هذا دين، هذا الدين يا إخواننا، اليوم لا نفهم الأشياء هذه نحن، أليس كذلك؟ لا نفهم هذه الأشياء، لا نُقدِّم الناس ونحترمها بحسب وضع الواحد منا وعلمه وقرآنه وحفظه وما إلى ذلك، هذا آخر شيئ نهتم به – والله العظيم – يا إخواننا، وبالذات الأشياء الرسمية، أنا أكرهها، أموت منها وأكرهها في الدم، انظروا ماذا يحدث في الأشياء الرسمية والدعوات الرسمية، يأتي واحد مُهندَم وما إلى ذلك فيُهتَم به، ويأتي آخر قد يكون إنساناً مسكيناً وطيباً وقد يكون حافظاً لكتاب الله ولا يُهتَم به، أليس كذلك؟ لا ينظر إليه أحد، ما معنى أنه حافظ لكتاب الله؟ يا أخي هذه رسميات الآن، نحن في الرسميات، أليس كذلك؟ ثم ترى النفاق لمَن؟ لأصحاب الهيئات ولمَن عنده لقب ولمَن عنده كذا وكذا، ماذا عن أهل القرآن يا أخي؟ هذا رجل تركي مسكين وهذا رجل بوسني مسكين، لا! أنا أقول لكم يُوجَد عندنا عطب كبير في ديننا، ونُحاوِل أن نُرجِعه، أليس كذلك؟ لا يُمكِن، لا يصح الدين بهذه الطريقة، لا يصح! لابد أن يكون عندنا دين حقيقي وموازين دينية حقيقية مُحمَّدية لكي يحيا هذا الدين في نفوسنا وفي مُجتمَعاتنا، وإلا لن ينفع كل هذا، فقال أيهم أكثر أخذاً للقرآن فضعوه – أي في قبره – قبل صاحبه، وهكذا كانوا يفعلون.

هناك أيضاً مواقف مُشرِّفة أيها الإخوة، مثل ماذا؟ النبي حين نزل دمه جاء مالك بن سنان، مَن هو مالك بن سنان؟ ذكرناه في دروس التفسير ذات مرة، والد سيدنا أبي سعيد الخُدري، أليس كذلك؟ أليس اسمه سعد بن مالك بن سنان؟ هذا والده، أبوه! وهو صحابي جليل طبعاً بلا شك، جاء وأخذ يمص الدم من وجنة رسول الله، الدم كان يسيل وهو كان يمص الدم من وجنة رسول الله لكي يُطهِّره، ثم ازدرده، كان يفهم هنيئاً له، فالنبي قال ماذا؟ مَن مس دمي دمه لم تُصِبه النار، هيا اذهب، بُشرى لك هذه، هو كان يفهم ماذا يفعل، قال سأنظر وأمص الدم وما إلى ذلك لأنه يعرف ماذا يُريد، فاذرده، أي بلع الدم، مُستحيل أن يُعذِّب الله بدناً فيه قطرات من دم رسول الله، لن يدخل نار جهنم، قال مَن مس دمي دمه لم تُصِبه النار عليه الصلاة وأفضل السلام، يا أخي هنيئاً لهم، كان بينهم الرسول، أرأيت كيف؟ حين تمسه أو أي شيئ  تكون هذه كلها كرامات، سُبحان الله العظيم، علية الصلاة وأفضل السلام، فهذا موقف مُشرِّف.

لما عادوا إلى المدينة مروا بأمراة من بني عبد الدار مات أبوها – أُصيب في المعركة – وأخوها وزوجها، وهي تسأل ما فُعِل برسول الله؟ أين رسول الله؟ ما فُعِل برسول الله؟ قالوا يا امرأة أبوكِ مات وأخوكِ وزوجكِ، قالت ما فُعِل برسول الله؟ مَن أبي وأخي وزوجي؟ ماذا عن الرسول؟ الرسول ماذا حدث له؟ أرأيتم كيف الصدق؟ لم تهتم لا بأبيها ولا بأخيها ولا بزوجها، الرسول! قالوا بخير على ما تُحبين، قالت أرونيه، أرونيه، أي اجعلوني أراه، أُريد أن أراه، أنا غير مُطمئنة، لأن هناك دعايا تقول أنه قُتِل، قالت أرونيه، فجاء الرسول فقالوا هذه المرأة كذا وكذا، فقالت يا رسول الله كل مُصيبة بعدك جلل، كله صغير، كله حقير! ذهب أهلي وسندي وما إلى ذلك، لكن هذه ليست مُشكِلة، المُهِم أن تبقى حياً سالماً لنا يا رسول الله، كل مُصيبة بعدك جلل يا رسول الله، رضيَ الله عنها وأرضاها، أرأيتم كيف الإيمان؟ إيمان حقيقي، هؤلاء الأنصار الذين نصروا هذا الدين ونصروا هذا النبي الكريم عليه الصلاة وأفضل السلام، مواقف كثيرة عجيبة حصلت في معركة أُحد أيها الإخوة.

اللهم صل على سيدنا محمد، نقرأ الآيات حتى – بعض الآيات لها علاقة ببعض المواقف – تُصبِح واضحة لنا، قال لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ ۩، الآن كفّار قريش انقلبوا خائبين أو لم ينقلبوا؟ انقلبوا خائبين، لأن كان مُناهم كما يُقال وتأميلهم أن يقتلوا رسول الله وأن يستبيحوا بيضة الإسلام في المدينة بالكُلية، هكذا أرادوا! حرَّكتهم أحقاد عجيبة سود، أحقاد سود! تعرفون أن في بعض روايات السيرة قرأت أنهم وهم قادمون إلى المدينة مروا بالأبواء – تعرفون الأبواء، حيث دُفِنَت مَن؟ آمنة أم رسول الله عليه السلام – ففكَّر بعضهم وقالوا لو نبشنا قبرها، هيا ننبش قبرها ونرميه في الخارج، انظروا إلى الحقد! حقد شديد جداً على الرسول، فبعضهم قال لا، لا تكون سابقة فتُنبَش قبور آبائنا وأمهاتنا، أي سوف تصير سُنة بسببنا ومن ثم يحدث هذا في قبور آبائنا وأمهاتنا، فلا نُريد أن نفعل هذا في قبرها فاتركوه، عندهم حقد شديد جداً على الرسول عليه السلام، فكان هدفهم قتل الرسول، ولذلك لما قال ابن قمئة قتلت محمداً فرحوا جداً جداً، فرحوا! فأبو سُفيان مر على عمر وهذا لما كان الرسول في الشِعب كما تعرفون، قلنا أن الرسول كان في الشِعب مع جماعة من الناس ومنهم عمر الآن، كانوا في الشِعب فجاء أبو سُفيان ووقف أمامهم، ماذا قال؟ يومٌ بيوم بدر، الحرب سجال، اعلوا هُبل، قال له قُم يا عمر أجبه، جاوبه! قال له ماذا أقول؟ قال له قل يا عمر الله أعلى وأجل، ليسوا سواء، قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة، فقال له هذا، قام عمر وقال له الله أعلى وأجل – رضيَ الله عنه – ليسوا سواء، قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة، فأبو سُفيان قال أعمر؟ قال له عمر، قال هلم، قال له يا رسول الله ماذا أفعل؟ فقال له الرسول اذهب له واعرف ماذا يُريد، فذهب إليه، اقال له يا عمر هل قُتِل محمد حقاً؟ يُريد أن يطمئن، قال له لا، قال له أنت أصدق وأبر من ابن قمئة، قال له وهو يسمعك، عمر قال له هو الآن يسمعك، فتعقَّد أبو سُفيان وعاد، اغتاظ جداً جداً لأن محمداً لم يمت وكان موجوداً، وابن قمئة قال لهم قتلته، لأنه ضربه فظن أنه قتله، كان جباناً، ضرب ضربة وهرب، كان يخاف من الرسول، على كلٍ عادوا، الآن ما المُشكِلة أيها الإخوة؟ ذهبوا ومشوا لمرحلة أو مرحلتين ثم قالوا ما هذا؟ ماذا فعلنا؟ قالوا، بئس ما فعلنا! لا محمداً قتلنا ولا النساء أردفنا، لا أخذنا نسوانهم لكي نذلهم ولا قتلنا زعيمهم، ما الذي فعلناه نحن؟ نحن لم نفعل شيئاً، ومات منا ومات منهم، لا! لابد أن نعود، لنكرن عليهم في المدينة فلا نُبقي لهم أحداً، لن نترك لهم ذُرية، لن نترك لا صغيراً ولا كبيراً، لابد أن نقضي عليهم كلهم، وبلغ هذا الكلام مَن؟ الرسول عليه الصلاة وأفضل السلام، انظر الآن إلى السياسة الحكيمة، انظر كيف يكون القائد الواعي، وطبعاً الآن المُسلِمون فيهم ضعف وفيهم وهن، أليس كذلك؟ وعندك ثلاثمائة مُنافِق تقريباً – إلا ما رحم الله – يجلسون في المدينة شامتين في المُسلِمين، وسوف ترى أن القرآن حكى شماتتهم، لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ۩، هم الذين تسبَّبوا في هذا، هم الذين فعلوا هذا بأنفسهم، أرأيت؟ مثل كلام الكفّار الذي يحكونه، كَالَّذِينَ كَفَرُوا ۩ والعياذ بالله، فالوضع سيئ جداً وصعب، ولا يحتمل أن ينشب قتال من جديد، فانظر إلى حكمة رسول الله يا أخي، قائد وعسكري كبير وسياسي عليه السلام – أيضاً مع كونه نبياً عظيماً، ماذا فعل؟ في ثاني يوم مُباشَرةً – أي يوم السادس عشر من شوال، أي يوم الأحد، صبيحة الأحد – النبي قال مَن يخرج معي؟ نُريد أن نخرج لهؤلاء القوم، هيا! فخرج معه جماعة، كانوا بالعشرات، أي لم يكونوا كثيراً، لم يكونوا بالمئات وما إلى ذلك وإنما بالعشرات، ربما كانوا ستين أو خمسين تقريباً، خرجوا مع رسول الله وعسكروا بحمراء الأسد، تعرفون غزوة حمراء الأسد؟ يُقولون فكانت غزوة حمراء الأسد، هذا هو سببها، بعد أُحد مُباشَرةً فكانت غزوة، قالوا فكانت غزوة حمراء الأسد، لم يصر فيها قتال وسوف ترون هذا، لكن هم يعتبرونها غزوة، المُؤرِّخون ومَن مثلهم يقولون كانت غزوة، لأن – الحمد لله – الله عصم بها المدينة والرسول والإسلام، وإلا كان يُمكِن أن يذهبوا فعلاً، فذهب النبي وعسكر بحمراء الأسد، وكان معه ما يقرب من خمسين رجلاً، أي لم يكونوا كثرة، عسكر بحمراء الأسد على ثمانية أميال المدينة، وانظر إلى السياسة الآن والدهاء السياسي، بعث النبي إلى خُزاعة، تعرفون خُزاعة! خُزاعة فيها بعض المُسلِمين وفيها كثير من الكفّار والمُشرِكين لكنهم حُلفاء للمُسلِمين، من ذكاء رسول الله وبعد نظره السياسي أنه كان يُحالِف هؤلاء المُشرِكين، يُوجَد حلف بينه وبينهم، أرأيت؟ لا تأت أنت الآن كدولة إسلامية – مثلاً – وتقوم بعمل عداء مع كل العالم، كأن تقول كل العالم صليبي وصهيوني، وماذا بعد؟ سوف يذهبون ويتألَّبون عليك ثم يسحقونك سحقاً، اعمل لك هنا حلفاً مع هذا وهناك حلفاً مع ذاك، توازانات! أليس كذلك؟ سياسة! النبي فعل الشيئ هذا، وهم كانوا مُشرِكين، فخُزاعة كانت تُحِب النبي وتُحِب له الخير وتكره قريش وحُلفاء قريش، وفعلاً خدموا النبي عدة مرات، وهذا معروف في السيرة.

يُوجَد رجل اسمه معبد بن أبي معبد الخُزاعي، كان شاعراً ومنطيقاً، عنده شعر عجيب جداً، شاعر مُفرِق هو، النبي قال له تعال يا معبد، خزّي عنا، أي أننا سوف نقوم بعمل حيلة، لأننا خمسون وهم كثرة، قال له ماذا أفعل يا محمد؟ مُشرِك هو، يُظهِر الشرك، قال له اذهب إليهم وقل لهم كذا وكذا، والآن سوف نرى ماذا قال لهم، فذهب إليهم معبد، ولأنه مُشرِك فرحوا به، قالوا أهلاً وسهلاً بالخُزاعي معبد، ما الأمر؟ قال لهم ماذا تفعلون هنا؟ قالوا نُريد أن نرجع إلى المدينة، سوف نعود ولا نترك لهم ذُرية، قال لهم كيف؟ قال لهم لقد رأيت محمداً وقد حشد لكم أشد وأزيد بكثير وقد ندم مَن لم يُقاتِل معه ومَن قعد ومَن تخلَّف ورجع، كلهم جاءوا مع محمد إلباً واحداً، وغاص بهم الوادي قال، بآلاف أتوا، شيئ عجيب قال لهم، كل أهل المدينة! قالوا له حقاً يا معبد؟ قال لهم رأيتهم بعيني، ثم أنشدهم شعراً، وهو شعر عجيب ومُعقَّد جداً، من الصعب أن تحفظه، شعر مُعقَّد جداً، أشعار مُخيفة يقول فيه أنه رآهم وما إلى ذلك، فأبو سُفيان قال إذا كان الأمر هكذا سوف نعود يا جماعة، وفعلاً عادوا ورجعوا إلى قريش، وكفى الله المُؤمِنين هذا البلاء، كان بلاءً لولا خُطة رسول الله الحكيمة الذكية التي لم تُكلِّفهم شيئاً، خرج في خمسين رجلاً وفي حمراء الأسد عسكر ووضع هذه الخُطة مع هذا الرجل والحمد لله، وإلا كانت ستضيع المدينة، فهذه كانت غزوة حمراء الأسد في السادس عشر من شوال يوم الأحد، بعد أُحد مُباشَرةً، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

نعود الآن إلى قول الله فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ ۩، إذن هم عادوا خائبين ولم يقتلوا محمداً، النبي وهو راجع إلى المدينة رأى رجلاً اسمه أبو عزة الجُمحي، تعرفون هذا الرجل،في معركة بدر كان له دور، هذا شاعر كبير وكان دائماً يُؤلِّب على النبي بلسانه، فالنبي أخذه أسيراً، وظل يتوسَّل قائلاً يا محمد كذا وكذا، لأنه شاعر جبان، على عادة الشعراء ظل يقول يا رسول الله اعف عني وبناتي وكذا وكذا، فقال له اذهب، لقد عفوت عنك، بعد ذلك لما أرادوا أن يخرجوا جاءه مَن؟ صفوان بن أُمية، قال له نحن سنذهب إلى حرب محمد فاخرج، قال له لا، محمد منّ علىّ قال له، محمد له فضل كبير ومنّ علىّ، كيف أطلع الآن وأُؤلِّب عليه؟ قال له يا رجل اخرج وسنُصيب منهم وهم قلة ونحن كثرة وكذا وكذا، وظل يحلف له الأيمان المُغلَّظة، وقال له لئن ظفرت لأُعطينك ولأُعطينك، أي أشياء كثيرة، سأُعطيك – قال له – ذهباً وأشياء كثيرة، ولئن مت قال له لأجعلن بُنياتك مع بناتي في السراء والضراء، بناتك هن بناتي، لا يهمك شيئ يا أبا عزة، فضحك عليه وقال سأخرج، خرج وبدأ يُؤلِّب على النبي الأحابيش وكنانة وتهامة وفعلاً نجح الخبيث، هذا المسكين كان مثل الشاة الشاذة، وجده النبي وأتوا به مرة ثانية، يا محمد قال له، لن تنالها – قال له – مني، عفوت عنك أول مرة! لن ترجع إلى مكة تمسح عارضيك وتقول غدرت بمحمد مرتين أو خدعت محمداً مرتين، اضرب عُنقه يا زُبير، فقط له رأسه، يستأهل! أنا فرحت في قتله والله، قال له اقض على هذا المُنافِق الخبيث، نحن مننا عليك، أترجع مرة ثانية؟ تستأهل إذن، فهذه قصة أبي عزة الجُمحي، فهو من جُمح، أي من بني جُمح!

لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ ۩، إذن هم خابوا بلا شك والحمد لله، لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ۩، لماذا نزلت هذه الآية؟ النبي حين شجوه في وجهه وفعلوا ما قد سمعتم ونزل دمه ماذا قال؟ قال كيف يُفلِح قومٌ شجوا وجه نبيهم؟ فأنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ۩، يُفلِحون أو لا يُفلِحون هذه قضيتي الله قال له، ربما يُفلِحون ويُسلِمون، لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ۩، وقيل السبب موجود فيما رواه سالم عن عبد الله بن عمر، أي عن أبيه، ابن عمر ماذا يقول؟ أن النبي  – عليه السلام – كان بعدها – أي بعد أُحد مُباشَرةً، في ثاني يوم – في صلاة الفجر بعد أن يقول سمع الله لمَن حمداً من الركعة الثانية – يقول اللهم العن فلاناً، اللهم العن  فلاناً، اللهم العن فلاناً، يقول هذا عن مَن؟ عن أُناس من قادة قريش الذين قاتلوا في أُحد، فأنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۩، وسبُحان الله تابوا جميعاً ودخلوا الإسلام، الله أراه كيف هذا، لا تلعنهم لأنك لا تعرف، ربما يُسلِمون، وفعلاً النبي ذكر ثلاثة والثلاثة دخلوا في الإسلام، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ۩، مَن يُعذِّب منهم هم ظالمون بالكفر، ظلموا أنفسهم بالكفر والاستكبار والعتو – والعياذ بالله – عن الحق، فقال هذا أمري، هناك أيضاً قضية المُثلة، أليس كذلك؟ قضية المُثلة، بالمُناسَبة أبو سُفيان – سيد قريش – لم يأمر بالمُثلة، ولما تكلَّم مع عمر وما إلى ذلك في الشِعب ماذا قال لهم؟ قال وستجدون مُثلةً لم آمر بها ولم تسؤني، انظروا إلى البلاغة! قال سوف ترون تمثيل وتقطيع وتجديع لم آمر به، لا تقولوا كيف أبو سُفيان وهو سيد يفعل هذه الأشياء السخيفة، لم آمر! لكن بصراحة أنا لست زعلان، مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هناك مَن يقول لسنا مَن فعلها لكننا لسنا زعلانين، هناك أُناس يقولون هذا، نحن لسنا زعلانين، لا نعرف! على كل حال قال وستجدون مُثلةً لم آمر بها ولم تسؤني، فالنبي أقسم كما سمعتم بأنه سيُمثِّل بثلاثين منهم، فأنزل الله في النحل – ويُقال هذه نزلت أكثر من مرة ولا يبعد أن يتعدَّد النزول للمُناسَبات، الله يُريد أن يُنزِّل آية ليُذكِّر بها، هذا معنى تعدد النزول، تعدد النزول لتعدد الأسباب – وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ ۩، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ۩، آخر النحل! فالنبي نهى عن المُثلة، قال لا، هذا ممنوع، لا تُوجَد مُثلة في الإسلام، حتى لو مثَّل أحدهم بأحدنا لن نُمثِّل به، الله نهى عنها، هذا الشرع! أرأيت؟ لماذا؟ لأن الأحقاد لا تبني أمماً، انتبهوا! الأحقاد لا تبني أمماً ولا تُشيَّد بها حضارات، وأنت يا رسول الله وأصحابك أعظم أمة في الناس، ستبنون حضارة وأمة ودين، فلا ينفع أن يحدث هذا بأحقاد وثارات وواحدة بدل واحدة، لا! سُبحان الله دين عجيب هذا، نعود مرة ثانية إلى الآيات.

۞ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۞

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، هذه واضحة، نفس الشيئ.

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۞

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩، قال أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۩، بعض الناس يقول إذن هذا يعني أنه يجوز أن نأكل الربا ضعفاً واحداً، أولاً ما هو الضعف؟ الضعف مثل الشيئ مرة واحدة، انتبهوا! فإذا قلت واحد ما هو ضعفه؟ واحد، فيُصبِحان اثنين، إذا قلت اثنان ما هو ضعف الاثنان؟ نزيد اثنين، إذن أربعة، انتبهوا! اثنان نُضيف عليهم اثنين، فاثنان زائد اثنين يُساوي أربعة، هذا معنى الضعف، لا تقل لي ضعف الاثنين أربعة فيكون الناتج ستة، غلط! هذا هو الضعف، فالله يقول لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۩، بلُغة الحساب الآن نُريد أن نقول أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۩، الأضعاف جمع أو مثنى أو ماذا؟ جمع، لابد أن يكون أقله كم؟ ثلاثة، إذن ثلاثة أضعاف، هذا أقل شيئ! أقل شيئ لابد أن يكون ثلاثة أضعاف، قال مُّضَاعَفَةً ۩، سوف يصير ستة، أليس كذلك؟ إذن ستمائة في المائة، إذن الآية هذه على رأي من فهمها هكذا – ولم يفهم شيئاً فيها للأسف الشديد – أن الربا الحرام ستمائة في المائة، أي أن خمسمائة في المائة جائز، يا عيني! لذلك أنا قلت – وأعوذ بالله من كلمة – كلمة قديماً عن هذا، قلت هذا لا يقول به يهودي، أي أن هذا القول حتى اليهودي يُشفِق أن يقول به، أن الحرام ستمائة في المائة، أقل من هذا حلال! ما هذا يا أخي؟ هذا جشع رهيب، للأسف نرى الآن مفاتٍ – جمع مُفتٍ، أي نرى مُفتين – يُفتون بهذا، وتعرفون ماذا أقصد، هناك مَن يقول الله لم يُحرِّب الربا من أصله، هذا قليل! ما معنى أنه قليل؟ الله قال أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۩، يا أخي عيب عليك، هل أنت شيخ وتفهم الكلام هذا؟ أبسط تعريف معروف لنا، لماذا قال الله تعالى لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۩؟ لماذا؟ لأن العرب كانوا هكذا، يأكلون الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۩، يُعطيك الواحد منهم عشرة دنانير، فإذا حل وقت القضاء ماذا يقول لك؟ إما أن تقضي وإما أن تُربي، أي من القضاء، إما أن تُعطيه أو تُربي، فإذا قلت له أنا ليس عندي يقول لك هذا جيد، سوف أزيد لك في الأجل ونزيد في النسبة، وهكذا بعد سنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس يُصبِح أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۩، صحيح! أي بالسنين، فالله شنَّع عليهم أنهم يأكلون الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۩، فهذا لمُراعاة الواقع، وإلا فالربا بنص كتاب الله لا يجوز لا كثيره ولا قليله، لماذا؟ لقوله – عز من قائل – فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ۩، رأس المال فقط! لا زيادة ولو بنسبة واحدة في عشرة في الألف، ممنوع! لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ۩، أليس كذلك؟ والله قال ماذا؟ الذي كان في الأول فقد عفا الله عنه، ونحن شرحنا هذا في آية في البقرة، أليس كذلك؟ ما سلف منه معفو عنه، وكل ربا موضوع النبي قال، وأول ربا أضعه ربا مَن؟ ربا العباس، كيف هو موضوع؟ الربا الذي لا يزال جارياً – أي الجيرو الموجود الآن – ألغيه كله، فيا عباس يا عمي تأخذ فقط رأس مالك، وكل ما زاد على رأس المال ليس لك أن تأخذه الآن في الإسلام، انتهى هذا! الذي أخذته في الجاهلية قديماً انتهى أمره، أنت أخذته ولا مُشكِلة، لكن الآن بعد الحكم الشرعي لا تأخذ منه، هذا الصحيح، وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩.

۞ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ۞ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۞

وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ۩، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۩، واضح.

۞ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۞

وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۩، تحدَّثنا أمس عن المُسارَعة، أليس كذلك؟ وقلنا هي صيغة مُفاعَلة، وتُفيد ماذا؟ المُبالَغة، وهنا عداها بــ إِلَى ۩ أمس قال فِي ۩، هنا قال إِلَى ۩ على الأصل، الأصل أن المُسارَعة إلى، لكن إذا قال وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ۩ يكون هذا للدلالة على ماذا؟ على التمكن، أي للدلالة على التمكن في الخيرات.

وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ۩، في الحديث عرضها كعرض السماوات والأرض، هنا قال عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ۩، أي كعرض السماوات والأرض كما في الحديث، انظروا إلى الحديث، عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ۩، روى الإمام أبو بكر البزّار عن أبي هُريرة أن رجلاً جاء وقال يا رسول الله أرأيت قول الله – تبارك وتعالى – وجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ ونحن حين كنا صغاراً كانوا يسألوننا عنه أيضاً، أليس كذلك؟ كلكم سمعتم هذا، أين النار؟ يقولون لكم، طبعاً هذا السؤال الآن بالنسبة إلى العقل العلمي في القرن الحادي والعشرين يُعَد سؤالاً سخيفاً، هو سخيف جداً، لماذا؟ لأن الإنسان علم أن الكون أوسع بكثير من أن يكون مُجرَّد هذه الأرض وما يعلوها من سماء، وإنما الكون بالمعنى الفلكي – كوزموس Cosmos – هو عالم واسع جداً جداً وكبير، والأرض مُجرَّد ذرة فيه، وطبعاً بالعقل الديني نعلم أن السماوات والأرض ليست كل ما خلق الله، أليس كذلك؟ ربما يكون هناك أكوان وهناك خلق وهناك أشياء كثيرة، منها الجنة والأرض، اختُلِف: هل الجنة في عالم غير السماوات أم أنها في السماء السابعة؟ لدينا ثلاثة أقوال – انتبهوا – في العقيدة، قول يقول الجنة في السماء الرابعة ودليله ضعيف جداً جداً، موجود فقط ويقول به علماء عقيدة، أتوا ببعض الآثار وما إلى ذلك لكنها ضعيفة، وقول يقول هي في السماء السابعة، وقول يقول هي في عالم آخر لا يعلمه إلا الله، الأرجح ما نطق به الحديث الصحيح، ماذا يقول الحديث الصحيح؟ في البخاري – ومُسلِم رواه بألفاظ أُخرى – قال – صلى الله عليه وسلم – إذا سألتم الله الجهنة فاسلوه الفردوس الأعلى، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تفجَّر أنهار الجنة وسقفها عرش الرحمن، هذا لو أردنا أن نأخذه حقيقةً بظاهره فسوف يُفيد ماذا؟ الذي أفهمه أنا بعقلي البسيط – بالمُناسَبة هذا عكس كلام المُفسِّرين والعلماء، قالوا كلاماً أنا غير مُقتنِع به – أن إذا كانت الجنة سقفها عرش الرحمن لن تكون في السماء السابعة، وعرش الرحمن طبعاً أكبر من السماء السابعة ومن السماوات كلها بلايين المرات، أليس كذلك؟ لأن السماوات كلها والأراضين كلها بالنسبة إلى العرش مثل ماذا كما قلنا؟ مثل حلقة – أي خاتم – في صحراء، فلا تقل لي العرش في السماء السابعة، كيف يكون في السماء السابعة؟ لا يُمكِن! العرش أكبر من هذا، قد يكون مُحيطه أكبر من كل الأكوان أصلاً، والسماوات ربما تجدها كثقب صغير في فضاء العرش، فيبدو – والله أعلم – أن حتى هذه الجنات والنار – والله أعلم – ليست حتى في السماء السابعة، في عالم آخر فوق، عالم آخر والله أعلم، إذن كون الله أكبر من أن يكون مُجرَّد فقط سبع سماوات وسبع أراضين، أكبر!

يُوجَد أثر إسرائيلي – هذه حكاية إسرائيلية حتى لا تأخذوها وتقولوا قال عدنان وما إلى ذلك، قصة إسرائيليلة لكن معناها يُمكِن أن يكون صحيحاً، وقد جاءني رجل – وهو أخ فاضل والله – يستفتيني، فقلت له الفتوى كذا، قال لي لكن أنت ذكرت كذا وكذا، فقلت له هذه حكاية، يقصد حكاية مَن قال إذا نزلت عندي سوف أذبح لك جزوراً وما إلى ذلك، قلت له هذه حكاية عن رجل فارس يا أخي، كيف تأخذ منها دليلاً شرعياً؟ لا يصح، هناك أُناس يُفكِّرون هكذا، يظنون أن أي شيئ قاله عدنان أو قاله زيدان صار دليلاً شرعياً، لا يا إخواني، فرِّقوا بين الدليل الشرعي وبين الحكايات التي تُقال للاستئناس، فحكاية هذه وهي إسرائيلية، موسى – عليه السلام – قالوا أنه قال – والله أعلم، لا أعتقد أنها صحيحة – يا رب أنت لما أمرت السماوات والأرض أن تأتيا فأتيتا طائعتين – أو أَتَيْنَا طَائِعِينَ ۩ كما قال تعالى في فُصِّلت – فلو لم تأتيتا – أي لو تأبتا عليك وخالفتا عن أمرك – ماذا كنت تفعل بهما؟ قال كنت أُسلِّط عليهما دابة من دوابي فتبتلعهما، دابة تبلع السماوات والأرض! قال له يا رب وأين هذه الدابة؟ قال له في مرج من مروجي، أي جنة صغيرة من الجنات التي خلقتها، وهذا المعنى صحيح طبعاً، لأننا لا نعرف – الله أعلم – ما هي الأكوان التي خلقها الله عز وجل، أشياء فوق التصوّر، فالمُهِم نُريد أن نرى جواب النبي على كل حال، هذا كلامنا نحن وفلسفتنا الفارغة، فنُريد بماذا أجاب النبي هذا الرجل البسيط، قال له فأين النار؟ إذا الجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ بماذا أجاب النبي؟ قال له عليه الصلاة وأفضل السلام – انظروا إلى هذا، ما أحسنه من مُعلِّم! يأخذ كل واحد على قد عقله ثم يُعطيه جواباً يُقنِعه – أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شيئ؟ قال له صحيح، حين يأتي الليل – قال له – كل شيئ يصير ليلاً، أليس كذلك؟ كل شيئ يصير ليلاً، لا يُوجَد نهار، قال له فأين يذهب النار؟ قال له حيث يشاء الله، قال له وهذه حيث يشاء الله، يا أخي مُعلِّم كبير الرسول، سُبحان الله! وبأسلوب بسيط وسهل وسلس ومن ثم تفهمه وتقتنع، في رواية أُخرى أن الذي بعث بهذا السؤال هو هرقل نفسه، هرقل بعث بهذا السؤال إلى رسول الله، قال له أنت تقول الجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ وهذا هو الجواب، وفعلاً هو جواب مُقنِع، حقيقةً مُقنِع! لأن العالم أوسع مما تتخيَّل، أنت كل ما تراه الآن هو من جهتك من الأرض، والآن لبسها الليل، كيف تقول لي لا يُوجَد نهار؟ يُوجَد نهار لكن في جهة أُخرى أنت لا تراها، والكون جهات وجهات وأشياء وأمداء وفضاءات لا تعرفها، يعرفها الله تبارك وتعالى، ويخلق ما يشاء عز وجل.

أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۩، ما معنى أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۩؟ وقال قبلها ماذا؟ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ۩، هناك مُقابَلة جميلة، النار أُعدت للكافرين والجنة أُعدت للمُتقين، وبالمُناسَبة الآيتان مُبشِّرتان جداً، انتبهوا! الواحد يُحِب أن يسمع الآيات التي فيها تبشير، أليس كذلك؟ نُحِب التي فيها تبشير، تُساعِدنا كمُؤمِنين فلا نقطع الأمل من رحمة الله – عز وجل – ورحمته واسعة، حين يقول وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ۩ هذا يعني والحمد لله أن هذه بُشرى للمُؤمِنين، أنتم يا مُؤمِنون – إن شاء الله – لستم من أهل النار، وحتى إذا دخلتموها هي ليست لكم، تدخلونها عرضياً فقط، لحسة صغيرة ثم تُخرجوا، أليس كذلك؟ اللهم يا رب جنِّبنا إياها، لا لحسة ولا لحسات، أعوذ بالله، هذه النار لا نقدر عليها!

جسمي علي الشمس ليس يقوى                            ولا علي أهون الحرارة.

فكيف يقوى علي نار                                      وقودها الناس والحجارة؟!

مُستحيل! ولا لحظة، شيئ مُخيف النار، فالله قال أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ۩، أي ليست لكم قال، أنتم يا مُوحِّدون ليست لكم، أنا هذه هيأتها ونصبتها لمَن؟ للكفّار، والجنة يا رب، ماذا عنها؟ قال أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۩، هذا يعني ماذا؟ حين يدخلها رجل غير مُتقٍ يدخلها عرضاً، أي في معية المُتقين، لكن الجنة أصلاً الله خلقها مِن أجل مَن؟ مِن أجل أن يُكرِم به عباده المُتقين، اللهم اجعلنا من عبادك المُتقين، وكيف نكون من المُتقين؟ قلنا أمس أهم شيئ أن نخزن ألسنتنا، نعوذ بالله من هذا اللسان، اللهم أعنا عليه، والله العظيم اللسان خطير، سُبحان الله! أنا همي هذا الشيئ طبعاً وأنا من أسوأكم، اللسان هذا تعيس، تعيس جداً جداً، لأنك حين تنظر إلى نفسك يا أخي تقول الحمد لله، أنت لا تزني ولا تسرق ولا تقتل ولا تغل ولا تخون، لا ترتكب الكبائر، لكن ماذا ذنوبك؟ تجد ذنوبك فقط بسبب هذا الزفت، أي اللسان هذا، يتكلَّم ويحكي كلمة سيئة ويشمت ويتفلسف وما إلى ذلك، فيذهب بك إلى داهية، يظل يجتمع عليك إلى أن تهلك، ولذلك مُعاذ – سيدنا مُعاذ بن جبل عالم كبير وصحابي شاب – لما عرف أن الكلام أيضاً يُكَتب ويُدخِل جهنم وما إلى ذلك خاف، كان يظن أن الفعال فقط تُدخِل النار، قال له يا رسول الله أوإنا مُؤاخَذون بما نقول؟ وفي رواية بحصائد ألسنتنا؟ قال له ثكلتك أمك يا مُعاذ، أي تعدمك أمك البعيدة، لكن انتبهوا، هذه طبعاً دعوة له، حين يقول ثكلتك أمك أو لا أم لك أو قاتلك الله أو لا در درك ماذا يكون معنى كل هذه الأشياء؟ هذا دعاء له في معرض الدعاء عليه، أنت تراها كأنها دعاء عليه لكنها ليست كذلك، في الأصل هي كانت دعاء عليه – صح – لكن أخرجتها العرب بطريق التجوز حتى أصبحت دعاءً لك، قاتله الله عالماً يقول لك، قاتله الله عالماً! أي قاتله الله من عالم، يا أخي كيف تدعي له؟ مثل المصريين يقولون ما شاء الله كلب ابن كلب، هذا يعني أنه رهيب، لكن لا! لا يُريدون أن يسبوه هم، هكذا صارت كلمة تُقال، هكذا العرب كانت تقول قاتله الله ولا در دره، هل أنت تُريد أن تقطع نسله؟ لا، دعوة هذه يقول لك، لا در دري دعاء، هي دعاء، هي مجاز، احفظوها هكذا، فهذا دعاء! فالنبي قال له ثكلتك أمك، وبالعكس هذه دعوة – إن شاء الله – تكون له، قال له ثكلتك أمك يا مُعاذ، كنت أظنك أفقه من ذلك، وهل يُكِب الناس على وجوههم – وفي رواية على مناخيرهم – إلا حصائد ألسنتهم؟ سُبحان الله لما قال وهل يُكِب “إلا” ماذا كان المعنى؟ كأن السبب الأعظم الحقيقي الذي يُدخِل الناس جهنم اللسان، والله صح، هذا هو، كما قلت لكم أنتم ما شاء الله مُصلون، والحمد لله أنا ظني في كل مُسلِم يُصلي ويُحافِظ على الجماعة وعلى الجُمعة وما إلى ذلك أن من الصعب جداً أن يزني وأن يسرق وأن يرتكب الكبائر، أعوذ بالله يا أخي، إذن ماذا ستكون ذنوبه؟ من هذا التعيس، من هذا الرديء، أي اللسان، يذهب بك إلى جهنم وتذهب أعمالك، والله كلها تذهب، فقط من أجل أن تتكلَّم، لا! اخزنه، اخزنه وتعلَّم أن تخزنه، قل انتهى الأمر ولن أتكلَّم، حتى لو قال لك أحدهم يا أخي هو استفزني ومَن استُغضِب ولم يغضب فهو حمار، هذا كلام الجاهلية! كلام الله هنا ماذا؟ ماذا قال؟ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، الآن سوف نأتى إلى هذا، الآن سوف نأتي إليه مُباشَرةً في الآية التالية، الله لم يقل ومَن استُغضِب ولم يغضب فهو حمار، قال وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، سوف نسوق هذا فدعوه، كل شيئ سيُقال في وقته، فهذا اللسان احذروا منه، احذروا اللسان.

في الحديث المشهور إذا أصبح العبد أصبحت الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان، ما معنى تُكفِّر اللسان؟ تلومه، تلومه وتأخذ عليه مواثيق، تقول له الأعضاء كلها – الفرج والبطن وكل الأعضاء – اتق الله، اتق الله فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا، الله أكبر! وهذا صحيح والله، والله هذا صحيح، أُقسِم بالله يا إخواني، لماذا إذن؟ إذا هذا اللسان سائب مُرسَل هكذا ويتكلَّم بما يُريد لن يستقيم حتى إيمان الإنسان ولا سلوك الإنسان، صلاته سوف تجدها كلاماً فارغاً، ينظر إلى المُحرَّمات، أليس كذلك؟ ويُمكِن أن يشتهي المُحرَّمات، يُمكِن أن يفعل أشياء سيئة جداً جداً، لكن إذا مسكت اللسان – كما قلنا أمس – بالصمت يختلف الأمر، لا نطق إلا بذكر الله.

وَإِذَا مَا هَمَمْتَ بِالنُّطْقِ فِي الْبَاطِلِ                              فَاجْعَلْ مَكَانَهُ تَسْبِيحًا.

الذكر والاستغفار باللسان دائماً، ثم انظر ماذا سوف تصير في يوم واحد والله العظيم، سوف تصير أقرب إلى الرقة، أقرب إلى الخشوع، جرِّب، جرِّب وقل قال عدنان الفقير هذا، سوف يصير في قلبك رقة، سوف تخشع في الصلاة، وحين تكون وحدك تبكي وتتأثَّر، حين تقرأ القرآن يقشعر بدنك، فقط من يوم واحد، وليس هذا فحسب، انظر أيضاً إلى العطية الثالثة والعائدة الإلهية الثالثة، ما هي العائدة الثالثة؟ الفكرة، يصير الله يُوحي لك بمعان جليلة جداً جداً، تصير تفهم أشياء في حياتك ما كنت تفهمها، في الدنيا وفي الدين وفي الناس وفي الحياة وفي الموت وفي الكرامة وفي السلوك وفي الأخلاق وفي البشر، يصير الله يُوحي لك بمعانٍ لطاف، لطيفة جداً ودقيقة ورائعة، تجعلك فيلسوفاً حكيماً، بسبب ماذا؟ ببركة ماذا هذا كله؟ الصمت!

قال له يا أبا ذر اعلم أنك لن تدخل الجنة حتى يستقيم عملك، ولن يستقيم عملك حتى يستقيم لسانك، ولن يستقيم لسانك حتى يستقيم قلبك، لماذا؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۩، اجعل اللسان مُستقيماً، إذا استقمت وتكلَّمت كلاماً طيباً وتوقَّفت عن الكلام السيئ ماذا يحدث؟ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ۩، كل شيئ يستقيم، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ۩، خطير! صدِّقوني هذا اللسان خطير، ولن تطمئن على نفسك وتعرف أنك بدأت تصير من المُتقين حتى تخزن لسانك والله العظيم، حين تبدأ تخزنه بشكل مُنضبِط ولا تُعطيه ما يُريد سوف ترى أنك اختلفت، سوف تصير إنساناً آخر إن شاء الله تعالى، أعانني الله وإياكم على ذلك يا رب.

قال أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۩، هذا يعني أنها للمُتقين، إذا دخلها غير المُتقين من المُؤمِنين سوف يكون هذا بطريق العرض، وإلا هي في الأصلل للمُتقين.

۞ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۞

مَن هم هؤلاء المُتقون؟ عرَّفهم ووسمهم بسمات، قال الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء ۩، بِم فُسِّر قوله السَّرَّاء وَالضَّرَّاء ۩؟ قيل السراء هي الغنى والضراء هو الفقر، وهذا مُتوجِّه جداً، أي التفسير، قيل السراء الصحة والضراء المرض، قيل السراء في النصر والضراء في الهزيمة، وهلم جرة! كل ما يسرك – صحيح – سراء وكل ما يضرك ضراء، لأن هذه الآية جاءت في أعقاب ماذا أيضاً؟ في أعقاب أُحد، حتى بعد كل الذي حصل أنفقوا وضعوا للجهاد ولغير الجهاد وأعطوا، النفقة شيئ مُهِم جداً في الدين.

وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، سنفق عندها كثيراً هذه، قال وَالْكَاظِمِينَ ۩، ما هو أصل الكظم؟ الإمساك حتى لا يخرج الشيئ، أصلها القِربة، تعرفون القِربة؟ يُقال لك كظمها، ما معنى كظمها؟ أوكى عليها، الوكاء هو الحبل الذي تُربَط به، ولذلك أحسن ترجمة للترموس Thermos – هل تعرفون الترموس Thermos؟ ما أحسن ترجمة لها؟ – الكظمية، اسمها كظمية، يُوضَع فيها الشاي وما إلى ذلك، كظمية! لماذا؟ لأنها تكظم الحرارة والبرودة، حين تضع فيها أي شيئ لا يخرج منها شيئ، فالأحسن في الترجمة أن نُسميها الكظمية، من الكظم، مثل القربة! فقال لكم وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، انتبهوا فالكلمة هذه موحية، هنا قد يقول أحدكم يا أخي أنا غير قادر، لكن الله قال لك لأنك غير قادر افعل الشيئ هذا، أنت سوف تكظم وهذه عملية صعبة، هي صعبة وسوف تذبحك في قلبك، سوف تقول هو قال لي كذا وأنا أقدر على أن أرد عليه وهو صعلوك وكذا وكذا، لا! اكظم واجعلها لله، انظر إلى الأحاديث اللطيفة، وهي أحاديث كثيرة جداً، روى الإمام أحمد قال – صلى الله عليه وسلم – مَن أنظر مُعسِراً أو وضع عنه وقاه الله فيح جهنم، أول خصلة! رجل لك عنده دَين وأنت تُنظِره، تقول له يا أخي سأُعطيك مُهلة سبعة أشهر إضافية، لا تُوجَد مُشكِلة، أو تقول له يا سيدي سامحك الله فيهم، هيا اذهب، جهنم – إن شاء الله – لن تلفحك يوم القيامة، الله يُحِب هذه الأشياء كثيراً، قال مَن أنظر مُعسِراً أو وضع عنه، وكلمة وضع عنه تقتضي ماذا؟ أنه وضع الكل أو وضع البعض حتى، حين تُسامِحه في خمسين في المائة أو عشرين في المائة أو عشرة في المائة تكون أيضاً وضعت عنه، انظر إلى هذا، قال وضع عنه، لماذا؟ لحذف المفعول، لم يقل وضع عنه دينه ولا بعضه، قال وضع عنه، أرأيت كيف؟ انظر إلى دقة النبي، فهي تعم الكل وتعم البعض، أليس كذلك؟ سواء سامحته فيه كله أو حتى في شطر منه يُعتبَر – إن شاء الله – أنك وضعت عنه وعندك الموعود، أي أنك من أهل هذا الوعد إن شاء الله، قال وقاه الله فيح جهنم، لن تلفحك جهنم يوم القيامة، قال ألا وإن عمل الجنة حزن بربوة ثلاثاً، النبي قالها ثلاث مرات، انظر لماذا قالها، لكي تتنبَّهوا إليها وتحفظوها يقول لهم، هذه الجُملة احفظوها، ألا وإن عمل الجنة حزن بربوة، ما معنى حزن بربوة؟ الربوة هي المكان المُرتفَع، والحزن والحزونة هو الشيئ الصعب الخشن، فعمل الجنة ليس سهلاً، أليس كذلك؟ يأتي الواحد منا يُصلي، يقول الله أكبر ثم يخرج – كما قلنا – ويغتاب وينم ويرى المُحرَّمات ويفعل ما يُريد ويُؤخِّر الصلاة وينام وما إلى ذلك ثم يقول أُريد أن أدخل الجنة، كيف؟ هل طريق الجنة  فيه هذا الهبل والاستهبال؟ ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، وإذا كنت فعلاً تظن أنك تسير في طريق الجنة لابد أن تكون إنساناً مُجاهِداً، لابد أن تُجاهِد نفسك ليل نهار، أليس كذلك؟ عمل صعب وشاق، كالسيارة التي تصعد الجبل، ليس سهلاً عمل الجنة، أليس كذلك؟ وعكسه عمل النار، ألا وإن عمل النار سهلٌ بسهوة، كالسيارة التي تنحدر سريعاً، ما شاء الله سهل وجميل، لكن فقط اترك نفسك من غير فرامل وانظر ما الذي سوف يحدث، سوف تفعل كل شيئ، لن ترى شيئاً مُحرَّماً، وبعد فترة سوف ترتكب أشد المُحرَّمات التي لم تتخيَّل يوماً أنك سوف ترتكبها، أليس كذلك؟ سوف ترتكب أشياء فظيعة لا أُحِب أن أذكرها، لا أُحِب أن أتكلَّم في الأشياء هذه، هناك أشياء قذرة تسمعها من الناس فتُصدَم، ولا أُحِب حتى أن أسمعها والله، كل شيئ يُمكِن أن يحدث، لماذا؟ لأنك تساهلت!

في الحديث الصحيح لما خلق الله الجنة ماذا قالت الملائكة؟ يا رب هذه لن يبقى أحد إلا دخلها، ما هذا الجمال؟ الكل سوف يدخل، فحفها الله بماذا؟ بالمكاره، صعبة! صعبة جداً الجنة صارت، ليس فقط العبادة والصيام وصلاة الصبح وما إلى ذلك بل والجهاد أيضاً والصبر وكظم الغيظ والنفقة والسجن والبهدلة والهجرة وما إلى ذلك، كل المشاكل حول الجنة، كلها! فقالت الملائكة يا رب ما نظن أن أحداً سيدخلها، صعب جداً، هذه الجنة صعب طريقها، طريقها صعب، أرأيتم؟ قد يقول أحدهم لا والله، هذه طريقة بالنسبة إلى سهل، كيف يكون سهلاً؟ هذا يعني أنك لا تسير في طريق أهل الجنة، إذا رأيت أنها – ما شاء الله – سهلة فهذا يعني أنك لا تسير في طريق أهل الجنة، لا يُمكِن! لأنك لابد أن تُجاهِد نفسك في كل شيئ، العملية ليست سهلة، فعلاً صعبة، صعب كثيراً طريق الجنة، والنار العكس! لما خلق النار ماذا قالت الملائكة؟ يا رب نظن أن أحداً لن يدخلها، لن يدخل أحد هذه، كيف يدخلها؟ مُخيفة! فالله حفها بالشهوات، المال والمراكز والكذب والنسوان والأشياء الحلوة والغيبة والنميمة وما إلى ذلك، إبليس سألوه ما أكثر شيئاً تُحِبه؟ قال أكثر شيئاً أُحِبه الغيبة، أموت – كما يُقال بالعامية – في الغيبة هذه والنميمة، أُحِبها حُباً شديداً، لماذا؟ قال لأنني أضع على فم المُغتاب عسلاً، وسُبحان الله فعلاً عندهم إدمان على الغيب، الآن يُمكِن أن تجد مَن يستمع إلى رجل فقير مثلي، يستمع ويستفيد أشياء يسمعها لأول مرة في حياته  وحين يخرج يقول يا أخي هذا الشيخ – والله – بارك الله فيه ولكن يا أخي هو كذا وكذا، يذبحني! فششت غلك وانبسطت؟ الشيطان جاءك، لا فائدة! وتجده في حياته لم يفهم كتاباً ولا يفهم شيئاً، أليس كذلك؟ يحدث هذا، يستمع إلى خُطبة ويستفيد ثم يخرج ويقول يا أخي لكن طريقته كذا وكذا، الشيطان صب لك العسل وانبسطت أنت الآن، أليس كذلك؟ انتبه! في التلفزيون Television يُمكِن أن تستمع إلى أحدهم ثم تقول هو – والله – جيد لكنه كذا وكذا، وتظل تنتقده، استفدت أم لم تستفد؟ استفدت، لا تقل هذا، جرِّب العكس أنت، خُذ النصيحة من أخيك الفقير وجرِّب، حين تستمع إلى أحدهم وتستفيد منه ارفع يديك في الصحراء وقل اللهم اجز أخي هذا خير الجزاء، اللهم انفع به، اللهم افتح عليه، سوف تبكي وتشعر بإيمان غريب صار في قلبك والله العظيم! أنا جرَّبت هذا مع أُناس حتى كانوا تعبانين علمياً بصراحة، لكن قلت لا يهم، ما دام هم يتحدَّثون عن الدين وما إلى ذلك سوف أُجرِّب أن أدعو لهم، ودعوت لهم فشعرت – سُبحان الله – بشيئ غير عادي، سُبحان الله! لأن الواحد منهم لا يراني، الله فقط هو مَن يراني، فأنا أدعو له لوجه الله، أدعو الله أن يفتح عليه، ما دام هو خرج وتكلَّم سوف أقول فتح الله عليه وثبَّته، ويُمكِن أن يفتح الله عليه فعلاً، حتى لو كان نصف عالم ونصف مُثقَّف من المُمكِن أن يفتح الله عليه وينفع به الناس، أليس كذلك؟ ادع! ادع بالخير، علِّم نفسك بالخير، لا تُعلِّم نفسك أن تكون حقوداً وتعبان وغشاشاً للمُسلِمين، لا يدخل الجنة قلب فيه غش لأحد من المُسلِمين، أليس كذلك؟ النبي قال إن الله يُحِب كل مخموم، القلب صدوق اللسان، قالوا صدوق اللسان عرفناه، فما مخموم القلب؟ قال مخموم القلب هو القلب التقي النقي، لا غل ولا حسد ولا غش فيه لأحدٍ من المُسلِمين، اللهم اجعلنا مخمومي القلوب، صدوقي الألسنة يا رب بأسمائك وصفاتك العُلا، هذا هو، قلب نظيف طاهر أبيض مثل الشرابة، مثل شقة اللفت كما يقول السوريون، يكون أبيض فعلاً، هذا هو، الله يُحِب هذه القلوب.

الله قال وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، ونُريد أن نُكمِل حديث الإمام أحمد، لكن طبعاً لما حف النار بالشهوات رأتها الملائكة فقالت يا رب ما نظن أن أحداً سينجو منها، الكل سوف يتهافت عليها تهافت الفراش على النار، ما دام هي محفوفة بكل هذه الشهوات وكل هذه الأشياء سوف ينزل فيها الكل، لكن انتبهوا، بحمد الله  أمة محمد – ويا رب لك الحمد ألف ألف ألف بليون مرة حتى ترضى وبعد الرضا أيضاً – على قلتها قال بشأنها النبي أمر هام، ماذا قال النبي؟ قال أنتم موفون سبعين أمة، أنتم خيرها عند الله وأكرم، أي أكرمها، قبلكم كان يُوجَد تسع وستون نبي عظيم طبعاً ورسول وأمة، وهنا قد يقول لي أحدكم كيف هذا ويُوجَد أكثر من هذا في الأنثروبولوجيا Anthropology؟ النبي يتحدَّث عن الأمة بالمعنى المِلي، انتبه! قل سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۩، بالمعنى المِلي النبي أخبرنا عن هذا، تُوجَد سبعون أمة، هذا هو فقط، انتهى! الآن لا تقل لي مثل كارل بروكلمان Carl Brockelmann – الألماني الأهبل الذي أتينا بكتابه هنا – الشعوب الإسلامية والأمم الإسلامية في كتابه History of The Islamic Peoples، الإندونيسي والماليزي والباكستاني والبنغالي والتركي وإلى آخره كلهم أمة، اسمها أمة محمد، أليس كذلك؟ هذا اسمه المعيار المِلي في الأمة وليس المعيار الأنثروبولوجي، كلام فارغ هذا! فالنبي قال أنتم موفون سبعين أمة، أنتم خيرها عند الله وأكرم، أي أكرمها عند الله، يا رب لك الحمد، يُوجَد حديث أعظم منه في الصحيحين، يقول ابن مسعود كنا مع رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – في قُبةٍ – مثل خيمة من جلد – أربعين – قال كنا أربعين رجلاً وجلسنا معه – فقال لنا – عليه الصلاة وأفضل السلام – أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ أي أنتم أمة واحدة من سبعين وسوف تمُثِّلون خمسة وعشرين في المائة، فكبَّروا، الله أكبر! الصحابة فرحوا جداً وقالوا الله أكبر، نعم يا رسول الله نرضى، ربع أهل الجنة منا؟ الله أكبر، هذا يعني أن كل واحد سوف يطمع في دخول الجنة إن شاء الله، أليس كذلك؟ قال أما ترضون أن تكونوا ثُلث أهل الجنة، فكبَّروا، الله أكبر! فرحوا جداً بالبشارة، وهذا ليس كلام رجل مثلي يُهبِّل وما إلى ذلك، الرسول هذا، حين يقول شيئاً ينتهي الأمر، أنا من عندي أستنبط وغير يستنبط، مُجرَّد كلام وتهبيلات من عندنا، كأن أقول أظن أن هذه الآية فيها تبشير وما إلى ذلك، لكن هذا رسول، يتحدَّث بوحي من فوق، هذا ليس من عنده، أليس كذلك؟ بُشرى حقيقية، ربنا – تبارك وتعالى – يقول لنا هذا، فلابد أن نُكبِّر فرحاً، قالوا الله أكبر، نعم يا رسول الله نرضى، قال أما إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، الله أكبر، صل الله عليه، ببركة مَن يا إخواني هذا؟ والله العظيم ببركته هو، والله من أجله وليس من أجلنا نحن، والله من أجله فقط، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ۩، قال لا أرضى وأحدٌ من أمتي في النار، والله قال له أيضاً سوف نُرضيك ولن ندع أحداً منهم في النار، الكل سوف يدخل الجنة، يا الله! صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون، ثم قال لهم – يُريد أن يُفسِّر لهم لماذا هذا، لماذا نحن نصف أهل الجنة؟ لماذا هذا؟ هل هذه مُحاباة؟ لا يُوجَد عند الله مُحاباة، ليس بين الله وبين أحدٍ من خلقه نسبٌ إلا بالطاعة والتقوى، أليس كذلك؟ إذن لماذا هذا؟ هل هذه مُحاباة؟ ليست مُحاباة – وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مُسلِمة، ومَن أمة الإسلام الصحيح والتوحيد؟ نحن رأينا – ما شاء الله – النصارى واليهود، كل هذا كلام فارغ، كلها أديان وثنية صارت، عبّاد شيطان وعبّاد عيسى وعبّاد مريم وعبّاد القدّيسين، كل هذا كلام فارغ، ضاعوا وانتهوا، أليس كذلك؟ مَن الذي ظل مُتمسِّكاً بالتوحيد؟ هذه الأمة المرحومة، اللهم اجعلنا منها يا رب العالمين حتى نموت وتلقانا وأنت راضٍ عنا، وقال أما إني لا أخشى على أمتي الشرك بعدي، قال أُمتي أُبشِّركم لن تُشرِك، ستظل مُوحِّدة، وإن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، سوف تبقى في مجموعها أمة التوحيد، خير أمة! وسوف تقبض أرواح المُؤمِنين فيها – في آخر الزمان – ريح طيبة، فيموت آخر هذه الأمة على الإيمان، أليس كذلك؟ كلها بشريات لنا والحمد لله رب العالمين، خصائص أمة محمد كثيرة جداً جداً، قال لهم وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مُؤمِنة وما أنتم في الناس يوم القيامة إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو الشعراء السوداء في الثور الحمر، انتبهوا! هكذا قال هنا، وهذا في الصحيحين، أي أنكم سوف تكونون نصف الجنة وأنتم مثل شعرة في ثور، أي أننا قليلون، قليلون جداً جداً من حيث العدد، لأن هذه أمة من سبعين أمة وهذه الأمم يبدو أن أعدادها عبر التاريخ أكثر منا بكثير، أعدادها كثيرة جداً جداً جداً،  وهذه الشعرة – سُبحان الله – لها شأن، فالحمد لله، هذه أمة محمد، فلها كرامات كثيرة جداً جداً والحمد لله، فسوف تكون أكثر أهل الجنة، نصف أهل الجنة منا، اللهم اجمعنا كما جمعتنا في الدنيا في جنات النعيم والفراديس العُلا مع حبيبك وخيرتك ومُصطفاك – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم يا الله – اللهم آمين.

نعود إلى حديث أحمد، قال أما وإن عمل الجنة سهل بسهوة ثلاثاً، النبي قال ثلاثاً، أي ثلاث مرات، حتى قال في آخره – عليه الصلاة وأفضل السلام – والسعيد مَن وُقيَ الفتن، يقول النبي في الحديث والسعيد مَن وُقيَ الفتن، وما من جُرعة أحب إلى الله – تبارك وتعالى – من جُرعة غيظٍ كظمها عبدٌ وهو قادرٌ على أن يُنفِذها أو قال يُنفِّذها، أكثر شيئاً – قال – الله يُحِبه جُرعة، جُرعة ماذا إذن؟ هل هي جُرعة خشوع؟ هل هي جُرعة تقوى؟ جُرعة ماذا؟ هناك جُرع كثيرة، أليس كذلك؟ قال لا، جُرعة غيظ، شعرت بالغيظ وسكت، رجل أغاظك واستفز واستغضبك، وأنت قادر على أن ترد عليه وتبهدله وتُصفِّر وجهك أمام الناس لكنك سكت، لماذا سكت عنه؟ ليس خوفاً، ليس جُبناً، وليس ضعفاً، سكت لله، وفي الحديث الآخر – رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، أبو داود لم يروه، أي رواه أحمد وأهل السُنة إلا أبا داود – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفِذه أقامه الله يوم القيامة وخيَّره في الحور من أيها شاء، الله سوف يقول لك تعال، ألم تكظم هذا الشيئ من أجلي؟ تعال، تفضَّل اختر أي حوراء تُريدها، أي حوراء عينا، التي تُريدها خُذها واذهب بها، لأنك فعلت هذا الشيئ لي، كظمت الغيظ من أجلي.

أرأيتم؟ كظم الغيظ مُهِم جداً جداً عند الله، يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب ولا أمحقك مع مَن أمحق، لا تقل لي مَن استُغضِب فلم يغضب فهو حمار وأنا راجل وكذا وكذا، كلام فارغ! الشيطان ينخر في منخريك، هذا كله كلام الشيطان،  أليس كذلك؟ وللأسف تجلس وتثور على الناس ثم تهدأ، يا أخي كل واحد يقدر على أن يفعل هذا، في الصحيحين وغيرهما ليس الشديد بالصُرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، هذا هو! اللهم اجعلنا من الكاظمين الغيظ.

وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۩، هناك مسألة أكثر من الكظم أيضاً، ما هي إذن؟ (ملحوظة) أجاب بعض الحضور قائلاً العفو، ثم أجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم بدوره قائلاً العفو، واستتلى قائلاً أنت يُمكِن أن تكظم غيظك عنه لكن يبقى في قلبك شيئ، أليس كذلك؟ لكنك سوف تقول له عفا الله عنك وغفر الله لك، اذهب يا أخي وسهَّل الله عليك، تعفو! تُعطيه العفو الكامل ولا تُبقيه في خطر البطش في يوم من الأيام، انتهى، عفو!

وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، هذه لا تزال درجة أرفع، تقول كظمت غيظي وعفوت عنه لكنني أقدر على أن أُحسِن إليه أيضاً، إذا أراد خدمة سأخدمه، إذا أراد شيئاً سأُعطيه بعد كل الذي فعله معي، الله أكبر، الله سيُحبِك إذن، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، وتعرفون القصة التي تُنسَب إلى هارون الرشيد وتُنسَب إلى المأمون وتُنسَب إلى جعفر الصادق عليه السلام، أنا قرأتها عن الثلاثة، الله أعلم، ربما تكون وقعت للثلاثة لكن هذا صعب، هم ينسبونها إليهم، هذه قصة لكن يبدو أنها وقعت، فإما وقعت للرشيد أو للمأمون أو للإمام جعفر الصادق، لما كان الخادم – العبد الخاص به أو الخادم – يصب عليه بعد طعام دسم – تعرفون الطست هذا وما فيه ما شاء الله – وقع الإبريق، فأصاب الخليفة أو الإمام الصادق من هذا الرشاش طبعاً، الدسوم والوساخة وما إلى ذلك سقط منها رشاش على أواعيه فغضب! غضب وقدحت عيناه الشرر، فقال له يا سيدي وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، هذا الرجل كان يفهم جيداً، اتضح أنه بليغ، ليس سهلاً، قال هذا سريعاً على البديهة، قال له يا سيدي وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، ذكَّره بالله، وقّافين كانوا عند حدود الله، كان عندهم هذا، قال له كظمت غيظي، لو هذا حدث الآن لقال له الواحد منا وتتفلسف أيضاً؟ تفعل هذا وتتفلسف؟ أتظن أنك قاريء؟ وربما يضربه على وجهه، لكن يُوجَد خوف من الله، لا! قال له يا سيدي وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، قال له كظمت غيظي، قال له وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۩، هو كظم لكن يُمكِن فيما بعد أن يقول له أنت الآن في مرتبة الحجبة لكننا سوف نجعلك – مثلاً – في مرتبة الساقة، أليس كذلك؟ سوف تسوق دابتي، أنت الآن حاجب – والحاجب أعلى كثيراً، أليس كذلك؟ حاجب الملك شيئ كبير – لكننا نُريد أن نحط من رتبتك عقاباً لك، فهو عاقبه وكظم غيظه، لكن اعف وكأن شيئاً لم يحدث، أُريد أن أظل كما أنا في نفس الرُتبة، هذا معنى الآية، هل فهمتم كيف؟ قال له وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۩، قال له عفوت عنك، اتضح أنه طمّاع، قال له وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، كيف يكون من المُحسِنين إذن؟ قال له أنت حُر لوجه الله، فرضيَ الله عنه وأرضاه مَن عمل هذه القصة، فعلاً مَن عمل هذه الأشياء له أجر كبير، وبالمُناسَبة مثلما قال بعض الإخوة الأحباب الذين معنا عنه عند الله – عز وجل – لا يضيع شيئ، أليس كذلك؟ وأحياناً يُمكِن أن يستنقذك ربنا على رؤوس الخلائق بعمل صالح مبرور صغير أنت ما كنت تحتسبه، أليس كذلك؟ عمل مثل هذا ربما يظنه الرشيد عملاً بسيطاً تافهاً، ما معنى أنه أعتق عبداً وما إلى ذلك؟ يذهب يوم القيامة عند الله وهو يهتم بأنه كان يُجاهِد سنة ويحج سنة ويركع ثلاثمائة وستين ركعة لله، ويقول أنه كان يعبد الله ويحج ويفتح البلاد للإسلام، ومع ذلك يُمكِن أن يقول له الله هكذا كله بالنسبة إلى كلام فارغ، أنت أردت به المحمدة وحُسن الذكر في الدنيا وتوسيع المُلك، أليس كذلك؟ لكنني سوف أغفر لك وأُدخِلك الجنة بقصة لم تخطر على بالك، قصتك هذه مع العبد مثلاً، الله كريم! لأن الله يُريد أن يُنقِذك، ربنا يُحِب أن يُنقِذنا من نار جهنم بأي طريقة، أليس كذلك؟ ولا يهلك على الله إلا هالك، أليس كذلك؟ فلا تحتقره، لا تحتقر عمل الخير – والله العظيم – مهما كان، لا تقل هذه أعمال بسيطة، هل تعرف كيف؟ هكذا يخطر لي، حين أكون قادماً إلى المسجد قد أرى ولداً صغيراً ينظر إلىّ ويبتسم لي، ويكون من إخواننا هنا هذا الطفل الصغير، فأذهب إليه وأضع يدي على رأسه وأُسلِّم عليه، هناك أُناس لا يفعلون هذا، لكن بالعكس، أقول هذه لعل الله يُدخِلني بها الجنة، ودروسي هذه وكلامي هذا لعل الله لا ينظر إليه أصلاً، طبعاً ليس عندي قناعة… لن أحكي! لكن مسألة مثل هذه هامة، لماذا؟ لعل هذه المسحة وتواضعك للطفل الصغير هذا وتسليمك عليه وقولك له كيف حالك يا حبيبي؟ وابن مَن أنت؟ وما إلى ذلك يُحِّبب هذا الطفل في الإسلام إلى أن يموت، هل تعرف لماذا؟ هذا حصل مع العبد الفقير شخصياً، أنا كنت أظن أن هذه المساجد للكبار، لا أعرف أنها للجميع، وكنت أُحِب المساجد – أُحِبها جداً – ولكن لها هيبة وجلال، ولم يقل لي أحد أنه للجميع، فكنت أظن أنها للشيوخ فقط، بعد ذلك ابن جارنا قال لي لا، هيا نذهب نُصلي الجُمعة، فقلت له هل هذا مسموح؟ قال لي مسموح، عادي! أنا سوف أذهب، فقلت له خُذني معك “دخيلك”، ذهبت معه وكنت جالساً مثل الصنم، لم أتحرَّك بسبب هيبة المسجد طبعاً، لم ألعب فيه، مُستحيل! بعد ذلك جاء إلى رجل شيخ وقال لي كيف حالك؟ أنت ابن مَن؟ ثم قال لي بارك الله فيك، الكلمة هذه فعلت في فعل السحر والله العظيم، لن أنساها في حياتي، قال لي أنا بارك الله فيك؟ أنا ولد صغير، عمري ثنتا عشرة سنة، نعم كنت من الأوائل وكنت شاطراً لكنني كنت ولداً صغيراً، أي كنت عيلاً! لماذا؟ لأن هذه الكلمة كنت أسمعها تُقال للكبار في السن، أي للشيوخ وكبار السن الذين يمسكون العكازة، يُقال للواحد منهم بارك الله فيك يا أبا فلان، فلما قال لي بارك الله فيك بلغت بي يا أخي مبلغاً كبيراً، وفعلت في فعلاً عجيباً، أنا مُتأكِّد هذا لم يكن على باله، هو يقول هذا لكل الناس، أليس كذلك؟ بارك الله فيك التي قالها لي حبَّبتني في المسجد إلى حد العشق، عشق! صرت أُصلي الصلوات الخمس في بيت الله، وظللت على هذا بحمد الله أفعل هذا باستمرار، وإلى الآن أنا في هذا الطريق بسبب كلمة أنا مُتأكِّد – والله – أن مَن قالها لي لم يكن يخطر هذا كله على باله، أليس كذلك؟ لعل هذا المسكين يوم القيامة يقول له الله سوف أنقذك لأنك تسبَّبت بكلمة قلتها تواضعاً في هذا الموقف.

في الصحيحين – في البخاري ومُسلِم – حديث هام عن سيدنا أنس بن مالك، تعرفون أنس، صحابي جليل وعالم ورجل ليس سهلاً، وكان غنياً، غنياً جداً، وكان عنده الكثير من الأولاد والنبي دعا له، فهذا الرجل أعطاه الله من كل شيئ، من العلم ومن المال ومن الغنى ومن الأولاد، ماذا كان يفعل؟ أحياناً حين يمشي في الشارع يأتي إلى الصبيان ويُسلِّم عليهم، كأن يقول لهم يا أهلاً وما إلى ذلك، فالناس نظروا إليه واستغربوا، ما هذا؟ فماذا قال لهم؟ رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفعله، قال لهم هذه سُنة، أنا كنت أرى النبي يفعل هكذا، كان يأتي ويُسلِّم على الأطفال الصغار، أليس كذلك؟ أنت الآن تجد مِن الناس مَن هو غير مُستعِد لأن يُسلِّم عليك أنت، إذا لم تُسلِّم عليه لن يُسلِّم، يا سلام! نعوذ بالله من الكبر، نعوذ بالله من الغطرسة، نعوذ بالله من الفخر والفشل الكاذب، أليس كذلك؟ نسأل الله التواضع، لابد من التواضع!

النبي قال ثلاثة – هذا له علاقة بقوله وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ۩، وهذا رواه أحمد بالصيغة هذه – أُقسِم عليهن، والنبي ليس محوجاً لأن يُقسِم، لكنه فعل هذا لكي يُؤكِّد لنا المعنى، ما هن؟ يا رسول الله؟ قال ما نقص مالٌ من صدقة، الصدقة لا تُنقِص المال بل تزيده، قال ما نقص مالٌ من صدقة، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزة، وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۩ حين تعفو تزداد عزة، قد تقول لي يا أخي كيف أعفو عنه وقد رأت الناس كيف سبني وكيف كذا وكذا؟ بالعكس أنت حين تعفو عنه سوف ترى أن الناس أنفسهم سوف يحتقرونه وسوف يُعزِونك، سوف يقولون يا أخي ما شاء الله، فعلاً هو رجل يا أخي، فعلاً رجل ولذا ضبط أعصابه، الله! وسوف يحترمونك أكثر، ومَن خرج وسفه عليك وأطال لسانه سوف تحتقره الناس، سوف يقولون والله كنا نظن أنه إنسان مُحترَم لكن اتضح أنه ليس كذلك بالمرة، شوارعي! أليس كذلك؟ لا تُفكِّر أنت بهذه الطريقة، فالعكس هو تفكير الشيطان، الشيطان يقول لك لا، الناس سوف عنك تقول كذا وكذا، والشيئ الثالث ما هو؟ ومَن تواضع لله رفعه الله، النبي قال أُقسِم عليها، أُقسِم عليها! المُتكبِّرون هل تعرفون ما هي مُشكِلته يا إخواني؟ أنه لا يفهم هذه الحقيقة، يظن أنه كلما انتفخ قليلاً وفتح صدره وما إلى ذلك سوف يفرض هيبته على الناس، ولا يعرف أن الصحيح هو العكس تماماً، كل مَن رآه سوف يزدريه ويقول ما هذا التافه الذي ينفش نفسه؟ سوف يحتقرونه احتقاراً حقيقاً، أين تكون التكرمة؟ حين تكون إنساناً فعلاً عندك شيئ – الله أعطاك شيئاً من مال أو من علم أو من أي شيئ – وفعلاً تتواضع سوف يراك الناس مثليك أو ثلاثة أمثالك، حجمك ليس كبيراً لكنهم سوف يرونك كبيراً، سوف يقولون يا أخي ما شاء الله عليه، رجل مُتواضِع، هناك مَن لا يفعل هذا، يتصل بأحد إخوانه فيُقال له مَن؟ فيقول معك الدكتور فلان، دكتور ماذا يا أخي؟ دكتور ماذا؟ ألا تستحي؟ أو يقول معك الشيخ عدنان، شيخ ماذا؟ عدنان! قل معك عدنان، عدنان مَن؟ عدنان إبراهيم، نعم الشيخ عدنان، لا تقل الشيخ عدنان، قل عدنان، معك عدنان على الخط، أو يُقال معك مَن والله؟ محمد، لكن هناك مَن يقول الدكتور محمد والله العظيم! يقول معك الدكتور، ألا تستحي؟ معك الدكتور؟ ألا تخجل من نفسك حين تقول معك الدكتور أو معك الشيخ؟ قل معك الأستاذ الدكتور! وهذه حصلت، حصلت هنا في فيينا، ذات مرة اتصل أحدهم بشيخ وقال له السلام عليكم، كيف حالك يا أستاذنا؟ فقال له تأدَّب، الأستاذ الدكتور! قال له بلا أستاذ، بلا نيلة، وأغلق الهاتف في وجهه، قلت يستأهل، هذه القصة الأخ نفسه حكاها لنا، قال لي يا أخي ما هذا؟ ما هذه العجرفة الكاذبة؟ وهو رجل عنده منصب ديني هنا في النمسا، سهَّل الله عليه، في التليفون Telephone قال هذا، فالإنسان حين يتكبَّر لا يعرف كم يُزري بنفسه، يُصبِح حقيراً وهو لا يدري عند الناس، أليس كذلك؟ هذا اتصل به لكي يستفتيه، اعتبره مولانا وشيخنا وقال نُريد أن نستفتيه ونستفيد منه، فقال له يا أستاذنا أو يا شيخ، هذا جيد يا أخي، حتى لو قال لك يا أخ، هذا جيد، أتُريد شيئاً أحسن من كلمة أخ؟ في الحديث المشهور النبي لما عمر استأذنه في عُمرة – عمر استأذن النبي، قال له ائذن لي أن أذهب لأداء عُمرة، ماذا قال له النبي؟ – قال له اذهب، توكَّل على الله، ويا أُخيي اجعل لنا نصيباً من دعائك، يا الله على التواضع يا أخي، يا أُخيي قال له، وفي رواية قال له لا تنسنا يا أخي من دعائك، يا أخي قال له، النبي! وأنت حين نقول لك مَن معنا؟ الأخ فلان؟ تزعل، لابد أن نقول لك الشيخ فلان أو الدكتور فلان أو البشمهندس فلان، ما هذا؟ فشل كاذب علَّمنا أهلنا إياه، انتبهوا إلى هذه الأشياء، احذروا أن تقعوا فيها، أنا شخصياً أحتقر كل واحد يقول هذا، حين يُعرِّف بنفسه يقول لي معك الشيخ فلان، لم يبق إلا أن يقول فضيلة الشيخ أيضاً أو الدكتور، مُباشَرةً ينزل من عيني وهو لا يدري طبعاً، حين أراه أقول هذا الإنسان مُخه ضارب، ليس عنده عقل، إذا كان عندك عقل تواضع، كُن مُتواضِعاً، تواضع لله، أليس كذلك؟ لا يُمكِن غير هذا، التواضع محمود، ما رُؤيَ النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – ماداً رجليه بين أصحابه، هل سمعتم هذا الحديث؟ النبي لم يمد رجليه ولو مرة واحدة أمام أصحابه، لماذا إذن؟ ولو مدهما هم مُستعِدون أن يمسحوهما بالماء وأن يشربوا الغُسالة، هم مُستعِدون أن يغسلوا رجليه بالماء وأن يشربوا الغُسالة لكي يتبرَّكوا بها، النبي حين كان يتنخَّم كانوا يقتتلون على نُخامته، ويمسح كل واحد بها، لكن انظر إلى التواضع، لم ير ولو مرة واحدة أنه بنبوته ورسالته وزعامته عنده الحق في أن يمتاز عليهم وأن يمد رجليه في وجوههم، لا!  أليس كذلك؟ وأنت ترى أُناساً – وأنا والله العظيم لا أستحضر أي أحد، أرى هذا لكنني والحمد لله لا أستحضر أحداً ولا يبقى هذا في بالي، وأرى هذا في المسجد هنا أحياناً – يمدون أرجلهم في وجوه إخوانهم، عيب يا أخي، إذا كنت مريضاً وعندك روماتيزم Rheumatism وما إلى ذلك اجلس بطريقة أُخرى واجعل رجليك في جهة بعيدة عن وجوه الناس، عيب الكلام هذا، أليس كذلك؟ ولا تمد رجليك في مجلس علم وتجلس مُنشكِحاً، لا يجوز، يُوجَد أدب ويُوجَد احترام للرجال، أليس كذلك؟ ومَن لم يحترم الرجال لا يُحترَم، ومَن لم يتهيَّب الرجال لا يهابوه، أليس كذلك؟ ودائماً كُن مُتواضِعاً وتهيَّب الناس، والناس سوف تتهيَّبك وتُعطيك أكثر من مقدارك، فنسأل الله أن يُعرِّفنا بمقادير أنفسنا وأن يرزقنا جلباب التواضع ظاهراً وباطناً – والله العظيم – اللهم آمين يا رب.

قال وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، بقيَت ست دقائق.

۞ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۞

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ۩، لما قال فَاحِشَةً ۩ ماذا كان يقصد بالفاحشة هنا؟ الذنوب الكبيرة كالزنا وأشكاله والعياذ بالله، أي الذنوب التي فحُشت، قال أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ۩، إذن هذا أقل من الفاحشة طبعاً، أي الذنوب الأُخرى كلها، وكلها ظلم للنفس والعياذ بالله، كلها ظلم للنفس سواء كان ذنباً كبيراً أو غير كبير، ذَكَرُواْ اللَّهَ ۩، ما معنى ذَكَرُواْ اللَّهَ ۩ هنا؟ تذكَّروا، قال إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ طيفٌ في قراءة سبعيةمِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ۩، فذكرهم لله هنا يعني أنهم كانوا في حال غفلة، تَذَكَّرُوا ۩، قالوا هناك حساب عند الله والجنة والنار وما إلى ذلك، ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ۩، عبد الرزّاق في المُصنَّف يقول قال أنس بلغني – هذا بلاغ – أن إبليس – لعنة الله عليه – لما نزلت هذه الآية بكى، لماذا بكى؟ غيظاً وغماً، أغمه الله إلى يوم الدين، انزعج! لأن ماذا تقول الآية؟ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ۩، لم يقل فغفر لهم، ماذا قال؟ قال شيئاً أحسن من هذا بكثير، قال وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ۩،  أي أنه سوف يغفرها حتماً، ما دام استغفروا سوف يغفرها حتماً، لا كلام ولا شك هنا، لأن مَن الذي يغفر إلا هو عز وجل؟ أرأيت؟ لكن لو قال غفرها هذا يعني أنه يُمكِن أن يغفر ويُمكِن ألا يغفر أحياناً بحسب الشروط، لكن حين يقول وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ۩ هذا يعني أنك حين تذكر الله وتعود إليه وتستغفر ينتهي كل شيئ إن شاء الله، عفا الله عما سلف، لكن تُب توبةً نصوحةً، هنا قد يقول لي أحدكم أنا رجعت إلى الذنب، انظر بالله عليك وصل على رسول الله، إذا كنت ترجع مغلوباً على نفسك – أي أنك فعلاً تُحِب التوبة النصوحة وتغلبك نفسك والعياذ بالله لظروف أو أُخرى ثم ترجع تندم وتبكي وتغتاظ من نفسك ثم ترجع تستغفر – سوف يغفر لك، روى أحمد – قبل الشيخ – ثم روى البخاري – فقط البخاري من غير مُسلِم، أي أحمد والبخاري – قال – صلى الله عليه وسلم – أذنب عبدٌ ذنباً فقال اللهم إني أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال الله – تبارك وتعالى – أذنب عبدي وعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، هل فهمتم الجُملة هذه؟ تكرَّرت عند البخاري ثلاث مرات، عند أحمد كم مرة تكرَّرت؟ أربع مرات، هذا قد يكون من الرواة والله أعلم، المُهِم أن هذا نفس الشيئ، ثم أذنب العبد – مرة ثانية رجع وأذنب – ووقعت نفس المقالة، قال الله تعالى أذنب عبدي ذنباً وعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، في المرة الرابعة ماذا يقول الله تعالى؟ قد غفرت لعبدي، فليفعل عبدي ما يشاء، فقد غفرت له، الله أكبر، انتبهوا! رحم الله مولانا الشيخ محمد الغزّالي – أعتقد أنه شرح هذا الحديث في جدِّد حياتك، وقد قرأت هذا قديماً – الذي قال لا يُؤخَذ من هذا الحديث أنه رُخصة في المعاصي، ليس هذا معنى الحديث، إذن ما معناه يا إخواني؟ معناه كلما أذنبت وتُبت فعلاً توبة صادقة من قلب يتحرَّق ونفس لوّامة لا تيأس، المغفرة قدامك إن شاء الله، المغفرة أمامك، دائماً كُن هكذا، سوف يُغفر لك حتى لو فعلت هذا مليون مرة، قال إبليس – لعنة الله تعالى عليه – يا رب لأُهلِكنهم بالمعاصي – أنت فعلت هذا وأخرجتني من أجلهم لأنني لم أسجد لهم ومن ثم سوف أُهلِكهم – ولا أدع إغوائهم ما دامت أرواحهم في أبدانهم، قال له وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما استغفروني، فقُطِعَ عمل إبليس، تعقَّد! لكن البعيد – لعنة الله على البعيد – اهتدى إلى حيلة جديدة وهي خطيرة جداً جداً جداً ومكّارة، ما هي؟ البدعة، الذنوب العادية – الغيبة، النميمة، السرقة، الكذب، الحسد، الزنا، الربا، وما إلى ذلك – كل مُؤمِن يعرفها ومُؤمِنة، فإبليس لعب فيها ولم ينجح، لكن عنده مسألة ثانية ينجح فيه كثيراً، ما هي؟ البدعة، يأتي ويجعل قلبك يتشرَّب حُب بدعة مُعيَّنة – والعياذ بالله – في العقيدة أو الدين، والذي تشرَّب قلبه حُب بدعة ماذا يحدث له؟ يظن نفسه يتقرَّب إلى الله عبر هذه البدعة، أليس كذلك؟ فهو لا ينزع ولا يرعوي، ويظل آخذاً في طريقه لا يلوي، وإنما هو – والعياذ بالله – حاطب في حبل المعاصي، لا يتوب، لماذا؟ لأن كيف يتوب من شيئ يتقرَّب به إلى الله؟ ولذلك أخطر شيئ البدعة، أليس كذلك؟ لابد أن تُصفّي دينك، سوف تقول لي والله البدع كثرت وأنا لا أعرف يا أخي وهناك مناهج وهناك طرق كثيرة، أنا أقول لك عليك بالسواد الأعظم، أليس كذلك؟ عندك الأمة عبر تاريخها فيها شافعية ومالكية وحنفية وحنابلة، أليس كذلك؟ وعندهم اتجاهات مُعيَّنة في الفقه والعقيدة، كُن مع سواد الأمة، مع عقيدة الأمة؟ ما مذاهب الأمة؟ ما أقوال علماء الأمة؟ أليس كذلك؟ لا يُمكِن أن يكون علماء مثل النووي وابن حجر والسيوطي والغزّالي وأبي حنيفة والشافعي وابن سُريج – ماذا أقول لك؟ ملايين – جهلة ومُبتدعين وباطلين جميعاً، أليس كذلك؟ مُستحيل! هؤلاء أهل الخير كانوا، كانوا أولياء وعندهم كرامات وما إلى ذلك، لم يكونوا أُناساً عاديين، نحن – إن شاء الله – سوف نسير في طريقهم، وسوف نكون مُطمئنين، أليس كذلك؟ وليس عندنا لا علمهم ولا صلاحهم ولا وعيهم، سوف نبقى في طريقهم ومن ثم سوف نكون – إن شاء الله – في الطريق الصحيحة، فهذه هي البدعة، احذر من البدعة إذن.

قال ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۩، الإصرار! روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو – رضيَ الله عنهما – قال: قال – صلى الله عليه وسلم – أيها الناس ارحموا تُرحموا، اغفروا يُغفَر لكم، ويلٌ لأقماع – جمع قِمع – القول، هل تعرفون ما معنى أقماع القول؟ الذين يسمعون الكلام ويُردِّدونه فقط، أي شيئ يسمعونه يقولونه، اليوم تلونا في التراويح قال تعالى  وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۩، الله لا يُحِب الإنسان المذياع، المذياع هنا ليس الراديو Radio وإنما المذياع هو الذي يذيع كل شيئ، ولذا يُسمى الراديو Radio بالمذياع لأنه يذيع كل شيئ، المذياع أو القِمع هو الذي يسمع ويتكلَّم، أي شيئ يسمعه يُردِّده، الله لا يُحِب هذا الإنسان، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ۩، الآية الكريمة تلوناها في التراويح، فهو يقول ماذا؟ ويلٌ لأقماع القول، ويلٌ للمُصِرين للذين يُصِرون على ما فعلوا وهم يعلمون، ما هو الإصرار؟ تأكيد – والعياذ بالله – بالنية، تأكيد الاستمرار في الذنب، نيته أنه سوف يظل يفعل الشيئ هذا، هكذا هي نيته، ليس عنده نية توبة، يعرف أنه يفعل شيئاً مُبطِلاً ومع ذلك ليس عنده نية أن ينزع عنه ولا يُجاهِد نفسه لكي ينزع عنه، هذا مُصِر! لكن لو كان يُجاهِد نفسه لكي ينزع عنه ويغلط مرة ويرجع مرة ويعود لكي يُصلِّح فسوف يغفر الله له – إن شاء الله – دائماً، ما استغفر سوف يغفر له، فالإصرار مُخيف، ولذلك قيل لا كبيرة مع الاستغفار – إذا استغفرت الله وتُبت سوف يغفر لك إن شاء الله، سوف تضمحل الكبيرة، سوف يغفرها الله ويُعفي آثارها، فكأنها لم تكن إن شاء الله تعالى – ولا صغيرة مع الإصرار، انتبه ولا تقل هذا ذنب بسيط، لكن أنت مُصِر، ليس عندك نية أن تتوب، ألا تخجل من الله لأنك تُحارِب الله بذنب نعم هو بسيط لكنك دائماً ما تفعله؟العلماء قالوا هناك أمور مُعيَّنة – أربعة أو خمسة – تجعل الصغيرة كبيرة، مَن يقول لنا بعض هذه الأشياء؟ هذا أول شيئ منها، أعني الإصرار، ثانياً الاستهانة، كأن يُقال هذا عمل حقير، ما المُشكِلة في أنني أنظر إلى كذا؟ تستحقره! تستحقر معصية الله ومن ثم تُصبِح كبيرة، إذا رأيت أنها صغيرة ليس لها أهمية سوف تُصبِح كبيرة، أليس كذلك؟ ثالثاً المُجاهَرة، أي أن تفعلها أمام الناس ولا تخجل، لا تخجل منهم وتفعلها أمامهم فتُصبِح كبيرة، وهكذا! فالصغيرة يُمكِن أن تُصبِح كبيرة، ولذلك لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار، نسأل الله السلامة والتسديد.

قال وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۩، هذا الجُزء من الآية صعب جداً واختُلِف فيه كثيراً في مباحث طويلة جداً، كيف وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۩؟ ما معنى هذا؟ يَعْلَمُونَ ۩ ماذا؟ يَعْلَمُونَ ۩ أنهم مُصِّرون على الذنوب، هكذا هو الظاهر، قيل يَعْلَمُونَ ۩ أن الله يغفر الذنب ويقبل التوب، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ۩، في آيات كثيرة يُوجَد هذا المعنى، إذن من المُمكِن أن يعني هذا أنهم يفعلون ولا يُصِرون – نعم يستغفرون ولا يُصِرون – وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۩، يعلمون أن الله يقبل التوبة عن عبادة، أليس كذلك؟ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ۩ في التوبة، هذا يدخل في علمهم، وقيل وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۩ أنهم مُقيمون على الذنب وعلى مُبارَزة الله بالعصيان، فهؤلاء حالهم شديد والعياذ بالله تبارك وتعالى.

نسأل الله – عز وجل – أن يختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات أعمالنا، اللهم اجعلنا تجمعنا هذا تجمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تدع فينا بمنّك وكرمك يا رب العالمين شقياً ولا مطروداً ولا محروماً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: