الدرس التاسع عشر
تفسير سورة النساء من الآية الثامنة والعشرين بعد المائة إلى آخر السورة

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد بن عبد الله إمام النبيين وقائد المُرسَلين وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً.

أما بعد، أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، إن شاء الله – تبارك وتعالى – اليوم بتيسير الله وتوفيقه نختم سورة النساء، أي تفسير سورة النساء.

۞ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۞

يقول الله – تبارك وتعالى – وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۩، هذه الآية معناها أن المرأة إذا آنست من زوجها إعراضاً عنها ورغبةً عنها – أي عدم محبة فيها وأنه ربما يصير إلى تطليقها – فلا بأس ولا حرج ولا مأثمة في أن تُسقِط عنه بعض حقها، هذا الحق إما أن يكون في البيتوتة – أي تقول له ليس شرطاً أن تبيت عندي كل ليلة، يُمكِن أن تبيت عند أزواجك الأُخريات مثلاً، تُسقِط حقها في البيتوتة – أو حقها في النفقة أو بعض حقها فيها، ويُمكِن أيضاً أن تتنازل له عن جُزء من المهر، على كل حال كل هذه الوجوه هي وجوه صُلح، غير الخُلع، انتبهوا! الخُلع شيئ وهذا الصُلح شيئ، هذا الصُلح جائز، بعض الناس يقول هل هذا جائز؟ نعم جائز، لأن – كما قلت لكم غيرة مرة – هذه الشريعة السمحة شريعة واقعية، كونها مثالية لأنها واقعية، تُراعي الأمور كماهي، لا تُعامِل البشر ولا تتعاطى معهم على أنهم ملائكة معصومون مُنزَّهون أبداً، من الطبيعي جداً ومن المعقول أن الرجل في يوم من الأيام يزهد في زوجته، أليس كذلك؟ أو تخف محبته لها أو ينزع عنها وما إلى ذلك، هذا شيئ طبيعي، مثل هذا الشيئ وقع لرسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، فقد روى الإمام أبو داود الطيالسي رحمة الله تعالى عليه – هذا غير أبي داود السجستاني، أي أنه مُختلِف – في مُسنَده أن سودة بنت زمعة – أم المُؤمِنين سودة بنت زمعة رضيَ الله عنها وأرضاها – شعرت أن رسول الله لما كبرت سنها – أصبحت كبيرة – لا أرب له فيها وأنه ربما يُطلِّقها، خافت أن يُطلِّقها يقول الراوي، فقالت يا رسول الله لا تُطلِّقني وأنا أتنازل عن حقي في البيتوتة، لا أُريدها، أنا امرأة كبيرة ولا حاجة لي في الرجال الآن، أي في الناحية الجُسمانية أو الجسمية، فوافق النبي واحتبسها، وإلا يبدو أن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان يُريد أن يُطلِّقها، لماذا؟ حتى لا يظلمها، لا تأتيه شهوة نحوها، ومن حقها أيضاً ما هو معروف، فلا يُريد أن يقع في الظلم، وهي شعرت بذلك، فقالت له لا، أنا لا أُريد هذا، لا حاجة لي في الرجال، لكن أبقى على اسمك، أي زوجة لك، فتكون زوجته في الدنيا وزوجته – إن شاء الله – في الجنة، سيدة فاضلة سودة، سيدة فاضلة وأم مُؤمِنين عظيمة، رضوان الله تعالى عليها.

في الصحيحين عن عائشة – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – قالت – أي أمنا عائشة – كان رسول الله يقسم لي بيوم سودة، لأنها تنازلت وجعل يومها لأم المُؤمِنين عائشة، فكان لها أكثر من ليلة، ليلتها وليلة سودة بنت زمعة، فجائز إذن، لا حرج على المرأة فيما تنازلت من بعض حقها ولا حرج على الرجل إن أخذ ما تنازلت له المرأة عن طيب نفس، هذا اسمه صُلح، هل فهمتم الآية؟ هذا هو، قال فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۩.

وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ۩، تعرفون ما هو الشح أيها الإخوة، والناس دائماً تأخذهم مشاحة عند الحقوق، الله يعلم ذلك، يقول صحيح، هذا من طبائع النفوس ومن نحائزها، جُبِلت عليه النفوس، لكن الأفضل أن تكون طائلة الشح التفرقة والطلاق أن نتغلَّب على هذا الشح وأن يتحصَّل بهذه الغلبة بعض خير بالصُلح، وهكذا!

قال – عز من قائل – وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ ۩، هذا خطاب للرجال الآن وليس للنساء، قال وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۩، ما معنى الإحسان هنا؟ قال وَإِن تُحْسِنُواْ ۩، بمعنى ماذا؟ تصبروا على هذه الكراهية الفطرية أو الكراهية الطارئة نحو هذه الزوجة – مثلاً – لكبر السن أو لمرض أو لتشوه خلقي أو لأي شيئ، اصبروا على ذلك واقسموا لها بالسوية كالأُخريات، فهذا أحسن، هذا يُعتبَر إحساناً، هذا معنى الآية، قال وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۩.

۞ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ۞

وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۩، قلنا العدل المطلوب من الرجل المُسلِم هو العدل الصوري، العدل في ماذا؟ في النفقة وفي البيتوتة، هذه ليلة وهذه ليلة، ولهذه نفقة بحسبها ولهذه نفقة بحسبها، أي أن هذه – مثلاً – ذات أولاد – أم أولاد – فنُعطيها بحسب أولادها، وهذا غير ذات ولد فنُعطيها على أنها واحدة، هذا هو طبعاً، وهكذا! لكن لو كان لهذه من الأولاد عدد ما لهذه لوجبت المُساواة بين الثنتين من غير تفريق لأنك تميل إلى أولاد هذه أكثر أو إلى هذه أكثر، فهذا لا يجوز، هذا هو العدل الصوري، أما العدل في الشهوة وفي الجماع وفي المجبة القلبية فلا، لا يستطيعه إنسان، وهذا مروي عن أسلافنا الصالحين تقريباً كلهم، الصحابة فمَن بعدهم، لا يستطيع الإنسان أن يعدل في الجماع، لا يستطيع هذا، انتبهوا! هذا عكس الشائع بين الناس جهلاً، يُقال إذا نمت مع هذه فيجب أن تنام مع الأُخرى، هذا غير صحيح إطلاقاً، أي يُقال إذا جامعت هذه يجب أن تُجامِع الأُخرى، غير صحيح! يُقال إذا قبَّلت هذه يجب أن تُقبِّل هذه، وهكذا! قصص نسمعها من الوعاظ، يكسرون بها الظهور، تشعر أنك غير قادر على هذا، وهذا غير صحيح أبداً، موضوع الشهوة وموضوع الجماع وموضوع كذا وكذا لا يُشترَط فيه العدل، لأن هذا ليس بمقدور الإنسان، هذه أشياء فطرية، بواعث غير إرادية، لا يستطيع! كل هذه النزوعات النفسية أمور غير داخلة تحت طائلة الإرادة.

النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كما في السُنن كان يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك، يعني ماذا؟ القلب، المحبة القلبية لا أملكها، لا أستطيع!

قال وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۩، الله يعرف ذلك، العدل المُطلَق مُستحيل في حق الإنسان، غير موجود! قال فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا ۩، أي الأُخرى، أي المرأة الأُخرى التي رغبتم عنها، التي لا تشعرون بإزائها بمزيد محبة، قال فَلاَ تَمِيلُواْ، أي عنها، كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۩، فتُصبِح كأنها لا مُزوَّجة ولا مُطلَّقة، أي تتركها هكذا وربما تهضمها حقها حتى في البيتوتة وربما لا تُحاوِل حتى أن تغلب نفسك على إتيانها وغشيانها، لا يجوز بهذه الطريقة، فتُصبِح كأنها غير مُزوَّجة، الله يقول لا، ليس إلى هذه الدرجة.

روى الإمام أبو داود الطيالسي أيضاً قال – صلى الله عليه وسلم – مَن كان له زوجتان فحاب إحداهما – أي عامل واحدة مُعامَلة زائدة، ظاهرياً أيضاً، ليس باطنياً فقط وإنما ظاهرياً – جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط، في روايات عند غير أبي داود وأحد شقيه مائل، قال هنا وأحد شقيه ساقط والعياذ بالله، يأتي هكذا مُشوَّهاً، لأن معامَلته كانت شائهة، أليس كذلك؟ ليست على العدل، والعدل هو ماذا كما تعرفون؟ اعتدلت كِفتا الميزان – علماً بأنه يُقال كِفة وليس كَفة – إذا استويتا وكانت اللسان بينهما على السواء، أليس كذلك؟ هذا الاعتدال، فأنت إذا عدلت في المُعامَلة تأتي مُعتدِلاً، وإذا حفت تأتي وأحد شقيك ساقط، لأنك كنت شائه المُعامِلة فتأتي شائه الخلقة – والعياذ بالله – يوم القيامة، وهذا تهديد كبير، تهديد عظيم والعياذ بالله تبارك وتعالى.

وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩، واضحة.

۞ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ۞

وَإِن يَتَفَرَّقَا ۩، إذا وقع الطلاق، لأن أحياناً الحياة لا تستمر بغير نصاب قليل من المحبة، طبعاً تعرفون قصة الرجل الذي جاء إلى سيدنا عمر ويُريد أن يُطلِّق زوجته، فقال له لماذا؟ قال لا أحبها، فقال له يا لكع، أي يا رجل يا سخيف، يا لكع قال له، وهل تُبنى البيوت على المحبة فقط؟ أين التراحم؟ أين التذامم؟ أين مُراعاة الذمة؟ تُوجَد عشرة بينكم، وهذه ربما كانت أم ولده، أي أم أبنائه وبناته، هل انتهى الأمر وصرت لا تشعر نحوها بمحبة والآن تُريد أن تُطلِّق؟ أين التراحم؟ قال له، أين الرحمة؟ الله قال مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۩، المودة هي الحب، والرحمة شيئ آخر.

وفي صحيح مُسلِم قال – عليه السلام – لا يفرك مُؤمِن مُؤمِنة إن سخط منها خُلقاً رضيَ منها آخر، أليس كذلك؟ هذا هو، فالموضوع لا يتعلَّق فقط بالمحبة، هناك أشياء أُخرى، هناك التذامم، ما التذامم؟ مُراعاة الذمة، هذه حين تزوَّجتها – مثلاً – كيف كانت معك في البداية؟ كيف كان أهلها؟ كيف يسَّروا عليك في المهر؟ كيف احترموك؟ كيف جعلوك واحداً منهم؟ كل هذا نسيته الآن وتُريد أن تُطلِّق هكذا؟ أين الذمة؟ فعمر لم يُعجِبه هذا المنطق، أي منطق الحب فقط! لا أُحِبها فأُخليها وأُطلِّقها، غير جائز هذا دائماً بالطريقة هذه، لكن على كل حال قال تعالى وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ ۩، ومن هنا يُوجَد موضوع مُهِم جداً يتعلَّق بموضوع التذامم أيضاً والنظر إلى أدبار وفي أدبار الأمور، على الآباء أن يُسهِّلوا تزويج بناتهن وللأسف نضطر أن نقول هذه الكلمة هنا ونحن في الغرب الأوربي، لأن العرب للأسف مازلوا عرباً هنا، يتشبَّثون بعاداتهم الرديئة – أنا أتحدَّث عن العادات الرديئة والسيئة والمرذولة – هنا، هنا يُوجَد عرب – سُبحان الله – بناتهم عوانس – أليس كذلك؟ – وبعضهن يتعرَّضن للفتنة – والعياذ بالله – وهن ولايا ومع ذلك إذا جاء شاب مُسلِم مُحترَم مُتعلِّم ومُتدين يُريد أن ينكح – سُبحان الله – عاملوه كأنه يعيش في صعيد مصر أو في قرى فلسطين أو سوريا، ويتحدَّون عن مُؤخَّر ومُقدَّم وما إلى ذلك، أين تعيشون أنتم يا أخي؟ هنا لا تُوجَد الأشياء هذه، هنا يُطلَب أقل شيئ، هنا – سُبحان الله – الناس تمشي على السُنة، رمز! أعطها شيئاً رمزياً، وأقلهن مهراً أكثرهن بركة، لكن كيف تطلب كأنك تعيش في الصعيد أو في قرى الشام وما إلى ذلك؟ تطلب أشياء غريبة جداً، يا أخي اذهب أنت وابنتك وبعد ذلك انظر ماذا سيكون مصيرها، غلط! يجب هنا أن أقول لأولياء الأمور حقيقةً يجب أن تُسهِّلوا في تزويج وإعفاف بناتكن، امشوا على سُنة رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، هذا هو الدين، هذا هو الدين الحقيقي!

سيدنا عمر في أثر له يقول ولا يزال الآباء – أي الرجال – يذهبون بصدقات نسائهن – أي بنتانهن وأخواتهن – حتى يكون لهن في قلب الرجل العداوة، أي أن الزوج نفسه يهلكونه هلكاً، مطلوب منك كذا وكذا وكذا، وهو مسكين يشتغل ويتعب وبعد ذلك يدفع عرق جبين عشر سنوات اشتغل فيها مرة واحدة من أجل المهر، فهذا يجعل لها في قلبه العدواة، يقول لها كُلِّفت إليكِ عرق القِربة، علماً بأن هذه الكلمة من فصيح الكلام وهي مشهورة جداً في لُغة العرب في الجاهلية، يُقال كُلِّف عرق وعلق – كما قال الميداني على ما أذكر – القِربة، الأصل فيها علق أو عرق؟ عرق، ما معنى عرق القِربة؟ وذلك أن القِربة الكبيرة الملأى بالماء لا يحملها إلا الإماء الزوافر، أي المُهانات الذليلات، هذه شغلتهن، فإذا ما اضطر الرجل الحر الأبي العزيز أن يحمل القِربة كان في ذلك – أي له – ما فيه من المهانة، حين يحملها هذا الرجل وما إلى ذلك يعرق، فهذا معناها، يقول لها كُلِّفت إليكِ عرق القِربة، لأنه يعرق عرقاً شديداً بحمل هذه القِربة، مع ما في ذلكم وذلكن من المهانة وذهاب الكرامة وماء الوجه، فيقول لها كُلِّفت إليكِ عرق القِربة، أي شقيت شقاء التعساء إلى أن استطعت أن أتحصَّل عليكِ، ففي كل شيئ سأتذكر هذا، سيتذكَّر أن هذه مهرها كان كبيراً، وهذا يُورِث العداوة، ولذلك فعلاً أقلهن مهراً أكثرهن بركة، وهذا شيئ مُجرَّب، سُبحان الله!

أنا أعرف قصة لدينا هنا في قطاع غزة عن أحد الإسلاميين ما شاء الله، رجل – ما شاء الله – من خيرة الناس وهو أستاذ جامعي والعائلة – ما شاء الله – كلها مُتدينون ومُتعلِّمون وأناس أصحاب هيئة اجتماعية، وسُبحان الله أعطاهم الله ذكورهم وإناثهم من الجمال ما أعطاهم، شيئ عجيب، سُبحان الله! أخت هذا الأستاذ الجامعي جامعية أيضاً ومُتعلِّمة، هل تعرفون لمَن زوَّجها هذا الاستاذ الجامعي؟ تقدَّم إليه بوّاب الجامعة وهو صديق لنا، بوّاب! لكنه إنسان تقي ومُحترَم وعلى خُلق وشهم، فزوَّجه أخته، وكم تقدَّم لها من أطباء ومن مُهندِسين ومن أساتذة في الجامعة! لم يرض خُلقهم ودينهم فردهم، وزوَّجها من البوّاب، تخيَّل! هذا الدين الحقيقي، وهو ليس أهبل، هو أستاذ جامعي يفهم ما يفعل وهو داعية كبير ورجل مُتعلِّم، هذا الدين، يُوجَد دين حقيقي الآن هنا، كما زوَّج الرسول قريبته زينب بنت جحش لمَن؟ لزيد بن حارثة، وكان مولىً يُعتبَر، وهكذا! هذا الدين، لكن الأخلاق الأُخرى كلها أخلاق جاهلية، والصحيح كما قال ابن القيم في زاد المعاد أن مذهب الإمام مالك – رحمة الله تعالى عليهم أجمعين – يُمثِّل روح الإسلام في هذا الباب، مالك الوحيد الذي قال لا تُوجَد كفاءة إلا بالتقوى، لا تقل لي أسود وأبيض وابن عائلة وهذا غني وهذا فقير، هذا كلام فارغ قال مالك، غير صحيح! والتجارب في حياة رسول الله وأصحابه وأتباعه تُؤكِّد أن الكفاءة في الدين، لا تضع لي أي اعتبار آخر، كل هذا كلام فارغ، لكن لا نُريد أن نُطوِّل، هذا موضوع ثانٍ.

۞ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ۞

 قال وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ ۩، الله يُغني الرجل من سعته ويُغني طليقته أيضاً من سعته، كيف؟ يُيسِّر له مَن هو خيرٌ لها منه – إن شاء الله – ويُيسِّر له مَن هي خيرٌ له منها، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ۩، يضع الأشياء مواضعها، الحكمة أصلها ما هو؟ وضع الشيئ في موضعه، وبالنسبة إلى الرجال هم الذين يجمعون بين الفعل الحسن والقول الحسن، إذا قالوا فعلوا، يُقال الرجل حكيم، ويضعون الأشياء أيضاً مواضعها، يضعون الهناء موضع النقب كما يُقال.

۞ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ۞

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ۩، واضحة، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ ۩، وهذه خير وصية، إذا استوصاك إنسان بماذا تُوصيه أول ما تُوصيه؟ بتقوى الله، لأنها وصية رب العالمين لأهل المِلل أجمعين، لأهل الأديان والكُتب والرسالات، اتَّقُواْ اللَّهَ ۩، هذه هي الوصية، هكذا هي الآية، وَإِن تَكْفُرُواْ ۩، إذن كيف يقول اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ ۩؟ إذن ماذا سيكون أول شيئ من مصاديق التقوى؟ إفراد الله بالوحدانية والعبادة، لذلك قال وَإِن تَكْفُرُواْ ۩، انتبهوا! هذا هو طبعاً، كيف تتقي غضب الله؟ كيف تتقي نار الله؟ كيف تتقي سخط الله؟ كيف؟ بماذا؟ أول شيئ بماذا؟ برأس الأمر، رأس الأمر كله التوحيد وإفراد الله – تبارك وتعالى – بالوحدانية والعبودية والألوهة أو الإلهية، أليس كذلك؟ أهم شيئ هذا، العبادة! فقال وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ۩، لأنه غني، وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ۩، وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ۩، قال الله  فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۩. 

۞ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ۞ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ۞ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ۞

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ۩، إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۩، صحيح، هذا هو! وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ۩، الآية التي بعدها أيضاً واضحة، مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ۩، هذه ترغيب في ماذا؟ في أن يجعل الإنسان أكبر وكده ليس ثواب الدنيا وإنما ثواب الآخرة، لأن ثواب الدنيا قليل في النهاية، مهما كان كله قليل، كله يذهب!

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۞

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ۩، القسط هو العدل كما قلنا، وأقسط الإنسان إذا عدل، أقسط إذا عدل وقسط إذا ظلم، إذن فالهمزة لماذا؟ للسلب، تُسمى همزة السلب، واسم الفاعل من قسط قاسط ومن أقسط مُقسِط، لأن قسط ثلاثي وأقسط رباعي، فإذن هذه قاسط وهذه مُقسِط، قال تعالى وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ۩، أي أما الظالمون، لكن أما المُقسِطون فعلى منابر من نور يوم القيامة النبي يقول، المُقسِطون على منابر من نور يوم القيامة! يعني ماذا؟ الذين أزالوا الجور، هل لهذا في فلسفة اللُغة من دلالة؟ نعم، له دلالة وأي دلالة! ما هي؟ أهم شيئ – ركن العدل – هو كف الظلم، أليس كذلك؟ تُلاحِظون الآن لو الإنسان كف خيره وشره هل تمشي الحالة أم لا تمشي؟ والله تمشي وتكون من أحسن ما يكون، يا أخي كف خيرك وشرك إذن، طبعاً الأحسن ألا تكف خيرك، لكنك غير قادر، النبي قال فإن لم يستطع فماذا يفعل؟ فليكف عن الناس شره فإنه له صدقة، آخر شيئ! أليس كذلك؟ وهو حديث صحيح، في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري، أي أنك غير قادر على أن تفعل أي شيئ فكف يا سيدي شرك عن الناس وكُن في حالك، أليس كذلك؟ كما يُقال ليس من الناس إلا في خير، كُن فقط في نفسك وكف شرك وخيرك، فتصير – إن شاء الله – بهذه الطريقة مُتصدِّقاً حتى، أنت مُتصدِّق بكف شرك، فلو كل البشر كفوا خيرهم وشرهم تمشي – والله – الحياة برحمة الله، فإذن جوهر العدل كف العدوان، وأنتم ترون أن أكثر الظلم الناشئ بين الناس بسبب ماذا؟ بسبب العدوان، العدوان على البُلدان وعلى الأديان وعلى المُقدَّسات وعلى الأعراض وعلى الأموال وعلى الكرامات وعلى الحُريات وعلى… وعلى… وعلى… عدوان! فلو كل واحد كف عدوانه لسارت الحياة بشكل جيد، ولذلك هناك قسط وهناك أقسط، وقالوا إن أقسط بمعنى عدل، كيف عدل؟ بإزالته الجور، إذن لو لم يكن هناك ثمة جور لمشت الحياة بشكل جيد ولكان هناك عدل، أليس كذلك؟ فهذا هو جوهر العدل إذن، ولذلك حتى المُسلِم إذا أراد أن يكون عادلاً أول خُطوة يبدأ بها ما هي؟ أن يكف شره عن الناس، أول شيئ أن تكف شرك، قبل أن تُحاوِل أن تبذل الخير كف شرك عن الناس، ولو اكتفيت بهذا فأنت عادل إن شاء الله، ثم بعد ذلك يأتي الفضل والإحسان ببذل المعروف لأهله.

قال كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ ۩، سيأتيكم – إن شاء الله – لاحقاً في سورة المائدة كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۩، وهناك – لأن ليس عندنا وقت اليوم – سوف نقول لكم لماذا وما الفرق بين  قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ ۩ وبين قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۩، يُوجَد فرق دقيق جداً.

قال كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ ۩، وقال وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۩، ما معنى إقامة الشهادة لله؟ أن نشهد لله – تبارك وتعالى – بمعنى تصحيح الشهادة، بحيث يكون الباعث والنية هي استرضاء الله واستعتاب الله تبارك وتعالى، ومثل هذه النية ومثل هذا الباعث يجعل الشهادة تأتي على وجهها بلا تحريف وبلا لي وبلا زيادة وبلا مُحاباة وبلا نُقصان، وهذه الشهادة المطلوبة، وقد قال – عليه السلام – ألا أدلكم على خيركم؟إن خيركم مَن يُؤدي الشهادة قبل أن يُسألها، إذن تضييع الشهادة مُحرَّم، وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۩، لا تقل لي ما علاقتي؟ كيف تقول ما علاقتك؟ بالعكس! تضييع الحقوق يكون بكلا نوعي الشهادة، بشهادة الزور وبكتم الشهادة، هذا هو طبعاً، الذي كتم الشهادة هو شاهد زور أيضاً، الذي كتم الشهادة هو شاهد زور وقد ذكرنا هذا في سورة البقرة فلا نُعيد.

قال وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ۩، الله أكبر، هذه الآية من أعجب الآيات في العدل، الله يقول تشهد بالعدل وبالقسط حتى لو على نفسك، نعم حتى على نفسك! لا تُحاب، لماذا؟ لأن الحق قديم والحق باقٍ، أليس كذلك؟ الحق قديم والحق من عند الله والحق باقٍ، فهو آثر عندنا من أنفسنا، ما معنى أن يكون الحق آثر عندنا من أنفسنا؟ أنه يُمكِن أن نشهد حتى على أنفسنا، أليس كذلك؟ وحتى على الوالدين – على أبي وعلى أمي – وعلى الأقربين.

ثم قال إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا ۩، أحياناً يأتي الشيطان يُدلِّس ويُلبِّس عليك، يقول لا، هذا القريب – مثلاً قريبك هو ابن عمك أو ابن خالك وما إلى ذلك – فقير وضعيف، لو شهدنا ضده يذهب حقه، لكن هو ظالم، لا! اتركه لله، الله أولى به يا أخي، هل أنت أرحم به من الله؟ وهل أنت أرحم من شرع الله؟ اشهد كما ينبغي أن تكون الشهادة، أد الشهادة على وجهها، كونه فقيراً أو كونه ضعيفاً أو كونه مسكيناً لا يعني ألا تشهد ضده إذا أخطأ، الله يتولاه من دونك إن شاء الله، أليس كذلك؟ هذا معنى الآية، قال إِن يَكُنْ ۩، أي هذا المشهود عليه، غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ۩، بالغني وبالفقير.

فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ ۩، انتبهوا! كما قلنا غير مرة يطرد كثيراً – ليس دائماً وإنما كثيراً جداً وأغلبياً – أن تُحذَف الـ لا، قال فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ ۩، ما معناها؟ أن لا تعدلوا، لأن اتباع الهوى يحملكم على أن لا تعدلوا، فحُذِفت الـ لا هنا، مثل قوله في آخر السورة يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۩، كيف أَن تَضِلُّوا ۩؟ هل الله بيَّن لنا لنضل؟ مُستحيل، يُبيِّن الله لكم أن لا تضلوا، فحُذِفَت أيضاً الـ لا، قال وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ۩، تَمِيدَ ۩ تعني ماذا؟ ترتجف وتضطرب، هل الله ألقى الرواسي لكي تميد بنا؟ لا، ماذا يصير معنى الآية إذن؟ ألقى في الارض رواسي أن لا تميد بكم، هذه لُغة عربية، في الجاهلية كانوا يُعبِّرون بالطريقة هذه، بلاغة! فالشيئ إذا حُذِف وعُلِمَ مكانه مُباشَرةً يُحذَف، العرب دائماً تختصر، دائماً تُحِب الاختصار وتُحِب الاكتفاء، يُوجَد شيئ عندنا اسمه البلاغة، يُوجَد عندنا شيئ اسمه الاكتفاء، يُوجَد عندنا شيئ اسمه الإيجاز، يُوجَد عندنا شيئ اسمه الحذف بضروبه، كل هذا من البلاغة وهو سبيل البلاغة الناهج، ولما سُئل الصاحب بن عبّاد عن البلاغة ما هي؟ قال الإيجاز، تُحاوِل دائماً أن تُوجِز، قيل له مثل ماذا؟ قال مثل هذا، سألتني عن البلاغة فأبلغت في الجواب بكلمة، أليس كذلك؟ يُمكِن أن تسأل واحداً فيُعطيك مُحاضَرة في البلاغة، يقول البلاغة هي كذا والجورجاني قال كذا والسكاكي صاحب مفتاح العلوم قال كذا وكذا، مُحاضَرة! لكن أُريد أن تُعرِّف لي إياها بكلمتين أو بكلمة، الصاحب بكلمة عرَّفها، قيل له ما هي البلاغة؟ قال الإيجاز، قيل له مثل ماذا؟ قال مثل هذا، أي سؤالك وجوابي، أرأيت كيف؟ هذه البلاغة.

قال فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ ۩، كما قلنا قبل ذلك أيضاً لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۩، اللي هو التحريف المُتعمَّد، أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۩.

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا ۞

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، هنا قد يقول لي أحدكم كيف هذا؟ هل هذا من باب تحصيل الحاصل؟ هل هذا تكرار؟ أي هل هو أمر تكرار؟ هو يُخاطِب مُؤمِنين ويقول لهم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ ۩، كيف؟ لا تُوجَد مُشكِلة، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ۩،  أليس كذلك؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، وأنت تقولها وأنت تُصلي أيضاً، أليس كذلك؟ أنت تستهدي الله وأنت في صلاة، تقول له اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، ما معناها في هذه الحالات كلها؟ ثبِّتنا واجعلنا دائمين واختم لنا بهذه المعنى، أي معنى الهداية، معنى الإيمان، ومعنى التقوى، هذا هو معناها، وهذا أيضاً – كما قلنا – يتعلَّق بقاعدة في علم العقيدة وفي التفسير، وهي قاعدة مُهِمة جداً، إذا رأيت أيها الأخ أو الأخت أن الشارع الحكيم قد أمرك بما لا يدخل في التوق والوسع – أي أمرك بالمُحال، وهذا مُستحيل، الله لا يُكلِّف إلا ما كان في الوسع والتوق – ماذا تفعل؟ كيف تحمل هذا الأمر؟ تحمله على أن الله يأمرك بتعاطي الأسباب، أي تعاطي أسباب هذا الشيئ، قال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ۩، مقدور، قال وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ۩، هذا ليس في وسعي، هل بمزاجي أن أموت وأنا مُسلِم أو غير مُسلِم؟ هذا من عند الله، وبالعكس كل المُسلِمين أكثر ما يُخيفهم ويقطع نياط قلوبهم هو الخاتمة، أليس كذلك؟ يخافون من سوء الخاتمة والعياذ بالله، فالله يقول لا، أنت اعمل حتى يُختَم لك بالخاتمة الحسنة، هذا معنى الكلام، معنى وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ۩ اصطنعوا الأسباب وخُذوا بجميع الوسائط والأعمال التي تجعلكم ماذا؟ في أغلب الظن تموتون مُسلِمين إن شاء الله تعالى، لأن – كما قال العلماء – مَن عاش على شيئٍ مات عليه ومَن مات على شيئ بُعِث عليه، فعياذاً بالله من خلاف ذلك، هذا هو هو معناها.

إذن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ ۩، تثبَّتوا، زيدوا هذا الإيمان، حقِّقوه، برهنوه، ودوموا عليه، هذا معناها طبعاً، قال آمِنُواْ بِاللَّهِ ۩، وكان الصحابي المعروف ابن رواحة يقول هيا بنا نُؤمِن بربنا ساعة، فالصحابة انزعجوا وقالوا ما هذا يا رجل؟ نحن مُؤمِنون فكيف يقول هذا؟ ثم ذهبوا إلى الرسول وقالوا له يا رسول الله أرأيت ماذا يقوله ابن رواحة؟ فقال ماذا يقول؟ قالوا يقول لنا هيا نُؤمِن بربنا ساعة! قال يرحم الله ابن رواحة، يُحِب المجالس التي تتباهى بها الملائكة، ماذا كان يقصد بهيا نُؤمِن بربنا ساعة؟ نُجدِّد الإيمان، لأن هذا الإيمان كما رواه البيهقي في شُعب الإيمان يخلق في القلوب كما يخلق الثوب، يبلى! هذا ما يحدث فعلاً، أحياناً تمر على الواحد منا ساعات وأيام أحياناً – سُبحان الله – يشعر نفسه كأنه ملك، أي شيئ يُبكيه، يكون – سُبحان الله – سريع الدمعة، يكون كذا وكذا، يُحِب القرآن، يُحِب الذكر، يُحِب الأشياء الطيبة، شيئ عجيب! وأحياناً تمر عليه أوقات – سُبحان الله – على العكس من هذا، يُصلي ويصوم ويذكر ولا فائدة، القلب كأنه ميت، غائب! أليس كذلك؟ تشعر كأنه مُنافِق وما إلى ذلك، يكون الواحد مُصاباً بقسوة، مُصاباً بجمود العين وبقسوة القلب ولا يعرف لماذا، طبعاً هذا يكون بشؤم الذنوب والتفريط والتقصير في الطاعات، هذا هو طبعاً، هذا يكون عقوبة، فالإنسان تتفاوت أحواله، لكن السعيد حتى إذا فتر يفتر إلى سُنة، انتبهوا! النبي قال لكل عامل شرة ولكل شرة فترة، ما معنى شرة؟ اندفاع وقوة، يقوم الليل ويحفظ القرآن – ما شاء الله – وما إلى ذلك، وبعد ذلك يفتر، هذا طبيعي، هكذا هو الإنسان، يفتر ويضعف، لكن هناك أُناس حين يفتر الواحد منهم – والعياذ بالله – يُجاوِز السُنة وأحياناً حتى يترك الصلاة ويفعل المعاصي، هذا هلك، لكن مَن كانت فترته إلى سُنتي فقد اهتدى، حين ينزل حتى ينزل في نصاب مُعيَّن لا يتعداه، هذا النصاب المُعيَّن لا يُتعدَى إن شاء الله، لا ننزل عنه، فنسأل الله التوفيق لذلك.

قال وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۩، ما معنى هذا؟ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ ۩ هو هذا الكتاب العزيز مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ۩، أي القرآن الكريم، وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۩ ما هو؟ هل هو التوراة أم الإنجيل أم الزبور أم الصحف؟ كل هذا، اسم جنس هنا، الكتاب الثاني هذا – وَالْكِتَابِ الَّذِيَ ۩ – اسم جنس، فكأنه قال والكُتب التي أنزل، اسم جنس فيعم كل الكُتب الإلهية السابقة لأنه اسم جنس، هل هذا واضح؟ لكن لماذا قال في الكتاب الأول وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ ۩ وفي الكتاب الثاني – كُتب أهل الأديان الأُخرى – قال وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ ۩؟ القاعدة لها شذوذات، وهي ليست شذوذات حقيقةً لكنها تحتاج إلى تدقيق علمي دقيق جداً، أحسن مَن فسَّر في ذلك الزمخشري المُعتزِلي – رحمة الله عليه – في كشّافه، القاعدة في ذلك إذا قلنا أَنزَلَ ۩ فيُوحي بإنزال مرة واحدة، وهذا الذي حصل، التوراة، الإنجيل، صحف إبراهيم، وكل هذه الأشياء نزلت جُملة واحدة، وفي حديث عن الأسود عن ابن عباس أنها نزلت كلها في شهر رمضان، لكن في أوقات مُختلِفة، لثنتي أو ثلاث عشرة إلى أربع وعشرين، هكذا قيل، وفي سبع وعشرين القرآن، المُهِم هذا في شهر رمضان، لكن نزلت جُملة واحدة، أي أن التوراة نزلت مرة واحدة، الإنجيل نزل مرة واحدة، الزبور نزل مرة واحدة، وهكذا! القرآن لا، نزل في ثلاث وعشرين سنة، واختُلِف في الكيفية وذكرنا هذا عدة مرة، قيل نزل من السماء السابعة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ليلة القدر جُملة واحدة ثم من بيت العزة في السماء الدنيا على قلب محمد – صلوات ربي وتسليماته وتشريفاته عليه – مُنجَّماً – ما معنى مُنجَّماً؟ مُقسَّطاً، أليس كذلك؟ مرة ومرة ومرة، ليس دائماً، أحياناً تنزل كما رأينا أمس شطر آية وأحياناً كلمة وأحياناً ثلاث كلمات وأحياناً ثمانون آية وأحياناً سورة كاملة، يُقال سورة الأنعام نزلت جُملة واحدة، سورة الأنعام نزلت مرة واحدة، هذه السورة العظيمة الجميلة نزلت مرة واحدة، أول ثلاث وثمانين آية نزلت من سورة آل عمران مرة واحدة، الفاتحة نزلت جُملة واحدة، وهكذا! – في ثلاث وعشرين سنة، وقيل أنزل الله القرآن – أي ابتدأ إنزاله – على قلب محمد ليلة القدر من السماء السابعة، هذا القول الثاني، والأول أشهر ولعله أقوى، والله أعلم!
فمع القرآن إذن قال نَزَّ لَ۩، نزَّله الله، ومع الصحف والكُتب الأولى قال أَنزَلَ ۩، فهو أنزلها، لأنها مرة واحدة، انظر إلى هذا، اللُغة عربية عجيبة، الأستاذ العقاد – رحمة الله عليه – عنده كتاب راقٍ، هذا الرجل كان مُفكِّراً كبيراً بلا شك حقيقةً، عنده كتاب اسمه أشتات مُجتمِعات في اللُغة والأدب، كتاب غريب! وعنده كتاب أغرب منه اسمه اللُغة الشاعرة، كُتيب صغير هكذا في تسعين صفحة، فعلاً يُحاوِل أن يكشف لك عن موسيقا اللُغة العربية، فحين تقول نَزَّ لَ۩ – انظر إلى هذا – تجد أن الكلمة تُوحي بأن الحكاية جاءت مُدرَّجة، كأنك تنزل على درج، لذا قال نَزَّلَ ۩، لكن أَنزَلَ ۩ تُشعِر بأن هذا حدث دُفعة واحدة، اللُغة العربية فيها أشياء غير موجودة في اللُغات الأُخرى، من العجائب! طبعاً اللُغة من سبعة آلاف سنة، وحقيق أن تكون بهذه العبقرية.

قال وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا ۩، هذه واضحة، لكن انظر إلى أن هذه الآية تقريباً اشتملت على خمسة أركان الإيمان، قال وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا ۩، أليست أركان الإيمان هذه؟ موجودة في نسق واحد.

ذات مرة حاورني أحد زُعماء التكفير والهجرة، هو زعيمهم في فلسطين لدينا، أكبر عالم هناك، وهو يقول بأن الحديث الآحاد يُؤخَذ منه عقيدة، فقلت له لا، أنا مع جمهور الأصوليين أن الآحاد لا تُؤخَذ منه عقيدة، قال لي إذن أركان الإيمان كم؟ قلت له ستة، قال لي أين ثبت هذا؟ قلت له في كتاب الله، قلت له هذا في كتاب الله وأتيت له بهذه الآية، قال لي ولكن هذه الآية لا تقول إن أركان الإيمان ستة، لا تقول هذا، قلت له وهل الإيمان بستية الأركان من أركان الإيم انفيدور؟ فأُفحِم مُباشَرةً، لكن هو عنده علم، لأنه لو كان جاهلاً لما فهم كلامي ولجنني، الجاهل تظل تتكلَّم معه ولا يفهم شيئاً، لا يفهم كلامك! قلت له هل الإيمان بستية الأركان من أركان الإيمان فيدور؟ ما معنى فيدور؟ يحدث الدور، الدور المنطقي اسمه، الدور المنطقي! كيف يكون الدور؟ توقف الشيئ على نفسه، مثلاً لو قلنا الإيمان بأن الأركان ستة أركان من أركان الإيمان فسوف تصير الأركان سبعة ولو قلنا أن الإيمان بأنها ستة هو ركن فبهذه السابعة سوف تصير الأركان ثمانية وهكذا، ومن ثم يدور، هذا كلام فارغ، فأُفحِم مُباشَرةً هو، فالعقيدة تُؤخَذ من كتاب الله تبارك وتعالى – أو من الحديث المُتواتِر، لا نأخذها من حديث آحاد، وهذا موضوع طويل.

۞ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ۞ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۞ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۞

قال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ۩، قال بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ ۩ بعدها، إذن هؤلاء مَن؟ أعطاك إشارة بأنهم المُنافِقون، مَن الذي يُؤمِن ثم يكفر ثم يُؤمِن ثم يكفر ثم يزداد كفراً؟ فهمنا كيف آمن وكيف كفر لكن كيف يزداد كفراً؟ قال ابن عباس – وهذا الرأي وجيه ومُهِم جداً أن نعتقده – وتَلميذه مُجاهِد بن جابر تمَّموا فماتوا على ذلك، هذا معنى ازْدَادُواْ كُفْرًا ۩، كيف ازْدَادُواْ كُفْرًا ۩؟  تمَّموا فماتوا على ذلك والعياذ بالله، أي كانوا في الكفر وآخر طور وآخر طبق كان طور الكفر فماتوا على ذلك، هل لهؤلاء توبة؟ ولذلك – انتبهوا – لسنا نُؤيد ما ذهب إليه كثير من أهل السُنة والجماعة من أئمتنا الفضلاء وعلمائنا الأكارم الذين قالوا ليس للزنديق توبة، هذا كلام غير صحيح، الرجل الزنديق الذي يُظهِر الإيمان ويُبطِن الكفر – أي أنه مُنافِق – قالوا ليس له توبة، غير صحيح! القرآن صرَّح بأن للمُنافِقين نفاق العقيدة توبة، وأمس شرحنا الآية، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ۩، صريح القرآن الكريم أن للمُنافِق اعتقادياً توبة، هم أخذوا هذه الآية وقالوا لا، هذه الآية تقول ليس له توبة، لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ۩، إذن لماذا؟ لأنهم ليس لهم توبة، لأن لا تُدرى توبتهم هل هي صادقة أو كاذبة، وهذا الكلام غير صحيح، لماذا؟ لأن تفسير آية ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا ۩ يكون بموتهم، أي ماتوا على ذلك، وهذا صحيح، مَن مات على الكفر فلا توبة له، أليس كذلك؟ لكن لا تقل لي أن هناك إنساناً جاء في يوم من الأيام وقال إنه ندم أو أظهر لنا الندامة وقال أُريد أن أتوب لكننا سنقول له لا، لا تتب وتُضرَب عُنقك، هذا الكلام غير صحيح، وأنا أعتقد أن هذا الكلام استُخدِم سياسياً، انتبهوا! مثل هذه الفتاوى ومثل هذه التوجهات استُخدِمت ووُظِّفت توظيفاً سياسياً، وكم قُتِل من بعض الدُعاة والمُحدِّثين والعلماء بتُهمة الزندقة! والمسألة لم تكن دفاعاً عن العقيدة ولا أن الزندقة كانت حاصلة حقيقةً من هؤلاء وإنما سياسة، حتى الإمام الذهبي – إمام سلفي كبير ورجل علّامة كبير، هذا شيخ الإسلام، وهو مُحدِّث وله إلمام بالفقه، رحمة الله على الإمام الذهبي – حين تقرأ سير النبلاء تجد أنه يقول في ترجمة غير واحد – ذكرتهم مرة بالأسماء، ماذا يقول؟ – ولم يُقتَل ديانةً، إنما قُتِل سياسةً، كان واعياً يفهم اللعبة، أي أنهم ألصقوا له تُهمة الزندقة وأنهوا حياته، مثل خلفاء بني العباس وخلفاء بني أُمية، الذهبي ماذا يقول؟ يقول لم يكن قتل الواحد منهم بسبب الدين، ألصقوا له تُهمة الزندقة، وقتله كان سياسة ولم يكن ديانة.

إذن على كل حال هذه الآية لا يصح أن نستند إليها أو نتوكأ عليها في استنباط الحُكم بعدم قبول توبة الزنديق، غير صحيح! كل إنسان له توبة، ولا أحد يستطيع أن يحول بين الناس وبين التوبة، ونحن لنا بعد ذلك الظاهر يا إخواني، هو تاب وانتهى الأمر، الله – إن شاء الله – يتوب عليه، وبعد ذلك إن ظهر منه شيئ آخر سوف نُعامِله بحسب ما استجد من حاله، أليس كذلك؟ لكن لا نقول لا فليس هناك إلا السيف، هذا غير صحيح!

إذن معنى ازْدَادُواْ كُفْرًا ۩ ماذا؟ ماتوا على ذلك، هذا هو فقط، هذا كلام الحبر وكلام مُجاهِد بن جبر.

قال بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ ۩، هذا هزوء طبعاً، هذه ليست بُشرى، هذا إنذار، قال بَشِّرِ ۩، كيف هذا؟ هل هذا تبشير؟ لا، التبشير لا يكون إلا بالخير.

قال بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۩، مَن هم؟ وصفهم فقال الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۩، إذن هذا فارق ما بين المُؤمِن المحض وبين المُنافِف المُذبذَب، المُنافِق يتخذ أعداء الأمة وأعداء الإسلام والمُسلِمين أولياء له وأوداء وأحباء، أما المُؤمِن فلا يستطيع ذلك، الله يقول لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۩، لا يُمكِن! ليس من طبيعة المُؤمِن هذا، إذا صح الإيمان ورسخ في قلبه لا يُمكِن أن يواد مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۩، لا يُمكِن أن يُحِب الكفّار أعداء الأمة، لا يُمكِن! يُمكِن أن يُحسِن إليهم بالمُعامَلة وبالقسط إذا لم يعتدوا علينا، أهلاً وسهلاً بهذا، فنحن مطلوب منا ذلك، لكن لا يُمكِن أن يستشعر مُوالاتهم ونُصرتهم ويُواصِلهم بأسرار المُسلِمين وخباياهم، هذا مُنافِق، الذي يفعل هذا مُنافِق والعياذ بالله، هو مُنافِق وليعلم أنه مُنافِق، ولذلك كل إنسان جاسوس – Spion – وكل إنسان يكتب لأعداء الأمة مهما الشيطان لبَّس عليه ودلَّس هو مُنافِق – والعياذ بالله – وهو في الدرك الأسفل من نار جهنم فليعلم ذلك، لا يقل أنا أفعل هذا وأتعامل مع المُخابَرات وما إلى ذلك وأتعامل حتى مع السي آي إيه CIA حتى لا ينتشر الإرهاب والفوضى، إرهاب ماذا يا حبيبي؟ هم يعرفون كل شيئ، هل أنت أشطر منهم؟ دعهم يشتغلوا وحدهم، هذا نفاق والعياذ بالله، موجودون هؤلاء المُنافِقون، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ۩ الله قال، توعَّدهم توعّداً أكيداً وهدَّدهم تهّدداً شديداً تبارك وتعالى، لماذا قال هذا؟ قال أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ ۩، وإلى اليوم هذه الآية صادقة، أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ ۩، أُقسِم بالله هناك أُناس يتشرَّفون بالتعامل مع السي آي إيه CIA، أنا سمعت هذا من بعض الناس، قال أحدهم شرف له أن يشتغل مع السي آي إيه CIA، أهذا شرف؟ لا شرَّفك الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، يقول شرف أن يشتغل مع السي آي إيه CIA، شرف لماذا؟ لماذا تشتغل مع هؤلاء الأخساء من أعداء الأمة وتقول إنه شرف؟ ليس شرفاً – أُقسِم بالله – أبداً، وسيذلهم الله، قال فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ – مَن هم؟ المُنافِقون أيضاً، وهذا في سورة المائدة – يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۩، يقول الواحد منهم أنت ترى أن بوش Bush يضرب هنا وهنا وهنا، فنحن نخاف أن تصل إلينا الحكاية، أي أن هذا المُنافِق يُريد أن يُؤمِّن نفسه في المُستقبَل، يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۩، جيد! لكن انظروا إلى الجواب الإلهي، ما أصعبه! غريب غريب غريب الجواب الإلهي، والله عجيب، أُقسِم بالله! ماذا يقول؟ يقول فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ۩، هنا قد يقول لي أحدكم فتح ماذا؟ هل بسيفك الخشبي سوف تُقاوِم الذرة؟ صحيح ليس عندنا القدرة على هذا، نعم أنا أعترف لك بهذا، ليس عندنا قدرة أن نُقاوِم هؤلاء الأمريكان أو أن نُحقِّق نصراً كاسحاً عليهم الآن، لا تُوجَد مُشكِلة، لكن الله ماذا قال؟ لم يقل فقط الفتح بأيديكم، قال أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ۩، انظر إلى الآية العجيبة، أنا هذه الآية كانت عندي دستوراً بعد أحداث سبتمبر، أُقسِم بالله، ورأيت كيف كان الجُبن والنفاق والخوف من بعض المشايخ والناس والكتّاب والصحفيين، رأيت كيف كان ينجم النفاق نجوماً حقيقياً من بعض الناس على ألسنتهم وعلى أسنة أقلامهم – والعياذ بالله – الفاسقة الفاجرة، فهذه الآية كانت هادية لي، كانت نبراساً ومشعلاً – إي والله يا إخواني – ضوّاءً، قال فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ۩، بأيديكم الفتح طبعاً، أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ۩، الله يُغيِّر الموازين ويُغيِّر الأشياء، وطبعاً أنتم تسمعون – وهذه الحكاية لها الآن ما يقرب من سنتين ونصف أو ثلاث – أن هناك جرماً سماوياً كبيراً مُنفصِلاً فعلاً يهوي تجاه الأرض، وقالوا في حدود عشرين سنة – هذا أكثر شيئ – قد يرتطم بنا، وهو يتجه إلى الآن تجاه الأرض، إذا ارتطم بالأرض – قالوا – ولاية مثل كاليفورنيا California ثلاثة أضعافها سوف تُصبِح أثراً بعد عين، المُحيط نفسه – قالوا – سوف تتبخَّر أجزاء منه وتغلي، أي مثل تقريباً مائة وخمسين قنبلة هيدروجينية قالوا، شيئ مُخيف! جسم سماوي صغير يفعل كل هذا، إن شاء الله تُرمى به إمريكا بعون الله تبارك وتعالى، إن شاء الله، وهناك نبؤات عندهم عن هذا في شرح الكتاب المُقدَّس، هذا في شرح الإنجيل، علماً بأنني ذكرت هذا ذات مرة في خُطبة في الصالة قديماً إذا كنتم تذكرون، هناك نبؤات – سُبحان الله – عن ما يحدث، هذه يُسمونها روما الجديدة، كل أوصاف روما الجديدة في شروح الإنجيل – النصارى هم الذين كتبوها وليس لنا علاقة بها، هذه كتاباتهم هم – والله تنطبق على أمريكا – أُقسِم بالله – تماماً، ومكتوب في النبؤة أن روما الجديدة في يوم من الأيام سوف يقول عنها الناس حين يصبحون كيف ذهبت؟  غريب! كيف فنيت؟ ضاع كل شيئ، والتجار سيجلسون ويولولون، لماذا؟ لأن هذه كما تعرفون فيها وول ستريت Wall Street وفيها المال والتجارة – Trade – العالمية، فيجلسون ويخبطون على رؤوسهم ويقولون ضاعت تجاراتنا، ضاعت أموالنا، ضاع رصيدنا، ضاع كل شيئ وانتهى، كيف يحدث هذا في ليلة؟ يستغربون ويُجدِّفون في حق الله، هذا سيحدث بقدرة الله إن شاء الله، بعد ذلك سيهلك المُنافِقون ويخسأون في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى، لكن المُؤمِن يستمد العزة من الله، قُلْ لَنْ يُصِيبنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا ۩، لا يُوجَد شيئ يقدر على أن يُخوِّف المُؤمِن، والله العظيم! المُؤمِن لا يرى نفسه أبداً ضعيفاً، أليس كذلك؟ لا يرى نفسه ضعيفاً كمُؤمِن أبداً، ضعيف سلاحي أو ضعيف في المال أو الجاه، هذا لا يهمني، أنا قوي بالله، أليس كذلك؟ وبماذا يُخوِّفونك؟ بماذا؟ هل يُخوِّفونك بالموت؟ إذا كان في سبيل الله فهو تاج والله العظيم، كل مُؤمِن صادق يتمنى أن يموت وأن يُقتَل وأن يُغتال في سبيل الله فقط، إذا كان من أجل ديني سيحدث لي اغتيال وقتل فهذا أكبر شرف، شهيد وأحسن شهيد إن شاء الله، أحسن من أن يموت الإنسان فطساً، مثل  الذين يموتون فطساً كل يوم، أليس كذلك؟ هناك ميتات هكذا كثيرة – والعياذ بالله – يومياً، ولن تموت إلا بأجلك، ورضيَ الله عن أبي سليمان – خالد بن الوليد سيف الله – حين كان في حمص مُمدَّداً وقال ها أنا ذا أموت في بيتي هذا كالبعير المُعبَّد، وما في جسمي موضع إلا وفيه طعنةٌ برمح أو ضربةٌ بسيف أو رميةٌ بسهم، قال كل جسمي مُخزَّق ومُثقَّب، فلا نامت أعين الجبناء، أي لا أنام الله الجبناء الخائفين قال، يخافون من ماذا؟ قال، وقد خاض مائة وعشرين معركة! سيدنا خالد في الجاهلية والإسلام دخل في مائة وعشرين معركة ولم يُهزَم في معركة، لم يُهزَم مرة لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وخالدٌ في سبيل الله مُذكية، تصوَّر! دخل في مائة وعشرين معركة وكان يتمنى الشهادة ولم يمت شهيداً، مات هكذا بشكل عادي! وكان يقرأ القرآن ويبكي، يقول آه ألهاني عنه الجهاد، قال لم يكن عندي وقت للقرآن، أُحِبه كثيراً لكن لم يكن عندي وقت، دائماً في الجهاد، رضيَ الله عنه وأرضاه وأعلى مقامه في عليين، سيف الله المسلول هذا، قال فلا نامت أعين الجبناء، هؤلاء خوَّافون، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۩، هؤلاء مُنافِقون، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۩، يقول الواحد منهم سوف يأتون إلينا، سوف يُفتِّشون، سوف يعتقلون، يا شيخ اذهب!

قال فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ۩، نسأل الله أن يُعزِّنا بالإسلام وأن يملأ قلوبنا من خشيته وحده تبارك وتعالى، لا من خشية غيره. اللهم آمين يا الله بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا.

قال أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۩، وسوف ترون – إن شاء الله – كيف في أقل من سنة سيُستذَل أنف بوش Bush وكيف سيخسر كل شيئ وكيف سيُبهدَل، وهذا بدأ يظهر الآن، وبعد ذلك سيُعِز الله المُقاوِمين المُجاهِدين والمُسلِمين بإذن الله تعالى، كل شيئ سيتغيَّر.

۞ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ۞ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ۞

قال وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ ۩، أين نَزَّلَ ۩ علينا إذن؟ هل في هذه السورة؟ لا، هذه السورة – كما تعرفون – النساء، على الصحيح – كما قلنا – خلافاً للنحاس وقوله شاذ هي مدنية، لكن هناك سورة نزلت جُملة واحدة وهي مكية، ما هي؟ الأنعام، الأنعام قلنا إنها نزلت جُملة واحدة، والله ماذا أنزل فيها؟ ماذا يقول تبارك وتعالى؟ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۩ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۩، هذا ما معناه؟ هذا هو المُحال عليه، الله يُحيل على شيئ، يقول أنا قبل ذلك قلت لكم، وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ۩، متى يا رب؟ في الأنعام قال، أنا الآن أتكلَّم في سورة النساء وهي مدنية، في الأنعام وهي مكية الله أيضاً تكلَّم نفس الكلام، ماذا قال؟ إذا رأيتم أُناساً يخوضون في آيات الله بالهزؤ والسخرية ممنوع أن تجلسوا معهم ويجب أن تقمعوهم ويجب أن تقفوهم، وإن لم يفعلوا فماذا تفعلون؟ غادروا المجلس مُباشَرةً، وبعد ذلك ذنبهم – كما يُقال – على جنبهم، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ۩، لا يُوبِقون إلا أنفسهم، وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۩، تُذكِّر الواحد منهم وتقول له اتق الله وهذا لا يجوز وما إلى ذلك، إذن الآية من قديم نزلت، مرة أُخرى قال هذا لأن المُنافِقين كانوا يسيرون في عكس هذه الطريق تماماً، أينما وُجِدَ استهزاء بالإسلام وبالقرآن وما إلى ذلك يجلسون، أليس كذلك؟ علماً بأن بعض الناس أحياناً يقع في هذا الشيئ دون أن يدري والعياذ بالله، انتبهوا! يأتي أحدهم ويتكلَّم على الإسلام ويقول لك ما هذا يا أخي؟ ما هذا الظلم؟ أستغفر الله العظيم، الميراث كذا وكذا، ما هذا الظلم؟ يصف شرع الله بالظلم، أنت كفرت، انتبه! أنا لا أُحِب التكفير ولا أُحِب أبداً هؤلاء الذين يُكفِّرون الناس، لكن هذا كفر، لو وصفت شرع الله في أي باب من الأبواب بأنه مسخرة أو بأنه ظلم أو بأنه وحشية – كأن تقول يا أخي الحدود وقطع اليد كذا وكذا، ما هذه الوحشية؟ – تكفر، أتقول وحشية؟ كفرت، انتبه! إياك وقلة الأدب مع الله، لا يُمكِن! هذا رب تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ هذا رب، إله هذا، لا تتدخَّل كأنك تتكلَّم عن حسن حنفي أو عمانوئيل كانط – إيمانويل كانط Immanuel Kant – أو أينشتاين Einstein ومَن مثلهم، أنت تتكلَّم عن رب العزة تبارك وتعالى، ألا تخاف من أن يخرسك الله؟ يُمكِن أن تُخرَس في لحظة، ألا تخاف من أن يشلك الله؟ ألا تخاف من أن يُدمِّرك الله ويُدمِّر ذُريتك وربما يكون هذا حتى في الدنيا؟ اتق الله ولا تلعب، هذا لا يُمكِن، انتبه! إلا الكلام مع الله تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ إلا الكلام مع الله.

ذكرت لكم مرة قصة حكاها الإمام القاضي عياض في الشفا عن أحد علماء المالكية الكبار في الأندلس، رجل هكذا من المُسلِمين لما نزل المطر – والمطر احتبس عنهم فترة طويلة، وهذا كان في سوق الجزّارين – سخر، ماذا قال؟ قال ها هو الجزّار رمى إلينا بجلوده، أستغفر الله العظيم! شبَّه ربنا بالجزّار وقال ها هو حن علينا، فبعض الناس اقشعر بدنه من هذه الكلمة، يا أخي كيف تحكي عن ربنا بالطريقة هذه؟ يا أخي ما هذا الكلام الفارغ؟ فذهب ورفع الأمر إلى القضاء، علماء كثيرون قالوا الرجل لم يقصد هذا وكذا وكذا، وجاء عالم كبير – أعلمهم – فقال لا والله، وبدأ يبكي العالم وتأثَّر، قال ربنا عبدناه ووحدَّناه، يُسخَر به ويُستهزأ ونحن أحياء؟ والله هذا لا يكون، فالخليفة تأثَّر وقال يُضرَب عُنقه، قُتِل مُباشَرةً! هكذا الانتقام لعزة الله، لا تلعب مع الله تبارك وتعالى، هذا رب قدير، أليس كذلك؟

الإمام النووي – رحمة الله عليه – له كتاب اسمه بُستان العارفين، يحكي فيه عن أحد هؤلاء أيضاً من أصحاب الهزؤ والمسخرة، كان يُماشي طلبة علم، وأحد طلبة العلم استذكر الحديث المشهور الذي رواه الترمذي والإمام أحمد وغيرهما، قال مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له طريقاً به إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها في رضا لطالب العلم بما يطلب، فماذا قال هذا ساخراً؟ قال ارفعوا أقدامكم حتى لا تكسروا أجنحة الملائكة، فيبست رجله، صارت مشلولة في نفس اللحظة، أليس كذلك؟ أرأيت؟ لا يُوجَد لعب في الدين، لا تلعب! ولذلك أنا حذَّرت أكثر من مرة – وأعوذ بالله من كلمة أنا – من النكات القذرة التي هي فعلاً مساخر وتكون دينية، أي نكات دينية، مثل قال له خُذها يا موسى فقال له خُذها أنت وقال غُلِبت الروم فقال كذا وكذا، إلى آخر كل هذا الكلام الفارغ، إياكم إياكم أن تتداولوا هذه النكات الفارغة، تكون على الإنترنت Internet أحياناً وهي عن كتاب الله أو عن الرسول أو عن الصحابة أو عن أمهات المُؤمِنين أو عن آيات قرآنية، لا يجوز! نكِّت وامزح في غير هذا الكلام، هذا ليس للمزح، هذا قول ثقيل، أليس كذلك؟ قول ثقيل.

الإمام مالك رأى واحداً يدفع إلى واحد اسمه يحيى كتاباً، يقول له يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۩، قال تُقطَع يده، اقطعوا له يده، هل أنت تضع نفسك مكان ربنا وتقول له يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۩؟ ما الكلام الفارغ هذا يا أخي؟ قرآن هذا، وذات مرة قال له أحدهم وهو يسير في الشارع يا أبا عبد الله أسألك مسألة خفيفة، فغضب وانتهره، قال له ليس في الدين شيئٌ خفيفٌ، أتأتي وتسألني في الشارع هكذا؟ فتوى على السريع! أي أنه يُريد فتوى على السريع – Express – كما يُقال، هيا أجبني، قال له ليس في الدين شيئٌ خفيفٌ، أما سمعته – عز وجل – يقول إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ۩؟ ولذلك ما معنى خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ۩؟ خذوا الكتاب بقوة، أي بجد، الدين يُؤخَذ بجد، وعندك دائرة كبيرة جداً لكي تمزح وتتمسخر فيها فيما عدا الدين، اذهب تمسخر وامزح في أي شيئ آخر إلا مع الله ورسوله وآياته، لأن هذه من صفات المُنافِقين، انتبه! يُمكِن أن يحبط عملك وأنت لا تشعر، أليس كذلك؟ كل عملك هذا يُمكِن أن يُحبَط وتبقى السيئات فتدخل جهنم بكلمة الشيطان ينزغك فيها، إلا الدين! نسأل الله العصمة والتسديد.

قال وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۩، مِّثْلُهُمْ ۩ في ماذا؟ في المأثمة، نفس الإثم الذي عندهم سيلحقكم والعياذ بالله، وليس الكفر أو النفاق، انتبهوا! مِّثْلُهُمْ ۩ لا تعني أنكم ستُصبِحون مُنافِقين، لكن قال مِّثْلُهُمْ ۩ في الإثم. 

إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ۩، واضحة!

مَن هم هؤلاء المُنافِقون أيضاً؟ هناك صفة أُخرى أيضاً، قال الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ۩، ينتظرون ويتحينون الفرص، فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ ۩، أي إذا كتب الله لكم الظفر والغلبة والنصر في معركة، ماذا قالوا؟ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۩، نحن معكم ونُؤيِّدكم، نحن مُسلِمون والحمد لله، وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ ۩، أي إذا أدال الله عليكم وجعل الدولة للكفّار، ماذا قالوا؟ قَالُواْ ۩، أي للكافرين، أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۩، قال الله اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۩، ما معنى الاستحواذ؟ الاستيلاء هكذا والغلبة، كيف نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم ۩؟ يُذكِّرونهم ببعض أفضالهم، المُنافِقون يُذكِّرون الكفّار ببعض أفضالهم، قالوا في بعض المواقع وفي بعض الوقائع حين غلبنا عليكم واستحوذنا عليكم نحن طلبنا أن يُفَك أسيركم وألا يُقتَل مَن وجب قتله منكم وكاتبناكم أيضاً بأسرار المُسلِمين في لحظات الاستحواذ، في لحظات ضعفكم، فاذكروا أيادينا البيضاء وصنيعنا عندكم، هذا معنى الآية، أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۩، منعنا قتلكم وسعينا في تحرير أسراكم وصانعناكم بالكتابة وبكشف أستار المُسلِمين.

قال تعالى فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ ۩، هذه صريحة في أن المُنافِق كافر، أليس كذلك؟ لم يقل للمُنافِقين وإنما قال لِلْكَافِرِينَ ۩، لأنهم كفّار طبعاً، عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ۩، روى الإمام عبد الرزّاق الصنعاني في المُصنَّف أن رجلاً إلى الإمام عليّ – كرَّم الله وجهه – وقال له يا أبا الحسن هذه الآية كيف هي؟ أي قال له أنا لا أفهمها، اشرحها لي، قال له كيف هي؟ ما هي؟ قال له وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ۩، طبعاً هذه الآية تُثير القلق، لماذا؟ نحن الآن نرى – والله – سبيلاً لشارون Sharon علينا، أليس كذلك؟ يُوجَد سبيل لبوش Bush علينا، كيف إذن والله يقول وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ ۩؟ أي أنها تُشكِّك، كأن الآية تعني أن المُسلِم لابد أن يكون دائماً مُنتصِراً، لابد أن يبقى مُنتصِراً، لابد أن يظل مُنتصِراً، والواقع يقول عكس ذلك! فقال له كيف هي؟ فقال له ادنه ادنه، هذه الهاء يُسمونها هاء السكت، ادنه من الدنو، يقول له ادنه ادنه، أي تعال تعال، سوف أُفهِمك قال له، فقرَّب منه، فقال له قال الله تعالى فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ۩، هذا هو فقط، هل فهمت؟ أفهمه أن هذا الكلام ليس في الدنيا، هذا في الآخرة، تقول الآية هذا بشكل واضح، وما هو السبيل؟ الحُجة، أي لن يجعل ولن يُفلِج حُجتهم على حُجة المُؤمِنين، بل ستكون حُجتهم هي الداحضة، أليس كذلك؟ وهي الساقطة، ولن تقوم لهم حُجة إن شاء الله، فهذا واضح، ومثل هذا يُروى عن ابن عباس وعن غيره أيضاً، أي يُروى عن الإمام عليّ وعن ابن عباس وعن غيرهما، قال العلماء – بعض المُفسِّرين – ولا مانع، أي أن الآية تحتمل أيضاً أن هذا له مصداق في الدنيا، هذا مُمكِن! وهذا الكلام أيضاً معقول، كيف؟ كيف وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ۩؟ بمعنى ماذا؟ أن تُوجَد سبيل كاملة، لا! لن تُوجَد سبيل كاملة بحيث إنهم يجتثونهم من أصولهم ويُبيدون خضراءهم، وهذا صحيح، وهذا مذكور في حديث ثابت في الصحيح، حديث سألت ربي ثلاث خصال، أليس كذلك؟ فهناك خصلة أعطاه الله إياها تتعلَّق بموضوعنا، ما هي؟ قال وسألته – تبارك وتعالى – ألا يُسلِّط عليهم عدواً من غيرهم – أي من خارج أنفسهم – فيستـصل شـفتهم، أمة محمد لا تبيد بيد عدوها، انتبهوا! والله العظيم لن يحدث، وقال النبي ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها حتى يكون بعضهم هو الذي يقتل بعضاً، أي أن مُشكِلتنا بين أنفسنا النبي قال، وهذا صحيح، أكثر هزائمنا وأكثر مقابحنا وأكثر شنعاتنا وأكثر… وأكثر… وأكثر… بسبب أنفسنا، من الشعوب ومن الحكّام، سُبحان الله! وكما قال الشيخ المُصلِح محمد رشيد رضا ما ضاعت للمُسلِمين أرض ولا ذهبت لهم دولة إلا بخيانة حكّامهم وعبر التاريخ، سُبحان الله! عبر التاريخ – والله العظيم – بسبب خيانة الحكّام، الأمة لا تكون خائنة أبداً، أمة محمد خير أمة، لا تكون خائنة أبداً ولا تكون مخذولة، الآن انظر ما شاء الله إلى إخواننا في العراق، والله العظيم أكَّدوا هذا المعنى، والآن أعداؤهم بدأوا يعترفون، أشرس الشعوب وأقوى الشعوب نفساً في الجهاد والنضال والمُقاوَمة أي الشعوب بحسب ما يقولون؟ العربية، نحن نقول الإسلامية، الأمة الإسلامية أو الشعوب الإسلامية عندها قدرة على النضال والجهاد لا مثيل لها، شيئ غريب يا أخي ومُخيف، وسوف تظل هكذا إلى يوم الدين، قال والجهاد ماض، لا يُبطِله جور جائر ولا عدل عادل، موجود! مع العادل موجود ومع الفاجر موجود، وسوف يظل موجوداً إلى يوم الدين، والخيل مربوط بنواصيها الخير إلى يوم القيامة، أي يُوجَد جهاد دائماً، تُوجَد حركة إلى يوم الدين، الحمد لله، لكن السبب خيانة الحكّام.

فإذن هذه أعطاها الله لرسول، أقصد ماذا؟ أن هذه الامة لا تُستأصل شأفتها بيد عدوها، مُستحيل، لا تُستأصل، طبعاً يُدال عليها وتُغلب لكن لا تُستأصل، حتى الأنبياء كانوا هكذا، أليس كذلك؟ ثم تكون لهم العاقبة، أليس كذلك؟ ثم تكون لهم العاقبة، والعاقبة للمُؤمِنين إن شاء الله تعالى، لكن هذه الأمة أمة خالدة، لن تفنى بإذن الله.

۞ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ۞

قال إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ۩، مثل آية البقرة، وَهُوَ خَادِعُهُمْ ۩، من جهلهم وقلة علمهم – والعياذ بالله – وضيق أعطانهم ومداركهم يحسبون أن أمرهم يروج على الله كما راج على بعض الناس في الدنيا، والعجيب أن هذه الجهالة يستصحبونها حتى في الآخرة في أرض الحساب، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ۩، حتى في يوم القيامة سوف يحلفون، والله يا ربنا، والله! الله سوف يقول ما هذا؟ هؤلاء مجانين وأغبياء وحمقى، هذا هو طبعاً، فيحسبون أن أمرهم يروج على الله في الدنيا والآخرة كما راج على بعض المُغفّلين والمساكين من الناس، مُستحيل! الله قال وَهُوَ خَادِعُهُمْ ۩، في الدنيا خَادِعُهُمْ ۩ وفي الآخرة أيضاً خَادِعُهُمْ ۩، ولا نُريد أن نأتي الآن بأدلة، هناك أحاديث كثيرة وآثار تقول كيف يخدعهم الله في الآخرة، من أقواها أنه يُمنيهم الجنة ودخولها، أليس كذلك؟ وهكذا يُستدرَجون حتى يروا باب الجنة، ثم يرون ما فيها من نعيم ومن أثمار ومن أزهار ومن أنهار جارية مُطرِدة فيفرحون جداً، حتى إذا أوشكوا على الدخول أُغلِقت، هيا ارجعوا، قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ۩، فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها، وهكذا الله يسخر منهم، كما كنتم تسخرون أنا الآن أُريد أن أسخر منكم، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

من صفاتهم وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ ۩، في الصحيحين قال – صلى الله عليه وسلم – أثقل صلاة على المُنافِقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، قال لأتوهما ولو حبواً، لكن هم مُنافِقون، لا يُحِبون العشاء لأنها كما تعرفون في آخر الليل ولا يُحِبون الصبح لأنهم ينامون حينها، أي في عز النوم كما يُقال، لأنهم مُنافِقون، والذي عنده الصفات هذه ينبغي أن يخاف على نفسه لأن فيه بعض صفات المُنافِقين، كالذي يتكاسل عن العشاء وعن الصبح – والعياذ بالله – وتجده نشيطاً في أمور أُخرى، ثم إن حتى الصلوات الأُخرى أيضاً لا يقومون إليها بتهمم حقيقي، يقوم الواحد منهم هكذا مُراءةً للناس، حين يكون المُنافِق وحده لا يُصلي، المُنافِق الكافر يستحيل أن يُصلي، حين يكون وحده لا يُصلي لكن حين يكون مع الناس يُصلي، انتبه! مع الناس يُصلي لكن أيضاً مُتكاسلاً، أي يقوم مُتكاسِلاً.

روى الإمام مالك في مُوطئه وغيره – هذا إسناده صحيح ولا كلام فيه – قال – صلى عليه وسلم – تلك صلاة المُنافِق، تلك صلاة المُنافِق، تلك صلاة المُنافِق، ينتظر الشمس حتى إذا صارت بين قرني الشيطان قام فركع أربعة لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، وقالها النبي ثلاث مرات، قال هذه علامة المُنافِق، هذه صلاته، هذه صلاته، هذه صلاته، أي المُنافِق، كيف؟ ينتظر الشمس حتى إذا صارت بين قرني الشيطان قام فركع أربع ركعات لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، أي بسرعة! فهذه أيضاً صفة سيئة، قال وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ۩، هذه إما أن تكون الظهر وإما أن تكون العصر، لكن الأوجه أن تكون الظهر لأن الشمس تكون فعلاً بين قرني الشيطان، وطبعاً الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغيب بين قرني الشمس، فتُفسَّر أيضاً بالعصر، لا مُشكِلة، هذا جائز.

۞ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ۞

قال مُّذَبْذَبِينَ ۩، ما معنى مُّذَبْذَبِينَ ۩؟ أي يعيرون، مرة إلى هنا ومرة إلى هنا كما تعرفون، كالنوّاس! هل تعرفون النوّاس؟ نوّاس الساعة! ينوسون مرة إلى المُؤمِنين وينوسون مرة إلى الكافرين، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مثل المُنافِق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تدري مع أيها تكون، أي مثل شاة تائهة، مضروبة بالتيه والخبل، مرة تذهب مع هذه الجماعة من الشياه ومرة تذهب إلى جماعة أُخرى، تعير مرة هنا وتعير مرة هناك، لذا قال الشاة العائرة، تنحاز مرة إلى هذه وتنحاز مرة إلى هذه ولا تعرف تكون مع مَن، لا تعرف أن تقطع بوجهة واحدة فتكون في جهة مُعيَّنة وينتهي الأمر، وكذلك المُنافِق، أليس كذلك؟ انتبهوا!

بالمُناسَبة درس نفسية النفاق وعلامات أو علائم المُنافِقين أمرٌ مُهِمٌ جداً جداً أن يقوم به كل واحد منا لنفسه عند قراءة كتاب الله، يُجمِّع هذه الأشياء وينظر إلى نفسه، يقوم بعمل معيار – مفرد معايير Norms – ويقول هل في هذا الشيئ أم لا؟ إذا وجد أن هذا الشيئ فيه يقول أستغفر الله، لابد أن أتغلَّب عليه، يقول لنفسه هل صلاتي كذا وكذا؟ هل عندي وجهان؟ هل عندي لسانان؟ هل أنا مُذبذَب فمرة أشعر بأن قلبي مع الأمريكان ومرة على اليهود ومرة مع الأمة ومرة مع كذا وكذا؟ انتبه! هذا خطير، حاسب نفسك حساباً قرآنيا لتعرف نفسك وتعرف هل أنت مُؤمِن محض أو مُؤمِن مشوب والعياذ بالله من الشوب في الإيمان، قال مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء ۩.

قال وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ۩، نفس الشيئ.

۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ۞

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ۩، نفس الشيئ أيضاً، هذه آيات الولاية وقد شرحناها غير مرة.

۞ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ۞ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ۞

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ۩، النار دركات كما أن الجنة درجات، قال ابن عباس أي في أسفل النار، فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ۩ أي في أسفل النار، أشد من الكفّار! أرأيت؟ الكفّار عندهم دركات، يُمكِن أن يكونوا في دركات أعلى، إلا المُنافِق في العقيدة، فهو في أسفل دركات نار جهنم والعياذ بالله، وهو يستأهل!

قال وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ۩، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ ۩، هذه مرة أُخرى حُجة على بعض علماء السُنة، أليس الآن للمُنافِق توبة إذا أراد أن يتوب؟ له توبة، واضح أن له توبة يا أخي، لا تقل لي ليس له توبة.

إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلَّهِ ۩، لأن حقيقة النفاق تُضاد حقيقة الإخلاص ولا تُجامِعها، فهم الآن بدأوا يتحقَّقون بالحقيقة المُضادة وهي الإخلاص لله – تبارك وتعالى – وأصلحوا من أحوالهم واعتصموا بالله وجعلوا عزتهم وثقتهم بالله.

بالمُناسَبة التوبة والإصلاح والاعتصام والإخلاص لو دقَّقنا – لكن ليس عندنا وقت لكي نُدقِّق الآن – فيها لوجدنا أنها أوصاف تأتي على أضدادها مما تقدَّم في الآيات، سُبحان الله، شيئ غريب! جرِّبوا وسوف ترون هذا، لكن هذا يحتاج إلى وقت، التوبة والإصلاح والاعتصام والإخلاص!

قال فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۩، حسابهم حساب المُؤمِنين، وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ۩، ما هو الأجرالعظيم؟ الجنة، وبعد ذلك هناك أشياء أُخرى غير الجنة، لكن أول شيئ الجنة.

۞ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ۞

ثم قال مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ ۩، هذا التعزيز لتصحيح توبة المُنافِق، هذا هو، مرة أُخرى ماذا يقول؟ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ۩، يشكر مَن شكر ويشكر الخير، قال فشكر الله له فغفر له، أليس كذلك؟ فأدخله الجنة في رواية، هكذا يشكر مَن شكر، هذا معنى أن الله – تبارك وتعالى – شاكر، يشكر مَن شكره ويجزيه خير الجزاء ويوفيه أجره كاملاً غير منقوص.

قال مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ ۩، ليس بالله حاجة أن يُعذِّب عباده فيحول بينهم وبين التوبة، بالعكس! مَن يتب يتوب الله – تبارك وتعالى – عليه.

۞ لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ۞

لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ۩، هذه الآية قيل في تفسيرها أن معنى لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ ۩ أي الدعاء على غيرك، مثل اللهم أهلكهم، اللهم أذهب كذا وكذا، الله قال هذا ليس جيداً، إِلاَّ مَن ظُلِمَ ۩، فمَن ظلمك جاز لك أن تنصف منه بالدعاء، كأن تقول اللهم انتصر لي منه، قال الحسن البِصري لا تدع عليه – هكذا دعوة – وإنما قل اللهم انتصر لي منه وسُق لي حقي أو خلِّص لي حقي، لكي تكون عادلاً حتى في الدعاء، انتبه! لا تقل اللهم اهتك كذا أو اللهم دمِّر ذُرياته وما إلى ذلك، أنا رأيت أحد الجهلة كان عنده مشاكل مع ناس فدعا أن يعدمهم الله ابنهم، فقلت له لا يا أخي، لا تقل هذا، ما هذا؟ لماذا تدعو بأن يعدمهم الله ابنهم؟ هذا المسكين قد يكون إنساناً صالحاً، هذا طفل كيف تدعو عليه لأنه ابنهم؟ ادع على الظالم، ادع عليه – انتبه – ولا تتعد، قال – تبارك وتعالى – ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۩، حتى الاعتداء في الدعاء الله لا يُحِبه، قد يُوجِب البُغض من الله لك، انتبه! كيف؟ هو ظلمك في شيئ، فمثلما قال لك الإمام الحسن البِصري – هذا رجل صالح فانتبه – افعل، قال لك ادع بمقدار المظلمة، قل اللهم انتصر لي منه، وسوف ينتصر لك بمقدار مظلمتك، قل اللهم خلِّص لي حقي منه، وسوف يفعل، هذا صحيح وهو جيد، فيجوز لك أن تدعو على مَن ظلمك، ودعوة المظلوم مُستجابة.

أيضاً فسَّرها بعض العلماء بنحو آخر، وهذا كله جائز، فالآية تعم ذلك، فسَّروها بماذا؟ بالتظلم، الإنسان حين يذهب إلى القاضي فإنه يُريد أن يتظلَّم، أليس كذلك؟ فمن المُمكِن أن ينطق ببعض السوء، كأن يقول فلان البعيد معروف أنه أكّال للحرام وواسع الذمة ومُخرَّق الدين، وهو يرتكب الفواحش وليس له شهادة، واسأل عنه أيها القاضي يقول له، اسأل عنه الناس واستشهد عليه، أنا لا أقصد أن أغتابه لكن أنا أُريد أن أتظلَّم عندك وأقول لك ما وضعه، هذا يجوز لكن بمقدار الحاجة أيضاً، تغتابه وتذكر سوءته بمقدار الحاجة ولا تُبالِغ وإلا تأثم مُباشَرةً، فهذا يجوز! كما قلت هند لرسول الله – وهذا حديث صحيح – يا رسول الله إن أبا سُفيان رجلٌ شحيحٌ، فهي اغتابته، أليس كذلك؟ نطقت بالسوء في حقه، لكن في مقام ماذا؟ التظلم، هذا في مقام التظلم، إذا لم يكن مقام تظلم بين قاضٍ يستطيع أن يُخلِّص لك حقك وأن يُنفِذ حُكم الله ممنوع وتُعتبَر غيبة، تخيَّل! ممنوع هذا، لأن ما الفائدة؟ سوف تبدأ فقط تقرض أعراض الناس وتتكلَّم عنهم حتى لو اساءوا إليك لكن من غير أن ترجع لك الحقوق المهضومة، ممنوع! لا يُمكِن، سوف تقع في الغيبة، الدين دقيق في هذه الأشياء.

۞ إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ۞

إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ۩، الآية واضحة، ليس فيها شيئ صعب.

۞ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ۞ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ۞

قال إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ ۩، كيف التفرقة هذه تكون؟ كيف؟ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ۩، الله قال أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ۩.

كيف إذن؟ كيف يكون التفرقة بين الله ورُسله؟ انتبهوا! رُسل الله جميعاً مَن الذي أرسلهم؟ الله، محمد من عند الله، وكذلك موسى، عيسى، إبراهيم، إدريس، نوح، لوط، وإلى آخره، كلهم من عند الله تبارك وتعالى، فالذي يقول أُؤمِن بهذا وأكفر بهذا هو كافر بالله تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ مُكذِّب، لأن كل رسول ما بعثه الله إلا أقام له مُعجِزةً وبيّنةً تُؤكِّد أنه رسول صدقاً وحقاً من عند الله، وكما قلنا في تعريف المُعجِزة المُعجِزة نفسها في النهاية تقوم مقام قول الحق جل شأنه وعز مجده، صدق عبدي فيما أخبر عني، وأنت كذَّبت هذا الرسول بعد أن أتاك بتصديق دعواه وزعمه النبوة والرسالة، فأنت كافر بالله إذن، فالكفر بالرُسل كفر بالله، والكفر بواحد من الرُسل كفر بالله وبالرُسل جميعاً، لأنه كفر بمَن أرسلهم، مثل واحد ولله المثل الأعلى – خُذوا هذا المثال لأنه سيُوضِّح لكم المعنى – يقول فلان هذا سيد جليل وأنا – والله – أحترمه، رجل طيب وذُريته طيبة، ثم يقول لأحدهم ابن مَن أنت؟ فيقول إنه ابنه، فيقول له أنت – ما شاء الله – كذا وكذا، ثم يأتيه واحد آخر من أبنائه فيقول له ابن مَن أنت؟ فيقول له إنه ابن فلان، فيبصق عليه ويقول له لا مساك الله بالخير، خرَّب الله بيتك وبيت أصلك، أنت كذا وكذا، ولو بلغت هذه المسبة وهذه المنقصة أباه ألا يغضب؟ يغضب غضباً شديداً، لا تقل له لكن يشفع لي أنني أكرمت بقية أبنائك، كيف أكرمتهم؟ هذا ابني أيضاً، هو من صُلبي وأنت بصقت في وجهه، هذا يعني أنك انتقصت مني، هذا نفس الشيئ ولله المثل الأعلى، أليس كذلك؟ أصبحت واضحة، فحين تحترم خمسة أنبياء وتكفر بواحد لن ينفع هذا عند الله، الله سوف يقول لك أنت كفرت بالجميع وتعديت على الله نفسه وكفرت بالله، هذا هو التفريق بين الله ورُسله، كلهم من عند الله وأنت تقول أُؤمِن بهذا وأكفر بهذا، إذن فرَّقت، أليس كذلك؟ فرَّقت بين الله ورُسله، غلط! قطعت صلة موصولة، الله هو الذي وصلها وأقام عليها البيّنة بالمُعجِزة والدليل الخارق، فلا يجوز، قال أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ۩.

۞ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ۞

ثم قال – الحمد لله – عنا وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩، مَن هم هؤلاء؟ فقط أمة محمد، لا تُوجَد أمة آمنت برُسل الله جميعاً إلا أمة محمد، سُبحان الله العظيم! أليس كذلك؟ لا يُوجَد غيرها، نُؤمِن بجميع الأنبياء على سواء، ولا نتنقص واحداً منهم، وهذا من شرائط الإيمان، فهذه الآية تنطبق علينا، هي تبشير لهذه الأمة المرحومة.

۞ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ۞

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ ۩، يا محمد، أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء ۩، كيف هذا؟ هم عندهم كتاب، لا! يُريدون كتاباً يُنزِله الله مرة واحدة ويكون مكتوباً بخط القدرة كالتوراة التي أُنزِلت على موسى، قالوا له موسى الله أنزل له كتاباً مرة واحدة وأتى لنا به، فأرنا مثله، نحن نُريد كتاباً مثل هذا، يا سلام! ما هذه الفلسفة الفارغة؟ هذا كتاب ومُعجِز وغريب، تأمَّلوا فيه! هو يُقيم الحُجة عليكم ويُصدِّق ما بين أيديكم من كُتب، لماذا تكفرون به؟ قالوا نُريد كتاباً ينزل مرة واحدة، وهذا من باب المُعاضَلة والتعجيز فقط، يُريدون أن يُعجِّزوا الرسول، وهو ركوب متن الهوى والشطط والاعتساف، وانظر إلى الجواب الإلهي يا أخي، طريقة الله في المُحاجة غريبة جداً جداً، قال فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ ۩، هؤلاء ليسوا طلّاب حقيقة ولا طلّاب حُجة، كما قلنا هم عبيد هوىً والعياذ بالله تبارك وتعالى، يذهب بهم كل مذهب، يتخبَّطهم الهوى!

ما هو هذا الشيئ الذي سألوه موسى وهو أكبر من هذا السؤال؟ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ۩، مذكور في البقرة! فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ۩، أرنا الله، نُريد أن نرى الله وإلا لن نُؤمِن به، وهذا كان أين والعياذ بالله؟ في مقام الاعتذار، ذهب سبعون واحد من الخيرة، وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ۩ في الأعراف، قال من خيرتهم، انظر إلى الخيرة ما شاء الله، إذا هذه الخيرة فكيف بالشريرة؟ هذه الخيرة قال، وقد ذهبوا لكي لكي يعتذروا عن إخوانهم الذين صاروا قردة وخنازير، هم يُريدون أن يعتذورا عنهم، رأوا عمود الغمام نزل فعلاً ورأوا كل شيئ، والله كان يُخاطِب موسى، فقالوا جميل، وسمعوا هذا، في روايات حتى إسرائيلية أنهم سمعوا خطاب الله لموسى، فقالوا نُريد أن نراه، هو لا يراه لكننا نُريد أن نراه، ولن نُؤمِن حتى نراه، انظر إلى الكفر والعياذ بالله! فهذا أكبر بكثير من قولهم أنزل إلينا كتاباً مكتوباً من السماء مرة واحدة، هذا أكبر، لعنة الله عليهم، والله أعطاهم آيات غريبة عجيبة ومع ذلك أيضاً كفروا.

فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۩، صُعِقوا! وموسى ماذا قال له؟ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۩، مُصيبة! تسبَّبوا له في مُصيبة، ذهبوا وبدل أن يُبيَّضوا وجهه سوَّدوا وجهه، سوَّد الله وجوه بني إسرائيل إلى يوم الدين.

قال ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۩، أنتم تعرفون أن عندهم بيّنات غريبة، آخرها كان ماذا؟ إغراق فرعون وقومه، أليس كذلك؟ وقبلها – أي قبل الإغراق – ماذا؟ فلق البحر، وقبلها ماذا؟ الآيات العجيبة التي سلَّطها الله على فرعون وآل فرعون، وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ۩، بعد آيتين قال فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ۩، كل هذه الآيات رأوها، آيات غريبة عجية رأوها، وآخرها كان ماذا؟ البحر والإغراق! يقول الإمام عليّ – عليه الرضوان والرحمة – في رواية له إنهم خرجوا وجاءوا إلى اليبس وتقريباً – هذه طبعاً مُبالَغة قليلاً – لم تجف أقدامهم من رشاش الماء، فمروا على قوم يعكفون على أصنام لهم – وضعوا آله من الأصنام وما إلى ذلك، آلهة مُزيَّفة – قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۩، والله نُحِب هذا الشيئ، هذا شيئ جميل، نُريد أن نفعل مثلهم، لعنة الله عليهم! بعد أن رأوا كل هذه الآيات قالوا هذا، أمة عقلها منكوص فعلاً، بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ۩، الطبع والختم – والعياذ بالله – على القلوب التعيسة هذه، قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ۩، إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩، علماً بأن هذا من الأعراف أيضاً، فهذا شيئ غريب.

قال فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ ۩، وأنتم تعرفون قصة العجل والسامري، أليس كذلك؟ أين تفصيلها الكامل؟ أين؟ في سورة طه مُفصَّلة بشكل دقيق وغريب، مُفصَّلة بشكل مُعجِز، ومعروف كيف أعطى الله هذا الخبيث هذا السر من أقدام فرس جبريل، أُعطيَ هذا بقدرة الله، فتنة! قال وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ۩.

۞ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ۞

وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ۩، فسَّرنا في البقرة كيف رفع الطور، ليس كما يرى أكثر المُفسِّرين أنه رفع حقيقةً، لا! هو لم يُرفَع حقيقةً وإنما نُتِقَ ونُقِضَ وحُرِّك مع عمود الغمام هذا، فخُيّل إليهم أنه فعلاً ارتفع في السماء، قال تعالى في الأعراف كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ۩، قال كَأَنَّهُ ۩، هو لم يصر ظله، لا! هو لم يرتفع حقيقةً.

وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا ۩، باب ماذا؟ باب بيت المقدس، وهل هذا كان مع موسى؟ لا، هم لم يدخلوا أصلاً أرض فلسطين مع موسى، وموسى – عليه السلام – قُبِضَ في التيه، أليس كذلك؟ معروف هذا، في صحيح البخاري موجود، فهو قُبِضَ في التيه، إذن هم فتحوا الأرض المُقدَّسة مع مَن؟ مع يوشع بن نون عليه السلام، علماً بأن يوشع بن نون آخر الأنبياء عند السامرة، هل تعرفون طائفة السامرة عند اليهود؟ طائفة السامرة لا تُؤمِن بنبي بعد يوشع، وهذا على ذكر وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ ۩، ماذا قال هؤلاء اليهود؟ اليهود أقسامهم، منهم طائفة السامرة، وموجود منهم إلى اليوم بضع مئات في فلسطين، على أساس أنهم يتمسكون بدينهم، قالوا آخر نبي يوشع، لا نُؤمِن بأي واحد بعده، ولا بعيسى؟ ولا بعيسى ولا بأي واحد، كل هذا كلام فارغ عندنا، ما هذا؟ كفر، بحسب مزاجهم وبحسب محابهم وهواهم، فمع يوشع الله قال لهم ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا ۩، يعني ماذا؟ من باب الشكر لله والتخضع والتذلل على النصر، وماذا أيضاً قال لهم في سورة البقرة؟ وَقُولُوا حِطَّةٌ ۩، ما معنى حِطَّةٌ ۩؟ أي حط عنا خطايانا، أي اللهم غفرانك، اللهم اغفر لنا، فهم لعبوا واستهزأوا بالدين، ماذا قالوا؟ قالوا حبة حنطة، برة – قالوا – في شعرة أو في شعيرة، استهزأوا بكلام الله تبارك وتعالى.

وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ ۩، وذكرنا قصة السبت وستأتي مُفصَّلة أيضاً في إبانها من سورة الأعراف، وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ۩.

۞ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ۞

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ۩، بهذا السبب في الحقيقة، بسبب نقضهم المواثيق والعهود، وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ ۩، آيات الله ما المقصود بها هنا؟ الكونية والشرعية، انتبهوا! ليس فقط الشرعية، أي ليس فقط آيات التوراة، لأن هناك آيات غريبة جداً الله أراهم إياها وهي آيات كونية، أليس كذلك؟ آيات! وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۩، فالآيات الكونية والشرعية إذن، كفروا بالشرعي منها وبالقدري أو الكوني، وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاء ۩، ما شاء الله هم الأساتذة السبّاقون في هذا الباب، أي باب قتل الأنبياء، بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۩، فسَّرناها غير مرة، ما معنى غُلْفٌ ۩؟ مُغلَّفة، أي عليها غِلاف، بعضهم غُلْفٌ ۩ قرأها غُلُف، أي بضم اللام، قلوبنا غُلُف – جمع غِلاف – أي قلوبنا أوعية، عندهم علم كثير، لا تحتاج إلى علمك يا محمد ولا إلى علم غيرك، وهذا ضعيف، الأول أقوى، لماذا؟ لأن يُجامِع ويُضارِع قول الكفّار والملاحدة، وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ۩، نحن غير قادرين على أن نفهم، غير قادرين على أن نستوعب كلامهم، هذا الصحيح! وهذا معنى قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۩، الله قال ليست القضية قضية أنها غُلْفٌ ۩، وإنما ماذا؟ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ۩، الله لا يخلق لإنسان قلباً مُغلَّفاً هكذا، أليس كذلك؟ أبداً! الله يُيسِّر كل مَن أراد اليُسرى لليُسرى وكل مَن صحت نيته في الاهتداء هداه الله تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ والله يبعث ويُيسِّر ويبذل هدايته لخلقه جميعاً، وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ۩، قال هم حتى في هذه يكذبون، قال وإنما القضية بسبب ذنوبهم، طبعنا وختمنا على قلوبهم بالكفر وقتل الأنبياء والتحريف و… و… و…. إلى آخره، فهي نتيجة أعمالهم.

فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ۩، فسَّرناها أيضاً، كيف فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ۩؟ يُؤمِنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، أو فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ۩ أي إلا قليل منهم هم الذين يُؤمِنون إيماناً صحيحاً، ففيها تفسيرات!

۞ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ۞

وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ۩، ما هو البُهتان والعياذ بالله؟ الزنا، قالوا زنت وهذا ابن زانية، أستغفر الله العظيم، يقصدون عيسى، هم يعتبرونه ابن زنا، لعنة الله عليهم! قالوا بل زنت به وهي حائض، أي أنه ابن حيض أيضاً، قالوا في الحيض أيضاً هذا، لعنة الله عليهم! انظر إلى هذا، هذه مريم الطاهرة البتول عليها السلام، وانظر أيضاً إلى النصارى الأغبياء الحمقى، القرآن أنزل سورة اسمها سورة مريم، مريم سورة كاملة! تحدَّث عنها بمُنتهى الإعزاز والتجلة والإكرام، أليس كذلك؟ وبعض علمائنا يقولون هي نبية، يقولون هي نبية حتى، بعض العلماء الكبار قالوا هذا، تخيَّل! علماء أجلاء، واليهود ماذا يقولون فيها وفي ابنها؟ وللأسف يقومون بعمل حلف مع اليهود ويُحادون المُسلِمين لأنهم فعلاً ضلّل جهلة، ليس عنده علم وليس عندهم فهم، للأسف الشديد! 

۞ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ۞ بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۞

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ۩، قلنا الرواية الصحيحة النصرانية هي رواية إنجيل برنابا، وذكرنا كيف فعلاً أنه لم يُقتَل، وإنجيل برنابا وضَّح أنه رُفِعَ حياً، رفعه أربعة ملائكة عِظام، مَن هم؟ جبريل وميكائيل وروفائيل وأوريل عليهم السلام، أربعة رفعوه، سُبحان الله! وأُلقيَ شبهه على مَن؟ على الجاسوس الملعون وهو أحد الحواريين يهوذا أو يهودا الإسخريوطي، إلى آخر القصة! هذه الراوية فعلاً تُشابِه ما عند المُسلِمين في الكتاب والآثار عن الصحابة وغيرهم.

ابن عباس في رواية عنه رواها ابن أبي حاتم وهي صحيحة السند إلى ابن عباس – حين تُحاكِم السند تجد أن السند صحيح والحمد لله – ذكر باختصار أيضاً أن عيسى – عليه السلام – كان مع الحواريين، وقيل كانوا اثني عشر وقيل خمسة عشر وقيل سبعة عشر، اختُلِف حتى في عددهم، على كل حال كان معهم وسمع جلبة كتيبة الجيش ورأى أضواء مشاعلهم فخاف على نفسه وقال لهم مَن يرضى أن يُلقى عليه شبهي وله الجنة بل هو رفيقي في الجنة؟ انظر إلى هذا، الله يُريد أن يُعطيهم مُعجِزة، الآن – قال لهم – أنا أُريد أن أُخيِّركم، قال للحواريين مَن يرضى بأن يُلقى شبهي عليه حتى يُؤخَذ هو ويُقتَل ويُحاكَم، وأنا الله سيُنجيني وسيكون هو رفيقي في الجنة؟ فأبوا ذلك إلا شاباً صغيراً، أصغر واحد فيهم قال له أنا، فندبهم ثانيةً، فلم ينتدب أحدٌ منهم نفسه إلا نفس الشاب، وثالثةً! قال له أنت إذن، وبقدرة الله – سُبحان الله في لحظة – أُلقيَ عليه شبه عيسى، أصبح مثل عيسى في شكله وما إلى ذلك، وذهب عيسى – عليه السلام – ونام، وهو في النوم حملته الملائكة كاملاً، استوفته روحاً وبدناً، هذه رواية ابن عباس والله أعلم، ثم اختلفوا – يقول حبر الأمة – بعد ذلك، فمنهم مَن قال كان بيننا الله – أستغفر الله العظيم – ثم سُلِب وذهب، ارتفع بعد ذلك،  وأنتم تعرفون القيامة والارتفاع الأخير وما إلى ذلك، وهؤلاء هم اليعاقبة، أي طائفة اليعقوبيين، ومنهم مَن قال كان بيننا ابن الله ثم وقع له ما وقع، صُلِب أيضاً وارتفع وقام وإلى آخره، وهم النساطرة، أي طائفة النسطورية، ومنهم مَن قال كان بيننا عبد الله ورسوله وهم المُسلِمون المُوحِّدون منهم، مثل طائفة الآريوسية، أتباع آريوس الأسكندراني، وقلنا لكم مرة في شرح سريع لعل هذا فعلاً خير ما يُفسَّر به الحديث الذي في الصحيحين، كتاب الرسول إلى هرقل: أسلم تسلم يُؤتك الله أجرك مرتين، ثم قال له فإذا توليت فإنما عليك إثم الآريسيين، وهذه من الألفاظ النادرة العجيبة، واختلف فيها الشرّاح، قالوا ما معنى الآريسيين؟ جمع آريس والأريس هو الفاعل أو الفلّاح، فهناك عملة الأرض وما إلى ذلك، لكن لا يا أخي، بالعكس! الرسول عنده وحي، كلمة الآريسيين تماماً هي مثل كلمة الآريوسيين، أليس كذلك؟ آريسيون وآريوسيون، أي نفس الكلمة! أليس كذلك؟ ويحدث عند التعريب دائماً أو الترجمة ما هو معروف، نقول – مثلاً – عن Nicolaus نيقولا ونيكولا ونيكولاس، نفس الكلمة! أليس كذلك؟ وكذلك الحال مع Copernicus، نقول كوبرنيكوس وكوبرنيقوس وهكذا، يحدث هذا! وهنا أيضاً آريسيون وآريوسيون، نفس الشيئ! فالنبي يتحدَّث عن مَن؟ عن المُوحِّدين الذين أصبحوا مُستذَلين ومُستضعَفين عند بقية النصارى، وفعلاً قُتِّلوا في كل مكان، قُتِّلوا شر قِتلة – هؤلاء أتباع آريوس الأسكندراني – لأنهم كانوا مُوحِّدين، كانوا يقولون عيسى لا هو إله ولا هو ابن إله، هو عبد الله ورسوله، النبي قال لهرقل سيكون إثم هؤلاء المساكين عليك، لأنك تُشايع الكفر والتثليث وتكون ضد التوحيد الذي يُنادي به الآريسيون، وهذا من أحسن ما يُفسَّر به هذا الحديث، وهذا لم يُعرَف عند العلماء القدماء، عُرِفَ الآن بالدراسات المُقارَنة الحديثة، لم يعرفه ابن حجر وغيره، ولذلك لم يتعرَّضوا له، اللهم صل على محمد، وأنتم تعرفون قصة الصلب وإلى آخره.

قال تعالى وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۩، كيف اخْتَلَفُواْ فِيهِ ۩؟ كما قال ابن عباس منهم مَن قال هو الله ومنهم مَن قال هو ابن الله ومنهم مَن قال هو عبد الله، وتساءلوا هل صُلِب أو لم يُصلَب وما إلى ذلك، صار هناك اختلاف، كل الذين رأوه صُلِب عدا الحواريين الذين كانوا معه وعلموا قصة إلقاء الشبه هذه قالوا صُلِب، أليس كذلك؟ والذين رأوا المُعجِزة قالوا لم يُصلَب، عيسى لم يُصلَب وإنما رُفِعَ، كان نائماً ورُفِعَ مُستوفىً روحاً وبدناً، وإنما الذي صُلِب رجل منا أُلقيَ عليه الشبه، ولم يُصدَّقوا هؤلاء، أليس كذلك؟ صدَّقهم كلهم، فصاروا في خلافٍ وفي سُعرٍ، هؤلاء هكذا وهؤلاء كذا، طرائق قددة!

قال مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۩، الكل يتظنى، الكل يتخرَّس، هل هو هذا أم هذا؟ ما عندهم حقيقة، قال وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ۩، بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۩، قال إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۩.

وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا ۩، مُمتنِعاً، ولأنه مُمتنِع فأيضاً يمتنع مَن يكون في حماه وفي كلاءته تبارك وتعالى، وعيسى من هؤلاء، حَكِيمًا ۩.

۞ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ۞

وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩، بمَن؟ بعيسى، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا سوف يُؤمِن بعيسى وأنه عبد الله ورسوله، ليس أزيد من ذلك، متى؟ قَبْلَ مَوْتِهِ ۩، الضمير في مَوْتِهِ ۩ فيه مذهبان في التفسير، قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ أي قبل موت عيسى وهو الصحيح الراجح إن شاء الله تعالى، قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ أي قبل موت الكتابي، إذا أخذنا الرأي الثاني فسوف نجد أنه ضعيف ولم يتعرَّض له بعضهم لأنه ضعيف جداً، قَبْلَ مَوْتِهِ ۩، قالوا لا كتابي – وخاصة النصارى طبعاً – تأتيه لحظة النزع والاحتضار – أي الموت – إلا يعلم الحق الذي تاه عنه وضل عنه النصارى مئات السنين في عيسى ويعلم أنه لم يكن أزيد منه كونه عبداً لله ورسوله، سوف يعرف للأسف أنه مُخطئ لكن لن ينفعه ذلك، هذا يكون في ساعة الغرغرة، سوف يعرف الحقيقة لكن هذا لن ينفع، عاش في الكفر، هذا الرأي الضعيف، الرأي القوي قبل موت مَن؟ قبل موت عيسى، وهنا قد يقول أحدكم هل هذا يعني أن هذه الآية الكريمة فيها إشارة واضحة إلى أن عيسى سوف يعود؟ نعم، والأحاديث عند أهل السُنة والجماعة وعند المُسلِمين مُتواتِرة، في الصحيحين – في البخاري ومُسلِم – وفي غيرهما، الأحاديث مُتواتِرة، في ماذا؟ في عودة عيسى وفي رجعة عيسى، سيرجع وينزل من السماء بقدرة الله واضعاً يديه على جناحي ملكين، يقطر رأسه كأنما خرج من ديماس، أي من حمّام، وشبَّهه النبي وذكر شكله تماماً، سوف يعود عند المنارة البيضاء، ولم تكن أيام النبي هذه موجودة ولم تُفتَح حينها أصلاً بلاد الشام، أليس كذلك؟ والنبي – سُبحان الله – وصف منارة الأموي بإنها بيضاء وهي إلى اليوم بيضاء، والسوريون يعرفونها والذي زار سوريا يعرفها، هناك منارة صغيرة بيضاء، سُبحان الله! سوف يكون نزول عيسى من السماء، لا إله إلا الله! آمنت بذلك، والأحاديث مُتواتِرة، العلّامة المُحدِّث والشيخ المُفسِّر ولي محمد أنور شاه الكشميري – قدَّس الله سره – هو أحد علماء الهند الكبار جداً وهو صاحب فيض الباري، فهو أحد الشارحين للبخاري وشرحه فيه بعض الفوائد العجيبة والدقيقة، وهو علّامة ومُحدِّث كبيرة رحمة الله عليه، الإمام الكشميري عنده كتاب اسمه التصريح بما تواتر في نزول المسيح، ذكر فيه زُهاء ستين حديثاً من صحيح وحسن في عودة المسيح ونزوله، فالذي يُريد أن يستوفي هذه الأحاديث فليقرأ هذا الكتاب الجليل، وحقَّقه العلّامة المرحوم الشيخ عبد الفتّاح أبو غُدة الحلبي رحمة الله عليه.

إذن قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ أي قبل موت عيسى، في الصحيحين – سنأتي فقط بحديث واحد والأحاديث كثيرة، هناك ستون حديثاً لكننا سنأتي بحديث واحد – والذي نفسي بيده لينزلن عيسى بن مريم حكماً عدلاً – أي مُقسِطاً – فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ما معنى أول شيئ؟ معنى يكسر الصليب؟ أنه سوف يقول لهم هذا كذب، لم أُصلَب، أنا عيسى وهذه كلها خُرافات، هذا حديث خُرافة، قال ويقتل الخنزير، ما معنى هذا؟ أنه سوف يقول لهم ما أحللته لكم، أي أن هذا كذب أيضاً، فأنتم حرَّفتم الدين، انظروا إلى هذا، شيئ غريب، قال ويضع الجزية، ما معنى ويضع الجزية؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور قائلاً يرفع الجزية، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا التعريف الصحيح، معناها يرفع، انتبهوا! يضع معناها يرفع، وضع عنهم آصارهم أي رفعها، فمعناها يرفع الجزية، لماذا إذن؟ لأن الكل سيُصبِح مُسلِماً حتى النصارى، انتهى! هذا نبيكم وها هو رجع إليكم، الكل سوف يتبعه – ما شاء الله – وينتهي الأمر، لماذا هذه الثلاثة الأشياء؟ انظر يا أخي إلى بلاغة رسول الله، وحي يُوحى الرسول عليه السلام، أول شيئ – قال – يكسر الصليب وبعد ذلك يقتل الخنزير، وهنا قد يقول لي أحدكم ما معنى يقتل الخنزير؟ هل هذه مسألة كبيرة؟ لكن هذا يعني أنك لا تفهم الحديث، كبِّر مُخك قليلاً وسوف تفهم معنى الكلام الذي يحكيه النبي، حين يقول يكسر الصليب فهذا يعني أنه يُريد أن يُصحِّح خطأً اعتقادياً، هذه كلها أخطاء عقدية، وسيُصحِّحها كلها، والرمز إلى تصحيح العقيدة بماذا؟ بكسر الصليب، وهناك أخطاء تشريعية، أنتم حلَّلتم وحرَّمتم وخرَّبتم، كلام فارغ كله، الله لم يُحلِّل، أنتم حلَّلتم وحرَّمتم من عندكم، هذا يتعلَّق بموضوع الخنزير، أليس كذلك؟ وهو مُحرَّم في ديننا، فيقتل الخنزير، رمز إلى تصحيح ماذا؟ أشياء التشريع، أليس كذلك؟ وبعد ذلك يضع الجزية، رمز إلى ماذا؟ إلى غلبة التوحيد والإسلام، أي أن هذه سوف النتيجة إن شاء الله تبارك وتعالى، فالنبي يُقسِم على ذلك، يقول والذي نفسي بيده، وبالمُناسَبة قال – تبارك وتعالى – وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۩، الله حين تحدَّث عن عيسى ماذا قال؟ قال وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ۩، هل تعرفون وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ۩؟ أي شَرَط – ليس شَرْطاً وإنما شَرَطاً – للساعة، هو شَرَط من أشراط الساعة، أي علامة من علائم الساعة، هذا هو، هناك آية أُخرى أيضاً تذكر أن عودة عيسى من علائم الساعة ومن أشراطها الكُبرى، على كل حال هذا موضوع طويل.

۞ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ۞

قال فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ۩، تعرفون كيف هذا، اليوم تلونا – مثلاً – آية وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ۩، هذا التحريم – قال السادة العلماء – يحتمل أن يكون قدرياً ويحتمل أن يكون شرعياً، ويُمكِن أن يكون خليطاً، كيف يكون تحريماً قدرياً؟ الله لا يكون نزَل عليهم أن هذا الشيئ حرام ولم يقل لهم لا تأكلوه – مثلاً – وأُريد أن أُجازيكم عليه، لا يكون هكذا، يكون تحريماً قدرياً، كيف يكون تحريماً قدرياً؟ يكون الله خذلهم وتركهم بحيث أنهم حرَّفوا في الدين وبدَّلوا وبدأوا يُحرِّمون ويُحلِّلون والله لا يحفظ كتابه من عبثهم، أليس كذلك؟ فأدى هذا أو تأدَّى بهم هذا العبث والتحريف والزيادة والنقصان إلى التشديد، شدَّدوا على أنفسهم، أرأيت؟ فالله قال دعهم، لن أحفظ كتابي منهم، دعهم! وهذا كلام وجيه، أليس كذلك؟ لعلكم لأول مرة تسمعون به، أي أنه تحريم قدري، المشهور عندنا أنه تحريم شرعي وهذا أيضاً مُحتمَل، هذا صحيح وهذا صحيح، يُمكِن أن يكون تحريماً في بعض الكتاب أو على لسان بعض أنبيائه، أي أن هذا الشيئ مُحرَّم وهذا مُحرَّم وهذا ظاهر النصوص، يقول حَرَّمْنَا ۩، حين يقول حَرَّمْنَا ۩ فهذا يعني أن التحريم يكون شرعياً، لكن القدري أيضاً وارد، انتبهوا! القدري وارد كما نبَّه العلماء والله أعلم، بهذا السبب حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ ۩.

۞ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۞

وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ ۩، أيضاً بسبب أخذهم الربا، ولذلك قال وَأَخْذِهِمُ ۩، لم يقل وأخذُهم – بالضم – وإنما قال وَأَخْذِهِمُ ۩، يحدث استئناف! قال وَأَخْذِهِمُ ۩، أي بظلمٍ وبأخذِهم، أي وبسبب أخذِهم أيضاً الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ ۩.

وَأَكْلِهِمْ ۩، أي وبسبب أكلِهم، أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۩.

۞ لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ۞

لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۩، مَنهم الراسخون منهم في العلم؟ الذين أسلموا من أحبارهم، كزيد بن سعيه وزيد بن سعنة وعبد الله بن سلّام وأخيه أيضاً وأمثال هؤلاء، هم قلة، كما قلنا لم يبلغوا عشرة للأسف، قال هؤلاء يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۩.

وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ۩، الآية واضحة كلها.

۞ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۞

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۩، واضحة، لكن سبب نزولها أن اثنين من اليهود جاءا وقالا يا محمد ما بلغنا أن الله أوحى إلى بشر بعد موسى بشيئ، أي أننا في شك من الشيئ هذا، لا عيسى ولا أنت ولا أي أحد، موسى كان آخر واحد، فأنزل الله يُكذِّبهم ويدحض قولهم وإفكهم، يقول إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۩، كلها واضحة.

۞ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ۞

وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ۩، ما معنى مِن قَبْلُ ۩؟ مِن قَبْلُ ۩ هذه الآية، من قبل هذه الآية قصصنا عليك أسماء رُسل آخرين، وبالمُناسَبة كم عدد الرُسل في المشهور عند علماء العقيدة المذكورين أو المذكور عددهم في كتاب الله؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور إنهم خمس وعشرون، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، هم خمس وعشرون، ذُكِرَ منهم ثمانية عشر نبياً ورسولاً بسرد واحد في سورة الأنعام، “في تلك حُجتنا – وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ۩ – منهم ثمانية من بعد عشر” يقول العلماء، ثمانية عشر! إبراهيم واحد – انتبهوا – وهناك سبعة عشر غيره، فيكون الناتج ثمانية عشر، والبقية مُوزَّعون في تضاعيف الكتاب العزيز، وعلى الصحيح أن ذا الكفل نبيٌ، ليس الكفل، انتبهوا! في حديث ابن عمر حين تحدَّث عن الكفل ذكر كيف هذا الرجل كان لا يتأثَّم من ذنب أتاه، فليس هذا المقصود، هذا رجل من بني إسرائيل وخُتِم له بعمل صالح في آخر ليلة قبل وفاته، هذا ليس نبياً، لكن ذو الكفل نبي، هذا رجل غيره، ذو الكفل غير الكفل، انتبهوا ولا تُخلِطوا بين الكفل في حديث ابن عمر مرفوعاً وبين ذي الكفل، ذو الكفل نبي على الصحيح، واختُلِف في اثنين: في ذي القرنين وفي الخضر، هل هما نبيان أو ليسا بنبيين؟ اختُلِف فيهما على كلٍ، (ملحوظة) سأل أحد الحضور سؤالاً فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا موجود في بعض الآثار، وبالمُناسَبة هذا الذي جاء ليس نبياً، انتبه! هذا ليس رسولاً، هذا رجل عادي نصر النبيين ونصر مقالتهم والآية واضحة، (ملحوظة) قال السائل هل يُبعَث أمة وحده؟ فأجابه فضيلته قائلاً يُبعَث أمة وحده طبعاً، أنا أقول لك أي إنسان – أي أن هذه ليست خصيصة لبعض الناس – يقوم بالحق حين ينقطع كل الناس عن القيام به يُبعَث أمة وحده، أبو ذر الغفاري النبي قال عنه يرحم الله أبا ذر أمة وحده، يعيش وحده ويموت وحده ويُبعَث يوم القيامة وحده، هل تعرفون لماذا؟ لأن أبا ذر في اللحظات الحالكة من تاريخ الإسلام وفي لحظات الفتنة ظل مُستمسِكاً بالحق، الحق المُنزَّل المُقدَّس لا يحيد عنه قيد أُنملة إلى آخر لحظة، شيئ غريب، لا يُزحزِحه عنه شيئ، ولذلك كان أمة، إبراهيم – عليه السلام – خليل الرحمن لماذا قال الله عنه إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۩؟ لماذا كَانَ أُمَّةً ۩؟ لأنه – سُبحان الله – في يوم من الأيام قال لزوجته ما على وجه الأرض مَن يُوحِّده غيري وغيرك، هو وسارة فقط قال، أليس كذلك؟ ولما بنى البيت هو وابنه إسماعيل قال له سنطوف به وما إلى ذلك لكن أين الناس؟ لا يُوجَد أحد غيرنا، هل نُصلي هكذا وحدنا وليس معنا أحد؟ قال له يا إبراهيم عليك النداء وعلىّ البلاغ، أنا سأُوصِّل صوتك، وقيل – سُبحان الله – في بعض الآثار والأخبار أن دعوة إبراهيم – وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ۩ – دعوة سارية إلى اليوم الدين، فإذا أدركت عبداً من العباد – حتى نحن سُبحان الله – حرَّكته وحفزته إلى حج بيت الله، الله – تبارك وتعالى – يُبلِّغها من عنده، ولذلك يُقال أيضاً في بعض الآثار والحكايا الإسرائيلية إن الله أرسل له سبعين ألف ملك يُصلون خلفه وبذلك كان أمة، لأن الأمة مَن هو؟ الأمة الذي يُقتَدي به حتى وإن كان واحداً، الله بعد ذلك سوف ينصبه قدوةً ويُصبِح مناراً للحق، وهكذا على كل حال.

۞ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۞

إذن رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۩، لماذا بعثهم الله رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۩ بالترغيب والترهيب وبالوعد والوعيد؟ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۩، قال الله وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ۩ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ۩، لذلك أنا لكي أقطع معذرتهم وأقطع عليهم طريق الحُجة أرسلت ماذا؟ الأنبياء والرُسل مُبشِّرين ومُنذِرين، حتى لا يقول لي عبد يوم القيامة أو تقول لي أمة يا رب – والله – لو أرسلت إلينا لأسلمنا، الله يعلم أنهم لن يُسلِموا، لكن ليقطع عليهم هذا الطريق أرسل إليهم وكلَّفهم وهم كفرة، سوف يقول لهم لا، أنا أرسلت إليكم وانتهى الأمر، لا حُجة لكم.

في الصحيحين من حديث ابن مسعود مرفوعاً قال – صلى الله عليه وسلم – ما أحدٌ أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث النبيين مُبشِّرين ومُنذِرين، لماذا؟ لكي يُعذِر، يقول لك وقد أَعذَر مَن أنذر، ما معنى أَعذَر؟ أي أزال عذر الآخر، نحن قلنا الهمزة للسلب، انتبهوا! مثل أقسط، إذن أزال عذر الآخر، هذا معنى أعذر، تُسمِعون في التمثيليات ما شاء الله مَن يقول أُعذِر – بالضم – مَن أُنذِر، ما هذا؟ يتكلَّمون ولا يعرفون ماذا يقولون، ما معنى أُعذِر مَن أُنذِر؟ يقولون أُعذِر مَن أُنذِر، هذا غير مفهوم، الصحيح أعذر مَن أنذر، أي أزال عُذر مَن أنذره، أنذرتك أنا فأزلت عذرك، لا عذر لك أمامي، انتهى الأمر، ليس عندك عذر، أليس كذلك؟ قال لك أعذر الله إلى عبدٍ نسأ له في أثره حتى بلغ ستين، إذا عيَّشك حتى تبلغ ستين سنة فلن يكون لك عذر، لا تقل يا رب لو عشت عشر سنوات إضافية أو خمس سنوات أو سنتين – والله – لرجعت وتُبت، لا! أعطيتك ستين سنة سيقول له، عشت ستين سنة، ليس لك عذر عندي، انتبه! فهذا يُخوِّف، مَن عمره ستون سنة ولم يتب ينبغي أن يبكي على نفسه دماً وليس دمعاً.

المُهِم قال النبي وما أحد أغير من الله ومن أجل ذلك – لماذا؟ لأنه يغار بشدة – حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، لأن الله يغار،الله يغار جداً حين يفعل أي إنسان أي شيئ مثل هذا، وغيرته شديدة، يُمكِن أن ينتقم، وما أحد أحب إليه الحمد – وفي رواية على ما أذكر المحمدة – من الله ومن أجل ذلك حمد نفسه، أليس كذلك؟ ماذا دائماً يقول؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۩ هذا خبر لكن معناه الإنشاء، أي وأنتم أيضاً احمدوني، احمدوا الله، يُعلِّمنا كيف نحمده، لكن هو حمد نفسه، قال العلماء ولإنه يعلم أن لا أحد يستطيع أن يبلغ الغاية في حمده فحمد نفسه لكي يحط عنا هذه المؤنة، كيف تحمده؟ كيف؟ لا تستطيع، فهو حمد نفسه، قال الحمد لله، لا إله إلا الله، له الحمد عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته حتى يرضى.

۞ لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ۞

قال – تبارك وتعالى – لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۩، إن كفروا وجحدوا الله – يقول له – كفى به شهيداً، أنا أشهد، أنا أشهد أن هذا الحق من لدني وأنا الحق وقد بعثتك بهذا الحق، أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ۩، انتهى الأمر حتى إن جحدوا، هذا تعزية وتسلية لمَن؟ لرسول الله، لا تحزن إذا كفروا وكذَّبوك قال له، سُبحان الله! وهناك تعزية أنا أراها حتى أكبر من هذه في آية الأنعام، ماذا يقول له؟ يقول له فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۩، قال له المسألة لا تتعلَّق بأنهم يُكذِّبونك ويعتبرونك كذّاباً، هم يعرفون أنك الصادق الأمين، لكن هي مسألة جحود والعياذ بالله، لأنهم ظلموا أنفسهم وطُبِعَ على قلوبهم، ولو بُعِثَ أي واحد آخر غير محمد لكذَّبوه أيضاً، هذه طريقتهم دائماً في تكذيب الأنبياء والرُسل، فتعزى! تعزى عنهم وتسلى، فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۩.

۞ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلالاً بَعِيدًا ۞

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۩، إذن كفروا في أنفسهم وأرادوا تكفير غيرهم، هذا معنى كَفَرُواْ وَصَدُّواْ ۩، فهم في أنفسهم كفّار لأنهم كفروا ويُريدون أن يُكفِّروا غيرهم، لماذا؟ لأنهم يصدونهم عن سبيل الله، لا يُريدون أن يسلك غيرهم الصراط المُستقيم، قال قَدْ ضَلُّواْ ضَلالاً بَعِيدًا ۩.

۞ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ۞ إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ۞

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ۩ إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ ۩، الاستثناء مُتصِل أم مُنقطِع؟ مُنقطِع طبعاً، كيف يكون مُتصِلاً؟ هو مُنقطِع، قال وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ۩، ما المُراد بقوله طَرِيقًا ۩؟ طَرِيقًا ۩ قاصدة، طَرِيقًا ۩ مُستقيمة، لا يُمكِن! قال إِلاَّ ۩، لكن طريق جهنم يهديهم إليها والعياذ بالله، فهم من أقصر سبيل ومن أوضح سبيل يذهبون إلى جهنم، وبالضد منهم – سُبحان الله – وبالإزاء الله يهدي مَن؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات يَهْدِيهِمْ رَبّهمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ الْأَنْهَار فِي جَنَّات النَّعِيم ۩، في سورة يونس! هؤلاء مهديون إلى طريق الجنة وهؤلاء مهديون إلى طريق السعير، فَاهْدُوهُمْ – والعياذ بالله – إلى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ۩، قال الله خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ۩.

۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ۞

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ ۩، أي محمد عليه السلام، فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ ۩، هذه من جهة الإعراب غامضة قليلاً، كيف فَآمِنُواْ خَيْرًا ۩؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور قائلاً يكن خيراً، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، من أحسن الإعرابات فآمنوا يكن خيراً، أو فآمنوا إيماناً خيراً، هذا وصف بالمصدر، فآمنوا إيماناً خيراً لكم، يعد أثره عليكم، فيها إعرابان! 

وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ۩، معروفة!

۞ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ۞

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ۩، الغلو والغلواء، ما هي الغلواء أيها الإخوة؟ المُبالَغة في التقريظ والمدح، وعلى كل حال الغلو قد يكون أيضاً في الذم، لكن أكثر ما يكون في ماذا؟ في المدح، نقول فلان غلا في فلان أي مدحاً وإطراءً وتقريظاً، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله، هذا في الصحيحين واختلفت ألفاظه، هنا وقولوا عبد الله ورسوله وفي رواية إنما أنا عبد الله ورسوله، لا تقولوا في كما قالت النصارى، في حديث الإمام أحمد قالوا له يا مرة يا سيدنا وابن سيدنا، يا خيرنا وابن خيرنا، وهذه كلمات ليست خطيرة، لكن النبي خاف أن يستهويهم وأن يستزلهم الشيطان، فقال أيها الناس دعوا عنكم هذا ولا يستهوينكم الشيطان فإنما أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، أي أنني من أب وأم مثلكم ومعروف أصلي وفصلي، صلى الله عليه وسلم، انظر إلى هذا، قال فإنما أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، فقولوا عبد الله ورسوله، لا تقولوا مثلما تقول النصارى، فقط هذا هو، فإني لا أُحِب أن يُنزِلني أحدٌ فوق منزلتي التي أنزلني الله، إذا أردتم الحقيقة – قال لهم – أنا لا أُحِب أن يرفعني أحد درجة واحدة عن ما أنزلني الله فيه، طبعاً هو – ما شاء الله – في أعلى منزلة تُتاح لبشر، فهو ماذا؟ رسول بل خاتم الأنبياء والرُسل، أكثر من ذلك يُصبِح كفراً، لا يُمكِن! لا تقولوا هو رب أو ابن رب وما إلى ذلك، مُستحيل! لا يُوجَد هذا الكلام فعلاً كله، فهذا الغلو.

وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا ۩، ذكرنا هذا مرة أيضاً، كيف عيسى الله كلمة الله؟ تكوَّن بكلمة كُنْ ۩، مثله مثل غيره، أليس كذلك؟ قال أحد المُفسِّرين – ولخَّص بأسلوب ذكي جداً جداً – عيسى ليس كلمة الله تكوَّنت وإنما تكوَّن بكلمة الله، وفرق كبير بين المعنيين، هذا يعني أن الكلمة نفسها كلمة إلهية، أليس كذلك؟ وتحوَّت إلى بشر، هذا يعني أنها كلمة قديمة أزلية، لأن كلام الله قديم أزلي، أليس كذلك؟ صارت هذه المسألة خطيرة، وإنما – قال – تكوَّن بكلمة الله، أي أن عيسى ليس كلمة الله تكوَّنت وإنما تكوَّن بكلمة الله، وأنا سألتكم سؤالاً في دروس التفسير عن هذا، إذا كان ذلك كذلك فكلنا كلمات الله، صحيح! أنا كلمة الله وأنت كلمة الله وكل واحد فينا كلمة الله، وهذا الكوب كلمة الله والشيئ الذي فيها بطعمه ورائحته وما إلى ذلك كلمة الله، وهكذا في كل شيئ، كل شيئ إنما يتخلَّق ويتحوَّل من حال إلى حال ويصير ويتكوَّن ويفسد – على رأي الفلاسفة – بكلمات الله التكوينية، أليس كذلك؟ كُن حاراً، كُن بارداً، كُن مُندلِعاً، كُن مُنسكِباً، كُن كبيراً، كُن صغيراً، كُن عزيزاً، كُن ذليلاً، إلى آخره، هذه هي الكلمات التي قال عنها وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ – أي لو أن كل الأشجار تحوَّلت إلى أقلام – وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۩، أي كلمات؟ هنا قد يقول لي أحدكم أهذا في القرآن؟ بالعكس! ربما بقلم جاف أو  بقلمين جاف تكتب ستمائة صفحة، فلا ليست هذه الكلمات، هذه كلمات تشريعية، أليس كذلك؟ هناك الكلمات التكوينية، لأن الكون كله في كل لحظة يُدبَّر بكلمات الله، كل شيئ يُدبَّر بكلمات الله، انظر ماذا في الكون من إنس ومن جن ومن جمادات ومن أشياء ومن ذرات ومن دقائق صغيرة جداً جداً، كل شيئ لا يتحرَّك ولا يسكن ولا يذهب ولا يجيء إلا بكلمات الله، كُن كذا وكُن كذا، شيئ مُخيف! هنا قد يقول لي أحدكم كيف هذا الكلام؟ طبعاً هذا الشيئ يجعل المُخ يلتف، لو فكَّرت في هذا بعمق يُمكِن أن تُجَن وحُقَّ لك الجنون، الإنسان حين يستغرق في علم الله – كيف أن علم الله مُحيط ونافذ في كل شيئ في الوجود وكيف أن كل شيئ مُدبَّر في الوجود بقدرة الله وبكلمات الله – يُجَن، فلا إله إلا هو، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، رب عظيم، أي أن المسألة ليست أي كلام، لا يُمكِن! ولا يُوجَد شيئ قائم بنفسه، لا يُوجَد شيئ قائم بذاته هكذا، لا يُوجَد! أنت لا تستطيع أن تقوم بنفسك، لو انقطع عنك مدد الله لحظة تنعدم مُباشَرةً، لابد من مدد إلهي مُستمِر بكلمات الله التكوينية، لكي يستمر الوجود بهذا، لا إله إلا هو، هذه هي الكلمات، والنبي كان يستعيذ بالله بهن، يقول أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يُجاوِزهن برٌ ولا فاجرٌ، لماذا؟ لأنها كلمات تكوينية، الله حين يقول لبوش Bush مت يموت غصباً عنه، وكذلك حين يقول له انهزم أو ذل يا بعيد أو خف أو أي شيئ، لو قال له تلخبط يتلخبط، كلمات كلها هذه، لا يُجاوِزها لا بر ولا فاجر، أرأيت؟ لا يُمكِن لأحد أن يُجاوِزها، هذا يحدث غصباً عنه، مثلما رأينا قصة الحجّاج مع الحسن البِصري، أكيد الله قال له ذل لعبدي الحسن، هذه كلمة تكوينية، هو لم يسمع هذا، لكن هذا تكوين، أليس كذلك؟ فصار ذليلاً للحسن البِصري، وربما قال له خف من هذا العبد، لو قال له خف منه يخاف غصباً عنه، هذه كلمات تكوينية لا يُجاوِزها أي فاجر، أرأيتم كيف يستمد المُؤمِن عزته من الله؟ لأنه يعرف أن الله هو الذي عنده الأمر والنهي في الخلق كله، ليس بالشرع فقط وإنما بالقدر أيضاً.

وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۩، أيضاً هنا تُوجَد مُشكِلة أُخرى، ما معنى وَرُوحٌ مِّنْهُ ۩؟ المِن هنا إعرابياً مِن لابتداء الغاية أو للتبعيض؟ لابتداء الغاية، انتبه! لو قلت في قوله وَرُوحٌ مِّنْهُ ۩ أن من هذه للتبعيض تكفر، مثلما تقول ابني هذا سعيد يا أخي قطعة مني، هذا تبعيض، لأنه فعلاً قطعة منك، هو تخلَّق من حيوانك المنوي، أليس كذلك؟ فمِن هنا للتبعيض، مثل ابني هذا قطعة مني، صحيح! من هنا للتبعيض، لكن لو قلت عيسى روح من الله بهذا المعنى كما ابنك منك كفرت، وهذا كلام النصارى، أليس كذلك؟ لكن ما المُراد بقوله مِّنْهُ ۩؟ مِّنْهُ ۩ لابتداء الغاية، مَن الذي ابتدأ خلقه؟ مَن الذي نفخ فيه الروح؟ مِن أين هذه الروح جاءت؟ مِن عند الله، هذه هي! لابتداء الغاية إذن، كما قال تعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۩، هذا هو! إذن هذه المِن في سورة الجاثية للتبعيض أو لابتداء الغاية؟ لابتداء الغاية، فلا تقل لي معناها أن كل السماوات وكل الأرض هم أجزاء من الله ومن ثم هذا يعني أننا سنعبدهم كلهم، كلام فارغ هذا، أليس كذلك؟ أعرف أن هناك مواقع على الإنترنت Internet تستغفل الناس، هناك أقباط يقولون الله قال وَرُوحٌ مِّنْهُ ۩ ومن للتبعيض، طبعاً يضحكون علينا لجهلنا باللُغة العربية، نحن لا نعرف اللُغة العربية، لكن مَن يقول له قل له الله قال مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۩، فهل هذه كلها أبعاض من الله وأجزاء؟ إذن هذا سيعني أنك ستعبد هذا الكوب حتى لأنه ابن الله أو جُزء من الله، أستغفر الله العظيم! هذا تجديف وكفر، مِن هنا لابتداء الغاية وليست للتبعيض، هل هذا واضح؟ كأن يقول أحدهم لك من أين لك هذا الخاتم؟ فتقول له من عند الله هذا، من نعمة الله، ماذا تقصد أنت؟ مُبتدأ، أرأيت؟ وليس جُزءاً من الله، أليس كذلك؟ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۩، إذن مِنْ ۩، أرأيت؟ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۩، لابتداء الغاية، هذا لا يعني جُزءاً من الله، فهذا جائز، ليس فيه شيئ.

فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ ۩، نفس الإعراب الأول، أي انتهوا يكن خيراً لكم، إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ۩، نفس الشيئ، كل هذا واضح.

۞ لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ۞ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ۞

لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ ۩، ما معنى يَسْتَنكِفَ ۩؟ يستكبر، لن يحتشم، لن يستكبر، تفسيران: لن يحتشم – نفس الشيئ – ولن يستكبر، أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ ۩، بالعكس أكبر شرف لأي خلق هو أن يكون عبداً لله، مُنتهى عزكَ ومُنتهى عزكِ أن تكون عبداً لله، ورحمة الله على مولانا الشيخ الشعراوي وقدَّس الله سره الكريم، هذا العارف حين كان شاباً صغيراً كان عنده أبيات عجيبة ولطيفة جداً جداً، يقول:

حَـسْبُ نَـفْـسِي عِـزًّا بِأنِّيَ عَـبْـدُ                          يَحْـتَـفِـي بِـي بِلا مَـوَاعِـيـدَ رَبُّ.

أكبر عز لي أنني عبد لله أصلاً، عبد لمَن؟ لله، قلت لكم مرة – وهذا تُلاحِظونه كلكم والله العظيم – يُمكِن أن تجدوا شاباً يقف على شواربه الصقر كما يُقال، شاب – ما شاء الله – عنده جسم وصدر قوي ومُتدرِّب على الكونغ فو Kung Fu والتايكوندو Taekwondo وأشياء مثل هذه، فظاعة! ويكون فخور جداً بإنه حارس عند وزير، أليس كذلك؟ حارس على بابه، أي خدّام عند أعتابه، وفخور بهذا، وطبعاً هذا الحارس عند الوزير خطير عند الناس، أليس كذلك؟ يذهبون ويُقبِّلون رجليه، ويقولون له قل للوزير أن يفعل من أجلنا كذا وكذا، أليس كذلك؟ لأنه وزير عنده بعض السُلطة، أليس كذلك؟ فما أدراكم بحارس الرئيس أو الملك؟ هذا مَن يطول أعتابه؟ أي هذا الحارس، هو يكون شيئاً كبيراً، أليس كذلك؟ فكيف بمَن يكون عبداً لله؟ ليس عبداً مقهوراً وإنما عبداً عن طواعية، تستمد عزك من الله وعلمك من الله وفتوحك من الله وعزمك من الله وهمتك من الله وغناك من الله وكل شيئ من الله، كله عنده! أنت تتقرَّب من الناس وكل واحد يُعيط بحسب ما عنده، أليس كذلك؟ حين تتقرَّب من رجل عالم ماذا ترجو منه؟ أن يُعطيك بعض العلم، حين تتقرَّب من رجل غني ماذا سوف يُعطيك؟ بعض المال، فماذا لو تقرَّبت من رب الأرباب عز وجل؟ ماذا سوف يُعطيك؟ كل شيئ عنده، كلٌ عند الله تبارك وتعالى، ومن ثم تصير أعز الناس وأغنى الناس وأعلم الناس وأفضل الناس و و و و و، وبحسب ما تتقرَّب له يُعطيك، أليس كذلك؟ وهو يُحِب أن تتقرَّب له، لا يُحِب – مثلاً – أن يتقرَّب له السود وليس البيض أو البيض دون السود، لا! كلهم عبيده وكلهم خلقه، ليس بين الله وبين أحد من عباده نسب إلا بالطاعة، بحسب ما تُطيعه يُقرِّب ويُحِبك ويجعلك من أوليائه الصالحين، اللهم اجعلنا منهم يا الله بأسمائك وصفاتك العُلا.

اللهم صل على سيدنا محمد، يقول الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه رحمة واسعة:

حَـسْبُ نَـفْـسِي عِـزًّا بِأنِّيَ عَـبْـدُ                          يَحْـتَـفِـي بِـي بِلا مَـوَاعِـيـدَ رَبُّ.

بلا مواعيد، وقتما أُريد أدخل عليه، هل تقدر أن تدخل على رجل صعلوك هنا حتى مثل رئيس بلدية؟ رئيس البلدية يُنظَر إليه على أنه شيئ كبير، وقلت لكم في درس سابق إن رئيس بلدية عزمنا ذات مرة فاحتفظ أحدهم بورقة وقال ذكرى، فرحان بورقة صغيرة، أنا رميتها، ماذا أفعل بها؟ يحتفظ بورقة من رئيس بلدية ليقول إنه دعاه، وهو دعاه ولا يعرفه ولا يعرفني، يعرف أنه دعا عدداً من المُسلِمين فذهبوا إليه، لكن هذا الرجل احتفظ بورقة وقال للذكرى، فرحان بها ويُريد أن يُري أحفاده إياها، لأن رئيس البلدية دعاه وهذا شرف كبير، ما شاء الله عليه! وهناك أُناس آخرون يموت الواحد منهم – مُناه وروح عينه كما يُقال – لكي يتصوَّر مع رئيس، ثم يُكبِّر الصور ويعرضها، يا سلام! شيئ كبير والله، يتصوَّر مع مُفكِّر أو مع فيلسوف أو مع قائد أو مع صاحب دين! رئيس ماذا؟ لا يُمكِن! لا يُوجَد شرف إلا لمَن له شرف فعلاً، مَن ليس عنده شرف لن ينفع معه هذا، كلام فارغ، لكن هذه قلة العقل، قلة العقل تعمل في أصحابها أكثر من هذا، أليس كذلك؟ قديماً حين كنا صغاراً – لعل أحد الحضور يعرف هذا – قال أُناس تعالوا لكي نذهب المُخيَّم الثاني، مُخيَّم عندنا هناك، لماذا؟ قالوا فلان الفلاني جاء من مصر وتصوَّر مع سمير غانم، مع المُمثِّل ميزو، قلت ما شاء الله! شرف كبير، وأُناس ذهبوا – والله – إلى هناك ومن ضمنهم أمهات ونساء كبار كريمات لكي يروا الصورة، هل فعلاً تصوَّر مع سمير غانم؟ انظروا إلى التفاهة، لكن – الحمد لله – انظروا إلى أين صارت الأمة الإسلامية الآن، أليس كذلك؟ تخرج أم مُحجَّبة وتقول أنا ابني الذي ذهب شهيداً – استشهادي – أعز علىّ من أي شيئ في الدنيا، ابني فلذة كبدي لكن الله أعز والإسلام أعز، وأنا أحتسبه وأرجو أن يكون شفيعاً لي، المُستوى اختلف يا أخي، الحمد لله! هذا يُؤكِّد لك أن هناك صحوة إسلامية وأن هناك عزاً والله العظيم، الله يُريد بهذه الأمة خيراً والحمد لله، لكن الشطارة والمُعوَّل أن يمشي كل واحد فينا في الطريق هذا، أن يمشي الآن في مُراد الله ويعرف أن الله الآن يمكر لهذه الأمة، يمكر لها ويُخطِّط لها بإذن الله تعالى، بدأت الآن تعود هذه الأمة.

أمس كنت أقول لأحد إخواني عندكم الأمة الهندية، هذه حضارتها من آلاف السنين، أليس كذلك؟ عندها حضارات قديمة، شيئ عجب! ثم إنهم في العدد لا يُستهان بهم، هل الهنود بحضارتهم تسبَّبوا مرة في صداع – Headache – أو مُشكِلة للعالم؟ لا، هم مُنكفئون في حالهم، ما معنى أن هذه الأمة العجيبة التي أتت من الصحراء مع رجل اسمه محمد بن عبد الله تتسبَّب في عمل دوشة للناس؟ وهي لم تُقدِّم إلا الخير بحمد الله، وحكمت العالم هذا ألف وأربعمائة سنة، كانت الأمة رقم واحد، وسقطت خلافتها نعم لكن ها هي بعد أن سقطت عادت من ثمانين سنة وأحدثت أيضاً صداعاً للعالم من جديد وبدأت تُقلِقه، أمة عجيبة! أليس كذلك؟ أمة فيها حراك، فيها قوة، فيها عنفوان، وفيها حيوية، ليست أمة هبلة كأمة الهنود الجالسة، ليس عندنا هذا نحن، هذه أمة أُخرِجت للناس، أليس كذلك؟ لم تُخرَج لنفسها، ولذلك قال أبو هُريرة في الصحيح خير الناس للناس، هذا معنى أنها أُخرِجت للناس، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩، فمعنى خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩ أي خير الناس للناس، فهذه أمة عندها رسالة يا أخي، هذا ليس أي كلام، هذه رسالة حضارية، وهم يفهمون الكلام هذا، يفهمونه! لو كنا مثل الهنود لأخذوا بعض البترول منا وتركونا، هم مُشكِلتهم ليست مع البترول كما يقول بعض العلمانيين، يقول الواحد منهم هم يُريدون خيراتنا، لكن لا يا حبيبي، هم لا يُريدون خيراتنا فقط، فأكثر شيئ يخافون منه هو رسالتنا الحضارية، وقد صرَّحوا بهذا عدة مرات، ويعرفون أن هناك رسالة حضارية فعلاً تستقطب الناس وتُعطي الأمة استقلالية وتُعطيها حراكاً عالمياً لكي تستقبل دورة عالمية ثانية – بإذن الله – في أقل من ثمانين سنة، أي قبل ثمانين كانت في دورة عالمية وعمرها ألف وربعمائة سنة، وسوف تعود وتأخذ دورة أُخرى بعد ثمانين سنة، خطير الشيئ هذا! أليس كذلك؟ هذا وعد رسول الله وهو صادق، وهناك مواعيد لرسول الله واضحة جداً جداً جداً، فاستبشروا إن شاء الله تبارك وتعالى، البطولة أن نكون في هذا الطريق، لذلك قلت لكم فرق بين الذين ذهبوا لكي يروا ميزو وبين مَن تُقدِّم ابنها شهيداً، سُبحان الله اختلف الوضع، المُستوى اختلف كثيراً كثيراً كثيراً، أكثر مما نتخيَّل، ولله الفضل والمنّة، وهذا في كل مكان، ليس في فلسطين فقط وإنما في كل مكان والحمد لله، في الفضائيات الآن شيئ مُشرِّف يا أخي، ها هن الأخوات المُمثِّلات المصريات وغيرهن، هناك مَن كانوا مُمثِّلين بالأمس ثم أصبحوا دُعاة يا أخي، وتشعر أن عندهم وعي وعندهم إخلاص، أنا أمس شاهدت رشوان توفيق لربع ساعة، أُقسِم بالله بكيت، وبكيت مرات عديدة يا أخي، تشعر أنك أمام رجل صالح يا أخي، هذا رشوان توفيق الذي مثَّل دور الشافعي، أنا أُحِبه من أيام دوره عن الشافعي، فهو مثَّل دور الشافعي ومثَّل دور عمرو بن العاص وما إلى ذلك، شيئ غريب، مُمثِّل هذا، أنت أمام رجل من أهل الله فعلاً، ورأى الرسول محمداً ورأى مريم ورأى الخليل إبراهيم، عجيب عجيب! ما هذا الخير الذي في الأمة هذه؟ وهو مُمثِّل، هو ليس شيخاً وليس أزهرياً، أليس كذلك؟ فيها خير – الحمد لله – الأمة هذه، فيها خير كثير، زادها الله – إن شاء الله – وزادنا وجعلنا من أهل الخير فيها.

اللهم صل على سيدنا محمد، يقول الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه رحمة واسعة:

حَـسْبُ نَـفْـسِي عِـزًّا بِأنِّيَ عَـبْـدُ                          يَحْـتَـفِـي بِـي بِلا مَـوَاعِـيـدَ رَبُّ.

هُـوَ فِي قُدسِه الأعَـزُّ وَلَـكِنْ                                  أَنَا ألْـقَى مَـتـَى وَأيْـنَ أُحِـبُّ.

رحمة الله على الشيخ الشعراوي، أرأيت؟ يقول هُـوَ فِي قُـدسِـه الأعَـزُّ، عز وجل لا يُوجَد مَن هو أكبر منه، وأنا – قال – العبد الحقير الصغير التافه أستطيع أن ألقاه وأدخل عليه وقتما أردت وفي أي مكان، وجُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، في أي مكان تقدر أن تتوضأ وتُصلي، قال ميمون بن مهران – تعرفون ميمون بن مهران، هذا كان وزير عمر بن عبد العزيز ومُستشاره، رجل من أولياء الله الكبار، جعله مُستشاراً، هو كان من الأولياء وكان مُستشاراً له، في مرة سوف نقول لكم قصته مع سيدنا عمر، المُهِم ماذا يقول ميمون؟ – مَن مثلك أيها المُؤمِن؟ مَن مثلك؟ ما عليك إلا أن تأتي الميضأة فتتوضأ ثم لا يُحال بينك وبينه، مع الملك أنت، في لحظة تكون معه، في لحظة! جرِّب أنت تأخذ موعداً مع هويبلHäupl ، قديماً أنا رأيت حين كنا في الجامعة العربية مُشكِلة كبيرة في اجتماع مجلس السفراء، السفير الفلاني – لن نذكر اسمه – والسفير العلاني – الاثنان سفراء – انزعجا جداً وطالبا أن يُدرَج بنداً ما إلى جدول الأعمال، لماذا؟ لأن هويبل Häupl – مُحافِظ فيينا – رفض أن يستقبلهما، فقال أحدهم كيف وأنا من الدولة الفلانية والمملكة العلانية؟ والمسكينان كانا من المملكة، وهو رفض أن يُقابِلهما، قال ليس عندي وقت، ليس عندي وقت لكي أُقابِلكما، سفراؤنا حقَّرونا، لأنهم لو كانوا أعزاء وكانت دولهم أعزة وتحترم نفسها لتشرَّف بأن يستقبلنا، أليس كذلك؟ هو عمدة وأنت تُمثِّل دولة، تُمثِّل المملكة، أليس كذلك؟ طردهما، قال ليس عندي وقت، آسف! ولو بعد شهر ليس عندي وقت، فانزعجا جداً جداً، أليس كذلك؟ فنحن رأينا هذا، هذا سفير لكن أنت يا مُسلِم أعز من هذا السفير وأعز من دولته ومن ملكه مليون مرة، لأنك تستطيع أن تُقابِل مَن؟ رب العالمين ووقتما أردت، لكن الشطارة والبطولة ليست في أن تُقابِله على أي حال، الشطارة في أن تصير عبداً تُخوِّف، حين تتوضأ وترفع يديك الناس تعرف أن هذا يُستجاب له، أليس كذلك؟ هذه الشطارة، ومن ثم تصير فعلاً رجل الملك، تصير رجل الله، ولي الله حقاً، حين تقول له يا رب لا يقول لك اسكت أو خسئت، يقول لك لبيك عبدي، سوف أُعطيك ما تُريد، ومن ثم تُخوِّف، أنت تصير جيشاً.

أنتم تعرفون قصة قُتيبة بن مُسلِم مع محمد بن واسع البِصري، ذهبوا في بلاد ما وراء النهر ومكثوا أشهراً ولا يُفتَح عليهم، وقُتيبة كل يوم ينظر إلى هذا الرجل وهو قائد مُسلِم عظيم، كان ينظر إليه ويسأل هل دعا الله أم لا، وهو رجل كبير، بلغ سبعين سنة، شيخ ضعيف مهزول معروك، وفي يوم من أيام الصباح رفع السبابة، فقالوا له رفع السبابة ودعا، قال الله أكبر، جاء النصر إن شاء الله، أرأيتم؟ أرأيتم هذا القائد؟ قائد رباني يعرف أن الحكاية ليست بالقوة وليست بالشباب، قالوا لماذا أنت مُستبشِّر هكذا؟ هذا شيخ كبير، فماذا سيفعل لك؟ قال لهم أهذا عجوز؟ قال لهم والله الذي لا إله إلا هو لسبابة ابن واسع البِصري أفضل عندي من عشرة آلاف سيف شهير وشاب طرير، ما معنى طرير؟ أي طرت لحيته وشاربه، بمعنى أنه فوق السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، شباب أقوياء ويحملون السيوف، هو أحسن من عشرة آلاف واحد منهم، وفعلاً نُصِروا في نفس اليوم، الله تأذَّن له هكذا، ادع بالنصر! فرفع السبابة ودعا، أرأيتم كيف؟ العبد يُمكِن أن يكو أكرم على الله من أمة كاملة، أليس كذلك؟ أمة من الفسقة، من المخذولين، أمة من الذين أخذوا الإسلام كمظاهر ورسوم، ليس عندهم قيمة عند الله، انتبهوا! الحكاية ليست بالمظاهر، وشيخ كبير يبلغ السبعين سنة وهو فقير ضعيف – ليس جيشاً وما إلى ذلك – قد يكون أحسن عند الله من أمة، لو دعا ينصرهم الله من أجله، النبي قال أبغوني ضعفاءكم، وفي لفظ أبغوني في ضعفائكم، هل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم؟ بصلاتهم واستغفارهم النبي قال، نصركم يأتي بسبب الضعفاء هؤلاء، بدعائهم وباستغفارهم لله تبارك وتعالى، لا تستهينوا بأولياء الله، ولذلك هناك إمام الجليل – إمام بمعنى قائد، أي إمام عسكر – اسمه نظام المُلك السلجوقي وأنتم تعرفونه، هذا الذي أنشأ المدارس النظامية وتسبَّب في ثورة علمية رهيبة في العراق ما شاء الله عليه، وزير سلجوقي كبير على المذهب الأشعري وعلى المذهب الشافعي، هذا الرجل ماذا قال للملك السلجوقي؟ قال له أنا أعددت لك جيشاً لا يُبارى وهو خير الجيوش ولا يُقهَر، قال له أين هو؟ ظن أن هناك جيشاً، قال له جيش الظلام، جيش الليل! أنا أهتم كثيراً – قال له – بالأولياء وبالدعاء وبأهل قيام الليل والتهجد، أهتم بهم وأُيسِّر لهم كل الأمور، هؤلاء في الليل يقومون ويُصلون ويدعون ربهم، أحسن جيش نُنصَر به إن شاء الله تعالى، أرأيتم كيف كانت تطلب الأمة النصر؟ واليوم يطلبونه يا إخواني – لا أعرف كيف يطلبونه – من أمريكا يطلبونه ولن يرونه بصراحة.

قال لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ۩، الآية واضحة، والآية التي بعدها أيضاً واضحة: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ۩، كلها واضحة.

۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ۞

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۩، هو القرآن الكريم، وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ۩، وهو أيضاً القرآن الكريم.

۞ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ۞

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ ۩، وقلنا الرحمة تُفسَّر بماذا؟ بالجنة، وفهمنا لماذا تُسمى الجنة رحمة، أليس كذلك؟ من باب تسمية المحل باسم الحال، لأنها محلٌ للرحمة، وهذا مجاز عقلي، أي تسمية المحل باسم الحال، لكن فيه إشارة لطيفة، ما هي الإشارة كما قلنا؟ أن سبب دخول المُؤمِنين الجنة هو رحمة الله لا محض العمل، وفي الصحيحين لن يُدخِل أحدكم الجنة عملهُ أو لن يدخل أحدكم الجنة بعملهِ، قال ولا أنا، وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ۩.

۞ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۞

آخر شيئ – آخر آية بحمد الله – يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ۩، إذن ماذا صار تقدير الآية؟ يستفتونك في الكلالة قل الله يُفتيكم في الكلالة، انتبهوا! لكن أيهما أحلى؟ قول الله أحلى، لأن القول الآخر سيكون يستفتيكم في الكلالة قل الله يُفتيكم فيها أو قل الله يُفتيكم في الكلالة، تكرار! لكن انظر إلى قوله تبارك وتعالى، يقول يَسْتَفْتُونَكَ ۩، أنت حين تقرأ يَسْتَفْتُونَكَ ۩ كيف تقرأها؟ عبد الباسط كان فناناً في القراءة، أنا أُحِب قراءته جداً، كيف يقرأها؟ يقول يَسْتَفْتُونَكَ ۩ ويقف، ثم يقول قُلِ اللَّهُ ۩، لماذا؟ لكي يجعلك تُفكِّر، يترك لك فراغاً لكي تُفكِّر فيه، يَسْتَفْتُونَكَ ۩، في ماذا؟ قال لك قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ۩، أرأيت؟ فيها تصوير فني أيضاً هذه، فيها لمحة فنية!

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ۩، ما هي الكلالة؟ نُريد واحداً سمع الدرس الذي تحدَّثنا فيه عن الكلالة لكي يُجيب ويُلخِّصها سريعاً لأننا شرحناها، (ملحوظة) أجاب أحد الحضور قائلاً مَن مات وليس له فرع ولا أصل، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا هو، فتح الله عليك، مَن مات وليس له فرع ولا أصل وارث، لا فرع ولا أصل! أي لا والد ولا ولد، هذه هي! وبذا فسَّرها مَن؟ سيدنا أبو بكر الصديق، وهذه الكلالة غلَّبتهم كثيراً، سيدنا عمر في الصحيح قال لم أسأل الرسول عن شيئ مثلما سألته في الكلالة، دائماً يقول الكلالة يا رسول الله، فسِّرنا لها إياها وما إلى ذلك، في آخر مرة قال فطعنني في خاصرتي، طعنه وقال له يكفيك فيها آية الصيف التي في النساء، أي في آخر النساء، واضحة الحكاية لكن أنت لا تنتوي أن تُشغِّل مُخك قال له، وبالمُناسَبة – انتبهوا – يُوجَد هنا سر كبير، قد يسأل أحدكم ويقول لماذا يا أخي؟ هذا سيدنا عمر، وهو رجل ذكي جداً جداً، وكان من فقهاء الأمة الكبار وكان مُلهَماً، وغابت عنه أشياء في الكلالة، وحتى قبل أن يموت كان يقول – وهذا في الصحيحين – وددت أن رسول الله عهد إلينا في مسائل ثلاث عهداً ننتهي عنده، ما هن؟ قال في الكلالة والجد – هذا الجد تسبَّب في مُصيبة في الميراث، الجد يتسبَّب في مُصيبة، عنده أحكام عقَّدت الدنيا، وفعلاً مُعقَّدة جداً أحكام الجد، أعقد شيئ في الميراث الجد – وأبواب من أبواب الربا، أي مسائل مُعيَّنة في الربا لم تكن واضحة، وفعلاً الربا فيه بعض الأشياء والألغاز، أي أن سيدنا عمر مات وهو لم يشتف في موضوع الكلالة، وهنا قد يقول أحدكم لماذا؟ هذا غريب، ما دام فيها آيات لماذا لم يُوضِّح له النبي بالضبط ما يُريد؟ هذا مقصود، مقصود أن يترك النبي أشياء مُعيَّنة لكي يتحرَّك فيها العقل الاجتهادي، هكذا الله يُريد وهكذا النبي يُريد، وإلا كان يقدر أن يقول له تعال، ويُوضِّح له كل شيئ، يقول له الأمر الأول كذا والثاني كذا والثالث كذا والعاشر كذا وينتهي كل شيئ، لكنه لا يُريد هذا، اذهب واجتهد أنت أيضاً، واترك غيرك يجتهد، وظل الصحابة يختلفون في معنى الكلالة وما إلى ذلك، في خلافة الصديق قال لهم أقول فيها برأيي، أي سأجتهد فيها أنا إن شاء الله – ولا آلو، أي لا أُقصِّر، فإن كان صواباً فمن الله والحمد لله، وإن كان خطأً فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله بريئان من ذلك، الكلالة مَن لا والد له ولا ولد، هكذا أنا فهمت قال لهم، لا أصل ولا فرع، والناس وافقوه وتقريباً المسألة فيها شبه إجماع – كما قلنا – بل حكى فيها ابن عبد البر الإجماع، سيدنا عمر صحيح لم يكن مُرتاحاً بالكامل – كان عنده مُشكِلة إلى حدٍ ما في قلبه – لكنه حين صار خليفة قال أستحي أن أقول فيها بغير قول أبي بكر، أي أستحي أن أُخالِف أبا بكر، سوف أقول مثله، مَن لا ولد له ولا ولد، رغم أن عندي شيئ من الشك لكن هذا هو، في آخر حياته – روى ابن جرير بإسناد صحيح، الإسناد صحيح، هل تعرفون ماذا قال لهم؟ – قال لهم بمعنى الكلام لأقولن في الكلالة قولاً يعجب منه الناس، أي سآتي فيها باجتهاد غريب وعجيب، إذ وقعت حية من السقف، وقعت حية! فقال يأبى الله تبارك وتعالى، لن أقول، فهم! الله قال له لا، لا نعرف هل اجتهاده كان صحيحاً أو خطأً ولماذا، لكن وقعت حية فتنافر الناس وخافوا، فقال يأبى الله تبارك وتعالى، لن أقول، كان رجلاً وقّافاً عند حدود الله، الله بعث له رسالة كونية، هذه الحية رسالة لكي لا يقول، اترك هذا الشيئ، دعها كما اجتهد أبي بكر، وإن شاء الله هذا الصحيح، واجتهاد أبي بكر القرآن يُوضِّحه بشكل واضح، لكن هناك مُشكِلة، وسوف نرى ما هي المُشكِلة.

إذن الكلالة مَن لا أصل له ولا فرع وارثان، أُخذِت من الإكليل يُحيط بجوانب الرأس، لماذا؟ لأن الأصل والفرع من فوق ومن تحت، أليس كذلك؟ وأما الحواشي الإخوة والأخوات ومَن منهم، فقط هذا هو، فلُغة حتى واضح!

قال إِنِ امْرُؤٌ ۩، وقلنا مرة الكلمة هذه – امْرُؤٌ ۩ – من عجائب الكلمات العربية، أنا لا أعرف لها ثانية في اللُغة العربية، أعني في الصرف، ما العجيب فيها؟ قال إِنِ امْرُؤٌ ۩، كلمة امرؤ كيف تقولها؟ إِنِ امْرُؤٌ ۩، ورأيت امرَأً، ومررت بامرِئٍ، عين الاسم – أي عين الكلمة – تحريكاً يتبع لامها، أليس كذلك؟ مَرَأَ فَعَلَ، عين الاسم يتبع لامه، وهذا غريب يا أخي، أنت تقول رَجُلٌ ورَجُلاً ورَجُلٍ، أي تضم الجيم، أليس كذلك؟ لكن هنا تقول امرُؤٌ بضم الراء وامرَأً بفتح الراء وامرِئٍ بكسر الراء، أذن عينها يتبع لامها، أف! مُختلِفة، الكلمة الوحيدة التي أعرفها في الصرف بالطريقة هذه، هي هكذا، احفظها هكذا، تقول جاء امرُؤٌ من كذا وكذت ورأيت امرَأً – أي فتحت الراء، ليس الهمزة فقط، حتى الراء، أي العين، فالعين هي الراء واللام هي الهمزة – ومررت بامرِئٍ، فهذه هي الكلمة.

قال إِنِ امْرُؤٌ ۩، أي إنسان ذكراً كان أو انثى، انتبهوا! فهي تُطلَق على الاثنين وليس على الرجل فقط، هَلَكَ ۩، أي مات، لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۩، أرأيتم كيف هي المُشكِلة في الكلالة؟ الله ماذا قال؟ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ۩، لم يقل وليس له والد، ومن هنا المُشكِلة، لكن أيضاً بنص الآية هو الذي ليس له ولد ولا والد عند التأمل، كيف إذن؟ الذي لم يدرس الميراث لن يعرف الجواب، صعب! قال إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ ۩، (ملحوظة) أجاب أحد الحضور قائلاً لأن الوالدين يحجبان الإخوة، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، فتح الله عليك يا أخ إبراهيم، ما شاء الله عليك، هذا الجواب الصحيح ولا يُوجَد جواب غيره، لأن الوالدين يحجبان الإخوة، الأخت مُستحيل أن تأخذ، فالآن لو كان له والد مُستحيل أن تأخذ الأخت شيئاً، معروف! لو كان له والد الأخت لا تأخذ شيئاً، والأخت هنا كم تأخذ؟ النصف، فإذن معنى الآية ليس له ولدٌ ولا والدٌ وله أختٌ فتأخذ النصف، فقط هذا هو، علماً بأن هذا بالإجماع، بالإجماع ليس للأخت مع الوالد شيئ.

فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا ۩، هذه قاعدة في علم الميراث، انتبه! الميراث كيف يكون؟ بالفرض وبالتعصيب وبالرد على أولي الأرحام، هناك أُناس يأخذون بالفرض، أي لهم فرضهم، وهناك أُناس يأخذون بالتعصيب، ما التعصيب؟ بعد أن يأخذ أصحاب الفروض تأخذ العصبات، والفروض كما قلنا ستة، عندنا النصف والربع والثمن، الثُلثان والثُلث والسُدس، هذه الأنصباء لأصحاب الفروض، فإذا احتاز أصحاب الفروض أنصباءهم وبقيت بقية مَن يحتازها كلها؟ العصبات، العصبة يأخذونها كلها، لماذا؟ للحديث المشهور في الصحيحين – مشهور عند العلماء وعند العامة حتى – عن ابن عباس، قال – صلى الله عليه وسلم – ألحقوا الفرائض بأهلها، فإن أبقت وفي رواية فما بقي بعد الفرائض فلأولى رجل ذكر، أي لأولى عصبة، هذا هو الحديث، هل فهمتم كيف؟ إذن عندنا فرائض وعندنا عصبات وعندنا أحياناً مَن يأخذ بالفرض وبالتعصيب كالوالد، فهو أحياناً يأخذ بالفرض وبالتعصيب أيضاً، يأخذ فرضه وإن بقيَ شيئاً يأخذه تعصيباً، أحياناً إذا كان الإنسان كلالة ولا يُورَث تعصيباً لأن لا تُوجَد عصبة ويبقى شيئ بعد أصحاب الفروض في الكلالة ماذا نفعل؟ نرد على أولي الأرحام، مَن هم أولوا الأرحام؟ قرابات من غير عصبة، هل فهمتم؟ هذا موضوع طويل في الفقه لا نُريد أن ندخل فيه، لكن هذا هو الجواب باختصار.

قال فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۩، أي أنها أيضاً كلالة، تُورَث كلالة، ليس لها أصل ولا فرع وارث، وأخوها من الحواشي، أليس كذلك؟ كلالة.

وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۩، انتبهوا! قال يَرِثُهَا ۩، إذن كم يأخذ؟ الكل، لا يأخذ النصف، هي التي تأخذ النصف، فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ۩ أو أزيد، انتبهوا هنا، فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ۩ أو أزيد، الأزيد لهن حُكم الثنتين، إذا له أختان أو ثلاث أخوات أو أربع أو عشر فكلهن أيضاً لهم الثُلثان، ومن هنا أُخِذ استنباطاً حُكم البنتين فأكثر، أليس كذلك؟ اُخِذ من هنا حُكم البنتين فأكثر، لماذا؟ لأن إذا كان للأختين لما قال فَلَهُنَّ ۩، قد يقول أحدكم أن الله قال فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ۩، لكن نحن قلنا حقيقة الآية بنصها – فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ۩ – تتحدَّث عن ثلاثة، بدليل قولها فَلَهُنَّ ۩، هناك أُناس قالوا لا، لأنه قال فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ۩ ونحن قلنا فَوْقَ ۩ زائدة، أليس كذلك؟ مثل فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ ۩، أليس كذلك؟ لكننا نقول هذا الكلام غير صحيح وفيه تكلف بارد، لماذا؟ لأن لو كان المقصود أنها زائدة وكانت فإن كن نساء اثنتين لقال فلهما الثُلثان، لكنه لم يقل فلهما، ماذا قال؟ فَلَهُنَّ ۩، قال فَلَهُنَّ ۩، إذن هو يتحدَّث عن جمع، إلا أن نبحث موضوع الجمع أقله اثنان أو ثلاثة؟ دخلنا في معمعة لُغوية، لا علينا من هذا، لكن لو أخذنا بظاهر الآية في النساء فسوف نجد فعلاً أن قوله فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ۩ في الثلاثة فما فوق، نصيب البنتين – البنتين فقط – من الوالد كم؟ يكون بالقياس على الأُختين، إذا كان للأُختين الثُلثان فمن باب أولى أن يكون للبنتين ذلك، أليس كذلك؟ وهذا أيضاً إجماع، أجمعت عليه الأمة، هذا الصحيح!

فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء ۩، كلهم حواشٍ، لكن ليس فقط الإناث، فهناك ذكور أيضاً، فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ۩، قلنا ما معناها؟ لأن لا تضلوا، محذوفة الـ لا، يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ۩ بقصد أن لا تضلوا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۩.

اللهم يا مُعلِّم إبراهيم علِّمنا، اللهم يا مُفهِّم سُليمان فهِّمنا، وزِدنا علماً وانفعنا بما علَّمتنا وتقبَّله منا صالحاً خالصاً لوجهك الكريم.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: