الدرس التاسع
تفسير سورة آل عمران من الآية السابعة والعشرين إلى الآية الواحدة والستين

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا وفقهاً وعلماً، ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا. اللهم آمين.

۞ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ۞

أما بعد، أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الإخوات الفاضلات:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، قال الله – تبارك وتعالى – تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩.

 تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۩ الإيلاج هو الإدخال أيها الإخوة، ومنه حتى في العلاقة بين الزوجين الإيلاج، الإيلاج هو الإدخال، أي تُدخِل الليل في النهار فينقص الليل ويزيد النهار وتُدخِل النهار في الليل فينقص الليل ويزيد النهار وهكذا، طبعاً هذا معروف في الفصول الأربعة أيها الإخوة، حيث يعتدلان في الاعتدالين وحيث ينقص النهار في الشتاء ويزيد الليل وبالعكس في الصيف يزيد النهار وينقص الليل، هذه طبعاً بلا شك من مظاهر قدرة الله البالغة سُبحانه وتعالى.

وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۩، أيضاً هذه لها مظاهر كثيرة جداً أيها الإخوة، أي هذه الآية العجيبة، إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي، فالشجرة حية مثلاً، يُخرِج الله منها البذر، البذر ميت، ومن هذا البذر أو من هذه البذور يُخرِج أيضاً الأشجار الحية مرة أُخرى أو النبات الحي مرة أُخرى، الإنسان حي، يُخرِج منه الحيوان المنوي مثلاً، هذا الحيوان إذا زايل أو فارق بدن الإنسان يُعتبَر ميتاً، في اللُغة العربية كل شيئ ينفصل عن حي فهو ميت، هو كائن ميت تقريباً، ويُخرِج منه الله – تبارك وتعالى – ماذا؟ الكائن الحي، يُخرِج المُؤمِن من الكافر، المُؤمِن حي والكافر ميت، ويُخرِج الكافر وهو ميت من الحي المُؤمِن، وهكذا! أشياء كلها مُتقارِبة، وقالوا أيضاً الدجاج من البيض والبيض من الدجاج، وهذا صحيح، البيضة ميت بلا شك والدجاجة حية، ثم تُصبِح حية بقدرة الله تبارك وتعالى، وهكذا! طبعاً سر الحياة سر إلى الآن مُستغلِق، لم يصل إليه العلم، أكثر شيئ حاولوا أن يصلوا إليه وأن يستكنهوه – يعرفوا كُنهه – الحياة، لكن أعجزهم هذا السر وعضل بهم، لم يستطيعوا أيها الإخوة، فكَّكوا الخلايا الحية إلى مُكوِّناتها الأولى تماماً ثم أعادوها كما كانت ففقدت الحياة، إذن الحياة مُكوِّن غير مرئي، غير موجود، وغير مادي، نفس المُكوِّنات موجودة، فقط هم فصلوها ومازوها بعضها عن بعض ثم أعادوها في السيتوبلازم Cytoplasm – كما هي تماماً وضعوها، وفي النواة أيضاً – ففقدت الحياة، ما الذي فُقِد؟ هو سر الحياة، شيئ غريب، قدرة الله تبارك وتعالى.

وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩، إذا أعطى أدهش – كما تقول العامة – وإذا حاسب فتَّش، تبارك وتعالى يُدهِش عطاؤه، بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩.

۞ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ۞

لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ ۩، هذه جُملة خبرية أو إنشائية؟ الله يُخبِر أن هذه كما قال لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩، تلك خبرية أو تلكم خبرية، لكن هنا – لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ ۩ – إنشائية، لو كانت أيها الإخوة جُملة خبرية لقال لا يتخذُ – بالضم – المُؤمِنونُ لكن هي لاَّ يَتَّخِذِ – بالكسر – الْمُؤْمِنُونَ ۩، في الأصل هذا الفعل مجزوم بـ (لا) الناهية، ممنوع أن يتخذ المُؤمِن – والعياذ بالله – ولياً من الكفّار من دون المُؤمِنين، فيمحضه النُصح والمحبة والنُصرة – هذا معنى الولاء أو الولاية – من دون المُؤمِنين، هنا قد يقول لي أحدكم أنا أُوالي المُؤمِنين والكافرين، لكن لا يتفق، انتبهوا! بعض الناس يقول لا تُوجَد مُشكِلة، أنا أوالي إخواني المُؤمِنين وأوالي الكافرين، لكن ما يتفق، لماذا؟ دائماً لأن الكفّار لا يتركون المُؤمِنين في حالهم وفي سبيلهم، مُستحيل! وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۩، أليس كذلك؟ هذه في الكفّار الوثنيين، وأما في أهل الكتابين قال وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۩، (لن) للتأبيد عند بعض النُحاة، قال وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ ۩، هل رضوا عبر ألف وأربعمائة سنة؟ لا، حروب مُستمِرة مع أننا أسدينا الأيادي البيضاء والمنن الجسيمة أو المنن الجسام العظيمة الكبيرة لليهود فكان جزاؤنا منهم جزاء سنمار، وهكذا!

ومَنْ يَصنَعُ المَعروفَ مَع غَيرِ أهلِهِ                 يُلاقي كَما لاقى مُجيرُ أُمِّ عامِرِ.
هكذا! لن يرضى عنا لا الوثنيون أيها الإخوة ولا الكتابيون أبداً، ولذلك لا يتفق ولا يجتمع أن تُوالي الكفّار وأن تُوالي المُؤمِنين، مُستحيل! لأن هؤلاء لهم سبيل وهؤلاء لهم سُبل أُخرى، لا يسيرون في سبيلنا، أليس كذلك؟ كيف تُشظّي نفسك؟ كيف تُشطِّر نفسك؟ كيف تُمزِّق نفسك؟ تسير في سبيل المُؤمِنين وفي نفس الوقت في سُبل الكافرين، لا يُمكِن! لو كانت السبيل واحدة لكان مُمكِناً، لكن لا تُوجَد سبيل واحدة إلا للمُؤمِنين، هكذا! ولذلك يقول مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۩، هنا قد يقول أحدكم ماذا لو أسدى كافر إلىّ معروفاً فكافئته بمعروفه؟ بالعكس هذا من أخلاق المُسلِمين، والنبي كان يُحِب المُكافأة من مُؤمِن ومن كافر لمُؤمِن ولكافر، أي إنسان أسدى إليك معروفاً أنت كافئه بمعروفه، هذا من أخلاق النبوة، لكن هذا لا يعني المُوالاة، لماذا؟ لأنك لا تنصره على أخيك المُؤمِن، أليس كذلك؟ لا تنصره على أخيك المُؤمِن ولا تُحِبه كالمُؤمِن أبداً، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا تكليف بما لا يُستطاع، أنا أحياناً أرى من الكافر نصفاً أو إنصافاً واعتدالاً وما إلى ذلك، إذن أنت لا تُحِبه، أنت تُحِب هذا الخُلق فيه، هكذا! لكن لا تُحِبه لمعنى كفره، ونحن نتحدَّث عنه بعنوان الكفر أو بعنوان أنه يهودي أو نصراني، لا يُمكِن! أنا بهذا العنوان لا أُحِبه، لكن أُحِب فيه الأمانة، العدل، الإنصاف، وإلى آخره، نعم هذا مُمكِن، هذا جائز وطبيعي، وهذا من محبتك للأخلاق السنية والفضائل العلية، هذا جائز، لكن لا تُحِبه بعنوان آخر، على كل حال آيات المُوالاة أيها الإخوة كثيرة جداً، من أشهرها آيات التوبة قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ۩، وأيضاً آيات المُمتحِنة وأيضاً آيات المُجادِلة.

وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ ۩، برأ من الله، الذي يفعل هذا بفعله هذا برأ من الله، هذا الفعل براءة من الله، براءة منك والعياذ بالله، كأنك تبرأت من الله، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ۩، إذن هذا يستغرق الإيمان والعياذ بالله، يستحوذ على إيمان الإنسان، أعني مُوالاته للكفّار، ولذلك أيها الإخوة من أهم خصائص الإيمان ما هي؟ من أهم خصائص الإيمان خصيصة الحُب في الله والبُغض في الله، المُؤمِن كلما عظم إيمانه رُغماً عنه – تلقائياً، من غير حساب، من غير تكلف، من غير تفعل – ماذا يحدث معه؟ سُبحان الله يُصبِح يُحِب أولياء الله ويُحِب الناس بحسب مقياس واحد: الإيمان والتقوى، الذي يكون أكثر إيماناً يُحِبه أكثر وينشد إليه ويتبرَّك به، يُحِب منه دعوة ويُحِب منه ما إلى ذلك، ولا يبغي عنه لا مالاً ولا نسباً ولا زواجاً ولا منفعةً ولا مصلحةً أبداً، يُحِبه فقط لأنه مُؤمِن ولأنه تقي، وقد يكون صعلوكاً لا مال له، وقد يكون فقيراً، وقد يكون مغموراً مجهولاً غير معروف ومستوراً بين الناس، لكنه يُحِبه ويُعظِّمه أكثر من حُبه وتعظيمه للأغنياء والكُبراء وأصحاب الهيئات، لماذا؟ الإيمان، هذا مُقتضى الإيمان، ثلاثٌ مَن كُن فيه وجد حلاوة الإيمان…. وأن يُحِب الرجل لا يُحِبه إلا لله وأن يُبغِض الرجل لا يُبغِضه إلا لله، حُب في الله وبُغض في الله، من أهم خصائص الإيمان! ولذلك انتبه إذا وجدت في نفسك – وحاشاك أيها الأخ المُؤمِن أو أيتها الإخت المُؤمِنة – أنك لا تُحِب المُؤمِنين أبداً، أنت تُحِب صنوفاً أُخرى من الناس، لعلهم يكونون نعم من المُسلِمين لكنك تُحِبهم لأموالهم أو لسُلطانهم أو لهيئاتهم أو لنفوذهم، وقد تُحِب حتى بعض غير المُسلِمين والعياذ بالله، ولا تُحِب الأولياء الأتقياء الذين يُحِبهم الله، فالله يُحِب صاحب كل قلب تقي وصاحب كل دعاء حفي وصوت خفي كما يُقال، أنت لا تُحِب مَن أحب الله، إذن أنت ضعيف الإيمان، البعيد أو الأبعد هو ضعيف الإيمان، إيمانه ضعيف جداً، بقيت منه زبالة يُوشِك أن تطفئ، إذا لم يحطها ويهتم ويُعنى بها يُمكِن أن تطفئ هذه الزبالة فيذهب الإيمان، هذه من أهم الخصائص! 

ولذلك الله – تبارك وتعالى – ذات مرة أوحى إلى كليمه موسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقال يا موسى أخبرني بعملٍ عملته من أجلي، في وجهي، لي فقط! فذكر له – مثلاً – الصلاة والعبادة وما إلى ذلك، قال لك تدخِر بها الخير لنفسك، أنت تبني لنفسك قصوراً في الجنة وتأخذ درجات، أنت تتعبَّد لنفسك، قال الله وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۩، وقال أيضاً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ۩، الله قال له تهجَّد وقم الليل لك يا محمد، ليس لي وإنما لك، هذا – والله – صحيح، فقال له الزهد، تركت الدنيا واستقللتها وزهدت فيها ورغبت عنها، قال له تعجَّلت الراحة لنفسك، راحة طبعاً حين تكون زاهداً فعلاً والحمد لله، والله الحمد لله، مَن أعطاه الله – تبارك وتعالى –  القناعة – والله العظيم، والله، أُقسِم عليها وأنا صادق إن شاء الله تعالى في هذا القسم – هو يحمد الله على الكفاف، أنه مستور وليس عنده أموال، يحمد الله على هذا حقيقةً، ولا يأسى ولا يحزن ولا يمد عينيه إلى ما مُتِّعَ به أنفار من أهل الدنيا بزهرة الدنيا، ولا يهتم! هو سعيد جداً وهو يرثي لهم، لماذا؟ لأنه مرتاح، نفسياً مرتاح هو، نفسياً سعيد، عنده ما يأكله وما يشربه وما يسكنه وما يلبسه وما يُلبِس أهله، ماذا ينقصه؟ أنت عندك الدنيا بحذافيرها يا رجل، أنت ملك، فبحسب القرآن الكريم مَن عنده يأكل ويشرب ويركب هو ملك من الملوك، أنت ملك من الملوك، ماذا تُريد؟ أتُريد الملايين والملايير؟ هنا قد يقول لي أحدكم أنا أُريدها لكي أنفع بها المُسلِمين، لكن هذا كذب، هل تعرف لماذا؟ لو كنت بهذه النفسية – ما شاء الله – وأردت هذا لكنت من الراضين بالقناعة، بالعكس! مثل هذا الإنسان لو موَّله الله وأثَّله مالاً جسيماً وثراءً عريضاً – ويعلم الله منه أنه يرضخه ويُسلِّطه على هلكته في الحق كما في الحديث الذي في الصحيحين وغيرهما – ثم أُخِذ منه المال يكون راضياً قانعاً ولا يمد عينيه، لكن الذي يسيل لعابه ويتحلب لعابه دائماً ويقول لو عندي مثل هذا ولو كذا ولو كذا – مُستحيل – لو أُعطيَ يُفتَن، وتعرفون قصة ثعلبة، أليس كذلك؟ فالحمد لله، لابد من القناعة، اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً وفي حديث آخر قوتاً، النبي كان يقول اجعل رزقي قوتاً، وما أكثر القوت لمَن يموت! كما قال أبو العتاهية، وما أكثر القوت لمَن يموت! الكل ميت، الكل سيترك الدنيا، فالقوت حتى كثير، كافٍ! عندي ما آكل به وأشرب وألبس، الحمد لله يا رب، لا أُريد الزيادة، لا أُريد! لأنها فتنة ولا ندري هل ننجح أو نرسب.

أعرف رجلاً – سأقول أولياء الله لأنه رجل صالح فعلاً – كان صاحب ملايين، كان عنده مصنع كبير لدينا في قطاع غزة، وهو رجل – سُبحان الله – قليل الكلام، كثير الفعال، جسيم الفعال، يفعل لكن لا يتكلَّم كثيراً، سُبحان الله أصبح هذا تقريباً وقد أفلس بالكامل، احترقت ثروته، وذهبت – كنت طفلاً صغيراً أو غُلاماً – مع مَن ذهب لتعزية هذا الرجل، سُبحان الله استغربت منه وأنا صغير، كنت غُلاماً صغيراً، ربما كنت ابن ثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة وهكذا، ليس أكثر من هذا، فاستغربت! هزني هذا الرجل أيها الإخوة بصبره واسترجاعه، راضٍ، بسمة عريضة ويقول الحمد لله، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، الله أعطاني هذا المال وهو الآن شاء أن يأخذه بحكمته فالحمد لله، أنا – والله – راضٍ، يتكلَّم الرجل بنفسية عجيبة، أنا استغربت وأنا طفل صغير، هل تعرفون لماذا؟ كلكم جرَّبتم هذا، أيام الشلن فقدتم ذات مرة شلناً، والذي يفقد ألف شلن أو يفقد الآن ألف يورو يشعر بالمُصيبة طبعاً، مَن يفقد مائة يورو يتنغَّص، أليس كذلك؟ يتنغَّص ويرى الدنيا سوداء، وحتى لو كان صائماً في يوم رمضان وأتى لكي يدعي لن يكون عنده حتى قلب لكي يدعو ويقول يا رب اغفر لي، يا أخي تبهدل هو، أهذا كله من أجل مائة يورو؟ فكيف لو فقدت ثروتك يا عبد الله؟ اختبار الله صعب، قال لك امتحان الباقي يمنع التباقي، ما معنى يمنع التباقي؟ أي يمنع دعوى التباقي، أن عند بقية من علم وبقية من قناعة، يقول لك لا، إذا لم يكن عندك هذا فعلاً سوف يُمسَح كل هذا، امتحان الله صعب، اللهم لا تمتحننا، نحن نقول اللهم لا تبتلينا يا رب العالمين، وإذا امتحنتنا فصِّبرنا وثبِّتنا واجعلنا من الظاهرين، هذا يُخوِّف، امتحان الله يُخوِّف، لا تتمن ولو بقلبك حتى الامتحان، لا تقل – مثلاً – لو امتحنني الله بالسجن فسوف أثبت، نعوذ بالله من السجن، لا تقل لو امتحنني الله بالفقر فسوف أثبت، نعوذ بالله من الفقر، لا تقل لو امتحنني الله بالعزوبة أو بالغُلمة فسوف أثبت، أعوذ بالله، لا تتمن امتحان الله، لماذا؟ لقوله – عليه السلام – لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموهم فسلوا الله التثبيت، لا تتمنوا هذا، لا تقل والله لو وقعت معركة – إن شاء الله – فسوف أُجاهِد بإذن الله، لا تتمن هذا، حدِّث نفسك بالغزو، هذا شيئ آخر، حدِّثها بشكل عام عن الجهاد وما إلى ذلك، لكن لا تتمن هذا، لا تقل يا ليت تقوم حرب فأنا أُريد أن أُجاهِد فيها وما إلى ذلك، لا تتمن لقاء العدو، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۩، أنت لا تعرف! لماذا؟ الله أعلم ستنجح أو لن تنجح، فنسأل الله التثبيت.

على كل حال قال له تعجَّلت الراحة لنفسك، قال له يا رب فأي عمل تُريد؟ لا صلاة، لا صيام، لا زهد في الدنيا، ولا كذا وكذا، إذن أي الأعمال؟ قال له يا موسى هل واليت في ولياً قط؟ وهل عاديت في عدواً قط؟ هذا العمل يُحِبه الله، من أهم خصائص الإيمان ما هي؟ أن تُحِب الناس لله وأن تكرههم في الله، أرأيت؟ ولذلك في الحديث المُخرَّج في الصحيحين وغيرهما – حديث مشهور جداً من رواية أبي هُريرة – حديث السبعة “سبعة يُظلِهم”، مَن منهم؟ ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه، سُبحان الله، أي أنها علاقة محض لله، هي علاقة محضاً لله، هكذا! ليس فيها شائبة دنيا بحمد الله تبارك وتعالى، هؤلاء في ظل عرش الرحمن يوم القيامة، ولذلك أيها الإخوة هذه العبودية نحن قصَّرنا فيهان أعني عبودية التآخي في الله، وما أجملها من عبودية! أجمل شيئ، كان الحسن البِصري – قدَّس الله سره – يقول لولا القيام – قيام الليل – وشهود الجُمع والجماعات ولقاء الإخوان ما أحببت البقاء في الدنيا، أرأيتم كيف أولياء الله؟ أجمل شيئ عنده في الدنيا قيام الليل، يُحِب هذا القيام، هذه لذته، هذا الحسن البِصري قدَّس الله سره الكريم، ويُحِب الجُمع والجماعات، الصلاة! الخُطوات قال له، هذا معروف، والشيئ الثالث ما هو؟ لم يقل الصدقة والحج والعمرة أبداً، قال لقاء الإخوان، الإخوان في الله الذين يُذكِّرونك، إذا نسيت ذكَّروك، وإذا عملت شجَّعوك وندبوك، أليس كذلك؟ وثبَّتوك، مَن إذا رأيت وجه أحدهم ذكَّرك بالله وإذا تكلَّم زاد في علمك منطقه كما في الأثر، هذا هو، من أهم ذخائر الدنيا، كان سيدنا عمر يقول إذا آنست من أخيك وداً – يكون أخاً في الله وهو إنسان تقي وفعلاً يُحِبك في الله – فأشدد به خناصرك – تمسَّك به – فإنك قلما تُصيب مثله، ليس سهلاً في هذا الزمان، وخاصة في هذا الزمان الرديء، قديماً حقيقةً كان الناس يعيشون بالمروءات، أليس كذلك؟ أنا أعتقد جميعاً سمعنا من آبائنا وأجيالهم وسنينيهم ومن أجدادنا أيضاً – مَن رأى جده وما إلى ذلك أيها الإخوة – أن الناس كانت تتعايش بالمروءة، لم يكن هناك دين وتقوى وما إلى ذلك، لكن كانت هناك مروءة، رجال! يقول لك هذا صديق لي، بيني وبينه عيش وملح، لا أنساه إلى أن أموت، أليس كذلك؟ ويُضحي كل شيئ من أجله، اليوم لا تُوجَد مروءة، لا تُوجَد رجولة، اليوم تُدخِل أحدهم بيتك وتُؤكِّله عندك وتُنيمه عندك وأنت تعرفه من خمس أو ست سنوات وفي النهاية يطمع في أهلك، أليس كذلك؟ يخونك ويحسدك على مالك، أليس كذلك؟ بلى، تفعل معه كل شيئ ومع ذلك يُمكِن أن يخونك، نحن سمعنا قصة هنا في فيينا عن رجل ضيَّف رجلاً آخر أتاه من بلد عربي، ضيَّفه ستة أشهر، كان يأكل ويشرب وينام عنده، والمسكين كان يُعطيه ثمن التذكرة الشهرية، قصة مأساة والله العظيم، أنا سمعتها من المُترجِم الذي ترجمها عنده الشرطة، وبعد ستة أشهر طمع فيه أكثر، كان يأكل ويشرب وينام عنده ومع ذلك كل هذا ليس كافياً، ما هذا؟ هل ابن أبوك هو؟ وكان يُعطيه تذكرة شهرية، يا أخي ما الناس هذه؟ لا يُوجَد وفاء، لا تُوجَد رجولة، نذالة ورذالة، فقال له أُريد مبلغ كذا وكذا، مبلغ كبير! فقال له ليس عندي يا أخي، فقتله! ذبحه بالخنجر، فلعنة الله على الظالمين، ما هذا العصر الذي نعيشه فيه؟ لا تُوجَد أمانة، وفي حديث حُذيفة لا تُوجَد أمانة، لا تُوجَد أمانة على الأسرار وعلى الأعراض وعلى أي شيئ، للأسف قل هذا، فكانت الناس تتعايش بالمروءات، لكن أحسن ما يتعايش به الخلق ما هو؟ الدين، ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، لله! كل شيئ لله وفي الله، الله أكبر يا إخواني، والله العظيم من دلائل صدق هذا الدين وعظمة هذا الإسلام الحنيف هل تعرفون ما هو؟ محبة أتباعه بعضهم بعضاً في الله، والله لا نجد مثل هذه المحبة عند أمم الأرض – أُقسِم بالله العظيم – أبداً، وشخصياً كل واحد منكم أكيد له تجربة فعلاً يتقوى إيمانه فيها من خلال معاني المحبة في الله، ويشعر بأن الإيمان – سُبحان الله – يزدهر وينتعش في قلبه ويتشرَّب بالأخوة في الله حين يكون هكذا فعلاً ويدعو بظهر الغيب لأخيك، كأن يقول اللهم اجمعني وإياه في جنات النعيم، اللهم اغفر له، اللهم ثبِّته، ويبكي من أجله، أخ في الله هو، سُبحان الله تشعر بلذة غير عادية، هل تفعلون هذا؟ يجب أن تفعلوا هذا فانتبهوا، أحد العلماء الصالحين وهو من قرئة كتاب الله – قاريء وعلّامة كبير هو رحمة الله عليه – ماذا كان يفعل؟ حفاظاً على حق إخوانه وصوناً له – لهذا الحق أن يضيع – كان يكتب قائمة وفيها تقريباً أكثر من أسماء ثلاثمائة من إخوانه – انظر إلى هذا، ثلاثمائة – وكل ليلة في وقت السحر يُسرِج السراج ويُطلِع هذا القرطاس ويبدأ يقول: أخي فلان يا رب كذا وكذا، أخي فلان كذا وكذا، ما هذا؟ عبودية، هو يعرف معنى العبودية هذه، وطبعاً الملائكة ماذا تقول له كما في الحديث؟ ولك بمثله، ولك بمثله، ولك بمثله، أي كأنه كان يدعو لنفسه، أليس كذلك؟ ويدعو لكل واحد بما يعلمه من حاجته الحاقة الماسة، في يوم من الأيام – سُبحان الله – ثقل نوماً فلم يقم، فإذا بهاتف يهتف به، يقول له يا فلان أين السراج والقرطاس؟ فقام الرجل، الله يُحِب هذا، يُحِبه جداً، قال لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۩، سُبحان الله، لو أُنفِقت كل أموال الدنيا لن يُمكِن هذا، وهذا حديث يطول، فنسأل الله أيها الإخوة أن يجعلنا إخوةً مُتحابين فيه وأن يجمعنا في الدنيا دائماً على خير وفي عافية وأن يجمعنا في الآخرة في أعلى ذُرى فراديس جنات النعيم. اللهم آمين بفضلك ومنك يا كريم، اللهم آمين يا رب العالمين.

قال ماذا؟ إِلاَّ أَن ۩، يُوجَد استثناء، قال إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ۩، أي تقيةً، كيف أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ۩؟ أي تُظهِر للكافر أو لغير المُؤمِن أنك تُحِبه أو تُسالِمه وقلبك يلعنه، تخاف منه أنت، أنت مُستوحِش في بلد وغريب ووحيد، وهم أحاطوا بك وأحدقوا بك وأنت تخاف فتُريد أن تُنافِقهم، وهذا يجوز، الله قال عندك رُخصة، روى البخاري عن الحسن البِصري قال التقية إلى يوم القيامة، قال البخاري وقال الحسن – أي البِصري – ماذا؟ والتقية إلى يوم القيامة، طبعاً يصح لأي مُسلِم إذا خاف من الكفّار على نفسه أو على عِرضه أو على ماله أو على أي شيئ أن يُتقايهم، روى البخاري وغيره عن أبي الدرداء – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – قال إنا لنكشِر – تعرفون أن كشر من الأضداد، كشر بمعنى تجهم، وهذا المعنى نحن نعرفه، يقول أحدنا لماذا فلان يكشر في وجهي؟ ما له؟ أي أنه مبوز أو مكشر، وأيضاً نكشر بمعنى ماذا؟ نهِش ونبَش لهم ونبتسم، فقال أبو الدرداء إنا لنكشِر وليس نُكشِّر – في وجوه أقوامٍ وإن قلوبنا لتلعنهم، فلماذا نفعل هذا؟ تقيةً، نخاف منهم، نخاف من سيوفهم ومن ألسنتهم ومن آذاهم والعياذ بالله، وبالمُناسَبة للأسف أحياناً يُضطَر المُسلِم أن يكشر في وجوه مَن؟ مُسلِمين أو محسوبين على الإسلام، لأن يا ويلنا من ألسنتهم، ألسنة حداد، تسلخ سلخاً، لا يُمكِن! وهم أُناس مُؤذيون جداً، ويرمي الواحد منهم شره وبلاه عليك رمياً، فأنت تُحاوِل أن تكف شره كأن تقول له أهلاً يا أستاذ، كيف الحال إن شاء الله؟ ما شاء الله كذا وكذا، نحن ندعو لك، والسلام عليكم، نجانا الله منك، النبي قال هذا شر الناس، شر الناس الذي يتقيه الناس اتقاء فُحشه، لأن في حديث صحيح – في الصحيح – استأذن رجل على الرسول وعائشة كانت جالسة، فقالوا ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أي لا صبَّح الله بالخير هذا البعيد الذي أتانا، فالنبي مُستاء منه، قال بئس أخو العشيرة، أسوأ قومه، أسوأ الناس هذا قال، أدخلوه، ما هذه المُصيبة؟ فدخل، فالنبي كشر له وابتسم له وما إلى ذلك، عائشة استغربت، هذا ليس من أخلاق النبي، النبي واضح وصريح وليس عنده هذا، وهذا يدخل – أستغفر الله العظيم، اللهم غفراً – في النفاق، فسألته وقالت يا رسول الله قلت ما قلت، ثم ألنت له؟ فقال يا عائشة إن شر الناس الذي يتقيه الناس اتقاء فُحشه، وهذا من شرار الناس، وفي الحديث الذي أخرجه الخطيب البغدادي على ما أذكر – قرأته من قديم ولم أُراجِعه من سنين – في التاريخ قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مُدارة الناس نصف العقل، أرأيتم؟ هنا قد يقول لي أحدكم أنا لست مُنافِقاً، لكن يُوجَد فرق بين النفاق والمُدارة، انتبهوا! النفاق يعني ماذا؟ تُنافِق أحدهم لكي تُصيب من ماله، أليس كذلك؟ لكي تتعزى وتتعزَّز بسُلطانه، لكي تصعد على درج سُلمه، هذا اسمه نفاق، لكن المُدارة تعني ماذا؟ رجل مثل هذا من شر الناس، لسانه طويل وربما يده أيضاً طويلة وربما قلمه طويلة فيكتب تقارير للبلدة هذه، هذه مُصيبة، ربما قلمه طويل ومن ثم نخاف منه، ماذا نفعل؟ حين نراه نقول له مساك الله بالخير، كيف الحال؟ سمعنا أن زوجتك مريضة يا رجل، كيف حالها؟ إن شاء الله خير، ربنا سيُعافيها إن شاء الله، وأنت تعرف كذا وكذا، نقول كلمتين وما إلى ذلك، هذا ليس نفاقاً، فأنا لم أبع ديني ولا أي شيئ، وإنما أردت أن أُداريه لكي يكف شره عني، هذا جائز، مُدارة الناس نصف العقل، والقصد – أي الاقتصاد – نصف المعيشة، ما معنى نصف المعيشة؟ الذي يقتصد ولا يُسرِف في النفقة يعيش – بإذن الله تعالى – وهو يضمن خمسين في المائة من عيشه.

على كل حال إذن قال إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ۩، ثم قال وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۩، الله أكبر، ما معنى وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۩؟ عقوبته، غضبه، سخطه، عذابه، وإلى آخره، وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ۩، المرجع والمآب.

۞ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۞

ثم قال قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۩، واضحة الآية، وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، أيضاً واضحة.

۞ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ۞

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ۩، موجود! كل حسنة أسلفتها وعملتها موجودة وستُحضَر، وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ – والعياذ بالله – تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۩، أي أمداً قصياً، أمداً لا ينتهي، كما يقول الإنسان لقرينه من الشياطين يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ۩، يتبرأ الإنسان من شيطانه، أليس كذلك؟ يتبرأ من شياطين الإنس الذين كانوا أصدقاءً وخلاناً وأحباباً له، ويتبرأ أيضاً مِن ماذا؟ من عمله هو نفسه، يا ليت – يقول – بيني وبين العمل هذا بُعد المشرقين، أَمَدًا بَعِيدًا ۩، لكن لا فائدة، هذا عملك ولابد أن تحمله على كتفيك والعياذ بالله.

وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۩، مرة أُخرى، وَاللَّهُ… ۩ ماذا قال؟ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ۩، قال الحسن البِصري – كما رواه ابن جرير في تفسيره – من رأفته بهم حذَّرهم نفسه، لأنه ماذا قال؟ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ۩، كيف يُحذِّركم وهو رؤوف؟ من رأفته حذَّرك، لأنه مُشفِق عليك، لا يُريد بك الهلكة ولا يُريد منك أن تتردى وأن تهوي في مهاوي الضلالة والعياذ بالله، ولذلك حذَّر، قال لك انتبه، وقد أعذر مَن أنذر، الله أعذر إليك لأنه يُحِب لك الخير، لو أحب لك الشر لمكر بك ولترك حبلك على غاربك، ومن ثم سوف تقول رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ ۩، مثل الكفّار الذين قالوا هذا وهم كذّابون، طبعاً هو أرسل لهم، ولذلك هو أرسل لهم حتى لا يقولوا هذا، حتى لا يحتجوا على الله ويقولوا أنت لم تُحذِّرنا، لم تعظنا، لم تأمرنا، ولم تنهنا، الله سوف يقول لهم لا، أرسلت ووعظت وأمرت ونهيت، وهذا من رأفتي، ماذا كان الدافع؟ الرأفة، الرأفة بالعبادة والرحمة جعلته يُحذِّرهم نفسه.

الأب بالمُناسَبة أو الأم الحنون الرؤوم قبل أن تسطو بابنها – لأنها رؤوفة – ماذا تفعل؟ تُحذِّر غير مرة، تقول له يا ابني بالله عليك لا تفعل كذا، يا ابني سوف تندم، يا ابني لا تُعرِّض نفسك لغضبي، يا ابني لا تفعل كذا، لأنه تُحِبه فعلاً، لو لم تكن تُحِبه لسطت به من أول ذنب، تقول له خُذ، أليس كذلك؟ لكن للرأفة والرحمة تظل تُحذِّر أكثر من مرة، انظر إلى كتاب الله، اقرأ هذا الكتاب العزيز، خُذه بهذه العين واقرأه بهذه العين، ما الكتاب هذا؟ كله خطاب تقريباً: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ۩، يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ۩، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩، يا… يا… يا… يا… يا… يا… خطابات! لماذا هذا كله؟ ومَن الذي يُخاطِبك؟ ومَن الذي يأمرك؟ ومّن الذي ينهاك؟ ومَن الذي يدعوك؟ ومَن الذي يستحثك؟ ومَن الذي يحفزك؟ ومَن الذي يُحرِّكك؟ ومَن… ومَن… ومَن… ومن…. مَن هو؟ رب العالمين، الغني عن العالمين تبارك وتعالى، وما كل هذه المُناشَدة؟ اسمها مُناشَدة، لماذا هذه المُناشَدة العجيبة؟ الله يُناشِدنا باستمرار، في كل صفحة مُناشَدة باستمرار، لماذا؟ كل هذا من باب الرأفة والرحمة وإرادة الخير بنا والكرامة لنا، أي والله، لكن هل من مُستمِع؟ لذلك قال الحبر ابن مسعود – عبد الله بن مسعود قدَّس الله سره – إذا سمعت الله يقول  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩ (يا) تعرف أنها حرف تنبيه، حين تسمع (يا) تتنبَّه، تقول ما الأمر؟ – فأرعها سمعك، فإنه خيرٌ تُؤمَر به أو شرٌ تُزجَر عنه أو تُنهى عنه، انتبه قال، خير لك هذا تُؤمَر به أو شر تُزجَر عنه، والشر إذا انزجرت عنه يكون أيضاً من باب الخير لي، أليس كذلك؟ فهذا هو، لا إله إلا الله، إذن هو حذَّر لأنه رؤوف، قال إنه من رأفته حذَّرهم نفسه.

۞ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۞

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۩، كما قلنا أمس قال الحسن البِصري أيضاً امتحن الله – تبارك وتعالى – قوماً زعموا حُب الله تبارك وتعالى، فأنزل عليهم هذه الآية، أُناس عندهم دعاوى، وأنتم تعرفون الدعاوى، هل تعرفون ما الدعاوى؟

وَالدَّعَاوِي مَا لَمْ تُقِيمُوا عَلَيْهَا                                 بَيِّنَاتٌ أَبْنَاؤُهَا أَدْعِيَاءُ.

الدعاوى الزعوم، يقول لك أحدهم أنا الحمد لله قلبي طيب جداً، قلبي أبيض أنا، والله أنا الحمد لله عندي إيمان في قلبي ما شاء الله، أنا – والله – إن شاء الله أكون من الأتقياء، أنا كذا وكذا، أنا أُحِب الله حُباً – يا ساتر – شديداً، وهو يبيع حُب الله في النهاية بمائة يورو ويقول أنا أُحِب الله! فالله قال لا، هل الحكاية بالكلام وبالدعاوى كأن تقول أنا أُحِب الله وما إلى ذلك؟ لا! هناك برهان، ما هو البرهان؟ فَاتَّبِعُونِي ۩، تتبع محمداً، لماذا؟ لماذا نتبع محمداً؟ ألم يكن من المُمكِن أن يقول فاتبعوا كتابي أو ما أنزلت إليكم؟ في آخر الزمر قال وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ۩، لم يقل هنا وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ۩، لم يقل واتبعوا ما أرسلت به – مثلاً – محمداً، قال اتبع محمداً، لماذا إذن؟ ما العبرة؟ ما السبب؟ ما المغزى في هذا الكلام؟ لأن محمداً هو النُسخة الأمثل لمحبة الله وطاعة الله، هو أطوع الخلق لله عبر التاريخ كله، أطوع من جبريل وميكائيل، أطوع من الملائكة، أطوع الخلق لله هو رسول الله، أعلم الخلق بالله هو رسول الله، أتقى الخلق لله هو رسول الله، أخشى الخلق لله هو رسول الله، أعرف الخلق بالله هو رسول الله، وهذا صح عنه، هناك أحاديث صحيحة عن رسول الله، وطبعاً هنا قد تقول لي أنا أُريد أن أتبع الله وأُريد أن أتبع كلام الله، لكنك لن تعرف، لن تقدر على أن تفهم وحدك كما فهمه الرسول الله، لا تقدر على أن تُنزِّله في الواقع وتُطبِّقه وتتخلَّق به كما فعل مولاك رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، فإذن هو نُسخة بشرية، مثلك مثله، هو من لحم ودم وتراب، وكان مثلك وعنده غضب وعنده نسيان، بشر! وكان يقول اللهم إنك تعلم أنني بشرٌ أغضب كما يغضب الناس، فأي عبدٍ غضبت عليه فسببته أو لعنته فاجعل ذلك رحمةً وصلاةً عليه، عنده هذا وكان ينسى أحياناً، فهو بشر، تعرض له عوارض البشرية، يُحِب النساء، يُحِب أن يأكل وأن يشرب، ويضعف ويمرض عليه السلام، هذا طبيعي، يتألَّم ويُصدَّع كان كما يُصدَّع رجلان قويان منا، فقدوة لك هو، أليس كذلك؟ ومات له أولاد ومات له بنات وهُجِّر وحدثت له أشياء كثيرة، كل شيئ تتخيَّله وقع للرسول، أليس كذلك؟ من الخير أو الشر، ابتُلي بالدنيا، ابتُلي بالخير، وابتُلي بالشر، كل شيئ! موت الأحباء، موت الأحماء، موت الأقرباء، موت الأعمام، موت كذا وكذا، كل شيئ وقع له، لا إله إلا الله، الإهانة وكذا وكذا، كل شيئ وقع للرسول، فهذا قدوة لك، افعل مثله، سِر في طريقه، انهج نهجه، وقد أنهج هو لك النهج المُستقيم، والصراط القويم أنهجه لك وبيَّنه لك ورسمه واختطه فسِر في أثره، أليس كذلك؟ هذا البرهان.

قال فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ۩، ولذلك قلنا أمس شيئاً يتعلَّق بهذا، هذا الاتباع أيها الإخوة هو أكثر من أن يكون مُجرَّد اتباع في الشكل وفي الظاهر، أن تضع عمامة وترخي لحية وتلبس جلباباً وتُقصِّره، جميل لكن هذا اتباع في أشياء بسيطة جداً جداً لا تكاد تُقدِّم ولا تُؤخِّر حقيقةً، لماذا؟ لأن حتى المُنافِقين هكذا كانت لبستهم، هكذا كانوا يلبسون، يضعون عمائم وما إلى ذلك وهم مُنافِقون، مثل ابن سلول وغيره، كلهم يفعلون هذا، أي لا تُوجَد هنا مُشكِلة، لكن أين الاتباع الحقيقي؟ أن تعيش مثلما عاش الرسول، أن تعيش للقيم التي عاش لها الرسول، أن تحمل المباديء التي حملها الرسول، أن تُبشِّر بالقيم التي بشَّر بها الرسول، ولذلك هو ماذا كان يقول؟ أنا بريء – كان يقول أنا بريء، من ماذا؟ – من امريء فعل كذا وكذا وكذا، من أهل محلةٍ وفيهم جائع، بريء منهم أنا، ليسوا مني قال، ليسوا مني، كيف ليسوا منك؟ هذا هو طبعاً، ابن مسعود مُهاجِر – تعرفونه – فقير وقصير وضعيف، وهو علّامة كبير وحبر، في المدينة في إحدى الغزوات أعطاه النبي الكثير، قال له خُذ يا ابن مسعود، خُذ هذا لك، فبعض الناس أصحاب الهيئات والكبار قالوا له يا رسول الله أتُعطي هذا؟ ما هذا؟ هذا فقير وصعلوك، أتُعطيه هذا العطاء كله؟ قال لهم ولِمَ بعثني الله إذن؟ أنا مبعوث من أجل ذلك، لكي أُعطي الضعفاء وانتصر لهم وانتصف للمساكين والفقراء والمعوزين، ولِمَ – قال لهم – بعثني الله إذن؟ ليس من أجل أن أُطيل لحية وأضع عمامة واستعمل السواك على مدار الأربع والعشرين ساعة ثم أقول أنا على السُنة، لا! هذه الأشياء التي بُعِثَ بها رسول الله أساساً وأصلاً، الانتصار والانتصاف للضعفاء والمساكين، المُساواة بين الناس، العدالة، ودفع الظلم، أليس كذلك؟ التوحيد، المحبة بين المُسلِمين، بالمحبة نُصبِح فعلاً على قلب رجل واحد ونصير إخوة مُتحابين، انظروا كيف كان بين الصحابة حُب، حُب شديد جداً جداً، شيئاً غير مُتخيَّل كان، أي الحُب الذي كان بين الصحابة، وغفر الله لهم ما كان بينهم من خلاف بعد ذلك بسبب الدنيا وما إلى ذلك، هذا شيئ ثانٍ وفتنة وقعت، لكن كان بينهم حُب غريب جداً، الآن لا، تجد دُعاة إلى الإسلام وأشياء وأفكار واتجاهات ويا أخي النتائج ما هي؟ النتائج هي التباغض بين المُسلِمين، تباغض شديد جداً جداً، هذه الجماعة أو هذه الطريقة تكره المُسلِمين كرهاً شديداً وما إلى ذلك، وهؤلاء كذا وكذا ولا يعرفون السُنة، والآخرون نفس الشيئ، هؤلاء وهؤلاء! ما هذا الدين؟ لا، ليس هكذا دين محمد – عليه السلام – أبداً.

إذن هذا هو معنى فَاتَّبِعُونِي ۩، ولذلك لما قال له رجل يا رسول الله إني أُحِبك قال له ماذا؟ استعد للفقر تجفافاً أو جلباباً، قال له سوف يأتيك على الفقر على أم رأسك، أنت تدّعي أنك تُحِبني وأنا رجل فقير، وسألت الله أن أعيش مسكيناً وأن أموت مسكيناً وأن أُحشَر في زُمرة المساكين، مسكنة اختيارية! هو يُريد هذا، النبي لا يُريد الدنيا، وقال له ماذا؟ قوتاً، كفافاً! النبي يُريد هذا فقط، والدنيا كلها كانت تحت رجليه، قال لها يا عائشة – وهذا حديث صحيح – والذي نفسي بيده لإن شئتُ لجرت معي الجبال ذهباً، قال لها لو أردت أن هذا لصارت كل هذه الجبال ذهباً من أجلي وسأكون أغنى البشر في تاريخ الأرض كلها، لقد أتاني جبريل ومعه ملك – وهذا الحديث له صيغ كثيرة جداً جداً، هذه صيغة من صيغه عند ابن حبان وغيره – فقال لي يا محمد إن ربك قد أرسلني إليك وهو يُخيِّرك، فإن شئت أجريت معك الجبال ذهباً، الله أكبر، الجبال كلها تصير ذهباً، أعظم ملك في التاريخ النبي، عرض مُغرٍ، أليس كذلك؟ فكَّر النبي، قال فأومأ لي جبريل أن ضع نفسك، أي أنك لا تحتاج إليها، هكذا قال له جبريل، أنت لا تحتاج إليها، فقال فقلت لا، لا أُريد، النبي اختار ذلك، فَاتَّبِعُونِي ۩، هل تُريد أن تتبعه؟ هذه طريقه، هو لم يُحِب الأشياء هذه، فسوف تصير مثله في طريق المسكنة والفقر، فقال له استعد للفقر تجفافاً، هذا هو، هذه طريق محمد، وفعلاً – سُبحان الله – هناك أُناس – والله حقيقةً – نحن نحتقر أنفسنا إلى جانبهم، كالذين قضوا حياتهم في السجون وقضوا حياتهم مُهجَّرين، وبعضهم قُتِل طبعاً وبعضهم شُنِق على أعواد المشانق، وكان كل هذا – ما شاء الله – من أجل ماذا؟ من أجل هذا الكتاب، من أجل الدين، من أجل الإسلام، من أجل أن يحكم شرع الله في الخلق، أليس كذلك؟ من أجل الانتصاف لدين محمد، هنيئاً لهم، هؤلاء أتباع محمد قدنا مليون مرة وبعضهم كان حليقاً، أليس كذلك؟ سيد قطب لم يكن عنده لحية رحمة الله عليه، سيد قطب مُفسِّر القرآن الكريم لم يكن عنده لحية، عاش ومات وهو يرتدي بدلة وكرافتة وما إلى ذلك، لكن هذا أنا مُتأكِّد من أتباع محمد قد الذين عندهم لحى وما إلى ذلك ويعيشون – كما قلنا – في قصة سواك ولحية مليون مرة، مليون مرة هو تابع لمحمد، ولذلك هو – ما شاء الله – صبيحة رأى الصادق المصدوق، الله صدَّقه بالشهادة، والنبي صدَّقه بالرؤية الصالحة، صبيحة استشهاده النبي قال له يا سيد هنيئاً لك الجنة، اليوم ترد علينا إن شاء الله تعالى، وجاءه على فرس بيضاء، وكان سعيداً جداً الشهيد سيد قطب، النبي جاءه بعد صلاة الصبح في الزنزانة في المنام، قال له اليوم تأتي عندنا إن شاء الله، هنيئاً لك الشهادة يا سيد، هذا النبي جاءه، لم يقل له تعال يا سيد فأنا عاتب عليك والله، لماذا؟ لأنك حليق يا سيد قطب، تركت ديني يا سيد قطب، لا! هو كان على دين محمد وأخذ دين محمد وعاش ومات من أجل دين محمد ومن أجل كتاب محمد، هذا الدين، هذا الجهاد، ليس شكليات ومظاهر فانتبهوا، مع احترامنا للشكليات والمظاهر، يجب أن نحترمها لكن يجب أيضاً أن نُعطيها قدرها، أليس كذلك؟ لا أن نجور على الأشياء الأساسية بالمُغالاة في قدر الأشياء البسيطة السهلة، لأنها سهلة! فنسأل الله أن يفتح أبصارنا وبصائرنا على الحق، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩.

۞ قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ۞ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ۞

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ۩، الله – عز وجل – أخبر في هذه الآية الجليلة أنه اصطفى هذه البيوتات وهؤلاء الأشخاص الكرام.

 اصْطَفَى آدَمَ ۩ هذا معروف طبعاً وهو أبو البشر، وَنُوحًا ۩، وقد كان نوح كما تعلمون أول رسول أُرسِل بعد مَن؟ بعد آدم، وكان بينه وبين آدم كم؟ عشرة قرون، علماً بأننا ذكرنا هذا في دروس التفسير، وكانوا كلهم طبقاً واحداً على الخير والهُدى المُستقيم، ثم طرأ الشرك والتحريف وعبادة الأوثان والصالحين من الأموات – والعياذ بالله – فاقتضت حكمة الله أن يبعث نوحاً رسولاً إلى قومه، هكذا! نوح هذا، وتعرفون أنتم قصة نوح وما الذي حدث معه وكيف انتصر الله – تبارك وتعالى – له، وَآلَ إِبْرَاهِيمَ ۩، وكما قلنا في أحد الدروس السابقة ما بُعِثَ نبيٌ ولا رسولٌ بعد إبراهيم إلا وهو من ذُرية مَن؟ إبراهيم، وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۩، هذا ينطبق على كل الأنبياء، حتى سيدنا محمد، لأنه ابن إسماعيل، وإسماعيل بن إبراهيم، أليس كذلك؟ وكل أنبياء بني إسرائيل بما فيهم عيسى أيضاً من ذُرية إسرائيل، أي يعقوب، ويعقوب ابن مَن؟ هو ابن إسحاق، وإسحاق بن إبراهيم، نفس الشيئ، فكلهم من ذُرية إبراهيم عليه الصلاة وأفضل السلام، وَآلَ عِمْرَانَ ۩، آل عمران مِن ذرية مَن؟ إبراهيم، لكن لماذا خصهم هنا؟ كان يكفي أن يقول وَآلَ إِبْرَاهِيمَ ۩، لأن آل عمران من آل إبراهيم، خصهم لمزية أو ميزة خاصة، ما هي؟ أن منهم أنبياء مُتميِّزين، في مُقدَّمهم عيسى عليه الصلاة وأفضل السلام، هو من آل عمران، لماذا؟ لأنه ابن مريم، ومريم مَن هي؟ بنت عمران، هكذا! عَلَى الْعَالَمِينَ ۩، إذن هل يدخل فيهم محمد؟ يدخل، لأن محمداً من آل إبراهيم، ومحمد أولى الأنبياء بمَن؟ بإبراهيم، ستأتي الآية إن شاء الله، روى ابن مسعود قال: قال – صلى الله عليه وسلم – إن لكل نبيٍ بعثه الله ولاةً من المُؤمِنين، وإن ولي أبي خليل الرحمن، مَن هو؟ إبراهيم، قال تعالى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ ۩، فهذا الحديث يُؤكِّد هذه الآية.

۞ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۞

ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ – ما شاء الله – وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩.

۞ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞

إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ ۩، مَن هي امرأة عمران؟ هي أم مريم حنة بنت فاقوز، اسمها حنة بنت فاقوز عليها السلام، طبعاً كان عندها نسل من قبل، أي أن مريم لم تكن ابنتها الوحيدة، عندها هي نسل وذُرية من قبل، ولكن يبدو أن كان عهدها بعيداً، لماذا أقول هذا؟ أٌقول هذا لما صح في الصحيحين من حديث المعراج في طرقه المُختلِفة أيها الإخوة، سواء مالك بن صعصعة أو أنس أو أبي ذر، فالطرق مُختلِفة في حديث المعراج في الصحيحين والتي فيها أن النبي – عليه السلام – في السماء الثالثة حين استفتح ففٌتِح له قال فإذا أنا بابني الخالة، عيسى ومَن؟ ويحيى، وفي رواية فإذا أنا بعيسى ويحيى وهما ابنا الخالة، ما معنى ابنا الخالة؟ معناها أن زكريا – عليه السلام – كان مُتزوِّجاً مَن؟ أخت مُريم، انتبهوا! كان مُتزوِّجاً أخت مريم، وهذا أصح من المشهور وهو مذهب ابن إسحاق وابن جرير أنه كان مُتزوِّجاً خالة مريم، الأصح والذي يُوافِق ما في الصحيحين نصاً هكذا وفصاً أنه كان مُتزوِّجاً أخت مريم، هذا يعني أن مريم كان عندها أخت أكبر منها وكان مُتزوِّجها زكريا، هل هذا واضح؟ على كل حال هذا هو، هنا قد يقول لي أحدكم كيف هذا وابن إسحاق علّامة كبير؟ وابن جرير – ما شاء الله عليه – علّامة، هذا الرجل ليس مُتحدِّثاً ومُؤرِّخاً فقط، هو بحر علم، فهل ابن جرير لا يعرف هذا الكلام؟ يعرف، فكيف إذن؟ يُوجَد تأويل، يُوجَد أيها الإخوة لأن الخالة بمنزلة الأم، ويُمكِن أن يُقال أيها الإخوة هنا – هي أخت – إنهما ابنا الخالة، وليس شرطاً أن تكونا أخوات، أي خالتها، فنقول ابنا الخالة، هذا جائز، فابن جرير قطعاً يعلم هذا، وأما أن الخالة بمنزلة الأخت أيها الإخوة فللحديث الصحيح، في الصحيحين أن النبي – عليه السلام – أمر بعُمارة – اسمها عُمارة وليس عِمارة، عِمارة اسم رجل، عُمارة اسم أُنثى – بنت حمزة – عليهما الرضوان والرحمة –  أن تكون في حِضانة زوج – أي زوجة – جعفر بن أبي طالب وهي خالتها، وقال – هذا في الصحيحين – الخالة بمنزلة الأم، هذا نص من النبي في الصحيحين، الخالة بمنزلة الأم، وفي البيهقي في الشُعب وغيره قال والعم بمنزلة الأب، وقال عمك صنو أبيك كما كانت تقول العرب، العم بمنزلة الأب، الأخ الكبير بمنزلة الأب أيضاً، رواه البيهقي، هذا موجود، والخالة بمنزلة الأم.

على كل حال إذن امرأة عمران هي حنة بنت فاقوز عليها السلام، لماذا أيها الإخوة؟ ما سبب هذا النذر؟ يُقال إنها كانت قد بعد عهدها بالميلاد، ظلت فترة طويلة لا تحبل ولا تلد، في يوم من الأيام رأت عصفوراً يزق فرخه فاشتهت الحبل، اشتهت الحمل، ودعت الله – تبارك وتعالى – بهذا الدعاء، وجعلت ما في بطنها نذراً أن يُحرَّر للبيت المُقدَّس، وهو ماذا؟ الأقصى، جعلت ما في بطنها نذراً أن يُحرَّر للبيت المُقدَّس، ما المُراد بيُحرَّر؟ وهبته كله للبيت المُقدَّس، أي يقضي حياته فقط في خدمة البيت، يتعلَّم ويُعلِّم ويكنس ويُنظِّف للبيت، خادم من خدم البيت، هكذا! رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ۩، أي مُشحَّراً، محضاً مُمحَّضاً، كله! قلباً وقالباً للبيت، فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۩، انظروا إلى هذه النية أيها الإخوة، جيد جداً وينبغي على المُؤمِن والمُؤمِنة دائماً أن يستحضر مثل هذه النية، يقول يا رب ارزقني ولداً أو ارزقني ذُرية واجعلها سبباً في عز الإسلام والمُسلِمين، اجعلهم علماء عاملين، حُكماء فاقهين، قادةً مُجاهِدين، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ۩، دائماً اجعل عندك هذه النية، من المُمكِن أن يتقبَّل الله، أليس كذلك؟ من المُمكِن أن يتقبَّل ويُخرِج من صُلبك مَن يكون فيه عز الإسلام والمُسلِمين، لكن اجعل عندك النية هذه، وما عدا هذا سوف تكون النية الفارغة، أليس كذلك؟ كأن تقول أعطني أولاداً، لماذا؟ لكي يكونوا أطباء ومُهندِسين ودكاترة ومُعلِّمين، كلام فارغ، كل هذا لن ينفعك، أحسن شيئ الدين، لابد من نية دينية.

۞ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ۞

فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ۩، طبعاً هي فُوجئت أنها لم تلد ولداً، والبيت لم يكن يُحرَّر له إلا مَن؟ إلا الذُكران، لم تُحرَّر بنتاً للبيت من قبل، لم يحدث هذا، ممنوع! والبيت لا يدخله حائض، هكذا كان عندهم في الدين اليهودي، مُستحيل! فهي فُوجئت ولابد أن تفي بالنذر، حدث نذر، قالت إن ما في بطني سيكون للبيت، وهي تتوقَّع أنه سيكون ولداً، لكن اتضح أنها بنت، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى ۩، جُملة اعتراضية: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ۩، في قراءة والله أعلم بما وضعتُ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ۩، قيل هذا من كلامها، وقيل من كلام الله، الأشبه أن يكون من كلامها، أي أن هذا معروف وغير مقبول أن تكون البنت مُحرَّرة للبيت، وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا ۩، الله أكبر، أول ذُريتها مَن كان؟ عيسى، انتهى، هذا هو، وآخر ذُرياتها، فهو الأول والآخر، ما هذه الذُرية؟ ذُرية عظيمة، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ۩، في الصحيحين عن أبي هُريرة قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما من مولودٍ يُولَد إلا مسه الشيطان، في رواية أُخرى نخس في جنبه، أي يأتي وينخسه، فمن أجل ذلك يستهل صارخاً، يصرخ! وهنا قد يقول لي أحدكم وماذا عن الطب؟ الطب شيئ ثانٍ، لا تُوجَد مُشكِلة، لكن هذا سبب غيبي ليس للطب إليه سبيل، أليس كذلك؟ لا يعرفه، لا يرون الشيطان وهو يأتي إليه وما إلى ذلك، هذا من ربك، يبعث إليه الشيطان فينخس في جنبه فيصرخ، فمن أجل ذلك يستهل صارخاً، إلا مريم وابنها، ليس عيسى حتى وحده، فحتى أمه أيضاً – ما شاء الله – مُعاذَة، لماذا هذا؟ ببركة ماذا؟ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا ۩، فأعاذ الله مريم وأعاذ عيسى وهو ذُرية مريم مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ۩، يقول – عليه السلام – في حديث أيضاً في الصحيح ذهب الشيطان لينخس فنخس أين؟ في الخرقة، أي في الكفولة، أمه ألبسته خرقة، فبدل أن ينخس في جنب عيسى نخس في الخرقة، فذهب هذا سُبحان الله، ليس له نصيب فيه الشيطان لعنة الله عليه، وعيسى فعلاً نبي عظيم وأحد الخمسة فعلاً أولي العزم من الرُسل، وحين تقرأ حياته وكلماته فعلاً تشعر أنه نبي مُؤثِّر وعظيم جداً عليه الصلاة وأفضل السلام، وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ۩ طبعاً النبي قال قال الله تعالى وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ۩.

۞ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ۞

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا ۩، قبل مع أنها أُنثى، بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ۩، قيل أعطاها شكلاً جميلاً ووجهاً صبوحاً مليحاً، وقيل كانت تنمو ما لا ينمو أترابها، أي سُبحان الله تجدها وهي عمرها شهر كأنها بنت أربعة أشهر أو خمسة أشهر، وهي بنت ستة أشهر تجدها كأنها بنت سنتين، كانت تكبر وكانت عفية – ما شاء الله – وما إلى ذلك، فيُوجَد قولان في معنى وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ۩.

وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۩، زكريا هو مَن؟ زوج أختها على الأرجح كما هو نص الصحيح: ابنا الخالة، هذا يعني أن أماهما كانتا أختين، هذا معنى ابنا الخالة، هذا ابن خالة هذا وهذا ابن خالة هذا، هذا يعني أنهما أخوات، وهذا يُوافِق ما في الصحيحين، أو كان زوج خالتها على التجوز كما قلنا، وتُسمى خالة على التجوز دون مُشكِلة أيضاً، وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۩، هذا هو زكريا، وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل ورُسلهم أيضاً، كان نبياً ورسولاً، يُبلِّغ الدعوة ويتكلَّم ويصدح، ودفع حياته ثمناً لذلك، لعنة الله عليهم، نشروه بالمنشار، مات شهيداً بالمنشار، لعنة الله تعالى عليهم، يحيى قُطِعَ رأسه وقُدِّم لبغي من بغايا بني إسرائيل شربت فيه الخمر، ما هذه الأمة؟ هذا الذي يغيظك، واسمحوا لي بهذا، الذي يغيظك فعلاً أن أمة مثل هذه وهذا تاريخها وهذا وضعها تكون الآن مُنتصِرة علينا، والله هذا يغيظ، أُقسِم بالله على هذا، المفروض ألا ينتصروا علينا هؤلاء الناس، لكن نحن فرَّطنا كثيراً، سنظل دائماً نُؤكِّد على هذا المعنى، نحن فرَّطنا، أمة هذا تاريخها كيف تنتصر علينا؟ الحمد لله أمة محمد لم تفعل هذا، فعلت شيئاً قريباً لما قتلت الحُسين والعياذ بالله، والله إني أبرأ إلى الله من قتلة الحُسين جميعاً والله العظيم، وأتقرَّب إلى الله بكرههم وبُغضهم والبراءة منهم جميعاً والله العظيم، اللهم إني أبرأ إليك مِن كل مَن شارك في قتل الحُسين أو رضيَ به أو أحبه وأسأل الله ألا يحشرني معه ويحشرني مع الحُسين وأحباب الحُسين، لأن هذه كارثة، كارثة في أمة محمد أن يُقتَل ابن رسول الله يا أخي كما فعلت اليهود بيحيى، لا إله إلا الله، قتلوه وقطعوا رأسه أيضاً لكن لم يشربوا فيه الخمر، أخف قليلاً هذه، لكن هناك شربت بغي – وحاشاكم – الخمر في رأسه، بغي من البغايا شربت فيه الخمر، فزكريا لحقوا به والمُهِم فُتِحَت له شجرة فدخلها فجاء الشيطان – لعنة الله على الشيطان البعيد – وقال لهم هنا، فقالوا له هل أنت جُنِنت؟ قال لهم هنا وإذا لم تجدوه اقتلوني، ها أنا بين أيديكم، قالوا له كيف؟ قال لهم أنا رأيت أنه دخل الشجرة وأطبقت عليه الشجرة، فأتوا بالمنشار وقطعوا الشجرة بالعرض ثم بدأوا ينشرون الشجرة بالطول، حتى إذا مس المنشار قحف رأسه تأوَّه طبعاً، يا أخي هذا إنسان، فقال آه، في بعض الروايات وهي إسرائيلية – الله أعلم – قال آه فنُودي لإن أعدتها لنمحون اسمك من ديوان النبيين، لابد أن تصبر، انتهى! فنُشِر، نبي نُشِر، نبي عظيم! وكان أعظم أنبيائهم في عصرهم، في عصر مريم وما إلى ذلك – قبل عيسى – كان أعظم الأنبياء زكريا عليه السلام، رجل صالح وإنسان كبير، قد بلغ من الكبر عتياً، كبير! هو حتى كبير السن وضعيف، نشروه لعنة الله تعالى عليهم، أي على هؤلاء المُجرِمين، فهذا زكريا.

وزكريا طبعاً فيها قراءتان سبعيتان: زكرياا وزكريا، أي بالمد وبالقصر، وهما قراءتان سبعيتان، كل هذا صحيح، وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۩، أي جعلها في كفالة زكريا، كيف؟ جاءت بها أمها حنة بنت فاقوز – عليها السلام – وقد لفتها في خرقها وقالت لكهنة المعبد في بيت المقدس هذه نذيرةٌ، ما معنى هذه نذيرةٌ؟ منذورة، نذرتها وهي في بطني، قالت هذه نذيرةٌ حرَّرتها للبيت والبيت لا يدخله حائض ولا تعود إلى بيتها، أنا أعرف أن هنا تُوجَد مُشكِلة قالت لهم، هذا البيت لا تدخله أي بنت، المقصود بالحائض أي بنت، أي بنت حواء، وأنا لن أُرجِعها إلى البيت، فأنتم انظروا، هذه مُشكِلتكم، أنا نذرتها لله، قالوا لن نتركها، هي بنت إمامنا وصاحب صدقاتنا، وكان مَن؟ عمران عليه السلام، أبوها! كان يؤمهم في الصلاة، كان يؤمهم فقالوا هذه أبوها رجل عظيم جداً وهو إمامنا وشيخنا فأهلاً وسهلاً، سنأخذها، هي مقبولة، ثم اختصموا فيها، مَن يكفلها؟ وكان عليها سيماء البركة الإلهية سُبحان الله، وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ۩، وجهها يرتاح الإنسان له، فهي دفعتها طبعاً إلى الكهنة، مَن هم الكهنة؟ هم بني الكاهن ابن هارون أخي موسى، كان كهنة المعبد هم مَن؟ ذُرية الكاهن، مَن الكاهن هذا؟ ابن هارون، هارون أخو موسى، من ذُريته، هم الذين يلون من البيت ما يلي الحجبة من الكعبة المُقدَّسة، تعرفون الحجبة والسدنة؟ عندهم وظائف كثيرة، بنو الكاهن ابن هارون أخي موسى هم الذين كانوا يلون من البيت المُقدَّس ما يلي الحجبة من مكة المُشرَّفة زادها الله تشريفاً ومهابةً ومكانةً وبراً، اللهم آمين، فاختصموا فيها، زكريا قال لا، تحتي أختها أو تحتي خالتها في رواية ابن إسحاق وابن جرير، قال تحتي خالتها أو تحتي أختها، فاقترعوا وقالوا لا، هم تشبَّثوا وأرادوها – فيها بركة – وهو تشبَّث فاقترعوا، قيل في نهر الأردن ذهبوا، أخذوا الأقداح – أقداح خشبية – معهم، وهي الأقداح التي يكتبون بها التوراة، ليست كأقداح المُشرِكين وما إلى ذلك، هذه كانت تُكتَب بها التوراة، أي أقلام من خشب وما إلى ذلك، فقالوا نرميها في الماء، فالذي يقف ويثبت في جرية الماء – في الموج يظل واقفاً – يكون صاحبه هو الذي قرع غيره، يُقال اقترع فقرع، ما المُراد بقرع؟ فاز، هو الذي فاز، فاقترعوا فقرعهم زكريا – عليه السلام – فذهب بها، قال لهم هي في كفالتي، طبعاً خير كفالة، كان خيرهم عليه الصلاة وأفضل السلام، وَكَفَّلَهَا۩، وفي رواية وكَفَلَها “بدون تشديد” وهي قراءة صحيحة أيضاً، إذن وكفلها أو وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۩.

كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ ۩، ما هو المحراب؟ مكان عبادتها وخلوتها وكان في علية، مكان مُرتفِع بعيد الناس، كان مُنفرِداً مُنتبِذاً هكذا، وكان في علية، أي تصعد له بدرج وبسُلم، هو مكان العبادة والخلوة والمُناجاة، مثل محراب دواد ومحراب الأنبياء، هذا هو المحراب.

وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۩، طعاماً، وما العجيب هنا؟ قد تقول لا تُوجَد مُشكِلة، لكن العجيب أنه يجد عندها طعام الصيف في الشتاء وطعام الشتاء في الصيف، عرف أن هذا لا يكون من طعام الوقت ولا يأتي به آتٍ من بشر، يُوجَد سر، فسألها! قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا ۩، من أين لكِ هذا؟ وكيف هذا يأتيكِ؟ الآن وقت – مثلاً – الصيف فمن أين لكِ بطعام الشتاء؟ أو العكس، قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۩، الملائكة تأتي به، انظروا إليها، بنت هذه وليست نبية، وبالمُناسَبة بعض العلماء رجَّح أن مريم نبية والقلب يرتاح إلى هذا، وهناك أدلة كثيرة، وذكر هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وكان مذهب التقي السُبكي ومذهب ابن حزم أن مريم نبية وأُوحيَ إليها وهذا غير بعيد، لكن نحن نندهش من هذا لأننا لم نتعوَّد عليه ونقول لا، لأننا لا نُريد أن تكون امرأة نبية، لكن لماذا لا؟ مُمكِن جداً، على كل حال هو رأي وقوي، لكن لن نخوض فيه.

قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩، بغير حساب للقدر، بغير حساب للأسباب، بغير حساب للمواقيت مثل صيف وشتاء وما إلى ذلك، لا يُوجَد عند الله حساب، هذا غير محسوب، هكذا يُعطي الله – تبارك وتعالى – العطاء الجزل.

۞ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ۞ فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ۞ قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ۞ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ۞

هُنَالِكَ ۩، بهذا السبب، ولذلك يقول أحد الصالحين من التابعين – لعله يكون ميمون بن مهران – كان يقول يقولون اجلس في بيتك وأرخ عليك سِترك وتعبَّد وادع ويأتيك رزقك، أي يسخرون، هناك أُناس يسخرون من هذا، هل تظن نفسك مريم؟ قال وأنا أقول والله اجلسن في بيتك واضرب عليك سِترك وكُن مثل مريم – أي يكون عندك التقوى واليقين – ووالله ليأتينك رزقك، سوف تُرزَق بإذن الله تعالى، وهذا صحيح، هناك أُناس فعلاً يُرزَقون بغير حساب، وكلما طلبوا من الله شيئاً أعطاهم، أعطاهم من الغيب، انتبهوا! أعطاهم من الغيب، قد تقولون كيف هذا؟ هذا موجود، لا تُنكِروا الكلام هذا، موجود وهناك أشياء أعجب من هذا بإذن الله تعالى، كل هذا يعتمد على ماذا؟ اليقين والصفاء والطهارة وحقيقة الصلة بالله تبارك وتعالى.

إبراهيم التيمي من سادات التابعين، إمام جليل جليل جليل – رحمة الله تعالى عليه – وهو الذي روى عنه البخاري، روى البخاري على ما أذكر في كتاب الإيمان من صحيحه، قال باب خوف المُؤمِن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وقال إبراهيم التيمي – هذا هو إبراهيم التيمي، يستشهد به البخاري ويروي عنه تعليقاً هكذا، كلامه مثل كلام الصحابة ومَن مثلهم – ما عرضت عملي على قولي إلا خشيت أن أكون مُكذَّباً، أي أخشى من أكون كذَّاباً، لماذا؟ لأن أعمالي أقل من أقوالي، هكذا قال لهم، مع أنه هو الذي قال والله لو قيل الآن تقوم الساعة ما استطعت أن أزيد في عملي، كان عنده اجتهاد إلى الأمد الأقصى في العبادة، فإبراهيم التيمي هذا أيها الإخوة كان لا يعمل، ليس عنده عمل، لا يُريد أن يعمل، كان في ذكر، كل حياته عبادة وذكر، وبعد ذلك حين ينفد الزاد – القمح أو البُر أو الشعير – ماذا كانت تقول له زوجته؟ يا إبراهيم بالله اخرج فامتر لنا، تطلب ماذا؟ الميرة، أي النفقة، تقول له اخرج فامتر لنا، فيذهب ويخرج لكنه غير مُتفرِّغ لهذا، عقله ليس مع الأشياء هذه، يأخذ الجراب ويذهب إلى الصحراء وهو مُتوضئ فيدخل في عبادة وذكر وما إلى ذلك، مُتيَّم بالله، مُستهتَر، مجنون! النبي قال اذكروا الله حتى يُقال مجنون، حين تراه تقول ما هذا؟ هل هو مجنون؟ عاشق، مُحِب، مُتيَّم، مُستهتَر بذكر الله، وبعد ذلك حين ينقضي النهار يرجع، ثم يتذكَّر أنهم طلبوا منه الميرة، فيقول لنفسه ماذا أفعل؟ يُعبئها من رمل البرية، يُعبئها رملاً ويعود إلى البيت، تفتحها زوجتها وإذا هو قمح من أحسن القمح في سُنبله، يعيشون منه ما شاء الله، وبعد ذلك – يقول العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، هذه قصة حقيقية بالمُناسَبة، لها أسانيد صحيحة، ولذلك ابن تيمية صادق عليها والشوكاني وكثير من علماء السلف حتى، ليس من علماء الصوفية وإنما من السلفيين، قالوا قصة حقيقية وإسنادها صحيح، لا تُنكَر – زُرِعَ هذا القمح فسُبحان الله أنبت سنابل غريبة، السنبلة محشوة بالحب من أسفلها إلى أعلها، ليس عندها ساقها، كلها محشوة بالحب، من أين هذا؟ ربما من الجنة، لا نعرف، شيئ غريب، هذا هو، هناك أشياء تحدث حتى للمُعاصِرين مثل هذه، نسأل الله أن يُعطينا من عطائه، حين رأى زكريا هذا علم أن من المُمكِن أن يُعطي ربنا الشيئ في غير أوانه، يُمكِن أن يُعطي الله الشيئ في غير أوانه وبغير حساب، قال أنا نعم كبير وكهُنة وختيار كبير كما يُقال ولا يُوجَد لا لقاح ولا جماع، لم يكن يقدر على الجماع وليس عنده أصلاً ماء، كل شيئ انقطع، وهذا معنى وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ۩، يُقال عتا العود يعتو عتياً وعتواً، وعسا يعسو عسياً وعسواً، عسا وعتا نفس الشيئ، على الإبدال، هل هذا واضح؟ ما معنى عسا العود وعتا عتياً وعتواً؟ جف ولم يبق فيه ماء، أرأيتم هذه الكناية؟ ما أجملها! قال له ليس في خير كما يقولون بالعامية، لا أقدر على أن أُجامِع وليس عندي ماء أصلاً، كل شيئ انقطع، كيف يا رب؟ هل ستُعطيني؟ وماذا عن زوجتي؟ هي أصلاً عاقر، زوجتي أصلاً هي عاقر، لم يُخلِّف منها من قبل أصلاً، لم يكن عنده ذُرية هو، هذه زوجته وهي أخت مريم أو خالة مريم، كانت عاقراً، وأيضاً هي قطعت الحيض والبيض كما يُقال، هي أصلاً آيسة، من اللائي يأسن من المحيض، لكن موضوع الأكل هذا يجعل الإنسان يشعر بأن هذا مُمكِن، وَزَكَرِيّا إِذْ نَادَىَ رَبّهُ ۩، ماذا قال؟ قال: رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ۩، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ۩ في الأنبياء، فقال الله وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۩، ما معنى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۩؟ جرى حيضها، سُبحان الله رجعت فتاة بإذن الله تعالى، رجعت فتاة! وبالمُناسَبة هناك قصة علمية غريبة وعجيبة جداً جداً ولم يُعن بها، هذه القصة مر عليها الآن ما يقرب من عشرين سنة تقريباً، وقد وقعت في السويد، امرأة بلغت مائة وعشرين سنة، وبعد المائة والعشرين سنة طرأت عليها تغيرات فسيولوجية هائلة كاملة، فعادت بنت سبع عشرة سنة تقريباً، وجاءها حيض وتزوَّجت، قصة غريبة! في السويد حصلت هذه قبل عشرين سنة تقريباً، فهذا يحدث، الله قال وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۩، وهو الله أعطاه القدرة على الشيئ هذا، وأنتم تعرفون فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ۩، قال له أُريد ذُرية طيبة، ولماذا؟ لماذا اشتهى الذُرية؟ هل اشتهى الذُرية لكي يتعزَّز بها أمام الناس وما إلى ذلك؟ لا أبداً، قال وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي ۩، مَن هم الموالي؟ العصبة، أقربائي قال، أولاد أبي وأولاد جدي وأولاد أعمامي هؤلاء خفت منهم، خفت أن يخلفوني خلافةً سيئةً، خفت أن يخلفوني في بني إسرائيل خلافةً سيئةً وألا يُقيموا دين الله كما ينبغي، وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ۩ يَرِثُنِي ۩، يُريد ولداً هو، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۩، ماذا؟ أيرث المال؟ زكريا في البخاري كان نجّاراً، في صحيح البخاري وكان زكرياً نجّاراً، يعمل من عمل يده في النجارة، فقير! ليس عنده شيئ هو، ثم إن لو واحد منا – من صعاليك المُسلِمين من أمثالنا – قال ابعث لي ولداً لكي يأخذ مالي لكان هذا حقارة منه، وهذا ليس دعاءً طيباً بصراحة، أليس كذلك؟ فكيف يكون نبياً ويقول يا رب ابعث لي ولداً لكي يأخذ أموالي؟ وبالمُناسَبة القاعدة الشرعية والحديث الصحيح: نحن معاشر الأنبياء لا نُورَث، ما تركنا صدقة، أصلاً الأنبياء لا يُؤرَثون، مالهم لا يُورَث، هل هذا واضح؟ النبي حتى لو ترك بعض المال لا يرثه مَن وراءه مِن أهله، لا يُمكِن! إذن ما المُراد بقوله يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۩؟ النبوة، أي يرث نبوتي ورسالتي، والقيام على أمر أسباط إسرائيل بما تُحِبه وترضاه، هذا هو، أي أن الرجل هدفه رسالي عليه السلام، هدف ديني طبعاً، نبي ورسول هو عليه السلام، فالله قال سوف نُعطيك، لا يهمك شيئاً، أي قال له هذا عن طريق الملائكة، كيف قال الله له هذا؟ عن طريق الملائكة، الملائكة كلَّمته فاستغرب هو، قال كيف إذن؟ أنا كبير في السن، كبير! قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ۩، قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۩، هل تظن أن هذا صعباً على الله؟ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ۩، في آل عمران قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩، فهو قال له يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩، ولم يقل له يخلق ما يشاء، لكن مريم قال لها ماذا؟ قال لها يَخْلُقُ ۩، وهذا سيأتي هنا، سوف نرى الفرق بين قوله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ وقوله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۩، لماذا هنا قال يَفْعَلُ ۩! وهناك – لمريم – قال يَخْلُقُ ۩؟ يُوجَد فرق كبير جداً.

على كل حال هو – سُبحان الله – مثل إبراهيم أراد أن يطمئن قلبه، صحيح هو يُؤمِن وما إلى ذلك لكن هذه مسألة غريبة حقيقةً، ختيار كبير كما يُقال وعاتٍ في كبره وزوجة عاقر ويأست من المحيض، وسوف تُعطيني ولداً يا رب؟ قال له سوف أُعطيك، قال له أعطني آية إذن؟ سُبحان الله، انظر إلى الإنسان، فهو ضعيف، موسى – عليه السلام – فر من العصا، الله قال له ارمها، وحين رماها رآها ثعباناً فاغراً فاه كالجان، ما الجان؟ نوع من الحيات العربية سريع الحركة، يزحف بسرعة كأن فيه كهرباء، أي مُكهرَب، خاف منه موسى، ولى ولم يُعقِّب، فعتب الله عليه، قال له يا موسى كيف تهرب في حضرتي وأنا أُكلِّمك؟ قال له من ضعفٍ خُلِقت، وأنا ضعيف قال له، قال له أنا إنسان ضعيف وأنت تعرفني، مَن أنا؟ أنا لست من حديد، قال له أنا إنسان ضعيف، من ضعفٍ خُلِقت يا رب، فربنا أعذره، صحيح، عندك العُذر قال له، لا تُوجَد مُشكِلة، هذا ضعف البشر، حتى الرُسل والأنبياء عندهم ضعف بشري، وهذا لا يقدح في عصمتهم ولا يقدح في جلال نبوتهم، فقال له أرني آية، أُريد آية، هذه الآية الآن، ما المُراد بآية؟ أي علامة على أنك ستفي لي بما وعدت يا رب، قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا ۩، في مريم قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ۩، ما معنى ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ۩؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بجواب فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، هذا يُروى عن ابن عباس وهو ضعيف جداً، ثم استتلى قائلاً الأصح عن ابن عباس وعن الجمهور أن قوله ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ۩ لا يعني ثلاث ليال مُتتابِعات، ثلاث وراء بعضهم، ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ۩ حال من ماذا؟ من قوله أَلا تُكَلِّمَ ۩، هي حال من قوله أَلا تُكَلِّمَ ۩، أنت لن تقدر على أن تُكلِّم الناس وأنت سوي، لست أخرس، ولا عندك مرض، ولا عندك حُبسة، ولا عندك شيئ، لا تخف على نفسك، لكن لن تستطيع أن تُكلِّم الناس، حين تخرج لكي تتكلَّم لن تقدر أبداً، وربما تقدر حين تجلس وحدك في المحراب على أن تُسبِّح وتذكر وتستغفر بشكل عادي، أما حين تخرج لكي تتكلَّم لن تقدر على أن تتكلَّم، وأنت سوي قال له، لا تخف على نفسك، أنت بشر سوي، لست ناقصاً، لست مريضاً، لست محبوساً، ولست مُعتقَل اللسان، هل فهمتم ما معنى سَوِيًّا ۩؟ آية غريبة سُبحان الله، وتخرج ثلاثة أيام ولن تقدر على الكلام قال له، فإذا رأيت الآية هذه فاعرف أنني سأُعطيك الولد، وهذا الذي حدث، وحين خرج أصبح يُؤشِّر لهم تأشيراً ويقول لهم اذكروا الله كثيراً، لا يقدر على أن يتكلَّم سُبحان الله، لا يقدر! فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ۩، الشمس هذه يقول لهم بلُغة الفُرسان، وغير قادر على أن يتكلَّم، آية من آيات الله تبارك وتعالى.

قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلامٌ ۩، من أين؟ وكيف؟ من أين؟ قال له، لا يُوجَد ماء، وكيف؟ قال أَنَّىَ ۩، هذا معنى أَنَّىَ ۩، وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ۩، وسوف نرى فيما بعد لماذا قال هنا يَفْعَلُ ۩.

قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً ۩، علامة، قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ۩، تُوجَد مُشكِلة، هنا قال ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ۩ وهناك قال ثَلاثَ لَيَالٍ ۩، كيف الجمع بينهما؟ إذن آيتك ألا تُكلِّم الناس ثلاثة أيام بلياليهن، أليس كذلك؟ بلياليهن، يُقال بلياليها وأيضاً بلياليهن، هذا فصيح وهذا فصيح، النبي قال يمسح المُقيم يوماً وليلة ويمسح المُسافِر ثلاثة أيام بلياليهن، هكذا! هذا معناها، إِلاَّ رَمْزًا ۩، بالتأشير، قال فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ ۩، كيف أوحى؟ الوحي هو الإشارة السريعة، بسرعة! كلمتان باليد بسرعة، اسمه الوحي، الوحي هو الإشارة الخاطفة، الإشارة السريعة، فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا ۩، قال الله وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ۩.

۞ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ۞

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ ۩، انظروا إلى هذا، هذا يعني أن الملائكة تُخاطِبها، هذا أحد أدلة نبوتها، الملائكة تُكلِّمها، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ ۩، ابتداءً من عند الله هذا، من رحمة الله، وَطَهَّرَكِ ۩، كما قلنا من كل الدنس الذي يُصيب الآدمية، وَاصْطَفَاكِ ۩، بعد التطهير هذا اصطفاء ثانٍ، درجة أعلى، عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ۩.

روى البخاري ومُسلِم وغيرهما كأحمد عن الإمام عليّ بن أبي طالب – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – قال: قال – صلى الله عليه وسلم – خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد، في الصحيحين! ما معنى خير نسائها؟ أي خير نساء الأرض أو خير نساء عالميها، عالمي زمانها: مريم، وخير نساء عالمي زمانها: خديجة، عليهما السلام.

وأيضاً روى الجماعة – أي البخاري ومُسلِم وأصحاب السُنن الأربعة – عن أبي موسى الأشعري قال: قال – صلى الله عليه وسلم – كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وهي بنت مُزاحِم، وعند البخاري بلفظ: ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون – قدَّم آسية على مريم، هكذا عند البخاري لفظ، ويُمكِن أن يكون هذا من تقديم الرواة وتأخيرهم – ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، ما الثريد؟ الفتة، هل تعرفون الفتة؟ خُبز رقائق خُبز يُوضَع عليه المرق واللحم ثم يُفَت مع الأرز، اسمه الفتة هذا، هو الثريد، العرب كانوا يرون أنه أعلى وأرفه المطعومات.

۞ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ۞

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ ۩، رأينا ما هو القنوت، التعبد والطاعة بخشوع وتذلل، وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ۩، لِمَ لَمْ يقل مع الراكعات؟ أنتم تعرفون أنها نذيرها مُحرَّرة، كل الذين في البيت كانوا ماذا؟ رجالاً، كيف يقول لها مع الراكعات؟ أين الراكعات؟ لا تُوجَد راكعات، فهي ضمن الرجال في بيت المقدس هناك، في المعبد عند الكهنة، هم كلهم رجال إلا هي، فلابد أن نُغلِّب الأكثر على الأقل، لو واحد في مُقابِل خمسمائة نُغلِّب طبعاً، أليس كذلك؟ لو رجل واحد مع مائتي امرأة ماذا نقول له؟ اسجد مع الساجدات، أرأيتم؟ لا نقول له اسجد مع الساجدين، أين الساجدون؟ لا يُوجَد رجل إلا هو، اسمه التغليب، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ۩، لأن القانتات قليلات جداً بالقياس إلى مَن؟ إلى القانتين، وأيضاً لأنها كانت ضمن قوم من القانتين، ولم يكن هناك قانتات إلا هي، هل هذا واضح؟ اسمه التغليب، لذا قال مَعَ الرَّاكِعِينَ ۩.

۞ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ۞

ذَلِكَ ۩، أي يا محمد، مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ۩، ما الأقلام هذه؟ التي تُكتَب بها التوراة، وهي الأقداح التي ذكرناها وقلنا ماذا حدث حين ألقوها في نهر الأردن، إلى آخره.

۞ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۞

إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ۩، لِمَ سمى الله هنا وفي سورة النساء – وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۩ – عيسى – عليه السلام – كلمة؟ لِمَ سماه كلمة؟ لأنه تكوَّن بكلمة كُنْ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم أنا حتى تكوَّنت بــ كُنْ ۩، وهذا صحيح، أنا وأنت وكلنا بــ كُنْ ۩، كل شيئ في الكون يُخلَق ويتحوَّل من حال إلى حال بكلمة كُنْ ۩، لماذا عيسى بالذات سماه كلمة؟ لأنه أثار العجب وأثار الدهش، وثارت حوله شُبهات كبيرة، كيف هذا وليس له أب؟ الله قال لا، وبعض الناس – والعياذ بالله – غالى فيه وكفر فقال هو ابن الرب، لأن أمه موجودة، فأين أبوه؟ الرب أبوه، أستغفر الله العظيم، الله قال لهم أنتم أغبياء بُله، ليس فيها شيئ أبداً، عيسى خُلِق مثلما خُلِق أي واحد فيكم, بــ كُنْ فَيَكُونُ ۩، ليس صعباً علىّ هذا، ولذلك ماذا يقول في الصفحة الأُخرى هنا؟ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۩، قصته وشأنه وحاله وقضيته ومسألته مثل قصة وشأن وحال وقضية ومسألة مَن؟ آدم، خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۩، وانظروا إلى هذا سُبحان الله، أقام الله – تبارك وتعالى – دلائل الابتداع – أي قدرته على الإبداع – في الخلق ضمن صور أربعة أو أربع، نفس الشيئ! كيف؟ خلق من غير أب ولا أم، مَن هو؟ آدم، وخلق من أب وأم، مَن هم؟ نحن، كلنا من أب وأم، وخلق من أب بلا أم، مَن؟ حواء، أبوها آدم، أليس كذلك؟ وزوجها طبعاً، أبوها هذا، وخلق من أم بلا أب، مَن؟ عيسى، ورياضياً أنت عندك ذكر وأُنثى وأم وأب، فإذن اثنان في اثنين يُساوي أربعة، لابد أن يكون الناتج أربع صور، والأربع صور تناولتها القدرة الإلهية ونفذت فيها جميعها، لا إله إلا الله، خلق من أب وأم، خلق من غير أب ولا أم، خلق من أب بلا أم، وخلق من أم بلا أب، كل هذا موجود، وكل هذا بماذا؟ بــ كُنْ فَيَكُونُ ۩، هذا نفس الشيئ، هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۩، نفس الشيئ! لا تُوجَد مُشكِلة، فلذلك سُميَ كلمة الله، ولذلك سُميَ روح الله، ونحن كلنا من روح الله، الروح هذه مخلوقة لله، فالروح مخلوقة لله لكن لماذا هو بالذات سماه روح الله؟ الله يُريد أن يقول انتبهوا، فهو مخلوق وليس خالقاً، وهو روح أنا خلقتها مثلما خلقت أرواحكم، فلكي ينفي شُبهة الإلهية في عيسى قال هذا، هذا هو السر.

في الصحيحين من حديث عُبادة بن الصامت قال: قال – صلى الله عليه وسلم – مَن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن عيسى كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه والجنةُ حق – انتبهوا، قال والجنةُ “بالضم”،  لم يقل والجنةَ “بالفتح”، ولو قال هذا لنفع، معطوف على ماذا؟ أن، لكن هو استأنف فقال والجنةُ “بالضم”، أي وشهد بهذا المعنى – والنارُ حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، ما معنى على ما كان من العمل؟ مهما عمل ومهما تجاوز – أخطأ وما إلى ذلك وكان عنده صغائر وكبائر – مآله الجنة، هذا مآله! انتبهوا إلى هذا، وقد يسبق حساب وعذاب في النار، لكن مآله الجنة، والحديث في الصحيحين من حديث عُبادة بن الصامت، عليهم الرضوان أجمعين.

اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۩، سيُعرَف بهذا الاسم، لأنه لا أب له، ويُنسَب إليك أيتها البتول النذيرة عليها السلام، وَجِيهًا ۩، ما معنى وَجِيهًا ۩؟ له الوجاهة والجلالة والمثابة العالية، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ۩، سُبحان الله، عند الله تبارك وتعالى، وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۩، من عباد الله المُقرَّبين.

۞ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ۞

وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ۩، مَن هو الكهل؟ ما هي الكهولة؟ مَن هو الكهل؟ الكهولة بعد الثلاثين إلى الأربعين وقيل أربعون وقليل، أنا كهل الآن، انتبهوا فلست شاباً، أكثرنا في المسجد كهول ما شاء الله علينا يا معشر الكهول الطيبين، الكهل بعد الثلاثين فانتبهوا، الشاب أيها الإخوة إلى الثلاثين، طبعاً هناك أقوال كثيرة في هذا الموضوع، لكن أرجحها كما رجَّح النووي إلى الثلاثين، وما دون الثلاثين عند النووي هذا اسمه شاب، هل هذا واضح؟ ومن الثلاثين إلى الأربعين وأربعون وقليل – يُوجَد خلاف – اسمه الكهل، وبعد ذلك من الكهولة إلى الستين اسمه شيخ، وبعد الستين يستعد للقبر.

في البخاري قال – صلى الله عليه وسلم – أعذر الله إلى امرئٍ فسح له إلى الستين أو كما قال، ما معنى هذا؟ أي عيَّشه إلى الستين، إذا الله أعطاك فرصة أن تعيش ستين سنة فهذا يعني أن عُذر الله وحُجته قائمة عليك يا مسكين فانتبه واصح، لا يُوجَد لعب، المسألة ليس فيها هزل، إذا دخلت في الستين وبلغت الستين انتبه، ليس لك أمام الله أي عذر، ستون سنة كافية، احتلمت – مثلاً – في سن الرابعة عشرة، أي أن لك خمس وأربعون سنة، في خمس وأربعين سنة كم جاءك من نذير الشيب ومن نذير المرض ومن نذير الناس التي تموت ومن فقد الأحباء ومن فقد الجيران ومن… ومن… ومن… ومن… ومن… ! خمسون ألف رسول أرسله الله لك، ألم تتعظ عبر خمس وأربعين سنة؟ ضعت، وهذا أصح – هذا في البخاري – من قول – وهو حديث ضعيف جداً جداً ويكاد لا يصح – إذا بلغ العبد أربعين سنة ولم يغلب خيره شره فليتجهَّز إلى النار، لا! هذا ضعيف، النبي قال إلى الستين، حين يُعدي الستين، بعد الستين فعلاً إذا رأيت أنك لا تزال تائهاً يكون عليك خوف كثير، نسأل الله حُسن الختام، اللهم آمين.

هذا معنى وَكَهْلاً ۩، ولذلك عيسى متى رُفِع؟ كم كان عمره؟ ثلاث وثلاثين، كان ثلاث وثلاثين على الأرجح، قيل ثلاث وثلاثون وقيل أربع وثلاثون، لكن أرجح شيئاً هو ثلاث وثلاثون، كان ابن ثلاث وثلاثين سنة والله قال وَكَهْلاً ۩، فعلاً هذا الكهل، كان ابن ثلاث وثلاثين عليه السلام.

وَمِنَ الصَّالِحِينَ ۩، لماذا قال وَمِنَ الصَّالِحِينَ ۩؟ احتراس أو احتراز كما يُسمى، لئلا يظن بعض الناس أنه ملبوس فيقول ما هذا الطفل العجيب الذي يتكلَّم وهو صغير؟ هو ابن يوم، فلعل فيه جن هذا – يقولون – أو ملبوس من الجان، الله قال لا، انتبهوا، هذا ليس مجنوناً ولا ممسوساً، فهو صالح ومُقرَّب، عبد عندي مُقرَّب ووجيه، هذا اسمه الاحتراز، هل فهمتم؟ لئلا يظن بعض الناس أن هذا من مس الجن، لعل دخل فيه شيطان ويتكلَّم على لسانه، أليس كذلك؟ الله قال لا، هو صالح، الشيطان ليس له علاقة بالقضية كلها أبداً، هذا كله من عندي.

۞ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۞

قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۩، لست بالمُتزوِّجة ولا في نيتي الزواج، لماذا؟ لأنها نذيرة، أليس كذلك؟ لم أتزوَّج ولا في نيتي أصلاً الزواج، لا تُوجَد إمكانية للزواج أصلاً، هي معروفة! لماذا؟ لأنها نذيرة مُحرَّرة للبيت، لا تُوجَد مُحرَّرة تتزوَّج، فقالت له كيف هذا؟ أنا مُتزوِّجة ولن أتزوَّج طبعاً، فكيف سوف يأتيني الولد؟ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء ۩، هنا قال يَخْلُقُ ۩، في حق يحيى بن زكريا ماذا قال؟ يَفْعَلُ ۩، لأن فعلاً يحيى جاء بطريقة طبيعية، أبوه أعطاه الله القدرة – سُبحان الله – وقدر، عادي! رجع كأنه شاب، والمرأة التي كانت زوجته جرى عليها دم الحيض، مثلما حصل مع مَن؟ مع إبراهيم وسارة، أليس كذلك؟ سارة يُقال كان عمرها تسعين ويُقال إبراهيم كان تسعين وهي أقل منه بنحو عشر أو خمس عشرة سنة، حتى لو كان عمرها خمس وسبعين سنة تكون كبيرة جداً، فكيف لو كان هو مائة أو مائة وعشر سنوات؟ في روايات كان مائة وعشرين سنة، وهي عمرها تسعون سنة، تسعون! قالت لهم لماذا جئتم؟ رُسل لوط جاءوا لكي يهدموا قريتي سدموم وعمورة، قالوا نحن جئنا من أجل كذا وكذا ونُبشِّرك بغُلام أيضاً، فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ۩، يا سواد وجهي يا سارة قالت، خبطت على رأسها، مُصيبة قالت، تسعون سنة! لماذا صكت وجهها؟ هل تعرفون لماذا؟ ليس من البُشرى، حين قالوا لها الكلمة هذه شعرت بالدم بين فخذيها، دم الحيض نزل، فضيحة قالت، وفعلاً رأت أن دم الحيض نزل منها، لا إله إلا الله، في السن هذه؟ في هذه السن العالية، فضربت وجهها من الخزي، أي أنها كانت خزيانة، ليس خزي الذنب وإنما خزي الحياء، ضربت وجهها من الخزي والاستحياء، ماذا سنقول للناس؟ وكيف سأحمل وبطني تكبر؟ وعندنا معروف أن هذا عيب في بلادنا، وفعلاً الناس يرونها ثقيلة إذا امرأة كانت كبيرة قليلاً وكانت حاملاً، وهي أيضاً المسكينة تخجل من نفسها، وهكذا! المُهِم على كل حال لا علينا من هذا، قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ۩، لكن عيسى لم يأت هكذا، لا حيض ولا جماع ولا أي شيئ أبداً، منك أنتِ وحدكِ فقط وسوف نأتي به، لا إله إلا الله، ولذلك قال يَخْلُقُ ۩، قال يَخْلُقُ ۩ ولم يقل يَفْعَلُ ۩، لماذا؟ لأن هذا ليس موضوعاً مفعولاً يومياً، هذا يعود إلى قدرة غير سُننية، ليست سارية في السُنن.

إِذَا قَضَى أَمْرًا ۩، إذا أراد أمراً وحكم به، فالقضاء هو الحُكم، إذا حكم أن يصير شيئاً سوف يصير، فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۩.

۞ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ۞ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۞

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ۩ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ۩، أيضاً من صفات مَن هذه؟ هذه كلها صفات ونعوت لمَن؟ لابنك عيسى، أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ ۩، ببرهان، مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ۩، كان يُصوِّر فعلاً مثل الطير، فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، في سورة المائدة يُشكِّله بإذن الله، يجعله يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله، وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ۩، أي أن هناك “بإذن الله” أتت عند الخلق، صحيح! لماذا؟ كأنها إشارة إلى أنه لا ينبغي صنع التماثيل، هنا قد يقول أحد الناس عيسى كان يصنع هذا، فنقول له الله قال في المائدة أنه كان يصنعهم بإذن الله وينفخ بإذن الله، انتبه إلى هذا، فهو حتى استثناء، هو كان يُصنِّع التماثيل هذه – مثل تمثال طير أو تمثال أي شيئ – بإذن الله، الله قال مأذون لك ومسموح لكي تُريهم آية، وسوف نُنفِخ في التمثال الذي تصنعه فيكون طيراً يطير بإذن الله، انتبهوا! دقيق القرآن، في المائدة بعد خلق الطين بإذن الله، وهنا بعد النفخ بإذن الله تبارك وتعالى.

وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ ۩، مَن هو الأكمه؟ الذي وُلِدَ أعمى، وهذا أبلغ في الدلالة والإعجاز، انتبهوا! لو كان هناك رجل يرى ثم أُصيب بالعمى وجاء رجل وشفاه فسوف يكون هذا جيداً، لكن مَن وُلِدَ أعمى أصلاً ليس عنده قابلية حتى الإدراك الحسي والإدراك البصري، يُوجَد عنده خلال في الشبكية وفي التكوين، ثم يأتي عيسى – عليه السلام – ويمسح فقط وجهه بيده المُبارَكة الشريفة المبرورة فيرى ويُبصِر ويُدرِك، شيئ عجيب. 

وَالأَبْرَصَ ۩، تعرفون الأمهق، البرص! يمسح وما إلى ذلك فيعود أحسن ما كان جلداً، جلد من أجمل ما يكون، مُبارَك عليه السلام، مُبارَك! لا إله إلا الله.

وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، وهذه أعجب، موتى قد أرموا وأصبحوا جيفاً ورمماً في الأرض، يأتي ويُخاطِب الميت فيقوم ينشره نفسه كأنه كان في نوم، أي يُكسى لحماً ودماً من جديد وعصباً، وينتشر ويرجع مع أهله فيأكل وما إلى ذلك، لا إله إلا الله، خرَّب الله بيت بني إسرائيل، شيئ عجيب، والله شيئ عجيب، بعد كل هذه الأشياء هذا الرجل يُكفَر به ويُؤتمَر به لصلبه؟ لعنات الله عليهم إلى يوم الدين مُتتابِعات، اللهم انصرنا عليهم واظفرنا بهم يا رب العالمين، إن شاء الله قريباً غير بعيد، شيئ عجيب يا أخي، هذه الأشياء – سُبحان الله – غريبة، غريبة جداً.

قال وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۩، طعامكم الذي أكلتموه قبل قليل – أكلتم خُبيزة ولفتاً وجزراً مثلاً – سوف أقوله لكم، أنت أكلت من اللحم وأنت أكلت من الثريد وأنت أكلت من الكشري – إذا كان عندهم كشري – وأنت أكلت من كذا وكذا، سوف أُخبِركم وأقول لكل واحد فيكم ماذا أكل اليوم، وسوف أُخبِركم أيضاً بما تتموَّنون، سوف أقول لكم ما المونة التي عندكم، فأنت – مثلاً – خزَّنت بُراً وشعيراً وقمح وعنباً وعصيراً وكذا وكذا، سوف أُخبِرك بكل هذا – بإذن الله – وأنا جالس.

قال إِنَّ فِي ذَلِكَ ۩، في هذه الأشياء المذكورة، لآيَةً لَّكُمْ ۩، آية على ماذا؟ على أني رسول بحق وصدق من عند الله، وينبغي لمثلي أن يُطاع، إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۩، بالله وباليوم الآخر.

۞ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ۞

وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ۩، عيسى لم يأت لينقض التوراة، عيسى جاء ونهج في نهج مَن؟ موسى عليه السلام، وقال ما جئت لأنقض الناموس – الناموس هو شريعة موسى، أي توراة موسى، توراة موسى وقوانينه – وإنما جئت لأبني الناموس.

وَلِأُحِلَّ لَكُم ۩، هنا جاء لينسخ بعض ما في التوراة، قال وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۩، هناك أشياء في الشريعة حُرِّمت عليكم تشديداً من الله وإعناتاً لكم جزاء ما قمتم به من سيئ العمل ورذله، جزاءً وفاقاً! فالآن نُريد أن نُخفِّف عليكم، هذا نسخ، وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ۩.

۞ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ۞

إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ۩، هذه واضحة.

۞ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ۞

فَلَمَّا أَحَسَّ ۩، استشعر، خامره الإحساس، استشعر الكفر، لا فائدة أيضاً، وكان دائماً يعظهم ويقول لهم اقرأوا الإنجيل، سُبحان الله، شيئ غريب! وجاهد جهاداً طويلاً عليه السلام، قال فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۩، ما معنى  مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۩؟ أضعف مذهب في تفسيرها: مَن أنصاري مع الله، قالوا إِلَى ۩ بمعنى مع، ولا أُحِب هذه الطريقة في التفسير عند بعض المُفسِّرين، وهي طريقة ضعيفة حقيقةً، قالوا مَن أنصاري مع الله، أي أن الله نصيري ومَن أيضاً سينصرني؟ لا! مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۩ تعني مَن أنصاري في الدعوة إلى الله، هذه هي فقط، أحسن! هذه الطريقة أحسن بكثير من أن نقول إِلَى ۩ بمعنى مع – مَن أنصاري مع الله – وهي طريقة الأصوليين في أصول الفقه، دائماً يأخذونها كمثال، لكن ضعيفة هذه الطريقة، فالمعنى مَن أنصاري في الدعوة إلى الله، كما كان يقول النبي مَن رجلٌ يُؤوني حتى أُبلِّغ كلمة ربي؟ فإن قريشاً منعوني أن أُبلِّغ كلمة ربي، هذه هي، نفس الشيئ! مَنْ أَنصَارِي ۩، مَن يُؤوني لكي أُبلِّغ كلمة الله وأدعو إلى الله، هذا الصحيح.

قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ۩، جمع حواري، مَن هو الحواري؟ النصير الذي ينصرك ويُعزِّزك ويشد في عضدك، في الحديث الصحيح أن النبي – عليه السلام – يوم الأحزاب – يوم الخندق – انتدب رجالاً، فانتدب مَن؟ الزُبير، انتدب نفسه، أي النبي ندب وهذا انتدب، النبي ندب رجالاً – مَن يخرج لهم؟ – فانتدب الزُبير نفسه، فالنبي سكت، ثم ندب النبي رجالاً، أي استحثهم وما إلى ذلك، فانتدب الزُبير، فسُرَّ النبي به جداً وقال إن لكل نبي حواري وإن حواري الزُبير بن العوّام، قال هذا نصيري، كلما قال مَن يطلع؟ يقول أنا أطلع يا رسول الله، كلما قال مَن يطلع؟ يقول أنا أطلع يا رسول الله، وطبعاً هذا مثله مروي عن عليّ، أنه انتدب أيضاً نفسه، لكن هذه المُناسَبة التي قيل فيها أن الزُبير هو حواري الرسول، بهذا السبب يوم الأحزاب وليس قبل هذا، نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ۩.

۞ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۞

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۩، آمين، اللهم آمين. 

قيل المُراد بــ الرَّسُولَ ۩ هنا هو محمد، إذن بناء على هذا ماذا سيكون المعنى؟ من دعاء مَن؟ سيصير من دعاء أمة محمد، وإذا جعلناه على السياق – أنه من كلام الحواريين – فواضح أنه سيكون عيسى، لكن هناك أُناس قالوا لا، المقصود هو محمد، فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۩، والأرجح أن يكون مِن كلام مَن؟ مِن كلام الحواريين، لأن السياق واضح، بدليل أيضاً ما رُويَ عن ابن عباس، وهو بإسناد جيد، أعتقد عند أبي حاتم والله أعلم، لكنني لست مُتأكِّداً تماماً، فالأغلب أنه عند أبي حاتم عن ابن عباس: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۩، قال أمة محمد، إذن هذا سوف يكون مِن دعاء مَن؟ مِن دعاء الحواريين، اكتبنا لنكون مع أمة محمد، يُحِبون الشيئ هذا، لماذا سُميت أمة محمد بالشهود؟ لماذا قال مَعَ الشَّاهِدِينَ ۩؟ قال الله لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۩، وقد سبق هذا في تفسير البقرة، أليس كذلك؟ يشهدون لنوح وللأنبياء الذين تُكذِّبهم أقوامهم يوم القيامة، تقول أقوامهم ما جاءنا من نذير وما جاءنا من أحد، مَن الأمة التي ستشهد؟ أمة محمد، فلذلك هي الأمة الشاهدة، هي الأمة الشاهدة في الدنيا والآخرة إن شاء الله.

۞ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ۞

وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ۩، ما قصة مكر هؤلاء؟ اليهود الذين كفروا بعيسى ما قصتهم كما تعرفون؟ للأسف الكهنة ائتمروا بعيسى، الكهنة للأسف فعلوا هذا، وهم مَن؟ هم بنو الكاهن ابن هارون أخي موسى، قالوا هذا أتى لكي كذا وكذا سوف ينتقدنا وما إلى ذلك، لأنهم كانوا يأكلون بالدين، خبثاء كانوا وحرَّفوا التوراة، وكفروا بأشياء في الإنجيل وأشياء في التوراة، وعيسى دائماً كان يسبهم ويسخط عليهم ويُظهِر الغضب عليهم والبراءة منهم ويقلب عليهم ويقول لهم حوَّلتم بيت الله إلى مغارة لصوص، يقول لهم أنتم تدّعون أنكم أبناء إبراهيم، أنت أبناء الشيطان يقول لهم، لستم أبناء إبراهيم، إبراهيم بريء منكم، أنتم أبناء إبليس، كان شديداً عليهم من كثرة ما كفروا به، فهم كرهوهه فائتمروا به وقالوا سُنسلِمه لملك الرومان لكي يُشنِقه، سوف نُلفِّق له أي تُهمة ونتخلَّص منه، للأسف الشديد مَن الذي ائتمر به من حواريه؟ واحد من الحواريين أيضاً اسمه يهوذا الإسخريوطي، خبيث! رجل دنيا، لعنة الله على البعيد هذا، هذا كفر، ذهب إلى الكهنة وقال لهم أنا سأُسلِّمكم إياه، وهذا في الإنجيل موجود وبالذات في إنجيل برنابا، أنا الآن سأسوق رواية إنجيل برنابا، لماذا سأسوق رواية إنجيل برنابا؟ لأنها الرواية الحق بحمد الله – وبالمُناسَبة برناربا هو أحد الحواريين، برنابا أحد الحواريين – والتي تتطابق مع ما في القرآن الكريم، بخلاف الأناجيل الفارغة خاصة يوحنا وما إلى ذلك، كلام فارغ هذا كله ومُحرَّف، في إنجيل برنابا أيها الإخوة الآتي، والترجمة الحمد لله موجودة، الترجمة العربية التي نشرها صاحب المنار ترجمها رجل مسيحي اسمه خليل سعادة، فهو ليس مُسلِماً، هو مسيحي وهذه نُسخة مُوثَّقة، لكن المسيحيين لا يعترفون بها طبعاً لأنها ضدهم، ضدهم! كتاب توحيد ويُبشِّر بمحمد بشكل واضح ويقول عيسى لم يُصلَب وإنما رُفِع روحاً وبدناً مثل القرآن، يتوافق معنا في ثلاث مسائل عقدية بشكل واضح، هذا في إنجيل برنابا، فجاء يهوذا الإسخريوطي هذا – عليه اللعنة إلى يوم الدين – وتآمر مع الكهنة وقال لهم لقاء ماذا؟ أنا سأُسلِّمكم عيسى، أعرف كيف أين هو – سوف أتخفى وأذهب إليه – لكن لقاء ماذا؟ قالوا كم تطلب؟ قال ثلاثين قطعة ذهبية، أي أنه طلب ثلاثين ديناراً ذهبياً، قال ثلاثين قطعة ذهبية، فقالوا لك ذلك وسلِّمنا إياه، فكان كلمة الله – عليه الصلاة والسلام – في تلك الليلة حين ائتمروا به يُصلي ويتضرَّع ويُمرِّغ خده في التُراب في بُستان، مكان مثل بُستان يذهب إليه ويتضرَّع إلى الله على طريقته يقول برنابا، هذه كانت طريقته، يُمرِّغ خده في التُراب ويبكي ويبل الثرى، نبي! إذ سمع بالحس، أي بالصوت، صوت مَن؟ الجنود، أتى الكهنة ومعهم يهوذا الملعون هذا والجنود الرومان، بعث معهم كتيبة، أي أن الحاكم الروماني بعث معهم كتبة كاملة، فسمع هو وحس بالمشاعل والأضواء فتسلَّل إلى البيت، هو لم يكن عنده بيت، كان يقول ليس لي زوجة فتموت ولا ولد فيهلك ولا بيت فيخرب، أنا الذي طلَّقت الدنيا، عليه السلام، إنسان عجيب عيسى عليه السلام، لم يكن عنده أي شيئ من الدنيا، فقط رسول يسوح على وجهه في البراري وفي المدن ويُصلي ويدعو الناس إلى الله تبارك وتعالى، يقول ليس عندي شيئ، أنا الذي طلَّقت الدنيا، ليس عندي لا بيت ولا زوجة ولا ابن ولا أُريد كل هذا، فأي بيت المقصود إذن؟ بيت مَن؟ بيت الحواريين، البيت الذي كان يأوي إليه الحواريون الأحد عشر الآن هم، فدخل عندهم وهنا قال الله – يقول برناربا – تبارك وتعالى لجبريل وميكائيل وروفائيل وأوريل – وفي النسخة الإسبانية من برنابا وعزرائيل، يبدو أنه هو أوريل، إذن الأربعة الملائكة العظام، سُفراء الله عز وجل – اذهبوا وائتوني بعبدي، أي بروحه وبدنه، ارفعوه إلىّ، كما قال ماذا؟ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۩، الله أكبر!

انظروا يا إخواني إلى العبرة هنا، لا تأخذوها دائماً من زاوية أنه نبي وما إلى ذلك، هو بشر أيضاً، كلما كنت قريباً من الله يكون الله قريباً منك، يُعزّك ويُكرِمك ويخاف عليك ويُطهِّرك، كل هذا فيه عبرة لنا نحن البشر أيضاً، تقرَّب لكي تصل إلى شيئ قريب من هذا الشيئ، لأنه عبد عزيز عند الله، كريم عند الله تبارك وتعالى، هذا هو، فجاءت الملائكة الأربعة وحملت يسوع – عليه السلام – من النافذة التي في مُقابِل الجنوب، والحواريون الأحد عشر نيام لا يشعرون بشيئ، لم يشعروا به لما دخل ولم يشعروا أيضاً بالملائكة حين رفعته، ورفعوه إلى السماء الثالثة حيث الملائكة المُقدَّسة تُمجِّد الله في الأعالي وتُسبِّحه إلى أبد الآبدين، صار معهم هناك، دخل الخبيث الزنديق يهوذا، يقول برنابا وهنا أتى الله العجيب بأمرٍ عجيبٍ، الله عجيب عز وجل، أي قدرته عجيبة وكذلك حكمته، قال أتى الله العجيب بأمرٍ عجيبٍ، إذ تحوَّل في النُطق والشكل إلى يسوع، يهوذا صار لسانه وصارت طريقته كأنه عيسى، وشكله بدأ يتغيَّر وصار مثل عيسى، ونهضوا هم طبعاً، أي الحواريون، لأنهم مطلوبون أيضاً، الحواريون المساكين كانوا مطلوبين للقتل أيضاً، فقال ومعه طبعاً الكهنة والجُند الرومان أين المُعلِّم؟ فقلنا يا سيدنا أنت سيدنا ومُعلِّمنا، ألم تشعر؟ قال بمعنى الكلام ماذا تقولون يا حمقى؟ أنا لست يسوع، قالوا، بلى أنت يسوع، وفر الحواريون حتى أن أحدهم كان مُلتحِفاً بملاءة، ليس عنده ثياب، فأخذه الجُند الرومان، فترك الملاءة وخرج عرياناً يقول برنابا، وفروا بحمد الله، فالله أنقذهم، أنقذ سمعان بطرس والجماعة هؤلاء، وأخذوا يهوذا الإسخريوطي وجعلوا يهزأون منه وجعلوا الشوك على رأسه، قالوا له أتُريد أن تكون ملكاً على إسرائيل؟ سوف نُملِّكك، هذا تاج من شوك على رأسك، وأخذوه – إلى آخر القصة – وصُلِب.

قال – عز من قائل – في كتابه العزيز وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۩، وقال أيضاً في النساء وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ۩ بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۩ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ۩، الضمير في قوله قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ يعود على مَن؟ على عيسى في الأرجح، طبعاً هناك روايتان هنا، هناك رواية تقول لا يُوجَد كتابي في ساعة النزع قبل أن يموت إلا ويعرف أن عيسى هو عبد الله ورسوله، ليس إلهاً ولا ابن إله، يعرف هذا، لكن يا حسرة، سوف يموت كافراً، لا تُوجَد عند فرصة، فهذا قبل آخر لحظة في الغرغرة، لكن القول الأصح والأقوي والذي يشهد له الكتاب والسُنة المُتواتِرة في أكثر من ستين حديثاً أن عيسى سيعود إلى الدنيا، وهذه عقيدة المُسلِمين وعقيدة اليهود والنصارى، النصارى معروف ماذا يقولون عنه والمُسلِمون يعرفونه واليهود يعتبرونه المسيح الدجّال، أي سيرجع كمسيح دجّال ضد المسيح المطلوب، لكنه سيرجع عند أهل الأديان كلها، وعندنا أحاديث مُتواتِرة أنه سوف يرجع، أي لا كلام فيها، فهي مُتواتِرة، والعلّامة محمد أنور الكشميري رحمة الله عليه – الشيخ الهندي المُحدِّث، كان مُحدِّثاً وليس شيخاً فقط، فهو مُحدِّث وعلّامة كبير وشارح البخاري في فيض الباري رحمة الله عليه، وهو من أولياء الله الصالحين – عنده كتاب لطيف جداً – مُجلَّد – اسمه التصريح بما تواتر من نزول المسيح، جمع فيه وحشر إليه وحشد فيه كل الأحاديث الصحيحة والحسنة وما دونها التي تُبشِّر بعودة المسيح عيسى عليه الصلاة وأفضل السلام، لا علينا من هذا، المُهِم هذه قصة كيف مكروا وكيف مكر الله بهم، جاء المكر على رأس مَن؟ على رأس الكهنة وعلى رأس بالذات يهوذا الإسخريوطي هذا لعنة الله عليه، قال وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ۩، لأن مكر الله لا يكون إلا خيراً، مكر البشر دائماً شر، لكن مكر الله هو خير.

۞ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۞

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ۩، إذن فهمنا كيف التوفية، بالمُناسَبة التوفية في كتاب الله أيها الإخوة تأتي على ثلاثة وجوه، التوفية – حين نقول التوفية – تأتي على ثلاثة معانٍ، على ثلاثة وجوه: توفية للروح مع بقاء البدن في الأرض، لماذا هذه؟ هذه توفية ماذا؟ الموت، تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ۩ في الأنعام، قال تَوَفَّتْهُ ۩، أي واحد فينا ستتوفاه رُسل الله، عزرائيل وجماعته، سهَّل الله علينا الموت، قال – تبارك وتعالى – أيضاً اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ۩، هذه هي، هذه توفية وهذا كان أولاً، ثانياً هناك توفية من نوع ثانٍ، توفية نسبية وجُزئية للروح، بحيث يبقى أثر الحياة في البدن، لكن لا تبقى الروح كالحالة الطبيعية، وهذا في النوم، النبي سُئل يا رسول الله هل في الجنة نوم؟ فقال سُبحان الله، النوم أخ الموت، جُزء من الموت! ولذلك قيل الموت نومٌ أكبر والنوم موتٌ أصغر، إذن النوم هو موت لكنه موت أصغر، وأما الموت فهو نوم لكنه نوم أكبر، يُقال الذين ناموا ولم يقوموا إلى يوم التناد، ينامون في القبور إلى يوم التناد، ويا ليتهم ينامون، الواحد منهم إما مُعذَّب أو مُنعَّم، هذه هي!
وَلَـوْ أَنَّـا إِذَا مِتْـنَـا تُـرِكْنَـا                           لَكَـانَ الْمَـوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيِّ.

وَلَكِـنَّـا إِذَا مِتْـنَـا بُعِـثْـنَـا                             وَنُسْـأَلُ بَعْدَهَـا عَـنْ كُلِّ شَيِّ.

يا ليت الواحد منا يموت وينتهي، يا ليت! أبو بكر كان يتمنى هذا، أبو بكر وعمر وأبو ذر وكلهم تمنوا هذا، يا ليتنا نصير بعراً وننتهي ونفني، نخاف من الحساب، طبعاً هناك حساب!

اللهم صل على سيدنا محمد، إذن هذه التوفية الثانية وهي النوم، والتوفية الثالثة أين هي؟ توفية عيسى وإدريس، إدريس فيه خلاف، قيل توفاه الله – نفس الشيئ – بالروح والبدن فهو في السماء الرابعة، لكن عيسى يُوجَد في شأنه نص في كتاب الله، إدريس قال عنه الله في سورة مريم – عليها السلام – وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ۩، وقصته معروفة، بين جناحي ملك طلع، المُهِم وأما عيسى فهذا هو، في سورة آل عمران إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ۩، ما هذه التوفية؟ هذه هي، فيها سبعة أقوال، انتبهوا فهي فيها سبعة أقوال، منهم مَن قال هذا منام، منهم مَن قال هذا موت عادي كموت البشر، منهم مَن قال هذا كذا وكذا، لكن الصحيح الراجح والذي تدل عليه أدلة كثيرة وهو ما رجَّحه ابن جرير والإمام القرطبي ومال إليه الآلوسي وغيرهم وغيرهم هو ماذا؟ التوفية روحاً وبدناً، يستوفيه كاملاً بروحه وبدنه، ورفعه أيضاً مكاناً علياً، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۩، قيل الذين اتبعوه هم المُسلِمون حتى من أمة محمد، وهذا فيه نوع من التكلف لا يرتاح إليه الإنسان، وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ ۩، هم الحواريون وأتباعهم وأتباع أتباعهم من الناس الصالحين الذين اتبعوه على دينه، فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ۩، من اليهود، من كفّار إسرائيل، صحيح! ألم يكفروا به ويتآمروا عليه ويُريدوا قتله؟ وفعلاً هذا الذي حصل سُبحان الله العظيم، في القرن الرابع أنتم تعرفون كيف عذَّب اليهود المسيحيين في الأول، عذَّبوهم وسموهم الخسف والهوان، وكانوا يذبحونهم وينشرونهم، فعلوا فيهم أشياء لا تُفعَل، لكن هذا كان في فترة بسيطة، ثم تأذَّن الله بالفرج، وفي القرن الرابع الميلادي ما الذي حصل؟ دخل قسطنطين في النصرانية، أليس كذلك؟ تعرفون هذا الملك الروماني العظيم، دخل في النصرانية وشوَّه النصرانية، ويُقال دخل فيها حيلةً أيضاً لإفساد الأمر، لا ندري! لكن الذي حصل أنه بنى لهم اثني عشر ألف معبد وكنيسة ودير، أي أنه أعز النصرانية، أليس كذلك؟ نعم حرَّفها صحيح لكنه بنى لهم معابد وكنائس وعمل لهم مراتب دينية عالية في كل مكان، وساموا اليهود الخسف والهوان والذل والعذاب، وإلى اليوم اليهود لم يعتدوا على النصارى، حتى فيما نراه الآن في أمريكا وما إلى ذلك هم يظلون وسيلة قذرة في يد الصليبية العالمية، فهي تستخدم لمصالحها، وبالمُناسَبة مُنذ متى هم مُعزَّزون ما شاء الله في الغرب؟ مُنذ متى؟ من بعد الحرب العالمية، أليس كذلك؟ قبل ذلك كانوا مُبهدَلين، حتى في الحرب العالمية الثانية أيام النازي أرادوا أن يذهبوا إلى أمريكا، دفعوا كما نقول ما أمامهم ووراءهم من أجل أن يشتروا تذكرة السفينة فقط، ولما وصلوا إلى أمريكا رفضهم الأمريكان، قالوا لهم اخرجوا من هنا، اذهبوا إلى كوبا وما إلى ذلك، فنحن لا نُريدكم، احتقروهم! الآن مَن قرأ كتاب جيفري لانج Jeffrey Lang يعلم أن إلى الآن في أمريكا – إلى الآن مع علو الصهاينة – أكبر سُبة وأبشع سُبة أن تقول لأحدهم يا يهودي، فهذا يعني أنه أسوأ من الخنزير عندهم، مكروهون ومُحتقَرون، ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ۩، سُبحان الله أذلاء في أنفسهم ويستذلهم غيرهم، فهذه الفترة لا تُعَد شيئاً في حساب التاريخ، خمسون أو ستون سنة ليست بشيئ، اقرأوا قصة الحضارة لويل ديورانت Will Durant، والله شيئ يُقشعَر البدن، انظروا كيف كانوا يُعذَّبون هنا في أوروبا – شيئ مُخيف – وخاصة في الأعياد، في الأعياد المسيحية يأتون باليهود المساكين، يأتون بهم من كل مكان، شيئ فظيع وشيئ مُخيف، مُخيف والله العظيم! قال كانوا يقومون بعمل مقابض – يُسمونها البومة، هل تعرفون؟ البومة، مقابض لها أربعة أصابع من حديد – ويأتون باليهودي ليُضرَب بها في جبهته، يُمكِن أن تقرأوا هذا، أنا قرأته عند ويل ديورانت Will Durant، شيئ يُقشعِر البدن، هذا حرام، كان يحدث هذا بطريقة لا إنسانية في أوروبا هنا، ذل! قال – عز من قائل – في الأعراف وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۩، فلا تقل لي أن هناك عشرين أو ثلاثين سنة، ليس لهم قيمة، والآن – بصراحة أنا أرى هذا حتى في فلسطين – هذا – والله – بعض موعود الله، أي هذا التفجير الذي يجري لهم في الداخل والموت وما إلى ذلك، ذل وخوف ورُعب كبير يعيشون فيه ليل نهار، أليس كذلك؟ نحن نراهم وهم يخرجون بدباباتهم وما إلى ذلك، لكن هم يعيشون أصلاً في خوف، إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۩، وزيادة والله، وزيادة أيضاً! وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۩، ذل! يعيشون في ذل، تأتي الطيارة – كما قلنا قبل ذلك – هنا أو في أي مكان فيها ما يقرب من خمسين خنزيراً منهم فنجد الهليكوبتر والمُدرَّعات النمساوية والتأمين في كل مكان، وقلنا هذا قبل ذلك، هل تتمنى أن تكون الواحد منهم؟ سوف تكون خائفاً جداً جداً، لماذا هذا الخوف؟ تخاف لأن في كل لحظة يُمكِن أن تُقتَل، لأنك مكروه، والحمد لله أنتم قرأتم في الإنترنت Internet وما إلى ذلك سمعتم في الجزيرة القصة التي وقعت قبل خمس أو ست أيام هنا في الاتحاد الأوروبي، ستون في المائة – والاستفتاء جرى على قريب من ثمانية آلاف شخص، لا أدري الرقم بالضبط، سبعة آلاف وخمسمائة وما إلى ذلك، المُهِم أن ستين في المائة منهم – يرون أن إسرائيل – والإسرائيلين طبعاً – أخطر على الأمن العالمي والسلام الدولي من كوريا الشمالية ومن إيران، يرون أن هؤلاء هم الأخطر، هؤلاء هم القتلة، هؤلاء هم المُجرِمون، الحمد لله، وأنا أقول لكم والله هؤلاء الناس الذين استفتوا هم أُناس مُخوَّفة، لو كانت هناك حرية حقيقية ولم تُوجَد تُهمة ضد السامية وكل هذا الكلام الفارغ لرأيتم أن تسعين في المائة من الناس يكرهونهم، مكروهون! في كل مكان مكروهون والحمد لله، وهذا تصديقاً لوعيد الله فيهم، لعنة الله تعالى عليهم إلى يوم الدين.

اللهم صل على محمد، قال ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۩.

۞ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ۞

فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ۩، واضحة.

۞ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ۞

وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ۩، واضحة.

۞ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ۞

ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ۩، واضحة.

۞ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۞

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۩، شرحناها.

۞ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ۞

الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ۩، أي من المُتشكِّكين أو المُرتابين.

۞ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ۞

آخر شيئ، نختم بهذه الآية، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ۩، أي يا محمد، مَن ماراك وجادلك وناقشك الحساب، أي فمَن حاجك في هذه المسألة، مسألة ماذا؟ قلنا أمس أيها الإخوة إن سورة آل عمران – عليه السلام – من صدرها إلى ثلاث وثمانين آية نزلت جُملة واحدة بسبب قدوم مَن؟ وفد نصارى نجران، وقد قدموا في العام التاسع أو في السنة التاسعة، عام الوفود، أي بعد فتح مكة، فهؤلاء قدموا لماذا؟ يُجادِلون في عيسى وأن عيسى ليس مُجرَّد عبد ورسول، قالوا عيسى ابن الله، وبعضهم قال عيسى الله، من نفس الوفد هؤلاء، وقصة هؤلاء النصارى – نصارى نجران – أنهم كانوا ستين – ستين رجلاً – يؤول أمرهم ويأوي إلى خمسة عشر منهم وقيل ثلاثة عشر، يؤول أمر هؤلاء إلى ثلاثة: السيد والعاقب وأبو حارثة بن علقمة وقد كان عربياً من بكر بن وائل وتنصَّرو تفنَّن في علم الكتاب المُقدَّس الخاص بهم، فلما تنصَّر عظَّمه ملك الروم، ملك الرومان عظَّمه وأغدقوا عليه الأموال والكرامات والأوسمة والجوائز، فهو لذلك لا يُحِب أن يترك ما هو فيه من نعيم ومن تعظيم وتجلة، فهذا أصله عربي، أي ليس له علاقة بهم، صاحب هوى! وبالنسبة إلى السيد فهو كان رجلاً صاحب أمرهم وذا رأيهم، وبالنسبة إلى العاقب فاسمه عبد المسيح، أيضاً هذا سيد مُطاع فيهم، هؤلاء الثلاثة كانوا الأهم: السيد والعاقب – وهو عبد المسيح – وأبو حارثة بن علقمة العربي الذي كان من وائل، أي من بكر بن وائل، فجاءوا عند النبي – عليه السلام – وناقشوا في هذا القضايا، أحدهم يقول هو الله وآخر يقول لا، هو ابن الله، لكن هو ليس عبداً على كل الأحوال وليس مُجرَّد إنسان عادي وبشر، وظلوا يأخذون ويُعطون في كلام مُمِل، فربنا أنزل على النبي هذه الآيات، أنزل له هذه الآيات كلها وذكر له قصة مريم وآل عمران وعرَّفه ما القصة وما إلى ذلك، وفيها الحمد لله حفاوة بالغة بين عيسى وأمه، الله ما نقص من قدره أبداً، بالعكس هو أعزه وأعلى قدره ونوَّه بذكره وشرفه وعلو منزلته ومثابته، الحمد لله! وهذا من إنصاف هذا الدين العظيم، وكله من عند الله، هو نبي الله، وفي النهاية ماذا قال الله؟ آية قاطعة هنا وفيها وعيد ودمدمة وفيها تهديد: فَمَنْ حَاجَّكَ ۩، الإشارة إلى مَن هنا؟ إلى الوفد، وطبعاً النبي أكرمكم وصلوا حتى في المسجد هم، ضعوا أشياءهم وبعد ذلك قاموا وصلوا، والصحابة انزعجوا، كيف تُصلون هكذا؟ فالنبي قال دعوهم، فصلوا إلى جهة الشرق، النبي قال دعوهم، أي اتركوهم لكي يُصلوا، فالله قال فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۩، نحن أعطيناك العلم الحقيقي، وقلنا لك بالضبط ما الذي حصل من عيسى ولعيسى، فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ۩، وجاء مَن؟ الرسول – عليه السلام – بفاطمة – عليها السلام – ومعها الحسن والحُسين، كل منهما في خميلة، وجوه كالأقمار وكالبدور سُبحان الله العظيم، حين تراهم تعرف أنهم أبناء أنبياء يا أخي، مُستحيل! هذا نبي وهؤلاء أبناؤه، هذا واضح، فجاءوا يمشون مع الرسول، نُريد أن ندعو، فالمُهِم قال ثُمَّ نَبْتَهِلْ ۩، ما معنى الابتهال؟ الدعاء، والمقصود به هنا الدعاء المُتبادَل باللعنة، أي التلاعن، اللهم العن هكذا تقول والعياذ بالله، اللهم العن المُبطِل منا الذي عرف الحق وكتمه أو عرف الحق ولم يقله، بهذه الصيغة أو صيغة قريبة منها، أنت البعيد تدعو باللعنة على المُبطِل سواء كنت أنا أو أنت، فستُصيب المُبطِل منا، والله إنصاف هذا، أليس كذلك؟ هذه نصفة، هذا إنصاف عالٍ والحمد لله، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ۩، الذين كذَّبوا بالحق بعد أن رأوه وعرفوه، فالنبي قال لهم تعالوا، هيا للمُباهَلة، انتهى الأمر، أنتم تتفلسفون وتُطيلون ألسنتكم وما إلى ذلك، فهيا نتباهل، ما المُشكِلة إذا كنتم مُحِقين؟ قالوا لا، أمهلنا يا محمد، استمهلوه! دعنا نتناقش ونرى أنفسنا وقصتنا، فذهبوا وتناقشوا وتآمروا، فماذا قال لهم هذا العاقب عبد المسيح؟ قال لهم يا قوم تا الله لتعلمن أن هذا الرجل نبيٌ وقد جاءكم بالحق فيما أنتم فيه، والذي حكاه عن عيسى وأمه وما إلى ذلك كله صح من أوله إلى آخره، وأنتم تعرفون الكلام هذا، والله لإن باهلتموه لا يبقى منكم كبير ولا ينبت صغير، الكبار سوف يُقصون قصاً والصغار سوف يموتون أيضاً، الكل سوف ينتهي، سوف ينتهي قال لهم، وإنه للاستئصال، قال لهم استئصال وسوف ننتهي، أي أننا سوف نُباد من جذورنا، من خضرائنا سوف نُجتَث قال لهم، انتبهوا، الوضع خطير هذا، وهذا نبي قال لهم، ليس فيلسوفاً أو داعية أو سياسياً أو رجلاً عادياً، نبي قال لهم، وما باهل قومٌ نبياً إلا أُخِذوا، يُستأصلوا بالكامل، هل تظنون أن الحكاية لعب؟ وعرف هو ورأى وجه النبي ورأى فاطمة والحسن والحُسين، الحكاية تُخوِّف، انظروا إلى أي مدى بلغ الهوى، الهوى والغرض! فأنا أرى لكم – قال لهم – إن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم فيه وعلى قولكم في صاحبكم أن تُوادِعوه وتعودوا إلى دياركم، أي إذا أحببتم أن تظلوا على دينكم وتقولوا عيسى ابن الله أو عيسى الله وكل هذا الكلام الفارغ الذي تقولونه لن تُوجَد مُشكِلة قال لهم، كونوا كما أردتم لكن وادعوه، لا تُبهدِلوه، ما معنى وادعوه؟ سالموه، أعطوه ما يُريد، إذا أراد الجزية أعطوه الجزية، إذا أراد أي شيئ أعطوه إياه وينتهي الأمر، فجاءوا وقالوا يا محمد لا، نرى أن نبقى على ما نحن عليه – شيئ غريب، أعوذ بالله، عرفوا الحق سُبحان الله ولم يخضعوا – وأن تبقى على ما أنت عليه – أي لك دينك ولنا ديننا – وابعث معنا مَن يحكم فينا، أي ابعث رجلاً يكون أميراً، له السُلطة، يكون من عندك مُخوَّلاً علينا، نرضى به، هذا عند ابن إسحاق وعند ابن جرير وعنده غيرهم، في البخاري – رحمة الله عليه – عن ابن عباس ما الذي حصل؟ قالوا وابعث معنا رجلاً أميناً، ولا نرضى إلا بأمين، قال لهم لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين، أي أمين أمين بنسبة مائة في المائة – قال لهم – من غير ريبة، حق أمين! فاستشرف لها أصحاب رسول الله، الكل طبعاً لأن هذه شهادة من الرسول، سوف يبعث أميناً كبيراً في هذه الأمة، أمين هذه اليوم لقبه إلى يوم الدين، الكل يُحِب أن يكون هو، فقال قُم يا أبا عُبيدة، أبو عُبيدة عامر بن الجرّاح – رحمة الله عليه رحمة واسعة وعليه الرضوان والرحمة – مُهاجِري أم أنصاري؟ مُهاجِري، أبو عُبيدة مُهاجِري، فقال له قُم يا أبا عُبيدة، في الصحيحين قال – عليه السلام – إن لكل أمة أميناً وإن أمين هذه الأمة أبو عُبيدة بن الجرّاح، في الصحيحين عن أنس بن مالك، أي عن رواية أنس بن مالك في الصحيحين، فقال له اذهب معهم وما إلى ذلك وانتهى كل شيئ.

يروي أيضاً ابن جرير وغيره عن ابن عباس ويروي البخاري أيضاً عن ابن عباس أنه يقول – يقول ابن عباس ماذا؟ – قال عدو الله أبو جهل لأذهبن فلأن وجدت محمداً في البيت ساجداً لأطأن بقدمي على عُنقه، قال والله لو فعل لأخذته الملائكة عياناً، هذه نجا منها الملعون هذا وإلا لمزَّقته أمام الناس الملائكة بقدرة الله، هناك آيات غريبة، قال أيضاً ولو تمنى اليهود الموت لماتوا من فورهم ولرأوا مقاعدهم من النار أو في النار، وهذه أيضاً هم نكلوا عنها، لم يفعلوها! فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩، اتمنوا قال لهم، هيا ندعو الآن بالموت على المُبطِل، قالوا لا، لا نُريد، يعرفون أنفسهم، حُجة الله بالغة والحمد لله، الحمد لله! والصحابة كانوا يرون الكلام هذا، كانوا يرونه! ادعوا إذا كنتم تعتبرون أن هذا النبي مكّار وغير صادق، ادعوا إذن، لكنهم يعرفون أنه صادق لعنة الله عليهم، وقال ماذا؟ ولو رجع الذين باهلوه لما وجدوا أهلاً ولا ولداً أو كما قال، لو رجعوا لن يجدوا شيئا، كل شيئ ممسوح وهم سوف يموتون أيضاً، مَن هؤلاء؟ نصارى نجران.

الحمد لله على ما هدانا وعلى ما علَّمنا وعلى ما شرَّفنا ببعثة هذا النبي العربي الأمين، الرسول الكريم صلوات ربي وتسليماته وتشريفاته وتبريكاته عليه إلى يوم الدين كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون، اللهم يا رب لك الحمد بما أنعمت علينا به من نعمة الإسلام والإيمان والقرآن، الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد إمام النبيين وقائد المُرسَلين وآله وأصحابه أجمعين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: