الدرس الثالث
تفسير سورة البقرة من الآية الحادية والعشرين بعد المائة إلى الآية السادسة والسبعين بعد المائة

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه، صل الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُحسِنين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً وفقهاً، ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا. اللهم آمين.

۞ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ۞

يقول الله – تبارك وتعالى – الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۩، مَن هم هؤلاء الذين آتاهم الله – سُبحانه وتعالى – الكتاب؟ هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ۩، إذا تلوه حق تلاوته اقتضتهم هذه التلاوة الحقة أو اقتضاهم حق التلاوة أن يُؤمِنوا به، بماذا؟ إما بمحمد وإما بالقرآن ولا تنافي، لأن مَن آمن بالقرآن آمن بمحمد ومَن آمن بمحمد آمن بالقرآن لا محالة، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، مَن قرأ التوراة مِن أهل التوراة ومَن قرأ الإنجيل مِن أهل الإنجيل وتلاوهما حق تلاوتهما آمن بالقرآن وآمن بمحمد، لماذا؟ لأنهما يُبشِّران بمحمد ويذكران نعوته وصفاته عليه الصلاة وأفضل السلام، هذا معنى الآية والله – تبارك وتعالى – أعلم.

۞ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ۞ وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ۞ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ۞

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۩، الابتلاء هو الاختبار، وذكرنا أعتقد في درس أول أمس الفرق بين الاختبار بالخير أو الابتلاء بالخير والابتلاء بالشر من جهة اللُغة، بلوته أبلوه وأبليته أُبليه، الأولى في الشر والثانية في الخير، وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ  ۩

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ ۩: إِبْرَاهِيمَ ۩ مفعول به طبعاً، الله هو الفاعل، وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ – بالفتح – رَبُّهُ ۩، الرب هو الذي ابتلى  إِبْرَاهِيمَ ۩، أي اختبره، بِكَلِمَاتٍ ۩، ما هي هذه الكلمات؟ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ ۩، في نفس معنى هذه الآية في سورة النجم، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ ۩، وفى بهذه الكلمات وقام واضطلع بما انبغى عليه، قال الحبر ابن عباس – رضوان الله تعالى عليهما – هي الطهارة، ابتلاه الله – تبارك وتعالى – بالطهارة، بعشر: خمس في رأسه وخمس في بدنه، فأما الخمس اللواتي أو اللاتي في رأسه فالسواك والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب أو حف الشارب وفرق الرأس، أي فرق الشعر، هذه في الرأس، وأما التي في البدن فنتف الإبط وحلق العانة والاختتان وانتقاص الماء كما في ورد حديث سُنن الفطرة، وهو حديث في الصحيحين عن عائشة، وذكرت عشر خلال من خلال الفطرة، بمعنى أن إبراهيم ابتلاه الله – تبارك وتعالى – بأن يُطهِّر نفسه إذا أحدث بالماء – بالماء وليس بالأحجار – ووفى إبراهيم بذلك عليه الصلاة وأفضل السلام، طبعاً هذه الأشياء في مُجمَلها هي خلال الفطرة أو خصال الفطرة، وقد ورد في بعض الروايات الصحيحة أنهن خمس وورد في روايات أُخرى أنهن عشر ولا تنافي ولا مُنافاة، الكثير يتضمَّن القليل، فالخمس بلا شك من خلال الفطرة والعشر أزيد، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

 وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۩، قدوةً يُؤتَم بك ويُحتذى حذوك، وإبراهيم كان إمام الأحناف، كان إمام المُوحِّدين ومن ذُريته جاء جميع الأنبياء والمُرسَلين، ما خلق الله ولا بعث بعد إبراهيم نبياً أو رسولاً إلا وهو مِن ذُرية مَن؟ مِن ذُرية إبراهيم، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ولذلك كان هو النبي الوحيد الذي لا اختلاف عليه، المُسلِمون يُقدِّسونه ويُجِلونه واليهود كذلك والنصارى كذلك، عليه الصلاة وأفضل السلام، رجل عجيب، إبراهيم خليل الرحمن وأبو الأنبياء، وقد استمعتم في حديث المعراج أنه هو فقط وآدم اللذين قالا لرسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، الابن! لأن إبراهيم هو أبو رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، الصحابة كانوا يقولون عن إبراهيم إنه أبونا، هل هذا مقام أبينا؟ هذا هو، هو أبو هذه الأمة جميعاً عليه الصلاة وأفضل السلام، وحين أراد أن يتعبَّد الله قال يا رب أنا وحيد في هذه الأرض، أنا وحيد! كيف؟ فبعث الله له سبعين ألف ملك يأتمون به ويُصلون بصلاته، وهذا معنى قول الله – تبارك وتعالى – إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۩ في النحل، كَانَ أُمَّةً ۩، لماذا؟ أي كان إماماً يُقتدى به، اقتدت به الملائكة عليه الصلاة وأفضل السلام.

 قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۩، اجعل أيضاً هذه الإمامة في عقبي، في ذُريتي، وهذا من الخصال الطيبة التي ينبغي على المُؤمِن والمُؤمِنة أن يُحافِظ عليها، من تمام العبودية لله – تبارك وتعالى – أن يُحِب وأن يتعشَّق المُؤمِن والعابد أن يكون في ذُريته أيضاً العابدون والمُخلِصون والصادقون، من تمام العبودية لله، هذا يدل على مزيد محبة الله سُبحانه وتعالى، أي محبة العبد لله، فهذا مشروع وهو في معنى قوله – تبارك وتعالى – في صفات عباد الرحمن في الفرقان وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا – أي نحن وذُرياتنا – لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ۩، فتسأل الإمامة في الدين لنفسك ولذُريتك، ونحن نسأل الله في هذا المقام الشريف في هذه الليلة الفضيلة أن يجعلنا للمُتقين إماماً. اللهم آمين.

 قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ۩، لباه الله وأجابه – سُبحانه وتعالى – لكن مع إعلامه إياه – أي مع إعلام الله إبراهيم عليه الصلاة وأفضل السلام – أن هذه الإمامة لن تكون في جميع ذُريتك، لأن مِن هؤلاء مَن سيكون ظالماً، ومنهم مَن سيكون مُسرِفاً، وهؤلاء يتخطاهم العهد، هؤلاء لا ينالهم عهد الله تبارك وتعالى، لكن منهم مَن سيكون إماماً، إذن هو لباه، مع إعلامه إياه أنهم مَن لا يستحق هذه الإمامة، وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ۩، الله قال فيهم هكذا وفيهم هكذا، فيهم المُحسِنون وفيهم الظالمون والعياذ بالله تبارك وتعالى، وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۩، الله قال ذلك، إذن لباه، وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۩، إذن لباه، لكن ما معنى لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ۩؟ هو إعلام بأمر زائد أن مَن ذُريتك مَن سيكون مُسرِفاً وظالماً وهؤلاء لا يستحقون الإمامة في الدين، ولذلك مَن بطأ به عمله لم يُسرِع به نسبه، حتى وإن كان من ذُرية نبي، فابن نوح لم تُغن نبوة ورسالة أبيه عنه شيئاً طبعاً، هو أبوه نبي، مُباشَرةً هو من صُلب نبي، وكان من الكافرين والعياذ بالله، نسأل الله أن يُثبِّتنا حتى نلقاه ونحن مُوحِّدون.

۞ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ۞

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً ۩، قال ابن عباس – رضيَ الله عنه وأرضاه – لا يقضون منه الوطر، مَثَابَةً ۩ لا يُقضى منه الوطر، قال لا يقضون منه الوطر، أي الحاجة والطائفة لا يقضون منه الوطر، كلما آتاه الحاج والطائف والراكع والساجد وعاد إلى أهله حن إليه، فيعود إليه تارةً أُخرى، مرةً أُخرى، من ثاب يثوب إذا عاد ورجع، من ثاب يثوب! وقد يسأل سائل إذن كيف أتت أو من أيت أتت كلمة المثوبة وكلمة الثواب؟ نعم هو عملك عاد إليك، عملك الخيّر أو عملك الصالح عاد إليك أو عاد إليك جزاؤه، من العود أيضاً، فيه معنى العود، هي أعمالنا ووفانا الله إياها، وفانا الله إياها وعادت إلينا، ولذلك يتمثَّل العمل الصالح لصاحبه كما يتمثَّل العمل الطالح أيضاً لأصحابه والعياذ بالله تبارك وتعالى، فهذا معنى مَثَابَةً لِّلنَّاسِ ۩.

كان عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه – في آخر الموسم يقرع الناس بعصاه الذين أتوا من الآفاق، الآفاقيون يقرعهم بالعصا لكي يُعجِّل بالعود إلى بلادهم وإلى آفاقهم، لا يُحِب أن يُجاوِروا، لا يُحِب أن يبقوا هناك وأن يُجاوِروا، لماذا؟ كان عمر يعلم أن الإنسان إذا عاد حرَّكه وأزعجه الشوق من جديد، فيكون هذا أدعى إلى تحصيل مزيد العلاقة بالبيت ومزيد المحبة لرب البيت تبارك وتعالى، ولذلك هذا معروف، معروف في أهل الأماكن المُقدَّسة، سواء أهل مكة، أهل المدينة، أهل بيت المقدس، تعلَّقهم في الجُملة – منهم طبعاً استثناءات كثيرة جداً لكن نتحدَّث عن تعلقهم في الجُملة – بهذه الأماكن القُدس المُبارَكة أقل من تعلق الآفاقيين، لماذا؟ للتأنس، ألفوها! ولذلك عمر كان ينهى عن أن يُجاوِر الناس البيت، يقرعهم بالعصا حتى يعودوا، ثم يثوبوا بعد ذلك، يُزعِجهم الشوق ويُحرِّكهم، وهذا طبعاً معروف، كل مَن حج أو اعتمر يشعر بهذا، سُبحان الله العظيم، شيئ عجيب، مع أن بعد الحج وبعد المُكابَدة والمُكاءدة والأتعاب والأنصاب الإنسان يقول في نيته من هنا لخمس سنوات أو عشر سنوات لن أعود، سُبحان الله ما هي إلا سنة بل أقل من سنة ويحن مُباشَرةً، سُبحان الله وينسى التعب، بالعكس ويرى التعب والوسخ – والله – والجهد لذيذاً جداً، ويتذكره على أنه شيئٌ لاذ، وليس شيئاً مُتعِباً، سُبحان الله! 

 مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ۩، وقد كان الناس يُتخطفون من حول البيت، وأهل البيت كانوا في أمان حتى في الجاهلية، وهذا مذكور في أكثر من آية.

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۩، ما هو مقام إبراهيم؟ ما قصة هذا المقام؟ سأختصر القول في ذلك اختصاراً سريعاً – إن شاء الله تبارك وتعالى – من حديث ابن عباس الجليل، حديث طويل جداً لكن مُؤثِّر ولطيف، تجدونه في كتب التفسير وفي الكتب الصحيحة كالبخاري، فهذا الحديث في البخاري عن ابن عباس رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، المُهِم ذهب إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام وعلى نبينا وآل كلٍ وأصحابه – بهاجر وبإسماعيل إلى مكان البيت الآن، وهذا طبعاً لما دب في نفس سارة من الغيرة الشديدة حتى لم تعد تُطيق أو تحتمل، وقد كانت هي التي أهدت هاجر إلى إبراهيم رجاء أن يستولدها، لأنها كانت – أعني سارة – عاقراً لا تلد، ورزق الله هاجر ولداً – سُبحان الله – وهو إسماعيل، بكر إبراهيم هو إسماعيل، ثم بعد ذلك رزقه مِن سارة مَن؟ إسحاق، وبينهما ثلاث عشرة سنة، أي بين إسماعيل وإسحاق ثلاث عشرة سنة، والصحيح أن الذبيح هو مَن؟ إسماعيل، وإن زعم اليهود إنه إسحاق، وتابعهم بعض المُسلِمين كالإمام القُرطبي، وكتب بحثاً في تفسيره مُطوَّلاً، أن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل، المُهِم هذه مسائل خلافية، فذهب إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – بهاجر وبإسماعيل – عليهما السلام – إلى مكان البيت الآن، وقد كان مهجوراً ليس فيه من ديار، لا يسكنه أحد من الناس، وكان مكان البيت تلة مُرتفِعة، ينحدر من حواليها السيل، يأتي السيل فينحدر من حواليها لأنها مُرتفِعة، هكذا! ووضعهم ووضع معهم جراباً فيه تمر وسقاءً فيه ماء فقط، وضع جراباً فيه تمر وسقاءً – أي قربة – فيه ماء ثم ذهب وانطلق، فجعلت هاجر تمشي في أثره وتقول يا إبراهيم أين تذهب وتُخلينا؟ أين تذهب وتتركنا في هذا المكان؟ مكان مُوحِش ليس فيه لا إنس ولا جن، ليس فيه ساكن، وهو لا يلتفت إليه، لا يلتفت! لأنه لبى أمر الله، الله أوحى إليه بذلك، وهو لبى أمر الله تبارك وتعالى، حتى قالت له يا إبراهيم – وهو لا يلتفت – ربك أمرك بذلك؟ قال نعم، قالت إذن لا يُضيِّعنا وعادت، انظر إلى الإيمان، عليها السلام، هذه أم الرسول، أليس كذلك؟ إسماعيل جد الرسول، وهذه أم الرسول، أعني هاجر عليها السلام – وهي مصرية بالمُناسَبة، مصرية! ولذلك النبي يقول استوصوا بأهل مصر خيراً، ليس بسبب مارية القبطية أم إبراهيم فقط وإنما هناك هاجر أيضاً، هاجر منهم، هي من مصر، فهذه جدة الرسول أو أم الرسول العُليا عليها الصلاة وأفضل السلام.

المُهِم عادت وقالت إذن لن يُضيِّعنا، وبعد فترة – أيام يسيرة – نفذ الزاد، تمرات قليلات منزوات نفذن ونفذ الماء الذي في السقاء، وتعلمون قصتها! ذهبت إلى مكان الصفا الآن – تلة أو جبل صغير – واعتلته، ثم نزلت ورفعت مُدرعتها وهكذا حتى بلغت المروة، وهكذا فعلت وعادت سبع مرار، وإذا بها تسمع حساً – صوتاً – فقالت صه، أي لنفسها قالت صه، كما نقول نحن الآن أُصصص، أُصصص هذه من صه نفسها، تحريف عامي، قالت صه، أي اسكتي واسمعي، فسمعت الصوت أكثر من مرة، فقالت قد أسمعت إن كان عندك غوث، إذا عندك غوث – مُساعَدة – سمعناك، مَن أنت؟ هي لا تعرف هذا جن أو ملك أو ماذا، طبعاً كانت تنظر ولا تجد شيئاً، فإذا بالملك – ملك من الملائكة، وهذا في البخاري – يحفر بجناجه في مكان زمزم، يضرب بجناحه في مكان زمزم، فجعل الماء يخرج قليلاً قليلاً، فهُرِعَت إلى الماء وجعلت تغترف وتزم الماء بيديها، أي خشيةً أن يذهب، وهكذا كانت بداية زمزم، وطبعاً الطير مُباشَرةً يعرف مكان الماء، خاصة سباع الطير، لديها بصر حاد أو حديد، فرأت مكان الماء وجاءت قبيلة جَرهم أو جُرهم – بالفتح أو بالضم – فبعثوا رجلاً ورجلين – أي بعثوا مرتين – وفعلاً أيقنوا أن بالمكان ماء، فجاءوه واستأذنوا منها، انظروا إلى شرف ورجولة العربي الأصيل، امرأة ضعيفة ومُستضعَفة تجلس وحدها مع طفل صغير عمر أشهر بما – لا نعرف – أو سنوات يسيرات، لكن استأذنوا! هذا المكان مكانها وهذا الماء يبدو أنه لها، فقالت على ألا يكون لكم من الماء شيئ، أنا ربة الماء، أنا سيدة الماء، قالوا نعم، وهكذا سكنوا، وعاشوا سنيناً وإسماعيل بينهم، ثم لما شب إسماعيل أعجبهم، أعجبهم إسماعيل بخُلقه ورجولته وشبابه وحُسن شبابه فزوَّجوه امرأةً منهم، وجاءه أبوه الخليل إبراهيم – عليه السلام – ذات يوم ليزوره فلم يجده في البيت، وسأل زوجه الجُرهمية أين إسماعيل؟ فقالت خرج يمتار، فقال كيف أنتم؟ قالت نحن في ضيق وفي جهد، وذكرت له شراً، الوضع تعيس قالت له، نحن في ضيق وفي شر، وضعنا سيئ جداً، قال إذا عاد إسماعيل قولي له يُغيِّر عتبة داره، فجاء إسماعيل فأحس بشيئ فقال هل أتى أحدٌ؟ حس! قالت نعم، أتى شيخ كبير وذكرت من أوصافه، قال وهل قال شيئاً؟ قالت نعم، قال أن أقول لك غيِّر عتبة دارك، قال نعم، ذاك أبي وأنتِ العتبة، الحقي بأهلك، فهو ابن نبي طبعاً، قال ذاك أبي وأنتِ العتبة، الحقي بأهلك، قد أمرني بفراقك، فلحقت بأهلها وزوَّجوه أُخرى، هم أنفسهم زوَّجوه أُخرى، أعني الجُرهميين، الجُرهميون زوَّجوه امرأةً أُخرى، وهكذا غاب عنه إبراهيم ما شاء الله ثم عاد وحدث نفس الشيئ، سألها وقالت الحمد لله نحن في خير وفي سعة، وحمدت الله – تبارك وتعالى – وذكرته بخير، قال إذا عاد إسماعيل قولي لها ثبِّت عتبة دارك أو بابك، فعاد إسماعيل وحدث نفس الشيئ، قال أنتِ العتبة وهذا أبي، وذكرت له من حُسنه وجماله، قالت له هو رجل مهيب وجميل وهو كبير في السن، قال ذاك أبي وأنتِ العتبة، وثبَّتها، أي تمسَّك بها، ثم بعد ذلك جاء في النوبة الثالثة إبراهيم وقال له – وقد وجده يبري نبلاً له، يبري أقداح النبال، كان يبري نبلاً له تحت دوحة، يقول ابن عباس عن رسول الله فكان منهما ما يكون من الوالد لولده ومن الولد لوالده، أي بكاء وضم وما إلى ذلك، انظر إلى وصف رسول الله، ماذا يكون بعد سنين وشوق؟ ما يكون من الوالد لولده ومن الولد لوالده، أي بكاء ودموع، أي كان موقفاً مُؤثِّراً النبي يقول – يا إسماعيل إن الله – تبارك وتعالى – قد أمرني بأمرٍ، فهل أنت مُعيني فيه؟ قال نعم يا أبتِ، قال أمرني بأن أرفع البيت، أمر إلهي! وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ۩، أمر عجيب هذا، لماذا يرفع القواعد؟ البيت موجود ولكن تعفت آثاره بفعل الطوفان – طوفان نوح – وانتهى، انتهى البيت! لكن أول مَن أقامه وأول مَن ابتناه هذه البنية مَن هو؟ آدم عليه السلام، هذا معروف، البيت من أيام آدم لكن جاء الطوفان وأغرقه ودرس البيت، فالله حدَّد لإبراهيم مكان البيت، سُبحان الله! قال له ارفع البيت، قال نعم وانطلق، كان إسماعيل – عليه السلام – هو الذي يأتي بالحجارة ويُعاون ويُناوِل أباه ويُعينه، وإبراهيم كان يبني، والمقام ما هو؟ حجرة، حجرة كبيرة أتى بها إسماعيل، لأن في البداية لم يكن إبراهيم يحتاجها، لكن لما بدأ البناء يرتفع قليلاً قليلاً وشيئاً فشيئاً احتاج إلى هذه الحجرة لكي يتخذها سُلماً فتُعينه، هذا هو المقام، هذا الحجر الذي اجتلبه إسماعيل – عليه السلام – من باطن الوادي وجعله كالسُلم لأبيه، فكان إبراهيم – عليه السلام – يصعد على الحجر ويأخذ ويبني، وينقلان الحجر من مكان إلى مكان بشكل دائري حول أربعة أنحاء أو أربعة جنبات الكعبة، فهذا هو المقام.

طبعاً في الأحاديث الصحيحة عن أنس وعن غيره فعلاً كان أثر قدم إبراهيم – عليه السلام – في الصخر، سُبحان الله لان الصخر تحت رجليه، رجل عجيب! إبراهيم ليس إنساناً عادياً ولا نبياً عادياً، وهكذا كل أولياء الله، لكن كل إنسان بحسب مقامه، كلما عظمت ولاية العبد لله – تبارك وتعالى – يحصل انفعال للخلق به، طبعاً أهون وأسهل انفعال انفعال القلوب الرطبة هذه، تنفعل بالصالحين انفعالاً غريباً، وفي الحديث المشهور حين سُئل النبي عن علامة أو شارة الصالحين وأولياء الله – كيف نعرف أن هذا ولي؟ – قال إذا رُأوا ذُكِرَ الله، هناك بعض الناس حين تراه تشعر برقة وتصير تُحِب الله وتُحِب العبادة، فقط بمُجرَّد رؤياه من غير أن يتكلَّم، وهناك بعض الناس حين تراه – سُبحان الله – يقسو قلبك من الفسق والمعصية وما ينبعث منه من النتن، من نتن البُعد عن الله – والعياذ بالله – والمعاصي، لا تطمئن بتاتاً، نعوذ بالله من حال هؤلاء، نسأل الله الهداية لنا ولهم، وهناك أُناس ليسوا كذلك، سُبحان الله حين تراها تطمئن، ولذلك قال السادة العارفون بالله – تبارك وتعالى – مَن لم ينفعك لحظه لم يُفِدك لفظه، الرجل الصالح مُجرَّد مرأه تستعين به على ذكر الله من غير أن يتكلَّم، وإذا وُجِدَ إنسان أنت لا تنتفع بمرأه لن تستفيد كثيراً من أقواله، لن تستفيد كثيراً! فهذا هو، أول مَن ينفعل بالصالحين وبقوة سر الصالحين القلب الرطب، من لحم ودم! ثم بعد ذلك الدواب، كان الفُضيل بن عياض يقول والله إني لأعرف شؤم معصيتي في خُلق أهلي ودابتي، الدابة تبدأ تشمس به وتستعصي عليه، لا تُطيعه إذا ارتكب ذنباً صغيرا، تشعر سُبحان الله.

يُحكى عن أحد الصالحين – أنا قرأته عن الإمام حُجة الإسلام الغزّالي قدَّس الله سره – أنه ذهب إلى شيخه – كان شيخه هو الطوسي – لكي يُسلِّكه، أي لكي يُعرِّفه طريق الله الحقيقية، قد يقول أحدكم كيف يُعرِّفه طريق الله وهي طريق واضحة؟ لا ليست واضحة، بالنسبة لنا ولمَن مثلنا مِن أصحاب القلوب التعبانة ليست واضحة، لا تقل لي واضحة، كيف تقول واضحة؟ كيف تكون واضحة وأنت تُصلي من عشرين سنة وحياتك كلها ذنوب؟ تُصلي من عشرين سنة ولا تُحافِظ على الصلوات في أوقاته ولا حتى في غير أوقاتها بل وتتركها أحياناً، تُصلي وتفعل بعض الكبائر – أليس كذلك؟ – وكثير من الصغائر، كيف تقول الطريق واضحة؟ أنت لست في طريق الله، أنت تائه، تائه كثيراً، طريق الله طريق الاستقامة، فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۩، في حديث سُفيان الثقفي قال له دلني على عمل يُدخِلني الجنة قال قل آمنت بالله ثم استقم، هذا هو طريق الجنة، استقم! لابد من الاستقامة، تعيش كأنك فعلاً تترقب الموت في كل لحظة، كأنك ترى آخرتك في كل لحظة، هذه هي الاستقامة، فطريق الله صعب، نسأل الله أن يدلنا على طريقه وأن يُسلِّكنا فيه، المُهِم الإمام الغزّالي بعد فترة شعر أنه اكتفى، شعر بأنه عرف الطريق وأن هذا يكفي، والشيخ لم يأذن له، فاختلفا! الشيخ قال له هناك أمارة، هناك شجرة موجودة في الطريق الآن وهي قريبة جداً عند مُنحنى الوادي، اذهب إليها، وهذه الشجرة يحط عليها الطير، جُز بها أو مُر من تحتها، إذا بقيَ الطير عليها فهذا يعني أنك بدأت تتكمَّل إن شاء الله، لأن الطير يأنس بك ويأتي إليك، أما إذا فر وفزع فهذا يعني أنك لا تزال غير نظيف، وهذه الحيوانات ليس عندها صدق وكذب وما إلى ذلك مثلنا، نحن ما شاء الله علينا، هذه طريقة البشر والعياذ بالله، فعلاً شيئ عجيب، شيئ عجيب وشيئ سيئ، في مُنتهى السوء! يقول له دعواتك يا أخي الكريم، دعواتك! قال أنه يطلب منه الدعاء، دعواتك! ثم يذهب ويتحدَّث في سيرته، لماذا تطلب منه الدعاء إذن؟ إذا هو فاسق عندك وكذّاب وما إلى ذلك لماذا تطلب منه الدعاء؟ هذا يعني أنك مُنافِق، أليس كذلك؟ مُنافِق! نوع من النفاق هذا اسمه الرياء، يقول دعواتك، ادع لنا، لا تنسنا من صالح الدعاء يا أخي، يا أخي! لكن الطير ليس كذلك، الطير لا يقول دعواتك، الطير حيوان لا يعرف هذا، عنده جهاز غير معطوب في الداخل، جهاز غير معطوب! فقال له إذا أنس بك الطير وحط ولم يتحرَّك فهذا يعني أنك بدأت تتكمَّل إن شاء الله، أما إذا فزع فهذا يعني أنك لا تزال غير نظيف، فيك شيئ غير عادي، ذهب أبو حامد فطار الطير كله، فعرف فخجل ورجع، العلم لا يزال عندك غير كافٍ، الفلسفة والأفكار وما إلى ذلك غير كافية، هناك شيئ ثانٍ، هو هذا القلب، أليس كذلك؟ ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام، ولكن بسرٍ وقر في صدره أو في قلبه، شيئ لا يطلع عليه إلا رب العالمين تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ وليس لك أن تسأل لماذا ربنا أعطى هذا؟ لماذا لم يُعط هذا؟ لماذا لم يُعطني مثله؟ ليس لك أن تسأل في هذا، هذا ليس شغلك، هذا أمر يتعلَّق بالله عز وجل، هو الذي يعرف ويُعطي كل واحد بحسب ما يعلم من نفسه، أليس كذلك؟ الصحابة رأوا رجلاً واغتروا به، ما شاء الله دائماً يتوضى ودائماً يصف رجليه ويُصلي بخشوع عجيب ولحيته كانت جميلة، الصحابة رأوه ذات مرة فأُعجِبوا به، الصحابة لا يعرفون حقيقته، لكن النبي عنده وحي يُوحى، سُبحان الله! النبي قال له تعال، فجاء الرجل وكان يُمسك حذائيه بيديه ولحيته تقطر، أتى من الطهارة ومن الوضوء ما شاء الله، دائماً مُستعِد للصلاة، دائماً في الصلاة هو، قال النبي له نشدتك الله حين مررت بنا – أي بي وبأصحابي – ألم تُحدِّثك نفسك أنك خيرٌ منهم جميعاً؟ قال له اللهم بلى، قال له اذهب وتوكل على الله، قال لهم أرأيتم؟ شر واحد فيهم هو هذا والعياذ بالله، قيل هذا بعد ذلك كان رأس الخوارج، أبو الخوارج والعياذ بالله، هذه هي.

فنسأل الله أن يُخلِّصنا – والله – وأن يُشحِّرنا وأن يقينا من شر نفوسنا، أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، لا يُوجَد ما هو أخبث منها:

تَوَّقْ نَفْسَكَ لا تَأْمَنْ غَوَائِلهَا                          فَالنَّفْس أَخْبَثْ مِنْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا.

والله العظيم لا يُوجَد ما هو أخبث من النفس، أكبر عدو لنا النفس حقيقةً، أكبر عدوك هو هذه النفس الخبيثة، على كلٍ تتمة قصة أبي حامد أنه بعد فترة فعلاً ذهب وحدث العكس، جعلت الطير تأتي وتهوي على الشجرة، تتأنس بهذا الإمام الجليل قدَّس الله سره الكريم.

وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ۩، قلنا بالنسبة إلى المقام هذه حجرة المقام أثَّر فيها، أرأيتم؟ إذن بعد ذلك تتأثَّر البهائم، الحيوان! بعد ذلك إذا قويَ سر العبد وصدق في إخلاصه ما الذي يحدث؟ الجمادات تتأثَّر به، الحجر! انظروا إلى إبراهيم، وضع رجله على حجر فساخ، أصبح مثل العجينة تحت رجله، هذا إبراهيم عليه السلام، النبي – عليه السلام – تحدَّثنا أمس عن قصته مع أُحد وعن قصة الحجر الذي لان تحت قدمي إبراهيم وعن قصة جذع الشجرة الذي اتخذه النبي منبراً يخطب عليه، أشياء جامدة كانت تحن للنبي، أليس كذلك؟ جامدة! جمادات تحن من قوة سر رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، وهذا موجود!

أحد الصالحين قال أنا أتعاطى الرفق مع كل خلق الله حتى مع الجمادات، قال ولا أنسى ذلك اليوم أو ذلكم اليوم الذي وضعت فيه إبريق وضوئي بعنف على الأرض فتأوَّه، قال والله تأوَّه تأوَّهاً كما يتأوَّه الإنسان: آآآه، قال فمُنذ ذلك اليوم وأنا أتعاطى بالرفق مع خلق الله حتى الجمادات، كل شيئ يبدو عنده إدراك وعنده وعي وعنده كذا وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۩ كما قال تعالى، عندهم هذا بطريقة أُخرى، فهو كان مُتأثِّراً، الخضر – عليه السلام – في البخاري وفي مُسلِم أيضاً لماذا سُمي بالخضر كما قال النبي؟ لأن الخضر – أبا العباس عليه السلام – كان إذا جلس على فروة – والفروة هي ماذا؟ هي الحشيش الذي يبس واسود، أي المُحترِق، لا يُوجَد أي نوع من الحياة – اهتزت وراءه – أي خلفه – وفي رواية تحته خضراء، مُباشَرةً تدب فيها الحياة، النبي قال هذا، في البخاري ومُسلِم هذا، أرأيتم الأولياء، والخضر ليس نبياً، الراجح أنه ليس نبياً، طبعاً يُوجَد قول يُفيد بأنه نبي، لكن الراجح أنه من أولياء الله تبارك وتعالى، حتى وإن كان نبياً المعنى أيضاً صادق، تنفعل به الأشياء الميتة، حشيش مات ينفعل فتدب فيه الحياة من جديد، في لحظات يُصبِح أخضر – سُبحان الله – ولذلك سُميَ الخضر، يخضر كل شيئ حوله من قوة سره، هذا هو.

فالإنسان عليه أن يغار وأن يطمع، على الأقل أن يتحقَّق ببعض هذه الأشياء، وخاصة الشباب، لماذا الشباب؟ لأن بصراحة الله – عز وجل – يُحِب العبد الطائع وحُبه للشاب الطائع أشد، يُوجَد فرق بين إنسان يطيع الله عشرين سنة وإنسان يُطيع الله خمسين سنة، أليس كذلك؟ عندك فرصة طويلة أيها الشاب، أليس كذلك؟ لا تُضيِّع شبابك ولا تقل أنا سأتوب فيما بعد وسأنصلح فيما بعد، بالعكس خُذ شبابك وقوتك وعافيتك والفراغ الذي عندك وفضلة الأوقات في التقرب إلى الله تبارك وتعالى، ولذلك روى ابن عدي وغيره من حديث عُقبة بن عامر عجب ربك لشاب ليس له صبوة، هذا يُعجِب الله جداً، الله يتعجَّب ويقول انظروا – سُبحان الله – فهذا شاب من عبيدي ليس له صبوة، ما معنى صبوة؟ ميل إلى الهوى والنسوان والسكر والعربدة، ليس عنده كل هذا، شاب مُستقيم الله يتعجَّب منه، يُعجِب الله – تبارك وتعالى – هذا الشاب، وفي الحديث الآخر يقول الله أيها الشاب المُبتذِل شبابه من أجلي، التارك شهوته لي، أنت عندي كبعض ملائكتي، لكنه قال أيها الشاب، لأن داعية الفسق في الشاب وداعية الانحلال أقوى من الشيخ، أليس كذلك؟ وفي الكهل أقوى منها في الشيخ، وفي الشاب أقوى منها في الكهل، وهكذا! فبالعكس الإنسان ينبغي أن يغار قليلاً ويقول أُريد أن أُحاوِل أن أسير في هذه الطريق بإذن الله تبارك وتعالى، ويكون لي علاقة خاصة بالله وسر خاص بالله، وأُريد أن أكون نظيفاً قدر المُستطاع، وهو يعرف هذا بيني وبينه، أليس كذلك؟ قل دائماً أُريد أن أُراقِبه في السر وفي العلن، أُريد أن أبقى معه باستمرار، وانظر ماذا سوف يُعطيك، سوف يُعطيك الكثير الكثير لكن بعد اختبارات، ليس بعد شهر أو شهرين، هناك اختبارات لا تعرفها، اختبارات طويلة، وإذا أعطى قليله – تبارك وتعالى – ليس بالقليل:

قَليلٌ منكَ يَكْفيني ولكنْ                           قليلكَ لا يُقالُ لهُ قَليلُ.
يقولون:

إنَّ المقاديرَ إذا ساعدتْ                                ألْحَقَتِ العاجزَ.

 فهذا مقام إبراهيم، مقام إبراهيم كان مُلصَقاً بجدار الكعبة، كان مُلصَقاً بجدار الكعبة أيام الرسول – طبعاً ومن قبل – وأيام أبي بكر، أيام أمير المُؤمِنين الإمام عمر بن الخطاب – عليه الرحمة والرضوان – هو الذي نحاه وجعله قريباً منها، ثم بعد ذلك تعرفون في المملكة السعودية جعلوه في المكان الذي هو فيه الآن، وطبعاً في الأحاديث الصحيحة – في الصحيحين وغيرهما، كلها صحيحة – النبي كان إذا طاف جعل المقام بينه وبين البيت وصلى خلفه ركعتين، هذا من السُنة، هذه سُنة بعد الطواف، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

قصة المقام قصة طويلة، المُهِم قال الله وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۩، يقول عمر بن الخطاب وافقت ربي أو وافقني في لفظ آخر – نفس الشيئ – في ثلاث، ومن ضمن ما ذكر قال قلت لرسول الله – لما كانوا في الحج يا رسول الله هذا مقام أبينا؟ قال نعم، قال هلا اتخذناه مُصلىً؟ أي هل يُمكِن أن نُصلي خلفه؟ فأنزل الله وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۩، وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ ۩، كيف يكون تطهير البيت؟ أول شيئ من الأوثان والأصنام والشرك، كل مظاهر الشرك، هذا أهم شيئ، وبعد ذلك تطهيره من جميع صنوف وألوان القاذورات، هكذا! لِلطَّائِفِينَ ۩، معروف مَن هم، وَالْعَاكِفِينَ ۩، العاكفون هم أهله المُقيمون به، من العكوف، مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ۩، أي مُقيمون على عبادتها، مُلازِمون لعبادتها، فالعاكفون هم أهل البيت المُقيمون به، أي أهل البلد، وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ۩، قال ابن عباس هو المُصلي، طبعاً الراكع الساجد هو المُصلي.

۞ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۞

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ۩، لماذا قال في سورة إبراهيم – وهي على اسمه – رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ۩؟ وهنا قال رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ۩، طبعاً يبدو أنهما دعوتان، الدعوة الأولى قبل أن يصير المكان بلداً ويأتي الناس ويحلون ويصير هناك سكان وديّارون، فقال اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ۩، وبعد أن صار المكان بلداً وسكنه الناس دعا دعوة ثانية، ماذا قال؟ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ۩، صحيح! وطبعاً إبراهيم لم يدع بدعوة واحدة، طبعاً هو كان يدعو دائماً، ولذلك لما جاء في النوبة الثانية – كما قلنا – عند زوجة إسماعيل الصالحة الطيبة سألها وقال لها ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال فما شرابكم؟ قالت الماء، فرفع يديه وقال اللهم بارك لهم في لحمهم وفي مائهم، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ولم يكونوا يعرفون البُر، ولو كان عندهم بُر لدعا لهم بالبركة فيه، أي أن النبي حريص على دعوة إبراهيم، أرأيتم المعنى؟ الدعوة من إبراهيم ليست أي كلام، إبراهيم هذا، ليس مثلنا، يدعو الواحد منا مائة سنة ولا يحدث شيئ، إبراهيم حين يرفع يديه يكون خطيراً، لأنه عبد الله، هو وفى بكلمات الله، أليس كذلك؟ هو كان لله كما يُحِب الله فكان له الله كما يُحِب هو، أليس كذلك؟ هو هذا، الجزاء من جنس العمل، هو مُطيع لله في كل شيئ، ما شاء الله على إبراهيم، ولذلك إبراهيم يُقال اتخذه الله خليلاً لمعانٍ كثيرة، سنتعرض لها في سورة النساء، لكن من أشهرها أن الله لما أوحى إليه بالختان – تعرفون الختان – ماذا فعل؟ مُبادَرةً ومُسارَعةً – لا يُريد التأجيل – كان عنده قدوم – أي شاكوش – أخذه ووضع عضوه على صخرة وقطع الجلدة، مُباشَرةً! فاتخذه الله خليلاً، ما هذه المُبادَرة؟ كما قال الكليم – عليه السلام – وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ۩، إذن من مُوجِبات رضوان الله – تبارك وتعالى – المُسارَعة في طاعة الله، لا تُؤجِّل الطاعة، ولذلك لما سُئل النبي عن خير الأعمال في حديث ابن مسعود ماذا قال؟ ما أقرب الأعمال أو خير الأعمال كما قال النبي؟ الصلاة على وقتها، قبل الجهاد، قبل بر الوالدين، الصلاة على أوقاتها، لماذا؟ لأنها إشارة على المُسارَعة في طاعة الله، وهذا طريق قصير جداً جداً جداً لرضوان الله، عجِّل! أي شيئ فيه طاعة في أي شيئ – في الصلاة، في الزكاة، في حج، في عُمرة، في صدقة، في تبرع، في مُساعَدة المُسلِمين، في أي شيئ – عجِّل، لا تتأخَّر، كُن دائماً في الخير من المُعجَلين – إن شاء الله – وعن الشر من المُقصِّرين.

اللهم صل على سيدنا محمد، إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ۩، أراد إبراهيم أن يُحجِّر هذا الخير، فقط ارزق المُؤمِنين، وأما الكافرون فلا نصيب لهم، فماذا رد الله – تبارك وتعالى – عليه؟ أرحم الراحمين ورب العالمين الذي خلق ورزق ودبَّر للجميع، قَالَ وَمَن كَفَرَ ۩، حتى الكفّار أيضاً سأرزقهم، حتى الكفّار سأرزقهم! وفي الصحيح ما أحدٌ أصبر على أذى سمعه من رب العالمين، يجعلون له الولد وهو يرزقهم ويُعافيهم، سُبحان الله، ربنا هذا، لذلك إذا أساء إليك أحد الناس تذكَّر ليس الرسول حتى وإنما تذكَّر رب العالمين، قل رب العالمين وهم في قبضته وفي قهره – عز وجل – يسبونه ويشكون فيه ويجعلون له الولد، يقولون ابن الله وبنت الله وكل هذا الكلام الفارغ ومع ذلك – يقول النبي – وهو يرزقهم ويُعافيهم، وهذا في الصحيح، قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ۩، لماذا؟ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ ۩ في النساء، نفس الشيئ! هنا قال فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ۩، متاع الدنيا كله قليل، حتى لو مُتِّع سبعين سنة قليل جداً جداً، ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۩.

۞ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ۩، قلنا لماذا التعبير بـ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ۩، لأنها موجودة أصلاً وهو يُريد فقط أن يرفع القواعد، لكن البيت مُؤسَّس، الأسس موجودة في الأرض، وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۩، كان وهيب بن الورد – أحد أعلام أولياء أمة محمد رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – إذا قرأ هذه الآية يبكي، كان كلما قرأها يبكي ويقول يا خليل الرحمن – يتخيَّل الخليل وأنه يُخاطِبه – ترفع قواعد بيت الرحمن وأنت مُشفِق أن يُتقبَّل منك؟ أرأيت كيف الآية مُؤثِّرة؟ نحن غير مُنتبِهين لها، يقوم بعمل من أعظم الأعمال – إبراهيم يرفع بيت الله – ومع ذلك ماذا يقول؟ في الحديث عن رسول الله كان إبراهيم يدور بالبيت يبنيه ودعوته – ليس في مرة واحدة وإنما في كل دقيقة أو كل دقيقتين – رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا – هو وإسماعيل – إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۩، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۩، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۩، هذا هو، نحن نرتكب معاصٍ ونقول ربنا اغفر لنا ونُريد منه أن يستجيب لنا، لكن هو يقوم بفعل طاعة ومُشفِق ألا يُستجاب له، فكان وهيب بن الورد يبكي، ولذلك سُئل وهيب بن الورد عن هذا، قيل له يا وهيب، يا شيخ هل يجد حلاوة المُناجاة والطاعة مَن عمل معصية صغيرة؟ قال ولا مَن هم، قال أنتم تتحدَّثون عن أنه عمل؟ مَن يهم – مُجرَّد هم – لفعل المعصية الله يسلبه حلاوة الطاعة، هذه هي، أي قبل أن تذهب وتُصلي وقبل أن تقوم الليل وقبل أن تقرأ القرآن وقبل وقبل وقبل – إلى آخره – اجلس وسبِّح واذكر الله، إذا كان في بالك أن ترتكب معصية فيما بعد سوف تُسلَب حلاوة الطاعة، لن تجد أي حلاوة وأنت تعبد، لن تجدها! لأنك هممت.

۞ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ۞ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۞

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ۩، واضح كله، طبعاً الرسول المدعو بأنه يُبعَث فيهم هو مَن؟ رسول الله محمد، ولذلك في الصحيح عن رسول الله كان يقول أنا دعوة أبي إبراهيم وبُشرى أخي عيسى ورُؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وقد رأت أم رسول الله  أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، هذه الدعوة: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ ۩، انتبهوا، ماذا قال؟  رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ – ما هي الحكمة؟ السُنة، وقيل هي الفهم في الدين، ولا مُنافاة أيضاً، لأن السُنة أكثر ما يعين على تفهم الدين، أليس كذلك؟ هذا هو بلا شك – وَيُزَكِّيهِمْ ۩، انتبهوا، هذه دعوة إبراهيم، لكن لما لبى الله إبراهيم وأجاب دعوته ماذا قال؟ قال وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ۩، ليس كدعوة إبراهيم، لماذا؟ يُشير إلى أن سر رسول الله قويٌ جداً جداً، ليس كسائر الأنبياء وليس حتى كإبراهيم، أقوى سر لنبي من الأنبياء هو سر رسول الله، لأن أقوى علاقة مع الله هي لرسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، هل هذا واضح؟ ولذلك الرسول حتى من غير تعليم حين تراه يختلف حالك، أي ما هو إلا أن تأتيه بنية صالحة وتراه فيختلف حالك مُباشَرةً، وبعد ذلك يبدأ يُعلِّمك، يبدأ يُعلِّمك ويُفهِّمك، أنت بمُجرَّد الرؤية يختلف حالك، ولذلك كان أحد بدعوة وأحدهم بلمسة – يلمسه النبي – يختلف مُباشَرةً ويدخل الإسلام، برؤية الرسول! سُبحان الله العظيم، سره قوي، التزكية قبل التعليم، لكن هنا جاءت في الآخر، لأن إبراهيم يدعو حسبما يعلم من حال الأنبياء ومن حال نفسه، إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۩.

۞ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ۞

وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ۩، واضح أيضاً المعنى.

۞ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۞

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۩، أي استسلم.

۞ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ۞

وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ ۩، إذن معنى هذا أن هذه الوصاة كانت من إبراهيم لبنيه وكانت من يعقوب لبنيه، في قراءة أيضاً ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوبَ “بالفتح”، إذن يدخل يعقوب فيمَن أُوصي، لكن هذا يقتضي ماذا؟ يعقوب هو حفيد إبراهيم، أليس كذلك؟ لأن ولدي إبراهيم هما مَن؟ إسماعيل البكر وإسحاق، وقلت لكم بينهما ثلاث عشرة سنة، لكن يعقوب هو ابن إسحاق، فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ۩، فهذه الآية – آية التبشير – واضح أيضاً فيها – يُشتَم منها بل هو واضح فيها إن شاء الله – أن إبراهيم وأن سارة شهدا ماذا؟ شهدا الحفيد أيضاً بإذن الله، فغير بعيد أن يكون إبراهيم وصى أبناءه ووصى أيضاً حفيده يعقوب، ويعقوب كما تعلمون هو مَن؟ إسرائيل، وهو أبو الأسباط الاثني عشر، أكبرهم يهوذا وأصغرهم بنيامين أخو يوسف عليهم السلام أجمعين، هذا هو، فإذن هناك قراءتان: وَيَعْقُوبُ ۩ يكون فاعلاً أيضاً ووصى كأبيه – أي كجده إبراهيم – أو ويعقوبَ فيكون داخلاً فيمَن طالته الوصاة، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩، هذه مثل آية آل عمران أيضاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا تكليف بالمُحال، أنا لا أستطيع أن أموت وأنا مُسلِم وما إلى ذلك، هذا ليس بيدي، الله هو الذي يختم للعبد بالخاتمة التي يشاء ويُريد، لا! ما معنى الآية؟ إذا رأيتم أي نص في الكتاب أو السُنة ظاهره التكليف بما ليس في الوسع والطوق – ظاهره مُستحيل، تكليف بالمُستحيل – ماذا يكون تأويله؟ اصطناع الأسباب لهذا الشيئ، فقط هكذا في كل النصوص، وهذه قاعدة معروفة، قاعدة في التفسير، فقوله وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩ ما معناه؟ احرصوا على أن تأخذوا وتصطنعوا كل الأسباب التي تُثبِّت الإيمان وتستبقي الإسلام، هذا معنى الآية في النهاية، لأن طبعاً بعيداً جداً من عدل الله وبعيداً جداً من حكمة الله أن إنساناً كان حريصاً على دينه يفعل الواجبات ويترك المُنكَرات ويتهمم بأمر الآخرة والخاتمة أن الله يختم له بخاتمة السوء، هناك أُناس قالوا لا، غير بعيد، يُوجَد حديث يقول إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، جيد! هذا الحديث نحتاج أيضاً إلى تأويله، أليس كذلك؟ وقد تكلَّم فيه السادة العلماء كلاماً جميلاً وطويلاً، أي عبد؟ أي عبد هذا؟ مَن هو هذا العبد الذي يحدث له ذلك؟ العبد المخلاط المزيال كما يُقال، يخلط العمل الصالح بكثير من الطالح، ومزيال تعني أنه يزول عن حال الاستقامة كثيراً، يتمسَّك قليلاً ويزول كثيراً، مخلاط مزيال يُمكَن أن يكون هذا هو والعياذ بالله، وقد يكون من الذين كذبوا على ربهم، أي من المُنافِقين، يُنافِق ويُرائي وحياته كلها نفاق، فهذا يُختَم له بالخاتمة السيئة نعم، لكن ليس العبد الحريص على دينه، بعيد جداً! وهذه الآية تُؤكِّد – إن شاء الله – هذا المعنى، حين يُكلِّفنا الله ويقول وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩ يكون المعنى أننا إذا اصطنعنا الأسباب – إن شاء الله تبارك وتعالى – قد تأتي هذه النتيجة، أن نموت على الإسلام إن شاء الله تبارك وتعالى، ثم إن الله قال مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۩، ليس لله حاجة في أن يُعذِّب عباده من غير داعٍ، حاشا لله تبارك وتعالى، هو أرحم وأحكم وأعدل من ذلك، لا إله إلا هو، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩.

۞ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۞

أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ۩، هنا يَعْقُوبَ ۩ مفعول به، الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۩، تُوجَد مُشكِلة هنا، كون إبراهيم هو أب ليعقوب صحيح لكن هل إسماعيل هو أب يعقوب؟ هو عمه، أليس كذلك؟ نحن قلنا يعقوب هو ابن إسحاق طبعاً، إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۩، واضح، وشرحنا هذه حتى في الفقه قديماً، هذه حُجة لمَن قال بأن الجد يحجب الإخوة، وأبو بكر الصديق هو القائل بذلك، على كل حال لماذا؟ لأن الجد أب، وفيها أيضاً كما قال الإمام النحاس العرب تقول للعم أب أيضاً، لأن إسماعيل عم يعقوب وأنتم تعرفون هذا، نحن قلنا البكر لإبراهيم هو إسماعيل وأخوه إسحاق، ويعقوب ابن من؟ ابن إسحاق، إذن إسماعيل هو عم مَن؟ يعقوب، فكيف الله سماه أباً؟ لدينا تأويلان: التأويل الأول نقول العرب كما كانت تُسمي الخالة أماً تُسمي العم أباً، أليس كذلك؟ ويُوجَد حديث للبيهقي ذكرناه ذات مرة في خُطبة في شُعب الإيمان، الخالة بمنزلة الأم والأخ الأكبر بمنزلة الأب والعم بمنزلة الأب أيضاً، عمك صنو أبيك، العرب تقول عمك صنو أبيك، أي مثل أبيك تماماً، هو أب! فالإمام النحاس وهو إمام لُغوي كبير ونحوي خطير يقول العرب تُسمي العم أباً، هذا التأويل الأول، التأويل الثاني تغلياً، أن نقول ذلك على سبيل التغليب، لأن إسحاق وإبراهيم هما أبوا يعقوب، فبقيَ أن دخل إسماعيل وهو عم وليس أباً، فهذا تغليب، من باب التغليب، هذا جائز في اللُغة العربية.

۞ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۞

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۩، أي سلفت ومضت وتصرَّمت، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩، هذا واضح.

۞ وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۞ قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۞

تُوجَد آية هنا خطر لي فيها شيئ، قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۩، هذه الآية يُمكَن أن نُقارِنها بالآية التي تلوناها أمس: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۩، هنا الله – عز وجل – علَّمنا أو علَّم هذه الأمة أن تقول آمنا بماذا؟ أُنزِلَ إِلَيْنَا ۩، وبنو إسرائيل قالوا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ۩، لماذا إذن؟ هل يُوجَد فرق في المقامين؟ (ملحوظة) أجاب عدد من الحضور بإجابات بعضها لم يكن صحيحاً، لكن أحدهم قال أن أُنزِلَ إِلَيْنَا ۩ تُوحي بالفضل عكس بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ۩، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، هذا هو، فتح الله عليك، ثم استتلى قائلاً قولنا إِلَيْنَا ۩ – يقولون لك هذا أُوحي إلينا – يُوحي بماذا؟ بالمنة والفضل والتكرمة، شرف كبير من الله أن أُوحي إلينا هذا الدين، وفعلاً هذا أكبر شرف، وهم يرونه غراماً، يرونه مغرماً، يرونه مشقة، ولذلك قالوا أُوحيَ علينا، تكاليف كلها، تكاليف: افعل ولا تفعل، ولذلك لم يستطيعوا فعلاً أن يفوا وأن يوفوا لله بمُقتضى شرعه تبارك وتعالى، ودائماً الوصية: بقوةٍ، قال خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۩، وقال أيضاً خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ۩، لكن لا فائدة، لا يُريدون أن يأخذوا، فقالوا عَلَيْنَا ۩، يستثقلون هذا الوحي، نحن قلنا ماذا؟ إِلَيْنَا ۩، انظر إلى هذا، يُوجَد فرق، هذا من دقيق القرآن الكريم.

وَالأَسْبَاطِ ۩، مَن هم الأسباط؟ الأسباط فيهم قولان: قيل الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل، نحن عندنا يعقوب الآن وعندنا إسماعيل، أي ذُرية يعقوب ابن إسحاق وذُرية إسماعيل، أليس كذلك؟ ذُرية إسماعيل يُقال لهم ماذا؟ القبائل، أليس كذلك؟ القبائل! يقولون القبائل ويُقسِّمون تقسيمات أُخرى، ذُرية إسرائيل – يعقوب – يُقال لهم ماذا؟ الأسباط، هذا قول، وقول آخر أن الأسباط هم مَن؟ هم أبناء يعقوب الاثنا عشر، لأن كل واحد منهم قد ولد – أي خلَّف من ورائه – أُمةً من الناس، فسُموا الأسباط والله أعلم، هذا معنى الأسباط.

۞ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞

فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۩، ما معنى فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۩؟ سينتصر لك منهم وسيُظفِرك عليهم وبهم، سيدنا عثمان بن عفان حين دخل عليه الخوارج – نحن صرنا نُسميهم الخوارج – يُقال كان يقرأ في كتاب الله تبارك وتعالى، كان كثير القراءة لكتاب الله هو، ومن الحفّاظ كان سيدنا عثمان، وهو الذي جمع المُصحَف الجمع الثالث كما تعلمون، المُصحَف جُمِعَ ثلاث مرات، هو صاحب الجمع الثالث، وعلى كلٍ هو صاحب مُصحَف الإمام، قتلوه – قتلهم الله – فسال دمه، فسأل بعض الخلفاء العباسيين وقالوا هل حقاً كان دم عثمان على هذه الآية من كتاب الله؟ فقال نافع – مولى ابن عمر – أنا رأيت بنفسي دمه الشريف على فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۩، بشارة سُبحان الله، انظر إلى هذا، لم ينظر الدم إلا على هذه الكلمة، لكي يُؤكِّد أنهم كانوا ظالمين وأنه مظلومٌ مُضطهَد رضيَ الله عنه وأرضاه، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۩.

۞ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ۞

صِبْغَةَ اللَّهِ ۩، المُراد بــ صِبْغَةَ اللَّهِ ۩ دين الله – تبارك وتعالى – الذي يصطبغ به كيان الإنسان قلباً وقالباً، فُسِّر بدين الله، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ۩.

۞ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ۞

قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا۩، هذه واضحة، أي تُجادِلوننا، وهذه المُحاجة – فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ۩ – يُمكِن أن تكون من بني إسرائيل ويُمكِن أن تكون أيضاً من كفّار قريش، تعم الجميع! 

۞ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۞

أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۩، هذه الآية أيضاً واضحة.

۞ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ۞

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ۩، وهذه واضحة.

۞ سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۞

سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا ۩، مَن هم سُفهاء الناس هؤلاء؟ اليهود بالذات، اليهود بالذات وطبعاً شايعهم في ذلك نفر أيضاً من مُشرِكي العرب، من مُشرِكي قريش بالذات، وبدأوا يحتجون على الرسول وعلى المُسلِمين بسبب تحويل القبلة وهذا معروف، وهم الذين ظلموا، من اليهود ومن مُشرِكي مكة كما قال المُفسِّرون. 

سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۩ ذكرنا أمس شيئاً يتعلَّق بهذه الآية، وقلنا أن النبي توجَّه إلى قبلتهم – وهي بيت المقدس أو بالأحرى صخرة بيت المقدس – ستة عشر أو سبعة عشر كما في حديث البراء في الصحيحين، وبعد ذلك النبي كان هواه وحُبه أن يتوجَّه إلى بيت، إي إلى قبلة إبراهيم، فلباه الله وأعطاه ذلك تبارك وتعالى، فطبعاً هذه كبرت على مَن؟ على اليهود، لماذا ترك قبلتنا؟ هل من باب المُناكَدة أم الرجل يركب هواه؟ يُشكِّكون في رسول الله، فالله قال ماذا؟ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۩، بيت المقدس والكعبة وكل الجهات لله تبارك وتعالى، ومحمد – عليه السلام – مُجرَّد نبي عبد يسمع أمر الله ويأتمر بأمره – تبارك وتعالى – ويصدر عن أمره تبارك وتعالى، هذه القضية وليس أكثر من ذلك.

۞ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۞

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ۩، ما معنى الأمة الوسط؟ الوسط له معنيان: الخيار والعدل، خيار الشر يُقال وسط، يُقال فلان من أوسط الناس نسباً، أي من أحسن الناس نسباً، انتبهوا فنسبه لا تعني أن نسبه ليس سيئاً جداً وليس جيداً جداً، لا! من أوسط الناس تعني من أحسن الناس، علماً بأن هذا من عبقرية اللُغة العربية، اللُغة العربية في الجاهلية قبل الإسلام كانت ترى أن التوسط هو أحسن شيئاً في كل بابة، أحسن كل شيئ في كل بابة التوسط، هو أحسن شيئاً، أما الغلو وأما التفريط أو الإفراط فهو مذموم، كلا طَرَفَيْ قصدِ الأمورِ ذميمُ كما قال الشاعر، فإذن الوسط معناه الخيار من كل شيئ، والوسط معناه العدل، معناه العدل الذي لا يجور ولا ينحرف عن القصد، هذا معناه، وأمة محمد – بحمد الله – فيها المعنيان، هي خير الأمم وهي الأمة العدل التي لم تكذب على ربها ولا على نبيها وإن شاء الله لا تكذب على نفسها، روى الإمام أحمد قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – يبعث الله – تبارك وتعالى – الناس يوم القيامة فيسأل نوحاً – الله عز وجل يسأل نوحاً -، يقول له يا نوح هل بلَّغت ما أرسلتك به؟ فيقول نعم يا رب بلَّغت، فيسأل قومه هل بلَّغكم فيقولون ما جاءنا من نذير وما جاءنا من أحد، أي لم نره في تسعمائة وخمسين سنة وقليل، أنكروا كل هذا! قالوا لم نره ولم يتكلَّم معنا، لا نعرف هذا الرجل، فالله يقول له مَن يشهد لك؟ أنكر هؤلاء! لكي يظهر مزية أو ميزة أمة محمد، فيقول نوح – عليه السلام – محمد وأمته، أمة العدل! وعندهم الدستور وعندهم النُسخة الجامعة، هذا فيه – أي القرآن – كل شيئ وفيه علم الأولين والآخرين كما قال ابن مسعود، كل شيئ فيه، كله! فيه خُلاصة التاريخ، التاريخ المُهِم لنا طبعاً وليس التاريخ الذي فيه كلام فارغ، كل شيئ فيه، فقال له محمد وأمته، فيُسألون – أمة محمد – فيقولون نعم نشهد أنه قد بلَّغ وأدَّى، أي نوح، نعتقد بهذا، هذا دين عندنا ونعرف قصة نوح جيداً، وهكذا نشهد له، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – وأنا أشهد عليكم، أنتم تشهدون وبعد ذلك أنا أشهد عليكم، فهذا معنى الآية!

لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ۩، قصة نوح هذه وقومه، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۩، وهنا عَلَيْكُمْ ۩ بمعنى ماذا طبعاً؟ لكم، يصح الإبدال كثيراً في هذا، وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً ۩، هذا يعني أن قضية القبلة وتحويل القبلة من صخرة بيت المقدس إلى البيت العتيق كان مُجرَّد اختبار وابتلاء من الله – تبارك وتعالى – لكي يضح ويتبيَّن الذي يُطيع الرسول، لم يقل مَن يتبع القرآن أو مَن يُطيع، قال مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ۩، لماذا؟ لأن طاعة الرسول من طاعة الله، والذي يُطيع الرسول هو مُطيع لله تبارك وتعالى، انظر إلى حجم هذه المزية المُعطاة للرسول، الله فعل هذا اختباراً، لكي نرى يا حبيبي يا محمد مَن الذي يتبعك ومَن الذي يعصيك من المُنافِقين الكذّابين المُتردِّدين، اختبار كانت هذه سُبحان الله.

وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً ۩، الضمير في كَانَتْ۩ يُراد به ماذا؟ القبلة أو مسألة القبلة، وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۩، ما هو هذا الإيمان الذي أوعدنا الله أنه لا يُضيِّعه تبارك وتعالى؟ صلاة الذين صلوا إلى بيت المقدس ثم ماتوا قبل أن تتحوَّل القبلة إلى البيت العتيق، وقد وقع في الأحاديث الكثيرة الثابتة أن الصحابة خفيَ عليهم حُكم هؤلاء، قالوا ما لإخواننا؟ ماذا سيحدث لهؤلاء؟ صلوا الفترة كلها إلى بيت المقدس والآن جاءت القبلة الحقيقية! فأنزل الله وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۩، لهم أجرهم، وقع أجرهم على الله، أجرهم ثابت إن شاء الله تبارك وتعالى، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۩.

۞ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ۞ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ۞

قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء ۩، النبي حين أتى من مكة إلى المدينة المُشرَّفة المُنوَّرة – على صاحبها الصلاة والسلام – كان كثيراً فعلاً ما يُقلِّب بصره في السماء، يشتهي ماذا؟ أن يُحوَّل إلى قبلة إبراهيم، يشتهي ذلك! فربنا لباه وأعطاه، قال له ماذا؟ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۩، انتبهوا فهذه الآية تتكرَّر ثلاث مرات: فَوَلِّ وَجْهَكَ ۩، فَوَلِّ وَجْهَكَ ۩، فَوَلِّ وَجْهَكَ ۩. قد يقول أحدهم هذا تكرار، لماذا ثلاث مرات؟ هنا مرتين وهنا مرة، أي ثلاث مرات، كثير هذا، لا! انتبهوا فهناك حكمة دقيقة جداً، أول أمر: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۩، لماذا؟ أعطاه الله ما يهواه ويشتهيه، الثانية: أخبره الله وقال له ول وجهك وأنا كنت أُريد هذا أيضاً، أنا الذي حبَّبتك في هذا الشيئ وحبَّبته إليك، أنا! لذلك قال له ماذا؟ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۩، أرأيتم كيف؟ القرآن دقيق، ليس فيه تكرار، تكرار ماذا؟ كل شيئ في موضعه، الأولى قال له من أجلك، أنت تُحِب هذا الشيئ وأعطيتك إياه، وأنا أسارِع في هواك كما قلنا في حديث عائشة، أنا أُسارِع في هواك، أعطيتك هذا، الثانية قال له اعلم أنني أيضاً كنت أُريد هذا وأُدبِّر له، أنا أُحِبه وأُريده في علمي الأول، والثالثة قال له ول وجهك وسأُلقِّنك حُجة قاطعة فالجة تقطع بها وتدحض بها شُبه الذين يشغبون عليك مِن اليهود ومِن مُشرِكي قريش، فكل واحدة جاءت في موضوع دقيق وسوف نرى كيف، الثالثة تقول هكذا، فلا يُوجَد تكرار إذن، لا يُوجَد تكرار!

وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۩، هذا الشطر من الآية أيضاً غير واضح، كيف؟ لأن في كتاب اليهود أن قبلة المُسلِمين هي الكعبة، بيت إبراهيم وليس بيت المقدس، خُبثاء اليهود! أسروها وسكتوا عليها إلى حين، قالوا نُريد أن نرى، توجَّه إلي قبلتنا وهذا جيد، فهو يُحاوِل أن يتألَّفنا، لكن إذا بقيَ على قبلتنا سوف نقول له أنت لست النبي الموعود والمبعوث في آخر الزمان، تكذب على الله، لأن من صفات النبي وأُمته أن قبلتهم بيت إبراهيم، ومذكور هذا فعلاً، ومذكور حتى في شروح الإنجيل، ذات مرة عقدنا خُطبة في الصالة البعيدة وذكرنا هذا، مذكور بشكل واضح أن قبلتنا هي الكعبة، عندهم مذكور هذا في الكتاب المُقدَّس، شيئ غريب! فهم أسروها إلى حين، فالله قال له لا، هم يعرفون هذا، هم الآن أظهروا الغيظ والغضب وهم يعرفون أن قبلتكم وقبلة أُمتك هي الكعبة، لكنهم قوم خصمون ألداء كذّابون، هذا هو، هذا معنى لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۩.

وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ۩، أي من هذه المُناوَرات الفارغة، والآية التي بعدها أيها واضحة، لماذا؟ لكل أمة، لكل مِلة قبلة، لليهود قبلتهم، للنصارى قبلتهم، للمُسلِمين قبلتهم، وهكذا! فهذا في معنى قوله – تبارك وتعالى – لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۩، وفي معنى قوله لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۩ في الحج، وهكذا! في معنى نفس الآية.

۞ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۞

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۩، سأل عمر – سيدنا عمر بن الخطاب قدَّس الله سره – عبد الله بن سلّام، قال له يا عبد الله هل تعرف حقاً محمداً كما تعرف ابنك؟ قال نعم وأزيد، أي وأكثر قليلاً أيضاً، قال له كيف؟ قال نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض فعرفناه بنعته، جبريل قال، أمين هذا، أمين في السماء، أليس كذلك؟ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ۩ الله قال، قال نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض – وهو محمد – فعرفناه بنعته، ومكتوب عندنا كل شيئ ونعرف أوصافه، أوصاف محمد معروفة، قال وأما ابني فلا أدري ماذا فعلت أمه، لعلها تكون غلطت، لا أعرف، لعل تكون هناك خيانة وأنا لا أدري، الزوج المغدور المخدوع! وهو رجل حكيم، عبد الله بن سلّام هذا، الله ذكره في أكثر من موضع في كتاب الله تبارك وتعالى، خاصة في مثل هذه الآيات – الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ۩ – في معرض المدح أو المِدحة يكون عبد الله بن سلّام المقصود، عليه الرضوان والرحمات، وطبعاً الآخرون بعضهم يعرفون لكن يكتمون الحق والعياذ بالله، ابن سلّام لم يكن كذلك، استعلن به ولم يكتم.

۞ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ۞

الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ۩، هذه واضحة.

۞ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۞ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۞

 وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۩، قلنا لماذا هذه، الحكمة الثانية!

۞ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ۞

والحكمة الثالثة وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ۩، الله يُعلِّمه كيفية إدحاض حُجة هؤلاء الشاغبين من اليهود وكفّار مكة، إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ۩، إلا الذين ظلموا منهم والذين يُشبِّهون مزيد تشبيه ولا يُريدون أن يُذعِنوا وأن يتطامنوا للحق، الله قال فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ۩، فأنا أحق وأنا أهل لأن أُخشى.

۞ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ۞

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ۩، كما قلنا هذه فيها حكمة، وَيُزَكِّيكُمْ ۩ قدَّمها على ماذا؟ التعليم.

۞ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ۞

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ۩، ما معنى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ۩؟ أي اذكروني كما فعلت، كما فعلت هذا الشيئ وأرسلت محمداً فيكم اذكروني، اذكروني بالنعمة، أَذْكُرْكُمْ ۩ بماذا؟ أَذْكُرْكُمْ ۩ بالشكر والجزاء الحسن، أليس كذلك؟ هذه هي، وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ۩، هذا كما قال وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ۩، أمة محمد  قال الله لها فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ۩، وبالمُناسَبة في القرآن الكريم لا يُوجَد أي موضع في القرآن الكريم قال فيه الله لبني إسرائيل فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ۩، لا يُوجَد هذا، دائماً اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ۩، المن والسلوى والإنجاء وما إلى ذلك، هذه هي، لكن في حقنا نحن الله ماذا قال؟ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ۩، أمة التوحيد، أمة لا إله إلا الله.

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ۞

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ۩، الصبر كما تعلمون أيها الإخوة أقسام كثيرة، ذكرنا بالأمس تقريباً قسمين عن سيدنا عمر، وفي عمومه ثلاثة أقسام: صبرٌ على الطاعة، فالطاعة تحتاج صبراً، قال تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۩ في طه، في آخر طه وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ۩، تحتاج الطاعة إلى مُصابَرة، قال الحسن البِصري – قدَّس الله سره – فتصبَّروا وتشدَّدوا فإنما هي ساعات قلائل وإنما أنتم ركب وقوف ويُوشِك أحدكم أن يُدعى فيُجيب ولا يلتفت، تحتاج إلى صبر المسألة، ساعات قليلة الدنيا وتنقضي إن شاء الله، إذن صبرٌ على الطاعة، وصبرٌ على القضاء، وصبرٌ عن المعصية، فاصبر نفسك عن المعصية، ليس على وإنما عن، صبرٌ عن المعصية – بمعنى إلا تقع فيها – وصبرٌ على الطاعة وصبرٌ على قضاء الله، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ۩.

انظروا إلى التناسق العجيب، قبل قليل تحدَّث عن الشكر، حتى إذا فرغ من حديث الشكر دخل في حديث ماذا؟ الصبر، وهذا هو الدين، تمام الدين! فالدين شطران: صبرٌ وشكرٌ، فتحدَّث الله عن الشكر وتحدَّث الآن عن الصبر، هذا تمام الدين، سُبحان الله تناسق عجيب!

۞ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ۞

وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ۩، في الحديث الصحيح أن أرواح الشهداء في حواصل طيور خُضر، أليس كذلك؟ تذهب إلى حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل مُعلَّقة بعرش الرحمن تبارك وتعالى، إذن هم أحياء، الشهداء أحياء! إذ اطلع ربك عليهم اطلاعاً فقال لهم يا عبادي هل رضيتم؟ قالوا نعم يا رب، نحن راضون، قال هل تُريدون شيئاً؟ فقالوا لا، ماذا نُريد أزيد مما نحن فيه؟ فتركهم، ثم سألهم السؤال مرة ثانية فأجابوا بنفس الشيئ، ماذا نُريد أحسن مما نحن فيه؟ شهداء هؤلاء! ثم سألهم الثالثة فلما رأوا أنهم لا يُترَكون – الله عنده حكمة، يسألهم من أجل حكمة، يقول لهم أجِيبوني، هل تُريدون شيئاً؟ – قالوا يا رب نعم، نُريد أن تُعيدنا إلى الدنيا فنُقاتِل في سبيلك فنُقتَل، لما رأوا من كرامة الشهداء عند ربهم، قال لا، قد سبق القول مني أنهم إليها لا يرجعون، قال إلا هذه، هذه الأُمنية الوحيدة للشهداء، إذن هم أحياء بلا شك، وطبعاً في الحديث الصحيح أن النبي – عليه السلام – أخبر جابر بن عبد الله – وقد استُشهِد أبوه كما تعلمون في أُحد – أن الله – تبارك وتعالى – خاطب أباه كفاحاً من غير حجاب وخاطب غيره بحجاب، قال له إن الله – تبارك وتعالى – قد خاطب أباك يا جابر كفاحاً من غير حجاب، لأنه كان رجلاً صادقاً عليه الرضوان والرحمة.

۞ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۞

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ۩، كما قلنا الابتلاء هو الاختبار، بِشَيْءٍ ۩، أي بشيئ قليل، بِشَيْءٍ ۩، ليس بلاءً عاماً شاملاً طاماً، وإنما شيئ قليل، بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ ۩، كيف يكون نقص الأنفس إذن؟ كل هذا واضح، لكن كيف يكون نقص الأنفس؟ بالموت، موت الأقرباء والأوداء والأحباب والخلان، هذا هو، وَالثَّمَرَاتِ ۩، كيف يكون نقص الثمرات؟ بأن يُصاب الناس بالجدب أو بالسنة فلا تُؤتي الأرض ثمارها ككل عام مثلاً، أي ينقص المحصول، نقص المحاصيل! هذا نقص الثمرات، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۩.

۞ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩، استرجعوا.

۞ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ۞

أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ۩، قال الفاروق عمر نِعم العدلان والعلاوة، العلاوة ما هي؟ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ۩، هذه زيادة هكذا غير الصلوات، كيف تكون الصلوات من رب العالمين عليهم؟ الرحمة والثناء، الله يُثني عليهم، يرفع لهم ذكراً ويرحمهم، الرحمة والثناء، الثناء الحسن! صلوات – قال – ورحمة، ولذلك نحن نقول الثناء والرحمة، لأنه عطف عليها الرحمة بعد ذلك.

هذه الآيات تتعلَّق بحديث في الصحيح وأصله في أحمد، المُهِم هو عن أم سلمة، تقول جاءني أبو سلمة ذات ليلة فقال لي يا أم سلمة لقد سمعت من رسول الله اليوم شيئاً أعجبني، أي كلام جميل – قال – سمعته منه، أنا أحببت هذا الشيئ، والصحابة كان عندهم الشيئ هذا سُبحان الله، لأن هذه ميول، الناس ميول! يقول رجل آخر سمعت كلمات من رسول الله أعجبنني وآنقنني، أي من التأنق قال، كلام جميل – قال – سمعته اليوم، وآنقنني! انظر إلى التعبير، أعجبني وآنقنني كذا وكذا، أبو سلمة نفس الشيئ قال، قال كلمات أعجبنني، قالت له ماذا سمعت يرحمك الله؟ قال سمعت النبي يقول ما من مُسلِم يُصاب بمُصيبة – أي مُصيبة، وتعرفون المُصيبة، كل ما ساء المُسلِم هو مُصيبة، حتى الشوكة يُشاكها، هذه مُصيبة، فاسترجع، قل إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، إذا سمعت بوفاة عالم في آخر الدنيا قل إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، إذا سمعت بوفاة مُقريء قل إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، إذا سمعت أي شيئ يُحزِنك كمُسلِم استرجع، عندك أجر كبير جداً جداً – فيسترجع – أي يقول إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩ – ويقول اللهم أَجِرْنِي – ليس آجرني، أَجِرْنِي، هناك أُناس يدعون قائلين آجرنا، كيف آجرنا، ما معنى آجرنا؟ ليس لها معنى هنا فهي من الجوار، أَجِرْنِا من الأجر وتلك من الجوار، وحتى الناس حين يذهبون لدفن أحد ماذا يقول الواحد منهم؟ آجرني يا أخي آجارك الله، ما معنى آجرني؟ أَجِرْنِي، أي أعطني الأجر، أعطني فرصة لكي أُؤجَر، ليس آجرني وإنما أَجِرْنِي – في مُصيبتي واخلف علىّ خيراً منها إلا أبدله الله أو أخلف عليه خيراً من مُصيبته، قالت أم سُلمة فما يلبث أبو سلمة أن مات، سُبحان الله هو بعد فترة مات، قالت فتذكَّرت كلامه عن الرسول فقلت، استرجعت وقالت هذا الدعاء، قالت ثم عُدت إلى نفسي – الشيطان موجود وهي غير معصومة – فقلت لنفسي ومَن خيرٌ من أبي سلمة؟ هل الله سيُعطيني ويأجرني خير من مُصيبتي؟ كيف؟ مَن مثل أبي سلمة؟ لا يُوجَد! قالت ثم لما انقضت عدتي إذا برسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستأذن، جاء النبي واستأذن، فدخل ثم خطبني إلى نفسي، تكلَّم كلاماً وقدَّم مُقدَّمات وخطبني، فقلت يا رسول الله ما مثلك مَن عنه رغبة، أي مُستحيل أنت بالذات أن يُرغَب عنك، أنت الرسول، لا يُمكِن أن ترغب عنك أي امرأة، طبعاً هناك رغب فيه ورغب عنه، رغب فيه تعني أحبه، رغب عنه تعني أنه لم يُرده، قالت ما مثلك مَن عنه رغبة، ولكن أنا امرأةٌ فيّ غيرة شديدة، أي أُريد أن أقول لك عيوبي وأنت عندك ما شاء الله نساء، فقالت أنا امرأةٌ فيّ غيرةٌ شديدة ودخلت في السن، انظر إلى تعبير هذه العربية، قالت دخلت في السن، أي كبرت وطعنت، لعلها طعنت في الخمسين أو في الستين، المُهِم قالت ودخلت في السن ولي عيال، أي عندي أولاد أيضاً، هذه مسؤولية، فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – فأما الغيرة فسيُذهِبها الله عنكِ، وفي رواية سأدعو الله فيُذهِبها، وطبعاً هذا بالدعاء سيُذهِبها الله، وأما السن فقد دخلت فيما دخلت في مثله، قال لها أنا حتى كبير، أنا كبير! انظر إلى التواضع يا أخي، انظر إلى جمال الرسول، ما هذا يا أخي؟ هناك أشياء حين نقرأها – سُبحان الله – نعجب، شيئ غريب فعلاً، رضيَ الله عن أصحابه وعن أتباعه وعن هذه الأمة المُبارَكة التي حفظت لنا تراث رسول الله، فعلاً كأننا نراه أمامنا أيها الإخوة، شيئ غريب، قصص وأشياء دقيقة في حياة الرسول وكلمات ومواقف، والعجب في رسول الله ما هو؟ التواضع فعلاً الجم، الجم! لم يقل أنا الرسول وأنتم لا شيئ وكلكم البُعدة تحت “صرمايتي” ولابد أن تطلبوا رضواني، لم يقل هذا أبداً! يُعطيك انطباعاً بأنه يرى نفسه واحداً منهم يا أخي، والله العظيم شيئ مُؤثِّر جداً، كأنه يرى نفسه واحداً منهم بل يرى حتى أنه أقل من بعضهم، هذا الرسول! ما التواضع هذا؟ ما الربانية هذه؟ وحتى حين كان يُخاطِب ربه كان يقول له لا تكلني إلى نفسي وإنك أن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعفٍ وعوزةٍ، وفي رواية وخطيئةٍ وعورةٍ، وفي رواية وضيعةٍ، وإني لا أثق إلا برحمتك، يا الله! الرسول يقول أنا ضعيف، أنا معيوب، أنا معطوب، أنا ضائع، أنا مُذنِب، أنا عاصٍ، أنا كذا، لا تكلني إلى نفسي يا رب، الله أكبر يا أخي، ما هذا؟ ثم نأتي نحن ونتبجَّح ببعض المال وبعض العلم وبعض العبادة، نحن هُبل فعلاً، أقولها لكم  ببساطة، لا نفهم الدنيا جيداً، لا نفهم، فهَّمنا الله وفتح علينا ونوَّر قلوبنا، نحن لا نفهم، نحن مساكين، الرسول لما الله قال له عن نسائه خيرهن جاء لكي يخيرهن وبدأ بعائشة، ماذا قالت له عائشة وكنت فرحانة طبعاً؟ قال لها ولكن قبل أن تقولي شيئاً استشيري أبويكِ، اذهبي وقولي لأبويكِ، حريص عليها، فهي كانت صغيرة ويخشى أن تُفرِّط فيها، فقالت عائشة في البخاري ومُسلِم بمعنى الكلام كان يخشى أن أختار عليه، انظر إلى هذا التواضع منه أيضاً، يفعل هذا مع زوجته، والله – أُقسِم بالله – نحن لسنا كذلك، أقول هذا ببساطة، نحن عندنا من الأنفة والحمية ما يجعل الواحد منا يقول مَن زوجتي؟ مع ستين داهية، مع ستين صرماية يقول، لا يُمكِن غير هذا، حتى لو سيموت الواحد يقول مع السلامة، ولا يُمكِن غير هذا ولو عنده مائة طفل منها، عندنا أنفة وحمية غريبة كأنها جاهلية، لكن هو لم يكن كذلك، كان عنده وفاء وتواضع، النبي كان عنده تواضع نفساني داخلي، يُحِبها ويُريد أن يستبقيها، يُحِب زوجته فخاف لأنها صغيرة أن تذهب وتختار عليه، كأن تقول لا أُريده وأُريد الدنيا وتأخذ بعض المال وما إلى ذلك، فقال لها اذهبي واستشيري أبويكِ، فقالت له – كانت واعية عليها الرضوان، عائشة الصدّيقة بنت الصديق – يا رسول الله أفيك أستشير؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، ففرح النبي، لكن أين العبرة؟ ليست هذه العبرة، العبرة في تواضع الرسول، خاف من أن تُفرِّط فيه، هو الرسول، مَن يُفرِّط فيه؟ لكن هو مُتواضِع، الرسول يرى نفسه هكذا، مُتواضِع! وكان يقول اجعلني في عيني صغيراً وفي أعين الناس كبيراً، ويبدو أنه كان يرى نفسه صغيراً، سُبحان الله، والقرآن ينزل عليه وعنده فضائل ومُعجِزات وكرامات يا أخي، صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هنا الله يُحِب الرسول كثيراً، الله يُحِبه كثيراً كثيراً، يُحِبه أكثر من الدنيا وما فيها ومَن فيها، أكثر من كل أنبيائه ورسله، كل الكون لا يُساوي عند الله محمداً، لأنه العبد الرباني، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ۩، هو العبد، عبد حقيقي، تحقَّق بالعبودية، أمام الرب لا تُوجَد غطرسة، لا تُوجَد عنجهية، لا يُمكِن أن ترى نفسك شيئاً أبداً، أنت رأيت كيف كانت صفة إبليس، وهذه صفة محمد، لا يرى نفسه شيئاً، لذلك أحد الصالحين قال كنت دائماً أدعو ربي وأقول يا رب لو دللتني على خير ما يُتقرَّب به إليك، قال فهتف بي هاتف ذات ليلة قال لي يا عبدي خير ما تتقرَّب به إلىّ ما ليس فيّ، شيئ لا تُشارِكني فيه، قلت ما هو؟ قال الذلة والافتقار، كُن ذليلاً مُفتقِراً، كُن لا شيئاً وسوف أُحِبك وأرفعك، هذه هي، أليس كذلك؟ تحقَّق بأوصافك يُعطك أو يُحقِّقك بأوصافه، تحقَّق بالذلة أنت وسوف يُعيطك فيما بعد العزة، تحقَّق بالفقر وسوف يُعطيك الغنى، النبي كان كذلك عليه السلام، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

اللهم صل على سيدنا محمد، أين وصلنا؟ طبعاً المُهِم في قصة أم سلمة أنه قال لها دخلت أنا في السن وأما العيال قال فأضمهم إلىّ، طبعاً النبي قال مَن ترك مالاً أو شيئاً فلورثته ومَن ترك ديناً أو ضياعاً فإلىّ وعلىّ، انظر إلى الرحمة، ولذلك النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۩، قال حين تترك شيئاً من المال وما إلى ذلك يكون لأولادك، أما إذا تركت ديناً أو ضياعاً – عيالاً قد يضيعون – فأنا أتكفَّل بهم، صلى الله عليه وسلم، ويعيش فقيراً ويموت فقيراً، الذهب والفضة للناس، يُعطي هنا وهنا وهنا وهنا وهنا، ويُعطي عطاء مَن لا يخشى الفقر، النبي كان يقدر على أن يعيش كأعظم ملوك الأرض، لكنه عاش فقيراً، عاش فقيراً ومات فقيراً مسكيناً في رحمة ربه تبارك وتعالى، لماذا؟ لأنه كان يهتم بأمر الأمة، لم يهتم بنفسه – عليه السلام – أبداً، لم يهتم بنفسه!

بعد حُنين – هوازن – أعطى الأقرع بن حابس وعُيينة بن حصن وعباس بن مرداس – هؤلاء كانوا من المُؤلَّفة قلوبهم، وكانوا أشبه بالمُنافِقين قليلاً، قُساة غِلاظ وهم مُؤلَّفة  على كل حال، هم كانوا مُؤلَّفة – الكثير، أعطاهم شيئاً عجيباً، النوق والجمال وما إلى ذلك ما بين كذا وكذا، فمَن الذين غضبوا؟ الأنصار، قالوا سُبحان الله – وخاصة الفتيان الحدثة أسنانهم، الشباب كانوا مُتحمِّسين -، يُعطي قريشاً وسيوفنا لا تزال تقطر من دمائهم! طول حياتهم ضد الإسلام، أيُعطيهم ونحن على هذه الحالة؟ فبلغت مقالتهم النبي، فجمعهم في قُبة من أدم  – من جلد – وقال لهم ما مقالة بلغتني عنكم يا معشر الأنصار؟ فقام كبراؤهم وذوو الأحلام منهم وقالوا يا رسول الله إنما هي كلمة أو مقالة من فتيان حدثة أسنانهم، أي هذا ليس منا، فالنبي قال يا معشر الأنصار كبر عليكم أن يعود الناس بالشاء والبعير وتعودون أنتم برسول الله! أنا راجع معكم، أنا لن أظل حتى في مكة هنا، سأرجع إلى المدينة، وتكلَّم كلاماً حتى أبكاهم، كلهم بكوا وقالوا رضينا وكذا، المُهِم اعتذروا ثم قال لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، لو سلك الناس شِعباً وسلك الأنصار شِعباً لسلك شِعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، شيئ عجيب، فبكوا! فهو كان يُعطي من المال، وكان عنده الكثير، يُعطي بالمائة من الإبل، يُعطي بالألف من الشاء وبالألفين، كان عنده الكثير لكنه كان يعيش فقيراً، صلى الله عليه وآله وأصحابه وجزاه الله عنا خير الجزاء، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ۩. 

۞ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ۞

إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ ۩، شرحناها أعتقد قبل يومين، شرحنا معنى هذا التركيب، مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۩، أليس كذلك؟ وقلنا ما السبب.

۞ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ۞

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ۩، معروفون طبعاً وهم اليهود، بنو إسرائيل وبعض النصارى، يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ۩ واضحة، وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ۩، مَن هم اللاَّعِنُونَ ۩؟ قيل الملائكة، وقيل لا، اللاَّعِنُونَ ۩ كل عاقل وأعجم، حتى الدواب والعاقل من الإنس والجن والملك، هذا معنى وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ۩، لماذا؟ الجزاء من جنس العمل، أليس كذلك؟ إذا كان العالم والدال على الخير والآمر بالهُدى يستغفر له مَن في السماوات ومَن في الأرض – أليس كذلك؟ حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت والسمك في البحر – فإن كاتم العلم وكاتم الهُدي بالحري أن يلعنه الجميع إذن، أليس كذلك؟ الجزاء من جنس العمل، العالم الذي يُبيِّن ويشرح للناس ويُوضِّح – دلّال هو، دلّال! يدل الناس على الله – يستغفر له كل مَن في الكون، أليس كذلك؟ وعكسه الذي يكتم العلم ويجعل الناس في العمه وفي العماية والضلالة، هذا يعني بالحري أن يلعنه كل مَن في الكون، والله الجزاء من جنس العمل، هذا صحيح.

۞ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ۞

طبعاً إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ ۩ هذا استثناء، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ۩.

۞ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ۞ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ۞

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ۩ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ۩، واضح المعنى.

۞  وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ۞

وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ۩، في الحديث عن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين، احفظوهما فهما مُهِمتان إذن، اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ۩)، (الم ۩ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۩) صدر آل عمران، أول آيتين في آل عمران، إذن من صدر آل عمران ومن سورة البقرة.

۞ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۞

هذه الآية – إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۩ – واضحة إن شاء الله، لا نُريد أن نشرحها فهي واضحة، ليس فيها شيئ صعب، ربما قوله وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ۩ يحتاج إلى شرح، ما معنى وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ۩؟ قوله وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ۩ بمعنى أنها تأتي مرة بالرحمة ومرة تأتي بالعذاب، مرة يُسلِّطها الله على قوم ويُنحيها – أي يصرفها – عن قوم، مرة تأتي شمالية ومرة تأتي من الجنوب ومرة تأتي من الشرق ومرة تأتي من الغرب، ولذلك صنَّف علماء اللُغة كُتباً في الأرياح، جميع ريح أرياح وأرواح، في الأرياح أو الأرواح – مثل  رُوح، نفس الشيئ، ريح جمعها أرواح أيضاً ورُوح جمعها أرواح – صنَّفوا كُتباً بالأسماء وبالصفات المُختلِفة، فهذا موجود، مثل الصبا والدبور وكذا، أشياء كثيرة! 

وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۩، طبعاً هذا يُؤكِّد أن لفظ السماء ليس كما يظن بعض الناس، لفظ السماء يرد في كتاب الله – تبارك وتعالى – على أنحاء كثيرة مُختلِفة، يرد مُذكَّراً ويرد مُؤنَّثاً، في الأكثر يرد مُؤنَّثاً، لكنه يرد مُذكَّراً، مثل قوله السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ۩، أليس كذلك؟ كما قال ابن منظور هنا مُذكَّر، ولفظ السماء أيضاً يرد بمعنى السماء العالية التي لا نراها على الحقيقة نحن، ويرد بمعنى السحاب، وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا ۩، ما السماء المدرار؟ السحاب، السحاب يُسمى سماءً، ويرد بمعنى السقف، وسقف كل بيت هو سماء، والفرس اسمه سماء، وسرج الفرس من فوق اسمه سماء أيضاً، وكل ما علاك فوق سماء، والله قال فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ۩، أي بِسَبَبٍ ۩ – حبل – إلى السقف في سورة الحج، فعندها تصاريف كثيرة جداً جداً هذه الكلمة، هذا المُهِم.

۞ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ۞

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۩، هذا واضح، وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ۩.

۞ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ۞

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ ۩، أيضاً واضحة، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ۩، ما معنى وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ۩؟ بمعنى فقدوا الحيلة وعدموا الوسيلة، فقدوا الحيلة وعدموا الوسيلة، انتهى! لا تُوجَد أي حيلة يتحيَّلونها، لا يُوجَد أي سبب، لا تُوجَد أي وسيلة يتطلَّبون بها النجاة، وقيل معنى وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ۩ المودة، تبرأ بعضهم من بعض واستحالت المودة إلى عداوة، الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ۩ في الزخرف، وأيضاً قال ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ ۩، هذه هي، يتبرأون من بعضهم فتتقطَّع بينهم أسباب المودة، وقيل لا، الأسباب هي الأسباب بمعنى الوسائل، تفسيران!

۞ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ۞

وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ ۩، مِن مَن؟ مِن المتبوعين، كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا ۩، أي هنا، يوم القيامة، هل صدقوا في ذلك؟ كذبوا، الأتباع كذّابون، قال – تبارك وتعالى – وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩ في الأنعام، كذب هذا، هذا كلام يُقال هكذا، غير صحيح! 

۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ۞

وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۩، قيل هي المعاصي، كل ما عُصيَ به الله فهو من خطوات الشيطان، هذا صحيح لكن لا يكشف عن سر التعبير بــ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۩، وهذا التعبير لطيف جداً وطبعاً يُلقي بظلال تربوية، يُوحي بمعنى تربوي رزين وعميق، ما هو؟ أن الشيطان لا يستزل الإنسان دُفعة واحدة أو مرة واحدة، وإنما يُلبِّس عليه أمره شيئاً فشيئاً وخُطوة فخُطوة حتى يتردى في مهواة الضلال والعياذ بالله تبارك وتعالى، فالأفضل كما دائماً يُقال ألا يدخل المُسلِم الذي ينشد الخير بنفسه في مُسابَقة مع الشيطان، لا تقل أنا أستهين بهذه الصغيرة وبالعكس سوف أذهب ولن يحدث شيئ وأنا واثق من نفسي، إياك! الله قال وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۩، شيطان هذا، أذكى منك بكثير، هو أضل آباك أدم، هل أنت ستكون أشطر من أبيك آدم؟ أليس كذلك؟ إذا دخلت في طريقه يأخذك بحبل ويأتي بك قليلاً قليلاً، وهو يأتي بك من طريق المساجد ومن طريق العبادة ومن طريق كذا وبعد ذلك يذهب بك إلى المُصيبة الكُبرى، ويفعل هذا من طريق الخير، ولذلك هذا اسمه ماذا؟ تلبيس إبليس، يُلبِّس لك الحق بالباطل والباطل بالحق فلا تعرف، فأحسن شيئ أن تكون مُتعصِّباً Fanatic، قل له لا، ليس عندي هذا، لن أفتح أي باب للتساهل، هذا أفضل، سوف يقولون هذا مُعقَّد، لكن لا يهم، أنا مُعقَّد نعم، سأعيش وأموت مُعقَّداً إن شاء الله، جعلنا الله من المُعقَّدين إذا كان هذا هو التعقد، هذا أفضل والله العظيم، لأن هؤلاء يضحكون علينا، هذا من كلام الشياطين والله العظيم، والله من كلام الشياطين، يُقال يا أخي كُن مُنفتِحاً، كُن تقدمياً عصرياً، لماذا أنت كذلك؟ لماذا أنت تدخل في بعضك كما يُقال؟ أنت مُعقَّد يا رجل، خُطوة خُطوة وتذهب يا مُنفتِح إلى أبواب جهنم، انتبه! هذا من كلام شياطين الإنس والجن والله العظيم، هذه خُطوات، خُطوات الشيطان.

۞ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۞

إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ ۩، إذن ما المُراد بِالسُّوءِ ۩؟ كل المعاصي، وأسوأ المعاصي الفحشاء، الزنا! ولذلك تُسمى الفحشاء، لماذا؟ من فحش الشيئ، ما معنى فحش؟ أي عظم – والعياذ بالله – في السوء، سوء كبير جداً جداً، فاحش! يُقال عنده ثراء فاحش، هو ذو ثراء فاحش، ذو مال فاحش، ما معنى هذا؟ كثير، مال كثير، فالمعصية الفاحشة هي الكبيرة جداً، وهي الزنا، هذا ليس سهلاً، دائماً نُريد أن نتحدَّث عن الكبائر مثل الزنا، وهناك أربعة دواوين كما يقول العلماء، اجعل دائماً – إن شاء الله – نفسك خالية الوفاض منها وإن شاء الله سوف تكون على خير عند الله، سوف يكون وضعك جيداً نوعاً ما، ما هي؟ الديوان الأول الشرك، انتبه! إياك والشرك، أي شيئ له علاقة بالشرك ابتعد عنه، هذا أهم شيئ، التوحيد هذا، احفظ وصُن جناب التوحيد، هذا أولاً، ثانياً ديوان الأعراض، انتبه من العِرض، الزنا واللواط والكلام الفارغ، وكذلك القذف، أن تقذف أعراض وتتهم الناس، انتبه! إياك أن تتهم الرجال والنساء، انتبه! اترك هذا الأمر، بعض الناس يقذف بطريقة لا يُبالي بها ويظن أنه شاطر، أحياناً تظن أنك تُدافِع لكن في الحقيقة أنت تقذف، يأتي إليك أحدهم ويقذف عندك إنسان – وهو معروف بين الناس أنه مُحترَم ولا تُوجَد بيّنة – فماذا تقول له؟ يا أخي اترك الخلق للخالق، لا ابتلانا الله بهذا، إذن قذفته أنت، ما معنى قولك لا ابتلانا الله بهذا؟ هذا يعني أنك صدَّقت وبصمت على أنه فعل هذا الشيئ لكن لا ابتلانا الله بهذا ونحن لا نُريد أن نتحدَّث عن الناس، يا أخي قذفته أنت، ما المفروض أن يكون موقفك الشرعي؟ قل له اسكت، قطع الله لسانك، قل له اسكت، (ملحوظة) سأل أحد الحضور قائلاً حتى لو رأى يا شيخ؟ فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لو رأى ثمانين جلدة إن شاء الله، لابد من وجود أربعة من الشهود وإلا تُجلَد ثمانين جلدة، ولن تكون أكرم من الصحابة، لن تكون أكرم من أبي بكرة – هذا صحابي الجليل – الذي جُلِدَ في ظهره ثمانين جلدة هو ومَن معه، ثلاثة جُلِدوا لما أنكر الرابع وهو زياد ابن أبيه، في آخر لحظة حلَّفه سيدنا عمر وقال له هل رأيت؟ فقال له لم أر، فقال ائتوا بهم وجلدهم ثمانين جلدة، لن تكون أكرم من الصحابة، أليس كذلك؟ إذا رأيت شيئاً اسكت، ثم أين الستر يا أخي؟ رأيت لكن ماذا بعد؟ استر، إذا لم تستر – أنا أقول لك وعداً بنسبة مائة في المائة – ستفعل فعله، طبعاً لأنك تكلَّمت، ما دمت تكلَّمت أظهرت الشماتة فيه، سوف يُعافيه الله ويبتليك، لماذا لا تستر؟ وما الفائدة أصلاً؟ ما الفائدة من أن تتكلَّم بالكلام هذا؟ هذا من باب إشاعة الفحشاء في الذين آمنوا، علماً بأن من أسوأ الأشياء أن نُكثِر دائماً من استجلاب هذه القصص، كأن تقول والله فلان الفلاني كذا وكذا، يُقال كذا وكذا، يا أخي الناس فسدة، يا أخي أعوذ بالله، أنا أسمع قصصاً عن كذا وكذا، أنت تُوهِم الناس بأنه لا يُوجَد رجل صالح، تُشعِرهم أن كل الناس زُناة وكل النساء – والعياذ بالله – فاجرات، يا أخي غلط الكلام هذا، غير صحيح، هذا الكلام غير صحيح، كما يُوجَد – والله العظيم – فجرة يُوجَد ناس أعفاء أتقياء، يُريد الواحد منهم أن يموت ولا يفجر، أليس كذلك؟ وهذا في النساء وفي الرجال بحمد الله تبارك وتعالى، هناك نساء مُستعِدة أن تموت ولا تفجر، وسمعنا عن نساء – ما شاء الله – متن وضحين بحياتهن من أجل الدفاع عن عِرضهن، عندنا سمعنا في فلسطين – قبل سنتين في الانتفاضة – أنهم خطفوا امرأة، سُبحان الله كانت مسجونة جميلة، استغاثت بالله وما إلى ذلك ولا فائدة، أخذوها في سيارة مرسيدس Mercedes، فتحت الباب وألقت بنفسها فماتت، ماتت شهيدة إن شاء الله، أحسن شيئ طبعاً، قالت أن أموت أحسن لي، حتى لا يُنتهَك عِرضي أموت، فألقت بنفسها! هناك أناس مثلها كثر، هذه أفضل من ألف ألف رجل يكون غير عفيف، هذا موجود في أمة محمد والحمد لله، وإن شاء الله هذه الأمة في مُجمَلها أمة عفيفة وأمة خيّرة وصيّنة إن شاء الله، في مُجمَلها! لكن حديث السوء – والعياذ بالله – مثل البضاعة، أين ينفق؟ في السوق الفلانية، فيذهب إليها، أليس كذلك؟ 

بالمُناسَبة أنا أستقل خير كل إنسان يتحدَّث بالأحاديث هذه، حتى لو كان من أقرب الناس إلىّ، وأعرف أنه إنسان غير طيب، هل تعرفون لماذا؟ لأن لماذا يأتي ويقول الأحاديث هذه؟ أنا لا يأتي إلىّ أحد ويقول الأحاديث هذه، كأن يقول فلان كذا وفلان كذا وفلان كذا، لا يأتي إلينا أحد ويقول هذا لأنه يعرف أن هذا ليس من اهتمامنا، أليس كذلك؟ وسوف نحتقر مَن يقول هذا، ما دام حكوا لك هذا فهذا يدل على أنك ما شاء الله تُحِب هذه الأشياء، هم يعرفون أنك تُحِبها فيأتون ويحكونها لك، فهذه تُسيء لك قبل أن تُسيء لمَن تطعن في أعراضهم، لا تسمح – والعياذ بالله وأكرمك الله – أن تكون كالمزبلة تُلقى فيك الأشياء القذرة، لا! بالعكس كُن كالبُستان الذي ليس فيه إلا الأفواه والرياحين والأزاهير، أليس كذلك؟ حتى الذين يأتون عندك يأتون لكي يُنافِقوك، يقولون الدين كذا وكذا، ذات يوم كنت عند رجل يبيع تليفونات Telephones، كنت جالساً والمُهِم أخرجت المُصحَف لكي أُراجِع وما إلى ذلك، فكان هناك رجل ينظر إلىّ فخبأت المُصحَف، ثم أخذ ينظر إلىّ أكثر ثم قال لي الشيخ عدنان؟ فقلت له نعم، فأخذ يقول لا إله إلا الله، ثم قال بعد ذلك أن محمداً رسول الله، قلت يا أخي ما هذا النفاق؟ بدأ الرجل يذكر الله بشكل علني، هل هو يخدعني؟ أنت تذكر الله أم تذكرني؟ فهؤلاء الناس عقليتهم تعبانة بصراحة، فلا نُريد أن نكون كذلك، بالعكس! لكن هذا أيضاً أفضل، أفضل لأنه رآك وأراد أن يحترمك، كيف يحترمك؟ صار ذاكراً لله الرجل وتدروش في لحظة، كأنه يقول لي انظر إلىّ يا شيخ عدنان فأنا أُحِب الدين، ماذا أفعل لك ؟ أنا أُريد أن أنقذ نفسي عند الله عز وجل، كيف أنقذك؟ أُريد أن أنظر إلى نفسي أولاً والله، لكن هذا أفضل من أن ينظر إليك أحدهم ويقول مَن أنت؟ أنت سعيد؟ تعال يا سعيد، اسمع القصص السيئة، لا! أعوذ بالله، لا تجعل نفسك هكذا، لا تجعل نفسك كالمزبلة تُلقى فيها القاذورات، أبداً! لا تسمح بهذا، كُن دائماً داعية للخير وناطقاً بالخير، أليس كذلك؟ تدل على الخير وتُؤشِّر إلى الخير بإذن الله تبارك وتعالى، إن شاء الله نكون جميعاً كذلك.

اللهم صل على سيدنا، نختم في دقيقتين، (ملحوظة) قال بعض الحضور أن الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نسيَ إكمال شيئ، فقال ما هو؟ فقالوا الدواوين، ومن هنا قال عفواً وأكمل على النحو التالي: قلنا الشرك ثم الأعراض، ثم ماذا؟ الدماء، انتبه وابتعد عن القتل، القتل خطير جداً، دماء الناس! قال – عليه السلام – لا يزال المُؤمِن في فُسحة من أمر دينه ما لم يُصِب دماً حراماً، القتل! القتل أو التسبب حتى في القتل ولو بشطر كلمة كما تعرفون، ثم ماذا أيضاً؟ الأموال، وأضاف بعضهم الأشربة، لأن بعضهم لم يذكر الشرك، اعتبروا أن هذا الشيئ ليس له علاقة بنا، الشرك هذا مع المُشرِكين، فذكروا أشياء مع المُسلِمين وهذا مُمكِن، هذا كلام منطقي، فأيضاً الأشربة: الخمور والحشيش وكل الأشياء التي تُذهِب العقل، هذه الأشياء ابتعد عنها، ابتعد عنها – إن شاء الله – وبعد ذلك الذنوب الأُخرى – إن شاء الله – الله يغفرها ويتجاوزها، لأن هذه الذنوب أكثرها تتعلَّق بحقوق العباد كما ترون، أليس كذلك؟ فهذا الشيئ خطير جداً جداً.

بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء ۩، وأصعب من السوء وأصعب من الفحشاء ما هو؟ القول على الله بغير علم، الدجل باسم الدين، الكذب في الفتوى، الكذب على الله عز وجل، تُحلِّل ما حرَّم الله، وتُحرِّم أحياناً ما أحل الله، أليس كذلك؟ مثل الذي يقول لك الحجاب غير واجب والقرآن يدل على أنه غير واجب أصلاً وليس فيه كذا وكذا والعياذ بالله، ويستدل بالقرآن الكريم، وهكذا!

۞ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ ۞ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ۞

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ۩، سنشرح هذه الآية لأنها غير واضحة، مُتأكِّد هذا، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ۩، الله يقول مثل الكفّار – يضرب لهم مثلاً – كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء ۩، ماذا تفهمون من هذه الآية؟ كيف يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ ۩؟ (ملحوظة) قال بعض الحضور أن الآية تعني أن الإنسان يُردِّد ما لا يفهمه، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، هذا غلط، أرأيتم؟ ليس هذا تفسيرها، مُستحيل! كيف يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء ۩؟ فقال أحد الحضور أن المُراد هو التدجيل وقال آخر أن المُراد هو أن يُردِّد الإنسان ما لا يفهمه، وقال فضيلته في الحالتين أن الإجابتين خاطئتين، ثم أجاب قائلاً انتبهوا، الله يقول  كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ۩، أولاً ما معنى يَنْعِقُ ۩؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور أن معنى يعنق يصيح، فقال فضيلته لا، ليس المعنى أنه يصيح فقط، يصيح في ماذا؟ ثم أجاب بعض الحضور بإجابات فقال فضيلته لا! غلط، أرأيتم؟ هذا الذي دائماً أقول للأسف ودائماً يحدث معنا، لابد أيها الإخوة – هذه نصيحة – أن يكون عندنا عقل سائل، لا تُحاوِل أن تُفهِم نفسك أن الآيات واضحة بالنسبة إليك، وبعد ذلك إذا طُلِب منك تفسيرها تجد أنها غير واضحة، مُشكِلة هذه، نقرأ القرآن ولا نفهمه، مُشكِلة! وهذه في المدارس كانوا يشرحونها لنا، أليس كذلك؟ ولم يُفهِمونا إياها في مرة واحدة، لأن المُدرِّسين لا يفهمونها أيضاً، يقولون كلاماً ولا يفهمون ماذا يقولون، المُشكِلة هي ماذا؟ في (ما) هذه، انتبهوا! (ما) هنا موصولة أو موصولية، يقول مثل الكفّار كمثل الشخص الذي يصيح بماذا؟ بالدواب، ينعق بها، انتبهوا! لا ينعق بشيئ أو ينعق بصوت وإنما ينعق بها، أي كما نقول نحن يصيح بها ويهش عليها، فالراعي يصيح – أي ينعق – بدوابه، يقول لها هش هش، كما تعرفون عندهم لُغة خاصة هؤلاء، الهشهشة هذه! بِمَا لاَ يَسْمَعُ ۩، مَن الذي لاَ يَسْمَعُ ۩؟ الدواب، هو يصيح بدواب لكن هي لا تعرف لُغةً ولا تعرف شيئاً، بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء ۩، هي فقط تسمع الصوت لكن لا تفهم المضمون، يُقال هيا من هنا وما إلى ذلك، لكن الدواب لا تفهم، ما معنى هيا وما إلى ذلك؟ فقال الكفّار مثل هذا، الكفّار يسمعونك يا محمد ولا يفهمون شيئاً مثل الدابة التي صاحبها يُنادي عليها ولا تفهم شيئاً، هي تسمع صوتاً – كلمات ولغو، لغو بالنسبة لها، أليس كذلك؟ – ولا تفهم، هذا معنى الآية، إذن ينعق بالدواب التي لا تفهم من صياحه ومن لُغته الناعقة شيئاً، إلا أنها أصوات، مُجرَّد أصوات مُبهَمة لاغية، لكن لا تُدرِك مشمولاتها ومضموناتها ولا معناها، هذا معنى الآية، وهذا سهل، حين تسمعه مرة واحدة تفهمه إلى أن تموت، لكن دائماً – كما قلت لك نصيحة – حين تقرأ حاول أن تسأل عن كل شيئ، قل ما معنى هذا؟ هل أنا أفهم هذه؟ وسوف ترى أن الكثير من الأبواب ستُفتَح لك وستجد الكثير من علامات الاستفهام لأن هناك الكثير من الأشياء غير الواضحة، هذه المُشكِلة! نحن تعلَّمنا أن نقرأ القرآن وتعلَّمنا أن نُرتِّله لكننا لم نتعلَّم أن نتدبَّر فيه، وهذا عيب في عقليتنا. 

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ۩، لماذا صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ۩ دائماً؟ لماذا التركيب هذا: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ۩؟ صُمٌّ ۩: لا يسمعون الهُدى، بُكْمٌ ۩: لا ينطقون به، انظر إلى أي مدى هم أشرار والعياذ بالله، لا يتكلَّمون بالخير ولا يقدرون على أن يسمعوا وأن يفهموا،  عُمْيٌ ۩: عن صراط الخير، عن الصراط المُستقيم، الله أكبر! انظر إلى هذا التشبيه، يعني أنهم أُناس استحكمت بهم الضلالة.

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ۞ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۞

طبعاً ما معنى وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۩؟ ما ذُبِحَ باسم غير الله تبارك وتعالى، باسم مناة أو باسم إساف أو باسم نائلة أو باسم هُبل أو باسم أي آلهة، وكذلك باسم عيسى وباسم مريم ،كل هذا شيئ شرك والعياذ بالله، الذبح باسم غير الله شركٌ وممنوع أن نأكل منه، ولذلك حتى اليهود والنصارى الأصل في ذبائحهم أنها حلال، إذا رأيت يهودياً أو نصراناً – طبعاً مُفرد النصارى نصران والمرأة نصرانة، ويُقال للنصارى أنصار، مثل الأوس والخزرج، أنصار! ويصير بعد ذلك أنصاري، هذا شيئ آخر، هل فهمت؟ لكن إذا قلت لي نصارى ماذا سوف يكون مفردها؟ نصران، نصران من غير ياء النسبة، نصران! والمرأة نصرانة – يذبح لكن على اسم غير الله ممنوع أنت تأكل، انتهى! أنت سمعت الشرك والكفر بنفسك، ممنوع هذا! أما إذا قال هذا في غيبتك لن تكون هناك مُشكِلة إن شاء الله.

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ۩، أيضاً هذه غير واضحة، كيف غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ۩؟ غَيْرَ بَاغٍ ۩ في ماذا؟ وَلاَ عَادٍ ۩ في ماذا؟ البغي! ما سبب البغي هنا؟ سبب البغي أن يجد مندوحةً عن الميتة، موجود هذا! نعم هو مُضطَر وجعان لكن يُمكِن لو تحيَّل وتوسَّل أن يجد طعاماً حلالاً، لكنه غض الطرف عنه وقال سنأكل من الميتة، أحب أن يأكل من الميتة هذه مثلاً، لم يأكل اللحم من مُدة فقل سنأكل من هذه يا جماعة، هذا باغٍ، الله قال أنه باغٍ، لأن هناك مندوحة، ما معنى مندوحة؟ نُدحة، ما معنى نُدحة؟ سعة، الأمر فيه سعة، النُدحة معناها السعة، يُقال لك انداح، وانداح تعني توسَّع، هذا معنى المندوحة، هناك سعة، الأمر فيه سعة، يُوجَد شيئ آخر غير الميتة لكن أنت تركته، تغاضيت وغضيت الطرف وقلت سآكل من الميتة لأنني مُضطَر،  ممنوع! هذا بغي، وَلاَ عَادٍ ۩، كيف يكون العدوان؟ كان ينبغي أن تأكل أربع لُقم أو لُقمتين لكنك أكلت أربعين، أيضاً يُوجَد عدوان هنا، ما هذا؟ هذا البغي وهذا العدوان، هل هذا واضح؟ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ۩، هكذا يكون البغي وهكذا يكون العدوان في هذه المسألة، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، هذا واضح.

۞ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۞ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ۞ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ۞

 كل هذا واضح إن شاء الله.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وشكر الله لكم على حُسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: