الدرس الثامن
تفسير سورة آل عمران من الآية الأولى إلى الآية السادسة والعشرين

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه، حمداً يُوافي نعمك ويُكافئ مزيدك، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته المُحسِنين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. اللهم آمين.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الإخوات الفاضلات:

نحن اليوم على موعدٍ مع سورةٍ جديدةٍ، هي السورة الثانية من السبع الطوال، وأنتم تعرفون أن الصحابة ومَن أتى بعدهم قسَّموا كتاب الله – تبارك وتعالى – هذه القسمة، قالوا هناك السبع الطوال وهناك المئون وهناك المثاني وهناك المُفصَّل، فسورة آل عمران من السبع الطوال وهي سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف واختُلِف في السابعة، هل هي يُونس وحدها أو الأنفال مع براءة “الأنفال مع التوبة”؟ إما يونس وحدها وإما الأنفال مع براءة، على كلٍ سورة آل عمران هي ثانية السبع الطوال، وهذه السورة أيها الإخوة تقدَّم عند الحديث عن فضائل سورة البقرة ما يتعلَّق أيضاً بفضائلها، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – اقرأوا الزهراوين، اقرأوا البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، علماً بأن الحديث ذكرناه في فضائل سورة البقرة.

من فضائل سورة آل عمران أيضاً أيها الإخوة ما رواه الإمام أبو القاسم الطبراني في المُعجَم الأوسط بإسناده عن عبد الله بن عباس – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، قال مَن قرأ سورة آل عمران يوم الجُمعة صلى الله تعالى عليه وملائكته عليه حتى تغرب الشمس، قال صلى الله – بنفسه تبارك وتعالى – وملائكته عليه حتى تغرب الشمس، ومن فضائلها ما رواه الإمام سعيد بن منصور في سُننه وأبو بكر البيهقي في شُعب الإيمان عن عمر بن الخطاب – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – مرفوعاً أيضاً إلى رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، قال مَن قرأ البقرة وآل عمران والنساء كُتِبَ عند الله من الحُكماء، طبعاً هنا يبدو – والله تبارك وتعالى أعلم، لا نُحجِّر رحمة الله – أن القراءة هنا أخص أيها الإخوة من أن تكون مُجرَّد قراءة اللسان، هي أخص من ذلك، قراءة مع تدبر وتفهم يدعو ويبعث على العمل، وهكذا!

أيضاً من فضائل هذه السورة الكريمة ما رواه شيخ الإمام البخاري أبو بكر بن أبي شيبة في مُصنَّفه رحمة الله تعالى عليه، أن رجلاً قرأ سورة البقرة وسورة آل عمران – قرأ السورتين – فقال كعب – يعني كعب الأحبار – لقد قرأ السورتين اللتين فيهما اسم الله الأعظم، وقد تكرَّر غير مرة أن اسم الله الأعظم أيها الإخوة إما أن يكون في البقرة وآل عمران وإما أن يكون في غير ذلك، لكن في البقرة على الأقل أيها الإخوة في موضعين، وفي آل عمران في موضع واحد، في روايات أُخرى كما عند أبي داود أيضاً في سورة طه: الحي القيوم، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۩، أيضاً هو الحي القيوم، يبدو أن الحي القيوم اسم له خطره وله شرفه وله مكانته عند الله تبارك وتعالى.

في آثار إسرائيلية أو حكايا إسرائيلية أن آصف بن برخيا – عليه السلام – قيل هو الرجل الذي كان عنده علم من الكتاب ودعا بالاسم الأعظم فأُحضِر له عرش بلقيس من اليمن، قيل قال يا حي قيوم، إذن يبدو أن هذا الاسم من أقرب الأسماء أن يكون هو الاسم الأعظم، لكن يحتاج إلى قلبٍ مُخلِصٍ ونفسٍ مُوقِنةٍ بالله – تبارك وتعالى – وبوعده، نسأل الله أن يُعطينا من عطائه.

۞ الم ۞ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۞

الم ۩ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۩، تكلَّمنا كلاماً يسيراً جداً وقليلاً عن الحروف المُقطَّعة.

۞ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ۞ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ۞

نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ۩، أي القرآن، بِالْحَقِّ ۩، ما معنى بِالْحَقِّ ۩؟ لا ريب فيه ولا شك فيه، هذا معناها، بِالْحَقِّ ۩ يعني تنزيله من عند الله أمر ثابت لا يُرتاب فيه، هذا معنى بِالْحَقِّ ۩، لأن حق يحق بمعنى ثبت، فتنزيله وكونه من عند الله أو مُنزَّلاً من عند الله أمر ثابت لا مرية فيه ولا شك، هذا معنى بِالْحَقِّ ۩، كقوله لا رَيْبَ فِيهِ ۩، فهذه البداية تُشبِه بداية البقرة، هناك الم ۩ ذَلِكَ الْكِتَابُ۩، وهنا نفس الشيئ الم ۩ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۩ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ۩، هناك قال لا رَيْبَ فِيهِ ۩، هنا قال بِالْحَقِّ ۩، تشابه كبير بين البدايتين.

مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۩، مِن ماذا؟ مِن الكتاب الأول، أي مِن التوراة والإنجيل، وأيضاً هو مُصدِّق للزبور ومُصدِّق لصُحف إبراهيم ولصُحف شيت ولصُحف آدم، لقوله – تبارك وتعالى – إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ۩ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ۩، فهذا هو طبعاً، وآيات كثيرة بهذا المعنى، مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۩، لكن الأهم مِن هذا الذي تقدَّم هو التوراة والإنجيل للمعنى الذي تعلمون، ومعنى كونه مُصدِّقاً لهما أيها الإخوة أنهما أيضاً مُصدِّقان له كما أجمع العلماء، التوراة والإنجيل يُصدِّقان القرآن، التوراة والإنجيل غير المُحرَّفتين أو الأجزاء غير المُحرَّفة كما استمعنا اليوم، قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩، ما قرَّره القرآن وما أخبر به هو الحق والصدق، والتوراة الجُزء الذي لم تطله يد التحريف يُصدِّق ما قرَّره القرآن في كل المواضع، لأن كلاً من عند الله تبارك وتعالى، فمعنى كون القرآن مُصدِّقاً لما فيهما أيها الإخوة أي مُصادِقاً للحق الذي لم يزل ولم يحل ولم يتغيَّر فيهما، سواء في العقيدة أو غيرها، بالذات في باب العقائد وفي أبواب أُخرى كثيرة مما لم تطله أيضاً طائلة النسخ الإلهي.

وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ۩ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۩، أي القرآن، لأنه يفرق بين الحق والباطل، بين سبيل الرشاد وسبيل الغي، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ۩.

۞ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ۞

إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ۩، واضحة.

۞ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۞

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء ۩، هذه الآية فيها تعريض بأهل الكتاب، فيها تعريض بالنصارى، بالمسيحيين الذين يزعمون زوراً وبُهتاناً وإفكاً أن عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – هو ابنٌ لله أو هو الله ذاته، أستغفر الله العظيم، الله يقول كيف؟ كيف يكون ابناً لي؟ وهنا قد يقول لي أحدكم كيف فيها تعريض؟ فيها تعريض طبعاً، ذُكِرت التوراة والإنجيل، ثم إن سورة آل عمران مدنية، وهي من صدرها إلى ثلاث وثمانين آية نزلت جُملة واحدة، أي أن أول ثلاث وثمانين آية من سورة آل عمران نزلن دُفعة واحدة، جُملة واحدة، بأي سبب؟ بسبب قدوم وفد نجران من النصارى على رسول الله، هذا هو السبب، وفيها نقاش مُسهَب ومُطوَّل مع النصارى طبعاً وذكر لقصة مريم وعيسى وزكريا عليهم السلام أجمعين، فهي من صدرها إلى ثلاث وثمانين آية منها نزلت جُملة واحدة بسبب قدوم نصارى نجران على رسول الله، وتعلمون كان قدومهم في السنة التاسعة، أي كان مُتأخِّراً، كان قدومهم في السنة التاسعة فلذلك هي بلا ريب سورة مدنية، وهي أيضاً – كما قلنا – تُجادِل وتتعاطى مع أهل الكتاب، بالذات النصارى، ولذلك هذه الآية فيها تعريض بالنصارى، لأن عيسى بلا شك هم أيضاً يُقِرون أنه صُوِّر في رحم أمه، فالذي يُصوَّر في الرحم ويكون في ضيق الرحم ويُنقَّل من حال إلى حال لا يكون إلهاً، يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۩، فهو ينتقل من حالة إلى حالة ومن طور إلى طور، فإذن هو مُحدَث وهو ضعيف، غير مُستغنٍ بنفسه، غير قائم بذاته، أليس كذلك؟ وتنطبق عليه فلسفياً وعقلياً كل صفات المُمكِنات، كل صفات الحوادث.

قال هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩، قلنا أكثر من مرة الْعَزِيزُ ۩: المُمتنِع، لا أحد يستطيع أن يطاله بشيئ، لا بضر ولا حتى بنفع، لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولا ضري فتضروني، لا بنفعٍ ولا بضرٍن لأنه غني عن العالمين، لكن لا أحد يمتنع منه، مُمتنِع من كل شيئ ولا أحد يمتنع منه، ويستطيع أن يفعل ما يُريد – تبارك وتعالى – ولكنه يضع الشيئ في موضعه المُناسِب، وهذا معنى حكمته وأنه حكيم تبارك وتعالى.

۞ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ۞

هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ۩، العرب تقول لكل شيئٍ يكون أماً وجامعاً لأشياء تتبعه ماذا؟ تقول له وعنه: أم، قال هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ۩، إذن هناك آيات أيها الإخوة رئيسة، آيات عتيدة، آيات مقصودة، آيات يُرجَع إليها ويُؤوى إليها ويُرَد إليها غيرها، ما هي؟ الآيات المُحكَمات، وتقف بإزاهن الآيات المُتشابِهات، ما الفرق؟ هذا مبحث طويل جداً جداً، إذا أردنا أن نخوض فيه أصولياً – بحسب أصول الفقه – سوف نجد أنه مبحث طويل جداً، المُحكَم والمُتشابِه في نظر الأصوليين، أكثر تعمقاً مبحث الكلاميين أو علماء العقيدة والكلام في هذه الآية بالذات، ما هو المُحكَم من الآيات؟ وما هو المُتشابِه؟ هناك بحث مُتشعَّب وفي مُنتهى التعقيد، وللأسف تفرَّقت الأمة بسبب هذه الشؤون طرائق قدداً، إلى مُعتزِلة وخوارج وأهل سُنة أشعرية وماتُريدية وعلماء الأحاديث وطريقتهم في أخذ العقيدة من موادها وإلى آخره، والشيعة والإباضية بالذات في قضايا العقائد، باختصار ما هي المُحكَمات؟ وما هي المُتشابِهات؟ المُحكَمات أيها الإخوة نُؤمِن بها ونعمل بها، المُتشابِهات نُؤمِن بها ولا نعمل بها، المُحكَمات معناها واضح قاطع، ليست مظنة أو مظان للخلاف والاختلاف حولها، المُتشابِهات كذلك، بالعكس! ما معنى كذلك؟ مظان للاختلاف حولها، يُمكِن لو أردنا أن نبحث فيها أن نختلف وأن نتوزَّع على مذاهب شتى، ولذلك نُهينا أن نبحث في المُراد بها ومنها، وأُمِرنا أيها الإخوة أمراً واضحاً جازماً أن نردها إلى المُحكَمات، أُمِرنا أن نردها إلى المُحكَمات، نُريد أن نضرب مثلاً واحداً أيها الإخوة على الإحكام والتشابه حتى لا نُطوِّل، وهذه القضية – كما قلنا – تحتاج إلى مُحاضَرات وليس مُحاضَرة واحدة، كيف؟ مثلاً فيما يتعلَّق بالذات الإلهية – بالملك لا إله إلا هو – وصف نفسه ونعت وقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، ثم قال وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩، أثبت لنفسه كلتا صفتي السمع والبصر بعد أن نفى عن نفسه وعن ذاته كل مُماثَلة من كل وجه، ولذلك لم يكتف بقوله ليس مثله شيئ، إنما قال لَيْسَ كَمِثْلِهِ ۩، وشرحناها مرة وقلنا ما وجه البلاغة التي فيها، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩ أبلغ بكثير مما لو قال ليس مثله شيئ، قال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩، إذن أيها الإخوة إذا سمعنا أن الله سميع نقول نعم سميع لكن بالقطع – بالقطع أيها الإخوة واليقين – لا يسمع على نحو ما نسمع نحن، أليس كذلك؟ لا يسمع بالصماخ، لا يسمع بأُذن، مُستحيل! لا يسمع بجهاز، مُستحيل! لأن هذا يقتضي التركيب، وكل مُتركِّبة هي عُرضة للفساد، الله ليس مُركَّباً، الكائنات كلها مُركَّبة من أجزاء، الله يستحيل أن نقوله إنه مُركَّب من أجزاء، حاشا لله، لو كان مُركَّباً من أجزاء لافتقر كل جُزء إلى الآخر، أليس كذلك؟ والافتقار من علامة الحدوث، من علامة الخلق، أي أن الشيئ مخلوق، مبحث عقيدي فلسفي مُطوَّل هذا، لا نُريد أن نُصدِّع رؤوسكم به.

إذن الله يسمع لكن على نحو ما نسمع، الله يُبصِر لكن لا على نحو ما نُبصِر، بعض البُله أيها الإخوة وضيقي العطن من المُتقدِّمين المُتمعقِلين في هذه الأمة نفوا حتى هاتين الصفتين، قالوا كيف يكون سميعاً بصيراً؟ قالوا لا، وكانوا يقرأون أمثال هاته الآية هكذا: وهو العليم الحكيم، أستغفر الله العظيم، قالوا العلم والحكم مُمكِن، لكن السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩ غير مُمكِن، أغبياء! حتى في العلم كيف يعلم إذن؟ الإنسان له طرق ووسائل مُعيَّنة يصطنعها ويركبها للعلم، الله لا يصطنع هذه الوسائل، أليس كذلك؟ الأشياء حاضرة بذواتها عند الله، لا يُوجَد توسيط، وأنت لا تستطيع في الدنيا أن تتعرَّف أي شيئ إلا بتوسيط، أليس كذلك؟ لابد من هذا، الله علمه يختلف تماماً، إذن مثلما أيقنت وأقررت بصفة العلم أقِر بجميع الصفات وبسائر الصفات: سميع، بصير، عزيز، حكيم، كذا، كذا وإلى آخره على النحو الذي يليق به مما لا نعرفه، لماذا؟ لأن اختلاف الذوات يُوجِب تباين الصفات، أليس كذلك؟ الآن – مثلاً – لو قلنا القط أو الهر عنده علم – عنده علم، أكيد! نوع من العلم – وأنت عندك علم هل يكون علمه من جنس علمك؟ هل إدراكه من جنس إدراك الإنسان؟ مُستحيل، هذه رُتبة وهذه رُتبة، ولذلك حتى الصفة الواحدة إذا أُسنِدت أيها الإخوة إلى ذوات غير مُتماثِلة يختلف معناها، أي يختلف معنى الصفة، أليس كذلك؟ يختلف معنى الصفة، فكيف بذات الله لا إله إلا هو؟ مُستحيل، ليس مثلها أي ذات مُطلَقاً، فكل صفات الله ليس مثلها أي صفات، ومن ثم نقتنع بهذا ونُؤمِن، ليس عندنا أي مُشكِلة، ولذلك حين نقول الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ۩ قد يقول أحدكم كيف استوى؟ الاستواء في اللُغة تعني الجلوس – هكذا كما أجلس على الكرسي، أستغفر الله العظيم – والاستقرار، الاستواء معناها الاعتدال، استوت الشمس في كبد السماء، استوت كفتا الميزان، وكذلك الاعتدال المعنوي، استوى الخصم وخصمه أمام قاضي القوم مثلاً، يقولون بأي معنى اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩؟ ولا بأي معنى من هاته المعاني أبداً، لا يليق بالله أي معنى منها، فعل فعلاً في العرش سواه الاستواء، ما هو؟ لا ندري، كيف هو؟ لا ندري، نحن لا ندري! هل فهمتم؟ ولذلك الإمام مالك – قدَّس الله سره – حين سُئل في هذه المسألة أجاب بجواب – سُبحان الله – أصبح كالمثل السائر، الكل يُردِّده! وكان إماماً ربانياً مُوفَّقاً، جاءه رجل وليس من أهل المدينة – رجل مُبتدِع عنده والعياذ بالله زيغ في قلبه لأنه من الذين يبحثون في المُتشابِه، وسوف نرى الآية ماذا تقول، يُوجَد زيغ في قلبه، أي ميلان – وسأله قائلاً يا أبا عبد الله جئتك من بلاد بعيدة أسألك هذه المسألة، قال ما هي هذه المسألة؟ قال الاستواء، قال الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ۩، وقال أيضاً ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩، هناك ست آيات، آية الاستواء تكرَّرت أيها الإخوة في ست آيات من كتاب الله تبارك وتعالى، ذكر الله عن نفسه وعن ذاته الجليلة الشريفة – تبارك وتعالى – أنه استوى على العرش، قال له والاستواء معلوم، إذا كنت تُريد الاستواء في اللُغة العربية فنحن نعرفه، كما شرحت لكم قبل قليل استوى بمعنى استقر وبمعنى جلس، لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ۩، على ظهور الأنعام وعلى ظهر الدابة، واستوى بمعنى اعتدل، اعتدال مادي أو اعتدال معنوي، معروف في اللُغة العربية معنى الاستواء، له ست معانٍ على كل حال، قال الاستواء معلوم والكيف مجهول، نعلم الاستواء لكن كيف استوى الله تبارك وتعالى؟ لا نعلم، وتُروى هذه الرواية أيضاً الاستواء غير معلوم والكيف مجهول، يقصد في حق الله غير معلوم ما هو الاستواء، لا نعرف! لا تستطيع أن تقول أنه استوى بمعنى من هذه المعاني الستة، غير صحيح! وأنا أميل إلى هذه الرواية الثانية، أي إلى قوله الاستواء غير معلوم والكيف – الكيفية أيضاً – مجهول، والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب، أُغرب عني ما أحسبك إلا مُبتدِعاً، قال والله يا أبا عبد الله لقد شرَّقت وغرَّبت ما رأيت أحداً توقَّف فيها توقفك، هو يقصدك ماذا؟ لا يقصد التوقف بالمعنى المعروف وإنما يقصد أنه وُفِّق فيها فعلاً إلى مقطع الحق إن شاء الله تبارك وتعالى.

روى البخاري ومُسلِم والإمام أحمد وغيرهم كثيرٌ كثيرٌ عن أم المُؤمِنين عائشة – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين – قالت تلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذه الآية هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ۩ النبي تلا هذه الآية كلها -، ثم قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إذا رأيتم الذين يتبعونه – أي يبحثون في المُتشابِه – فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم، النبي قال انتبهوا، معكم إشارة إلهية، أي إنسان يبدأ يطرح على الناس ذلك احذروه، ولذلك لا نستحب أيها الإخوة شغل عوام المُسلِمين بأمثال هذه المسائل، كأن نقول اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩ قال فيها المُعتزِلة وقال الأشاعرة ونقول نحن وقال فقهاء الحديث وقال كذا وقال فلان وقال ابن تيمية ورد عليه فلان وقال أبو الحسن الأشعري وقال الغزّالي وقال ابن فورك وقال الشهرستاني وقال الرازي وقال فلان وعلان، لماذا؟ لماذا تُشغَل العوام بهذه الأشياء؟ نحمد الله – تبارك وتعالى – وهذا من جميل توفيقه، هذه المسائل بحمد الله بعض أهل العلم يعرفونها مُنذ نعومة أظفارهم، لكن لم يشتغلوا ولم يشغلوا عباد الله بها، لا تُعطى هذه في دروس وفي خُطب وفي مُحاضَرات للناس أبداً، فقط نقول لأنفسنا ولإخواننا – وهذا مذهب أهل السُنة والجماعة ومذهب السلف، مذهب الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وقرون الخير، ماذا نقول؟ – اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩ كما قال بالمعنى الذي يُريد وبالكيف الذي يُريد هو مما لا نعرف نحن، ونُقطة، الحمد لله، هذا كافٍ، أليس كذلك؟ عقيدة سليمة، لا ندخل لا في تأويل ولا في تعطيل ولا في مُحاسَبة المذاهب ولا في شغل قلوبنا وقلوب العوام ونبدأ بعد ذلك نُوزِّع تُهم التكفير والتشريك والتبديع على المُسلِمين، كأن نقول هذه فرقة ضالة وهذه فرقة مُشرِكة وهذه فرقة زنديقة، لا يجوز! لا يجوز هذا، النبي نهانا أن نبحث في هذه المسائل، نكتفي بما قاله الله فيها، هل هذا واضح؟ هذه سبيل أقوم وأزكى وأتقى وأوقى وأنقى إن شاء الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يعصمنا وأن يحفظنا بالذات في أبواب العقائد، أيها الإخوة يقول السادة العلماء الخطأ في الفروع – أي في مسألة حلال وحرام وما إلى ذلك – يُرجّى له الغفران – يُمكِن أن يغفر ربنا لك الخطأ في المسألة الفرعية – والخطأ في الأصول – ما المُراد بالأصول؟ العقيدة – يُوجِب التخليد في النيران، عقيدة! لا يُوجَد لعب في العقيدة، وإياكم من هذا، الإمام الأعظم أبو حنيفة – قدَّس الله سره الكريم – أيها الإخوة عنده كُتيبات هكذا صنَّفها في علم الكلام، أي في الاحتجاج العقلي وفي المُحاجَة العقلية لقضايا الاعتقاد، هل هذا واضح؟ وهذه طريقته وبيَّن طريقة السلف الأولين من الصحابة – مثلاً – وكبار التابعين، طريقة جديدة كانت، لكن أبا حنيفة كان ينهى أشد النهي ويُنكِر أشد النكير على مَن يتكلَّم في علم الكلام، وسمع يوماً ابنه يُباحِث في هذا العلم فانتهره انتهاراً شديداً، قال له يا أبتِ لقد رأيتك تتكلَّم في هذا العلم – أي أنت نفسك تتكلَّم – وفلاناً من أندادك، قال يا بُني تالله لقد كنا نتكلَّم فيه وكأن على رؤوسنا الطير، أنا ومَن أُحاجِجه من العلماء الربانيين من أمثالي، لماذا؟ مخافة أن يضل صاحبنا فيهلك، الواحد منا كان حريصاً على أن أخاه – العالم الآخر – لا يُخطيء في العقيدة، وأنتم تتباحثون وأحدكم حريصٌ كل الحرص على أن يُضلِّل أخاه، أن تُريد منه أن يغلط، أنت تُحِب أن يغلط أصلاً ومن ثم تقول له أرأيت؟ لقد كفرت، هذا زنديق، احذروه يا ناس، ما هذا؟ هذه ليست طريقة المُسلِمين، بالعكس المُسلِم يكون حزيناً جداً جداً جداً إذا ضل أحد المُسلِمين ضلالاً فرعياً، يحزن إذا إنسان ترك الصلاة أو شرب الخمر أو ارتكب فاحشة، أليس كذلك؟ فكيف يفرح بإنسان يكفر؟ كيف تكون حريصاً على تكفيره؟ تُريد أن تُناقِشه وأن تُعثِّره وأن تُوعِّر أمامه الطريق وتُريد أن تختلط عليه وجوه الحق وتلتبس لكي تُشنِّع عليه بعد ذلك وتصمه بوصمة الكفر، والله ما هذه بأخلاق المُؤمِنين ولا بأخلاق الربانيين ولا بأخلاق طلّاب العلم، نسأل الله العصمة والتسديد، فالموضوع خطير وحسّاس جداً، قال النبي فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم، صفة! الذي تجده يشغل الناس العامة بهذه المسائل ابعد عنه حتى لو لحيته خمسة أمتار، لا تتكلَّم معه، فهو يشغل العوام أيضاً، العوام ماذا تعرف في القضايا المُعقَّدة جداً هذه؟ أليس كذلك؟ هذه العلماء ضلوا فيها وتاهوا، أليس كذلك؟ هذه مزلات أقدام ومضلة أفهام كما قال العلماء، مضائق! مضائق النظر هذه، لا يستطيعها إلا القلة القلة من العلماء، كيف نشغل بها العوام ونذكر لهم اختلافات كبار الأئمة والعلماء؟ هذا لا يجوز لعمر الحق أيها الإخوة.

الفاروق عمر وهو إمام الأمة المُلهَم – عليه الرضوان والرحمة – سمع عن رجل في عصره يُقال له ضُبيع ويُقال له صَبيغ، إما صَبيغ وإما ضُبيع، اختُلِف في اسمه، على كل حال لا يهمنا اسمه صَبيغ أو ضُبيع، هذا الرجل جاء المدينة المُنوَّرة – يبدو أنه وافد أيضاً عليه ومُبتدِع – وبدأ يشغل الناس بهذه القضايا، يقول وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ۩، كيف جاء؟ كيف جاء الله؟ كيف يجيء؟ هل يتحرَّك وينتقل ويخلو منه مكان ويحل في مكان؟ أستغفر الله العظيم، قال الله اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ۩، وقال أيضاً يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۩، فضلاً عن أنه قال لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۩، وقال وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ۩، قضايا مثل هذه القضايا وآيات مثل هذه الآيات، هذه الآيات مُتشابِهة، هذه آيات مُتشابِهة! قال الله تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ۩، وهكذا! هل لله أعين؟ هل لله كذا وكذا؟ ما هذا؟ ما القصة هذه؟ وهكذا! فعمر سمع به وقد بدأ يفتن الناس فأخذ عرجوناً – عرجون نخل أو شمراخاً – وقال له تعال، ما اسمك؟ قال له أنا عبد الله صَبيغ، قال له وأنا عبد الله عمر، خُذ – ضربه – وخُذ، طبعاً أمير المُؤمِنين هذا، أتُكفِّر أمة محمد أنت بهبلك هذا؟ جعله يضربه حتى فجه، أي فتح له رأسه ونزل دم، قال له حسبي يا أمير المُؤمِنين، والله لقد زايلني ما كنت أجد، أي كأن رأسي كان مُسمَّماً ولما نزل الدم اختلف الأمر، وعمر مُلهَم بالمُناسَبة، عمر مُلهَم، عمر رجل مُلهَم فلا تظنوا أنه رجل مثلنا يتكلَّم وأنه شيخ وما إلى ذلك، عمر ولي من أولياء الله الكبار جداً جداً، عمر من رجال الله، ليس فقط صحابياً عادياً، النبي شهد له، قال له يا ابن الخطاب لو سلكت فجاً لسلك الشيطان فجاً غيره، إن الشيطان ليفرق من ظل ابن الخطاب الرسول يقول، يرتجف من ظله! رجل رباني، الإيمان قوي جداً في قلبه، ليس عنده حظ نفس، عمر حين كان يشعر بنوع من الغطرسة والكبر البسيط في نفسه مُباشَرةً وأمام الناس يذم نفسه، هاه – قال – يا ابن الخطاب، سقى الله – قال لنفسه – أياماً كنت ترعى فيها يا ابن الخطاب الإبل على قراريط في مكة، أي يا راعٍ، يا رويعي الإبل، فابنه قال له يا أبتِ لِمَ تحط من نفسك؟ لماذا تحقر نفسك؟ لماذا تقول أمام الناس أنت كنت مُجرَّد راعٍ يُعطونه بعض القراريط وبعض الدراهم؟ قال له يا بُني اسكت، رأيتها شمخت قليلاً فأردت أن أضعها، ممنوع أن تتكبَّر، ليس عنده حظ للنفس، والعبد يتشحَّر ويُصبِح فعلاً ربانياً حقاً والله يفتح عليه فتوح العارفين ويُقرِّبه تقريب الصدّيقين متى؟ إذا أمات نفسه وأحياها بالله، إذا أمات هوى نفسه بالكامل الله يُعطيه عطاءً عجيباً جداً، وفعلاً يُصبِح عبداً ربانياً لو أقسم على الله لأبره، في الحديث القدسي لو سأل الله الدنيا لاستقلها عليه، قليلة – يقول له – يا عبدي، الدنيا كلها حين تُعطي لك تكون قليلة عليك، قليلة! لابد أن نغار ونكون أمثال هؤلاء الناس، لابد أن نُحاوِل السير في الطريق هذا، لا أن نتبع شهواتنا ونتبع أهواءنا والعياذ بالله، أي شيئ النفس تقوله نمشي عليه ونُبرِّره دينياً، لا ينفع! هذا لعب ولن ينفع عند الله، لن ينفع أبداً، وعاقبته – والعياذ بالله – مسخ، مسخ للقلب وللبصر وللبصيرة، فعمر بإلهامه عرف ان هذا الرجل مسكون، دخل شيطان في دماغه، لأن هذه الأفكار شيطانية، فربما أُلهِم أنه لو ساح دمه – إن شاء الله – يبرأ من هذه العلة، وإلا لماذا ضربه؟ على دماغه ضرب هذا المسكين، قال له خُذ وخُذ حتى فجه فسال الدم، قال له حسبي، والله لقد زايلني ما كنت أجد، ذهب قال له، ذهب واستبصر الرجل، كالمركوب كان، كالممسوس! قال شغل عباد الله من الصحابة والتابعين بالقضايا هذه، يقول واستوى ولم يستو وجاء ولم يجئ وما إلى ذلك، ما علاقتنا بالأشياء هذه يا أخي؟ لا نعرف وينتهي الأمر، لأن ذات الله ليس لها شبيه، أليس كذلك؟ فكل صفات الله ليس لها شبيه، أليس كذلك؟ ونرتاح، والحمد لله أنتم لاحظوا الآن – مثلاً – أن هؤلاء الأغبياء الذين لم يقولوا السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩ وقالوا العليم الحكيم أو العزيز الحكيم، أغبياء! يا سيدي اليوم عندك جهاز التسجيل – Recorder – أليس كذلك؟ هل هو سميع أم غير سميع؟ سميع يا حبيبي، ومن غير صماخ ومن غير أُذن وسطى وأُذن خارجية ومن غير أي شيئ، ومن غير دماغ حتى مثل دماغك، ومع ذلك يسمع، وأي شيئ تقوله يُسجِّله لك أيضاً، إذا كان هذا الشيئ الذي خلقه الإنسان وصنعه الإنسان وركَّبه الإنسان فيه مثل حاسة السمع من غير صماخ فهل كبيرة على رب العزة أن يسمع يا سيدي بطريقة غير التي تسمع بها أنت؟ أرأيتم كيف؟ هذه هي.

قال لك أنه بصير، كيف يكون بصيراً؟ لا يتخيَّل البُله ضيقو العطن والفكر أنه يقدر على أن يبصر إلا بباصرة مثل هذه، لابد من محجر وموق وعين بسواد وبياض وأجفان وأهداب وشبكية وإلى آخره، لابد من العينين التي فيها صفة البصر، كذَّبوا بالقرآن، كذَّبوا بالقرآن تكذيباً، كفر هذا، حين تُكذِّب بشطر كلمة تكون كافراً، الآن كيف الجواب؟ هناك الكاميرات Cameras، أليس كذلك؟ هناك الكاميرا الديجيتال Digital Camera وغير الديجيتال Digital وما إلى ذلك، هذه الكاميرا Camera الإنسان هو الذي صنعها، ما هذه؟ كل هذه تقنيات عالية دقيقة جداً وبعض الزجاج مع بعض البلاستيك وما إلى ذلك فتذهب وتجيء وتُصوِّر بدقة غير عادية، أكثر من عينيك أحياناً، أليس كذلك؟ تُقرِّب لك العبيد وتُبعِّد لك القريب وتأتي بكذا وكذا، وعندنا عدسات التلسكوب Telescope وعدسات الميكروسكوب Microscope وما إلى ذلك، فهذا الجهاز بصير، هل هو بصير بطريقتك؟ بطريقة ثانية مُختلِفة تماماً، فهل بعيد على رب العزة أن يُبصِر بطريقة مُختلِفة؟ أبداً، مساكين نحن، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩.

إذن أيها الإخوة باختصار إذا وجدنا أي آية مُتشابِهة ماذا نفعل؟ ومعنى المُتشابِهة أنها تحتمل أكثر من معنى بحيث لا يكون لمعنى استحقاقٌ في الإرادة على معنى، كيف يكون لمعنى استحقاقٌ في الإرادة على معنى؟ أن هذا يستحق أن يكون مُراداً عند الله أكثر من هذا، هذا الله يُريده، الله يُريد هذا المعنى، أنت لا تقدر على أن تعرف هو هذا أم هذا أم هذا أم هذا أم هذا أو أنك لا تعرف بالمرة، فماذا تفعل؟ ترد المُتشابِه إلى المُحكَم، فما المُحكَم؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، انتهى! سوف ترتاح، أبو بكر الصديق عنده كلمة عجيبة جداً وهي جامعة مانعة، قال كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، أرأيت؟ قال كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، يا سيدي الجنة وهي من مصنوعات الله ما فيها؟ ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، إذا الجنة وهي مخلوقة النبي قال لا تستطيع أن تتصوَّرها – لا تستطيع – أفتستطيع أن تتصوَّر الملك الجليل؟ لن تقدر، لن تقدر يا أخي، أكبر من عقلك بكثير.

هل يستطيع أيها الإخوة الإنسان بفنجان أن ينزح البحر المُحيط؟ هل تستطيع بفنجان أن تنزحه من مرة واحدة؟ هل يُمكِن بضربة وحدة أن تنزح المُحيط كله بفنجان؟ يستحيل! ويستحيل بعقلك هذا الحقير الضئيل الصغير الذي لا يُعَد شيئاً بالنسبة إلى عظمة الله أن تتصوَّر أو تُكيِّف ذات الله أو صفات الله، يستحيل! أليس كذلك؟ أكبر بكثير، ولذلك هو قنَّطك وأيأسك من أن تصل إلى هذه الرُتبة أو أن تُدندِن نحلة عقلك حول ذاك الحمى الأعز الأحمى بقوله هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ۩، كيف هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ۩؟ قال لك هو هذا، هُوَ الْأَوَّلُ ۩ بلا أولية، وَالْآخِرُ ۩ بلا آخرية، وفي نفس الوقت! وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۩، لا إله إلا الله، ظاهر؟ قال لك ظاهر، وباطن! يا إلهي، ما معنى وَالظَّاهِرُۖ ۩؟ كيف هو ظاهر تبارك وتعالى؟ قال لك ظاهر ومن شدة ظهوره يخفى على الناس، من شدة ظهوره يخفى، أظهر من كل شيئ.

اليوم سوف نقرأ في هذه السورة الكريمة شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۩، وإذا يسَّر الله تبارك وتعالى – وكم لي من هذه المواعيد للأسف – بعد رمضان – إن شئتم – سوف نشرح لكم كيف هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۩ وكيف هو يشهد على نفسه وكيف قال في آخر فُصِّلت أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۩، وهذه الآيات وأمثالها كلها أيها الإخوة يُوضِّحها أحسن توضيحاً وأعمقه برهان عجيب لم يهتد إليه فكرٌ بشريٌ مُطلَقاً قط إلا الفكر الإسلامي، فكر الفلاسفة والعرفاء أو العارفين الإسلاميين في ضوء القرآن الكريم، برهان غريب، أقوى من جميع البراهين الفلسفية والمنطقية على وجود الله، اسمه برهان الصدّيقين، شرحته قديماً في مسجد الهداية عدة مرات لكن شرحاً ميسوراً، فإن شئتم – إن شاء الله – عقدنا مُحاضَرة مُطوَّلة من ثلاث أو أربع ساعات حول برهان الصدّيقين، وسوف ترون أن الله – تبارك وتعالى – بوجوده وظهوره هو دليل على كل شيئ، لا أنه يُستدَل بالأشياء عليه، هل فهمتم؟ أصعب مما نتخيَّل، وهنا قد يقول أحدكم لا، نحن ننظر في الأشياء ونستدل بها على الله، وهذا موجود لكن لمَن؟ هذا للضُعفاء والعاديين من أمثالنا، لكن الناس العارفين والعقول الضخمة جداً جداً والناس غير العاديين والاستثنائيين ماذا يفعلون؟ العكس تماماً، يرون أن كل شيئ ليس له قيمة وليس له برهان يتبرهن به وجوده إلا ماذا؟ إلا بالله، فالله هو برهان وجود الموجودات، كل شيئ خافٍ، الله هو الذي يُظهِر هذه الخفيات ويُعطيها لباس الوجود، برهان عجيب، عكس ما يتوقَّع الناس العاديين، اسمه برهان الصدّيقين، فجلّ جلاله وعزّ شأنه وحميَ مجده تبارك وتعالى – أي والله – وتعاظم في آلائه وأسمائه وصفاته وأنعامه وطوله لا إله إلا هو، نسأل الله حُسن الاعتقاد.

قال فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ۩، الزيغ هو الميل والعياذ بالله، الميل عن ماذا؟ عن الحق، فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ۩، لماذا؟ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ ۩، والعياذ بالله عندهم مسلك شيطاني، يُحِبون فتنة المُوحِّدين، يُحِبون فتنة المُسلِمين، وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ۩، يُحِبون أن يعرفوا تأويل هذا الشيئ، باختصار كلمة التأويل في القرآن الكريم لها معنيان أيها الإخوة، كلمة التأويل في كتاب الله لها معنيان، المعنى الأول حقيقة الشيئ التي يؤول إليها الشيئ، الحقيقة التي يؤول إليها الشيئ، مثلاً الله – تبارك وتعالى – أخبرنا عن الجنة والنار، أليس كذلك؟ ما هو تأويل خبر الله عن الجنة والنار؟ ما هو؟ يوم القيامة أن نرى الجنة والنار، ندخل الجنة – إن شاء الله – ويدخلون النار، هذا تأويل خبر الله، هل هذا واضح؟ كيف هذا؟ قال – تبارك وتعالى – بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ۩، وقال – تبارك وتعالى – هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩، كيف يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ۩؟ يوم يرون مصداق حقيقة ما أخبر عنه الله ورسوله، أمامهم أو قدامهم يرونه، يقولون نعم، والله هذا صح، جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۩، قالول لنا هناك جنة ونار وهناك ميزان وهناك حشر وهناك نشر وهناك شفاعة وهناك كذا وكذا، والله كل هذا صحيح، هذا معنى التأويل، هل فهمتم؟ هو حقيقة الشيئ التي يؤول إليها الشيئ، لأنه في الأصل من الأوْل، وما هو الأوْل؟ الرجوع، يُقال رجع المعنى إلى كذا، أي آل وانتهى واستقر على كذا، هل هذا واضح؟ هذا هو الأوْل، وأيضاً يوسف – عليه السلام – ماذا قال؟ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۩، كيف هَذَا ۩؟ الإشارة بــ هَذَا ۩ لماذا؟ للمشهد، يُوجَد مشهد هنا، مشهد مسرحي قدامنا، أليس كذلك؟ يوسف على العرش وقد سجدوا له، فماذا قال؟ هَذَا – هذا المشهد الذي تراه أنت الآن – تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ ۩، لما رأى ماذا؟ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ۩، قال له هذا هو، هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ ۩، ما معنى تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ ۩؟ تحققها في الواقع، لقد رجعت إلى أمر واقع حقيقي، هذا معنى التأويل، وهناك تأويل بمعنى كلكم تعرفونه وهو مطروق للناس العوام والخاص، ما هو؟ بيان الشيئ وتفسيره وإيضاح معناه، يُسمونه التأويل، وهو المُصطلَح الذي يدرج عليه أو يذكره العلّامة الجليل ابن جرير الطبري في تفسيره، يقول ماذا؟ القول في تأويل هذه الآية كذا وكذا، وأحياناً كثيرة يقول القول في تفسير الآية، وهو بالمُناسَبة من العلماء الذين يستخدمون التأويل بمعنى التفسير، لا يُفرِّق! هناك علماء مُتأخِّرون يُفرِّقون، التفسير شيئ والتأويل شيئ، وبينهما أربعة فروق لن نُطوِّل بذكرها أيضاً، مَن أحب معرفتها فليعد إلى علوم القرآن، أربعة فروق بين التفسير وبين التأويل، إذن الآن وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ۩، الأرجح هنا وابتغاء معناه، يُريدون أن يعرفوا معناه المُراد في علم الله، وهذا ممنوع، سوف نرى!

قال تعالى وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ ۩، الآن اختلف السادة القرأة أو القرّاء والعلماء أيضاً المُفسِّرون وعلماء العقيدة أين ينبغي الوقوف هنا، يُمكِن أن نقول وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ ۩، (م) وقف لازم ثم نستأنف ونقول ماذا؟ جُملة خبرية، جملة فيها مُبتدأ وخبر: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ۩ “خبرها”، جُملة وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ۩ مبتدأ، خبرها ماذا؟ يَقُولُونَ ۩، هذه طريقة، أن الوقف يلزم على ماذا؟ على لفظ الجلالة، إذن وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ ۩، هل هناك طماعية أو مدخل للإطماع – إطماع الراسخين في العلم – في أن يعرفوا تأويله؟ لا، هنا الله قطع طماعية الراسخين حتى، ليس الجاهلين والمُتعجِرفين فقط بل وحتى الراسخين قطع المولى طماعيتهم أن يعرفوا تأويله، قال إِلاَّ اللَّهُ ۩، أي  إِلاَّ اللَّهُ ۩ وحده، أما أنتم معاشر الراسخين في العلم – الله يقول – ما طريقتكم؟ أن تقولوا آمَنَّا بِهِ ۩، إذن يُؤمَن به دون أن يُطلَب تأويله، يُؤمَن به ولا يُعمَل به، نُؤمِن به، إيمان! مسألة إيمانية وليست من مسائل الأحكام التي تتعلَّق بحلال وحرام نعمل به، لا يصلح للعمل، كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۩، هذه طريقة، وطريقة أُخرى هكذا: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ۩، إذن الراسخون يعلمون أو لا يعلمون؟ يعلمون أيضاً، لكن ليس كل أحد.

يُروى عن ابن عباس أنه كان يقول أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله، ويُروى عنه الطريقة الأُخرى، وبالمُناسَبة يُوجَد أثر مشهور جداً عن عبد الله بن عباس وهو أثر في مُنتهى الجودة، من حيث المعنى أقصد وليس من حيث السند، معناه في مُنتهى الجودة، كان يقول التفسير على أربعة أنحاء، أي تفسير القرآن الكريم على أربعة أنحاء، تفسيرٌ لا يجهله أحد، وهذا موجود، الآن – مثلاً – لو قرأنا آية إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ۩ هل سيخفى منها على أحد فيكم؟ لا، الله يعلم كل شيئ، سواء كان كبيراً أو صغيراً وسواء كان في الليل أو النهار، أي مُسلِم عادي يعرف هذا، آية واضحة جداً ومُحكَمة شديدة الإحكام وقريبة الدلالة، قال تفسير لا يخفى على أحد، أي فهمه، وتفسير تعرفه العرب بلُغتها، أي بديوان شعرها وكلامها، هذا يعني أن لا يعرفه كل أحد، يعرفه مَن؟ المُتفنِّن في فصيح كلام العرب شعره ونثره ورجزه وإلى آخره، مَن يعرف هذا يقدر على أن يعرف المعنى، وابن عباس كان أستاذاً في هذا الشيئ، كان يحفظ – ما شاء الله – آلاف الأبيات من الشعر، وكل كلمة في القرآن حين تسأله عنها يأتي لك بشاهد من الشعر عليها، عنده قدرة عجيبة في هذا الشيئ، سيدنا عمر ماذا كان يقول؟ كان يقول تعلَّموا الشعر وتحفَّظوه فإنه ديوان العرب وفيه تفسير كتابكم، فهذا تأكيد لكلام الحبر، أن هناك آيات مُعيَّنة لا تُفسَّر إلا وفاق لُغة العرب وطريقة العرب في التبيين أو البيان، ولا يصلح أن يأتينا فلان وعلان – لن نذكر أسماء طبعاً، لا نغتاب أحد من هؤلاء في رمضان حتى لا يأخذوا حسناتنا – مِمَن يدّعون الفهم والفلسفة والعقلانية ويُفسِّر كتاب الله وهو يجهل اللُغة العربية، أليس كذلك؟ كارثة، أنا – والله – أرتجف وأتمرَّر، يُصيبني نوع من الألم الشديد، وبعض الناس يستغربون، يقولون هذا الرجل ما له؟ هل هو ممسوس أم ماذا؟ ما قصته؟ أتألَّم ألماً شديداً جداً حين يظهر هؤلاء في التلفزيون Television سواء كانوا مشايخ أو غير مشايخ وعلمانيين أو إسلاميين وكبار أو صغار ومُلتحين أو غير مُلتحين، ويتكلَّم الواحد منهم في القرآن بالذات أو الدين ولُغته العربية صفر، أنزعج انزعاجاً شديداً، قبل يومين رأيت شاباً يتكلَّم في التفسير وكان – والله العظيم – يقرأ القرآن خطأً، يقرأ خطأً يا أخي، يقرأ من القرآن الكريم فنجعل لعنةُ “بالضم” الله على الظالمين، هل هذا خطأ؟ لعنةُ مفعول به مرفوع؟ ما هذا يا أخي؟ ويتكلَّم في القرآن ويُفسِّر على أساس أنه رجل فاهم، شيئ مُزعِج جداً، لماذا؟ لماذا في الدين بالذات؟ ويقولون لماذا الناس الآن في ضلال وفي فرق كثيرة جداً وفي اختلاف في فهم الإسلام وفي حيرة؟ من هذا، كان الشيخ محمد الغزّالي المسكين يغضب جداً، ماذا يقول؟ يقول هل الإسلام بطن حمار كل حمار يتكلَّم فيه؟ والله العظيم يا أخي شيئ عجيب، غير مُمكِن، غير مُمكِن أن يُؤخَذ هذا الإسلام، كان محمد فريد وجدي رحمه الله – العلّامة المصري من أصل تركي، أول موسوعة عربية ألَّفها وحده، ألَّف موسوعة كاملة وحده، وهي دائرة معارف القرن العشرين – يقول الإسلام أجل من أن يُؤخَذ عن أفواه الحمقى والمُغفَّلين، يأتي إلينا كل أهبل لكي يتكلَّم في الدين ويُظهِرونه في الفضائيات وما إلى ذلك، يخرجون في المساجد ويدّعون أنهم مشايخ وهم لا يفهمون شيئاً، مُشكِلة كبيرة هذه يا إخواني، مُشكِل – والله – عجيب، إذن التفسير الثاني أيها الإخوة لابد أن يكون وفاق قانون العربية، لابد أن تكون مُتفنِّناً وتعرف العربية نحواً وصرفاً وتعرف الشعر وتعرف النثر وإلى آخره، لابد أن تعرف الأشياء هذه، والتفسير الثالث تفسير لا يعرفه إلا الراسخون في العلم، هذا يعني أن حتى معرفتك بالعربية وما إلى ذلك ليس كافياً، لابد أن تكون مُتفنِّناً، مثل مَن؟ مثل ابن عباس أو قريب منه قليلاً، وصعب أن تكون قريباً منه، وهو كان يفتخر ويقول – وهذا من باب التحدث بنعمة الله – أنا من الراسخين، وأنا من الذين يعلمون، ليس كبراً هذا، هو يعرف نفسه، الله أعطاه الشيئ هذا، والنبي كما تعرفون دعا له الدعوة المشهورة، قال اللهم فقِّهه في الدين وعلِّمه التأويل، كان عنده قدرة قرآنية عجيبة، رجل قرآني، هو ترجمان القرآن، ما معنى الترجمان؟ المُفسِّر، الذي يقدر على أن يُفسِّر جيداً، لأن الترجمة هي نقل المعنى لكن من لُغة إلى لُغة، أليس كذلك؟ فكأن القرآن له لُغة، لُغة إلهية طبعاً، أليس كذلك؟ قلباً وقالباً، لكي ننقل المعنى من هذه اللُغة الإلهية إلى لُغة مُعتادة فنُفهِّم الناس نحتاج إلى شخص مُترجِم، أي مُفسِّر عال الكعب وراسخ القدم وصاحب حول وطول في هذا العلم، ابن عباس كان كذلك، حبر الأمة عليه الرضوان والرحمة، وآخر نوع من التفسير هو ماذا؟ تفسير لا يعلمه إلا الله، هذا يعني – إن صح عن ابن عباس – أنه أيضاً يقول بالمذهب الأول، أن الوقف على ماذا؟ إِلاَّ اللَّهُ ۩، والراسخون حتى لا يعلمون، إن صح هذا، وهذا الأثر مرويٌ أيها الإخوة – يبدو أنه أثر جيد – عن السيدة عائشة في مراتب التفسير – نفس الكلام – ومروي عن أبي الشعثاء – وأبو الشعثاء ليس صحابياً طبعاً، هو تابعي جليل من الطبقة الثالثة أيضاً، من كبار وسطى التابعين، تُوفيَ قبل المائة رحمة الله عليه، اسمه جابر بن زيد، مشهور جداً أبو الشعثاء، ليس أبي الشعثاء الذي له علاقة بالجاحظ وتقرأون عنه في الأدب، أبو الشعثاء هذا عالم مُفسِّر مُحدِّث سيد من سادة التابعين، من كبار وسطى التابعين – وأيضاً مروي عن أبي نَهيك، ليس نُهيك وإنما نَهيك، وأيضاً أبو نَهيك من الثالثة، ثقة كما قال علماء الجرح والتعديل، تابعي جليل أيضاً أبو نَهيك، أبو نَهيك وأبو الشعثاء وعائشة وابن عباس قالوا التفسير على أربعة أنحاء هي ما ذكرناها لكم والله – تبارك وتعالى – أعلم.

وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ ۩، ما معنى كُلٌّ ۩؟ المُحكَم والمُتشابِه، مُحكَمه من عند الله ومُتشابِهه من عند الله، كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ ۩، أي وما يتذكَّر، إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ۩، ما الألباب؟ جمع لُب، ما اللُب؟ العقل، كأن الإنسان قشر ولُب، أليس كذلك؟ شكلك وعيناك ومنخارك وأذناك وكرافتتك كل هذا قشر، مثل قشر الجوز، ليس له قيمة هذا، أين الأهمية؟ أين تُوجَد؟ في اللُب بالداخل، إذا كان اللُب له قيمة وغير معطوب وغير مُتعفِّن سوف يكون لك قيمة، إذا لم يكن له قيمة سوف يذهب كل شيئ، لن ينفع القشر هذا، أليس كذلك؟ هناك أُناس يهتمون كثيراً بالقشر.

يا خادمَ الجسمِ كمْ تَشقَى بِخِدْمَتِهِ                 أتَطلُبُ الرِّبْـحَ فيما فيه خُسـرانُ.

أقْبِلْ على النفسِ واسْتكمِلْ فَضائِلَها               فَأَنْتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسـانُ. 

حقيقة إنسانيتك في لُبك، واللُب كيف يُستكمَل أيها الإخوة؟ كيف يُستكمَل؟ أولاً بالطاعة، والله العظيم يا إخواني – أُقسِم في هذا الشهر الكريم، والله العظيم – لا يكسف نور العقل ولا يجعل الإنسان كالمأخوذ عن عقله وكالأحمق إلا المعصية، أسوأ شيئاً يُلِم بالإنسان معصية الله تبارك وتعالى، لأن هناك مدداً وهناك نفحات وهناك أمداداً مُتوالية من رب العزة والجلال على عبده المُؤمِن، متى تنقطع أو تقلص؟ متى؟ بالمعصية، بالمعصية تنقطع عنك، كلما عصيت أكثر تنقطع أكثر، تظل تنقطع وتُحيط بك سيئتك، كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ۩، وتعال انظر إلى حال بعضنا، يكون الإنسان مُتعلِّماً وعنده شهادات وهو مُتكلِّم وعنده وظيفة وفي أشياء كثيرة يتصرَّف ويتكلَّم كالأحمق، وعنده آراء من أرذل ما يكون، ولا يكاد يُصيب في أي شيئ يقوله كالأهبل، ولولا أنه غني وعنده منصب وعنده لقب وعنده كذا لعدته الناس في المجانين، أليس كذلك؟ لكن المجنون حين يكون عنده مال ومنصب تعده الناس من أعقل العقلاء، لأنهم أكثر جنوناً منه، هم أجن منه، فالمعصية أول شيئ، مَن يُريد أن يكون عنده لُب وعنده حكمة وعقل يبتعد عن معصية الله، وفي الحديث الضعيف – وهو ضعيف جداً لكي نكون واضحين لكن معناه صحيح – مَن قارف ذنباً فارقه عقله لا يعود إليه، أي حتى يتوب توبةً نصوحةً، أليس كذلك؟ حتى يتوب توبةً نصوحةً، وبصراحة أيضاً يُوجَد فرق كبير جداً بين شخص تاب على كبر وشاب نشأ في طاعة الله مُنذ نعومة الأظفار، مُنذ كان صغيراً وهو طاهر مُطهَّر، لم يزن ولم يشرب الخمر ولم يرتكب شذوذاً جنسياً ولم يسرق ولم يقتل ولم يفعل كذا وكذا، هو كذا من صغره، ما شاء الله كُتلة من نور، كُتلة على الفطرة، وظل يتنشأ ويتزيَّد علماً ونوراً وهدايةً فعلاً وقولاً كما يُقال سيرةً وهكذا إلى أن كبر هذا الإنسان، اكتهل أو شاخ، كيف هذا يكون عقله ونوره وحكمته وفراسته وتوفيق الله له وثقته بالله، كيف سيكون هذا؟ هو مُختلِف تماماً عن إنسان نعم تاب والله تاب عليه والحمد لله الله يتوب، لكن لا يطمع أيضاً ببساطة في أن يصل إلى مرتبته، كل شيئ بعدل إلهي، يُوجَد عدل، أليس كذلك؟ حتى الأنبياء الله اختارهم لماذا؟ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ۩، في بني إسرائيل! اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۩، في الحديث إن الله – تبارك وتعالى – لما خلق آدم واستخرج نسمه من ظهره – هل تعرفون النسم؟ الأرواح، نحن كلنا كنا كذلك، آية الذر اسمها، آية الميثاق – قال ألست بربكم؟ قلنا بلى، الكل أقر لله، نظر – تبارك وتعالى – فرأى عبداً من أبناء آدم وهم بالملايير، فوجده ألطف العباد وأنقاهم قلباً، قلب طاهر جداً وعجيب، فاصطفاه على الآخرين وكلَّمه تكليماً، هذا موسى، من صفاء القلب عنده، عنده قلب غريب، يتميَّز بأشياء عجيبة، قال له تعال، أُريد أن أجعلك كليمي، أُريد أن أُكلِّمك مُباشَرةً، يا إلهي! أعطاه هذا الشيئ، أليس كذلك؟ وسيدنا محمد عنده خصائص، وهو في النهاية أفضل من موسى وأفضل من سائر الأنبياء، لكن لم يكن عنده مقام التكليم الدائم، أليس كذلك؟ غير موجودة، هناك ليلة المعراج، لكن فيما عدا ذلك لم يكن مثل موسى ولم يذهب لكي يتكلَّم باستمرار، أليس كذلك؟ خصائص، ولذلك يقول العلماء الميزة لا تقتضي التفضيل، انتبهوا إلى هذا، موسى عنده ميزة على محمد في هذا الشيئ، أليس كذلك؟ ميزة التكليم الدائم، أي كلما أراد وليس مرة واحدة كليلة المعراج، لكن هل تقتضي التفضيل بمعنى أن موسى أفضل من محمد؟ لا، لأن محمداً عنده مزايا موسى بعيد جداً منها بمراحل، وفي مُسنَد الإمام أحمد بإسناد قوي جداً أيها الإخوة إن الله – تبارك وتعالى – نظر في قلوب أهل الأرض فلم ير قلباً أصفى من قلب محمد فاختاره لنبوته وابتعثه برسالته، انظر إلى الكيفية التي يتم بها حتى اختيار الأنبياء، هناك أُناس يظنون أنه اختيار اعتباطي، بمعنى أن الله يُريد أن يأخذ أي واحد لا على التعيين ويقول له أنا أُريد أن أجعلك نبياً، غير صحيح، يأخذ مَن يستأهل أن يكون نبياً، هل فهمتم؟ وهذا حتى في العلم، قد يقول أحد الناس لماذا هذا الله أعطاه علماً وأعطاه بياناً وأعطاه فتوحاً وسُرعة بديهة وقوة عارضة وثبات حُجة وإلى آخره وهناك أُناس آخرون لم يُعطهم هذا؟ الله يُعطي وهو واسع عليم وحكيم تبارك وتعالى، يُعطي هنا ويأخذ هنا ويُعطي هنا ويأخذ هنا بمقدار لأنه يعلم، فلذلك إذا كان عند أي واحد فينا طماعية في رحمة الله لكي يُعطيه من العلم ومن الهُدى ومن الخير ومن النور ومن الولاية ومن الصلاح ومن الكرامة ماذا ينبغي أن يفعل؟ لابد من العمل باستمرار، وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ۩ باستمرار! صلاة، عبادة، ذكر، استغفار، بُعد عن كل الوسخات وعن كل القاذورات، انظروا إلى مريم، سوف نأتي إلى تفسير هذه الآية: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ۩، أي أن القضية في الأول وفي الآخر هي قضية ماذا؟ اصطفاء واختيار، لكن الاختيار وحده وهو على أساس – على أساس النظافة والطهارة، أليس كذلك؟ – أيضاً غير كافٍ، غير كافٍ! ماذا قال لها على لسان الملك؟ يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ۩، قبل عيسى وقبل الحبل بعيسى، وكان عمرها كم؟ ثنتي عشرة سنة، الملائكة كانت تُخاطِب هذه البتول – عليها السلام – وعمرها ثنتا عشرة سنة، تقول لها لابد من الركوع والسجود والعبادة كثيراً، لماذا إذن؟ للكرامة التي أراد الله بكِ، للمنزلة التي أراد الله أن يرفعكِ إليها، أليس كذلك؟ لابد من أن تتهيأ، لا تكفي الطهارة الداخلية والصفاء، لابد من تهيؤ بالعبادة وكثرة السجود، هذا يقطع أيها الإخوة أمل المغرورين واغترار المُغتَرين بالله، أليس كذلك؟ هناك مَن يقول يا أخي كله عند الله بميزان، والله لو أراد أن يُعطيني لأعطاني، هل سيُعطيك وأنت واضع رجلاً على رجل؟ هل سيُعطيك وأنت تنام الليل كله؟ لا تفتح الكتاب ولا تجتهد لا في العلم ولا في العبادة وتُريد أن يُعطيك؟ لن يُعطيك، وستُنهي حياتك وأنت في مكانك، أليس كذلك؟ فهذا منطق عملي، منطق تشجيعي، لابد أن تتشجَّع وتعمل وتتقدَّم، نسأل الله أن يُعطينا من عطائه. اللهم آمين.

۞ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۞

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا ۩، مُناسِبة جداً للآية التي قبلها، لماذا؟ لأن أصحاب البحث عن المُتشابِه هم الذين زاغت قلوبهم، فبالحري أن يطلب المُؤمِنون تثبيت قلوبهم وألا يُميلها بعد أن وضعها على المحجة.

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩. اللهم آمين.

۞ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ۞

رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ۩، ما هو؟ يوم القيامة، صحيح! إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ۩.

۞ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ۞

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۩، نفس الشيئ، وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ۩، قلنا في البقرة ما معنى أنهم وقود النار.

۞ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ۞

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۩، ما معنى الدَأب؟ نقول هذا دَأْبي ودَأْبك، ولا زال هذا دَأْبي أو دَأَبي، يُقال دَأْبٌ ودَأَبٌ، لا زال هذا دَأْبي أو دَأَبي، أنت تئق وأنا مئق فمتى نتفق؟ أي قصتنا كما هي، لا يُوجَد تغير، هذا دَأْبي ودَأْبك، ما معناها إذن؟ العادة والسُنة والسيرة والشأن والحال والفعل، كل هذه الكلمات هي تفسير لكلمة الدَأْب والدَأْب، أي كشأن آل فرعون، كالحال آل فرعون، كفعل آل فرعون، كسُنة آل فرعون، كسيرة آل فرعون، هذا هو، هذا معنى كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۩، إذن ما المعنى العام للآية؟ معناها هؤلاء الكفّار لن تُغني عنهم أموالاهم ولا أولادهم من الله شيئاً في الدنيا وفي الآخرة هم وقود النار، وشأنهم أنهم سيُفعَل بهم ما فُعِل بآل فرعون من قبل الذين كذَّبوا بآيات الله، فكانت العاقبة ما هي؟ الدمار والأخذ الشديد، لأن الله ماذا؟ شديد العقاب، هل فهمتم ما معنى كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۩؟ هذه هنا، وفي سورة الأنفال أيضاً تأتي: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۩، هذا معناها، أي سيُصيبهم ما أصاب آل فرعون – أي فرعون وآله – من قبل وليسوا بدعاً من الكافرين، هم ليسوا بدعاً من الكافرين، تنطبق عليهم نفس السُنة التي انطبقت على آل فرعون منم قبل، هذا معنى كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۩.

۞ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ۞

قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ ۩، مَن المُخاطَب هنا؟ مولانا رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، الله يقول له يا محمد قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ۩، مَن المقصود هنا بالكافرين؟ اليهود، عن محمد بن إسحاق أيها الإخوة وغيره أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – بعد أن انصرف من بدر مُظفَّراً مُعزَّزاً – بحمد الله – هو وأصحابه وأتباعه أمره الله – تبارك وتعالى – أن يأتي قينقاع – أي يهود بني قينقاع – فجمعهم في ساحة وخاطبهم بهذا المعنى، انتبهوا قال لهم، إذا لعبت بذيلكم وفعلتم كذا وكذا سوف يحدث لكم مثلما حدث لكفّار قريش في بدر، الله قال له هذا، قل لهؤلاء هذا ونبهِّهم وحذِّرهم، هذا معنى الآية، قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ ۩ في الدنيا، وَتُحْشَرُونَ ۩ في الآخرة، إِلَى جَهَنَّمَ ۩، أي مغلوبية في الدنيا وحشر إلى عذاب الله والعياذ بالله، وَبِئْسَ الْمِهَادُ ۩.

۞ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ ۞

قَدْ كَانَ لَكُمْ ۩، يا معاشر يهود، وإن كان حتى المُخاطَب قينقاع، لكن المُراد كل اليهود طبعاً لأنهم نفس السيرة، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ ۩، طبعاً لأن آية مُذكَّر ليس حقيقياً ماذا قال؟ كَانَ ۩، ولو قال كانت لكم آية لكان صحيحاً، لكنه قال قَدْ كَانَ ۩.

قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۩، مَن هما هاتان الفئتان؟ كفّار مكة والمُسلِمون في بدر، الْتَقَتَا ۩ أين؟ في بدر، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۩، الرسول وأصحابه، وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ۩، قريش وجمعها، يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۩، هذه غير واضحة، ما معنى يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۩؟ تفسيران! قيل الكفّار يرون المُسلِمين مثليهم، مثلي مَن؟ مثلي المُسلِمين، المُسلِمون كانوا – مثلاً – ثلاثمائة، فكم رأوهم؟ سبعمائة، أف! كثر والله، وكذلك الكفّار كم كانوا مثلاً؟ ألفاً، فرأوهم المُسلِمون ألفين، يا ويلي! كثير جداً، هذا هو المعنى، المُسلِمون يرون الكفّار والكفّار يرون المُسلِمين مثليهم، أي مثلي أنفسهم، مثلي المرأي، هل هذا واضح؟ وقيل لا، بل المُسلِمون رأوا الكفّار مثليهم، على كل حال ما هذه القصة؟ ما هي؟ يقول عبد الله بن مسعود – رضيَ الله عنه وأرضاه – والله لقد نظرنا إليهم فرأيناهم كثيراً، ضعفيهم أو مثليهم، لكن هذا متى كان؟ انتبهوا، تُوجَد مُشكِلة هنا، قد يأتي أحدكم ويقول هذه الآية تتناقض مع آية الأنفال: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۩، يقول لك يا أخي هذه عكس هذه تماماً، وآية الأنفال في بدر، معروف! الأنفال في بدر نزلت، وهذه الآية في بدر، هنا يقول تضاعف العدد وهناك يقول بالعكس كان قليلاً، لكن المسألة تمت على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ۩، كيف؟ ثلاث مراحل، نُريد أن نُرتبِّهم فانتبهوا، أول شيئ الله – تبارك وتعالى – بالوحي المنامي أرى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كفّار قريش وقد حشدوا له على أنهم قليلون، وقام النبي مُستبشِراً – لأن رؤيا الأنبياء حق، أليس كذلك؟ هي ليست كرؤيانا، رؤيا الأنبياء حق – وقال للصحابة أبشِّروا وأمِّلوا، قلة! هم بحول الله قلة، وسوف نستحوذ عليهم ونُعمِل فيهم السيف، نحثهم حثاً، فلا تهتموا، استبشروا وتشجَّعوا لكي يخرجوا أيضاً، وبعد ذلك لما تم اللقاء الصحابة رأوهم قليلين جداً فعلاً مثلما وعد الله، انتبهوا فهذا الترتيب، يقول ابن مسعود والله لقد قُلِّلوا في عيني، قلت لجار كان معي أتراهم سبعين؟ هم كانوا ألفاً أو ألفاً وقليلاً، قال له هل يصل عددهم إلى سبعين؟ سُبحان الخالق العظيم، آيات! قال أراهم مائة، هذا كثَّر قليلاً وقال أراهم مائة، قال أراهم مائة، سُبحان الله العظيم، وبعد ذلك لما صار الالتحام جاءت آية آل عمران، ابن مسعود قال رأيناهم ضعفيهم، أف! كثيرون جداً، والكفّار رأوا المُسلِمين أيضاً ضعفيهم، طبعاً الكفّار قبل قليل حدث معهم نفس الشيئ، رأوا المُسلِمين قلة، وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ۩، قالوا هؤلاء قلة، مائة رجل أو مائة وعشرون، فهيا ننقض عليهم، صار الالتحام، الله يُريد أن تقع المعركة، يُريد هذا، يُريد الفرقان، يُريد بدراً للمُسلِمين لكي يدخلوا التاريخ، الله يُريد هذا، فسُبحان الله الله خدع الاثنين، خدع المُسلِمين لكن خديعة حق، وخدع الكفّار خديعة مكر، قالوا تعالوا ولما التحموا ما الذي صار؟ هنا الشيئ العجيب، المُسلِمون رأوا الكفّار مثليهم، يا ويلي! ألفان رجل تقريباً أو ألفان وخمسمائة، أف! كثير جداً، والكفّار رأوا المُسلِمين مثليهم، سبعمائة أو ثمانمائة، جيد! لماذا؟ أما الكفار فواضحة الحكمة الإلهية، واضحة، لماذا؟ لكي يدب الهلع والفزع والخرع والخوف في قلوبهم، مطلوب هذا، وماذا عن المُسلِمين؟ ليجعلوا توكلهم وانقيادهم ورغبتهم وطلبهم النصر فقط من الله، أي يا الله يا الله انصرنا، لا يغترون ويقولون نحن كثرة وهم قلة فهيا ننقض عليهم، لا! أرأيتم؟ أكبر باب من أبواب النصر هو ماذا؟ في اللحظة الحاسمة إياك تغتر بالكثرة كما وقع في حُنين، قالوا لن نُغلَب اليوم من قلة، نحن كثيرون وهؤلاء لا شيئ فغُلِبوا، انتبه ولا تغتر، لا تقل عندي سلاح وعندي خُطة استراتيجية وهي لا تخر الماء وعندي كذا وكذا وكل هذا الكلام الفارغ، كل هذا كلام فارغ، سوف تأخذ على رأسك، في اللحظة الحرجة قل له يا رب منك النصر، نحن لا شيئ، لا عدد ولا عُدة، منك يا رب، يا الله يا الله، بالدعاء! ولذلك من سُنن النصر العجيبة التي لم تتعلَّمها أمة إلا أمة التوحيد كثرة الذكر عند اللقاء، الحمد لله والله، الحمد لله، يا رب لك الحمد كما تُريد وكما تقول وخيراً مما نقول على ما أنعمت علينا بنعمة الإيمان ونعمة القرآن، هذه الأمة الوحيدة التي فهمت هذه السُنة، أن من سُنن النصر العجيبة كثرة الذكر عند اللقاء، وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ۩، اذكر كثيراً – لابد من الذكر باستمرار – وسوف يأتيك النصر، يا الله! لأن القضية قضية عبودية هي في النهاية، أي أن الله ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون، أليس كذلك؟ والدين والمعارك والهزيمة والصحة والمرض وكل هذا لماذا؟ للابتلاء، والابتلاء ما هو؟ ابتلاء العبودية، ابتلاء عبودية الإنسان، فلا تظن أن المسألة فقط تقف عند حدود نصر وهزيمة، غير صحيح! في الآخر وفي المُحصَّلة النهائية الظرف العام لجميع وكل أشكال وجُزئيات الابتلاء هو ماذا؟ ظرف العبودية، معنى العبودية، فالله يُريد منك ألا تنسى هذا المعنى في أحلك اللحظات، ولذلك أيها الإخوة في الخبر إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مُلاقٍ قِرنه، حين ترى عدوك اذكر الله – تبارك وتعالى – في هذه اللحظة، قال أنت عبدي، وهذا الذي يُريده الله، يُريد العبودية منك، اثبت أنك عبد له، لا تتكل لا على هذا ولا على هذا ولا على هذا ولا على الخُطة ولا على غيرها، وسوف يأتي النصر بعون الله تبارك وتعالى.
إذن فهمنا كيف كانت المراحل الثلاث، في الأول الرسول رآهم قليلاً وبشَّر الصحابة، لما تلاقوا هكذا هم رأوا المُسلِمين قليلين والمُسلِمين رأوهم قليلين كما في الأنفال، جاءت المرحلة الثالثة في آل عمران، لما صار الالتحام والمُصافَة واللقاء مُباشَرةً كل فريق رأى الفريق الآخر ضعفيه و مثليه للمعنى الذي شرحناه تواً، والله – تبارك وتعالى – أعلم، عنده العلم والحكم، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ ۩.

۞ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ۞

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء ۩، بدأ بالنساء، لماذا؟ لما في الصحيح ما تركت على أُمتي فتنةً أضر عليهم من النساء، هذا من حيث العموم أيها الإخوة ومن حيث الأصل، وإلا إذا المرأة أرادها الإنسان ليُعف نفسه وليستولدها ذُريةً تحمل هم الإسلام وتنصر دين محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – وتضرب بسيف محمد – صلوات ربي وتسليماته عليه – فهي من أحسن متاع الدنيا، وفي الخبر الصحيح في مُسلِم الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله، أخرجه مُسلِم، النبي قال هذه أحسن متاع الدنيا، لكن مَن؟ لم يقل المرأة، وإلا المرأة أحياناً تكون من أسوأ متاع الدنيا، أليس كذلك؟ المرأة التي لا تُعينك على ذكر الله ولا تكون وفية للعهد والميثاق – وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ۩ – وتفشي سرك – والعياذ بالله – وتفضحك أمام الناس وتحكي عنك ولا تشكر النعمة دائماً ودائماً كافرة العشير هذه من أسوأ – والعياذ بالله – بلايا الدنيا، طبعاً هناك رجال مثل النساء من أسوأ بلايا الدنيا، الرجل هو نفسه من أسوأ بلايا الدنيا، أسوأ بلية على المرأة في حياتها، هذا موجود وهذا موجود، كله بحسب المقاصد وبحسب الوعي الديني أيها الإخوة، المرأة قد تكون هكذا وقد تكون هكذا، والنبي قال حُبِّب إلىّ من دنياكم الطيب والنساء، وفي الحديث الصحيح قالت عائشة ما كان النبي يُفضِّل على الخيل إلا النساء، وفي رواية بالقلب على النساء إلا الخير، وأنا أُرجِّح على الخيل إلا النساء، لأن مُستحيل أن النبي كان يُحِب الخيل أكثر من النساء، لأن في هذا الحديث الآخر عند أحمد قال حُبِّب إلىّ من دنياكم الطيب والنساء، وجُعِلت قرة عيني في الصلاة، وليس كما يرويه بعض الناس حُبِّب إلىّ من دنياكم ثلاث، هذا غير موجود، لا يُوجَد حديث يقول حُبِّب إلىّ من دنياكم ثلاث، غير صحيح، هذا كلام بعض الوعاظ وهو غير موجود في أي كتاب حديثي، قال حُبِّب إلىّ من دنياكم الطيب والنساء، وجُعِلت قرة عيني في الصلاة، الصلاة تأتي وحدها، غير الطيب وغير النساء، هذا شيئ مُختلِف تماماً، لا يدخلون في تعداد واحد أبداً، على كل حال حديث النساء طويل. 

وَالْبَنِينَ ۩، كيف تكون شهوة البنين؟ إما للتقوي بهم عصبيةً قبليةً هكذا وحميةً وإما أيضاً للتقوي بهم اقتصادياً وإما للفخر بهم، أن عندي تسعة أولاد ذكور كلهم، هناك أُناس يفتخرون بهذا، كأن الواحد منهم هو الذي أتى بهم، يا أخي مسكين أنت، هل أنت أتيت بهم؟ هل خطَّطت لهم؟ يا أخي ربك – عز وجل – يُعطي الذكور، قال – تبارك وتعالى – لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ – قال يَهَبُ ۩لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ ۩ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ – أي يخلطهم، التزويج هو الخلط – ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا – عنده إناث وعنده أيضاً ذكور – وَيَجْعَلُ – هناك أربع طبقات Classes، وهذه أسوأ شيئاً، وهي ابتلاء كبير، حكمة الله – مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ۩، قال عندي تسعة أولاد، هل أتيت بهم أنت بشطارتك؟ لا يُمكِن! احمد ربك، لا يُوجَد فخر هنا، لا تفتخر بالدين، افتخر بالدين وما إلى ذلك إذا أردت أن تفتخر، لا تفتخر بأشياء ليس لك فيها حظ ونصيب.

وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ ۩، كلام المُفسِّرين كثير وطويل الذيل في القنطار، حاصله أو مُحصَّله أنه شيئ كثير، أي مال كثير، هل هذا واضح؟ لا نُريد أن نأتي بكل شيئ فالكلام في هذا المبحث كثير، مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ۩، ما معنى وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ۩؟ قيل الْمُسَوَّمَةِ ۩ أي المَسومة، المَسومة بمعنى التي تُرعى، قال تعالى فِيهِ تُسِيمُونَ ۩، أي تُسِيمُون دوابكم، هكذا تُسِيمُون، أليس كذلك؟ فعل يقتضي مفعولاً، المفعول محذوف للتعميم، تُسِيمُون الفرس والناقة والخيل والأنعام طبعاً من بقر وغنم ونوق، هذا معنى تُسِيمُونَ ۩، تُسِيمُون هذه المخلوقات، فقيل الْمُسَوَّمَةِ ۩ أي المَسومة، بمعنى التي تُرعى، أي التي تتركها في المرعى، الأشياء التي تُرعى، هذه هي، وقيل الْمُسَوَّمَةِ ۩ أي المُطهَّمة، عليها – ما شاء الله – متاع حول السرج – السرج أو السروج طبعاً وليس البردعة، فالبردعة تُوضَع على الحمار – وآخر هذه الأشياء، هذا معنى الْمُسَوَّمَةِ ۩.

إذن الخيل، لماذا الخيل أيها الإخوة؟ لأن العرب كانوا يُحِبون الخيل ويعتزون بها جداً، عندهم الخيل هذا شقيق الروح، عندهم أشرف من المرأة وأشرف من الولد الخيل هذه، لا يُفرِّطون فيها أبداً، وطبعاً هي قوام حياتهم، أليس كذلك؟ في السلم والحرب، والله أقسم بها، الله أنزل سورة كاملة عنها وهي سورة العاديات، وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ۩ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ۩ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ۩ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ۩ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ۩، كلها أقسام بالخيول وصفاتها وأحوالها، كله بالخيل باستمرار، وفي الصحيحين وفي غير الصحيحين أيضاً قال – صلى الله عليه وسلم – الخيل ثلاثة، لرجلٍ أجرٌ ولرجلٍ سِترٌ – السِتر هو الاسم والسَتر المصدر، هنا اسم وليس مصدراً طبعاً – وعلى رجلٍ وزرٌ، وإذا رُويَ ولرجلٍ وزرٌ سيكون هذا بمعنى على رجلٍ وزرٌ، وهذا ذكرناه ربما مرة في دروس المناهج، أليس كذلك؟ في دروس المناهج ذكرت هذا الحديث بطوله، على كلٍ كيف الخيل تكون لرجلٍ أجرٌ؟ فالتي له أجر هو رجلٌ ارتبطها وأطال لها في مرجٍ أو روضةٍ في سبيل الله، أي أن هذه خيل ماذا؟ خيل الجهاد، خيل الجهاد ارتبطها وأطال لها، ما معنى أطال لها؟ أي عمل لها حبلاً طويلاً اسمه الطيل، في الفُصحى هذا الحبل اسمه ماذا؟ الطيل، قال وأطال لها في مرجٍ أو روضةٍ، هذه الخيل – يقول النبي – مهما استنت في طيلها شرفاً أو شرفين كانت أرواثها حسناتٍ له، وهي مربوطة – ما شاء الله – تجري وتذهب هنا وتبول هنا وتروث هنا وتفعل كذا وكذا كل هذا حسنات، بالت أو راثت أو عملت أو خرَّبت كل هذا حسنات، حسنات باستمرار! مهما تعمل يأخذ حسنات، أكلت أو شربت يأخذ حسنات، راثت أو بالت يأخذ حسنات، وإن قطعت طيلها – النبي يقول – وشربت من نهر وما أراد أن يسقيها – لا تُوجَد نية حتى – كان له بذلك أجر، أيضاً إذا شربت يأخذ حسنات، الله أكبر، الجهاد! الجهاد يا أخي، ذروة سنام الإسلام، فرَّطنا فيه – والله – فسلَّط علينا بوش Bush وشارون Sharon، ولو كانت هذه أمة مُجاهِدة ما حدث لها ما حدث، الآن انظروا إلى إخواننا في العراق، الحمد لله يارب، الحمد لله، والله أنا عندي يقين – أُقسِم بالله – أنهم – إن شاء الله – سوف يُراجِعون أنفسهم عشرة آلاف مليون مرة وألفين وواحد مرة – تسعة أو سبتمبر – قبل أن يُفكِّروا أن يغزو سوريا أو غير سوريا الآن، بعد الذي رأوه في العراق إن شاء الله، النبي قال إذا تركتم جهادكم سلَّط عليكم ذلاً لَا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم! لن يُوجَد عز لهذه الأمة إلا بالجهاد، لأن في النهاية ما معنى الجهاد؟ سوف تقول إرهاب وأفكار وما إلى ذلك، لكن الجهاد يعني أن هناك أمة عزيزة لا تُريد أن تُضام، لا تذلني، أنا لا أقبل الذل، هذا معناه، لا نقبل الذل، لا نتعدى على أحد، الله قال لنا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۩، لكن لا أسمح لك أن تعتدي علىّ، وباطن الأرض خير من ظاهرها لمَن أراد أن يعتدي على شرفي وديني وأرضي ومُقدَّساتي، فالحمد لله، الذي يحدث في العراق وفي فلسطين مُشرِّف ومُشرِّف جداً، والله سعيد جداً، نحن سعيدون جداً به والحمد لله، وهو يصير في ظرف تكون فيه الأمة في حال رجعة حقيقية إلى دينها، اليوم قلت لإخواني قبل ثلاثين سنة هل كان يُوجَد إسلام مثل هذا؟ والله العظيم لم يكن يا إخواني، والله العظيم ما كان موجوداً يا إخواني، والله ما كان! هل قبل ثلاثين كان يُوجَد شباب مُسلِم مثل هذا الشباب ما شاء الله؟ علماء وشباب ومُؤلِّفون وكاسيتات Cassettes وفيديوهات Videos وإنترنت Internet وفضائيات والكل يتكلَّم وحجاب وما إلى ذلك، شيئ عجيب، قد تقول لي هذه ظواهر، لكن فيها خير كثير أيضاً، عندها عيوبها وكل شيئ عنده عيوب لكن فيها خير أكثر بكثير من عيوبها، أليس كذلك؟ أمة تعود إلى دينها، تعود كلها! فالحمد لله رب العالمين يا رب، اللهم الزيادة يا الله، اللهم الزيادة، والله سوف يعطينا، نحن نتقرَّب منه وهو يتقرَّب منا أكثر، سوف يُعطينا وسوف يعزنا بإذن الله، ونحن على خير كثير بفضل الله تبارك وتعالى، يا رب اللهم ارحم أمة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا الأجر، ماذا عن السِتر؟ رجلٌ كان عنده خيل، لماذا؟ هو ارتبطها تغنياً وتعففاً، ما معنى تغنياً؟ استغناءً لكي لا يمد يده للناس، أي أنه يأخذ لكي يشتغل عليها أو يُتاجِر فيها وما إلى ذلك، المُهِم ارتبطها تغنياً وتعففاً، فهذه له سِتر، وآخر شيئ – حتى لا نُطوِّل بذكر النص كما هو – الرجل التي له أو عليه وزر، مَن هو؟ رجلٌ عنده خيل يرتبطها – والعياذ بالله – رياءً ونواءً، ما معنى رياءً؟ كما تعرفون أنه يتفاخر بها وما إلى ذلك، ما معنى ونواءً؟ مُناوئةً للمُسلِمين ولأهل الله تبارك وتعالى، أرأيتم؟ هذا عليه وزر، وسُئل – آخر الحديث في الصحيحين – عليه الصلاة وأفضل السلام – عن الحمير، يبدو أن السائل رجل فقير مسكين ليس عنده خيل، والحمار يا رسول الله؟ قال له، عنده حمار المسكين، يرغب في أن يجعله لوجه ويأخذ أجراً بسببه كلما نهق وكلما بال وكلما راث وكلما ذهب أو جاء، أي الحمار، فقال له والحمار؟ سُئل عن الحمير الرسول ولم يسخر أو يرد السؤال، انظر إلى الرسول، لم يقل ما السؤال هذا؟ قال ما أُنزِل علىّ فيها شيئ، أي بالنسبة إلى الحمير – قال له – بشكل خاص لم ينزل فيها شيئ، إلا – قال – هذه الآية الجامعة الفاذة – قال له هناك آية جامعة فاذة، قال له لا تيأس من رحمة الله لأن هناك آية يدخل فيها كل خير – فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ۩ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ۩، حتى لو بحمار، هل الحمار ذرة؟ فيه ذرات كثيرة، عائشة كانت تقول انظروا كم في حبة عنب من ذرة، عائشة كانت تقول تصدَّق ولو بحبة عنب، لا تقل هذا قليل، النبي قال بشطر تمرة، أليس كذلك؟ بنصف تمرة، لا تحقرن إحداكن أن تتصدَّق على جارتها ولو بفرسن شاة، هل تعرفون ما الفرسن؟ هذا في الصحيحين أيضاً، الظفر المحروق الذي ليس فيه حتى لحم، خُذي لكِ هذا الفرسن، ليس عندي إلا هو، جيد! أحسن من لا شيئ، تعلَّم بسط اليد، تعلَّم العطاء، تغلَّب على نفسك، فعائشة كانت تمسك حبة العنب وتقول ماذا؟ هل تعلمون أو أتعلمون كم فيها من ذرة؟ والله قال بكل ذرة يُوجَد خير، تُوجَد حسنات إن شاء الله، فنعطي ولو حبة عنب، فيها الكثير – إن شاء الله – هذه، أليس كذلك؟ لكن لا يكون عندك بُستان وتُعطيني حبة، انتبه! كل واحد بقدره يتصدَّق طبعاً، إذا وسَّع الله وسِّع، هناك أُناس يُحِبون الكلام هذا، يقول لك الواحد منهم وهو مليونير الحمد لله سوف نُعطي تمراً، سوف نشتري من عند أخينا كيلو بخمسة يورو، يظن أنه أدى صدقات رمضان وهو عنده الملايين، لن ينفع، لا! بحسب ما أعطاك الله أعط، أليس كذلك؟ إذا وسَّع عليك وسِّع، أليس كذلك؟ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ ۩، على كلٍ هذا هو.

وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۩، ما هي الأنعام؟ البقر والغنم والإبل، هذه هي الأنعام، طبعاً حين نقول الغنم يدخل فيها الضأن والمعز، فصار عندنا كم واحد؟ أربعة، وكل واحد ذكر وأُنثى، إذن كم صار العدد؟ قال تعالى ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۩، الله فصَّلها في سورة الأنعام، انتبه! سماها سورة الأنعام، وقال لك ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۩، كيف يا رب؟ قال لك عندك إبل وعندك بقر وعندك ضأن وعندك معز، ذكر وأُنثى وذكر وذكر وأنثى وهكذا فيكون الناتج ثمانية، هذه هي الأنعام، هل هذا واضح؟ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۩، ما هو الحرث؟ الأرض التي تُزرَع أيها الإخوة ويُرجى خيرها، هذه الأشياء كلها مُزيَّنة للناس، قال تعالى ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۩، هنا قد يقول لي أحدكم أنه لم يذمها، وصحيح هو لم يذمها وهي من متاع الدنيا لكنه قال في التوبة فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ۩، حين يقول لك هذا متاع فهذا يعني أنه قلَّله، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ۩، متاع سريع المُفارَقة، وزهرة! الله سماها زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۩، لماذا شبَّهها بالزهرة؟ الزهرة – سُبحان الله – حين تقطعها وتتركها لساعتين من الزمن تذبل، حين تُحرِّكها بيدك تذهب بسرعة، خفيفة! وحية التقضي، سريعة الزوال والدثور، كذلك متاع الدنيا، أليس كذلك؟ اسألونا نحن، أنا كهل الآن وليس شاباً، أنت شاب الآن ما شاء الله – أدام الله الشباب وحفظه – وذاك شيخ وذاك ذهب، إن شاء الله إلى الجنة بإذن الله، لا نعرف مَن هو، المُهِم هناك شاب وهناك كهل وهناك شيخ وما إلى ذلك، اسأل الكهل وسوف يقول لك والله الشباب ذهب كأنه طرفة عين، أمس كنت في سن الثانية والعشرين من عمري يا أخي، أمس كنت أُصلي مع الناس التراويح في مسجد الهداية وعمري ثنتين وعشرين سنة، ذهب وكأنه أمس سُبحان الله، انظروا دخلنا في ماذا، وغداً سوف نجد أنفسنا في الرابعة والأربعين ثم الخامسة والأربعين ثم الخمسين ثم الستين، بسرعة! بسرعة شديدة، زهرة! كل شيئ زهرة، حتى الشباب زهرة، لا تغتر بشبابك وما إلى ذلك، دائماً يذهب بسرعة، استخدمه في الطاعة وفي العبادة، وأنت قوي اعمل طاعات، غداً لعل لا تقدر على هذا، اعمل الآن وأنت قوي إن شاء الله تعالى، قال وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ۩، أي حُسن المرجع.

۞ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۞ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۞ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ۞

قُلْ ۩، أي يا محمد قل لهم، أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ ۩، بِخَيْرٍ مِّن ۩ ماذا؟ من كل شهوات الدنيا ومتاعها، لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۩، الآية واضحة، وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۩، مُطهَّرات من ماذا؟ من كل دنس يُصيب المرأة الدنيوية، سواء خِلقة أو خُلقاً، انتبهوا فالأمر لا يتعلَّق فقط بالحيض والنفاس والسوائل وما إلى ذلك، لا! حتى خُلقاً أيضاً، حتى خُلقاً! هناك أدناس كثيرة في المرأة الدنيوية، في الآخرة لا يُوجَد هذا، الله قال قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ۩، لا تُوجَد امرأة أُخروية – حور عين – تنظر إلى آخر مثل امرأة ثابت بن قيس، قالت يا ويلتاه، رأت أنه أقصر مَن كان يسير معهم وما إلى ذلك فقالت لا أُريده ورجَّعت إليه الحديقة وهي صحابية! هذا غير موجود، فهي لا تنظر إلا إلى زوجها ولا ترى إلا زوجها، قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ۩، فقط لا تنظر إلا إلى زوجها، فهنيئاً لك يا صاحبها، اللهم اجعلنا من أصحاب الحور العين.

وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۩، الله أكبر، يُوجَد شيئ لا يزال أكبر من كل هذا، أكبر من الجنات التي تجري والأزواج وهو الرضوان، قال أُحِل عليكم رضواني، قال في سورة التوبة وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۩، أَكْبَرُ ۩ من ماذا؟ من كل نعيم الجنة، من الحور العين ومن كل شيئ، هذا الرضوان شيئ مُختلِف تماماً، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، مَن هم هؤلاء؟ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا – آمين – وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۩، مُشفِقون! مُشفِقون من عذاب ربهم، مُشفِقون من المرجع والحشر والسؤال، الصَّابِرِينَ ۩، وكما قلنا صابرون على الطاعة، صابرون عن المعصية، صابرون على البلاء، أي الصبر بأنواعه الثلاثة، وهو شطر الإيمان، صابرون على الطاعة، صابرون عن المعصية، صابرون على البلاء، وَالصَّادِقِينَ ۩، أهل صدق وإخلاص، اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ۩، مَن هو الصادق باختصار؟ هو الذي لا يتفاوت ظاهره وباطنه، لا يُمكِن! هذا الصادق، قال حاتم الأصم لو وُضِع الصدق على حديدٍ لقطعه، سر! إذا أردت حتى في سلوكك وفي دعائك – بإذن الله – وفي كلامك وفي مشيك وفي كل شيئ أن تكون رجلاً مُؤثِّراً جداً جداً وغير مردود عند الله وعند العباد عليك بالصدق، لأن الصدق لو وُضِع على حديدٍ لقطعه ولو وُضِع على علةٍ لبرأت بإذن الله تعالى، الصدق! لماذا هناك أُناس يسمحون عليك بأيديهم فتبرأ؟ يقول لك الواحد منهم هل عندك صداع؟ توكَّل على الله، ويمسح عليك بيده فتبرأ، أنا أعرف رجلاً كان عنده الشقيقة Migraine، تعرفون الشقيقة، مُصيبة هذه، وتقريباً لا تترك الإنسان إلا بعد سن الستين، طبياً حين يصل الإنسان إلى الستين تترك ربما ستين في المائة من الناس لكنها مُدمِّرة، مُدمِّرة وقاتلة، وهذا الشخص – أنا أعرفه شخصياً – لم يترك شيئاً، حتى العلق جرَّبه، عُولِج بالعلق، ضعوا له العلق ولم ينفع، فكان يتوسَّم في رجلٍ خيراً، فقال له بالله عليك يا أخي كذا وكذا، فقال له لا، أنا لست هناك، فقال له لا، بالله عليك اقرأ علىّ، قال له بسم الله وكذا وكذا، من تلك اللمسة اختفى كل شيئ بإذن الله تعالى، إذن كيف؟ كيف لمسة مثل هذه تفعل شيئاً يعجز عنه الطب كله؟ بلمسة بإذن الله تعالى، عندك في سورة آل عمران عيسى – عليه السلام – يُبرئ الأكمه والأبرص، كان يفعل هذا بمسحة، يأتي أي رجل أكمه – هل تعرفون ما معنى أكمه؟ مولود أعمى – فيقول له بسم الله وما إلى ذلك فيرى الرجل، رجل أبرص يقول له بسم الله وما إلى ذلك فيعود أحسن ما كان جلداً، لمسة مُبارَكة! وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ۩، البركة بالصدق، عليك بالصدق – تقوى الله مع الصدق بإذن الله تعالى – وستصير ضربتك لا تخيب كما يُقال، دعوة أو لمسة أو أي شيئ تفعله سيُصيب بنسبة مائة في المائة، اللهم اجعلنا من الصادقين يا رب العالمين، ورقنا في منازلهم، وَالْقَانِتِينَ ۩، القانتون هم الطائعون بتخشع وتذلل، هنا هذا معناها، هنا القوت بمعنى ماذا؟ مَن هم القانتون؟ أهل الطاعة لكن بتخشع وتذلل، وَالْمُنفِقِينَ ۩، لماذا؟ والصدقة ماذا؟ النبي قال، والصدقة برهان، الإيمان لا ينفع بالكلام، أنا مُؤمِن وأبكي وأصلي وما إلى ذلك، لابد أن تُعطي، إذا لم تقدر على أن تُعطي هذا يعني أن إيمانك فيه نقص كبير، هذا هو، فيه ثُغرة وفيه خلة كبيرة، النبي قال والصدقة برهان، إذا أردت أن تُبرهِن وتُبرِّر إيمانك لابد من وجود العطاء، العطاء يُبرِّر، وهي اسمها صدقة، لماذا سُميت الصدقة صدقة؟ لأنها أيضاً برهان على صدق إيمان المُعطي، صدق إيمان المُتصدِّق، هذا معناها، سُميت صدقة لأنها تدل على الصدق، صدقه في دعواه الإيمان، فهذه هي، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ۩، الاستغفار في وقت السحر بالذات، كان عبد الله بن عمر – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – يجلس قُبيل السحر، يُصلي وما إلى ذلك، يُصلي ما شاء الله، ويقول يا نافع – مَن هو نافع؟ مولاه، العبد الذي كان عنده وحرَّره، كان عالماً كبيراً وأنتم تعرفونه، في السلسلة الذهبية هذا – أسحرنا؟ ما معنى أسحرنا؟ مثل أشرقنا، مثل أضحينا، قال فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ۩، ما معنى مُشْرِقِينَ ۩؟ أي وقد دخلوا في وقت الشروق، جاء الشروق، هذا معناها، أسحرنا؟ تعني أدخلنا في السحر؟ أدخلنا في وقت السحر، يقول له أسحرنا؟ فيقول له ليس بعد، فيرجع لكي يُصلي ثم يقول له يا نافع أسحرنا؟ فيقول له نعم، فيترك الصلاة ويُقبِل على الذكر والاستغفار والدعاء، يا رب كذا وكذا، الله ماذا قال؟ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ ۩، انتبهوا، قد يقول لي أحدكم أن الصلاة أحسن، لكن كل شيئ في وقته أحسن، انتبهوا! الآن قد يقول أحدكم أنا أُريد أن أقرأ القرآن في الركوع لأنه أحسن يا أخي، لكنه ليس أحسن، الركوع عظِّموا فيه الرب، السجود سبِّحوا فيه الرب، النبي قال هذا، لا تقل لي القرآن أحسن من كلمة سُبحان ربي الأعلى وأنا أُريد أن أقرأ من القرآن، لا تتفلسف على الله من عندك، لا! القرآن وأنت قائم لكن وأنت راكع التعظيم وأنت ساجد التسبيح وهكذا، كل شيئ في مكانه هو حسن، الذي قال لنا مكانه الشارع الحكيم، في السحر ماذا؟ أحسن شيئ في السحر ما هو؟ الاستغفار، حتى لو أردت أن تُصلي استغفر وأنت ساجد، ادع وأنت ساجد، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأقرب ما يكون الرب من عبده متى؟ في جوف الليل الآخر، انتبهوا! إذا أراد الواحد منكم القُربين – إذا أردت أن يجتمع لك القُربان، الله أكبر، أي قُرب العبودية من الربوبية وقُرب الربوبية من العبودية، الله أكبر – ماذا تفعل؟ اسجد واقترب في وقت السحر، ادع واستغفر، الله أكبر، شيئ خطير، ولذلك لما قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ۩ ماذا قال لهم يعقوب؟ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۩، لماذا قال سَوْفَ ۩؟ لماذا لا تستغفر لنا الآن فلعلنا نموت فيما بعد وما إلى ذلك؟ قال – عليه السلام – كما رواه الإمام أحمد – رحمة الله عليه – يقول – أي يعقوب، يُفسِّر للصحابة – سأستغفر لكم ليلة الجُمعة في وقت السحر، أيضاً هنا اجتمع وقتان شريفان، وقت مُتكرِّر يومي وهو السحر ووقت مُتكرِّر أسبوعي وهو ليلة الجُمعة، وقت السحر! روى أحمد في الزُهد رحمة الله عليه – سمعتموه مني عدة مرات لكن لا بأس من التذكير به – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – يا أخي جبريل حدِّثني ما هي أرجى ساعة – طبعاً لإجابة الدعاء -، قال والله يا أخي يا محمد لا أدري، إلا أن السحر يهتز له عرش الرحمن، فطبعاً واضح الجواب إذن، يبدو أن جبريل يفهم أن هذا السحر – والله أعلم قال له – أرجى وقتاً، لأن لماذا يهتز له عرش من الدعاء؟ الإنسان حين يدعو العرش يهتز، الله أكبر! وقت السحر، فالذي عنده طلب أو عنده دعوة أو عنده أي شيئ يُطهِّر نفسه أولاً ويترك المعاصي ويتوب إلى الله ويتعبَّد ثم يأتي في وقت السحر ويُناجي ربه ويُسبِل دموعه ويتضرع ويطلب، وسوف يُعطيه، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ۩، اللهم أقدِرنا على ذلك.

۞ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۞

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ۩، وكفى بالله شهيداً، وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ ۩، قرن بشهادته شهادة الملائكة وشهادة أولي العلم، وهذه خصيصة وميزة شريفة جداً أيها الإخوة، لمَن؟ للعالمين، للعلماء! الله قال أنا أشهد لنفسي الوحدانية وملائكتي ومَن أيضاً؟ والعلماء يشهدون لي، هذا يعني أن كل إنسان ألحد في الله هو جاهل، حتى لو عنده ليس نوبل Nobel واحدة وإنما مائة نوبل Nobel هو جاهل، نقول له أنت عالم في الفيزياء وجاهل بما هو أهم من الفيزياء، أليس كذلك؟ لا تفهم رأسك من رجليك، دابة من الدواب، الله سماهم دواب، قال دواب لا تعقل والعياذ بالله، لا تعرف ربك، تعرف المادة لكن لا تعرف ربك، فأنت جاهل، الله قال هؤلاء أهل العلم، قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۩، أي حال قيامه بالقسط، الله أكبر، هذه آية مُخيفة، كيف هذا إذن؟ الله يقول أنا أشهد وأنا عدل، شهادتي مقبولة لأنني أقوم بالعدل، وهذه الآية أيها الإخوة فقهياً يُمكِن أن نأخذ منها حُكم فقهي، ما هو؟ اشتراط العدالة في الشهود، هل هذا واضح؟ لابد من اشتراط العدالة، وهي تقريباً أشبه بأن تكون نصاً في اشتراط العدالة في الشهود، الذي يشهد في أي قضية لابد أن يكون عدلاً، مَن هو العدل باختصار؟ المُستقيم في دينه ومروءته في التعريف العلمي عندنا، علماء الشريعة ماذا يقولون؟ العدالة هي الاستقامة في الدين والمروءة، الاستقامة في الدين كيف تكون؟ بفعل المأمورات وترك المنهيات، والاستقامة في المروءة كيف تكون؟ بالتخلق بالأخلاق السنية والفضائل العلية والبُعد عما يُشين من سفساف الأمور مهما كانت صغيرة كتطفيف حبة أو أكلها أو ما إلى ذلك، أليس كذلك؟ تأتي وأنت شيخ – ما شاء الله عليك – وتقول نُريد – والله – أن نُجرِّب، تُجرِّب ماذا؟ لا تًجرِّب، شيخ أنت، لا تُجرِّب، إما أن تشتري أو تمشي، الناس تأخذ عليك هذا، أليس كذلك؟ أنت غير، وبعد ذلك تقول بكم الكيلو؟ يُقال لك والله بواحد يورو وعشرين سنتاً، فتقول ضع لي اثنين كيلو، ثم تقول بكم؟ فيُقال لك باثنين وأربعين، فتقول اجعلهم اثنين وثلاثين، هذا غلط، غير مُستقيم أنت، لست عدلاً، في ماذا؟ في الدين؟ لا، في المروءة، مروءتك مُختَلة قليلاً، أنت رجل وتحترم نفسك ولك لحية وتقول أنك كذا وكذا فلا تفعل هذا، تذهب إلى الطبيب لكي تتحكَّم – أقولها ببساطة – وما إلى ذلك فتقول والله سامحني، ما المُراد بسامحنى؟ أين أنت؟ هل أنت في السوق يا أخي؟ طبيب هذا، أليس كذلك؟ انتهى الأمر، ادفع واسكت، عيب الكلام هذا، نحن العرب عندنا العادة السيئة هذه، مع النمساوي يقول Bitteschön ويقول Dankeschön، وبتذلل يقول Vielen Dank، ويشكر الـ Schwester وهو يتصبب عرقاً، وعندما يذهب إلى أخيه المُسلِم – ويُساعِده أخوه المُسلِم، أليس كذلك؟ ويضع عنه ربما عشرين أو ثلاثين في المائة من القيمة، أليس كذلك؟ – يقول له سامحني يا رجل في النصف، سامحني في كذا، لأن لا تُوجَد مروءة، لا تُوجَد رجولة، أنا أقول هذا ببساطة حتى يتعلَّم بعض الناس، لأن هناك أناساً تجهل هذا، هناك أُناس آباؤهم وأمهاتهم لم يُعلِّموهم في البيت الكلام هذا والله العظيم، هذه المُشكِلة يا إخواني، والله هناك أخ حكى لي وشكى لي – أُقسِم بالله – من رجل مُعمَّم، وهذه حزت في نفسي وأُقسِم بالله على هذا، لأن العلم رحم بين أهله، يسوءني جداً جداً كطالب علم أن أسمع شيئاً أيضاً في سُمعة المشايخ والعلماء، لأن هذا أيضاً يُصيبك في النهاية، الناس لن يقولوا الشيخ فلان، سوف يقولون المشايخ، وسوف يأتي كل هذا فوق رؤوسنا، أليس كذلك؟ والله العظيم! الرجل مُستاء، مدحت له هذا الإنسان، قلت له هذا ما شاء الله أحسبه كذا وكذا، فقال لي لا وهز رأسه، ثم عرفت أن الرجل هذا يتطبب دون أن يدفع ويُحرِج الطبيب، يقول له سامح باستمرار، أين عدالتك؟ ولذلك مثل هذا يستحيل أن آخذ منه فتوى فيما بعد، ويستحيل أن أرضى منه موقف أو أطلبه في شهادة، لا! لأنه ليس عدلاً، أرأيتم كيف الدين؟ مضبوط بأشياء دقيقة، العدالة: الاستقامة في الدين والمروءة، استقامة الدين بفعل المأمورات وترك المنهيات، استقامة المروءة ما هي؟ كما قلنا أن تتخلَّق بكل خُلق رضي وبالفضائل السنية العلية وأن تبتعد عن كل ما يُشين كأن تقول ضع لي واترك لي وسامحني في عشرين سنتاً وما إلى ذلك وأُريد أن أُجرِّب هذه ثم تقول لم تُعجِبني والسلام عليكم، لا ينفع هذا، هذه يفعلها الإنسان العادي، لا يفعلها إنسان يُريد أن يكون عدلاً بين الناس، هل فهمتم كيف يا إخواني؟ هذه العدالة.

هناك آية مرت معنا في سورة البقرة في آية الدين أيضاً يُمكِن أن يُؤخَذ من ظاهرها اشتراط العدالة في الشهود، كيف؟ (ملحوظة) أجاب بعض الحضور بأن الله قال ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، الله لم يقل في البقرة ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩، قوله ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩ موجود في المائدة، لكن في البقرة ماذا قال؟ قال مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ۩، هذا يعني أن ليس كل مَن هب ودب يُمكِن أن يشهد، لكن مَن الذين نرضاهم؟ مَن هم؟ العدول، أصحاب العدالة، أليس كذلك؟ فآية البقرة مع هذه الآية مع آية المائدة كلها أو ثلاثتها تلتقي على اشتراط العدالة في مَن؟ في الشاهد، فالشاهد لابد أن يكون عدلاً، والله – تبارك وتعالى – أعلم، قال قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩.

۞ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ۞

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ۩، ما هو الإسلام الذي لا يعترف الله إلا به ديناً؟ هو الدين الذي بعث به كل أنبيائه ورُسله بدءاً من آدم وانتهاءً بالسيد الخاتم عليه الصلاة وأفضل السلام، سيد الكل وإمام الرسل محمد عليه الصلاة وأفضل السلام، قال وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۩، ما معنى بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۩؟ كيف؟هم اختلفوا بسبب البغي؟ لأن بعضهم بغى على بعض فاختلفوا، أي اليهود والنصارى، أليس كذلك؟ وطوائف اليهود فيما بين بعضهم البعض مثل القرّاء والفريسيين وإلى آخره، وطوائف النصارى فيما بين بعضهم البعض مثل النساطرة واليعاقبة والملكانية وإلى آخره، كيف؟ هؤلاء تحزَّبوا وتفرَّقوا وبسبب أن بعضهم صار يبغي على بعض ويكره بعضاً صار ماذا؟ يرد الحق من الطائفة الأُخرى وإن كان حقاً، أليس كذلك؟ الطائفة يكون عندها بعض الحق لكنه يقول لا، غير صحيح، ويتبنى القول الباطل وهو يعلم أنه باطل من باب المُكايدة لأخيه أو للفرقة الأُخرى، هل فهمتم ما معنى الآية؟ هذا معناها، هل وقع مثل هذا في أمة محمد؟ للأسف قريبٌ منه وقع في أمة محمد، رأينا بعض الأشياء التي ضُيَّعَت وبعض الحق الذي التبس بالباطل من بعض الناس الذين ادّعوا أنه يطلبون الحق، بُحجة ماذا؟ بحُجة أن الآخر – الخصم في المذهب العقدي، وأنتم تعرفون هذا، مثل هذا أشعري وماتريدي وسلفي وشيعي وإباضي وما إلى ذلك – يقول به، فأنا سأقول بضده، هذا لا يجوز، ويُحاوِل بعض الناس أن يُجهِد عقله وأن يستجلب الحُجة من كل الوجوه لكي يُؤكِّد نقيض ما قال الآخر، مع أن ما قاله الآخر أقرب إلى الحق وواضح أنه حق، لكنه يُريد أن ينقضه عليه، هذا نوع مما وقع لأهل الكتاب، ونُعيذ أنفسنا وإخواننا بالله من ذلك، وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ۩ واضحة.

۞ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۞

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۩، واضحة، فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ ۩، ما معناها؟ فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب، يُوجَد محذوف في الآية، وفيها تهديد هذه الآية، عَلَيْكَ الْبَلاغُ ۩، هنا قد يقول لي أحدكم عليه البلاغ لكن وعلى الله ماذا؟ الحساب، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩.

۞ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۞

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۩، بالمُناسَبة من البقرة إلى آل عمران يُوجَد تنسيق – أي نسق – غريب جداً، في أول البقرة وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۩، بعد ذلك هنا وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۩، الأولى بِغَيْرِ الْحَقِّ ۩ والثانية بِغَيْرِ حَقٍّ ۩، بعد ذلك قال وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۩، يُوجَد تدرج، سوف نبحث فيه فيما بعد.

وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۩، مَن هم هؤلاء إذن؟ اليهود، الذين عُرِفوا – والعياذ بالله – بوصمة قتل الأنبياء وقتل العلماء والمُقسِطين والآمرين والناهين هم مَن؟ اليهود والعياذ بالله منهم، لم تُقتِّل أمة من الأنبياء كيهود، ذكر ابن القيم – رحمة الله تعالى عليه – في هداية الحيارى أن يهوداً قتلوا في يوم واحد سبعين نبياً وعلَّقوهم من رؤوسهم كالسخال في المجزرة أو في المقصلة، سبعون نبياً! هنا قد يقول أحدكم كيف قُتِلَ سبعون نبياً في يوم واحد؟ ما هذا؟ النبوة لم تكن بمعنى أن تكون فقط مثل موسى وعيسى ومحمد، لا! النبوة كما في الأثر أو في الخبر كانت مُختلِفة عن هذا، كان الرجل يسمع الصوت أو يرى الضوء فيُعتبَر نبياً، أي مثل الأولياء في أمة محمد، رجل يرى صوتاً أو يرى ضوءاً أو يُلهَم بإلهام فيصير نبياً، يتنبأ! هذه هي، فكونه نبياً لا يعني أنه أتى برسالة وبكتاب وبشريعة وما إلى ذلك، لا! هذه قضية طبعاً نادرة.

۞ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ۞

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ۩، واضحة.

۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ۞

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ۩، أيضاً واضحة.

۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۞

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۩، سبق مثلها في البقرة، لكن هناك أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۩، هنا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۩، نفس الشيئ سواء معدودات أو معدودة، ما هي هذه الأيام كما قلنا في تفسير البقرة؟ قالوا البُعدة أيام عبادتنا للعجل، قالوا أيام عبادتهم للعجل، قيل كانت سبعة أيام، قالوا سندخل جهنم سبعة أيام فقط، وكل يوم بألف يوم، إذن سبعة آلاف سنة، ثم نخرج! ما هذا؟ قال تعالى وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩، هذا غير واضح، هذا الجُزء من الآية لابد أن نُوضِّحه، ما معنى وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩؟ غرهم في دينهم الباطل، غرهم في كفرهم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩، كيف؟ انتبهوا، هناك دقة ولذلك أكَّدنا على أهمية اللُغة، يُوجَد فرق بين وغرهم عن دينهم وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم ۩، حين نقول هذا غرك عن دينك يكون المعنى أي عن دينك الحق، أليس كذلك؟ أي غرَّرك عن دينك الحق، لكن حين نقول غرك في دينك يكون المعنى أي في باطلك وفي إفكك، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩ أي ثبَّتهم وأغراهم بالثبات على هذا الدين الباطل مثل هذه الفرية، أليس كذلك؟ لو كان يُوقِنون ويُذعِنون ويُقِرون – وهم يعلمون ذلك، أن هذا محض إفك وافتراء من عندهم، هذا كذب، لن ندخل جهنم إلا أياماً معدودات – بذلك لتابوا وأنابوا وراجعوا أنفسهم، لكنهم قالوا لا، سنفعل ما نُريد، وفي الآخرة إن هي إلا سبعة أيام، سبعة أيام لا تزيد ولا تنقص، أُكذوبة كُبرى، فهذه الأُكذوبة فعلاً تُغريهم بماذا؟ بالبقاء على ما هم فيه من باطل، وللأسف هم ظنوها صحيحة، والله قال وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩، ولذلك هم بقوا على ما هم فيه من باطل، إذن المقصود هنا بالدين ماذا؟ الدين الباطل، أي في دينهم الكفر أو الباطل، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩، طبعاً هذا دين.

۞ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ۞

فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ ۩، هو يوم القيامة، لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ۩، واضح.

۞ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۞

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، هذه لها علاقة بموقف اليهود من سيدنا رسول الله، لماذا؟ هم اغتاظوا واغتموا غماً وغيظاً شديدين لأن محمداً لم يكن من نسل يعقوب، من نسل إسرائيل، وقد كانوا يُؤمِّلون ذلك ويستفتحون به، فلما جاء من نسل إسماعيل غضبوا غضباً شديداً واغتاظوا وكفروا حسداً من عند أنفسهم، الله ماذا قال لهم لكي يُعلِّمهم؟ قل لهم يا محمد أن الله – عز وجل – هو مَالِك المُلك يُؤتي المُلك مَن يشاء وينزع المُلك مِمَن يشاء، كانت النبوة في بني إسرائيل والآن في بني إسماعيل، الله بحكمته يعرف كيف يُنقِّل هذا الشيئ تبارك وتعالى، وحتى طبعاً هذا المُلك الحقيقي أيضاً الله يُنقِّله من مَلِك إلى مَلِك ومن والٍ إلى والٍ. 

وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۩، كما قلنا أمس في حديث مُسلِم عن أبي موسى الأشعري قام فينا رسول الله بأربع كلمات، قال يخفض القسط ويرفعه، يرفع هذا ويُنزِّل هذا ويُعطي هذا ويأخذ من هذا ويُحيي هذا ويُميت هذا، كل هذا بيد الله تبارك وتعالى، لا إله إلا الله، هذه الآية طبعاً عظيمة جداً وجامعة.

بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ هذه غريبة فانتبهوا، نحن نقول بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، قدرتك نافذة في كل شيئ، لا يتعاجزها شيئ، لكنه لما قال بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۩ وجدنا ملحظاً غير عادي، وقد شرحته العام الفائت في أسماء الله الحُسنى، هل تذكرونه؟ مَن يذكره؟ انتبهوا! حتى الله – تبارك وتعالى – حين ينزع المُلك وحين يذل بعض العباد وحين يُفقِر وحين يُمرِض وحين… وحين… وحين… لو العبد تلقى هذه الرسالة على وجهها وفهمها كما هي لكانت سبيلاً إلى الخير، إلى أن يتوب وإلى أن يُنيب وإلى كذا وكذا، كما قال في آيات أُخرى كثيرة فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ۩، لماذا؟ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ۩، قال أنا أُريد الخير، لا إله إلا الله، كأن الله لا يفعل لعباده إلا الخير، لا تُوجَد آية فيها بيدك الشر، أليس كذلك؟ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۩، النبي ماذا كان يقول لربه تبارك وتعالى؟ والشر ليس إليك، يقول له الخير كله بيديك والشر ليس إليك، الشر لا يُنسَب إلى الله تبارك وتعالى، وهنا قد يقول لي أحدكم لكن الله هو خالق الخير والشر، نحن نعرف الكلام هذا لكن انتبه، حتى حين تقول أنه خالق الخير والشر يكون فيها مبحث طويل جداً جداً، كيف ترى أنت الشر بصراحة؟ أنت الذي جعلته شراً، أليس كذلك؟ قد يقول لي أحدكم يا أخي هو أمرضني، أنا كنت في عافية وشللت وصرت مُقعَداً، أنت تستأهل، هو قال لك بمائة ألف طريقة تعال يا عبدي، ارجع يا عبدي، تعال يا عبدي، وأنت “معنفص” كما يُقال، قال لك إذن سأُرجِّعك بطريقة ثانية، خُذ – شللتك – وارجع، إذا رجعت يُمكِن – لا تعرف – يُفيض عليك بأشياء أُخرى أعظم من نعمة الصحة، ويُمكِن حتى في النهاية أن يشفيك إذا أراد، أليس كذلك؟ إذا لم ترجع يُمكِن أن يزيدك، أليس كذلك؟ الآن شلل وغداً عمى، وبعد ذلك فقر وبعد ذلك ذل وبعد ذلك سجن وبعد ذلك جهنم، أليس كذلك؟ انتبهوا! هذا المعنى خطير، من أخطر المعاني التي ينبغي علينا أن نتعمَّقها أيها الإخوة والأخوات، ما هو؟ أن الله – عز وجل – دائماً يُنادينا، دائماً يدعونا، دائماً يندبنا إلى ضيافته، إلى مائدته الرحمانية لكي نأخذ من النفحات والخيرات والعطايا والهبات التي عنده تبارك وتعالى، إذا لم نستجب وجعلنا دائماً نتفلَّت ونتغيَّب وهو يُريد أن يُعيدنا وأن يسترجعنا يكون ذلك كيف؟ أحياناً بالبلايا، أحياناً بالمصائب، قال وإن لم يتوبوا إلىّ فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأُطهِّرهم من الذنوب والمعائب، انظر ماذا قال؟ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۩، لم يقل بيدك الخير والشر، قال بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۩، فأن يُنزَع المُلك حتى أو أن يُذَل إنسان أو أن تُخفَض مرتبة إنسان أو أن يُسجَن إنسان أو أن أو أن أو أن وإلى آخره كل هذا لو فُهِم على وجهه هو – إن شاء الله – باب للخير، أما إذا لم يُفهَم على وجهه يصير ماذا؟ يصير فعلاً بهذا الشر.

أحد العارفين بالله – حدَّثتكم مرة عنه في مسجد الهداية – له كلمة والله يا إخواني – فكِّروا فيها بعمق – نفعني قبل سنوات – ربما قبل سبع عشرة سنة – ما شاء أن ينفعني بها، غريبة وعجيبة من نوعها، ماذا يقول في الكلمة هذه وهو عارف بالله كبير؟ يقول يا ابني، يا حبيبي – يقول هذا لمُريدينه ولتَلاميذه – ما ثمة إلا حقيقة واحدة وهي الخير – الله لا يفعل لعبيده إلا الخير، هو يُريد بهم فقط عز وجل، لا يُريد الشر، الشر ليس إليه – ولكن إن ذُقتها حنظلات – أي حنظل، علماً بأن هذا العارف مغربي – وجدتها حنظلات وإن ذُقتها شهداً وعسلاً وجدتها شهداً وعسلاً، فذُق المليح ولا تذق القبيح يا ابني. ما هذا الكلام؟ عجيب الكلام هذا، حين تتدبَّره تجد أنه غريب، غريب فعلاً! أنا قرأت هذا الشيئ وفتح علىّ معنىً جديداً لأول مرة في حياتي أُحاوِل أن أتفهمه ثم خرجت من بيتي، وسُبحان الله كنت أركب درّاجة Bicycle وخرجت من تلة مُرتفِعة جداً  – لا أعرف كيف، القدر هكذا، إذا حل القدر عميَ البصر – ونزلت في هذه النزلة العجيبة جداً ولا يُوجَد توقف – Stop – في هذه الدرّاجة Bicycle، وما شاء الله علىّ ارتطمت بشدة بالأرض، لم أعرف أين أنا، دم في وجهي وفي جسمي، تذكَّرت الكلمة – أُقسِم بالله وأنا في شهر رمضان أيها الإخوة – وإذا أنا في حالة من الرضا والسرور ووجدت دفقة إيمانية غريبة لا تُوصَف، لو كانت هذه مع الواحد منا في كل لحظة لكان من أسعد عباد الله، فأيقنت بصحة هذه المقولة لهذا العارف بالله، قلت في تلك اللحظة هذا فيه خير، أكيد هذه حقيقة، أكيد هذا خير الله ساقه لي لكن أنا لم أفهمه، وانقلب كل شيئ حلاوة، كل شيئ صار شهداً وعسلاً بالنسبة إلىّ! فهذا يُمكِن أن يحدث مع أي أحد البُعداء لو استيقظ مشلولاً، بعض الناس يستيقظ مشلولاً، أليس كذلك؟ أعرف بعض الناس هكذا، يستيقظ الواحد منهم مشلولاً، لو تذكَّر الشيئ هذا يكون من أسعد الناس بما حصل له، ويُمكِن أن يكون هذا بداية فتح إلهي، وسوف أختم لكم بقصتين عجيبتين جداً، الأولى قصة عن رجل عارف بالله في الأردن، علماً بأن هذا غير الدرس، هذه موعظة سريعة، هذا الرجل أيها الإخوة ذهب ما شاء الله – وهو كان إنساناً صالحاً، لم يكن واصلاً بشكل كبير لكنه صالح – وزار رسول الله في الحج عليه الصلاة وأفضل السلام، وهناك دعا الله – تبارك وتعالى – في مقام رسول الله في روضته الشريفة أن الله يفتح عليه فتوح العارفين، يُريد أن يصير عارفاً بالله، يُريد أن يكون من أهل الله، فرأى النبي في المنام، جاءه النبي، قال له أنت طلبت شيئاً كبيراً، هل تظن الحكاية بهذه البساطة؟ مثل عدنان إبراهيم يقول اللهم افتح علينا فتوح العارفين بك، دعاء! المسألة أصعب من هذا بكثير، لا يُمكِن أن تدعي هكذا وتمشي، قال له أنت طلبت شيئاً كبيراً، أتُريد أن تكون من العارفين؟ هل تستطيع أن تدفع الثمن؟ قال له أستطيع، قال له إنك ستُبتلى فاصبر، فقط! هذا يُخوِّف، جاء إلى النبي رجل وقال له يا رسول الله إني أُحِبك، قال له استعد للفقر تجفافاً، وفي رواية قال له استعد للفقر جلباباً، نفس الشيئ! أتُحِبني؟ قال له، ذهب مالك، ولذلك قال الحسن البِصري امتحن الله قوماً زعموا محبة محمد بهذه الآية: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ۩، وإذا اتبعت محمداً اعلم أن محمداً أكثر نبياً أوذي وأكثر نبياً امتُحِن وأكثر نبياً ذاق في الله ما ذاق، أليس كذلك؟ سوف تدخل في طريقه، هيا دعنا نرى، هل تقدر؟ هذه هي، فَاتَّبِعُونِي ۩ ليست بمعنى أطل اللحية والبس الجلباب، أسهل شيئاً هذا، هذا يفعله الكل، أليس كذلك؟ حتى المُنافِقين كان عندهم لحى وجلباب، ابن سلول كان يفعل هذا، كلهم كانوا يلبسون هذا، المراد بقوله فَاتَّبِعُونِي ۩ أن تتبعه في مُجمَل سُنته وهديه وفي روح رسالته، أليس كذلك؟ وفي سيرته، هذا هو، يجري عليك شبه أو قليل أو قطرة مما جرى عليه لكي نرى هل ستتحمَّل أم لا؟ هذا هو، فَاتَّبِعُونِي ۩  لا تعني أن تُطِل اللحية، سهلة ومطلوبة، نعم أطل لكن ليس هذا هو، هذا لا شيئ، هذا سهل جداً جداً، لعب أطفال! وهذا الرجل المسكين فعلاً حين عاد ابتُليَ، والقصة هذه حدِّثني بها والحمد لله رجلٌ يعرفه شخصياً، قال له عاد هذا الرجل وما شاء الله استقبله أهله وما إلى ذلك، ما هي إلا فترة بسيطة – لا أدري مقدارها حتى أكون دقيقاً، لا أعرف كم شهراً وما إلى ذلك لكنها فترة بسيطة – وماتت زوجته، فقال الحمد لله، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، ثم بدأ الموت في أبنائه وبناته، فماتوا عن آخرهم، قال الحمد لله، وكان رجلاً على ما أذكر تاجراً في ماء الورد وكان مُتموِّلاً، عنده ثروة طائلة من هذه التجارة، كأنه كان يحتكرها، لكن ذهب ماله فافتقره، إذن لا مال ولا أولاد ولا زوجة ولا أي شيئ، ثم أصبح ذات يوم وقد عمي، أصبح وهو لا يرى، قال الحمد لله، وصبر في كل ذلكم صبراً جميلاً، يقول مُحدِّثي ويُقسِم لي – قال لي هذا معروف – بعد ذلك فُتِحَ على الرجل فتوح غريبة جداً، فعلاً أصبح من أهل الله، وهو رجل غير مُتعلِّم علم شرعي، يُسأل في أدق المسائل فيُجيب مُباشَرةً على البديهة، وهذا شيئ بسيط في الولاية، الحلال والحرام شيئ سهل، لكن عنده فتوحات أُخرى غريبة وعجيبة، من أهل كرامات الله صار، صار واصلاً، لكن بعد ماذا؟ بعد صبر مُر، صبر جميل وصعب، هذه الأشياء صعبة جداً، أليس كذلك؟ أُريد أن أُحدِّثكم الآن بالقصة الأُخرى، وقد ذكرتها لكن كم تأثَّرت بها وأحببتها! هناك أُناس لم يسمعوها فأُحِب أن يسمعوها – أكيد – لأول مرة، وهي القصة التي حدَّثنا بها فضيلة الدكتور سعيد رمضان البوطي – حفظه الله – في المكتب هنا، لا أعرف مَن كان موجوداً حينها لكن المُهِم أن هذا كان في المكتب، وهي قصة مُؤثِّرة جداً، قال أنا أصابتني محنة صغيرة، قال وظللت شهرين مُعتكِر المزاج، حتى تقريباً استشعرت اليأس، أي خامرني اليأس، شهران مُتواصِلان في المحنة ولا يُوجَد على ما يبدو فرج قريب، فخامرني اليأس الدكتور البوطي – حفظه الله – يقول، يقول سُبحان الله بين أنا في ذاك إذ رن التليفون Telephone أو الهاتف فرفعته، فإذا رجل يتصل بي اسمه الشيخ المُصطفى وله عائلة مُعيَّنة، ولعل من غير المُناسِب أن نذكر اسمه كاملاً، المُهِم اسمه الشيخ مُصطفى، من أين هذا؟ من حمص، قال له السلام عليكم ورحمة الله، كيف حالك يا دكتور سعيد؟ كيف حالك يا شيخنا؟ وكذا وكذا، فقال له الحمد لله، ثم قال له كيف حالك يا فلان؟ وقد سمع الدكتور البوطي أن هذا الرجل مُنذ خمس أو ثلاث وعشرين سنة مُمدَّد على ظهره وهو مُجرَّد جلد على عظم وكل بدنه أشل، ميت أيها الإخوة، لا يتحرَّك فيه إلا رأسه، والبدن كله ميت، عظام عليها بعض الجلد فقط، أي جلدٌ على عظمٍ، من خمس وعشرين أو ثلاث وعشرين سنة لا يتحرَّك، قال فقلت له أنت كيف حالك يا شيخ مُصطفى؟ قال له يا دكتور سعيد الحمد لله، يا سيدي الحمد لله، في خير كثير، لكنها تحتاج إلى شكر قال له، تحتاج إلى شكر يا سيدي، تحتاج إلى شكر قال له، أي مُقصِّرون نحن، يشكو تقصيره من عدم قدرته على شكر الله على النعمة التي فيها، قال أنا سمعت هذا الكلام وتحوَّل حالي بالكامل، نسيَ محنته وبلائه، محنة ماذا؟ هذا يعني أننا في لعب أطفال، قال قلت لأزرونه، انظر إلى الناس الصالحين، هذه هي، طبعاً هو عالم ورجل فاضل ومُربٍ، قال لابد أن أزوره، لابد أن أستفيد من هذا الرجل المُنوَّر، يجب أن أذهب لزيارته لكي أراه وآخذ من أنواره وآخذ من بركته، قال فعلاً ذهبت إليه، أخذت أول مُواصَلات وذهبت إلى حمص، سأل عنه وطرق الباب ودخل عليه، قال دخلت عليه ووجدت شيئاً لا يُوصَف، عظم قال، عظم! قال البدن لا يُوصَف، بدن المسكين لا يُوصَف، شيئ عجيب، وأما الوجه – قال – فسُبحان الله الخالق العظيم، كان وجهاً عادياً، لم يكن ضعيفا، كان وجهاً عادياً، فيه نور – قال – كأن القمر يجري فيه أو الشمس، نور – قال – لا يُوصَف في وجهه، قال وهو دائم الذكر والتسبيح ودائم ترديد هذه الكلمة: تحتاج إلى شكر يا سيدي، تحتاج إلى شكر، المُشكِلة في الشكر، نحن غير قادرين على أن نشكر ربنا على ما نحن فيه، لا إله إلا الله! أرأيتم كيف آيات الله؟ هذا يعني أنا نحن ومَن مثلنا خليقون أن نشكر الله يا أخي صباح مساء، والله العظيم لا يُوجَد شيئ – هذا المفروض – من كل هموم الدنيا حري بأن يحزننا أو يغمنا إلا ما كان من قضايا الإسلام والمُسلِمين، لكن قضايا النجاح والفشل والمشاكل العائلية والمال ذهب والمال جاء وخسرت وربح كله كلام تافه، لا يستأهل أن يُغَم الواحد منا من أجله لحظة واحدة، أليس كذلك؟ الحمد لله، نعمة الصحة ونعمة الزوجة والأولاد والعافية ونأكل ونشرب وندخل إلى المرحاض ونخرج، كله تمام في تمام كما يُقال، ماذا نُريد أحسن من هذا؟ ونُصلي والحمد لله، لا نذهب إلى المواخير ولا نشرب ولا نسرق ولا نقتل ولا نتسبَّب في مشاكل ولا نضر الناس، يا رب لك الحمد، اللهم الزيادة يا رب، اطلب الزيادة دائماً واشكره لأنه قال ماذا؟ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۩، اللهم جعلنا من عبادك الشاكرين، عبادك الأوّاهين التوّابين المُخبِتين المُنيبين، اللهم اجعلنا لك ذكّارين ولك شكّارين وإليك رجّاعين أوّاهين مُنيبين برحمتك يا أرحم الراحمين، تقبَّلنا في الصالحين، اللهم أوزِعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا وأن نعمل صالحاً ترضاه، وأصلح لنا في ذُرياتنا إنا تُبنا إليك وإنا من المُسلِمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: