الحمد لله رب العالمين، الحمد لله والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

 الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر ما صلى عبدٌ وكبَّر، الله أكبر ما صام صائمٌ وبأمر الله – سُبحانه – ورحمته أفطر، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، اللهم ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، وأنت الإله الأعظم الأجل الأكبر، حمداً يُوافي نعمك ويُكافئ مزيدك.

أنعمت ومننت وأعطيت وأسبغت وأنعمت وأوليت وأجملت وسترت وهيأت وأعنت ووفَّقت وسدَّدت، فلك الحمد إلهنا، لك الحمد على كل لسان، لك الحمد في كل أين وآن، لك الحمد في كل زمان ومكان، لك الحمد يا ربنا عدد خلقك ورضا نفسك وزِنة عرشك ومداد كلماتك، لك الحمد إلهنا ومولانا وخالقنا ورازقنا وسيدنا، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.

والله أكبر كبيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، ولا سمي له، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ۩، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا وعظيمنا وقدوتنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده، مالك أزمة المُرسَلين، ومُقدَّم لواء النبيين، وأفضل خلائق الله أجمعين، خير مَن صام وصلى ومَن صام وأفطر، خير عباد الله طراً، الصادق المصدوق، الأطهر الأكرم الأبر، فاجعل اللهم شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفة تحننك على عبدك ونبيك وصفيك وحبيبك وخيرتك، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين الميامين المُجاهِدين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى المُسلِمين والمُسلِمات معهم بفضلك مولانا ومنتك، ولك الفضل وحدك والمنة، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ۩.

إخواني وأخواتي:

يومٌ هذا من أيام الله المشهودات، إنه يومٌ مشهود من أيام الله سُبحانه وتعالى، ربنا الذي يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ۩ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ۩ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ۩ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ۩، سُميَ عيداً لأن لربنا – سُبحانه وتعالى – فيه عوائد الإحسان التي عوَّدها أهل العبادة والصدق والامتنان، ومن عوائده الجليلة ومواهبه السخية ونعمه السوابغ في هذا اليوم الكريم – أيها الإخوة والأخوات – أنه يغفر الذنوب وأنه يُعتِق الرقاب وأنه يستر العيوب وأنه يُجيب دعاء الداعي إذا دعا، قال الإمام الشافعي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – بلغنا أن الله – سُبحانه وتعالى – يستجيب الدعاء في خمس ليال، ليلة الأولى من رجب – أي الليلة الأولى من رجب -، وليلة النصف من شعبان، وليلة الجُمعة، وليلتي العيد، أي عيد الفكر وعيد الأضحى، ويا لها من كرامة ومن موهبة سابغة أن هذا اليوم جمع عيدين: عيدنا من رمضان وعيد الجُمعة! فلله الحمد والمنة، ونسأل الله أن تكون تلكم علامة منصوبة على حُسن الإسعاد والقبول، اللهم آمين.

خطب الراشد الخامس ابن عبد العزيز – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – في مثل هذا اليوم قبل دهر داهر ويوم غابر فقال أيها الناس أتدرون ما مخرجكم اليوم؟ فأرموا ولم يُجيبوا، فقال صُمتم لله ثلاثين يوماً، وقُمتم له ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون الأجر والمغفرة، اللهم وإنا نُشهِدك أن ما أردنا بصومنا – إن شاء الله – ولا بقيامنا إلا وجهك الكريم، وهل يُعذِّب المرء نفسه ويدأب جسمه ويُجهِد حاله إلا وهو طامع في الكريم سُبحانه وتعالى؟ وإلا فقد خاب وخسر سعيه.

هذا مخرجنا – أيها الإخوة والأخوات – بعد أن قضينا ثلاثين يوماً وثلاثين ليلة إلا قليلاً في عيد مُتصِل نشهد فيه عطايا الباري ومنح المُتفضِّل الجليل، لا إله إلا هو! نشهد فيه نفاحاته وإقبالاته علينا كل يوم وأحياناً كل ساعة وكل ليلة، وله الحمد والمنة أولاً وآخراً، جئنا فرحين، وحق لنا أن نفرح وحق لنا أن نُسَر، ولِمَ لا نُسَر ولِمَ لا نفرح ونحن عباد الرحمن الذين وفَّقنا إلى طاعته حين استغرق غيرنا في معصيته وفي مُناكَدته وفي تنكب سبيله سُبحانه وتعالى؟ وهو القائل – عز من قائل – قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ۩، لِمَ لا نفرح بفضل الله؟ لِمَ لا نفرح برحمة الله سُبحانه وتعالى؟ وحاشانا أن نكون من الفرحين الذين يُبغِضهم الله تبارك وتعالى، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ۩، لسنا مِمَن يفرح – أيها الإخوة والأخوات – بزخرف الدنيا ولا بغرورها الحائل ولا بعرضها الزائل، إنما نفرح بتوفيق الله إيانا – سُبحانه وتعالى من مُوفِّق وجل سُبحانه وتعالى من مُساعِد مُعين – إلى عبادته وإلى ذكره وإلى طاعته وإلى الالتزام بكلامه – سُبحانه وتعالى – وتنصيب الأقدام بين يديه وتعفير الوجوه سُجداً ضارعين إليه – سُبحانه وتعالى – آناء الليل وأطراف النهار، وحق لنا أن نفرح، حق لنا أن نفرح!

ولست بِمفراحٍ إذا الدهر سرَّني                          ولا جازعٍ مِن صرفِه المُتقَلِّب.

وإنما أنا فرح برحمة الله سُبحانه وتعالى، قال أحد العارفين – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ما فرح عبد بغير الله إلا من جهله بالله، ما فرح عبد بغير الله – ما فرح عبد بمال، ما فرح عبد بمنصب، ما فرح عبد بشهوة، ما فرح عبد بنوال، ما فرح عبد بأي شيئ غير الله – إلا لأنه جاهل بالله، فمَن عرف الله كان الله فرحته العُظمى، مَن اتصل بالله كان الله – سُبحانه وتعالى – غناه الأكبر، كان هو ينبوع فرحته ومصدر سعادته!

وكان فؤادي خالياً قبل حُبكم                            وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح.

فلما دعا قلبي هواك أجابه                                  فلست أراه عن فنائك يبرح.

رميت ببُعد منك إن كنت كاذباً                         وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح.

وإن كان شيئ في البلاد بأسرها                       إذا غبت عن عيني لعيني يملح.

فرحنا بالله – سُبحانه وتعالى – هو فرح كل مَن عرف الله سُبحانه وتعالى، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره – قيل كلما أفطر حين تؤوب الشمس وتغيب، وقيل في هذه الصبيحة، الفطر الأكبر! بعد ثلاثين يوماً من الجهد والاجتهاد، هكذا! – وفرحة عند لقاء ربه، إذا كنا نفرح هذه الفرحة الصُغرى فما عساها تكون فرحتنا إذا لقيناه سُبحانه وتعالى؟ 

فكَّرت وأنا قادم إلى هذا المسجد المُبارَك بعد أن أعدت النظر في هذه الجُملة النبوية الجليلة فخطر لي أنه – سُبحانه وتعالى – بفضله ومنه سيُفرِحنا بعتق رقابنا من نار جهنم، وهذه هي الفرحة الكُبرى، ماذا نُريد؟ ماذا سيُفرِحنا يوم القيامة إلا أن يقول لنا عبادي لأجلي صُمتم ولأجلي قُمتم، وبسمعي وبصري ما صُمتم وما قُمتم، عبادي لأجل ضحيتم شهواتكم، كان أحدكم يتشوَّق ويتحرَّق إلى الماء، إلى الطعام، وإلى أهله، فيمنع نفسه ويقول إني صائم لأجل الله سُبحانه وتعالى، لا رياء، لا نفاق، لا دغل، ولا دخل، فما عساي أُعطيكم اليوم؟ اذهبوا فأنتم العتقاء؟ كما أعتقنا أنفسنا من نيران الشهوات والأهواء سيُعتِقنا – إن شاء الله تبارك وتعالى – من نار جهنم، اللهم إنا نرغب إليك في ذلك ونسألكه يا رب العالمين بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا، وفرحة عند لقاء ربه، يا لها من فرحة! 

إن يوماً جامعاً شملي بهم                              ذاك عيدي ليس لي عيد سواه.

صنع الرجل الصالح عبد الواحد بن زيد يوماً طعاماً ودعا إليه إخوانه في الله – من أولياء الله – فأقبلوا يزفون، وقام الرجل الصالح الكبير عُتبة الغُلام – قدَّس الله روحه – على رؤوسهم يخدمهم ويدور عليهم بالصحاف والأواني وهو صائم، لم يذق شيئاً، وجعل عبد الواحد يُسارِقه النظر، ينظر إلى هذا الصائم الرباني المُتألِّه الذي يخدم إخوانه وكأنه أصغرهم، وكان أكرمهم على الله وأجلهم، رضيَ الله عنه وأرضاه، فرأى دموعه تنهمل على وجنتيه الشريفتين، فعجب لأمره! فخلا به بعد مُدة وسأله يا عُتبة ما الذي أبكاك في هذا الموقف، فقد كنت أُسارِقك النظر؟ قال يا أخي كنت أطوف عليهم وتذكَّرت المُؤمِنين المُحسِنين، إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ۩، وعدٌ من رب العزة، لا إله إلا هو! آمنت وأردفته بعمل صالح، أنت موعود ألا تُكفَر، أنت موعود ألا تُجحَد، ألا تُبخَس، ألا يُضيَّع عملك، إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ۩، أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۩، سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا ۩، قال تذكَّرت عباد الله من أهل الإحسان بين يدي الله في جنات النعيم والرضوان والولدان على رؤوسهم، كرامتنا هناك، ليست الكرامة هنا، فغُشيَ على عبد الواحد بن زيد، رضيَ الله عنه وأرضاه، تخيَّل هذا المشهد الجليل!

جسمي معي غير أن الروح عندكم                  فالجسم في غربة والروح في وطن.

هكذا دائماً أرواحهم مُعلَّقة برب العزة، مُعلَّقة بالملأ الأعلى، تعبر من الزائل إلى الدائم ومن الفاني إلى الباقي.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، من عوائد الله في هذا العيد الطيب المُبارَك صدقة الفطر، والصدقات عموماً والتوسعة على النفس وعلى العيال وعلى الإخوان وعلى الأحباب والخِلان هذه من عوائد الله، ولذا سُميَ العيد عيداً، يتفقَّد الغني الفقير، ويتفقَّد الواجد المُعدِم والمُثري المُترِب، ويمسح مَن يستطيع دمعة يتيم، ويرسم بسمة فرح وسرور على الشفاه البائسة، هذه من عوائد الله – سُبحانه وتعالى – وأجرها عظيم.

وللحق والحق أقول بارك الله في أهل هذا المسجد المُبارَكين والمُبارَكات وكثَّر الله من أمثالهم، والله إني لأدعو لهم بظهر الغيب ولنفسي إن شاء الله تعالى، فأنا فرح بهم ومسرور، كثَّر الله في الأمة من أمثال هذه النفوس البرة الطاهرة، إلى ليلة أمس والتبرعات والصدقات تنهل علينا، عشرات الآلاف! وسيأتيكم البيان في وقته قريباً إن شاء الله تبارك وتعالى، شيئ يُفرِح المُؤمِنين، لقد سدوا – والله تبارك وتعالى – خللاً عظيماً، سدوا مسدة كبيرة في هذا البلد وفي بلاد إسلامية أُخرى كثيرة بحمد الله تبارك وتعالى، فيا ليت المُسلِمين جميعاً يكونون على هذا النحو أو أفضل منه أو خيراً منه، اللهم آمين، ولله الحمد والمنة، وأسأل الله في مقامي هذا في هذه الساعة المُبارَكة أن يخلف على كل مَن دفع شيئاً كثيراً كان أو يسيراً خيراً منه، اللهم وسِّع لهم في أرزاقهم، اللهم افسح لهم في دنياهم وفي برازخهم وفي موقفهم بين يديك يوم الدين، اللهم آمين، لأنهم أهلٌ أن يُدعا لهم وأهلٌ أن يُظهَر لهم الامتنان، هؤلاء الذين تحقَّقوا بحقيقة الجسد الواحد والروح الواحدة والأمة الواحدة وذكَّرونا بالإسلاف الصالحين!

حكى الإمام الواقدي – رحمة الله تعالى عليه – الآتي، قال مستني ضيقة شديدة، مستني ضيقة – أي ضيق مالي – شديدة، فقالت لي امرأتي – وحضر العيد في مثل هذه الأوقات المُبارَكة – يا عبد الله – والله – لو كان الأمر يعنيني وإياك وحدنا لما باليته، ولكن هؤلاء الصبية يكادون يُحطِّمون قلبي، يرون صبية الجيران وهم يمرحون ويتخذون أحسن زينتهم وليس عندهم ما يتزينون به والحال كما تدري، فتدبَّر الحال رحمك الله، قال وكان لي أخوان في الله، أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، وهكذا كانت الأمة الواحدة، بصدق لا بدعوى، نسأل الله أن يُبرئنا من الدعاوى، فما أكثرنا دعاوانا! قال فأرسلت إليه أي يا أخي إنني لفي ضيق شديد، ففرِّج علىّ بما فتح الله عليك به، قال فإذا بكيس بختمه فيه ألف درهم، فيه ألف درهم! وقد بعث به إلىّ، فأخذته وفرحت به أنا وزوجتي التي استُطيرت من الفرح، وقبل أن نسعد بفتحه إذا بالباب يُدَق، فإذا بأخينا الثالث – الصديق الثالث – يأتي مُنكسِراً مُنكِّساً رأسه يشكو مثل ما شكوت للهاشمي من الضيق، قال فوالله لقد نزعته إليه بختمه، انظروا إلى الشهامة والعفة والأُخوة والكرم والتفاني والإيثار، شيئ عجيب! نفوس ماجدة، هكذا كانت هذه الأمة المرحومة، وهذا أخرج محمد – صلى الله عليه وسلم – أمة عظيمة، لم تكتحل عين التاريخ بمثلها، قال فأخذه وجزَّاني خيراً ودعا لي بخير، فلم أنشب أن قعدت كثيراً إلا وقد دُقَّ الباب، قال فقمت وإذا بأخينا الهاشمي وهو يقول إن أمرك لعجب، سألتك بالله الذي لا إله إلا هو أن تصدقني الخبر في شأن الكيس، ما فعل الكيس؟ قال سألتك بالله! قلت حدث كذا وكذا، قال يا لله العجب، اسمع ما جرى، يا أخي حين سيَّرت إلىّ يشهد الله أنه لم يكن في بيتي إلا ذلكم الكيس، إلا تلكم الدراهم الألف فقط، فدفعتها كلها إليك، قال وبعد حين كتبت إلى أخينا الثالث أسأله المعونة، فإذا به يُعيد إلىّ الكيس وإذا به كيسي، فلم أُصدِّق، ما هذا؟ فجئتك! قال هذا ما وقع، قال فتواسينا الألف ثلاثاً، أخذ كل منا ثلاثمائة وأعطينا للمرأة – مرأة الواقدي – مائة، لأنها حين ضحى بالكيس وآثر أخاه على نفسه جزَّته خيراً، وقالت له ربح البيع، خيراً فعلت، كانت امرأة ماجدة، أقول هذا لأخواتي، للنساء المُسلِمات، هكذا كانت المرأة المُسلِمة، لا تقل عن الرجل المُسلِم البطل العملاق مجادة وكرماً وعفةً وبطولةً، كانت هكذا المرأة المُسلِمة.

هل تذكرن أيتها الأخوات وأيها الإخوة أيضاً هل تذكرون زوجة بشير الأنصاري وأم النعمان بن بشير الصحابي الجليل؟ فقد أخرجا في الصحيحين – هذا بالمُناسَبة للتذكير فقط – أن النعمان بن بشير يقول نحلني والدي يوماً كذا وكذا درهماً هديةً منه، فقالت أمي – أم النُعمان، وكان لها ضرائر، كان لها ضرائر وإخوة للنعمان وأخوات من غير أمه، أي قالت المرأة الضرة – يا عبد الله يا بشير هل كل ولدك نحلتهم مثل ابني النُعمان؟ لا أشهد على هذا حتى تأتي الرسول، رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها، مثل هؤلاء يلدن الأبطال، يلدن المُحرِّرين، يلدن العارفين، يلدن أشباه النبيين، قال فجئت النبي فقصصت عليه، فسألني نفس السؤال، هل كل ولدك نحلتهم مثل النُعمان؟ فقلت لا، قال فلا تُشهِدني على جور، على ظلم! هكذا كانت النساء يا إخواني.

وأخذت المرأة مائة درهم، يقول الواقدي ونمى الخبر إلى المأمون – الخليفة العباسي رحمه الله – فبعث إلينا واستقصنا، فقصصنا عليه القصص، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار، ليس درهماً وإنما دينار! لكل منا ألفان وللمرأة ألف، ألفان وألفان وألفان وألف للمرأة، وهكذا كان خلفاؤهم أيضاً، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

إنها أيام المُواساة، للناس فهم عجيب أعوج في المُواساة والتوسعة وطلب وجه الله، يظنون أنه لا يجوز أن يُوسَّع إلا على فقير يتكفَّف الناس أو إلا على أرملة انقطعت بها السُبل، أين حق الإخوة؟ أليس لك إخوة في الله؟ لا أتحدَّث عن إخوة النسب، هذا شيئ آخر، هذا مُقتضى المروءة، أليس لك إخوة في الله؟ أهؤلاء الإخوة كلهم في حال طيبة؟ أليس بعضهم يحتاج إلى بعض التدبير؟ أين أنت منه يا عبد الله؟ 

تفقَّدوا إخوانكم، تفقَّدوا أنفسكم، تقرَّبوا إلى الله بأمثال هذه الكرامات وبأمثال هاته المكرومات، وكونوا من أصحاب الأنفس الماجدات، مجَّدني الله وإياكم، ورزقني وإياكم حُسن الإنابة، وأكرمنا بالمغفرة وصدق التوبة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                      (الخُطبة الثانية) 

الحمد لله رب العالمين، الله أكبر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، صل يا رب وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الإخوة والأأخوات:

قال مخنف بن سليم – وهو معدود  في الصحابة كما قال غير واحد من العلماء والمُؤرِّخين – الخروج إلى الفطر – مثل خروجنا هذا إن شاء الله تعالى – يعدل عند الله عُمرة، والخروج إلى الأضحى يعدل عند الله حجة، فيا فوز مَن خرج يُهنئ نفسه ويُهنئ إخوانه بالعيد ويحضر معنا صلاتنا وعيدنا! يا هنيئاً لنا وله بعُمرة إن شاء الله تبارك وتعالى! نحمد الله – تبارك وتعالى – على مواهبه الجزيلة وعلى عطاياه الكريمة ونسأله المزيد.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، اللهم اجعل تجمعنا هذا تجمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تدع فينا شقياً ولا بائساً ولا محروماً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا وما جنينا على أنفسنا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت!

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أوفى وأوفر عبادك حظك وقسماً من رمضان، اللهم اخلف علينا بمُصيبتنا في شهر رمضان وقد غادرنا خيراً منها يا رب العالمين، اللهم اجعلنا مِمَن عوَّدتهم عوائد الإحسان وعُدت عليهم بأفضال الامتنان، برحمتك يا عزيز يا منّان، يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام.

لا تدع فينا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا في ساعتنا هذه ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا أطلقته، ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه وأذهبت همه وغمه، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أفضل مسؤول، يا أكرم مأمول، يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك إلهنا ومولانا بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا ما علمنا منها وما لم نعلم أن تُصلِح ذات بين المُسلِمين، اللهم أصلِح ذات بينهم، وألِّف بين قلوبهم، وأنزل عليهم السكينة والإيمان والروح والريحان، برحمتك يا رحمن، يا رب العالمين.

اللهم انصرهم على مَن عاداهم، اللهم انصرهم على مَن ناوأهم، اللهم أظهِرهم على كل مَن بغى عليهم، اللهم واجعل في ذلك قُرة أعين لنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

زِدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرِمنا ولا تُهينا، وآثرنا ولا تُؤثِر علينا، اللهم وأسعِدنا ولا تُشقِنا، وانصرنا على مَن بغى علينا، اللهم انصرنا على مَن بغى علينا، اللهم انصر أمة محمد على مَن بغى عليها وعلى مَن بغاها الدخل والخبال يا رب العالمين، إلهنا ومولانا رب العالمين.

والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، تقبَّل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير.

 (12/10/2007)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: