إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى من قائل – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ۩ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۩ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ۩ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ۩ سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى ۩ إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ۩ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ۩ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ۩ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ۩ وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى ۩ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ۩ ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى ۩ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ۩ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ۩ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۩ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۩ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى ۩ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:

حديثي إليكم اليوم – إن شاء الله تعالى – عن تنزيه الباري سُبحانه وتعالى، عن تنزيهه وتقديسه وتبرئته وتسبيحه، والقرآن الكريم يُقدِّم إلينا مداخل غير مسبوقة، بالغة الهُدى، عظيمة الأثر، ومُستقيمة النهج، في تسبيحه وتنزيهه سُبحانه وتعالى، هذه المداخل إحصاؤها واستقصاؤها أن نقف مع كل آية فيها نحو قوله – سُبحانه وتعالى – سُبْحَانَ ۩ أو سُبْحَانَهُ ۩ أو تَعَالَى اللَّهُ ۩ أو ما إلى ذلكم، ثم ننظر الموضع الذي ورد فيه هذا التعبير، هذا هو المُدخَل إلى تسبيحه كما يُعلِّمنا سُبحانه وتعالى، لا المُدخَل النظري البحت أو التأملي المحض أو التجريبي القائم على القياس التمثيلي أو غير القياس التمثيلي، كلا! هذا مما يُمكِن أن يُشرِف بمَن يهواه على مهاوٍ والعياذ بالله تبارك وتعالى.

فمثلاً انظروا إلى الآيات التي افتتح الله بها – سُبحانه وتعالى – هذه السورة الجليلة، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩ الَّذِي خَلَقَ ۩… إذن الخلق، التأمل في الخلق، في مُعجِزة الخلق، مُدخَل عجيب جداً، لمعرفة طرفٍ مما ينبغي له من تسبيح وتقديس وتنزيه، الخلق! سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ۩ وَالَّذِي قَدَّرَ ۩… والتقدير! والتقدير يُلازِم الخلق، لقوله – تبارك وتعالى – وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ۩، ليس ثمة خلق عشوائي، لا يُوجَد خلق عشوائي أو خلق تعسفي أو خلق بلا تقدير، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ۩، مُتلازِمان! الخلق والتقدير مُتلازِمان.

فهذا مُدخَل، وهناك مداخل أُخرى لا نُريد أن نشتغل بها في هذه الخُطبة لضيق الوقت، وسنأتي بأمثلة تطبيقية، لأن النظرية أيضاً البحت الجافة لا يُمكِن أن تُجدي كثيراً، لابد أن نُمثِّل لها، سنُدير هذه الخُطبة على بعض أمثلة، ولعلها لا تزيد عن مثال أو مثالين، وقد يُبادِر بعضكم أو بعضكن بالقول وما الحاجة إلى هذا الموضوع وكل مُسلِم وكل مُسلِمة مُنزِّه ومُنزِّهة؟ غير صحيح! هناك من المُسلِمين مَن لا يعرف التنزيه الحقيقي، هناك مِن علماء المُسلِمين ومِن أئمة المُسلِمين مَن تورَّط في ورطات تشبيهية وتجسيمية خطيرة جداً والعياذ بالله تبارك وتعالى، مما اضطر أئمة وعلماء آخرين أن يحكموا عليه بالكفر، نحن برآء من هذا التعجل ومن هذا التعسف ومن هذه القسوة، ولكن ينبغي أن نكون حذرين وأيقاظاً ومُدقِّقين حين نتناول هذه المسائل وهذه العقائد التي تتعلَّق بالباري، لا إله إلا هو!

هناك في القرآن مواضع يُعلِّمنا الله – تبارك وتعالى – أن نعقل إليها وأن نعود إليها وأن نحتكم إليها، وهي من مُحكَم كلامه سُبحانه وتعالى، مثل قوله – عز من قائل – لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، ثم قال وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩، أثبت لنفسه سمعاً وبصراً بعد أن قال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، ففُهِم أن سمعه لا كأي سمع، ولا سمع كسمعه، لا من وجه ولا من أي وجه، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ۩، لا من وجه ولا من أي وجه.

هنا سأهتبل هذه الفُرصة لأُعلِّق تعليقةً سريعة على بعض ما تورَّط فيه أحد الأئمة الكبار والأعلام، رضوان الله تعالى عليه، وغفر الله لنا وله، تورَّط هذا الإمام الجليل فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩ لا يعني نفي المُماثَلة من كل الوجوه – ودقِّقوا معي -، فإن انتفت المُماثَلة من بعض الوجوه فقد انتفت، ولذلك نحن نقول الماء ليس كالنار، الماء ليس مثل النار، مع أن الماء جِرم – له وزن – والنار أيضاً جِرم، النار مادة من هذه المواد، تتظاهر بشكل طاقة، طبعاً والطاقة والمادة وجهان لشيئ واحد كما أثبتت الفيزياء الحديثة، والماء كذلكم، الجبل أو الحجر ليس كالخشب، صحيح! الخشب ليس حجراً، والحجر ليس كالخشب، مع أن هذا جِرم وهذا جِرم، هذا له وزن وهذا له وزن، هذا له امتداد – في تعريف الجسم يُقال إن الجسم ما له امتداد، وهذا له امتداد – ومُتحيِّز في الفراغ وهذا له امتداد ومُتحيِّز في الفراغ، إنه جسم، هذا يُلمَس وهذا يُلمَس، مشابه كثيرة! ولكن انماز هذا – أي تميَّز – من هذا بما جعل هذا يستحق ماهيته، جواب ما هو؟ هذا خشب، جواب ما هو؟ هذا حجر، هذه ماهية وهذه ماهية، مع كونهما يشتركان في الوجود أيضاً، هذا موجود وهذا موجود!

وهذا الكلام في نظري خلو تماماً من التحقيق، وإن قاله إمام جليل، فقد علَّمتنا أشياء كثيرة ونظائر كثيرة – مثل ما سأذكر لكم الآن أو مثل ما أنا بصدد ذكره وتحقيق القول فيه – ألا نغتر كثيراً بنوابغ وعباقرة الرجال، لا نتبع الرجال على أسمائهم، لأنه إمام كبير ورجل خطير ومُفكِّر شهير، لا نتبعه مُنسِاقين عُمياناً في كل ما يقول، هذا ربما يُورِّطنا في ورطات – والعياذ بالله – كفرية حتى أو تشبيهية أو تجسيمية دون أن ندري، لا! لابد أن نُحقِّق القول.

أولاً إذا كان ذلك كذلك فما ميزة الله تبارك وتعالى؟ أنا ليس كمثلي شيئ، أنت ليس كمثلك شيئ، هذا الشيئ ليس كمثله شيئ، لا شيئ في الوجود مثله شيئ إذن، إذا كانت المُماثَلة المنفية هي المُماثَلة ولو من وجه دون كل الوجوه أو دون سائر الوجوه إذن كل شيئ في الكون ليس كمثله شيئ، هذا الخاتم ليس كمثله شيئ، مُستحيل أن تأتيني من كل الكون ومن الدنيا والآخرة بخاتم مثله تماماً، مُستحيل! قد تأتيني بخاتم على صورته، بحجمه، بوزنه، وبالصدأ الذي يعلوه في بعض أجزائه، إلى آخره! لكن التركيب والموضعة للجُسيمات الذرية في داخله يستحيل أن تأتي بها، هذا انتهى، هذا أخذ حظاً من المادة، وغيره سيأخذ حظاً آخر من المادة، انتهى! أن يكون مثله تماماً مُستحيل، هذا مبدأ الهُوية، أو يُسمى مبدأ الذاتية، ألف هي ألف، لا يُمكِن ألف أن تكون غير ألف، مُستحيل! هذا الخاتم هو هو، يستحيل أن تأتيتي بخاتم من الدنيا أو الآخرة ومن الجنة أو النار وتقول لي هذا مثله تماماً، يستحيل! هذا مثله في الشكل، مثله في الوزن، مثله في المادة، ومثله في خمسين ألف مشبه من المشابه، لكن ليس مثله من كل وجه.

لذلك انتبهوا، كمال التنزيه للباري – سُبحانه وتعالى – أن يُقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩ من وجه ولا من أي وجه، هذا هو الله، هذا هو الخالق الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، لا تقل لي لَيْسَ كَمِثْلِهِ ۩ ولو من بعض الوجوه، لماذا؟ قدَّم هذا الإمام الجليل هذه المُقدِّمة لكي يُقنِعنا أن الله لا يستحيل في حقه أن يكون مُتحيِّزاً، لا بأس أن يكون مُتحيِّزاً، أستغفر الله العظيم! لا بأس أن يكون له حدود، قال لكم لماذا؟ لماذا لا يكون له حدود؟ هو هكذا، هو استوعب – والعياذ بالله – واعتقد في ربه – سُبحانه وتعالى – أنه له حدود ومُتحيِّز، فلما حُج بما تعلمه العوام من الرجال والنساء والكبار والصغار والمشاهير والأغمار بقوله – عز من قائل – لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩ قال وماذا فيها؟  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩ من بعض الوجوه، لا من كل وجه، ثم ذهب يزعم أننا لو أخذنا بكلام كبار الأئمة – رضوان الله عنهم أجمعين – والعلماء والعُرفاء والصُلحاء الذين جعلوا الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩ من كل الوجوه – من أي وجه ومن كل وجه، وهذا هو الحق، هذا هو الحق الذي ندين الله تبارك وتعالى به – لأخطأنا، قال هؤلاء ما عبدوا إلا معدوماً، هذا ليس إلهاً رباً موجوداً، لماذا يا شيخنا؟ قال أنت تقول لي إله لا في مكان، إله لا في زمان، هذا الإله ليس جوهراً، ليس عرضاً، وليس كذا، إذن هذا عدم، وهذا تفكير ساقط تماماً ومُتهافِت، هذا ليس فيه ذرة من التحقيق العلمي.

هو يظن أنه لكي نُثبِت لله – تبارك وتعالى – الكينونة والوجود والذاتية لابد أن يكون على الأقل مُتمكِّناً، أي له حيز وله حدود، عجيب جداً! نحن نقول لا ببدائه العقل وقواطع الوحي، أولاً قضية الحدود والحيز والمكان وأكثر من هذا الزمان أيضاً، كل هذا مخلوق لله تبارك وتعالى، أليس كذلك؟ كلكم تُؤمِنون وتقطعون قطعاً بحق – قولاً واحداً ولله الحمد والمنّة – بأن هذا الكون كله وكل ما يُمكِن أن يخطره المرء ببخاطره وبباله من حيز أو فراغ أو فضاء هو مُحدَث مخلوق ومُبدَع لله، الله أبدعه والله أحدثه بعد أن لم يكن، كذلكم الزمان نفسه، مخلوق مُبدَع ومُحدَث لله، الزمان الذي يُعطينا إمكانية فهم ما يجري في الكون، وفق مبدأ السبب والأثر، أي الــ Cause والــ Effect، العلة والمعلول! وإلا لم يكن هناك زمان، يستحيل أن تفهم أن هذا سبب وهذا أثر، لماذا؟ لأن الأثر دائماً يتلو سببه، لو لا يُوجَد زمان لقلنا إذن لا يُوجَد سبب وأثر، لن تفهم شيئاً، إذن الزمان مقولة ضرورية لنا لكي نفهم ما يجري في هذا الوجود، لكي نفهم أنفسنا، لكي نتكلَّم، ولكي يكون لكلامنا معنى.

الكلمة الواحدة نفوه بها وتتكوَّن من حروف، حرف يعقب حرفاً، وحرف يتلو حرفاً، لو لم يكن هناك زمان لما فهمنا مفهوم التعاقب هذا، مفهوم التعاقب! إذن لما كان كلام، لما كانت لُغة، وكلمة تتلو كلمة وجُملة تتلو جُملة، هذا مفهوم التعاقب، مقولة زمانية! لا يُمكِن قيام أي إمكانية للإدراك والفهم بلا مقولة الزمان، لكن كلنا نعقل ونفهم ونقطع على غيب هذه المسألة أن الزمان أيضاً مُحدَث لله تبارك وتعالى.

الآن انتبهوا، كل ما يشمله المكان وكل ما يُؤثِّر فيه الزمان هو مخلوق ومُحدَث، إذا كانا الزمان والمكان مُحدَثين لله ومخلوقين لله هل يتأثَّر الله بهما؟ هل يجريان على الله؟ حاشا لله، لماذا؟ لأنه كان قبل أن يكون زمان ولا مكان، هو الذي أبدع الزمان وأبدع المكان، كيف يتأثَّر بزمان ومكان؟ هو الذي أحدثهما، أنت لا يُمكِن أن تتخيَّل نفسك ولا عقلك ولا إدراكك ولا مقولات فكرك إلا بالزمان والمكان كما أثبت الفيلسوف النقدي الألماني كانط Kant في نقد العقل المحض أو الخالص، لا يُمكِن! عنده مجموعة مقولات يتصدَّرها مقولة الزمان والمكان، لإمكان قيام علم ومعرفة وفكر لابد من مقولتي الزمان والمكان، الإدراك الحسي لا يُمكِن أن يقع إلا بمقولة الزمان والمكان، هذا صحيح، لكن عليه أيضاً وجوه من النقد أو من نقود أُخرى، لكن موضوع آخر هذا.

إذن بديه جداً جداً أن الله لا يتأثَّر بما خلق، لا يُمكِن أن نُجري حُكم ما خلقه الله على الله، فيُصبِح الله محكوماً – أستغفر الله العظيم – ومقهوراً بالمكان والزمان، فإن أتى أحدهم وقال لكنه يقوله – مثلاً – كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ۩ لقلنا هذا بالنسبة إليك، أنت ترى أنه كل يوم في شأن، بل ترى أنه كل حين في شأن، كل ما يُصرِّفك فيه وكل ما يُجريه عليك وعلى غيرك هو من شؤوناته – لا إله إلا هو – طبعاً، وكذلك الحال مع كل نفس يمدك به لكي تحيا، لو قبض هذه الأنفاس أو هذا المدد تسقط مُباشَرةً ميتاً، في اللحظة – أي لحظة القبض – ينتهي كل شيئ لو قبض عنك المدد، هذا من شؤوناته، ليس حتى في كل يوم، بل في كل لُحيظة، له شؤونات كثيرة، فهذا من جهتنا، نحن نتلقاها على أنها شؤونات مُرتَّبة في الزمان، لأننا كائنات مُتزمِّنة، أما هو فليس كذلك.

وطبعاً هو يُخاطِبك بما تعرف، مُستحيل أن الله يُخاطِبك بما يعرف هو عن ذاته جُملةً وتفصيلاً، لأنك في تلكم الحالة إذن لن تُدرِك شيئاً، ستسمع كلاماً لا تفقه منه شيئاً البتة، أنت الآن عاجز، عاجز عن أن تتصوَّر حتى لوناً لم تقع عليه عينك في الحياة، لا تستطيع أن تقول لي لا، أنا أستطيع أن أتصوَّر اللون الكارتوبازي، ما الكارتوبازي؟ تقول لي لا أعرف الكارتوبازي، ما هو؟ أرني إياه، مثل ماذا؟ لا يُمكِن! أن تتصوَّر ما هو موجود فقط، لا يُمكِن أن تتخيَّل شيئاً لم يُخلَق أو شيئاً خارج حدود إدراكك، لا يُمكِن أن تتصوَّر – مثلاً – رائحة مُكعَّبة، لا يُمكِن! كيف تكون هناك رائحة مُكعَّبة؟ الرائحة أشمها، لا أراها هندسياً، تقول لي لا يُمكِن، لأنك مخلوق هكذا، مُبرمَج هكذا، إدراكك، دماغك، وآلياتك مُبرمَجة هكذا، أن تُدرِك الأشياء في حدود مُعيَّنة، لكن خالق الأشياء لا يُمكِن أن يُحكَم عليه بما خلق، لا إله إلا هو! ولذلك تَعَالَى ۩.

الأنبياء هم الذين نزهوه، أكثر مِن الفلاسفة والمُفكِّرين وعلماء الدين الذين ضالوا الطريق، الذين ضلوا وأضل بعضهم الناس حتى من عباد الله، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۩، قال سلام عليهم، لماذا؟ قال هم نزهوني، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ۩، في نفس السورة! مَن هم عباد الله المُخلَصون؟ الأنبياء، قال لا، قال وصف هؤلاء لي أنا لا أتنزَّه عنه، لأنه مما وصفت به نفسي، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩، ليس ما وصفه به الفلاسفة وأذنابهم وأفراخهم أو المُفكِّرون أو بعض العلماء، لا! هؤلاء المُرسَلون، المُرسَلون والأنبياء، لأنهم عرفوا الله بما تعرَّف – سُبحانه – به إليهم، هو تعرَّف إليهم، أي عرَّفهم بنفسه لكن بمقدار طوقهم، انتبهوا! ما عرف الله معرفة تامة كاملة إلا الله، لكن بمقدار طوقهم، أحسن معارف البشر بالله معارف الأنبياء، لا تقل لي هذا شيخ صالح ولا قطب ولا ولي ولا فيلسوف ولا مُفكِّر، الأنبياء! لأنهم أعلى الخلق درجات على الإطلاق، أعلى الخلق مقاماً، ويكفي هاتان الآيتان اللتان سقتهما آنفاً، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩، كل ما يُوصَف به الله يتعالى الله عنه، الله يقول يصفونني بأشياء فارغة، كلام فارغ! يُلحِقونني بالأجسام والحوادث والمخلوقات، وربما ألحقوني بأنفسهم، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۩، قال إلا هؤلاء، هؤلاء أنا أُسلِّم عليهم، وأدعوكم إلى السلام عليهم، لأنهم تعرَّفوا علىّ بما تعرَّفت به إليهم، وسبحوني كما ينبغي لجلالي وعليائي وكبريائي، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ۩، مَن هم عباد الله المُخلَصون؟ الأنبياء، قال هؤلاء لا أتنزَّه عن تسبيحهم، لأنه سبَّحوني بما أُسبِّح به نفسي، وتركوا مجالاً فسيحاً ومندوحةً لا تتناهى لتسبيحي وتقديسي لما ينبغي بجلال وجهي وعظيم سُلطاني، فقال مُقدَّمهم وإن يكن خاتمهم – صلى الله عليه وسلم – لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

ولذلك في حديث الشفاعة المُخرَّج في الصحيحين يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – ثم يُلهِمني أو يفتح علىّ بمحامد – قال بمحامد، محامد لله عز وجل – لم يُؤتها بشر، لم يعرفها أحد ولا رسول الله، في الدنيا لم يعرفها، يوم القيامة محامد جديدة، وجوه جديدة من التعرف، ومن هنا وجوب النظر إلى أسماء الله الحُسنى وصفاته العُلا من هذه الزاوية، على أنها أبواب تعرفنا على الله، وهي أبواب تعرف الله إلينا.

أعود إلى موضوعي، وأُحِب أن أُحوصِل بطريقة واضحة، إذن لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩ من أي وجه ومن كل وجه، ولا يُقال من بعض الوجوه دون بعض، هذا كلام خالٍ عن التحقيق، يفتح باباً عظيماً وسيعاً للتجسيم والتشبيه وتصنيم الله، أي تحويل الله إلى صنم والعياذ بالله، تحويل الله إلى جسم، وتحويل الله إلى جِرم، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ۩، وسنقول شيئاً أعمق من هذا.

أنت الآن ترى أشياء وتظن أنها تُماثِل الله من بعض الجهات، لكن لا من كل وجه، هذا الكون إذا ارتقينا إلى أعلى – إلى علٍ – وعُدنا معه إلى اللحظة الأولى في خلقه وإبداعه – وفق العلم هذا، ليس وفق الفلسفة التأملية العقلية، وفق العلم، علم الكونيات، أي الكوزمولوجيا Cosmology – ماذا سنجد؟ هذا الكون كيف كان في تلكم اللحظة؟ في أول لحظة أو قبل حتى بقليل لحظة الانفجار الكبير كيف كان هذا الكون؟ هل كان له أبعاد؟ لا أبعاد، هل كان هناك زمان؟ لا زمان، هل كان قوى تفعل وتُؤثِّر، هل كان هناك سبب ومُسبَّب؟ لا سبب ولا مُسبِّب، هل كان هناك قوى الجاذبية؟ لا جاذبية، هل كان هناك الكهرومغناطيسية؟ لا كهرومغناطيسية، هل كان هناك النووية الضعيفة؟ لا نووية ضعيفة، هل كان هناك النووية القوية؟ لا نووية قوية، كل هذا لم يكن موجوداً، كما قلت لكم في الخُطبة السابقة جدار بلانك Planck’s wall، يقف العقل هنا كله، العقل الإنساني يقف!

الآن سيُطرَح سؤال، علماء الأصول يقولون النكرة في سياق النفي تعم، قال تعالى لَيْسَ – نفي – كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، نكرة في سياق النفي، إذن ينبغي أن يكون كل شيئ مما خلق الله وذرأ وبرأ وأحدث وأبدع وصنع لا يُماثِل الله تبارك وتعالى، الآن هذه الشُذيذة البسيطة التي كانت مُبتدأ الكون – وكما قلت لكم عشرات المرات – كانت أصغر من البروتون Proton بما لا يعلمه إلا الله، هل هذه مثل الله أو ليست كمثل الله؟ ليست كمثل الله، ولا زمان لها، ولا مكان لها، ولا قوة، ولا أي شيئ، إلى آخره! إذن كل ما سينبثق عنها وكل ما سيكون بعد ليس مثل الله، هذا الكون كله، هذا ضمير الكون، هذا جين Gen الكون أو مُورِّثة الكون، كل الكون! كانت في هذه الشُذيذة البسيطة جداً.

أُحِب أن أقول لكم أيها الإخوة حقيقةً الآتي، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩ الَّذِي خَلَقَ ۩ … أنتم تُحاوِلون أن تعلموا ماذا خلق الله وكيف خلق، وطبعاً لا أحد يعلم كيف خلق مائة في المائة، لكن يُحاوِل الفكر البشري الإنساني العلمي الآن في العصر الحديث، وفي القديم وإلى الآن أيضاً الفكر العقلي التأملي الديني اللاهوتي يُحاوِل، يُحاوِل أن يُقارِب هذه التخوم المسحورة البعيدة المُحيِّرة جداً، حتى للعقل، حتى للنظر، وحتى للتفكير المُجرَّد التكراري التحصيلي التحليلي – ليس التركيبي، أي كالرياضي – أيضاً هي مُحيِّرة، ورحمة الله على مَن قال:

فيك يا أغلوطة الفكر                                      حار أمري وانقضى عمري.

سافرت فيك العقول فما                                           ربحت إلا أذى السفر.

فلحى الله الأولى زعموا                                           أنك المعروف بالنظر.

كذبوا إن الذي ذكروا                                             خارج عن قوة البشر.

ولذلك يقول ابن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – فيما أخرجه الربيع الأزدي البِصري في مُسنَده، يقول تفكَّروا في خلق الله، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩ الَّذِي خَلَقَ ۩ … تفكَّروا في خلق الله، ولا تتفكَّروا في ذات الله، لا يُمكِن أن يُنال هذا بشبكة الفكر، هل يُمكِن أن ينال العنكبوت العنقاء – إن وُجِدت طبعاً، العنقاء غير موجودة – أو الرُخ بشبكته؟ ولا يُمكِن لنحلة العقل أن تُدندِن حول الحمى الأحمى والمصاف الأقدس الأعلى الأكمل الأجل الأجمل، لا يُمكِن! لا يُمكِن هذا، أين؟

قلت في درس قريب لإخواني تخيَّلوا مُحيطاً لجباً عظيماً مُتلاطِماً عجّاجاً، أعظم من مُحيطات الأرض كلها، ولكم أن تتخيَّلوه واحداً منها، لا بأس ولا حرج عليكم، وهذا المُحيط يمر عليه عصفور صغير، مثل الدوري أو السنونو أو الهزار، أي عصفور صغير، هذا العصفور يمر على هذا المُحيط كل بليون Billion سنة مرة، ينقر منه نقة، يأخذ قُطيرة من هذا المُحيط، ترون بعد كم من بلايين السنين سينفذ المُحيط! أنا أقول لكم أمرنا مع ربنا – والله العظيم – أجل وأدخل في باب التحير من هذا بكثير، لأنه الله، لا إله إلا هو! لا زمان، لا مكان، ولا حج، لا حد لقدرته، لعلمه، لرحمته، لوجوده، ولكينونته، لا حد! لا إله إلا هو، ولذلك لو وقف الخلق الأمد والزمن كله – إن كان له نهاية وحد وأمد ينتهي عنده – وتوافروا جميعاً على التفكير في جلاله وكماله – والله العظيم – ما نقص ذلك وما بلغوا من ذلكم إلا مقدار ما يبلغ هذا العصفور، وهذا كما قال الخضر لموسى، في الصحيحين هذا، كانا في السفينة التي خرقها الخضر، وجاء عصفور فوق على شفير السفينة ثم نقر من ماء البحر نقرة، عصفور نقر من ماء البحر وطار، فقال الخضر لموسى – انظروا إلى العارف بالله، اللهم اجعلنا من هؤلاء العارفين، مَن ليس لهم فكرة في هذه الأشياء ما عرفوا الله، فكِّروا كثيراً، أجل الفكر، أجل التأملات، وأجل الشعور والإحساسات ما دارت حول هاته الموضوعات، الله يُحِب أن يُوقَّر، يدعوكم دائماً إلى تنزيهه وتسبيحه وتقديسه، الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ۩، لا إله إلا هو! سبِّحوه، حاولوا قدر الطوق، وستنفتح لكم أبواب وأبواب باستمرار، لتُدرِكوا عظمته، لا إله إلا هو! لا يُمكِن غير هذا، وسترون جانباً يسيراً جداً جداً جداً من عظمته على قدر ما هيأ لكم وفتح لكم من باب، سُبحانه وتعالى – يا موسى ما علمي وعلمك في جانب علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من ماء هذا البحر، أنا أقول أبعد من هذا، هذا العصفور يمر على البحر كل بليون سنة وينقر نقرة، ثم يعود بعد بليون سنة وينقر نقرة، متى سينفذ ماء المُحيط! أمر الله أوسع من هذا بكثير، لا إله إلا هو.

فيك يا أعجوبة الكون                                   غدا الفكر كليلا.

أنت حيرت ذوي اللب                                   وبلبلت العقولا.

كلمــا أقدم فكري                                     فيك شبراً فر ميلا.

يخبط في عمــ                                     ياء لا يهدى السبيلا.

عرَّفنا الله به، يقول الحبر البحر ابن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – لا تتفكَّروا في ذات الله، وتفكَّروا في خلق الله، فإنه لا يُؤخَذ بالفكر وإنما بالتصديق، هذا اسمه الإيمان، سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۩، صدَّقنا! هل تعرفون لماذا؟ ليس لأننا ضد العقل، حاشا لله، بالعكس! نحن نعيش بهذا العقل، لكن العقل تقريباً – لست مع هذه النظرية – على ما قال أصحاب الــ Pragmatism أو مذهب الذرائعية هو أداة – أي Instrument، أداة كالسمع والبصر، وكالعين والأذن -، لكي نعيش في هذا العالم، أي العالم المادي، لكن من وراء العقل ما هو أعمق منه وأبعد غوراً وأغوص على المعنى، إنها نفخة روح الله فينا، إنها الفطرة، فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۩، كل مولود يُولَد على الفطرة، بعضكم يقول أسمع كلاماً يُشكِّكني يُحيِّرني، لكن يبقى اليقين راسخاً في القلب، أعرف أنه موجود، طبعاً تعرف، ذراتك تعرف، كل شيئ فيك يعرف، كما كل هذا الكون يعرف، لكن أحياناً حين تجمد وتُصبِح مادياً عاسياً قاسياً – عسا إذا قسا – تغتر بالعقل وتبدأ تُلحِد، تقول لا، العقل يحكم بالاستحالة، العقل يحكم بالتناقض، أي عقل؟ عن أي عقل تتحدَّث؟ وأي عقل تقصد؟ لا، هناك ما هو أعمق بكثير، لكن هذه مسألة ثانية.

نعود إلى مسألة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩ الَّذِي خَلَقَ ۩ … لا إله إلا هو! لنقول مرةً أُخرى ينبغي أن يكون مُنزَّهاً من كل وجه ومن أي وجه، حتى يصدق أننا أحسنا تأويل وفهم قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، انتبهوا! الآن دقِّقوا قليلاً وسأختم هذه الموضوعة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، كل شيئ! من هذه الحيثية – انتبهوا – كل شيئ ليس كمثله، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، من حيثية ماذا؟ من حيثية أنه تفرَّد بما يُعطيه هُويته، في الماهية كل الحجارة عندها ماهية واحدة، هُويته أنه هذا الحجر، هذا! هذا الحجر، ليس أي حجر آخر في الكون، وخُذ أي شيئ، امسك بيدك أي شيئ، أشِر إلى أي شيئ، أنا سأقول لك ليس له مثيل في الأكوان كلها، ليس له مثيل بهذا المعنى، الهُوية! هذه الهُوية، هو هو، انتبه! أنا أقول لك حتى في هذه النُقطة الله – تبارك وتعالى – لا يُماثِل أي شيئ، ولا ينبغي أن يُماثِل هذه الأشياء التي تفرَّد كل منها من هذه الحيثية، الله أعلى من هذا أيضاً، دقِّق في هذا، إن قلت لا، إذن جعلته كأي شيئ، عكست الآية تماماً، أعرف أن هذا غامض ودقيق، لكن فكِّر فيه بعُمق، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩.

ونأتي الآن لأختم الخُطبة بمثال واحد عن الخلق، وسأتحدَّث عن خلق الكل، عن خلق الكون كله، عن خلق السماوات والأرض وكل ما فيها، هذا أعظم الخلق! لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ۩، لكي نُدرِك حقيقة وجودنا الذي نغتر به وندل به وأحياناً نظن أنه الوجود الحق فنُكابِر على وجود الحق – لا إله إلا هو – اعتماداً على ماذا؟ على ما نُحِس ونُوقِن من وجودنا نحن، عجيب! عجيب أمر هذا الإنسان، يُقِر بوجوده هو ويُؤكِّده وليس يتجمجم ولا يتردَّد ولا يتشكَّك فيه طرفة عين، ثم هو يُكابِر على وجود الحق – لا إله إلا هو –  ويُورِث كما يقول شُبهات فلسفية وعلمية وسفسطائية، شيئ غريب! سوف نرى، ما وجودنا هذا؟ شرحت لكم هذا أكثر من مرة وربما على المنبر أيضاً، ولن نشرح اليوم بالتفصيل، هذا الكون كله في البداية كما يقول العلماء – لست الآن أقتبس الفلاسفة، العلماء بمناهجهم العتيدة والمُحترَمة على الأقل – كان كالآتي، العلماء يُؤكِّدون أن هذا الكون كان يُوجَد قبل ثلاثة عشر ونصف بليون سنة، هذا عمر الكون الآن، عمر الكون ثلاثة عشر ونصف بليون – أي ألف مليون، هذه يُسمونها البليون – سنة، كان شيئاً صغيراً جداً جداً جداً – كما وصفت لكم – لا يكاد يُوصَف ولا يُمكِن درسه، استحالة! وفي لحظة مُعيَّنة – لا ندري من تلقائه أم أن الله هو الذي قدَّر ذلك، سوف نرى ماذا يقول العلم – حدث انفجار مُروِّع مُخيف اسمه الانفجار الأعظم أو الانفجار الكبير في هذه الشُذيذة الصغيرة التي لا تُوصَف، هي ليست ذرة، ليست بروتوناً Proton، وليست إلكتروناً Electron، هي شيئ أصغر من هذا بكثير، حدث هذا الانفجار! كلام خيالي هذا، حدث هذا الانفجار بحسب نظرية علمية ورياضية مُعقَّدة جداً جداً، الآن يعملون عليها زُهاء سبعين سنة، أي على هذه النظرية، وهي أقوى النظريات إلى الآن على الإطلاق، ولها القبول عند مُعظَم العلماء، حدث الانفجار وبدأ هذا الكون يتسع بسرعة، لا نقول في جميع الاتجاهات، هل تعرفون لماذا؟ لم تكن هناك اتجاهات، العقل هنا يرتبك، يقف، ويجمد، هذا ضعف العقل، يتخيَّل أن كل شيئ كان يتحرَّك في فراغ وأنه لابد من هذا، ولم يكن هناك فراغ أصلاً، يتخيَّل أن كل شيئ كان يتحرَّك في زمان، ولم يكن هناك زمان، خُلِق الفراغ والزمان – أي الــ Space والــ Time، الفضاء والزمان – مع هذا الانفجار، قبل الانفجار لم يكن هناك Space ولم يكن هناك Time، لم يكن هناك فراغ، ولم يكن هناك زمان، فقط كان هناك شيئ واحد، لا إله إلا هو! رب العالمين، وهو لا في زمان ولا في مكان، شيئ مُحيِّر.

أنت حيرت ذوي اللب                                   وبلبلت العقولا.

لكن هو هكذا، لا إله إلا هو! هل العلم يقول هذا؟ نعم، العلم وجد نفسه مُضطَراً أن يقول الله هو الذي كان موجوداً وحده، كما في حديث البشارة عن عُمران بن حُصين في البخاري، كان الله ولا شيئ معه، لا إله إلا هو! النبي يقول هذا، الآن الكوزمولوجيا Cosmology يقول هذا، شيئ غريب جداً، هل قالوا بهذا؟ بالحرف، بالنص والفص قالوا هذا، اضطروا أن يقولوا به، وهم ملاحدة، ومنهم أُناس أسلموا، أو بالأحرى ليس أسلموا وإنما آمنوا بالله، ملاحدة من علماء الكوزمولوجيا Cosmology رُغماً عنهم قالوا هذا، شيئ مُحيِّر جداً.

حدث الانفجار، وطبعاً لابد أن يكون فوضوياً – Chaotisch – وعشوائياً، أي كان انفجاراً فوضوياً عشوائياً، كمية رهيبة جداً من الطاقة المخزونة في أقل من بروتون Proton انفجرت وبدأت تنتشر، قالوا لكم لا، بالعكس! الشيئ المُخيف أن ذاكم الانفجار لم يكن عشوائياً ولا فوضوياً، روجر بنروز Roger Penrose اشتغل على هذه المسألة زُهاء عشرين سنة يا إخواني، هذا عالم رياضيات على مُستوى العالم كله، من طراز مُتوحِّد هذا الرجل، هو ليس رجل دين أبداً، هو عالم! يقول هذا الانفجار كان محسوباً بدقة مُحيِّرة ومُدهِشة، ولولا هذه الدقة – يقول هذا وهو في النهاية سلَّم – التي ينشدها الخالق – يقول الدقة التي ينشدها الخالق – لتحقيق الهدف من هذا الانفجار ما وُجِد الكون.

باختصار أنا سأُعطيكم نتيجة دراسات هذا الرجل العملاق العظيم، كثَّر الله من أمثاله، يدعمون الإيمان بحقائق العلم والرياضيات، يقول احتمال أن يكون أو احتمال أن ينشأ الكون من ذاكم الانفجار الكبير – البيج بانج Big Bang – بطريق الصُدفة أو عن طريق الفوضى – أي الــ Chaos – احتمال يُساوي – ذكرت لكم هذا مرة على المُنبِّر، شيئ مُحيِّر، والآن دقِّقوا – واحد على عشرة مرفوعة للأس عشرة مرفوعة للأس مائتين وواحد وثلاثين، شيئ لا يُمكِن أن يُوصَف، أكبر عقل رياضي بل أكبر كمبيوتر Computer هنا يحترق، بعض الناس لم يفهم هذا، وأنا سأقول لكم باختصار ما هو هذا.

حين نقول عشرة أُس تسعة يكون معناها أن هذا بليون Billion، بالألماني اسمه مليار Milliarden، عشرة أس تسعة، معناها أن هناك واحداً أمامه ماذا؟ تسعة أصفار، أي ألف مليون، هذا بليون Billion بالأمريكي، هذا اسمه بليون Billion، عشرة أس تسعة، حين نقول واحد على عشرة أس تسعة أو عشرة مرفوعة للأُس ناقص تسعة – معناها واحد على عشرة أُس تسعة – يكون معناها أن هناك احتمالاً واحداً من بليون احتمال، أي لو ضربنا الشيئ بليون مرة سيكون من المُمكِن في مرة واحدة فقط أن يصيب الأمر معنا ولا يخيب، مرة واحدة! وفي المرات الأُخرى سيخيب، هذا اسمه الاحتمال، باختصار بسيط جداً جداً، وهذا معنى عشرة أس تسعة.

حين نقول واحد على عشرة أُس مائة يكون معناها واحد على جوجل Google، هل تعرفون الجوجل Google؟ شبكة جوجل Google! هذا الجوجل Google، قالوا قديماً هذا أكبر رقم، هذا كان قبل عشرات السنين، جوجل Google! واحد على عشرة أُس مائة، نعم هناك واحد أمامه مائة صفر، لكن كيف سنتلوه نحن؟ سنظل نقول بليون بليون – وكل بليون تسعة – إلى أن ننتهي من عشرة، حينها نكون أنهينا كم؟ وبعد ذلك هناك بليون أيضاً، وبعد ذلك هناك عشرة، أي سنقول عشرة بليون بليون بليون… لمُدة إحدى عشرة مرة، لكي نكون أنهينا هذا، إذن سنقول واحد على جوجل Google، ليس على بليون Billion وإنما على جوجل Google، أي على عشرة بليون بليون بليون… لمُدة إحدى عشرة مرة، شيئ مُخيف، صفر! صفر طبعاً، في الرياضيات التطبيقية تعارفوا هكذا، واحد على عشرة أُس خمسين يُساوي صفراً، هكذا قالوا، قالوا سنضع صفراً وينتهي الأمر، لا يُوجَد هذا، لا يُوجَد عقل يستطيع أن يمشي كل هذا إلى الأمام، لا تقل لي واحد على عشرة أُس مائة أُريد أن أحسبها، لن تحسبها، لا أنت ولا أكبر كمبيوتر Computer، هم هكذا في الرياضيات التطبيقية – Applied Mathematics – هذه قالوا واحد على عشرة أُس خمسين نُسميه صفراً، هذا صفر، لأنه صفر!

انتبهوا، الكلام ليس عن واحد على عشرة جوجل Google، الكلام عن واحد على عشرة مرفوعة للأُس عشرة – ليس جوجل Google – أس مائتين وواحد وثلاثين، بعض الناس لم يستوعب هذا، يا إخواني حين نقول عشرة أُس تسعة يُوجَد كم صفر أمامها؟ تسعة، هذه اسمها بليون، إذا قلت – انتبهوا – عشرة أُس بليون، هل تعرفون ماذا سيكون معناها؟ عشرة مرفوعة للأُس عشرة أُس تسعة، هذا معناها! عشرة أُس بليون، هل تعرفون ما معناها؟ معناها أن هناك واحداً وأمامه بليون صفر، اذهبوا واكتبوا هذا، بالعد العشري هذا معناها، حين أقول عشرة أُس تسعة أضع واحداً وأمامه تسعة أصفار، هذه سهلة، وكتبتها الآن ربما في سبع ثوانٍ، لكن حين أقول عشرة مرفوعة للأُس عشرة مرفوعة للأُس تسعة يكون معناها ماذا؟ عشرة أُس بليون، معناها أنكم سوف تضعون واحداً بالعد العشري وأمامه بليون صفر، بليون! سوف تنقضي حياتكم بالمُناسَبة ولن تنتهوا من هذا.

سوف تقولون لي هذا شيئ مُخيف، إذن ما معنى واحد على عشرة مرفوعة للأس عشرة مرفوعة للأس مائتين وواحد وثلاثين؟ أنا سأقول لكم ما معنى هذا، معنى هذا كما يقول بنروز Penrose أن كل ذرات الكون شأنها كالآتي، هل ترون هذا الخاتم؟ لماذا أتحدَّث عن هذا الخاتم؟ سأتحدَّث عن حبة تراب الآن، امسكوا حبة غبار، حبة الغبار هذه فيها ملايين الذرات، ليس مئات الألوف وإنما ملايين، كل ذرة فيها ما لا يعلمه إلا الله بحسب المادة، سيليكون، حديد، نحاس، ويورانيوم 92، إلى آخره! فيها عدد من الإلكترونات Electrons، يُناظِره عدد من البروتونات Protons، طبعاً هناك نيوترونات Neutrons وهناك كائنات أُخرى دقيقة جداً جداً جداً، الآن بلغ عددها زُهاء مائتي جُسيم، أي Particle، فتخيَّلوا حبة تراب فيها ملايين الذرات، فماذا عن الكون كله؟ الكون! ليس الأرض، ليس المجموعة الشمسية، وإنما الكون، الذي هو بقطر ثلاثة عشر ونصف بليون سنة ضوئية، كم ذرة فيه!

سيقول لي أحدكم هذا ليس عشرة أُس عشرة، لا! غير صحيح، فقط عشرة أس ثماني وخمسين ذرة، هذا يُعتبَر عدداً مُتواضِعاً جداً، أقل من الجوجل Google بكثير، بكثير! أنت تقول عشرة، ليس أس ثماني وخمسين، وإنما أس تسع وخمسين، فيتضاعف كل هذا، ولك أن تتخيَّل هذا، كل ذرات الكون عشرة أُس ثماني وخمسين ذرة، الذرات! يقول بنروز Penrose لو ذهبت تكتب هذا الرقم – واحد على عشرة مرفوعة للأس عشرة مرفوعة للأس مائتين وواحد وثلاثين – ستفشل، هذا كلام لا أكبر شيخ صوفي ولا أكبر عارف بالله ولا أكبر مجنون يُمكِن أن يكون عنده جسارة أن يحكيه، يحكيه العلم الآن المضبوط، يقول لك هذه قدرة الله بل شيئ من قدرة الله، وطرف من قدرة الله، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩ الَّذِي خَلَقَ ۩… قال هذا الذي خلق، لا إله إلا هو! هذا الذي خلق الكون، شيئ مُخيف ومُحيِّر يا إخواني، يقول لو ذهبت تكتب هذا الرقم بطريقة العد العشري – على كل جُسيم، على كل بروتون Proton، على كل نيوترون Neutron، على كل إلكترون Electron، وعلى كل بوزيترون Positron، إلى آخره، نكتب على كل منهم صفراً، صفر صفر صفر صفر، وليس على كل ذرة – ستفشل، قال نحن فشلنا في نهاية المطاف، لماذا؟ لا يُوجَد في الكون كله بقطر ثلاثة عشر ونصف بليون سنة ضوئية عدد كافٍ من الجُسيمات لكي نكتب عليه الأصفار الخاصة بالرقم هذا، وهو واحد على عشرة مرفوعة للأس عشرة مرفوعة للأس مائتين وواحد وثلاثين، غير موجود طبعاً، غير موجود بالمرة!

يقول بنروز Penrose هذا يحكي لنا أو يُترجِم لنا أو يعرض لنا أو يُبيِّن لنا دقة الهدف الذي ينشده الله في خلق الكون، وأنت تقول لي هذه صُدفة، عن طريق الصُدفة – By chance – جاء الكون، أهبل! أنت أهبل، أنت جاهل، لا تفهم لا رياضيات، لا فيزياء، ولا الكوزمولوجيا Cosmology، أنت مجنون، يقول لك هذا يحكي لنا دقة الهدف، ثم حكى ما حكاه، ولذلك يأتي العالم الفلكي الأمريكي الشهير روس Ross في كتابه التصميم والمبدأ الإنساني – أي Design and the Anthropic Principle – ويقول ماذا؟ بما أن كل شيئ يحدث في زمان ومكان، والزمان والمكان أُحدثا بإحداث الكون مع الانفجار الكبير، فلابد من التسليم بوجود خالق فائق – فائق القدرة والعلم والدقة والحكمة – عمل من وراء هذا الكون بزمانه ومكانه بطريقة تتعدى الخبرة الإنسانية تماماً، لا يُمكِن أن تفهمها، ولا يُمكِن أن تتصوَّرها، فـــ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩، قل سُبحانه، سُبحانه! لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، لا أنا مثله ولا عقلي ولا رياضياتي ولا فيزيائي ولا كُتبي ولا شعري ولا كل هذا الكلام الفارغ الخاص بي، لست مثله، لا يُمكِن! قال سَبِّحِ ۩، قال سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۩، هل فهمتم الآية الآن؟ هؤلاء الذين يُسبِّحون أحسن منا، نحن نُسبِّح على السبحة عشرة آلاف مرة ولا نفهم ماذا نقول للأسف ونُلحِد في أسمائه وصفاته بجهل، مثل هؤلاء العلماء ومثل هذه العقول هي التي تعرف كيف تُسبِّح بحمد الله، تُسبِّح اسم الَّذِي خَلَقَ ۩، لا إله إلا هو.

أكثر من هذا – وأدركنا الوقت تقريباً – أن بول ديفيز Paul Davies – أستاذ أيضاً للرياضيات التطبيقية وعالم مشهور جداً – كان يكتب ويقول الآتي عن هذا الانفجار حين تم، نحن الآن أخذنا ماذا؟ أخذنا احتمال أن يكون هذا الكون تكوَّن من الانفجار بالصُدفة، وذكرنا لكم قيمة هذا الاحتمال، ليس صفراً وإنما تحت الصفر ببليون بليون صفر، شيئ لا يُصدَّق، لا يُوجَد احتمال للصُدفة، يقول مُستحيل، لكن يقول بول ديفيز Paul Davies هذا الكون انفجر وبدأ يتمدَّد بسرعة ماذا؟ بسرعة الضوء، انتبهوا! السرعة سرعة الضوء، يرمح – يُبرطِع كما يُقال بالعامية – في كل جانب يخلقه من جوانب الفضاء، الآن يُخلَق الفضاء، الزمان والمكان يُخلَقان الآن بهذه السرعة الفائقة، لكن بمُعدَّل مُعيَّن، مُعدَّل! هناك مُعدَّل، يُوجَد مُعدَّل محدود للتمدد، أي للــ Expansion، يُوجَد عنده مُعدَّل، هذا المُعدَّل محسوب أم أنه فوضوي أيضاً هكذا؟ بحسب كلام بنروز Penrose لابد أن يكون محسوباً، كل شيئ محسوب يا جماعة، لا يُوجَد مكان للصُدفة، يقول بول ديفيز Paul Davies لو هذا التمدد كان مُتغيِّراً بنسبة – هنا المعيار الزمني – واحد على عشرة أس ثماني عشرة من الثانية – أي بنسبة جُزء من ألف مليون بليون، البليون عشرة أس تُسعة، إذن ألف مليون بليون، ونحن قلنا البليون عشرة أُس تسعة، إذن من اثنين بليون، يُمكِن أن نقول من بليون بليون وينتهي الأمر، إذن بنسبة واحد على عشرة أس ثماني عشرة جُزءاً من الثانية – لما وُجِد الكون، لن يُوجَد! هذا ليس كلاماً هكذا، هذا كلام نظريات رياضية، لسنين يعملون عليها يا إخواني، وهناك نقاشات وأشياء ومُؤتمَرات، هذا شيئ مُعقَّد جداً.

ستيفن هوكينج Stephen Hawking أكثر تخصصاً من بول ديفيز Paul Davies في هذا المضمار بالذات، وكان يعمل دائماً وإلى الآن يعمل مع روجر بنروز Roger Penrose، يقول لا، يقول – وهو مُقصِّر قليلاً ومُتواضِع – لا، ويذكر رقم مائة ألف مليون بليون، أي واحد على عشرة أُس عشرين من الثانية، يقول لو المُعدَّل اختلف بهذه النسبة – سواء زاد أو نقص – لما وُجِد الكون، إذن وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ۩.

أيها الإخوة:

أترككم الآن مع هذه الفكرة، لعلنا نتناولها في خُطبة أُخرى، بداية الكون كانت هذه الشُذيذة التي لا يُمكِن وصفها من الضآلة والصغر والعدمية، وفعلاً تُساوي العدم هي، تُساوي العدم! هذه بداية كل الكون، لكن الآن واقع الكون ما هو؟ واقعي أنا وأنت ما هو؟ هناك جسم، بعد ذلك هناك أجهزة، بعد ذلك هناك أعضاء، بعد ذلك هناك جُزيئات من الكولز Coles، ببعد ذلك هناك ذرات، وبعد ذلك الذرات فيها جُسميات، والجُسيمات تتركَّب من جُسيمات أصغر وأصغر، وماذا بعد؟ أين نُبحِر؟ كل شيئ الآن يأخذ في طريق الاضمحلال والصغر والصغر والصغر والتناهي والتناهي! تعود تُبحِر إلى شيئ شبيه جداً جداً ببداية الكون، لا يُمكِن تسميته طاقة، مفهوم الطاقة حتى أصبح مُختلِفاً قليلاً، هو ليس طاقة، شيئ أشبه بالعدم، كأن هذا الكون من بدايته يسبح في عدم، والآن في هذه اللحظة وفي كل لحظة أيضاً يرتد وجوده إلى ماذا؟ يرتد وجوده إلى شيئ أشبه بالعدم، إذن ممسوك بماذا؟ نحن لا نشك في أنفسنا وفي وجودنا، نحن ممسوكون بماذا؟ ما الذي يُعطينا اليقين بوجودنا – أي بأننا موجودون -؟ ما الذي يجعلنا نحس أنفسنا؟ أنا أقول لكم إرادة الله، إرادة الله أن نكون وأن نشعر وأن نحس، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۩، وأن تشعر أن لك مشيئة وإرادة واستطاعة، وإلا كونك كله وأنت من ضمنه في البداية هو شبه عدم، وهو الآن في هذه اللحظة يتركَّب وينبني من أشياء تغوص في شيئ تقريباً هو العدم، فوجودنا كأنه مُعلَّق بين حافتي عدم، بين عدمين! إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۩.

أنا أقول مثل هذه المداخل العلمية فعلاً تُشكِّل بلا شك مداخل مُناسِبة تماماً على الأقل في عصرنا ووفقاً لمُستوى عقولنا ومعارفنا لتنزيه الله، هذه تُشكِّل بلا شك مداخل مُناسِبة على مُستوى عصرنا لتنزيه الله تبارك وتعالى، لكي نُبحِر بعيداً بعيداً، قصياً قصياً، نئياً، سحيقاً عن شُبهات التجسيم وشُبهات محدودية الله وتحيز الله وتأثر الله بالزمان وكل هذا الكلام الفارغ الذي أملاه صغر العقل وصغر التصور، لا غزارة العلم ولا عظمة الحقيقة العلمية أو التأملية.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يفتح علينا فتوح العارفين به.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اللهم ارزقنا تنزيهك وافتح علينا بتقديسك وتنزيهك وتسبيحك يا رب العالمين، وقدِّس ضمائرنا ونزِّه سرائرنا عن أن يخطر بها يا رب العالمين شيئ يُخِل بما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سُلطانك من تسبيح وتقديس وتنزيه، اللهم آمين.

اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا، ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات أجمعين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه يزِدكم، وسلوه من فضله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(13/11/2009)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: