نأتي الآن إلى موضوع المنطق بسرعة إن شاء الله، لن نُطوِّل، وهذا ما سنفعله مع الفلسفة أيضاً، في الدرس السابق – سنُلخِّص الدرس السابق لكي ندخل في درس اليوم لأنه تكملة له – تكلَّمنا عن القضايا المُوجَّهة أو المُوجَّهات، بصيغة اسم المفعول! قلنا يا إخواني لدينا الموضوع ولدينا المحمول وبينهما الرابطة، الآن يُحمَل – أي يُسنَد أو يُنسَب – المحمول على موضوعه، محمد رسول الله، محمد موضوع، رسول الله محمول، أرأيتم؟ مثلاً! كيفية هذه النسبة ما هي؟ كيف هذه النسبة؟ لابد أن تكون واحدة من ثلاث، واحدة من ثلاث نوعية أو طبيعة هذه النسبة، أي على وجه من الوجوه الثلاثة، إما أن تكون على جهة الضرورة أو على وجه الضرورة، أي ضرورة الوجوب، بمعنى لازم يكون الأمر هكذا، هذا يُسمونه ماذا؟ الوجوب أو الإيجاب، وهذه يُسمونها بالمُطلَق هكذا الضرورة، ضرورة ماذا؟ الوجوب، أو يُمكِن أن تكون على نسبة مُعاكِسة تماماً وهي نسبة الاستحالة، يُسمونها الامتناع، بمعنى مُستحيل أن يكون الأمر هكذا، مُستحيل! أو يُمكِن أن تكون على نسبة ثالثة يُسمونها نسبة الإمكان، لكن أي إمكان؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الإمكان الخاص، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم له أحسنت، الإمكان الخاص! الإمكان الخاص الذي يُعرَّف بماذا يا محمد؟ الإمكان الخاص يُعرَّف بأنه ماذا؟ (ملحوظة) قال المُجيب سلب الضرورتين، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، سلب الضرورتين، مُمتاز! كيف هذا؟ ما معنى سلب الضرورتين؟ (ملحوظة) قال المُجيب سب ضرورة الوجوب والامتناع، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، هذا صحيح، أحسنت! سلب ضرورة الوجوب وسلب ضرورة الامتناع، مثلاً الشيئ المُمكِن إمكاناً خاصاً ليس بالضرورة أن يكون موجوداً وليس بالضرورة أن يكون معدوماً، لأن لو كان بالضرورة معدوماً لما وُجِد، ولو كان بالضروة موجوداً لما كان مُمكِناً، والموجود ضرورةً فقط رب العالمين، لذلك يُسمونه واجب الوجود، أي ضروري الوجود، فقط! لكن ما عدا رب العالمين – العرش، الفرش، والكائنات كلها، مثل جبريل، ميكائل، الحور العين، الإنسان، الجن، الطير، الجماد، الحجر، الشجر، والماء، إلى آخر هذه المخلوقات – كله من قسم المُمكِنات، بمعنى أن نسبتها إلى العدم والوجود مُتساوية، واقعة في المُنتصَف! مَن الذي رجَّح وجودها على عدمها وأطلعها إلى الوجود؟ رب العالمين، قال أُريد أن أخلقها! هل مُمكِن أن تتصوَّر الكون من غيرها؟ مُمكِن، هل مُمكِن أن تتصوَّر إفناءها بمعنى أنها غير موجودة؟ مُمكِن، لأنها ليست ضرورية، هذا يُسمونه الإمكان الخاص، أحسنت، سلب الضرورتين!

بإزاء الإمكان الخاص تحدَّثنا عن ماذا؟ عن نوع آخر من الإمكان اسمه ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الإمكان العام، فأكَّد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على صحة أنه الإمكان العام، ثم تساءل ما هو الإمكان العام؟ فقال المُجيب سلب إحدى الضرورتين، فقال له فضيلته أحسنت، سلب إحدى الضرورتين، وليس كلتي الضرورتين، سلب إحدى الضرورتين! بمعنى ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور سلب ضرورة استحالة الوجود، فأنكر الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا الجواب وقال كيف هذا؟ لا، انظر ومثِّل لي إياها ببساطة، قل لي الآن الله – تبارك وتعالى – موجود… (ملحوظة) قال أحد الحضور مُقاطِعاً إنه موجود ضرورةً، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا ماذا يكون إذن؟ الله موجود بالضرورة، الله ضروري الوجود، الله واجب الوجود، هذا ماذا يكون؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور أثبتنا ضرورة الوجود ونفينا استحالة العدم، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا ليس في الإمكان العام، إذن هذا ليس مثالاً من أمثلة الإمكان العام، انتبه! هذا مثال على ماذا؟ على النوع الأول، وأنت تقول لي الله ضروري الوجود، إذن مادة القضية ما هي؟ الضرورة، والمادة ستكون ضرورةً أو امتناعاً أو إمكاناً خاصاً، المادة هنا صُرِّح بها، أنها الضرورة! فهذا المثال لا يصلح أن يكون عن الإمكان العام، أُريد مثالاً عن الإمكان العام، عن الله! الله ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور مُمكِن الوجود، فوافق الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على هذا الجواب، وقال الله مُمكِن الوجود، ستقول لي كيف هو مُمكِن الوجود؟ لكن هذا الكلام كله شرحته المرة السابقة وأُعيده الآن، لأنني أُريد منكم أن تفهموه جيداً، لأننا لو لم نفهمه لن نفهم كل المُوجَّهات، والدرس القادم سيكون عن المُوجَّهات أيضاً، درس اليوم سيكون عن المُوجَّهات البسيطة، الدرس القادم سيكون عن المُوجَّهات المُركَّبة، درس اليوم عن ثماني مُوجَّهات، الدرس القادم عن ست مُوجَّهات، فكل هذا سيعتمد على المُقدِّمة هذه، لابد وأن نفهمها بشكل واضح، فأنت قلت لي قبل قليل الله ضروري الوجود، هذا الكلام صحيح، لا نقاش فيه، والله مُمكِن الوجود، أيضاً هذا صحيح، كيف هذا صحيح؟ إذا فسَّرنا الإمكان هنا بإنه الإمكان العام وليس الإمكان الخاص، مُستحيل أن يكون الإمكان الخاص، لو الله موجود إمكاناً خاصاً – أي بالإمكان الخاص – للزم من هذا وجود إله، هذا الإله موجود ضرورةً وهو الذي أعطاه وجوده، مثلما الله الموجود ضرورة أعطانا وجودنا، لأن وجودنا من ضمن الإمكان الخاص، لكن الله مُمكِن الوجود بالإمكان العام، الذي لابد فيه من سلب إحدى الضرورتين فقط وليس كلتيهما، ما المسلوب الآن هنا؟ حين نقول الله مُمكِن الوجود سنجد أن المسلوب هو الامتناع، أكيد الامتناع مُستحيل هنا، لا يُوجَد امتناع، مسلوبة هذه! أليس كذلك؟ أي عدم الله مُستحيل، ووجود الله بقيَ في حيز الإمكان، الإمكان العام! أرأيتم؟ بعد ذلك نُناقِش وجود الله، إن ثبت أنه ضروري فهو ضروري، وكذلك طبعاً هو ضروري بلا شك، أليس كذلك؟ ذلك الإمكان العام هنا – انتبهوا – يُساوي ماذا؟ يُعادِل ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الضروري، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم الوجوب والإمكان الخاص، لأن الامتناع مسلوب عنه، انتبهوا!

العكس الآن، حين نقول شريك خالق مُمكِن العدم نكون سلبنا عنه ماذا؟ ضرورة الوجود، هذا يعني أن من المُستحيل أن يكون ضروري الوجود، أليس كذلك؟ فبقيَ في حيز الإمكان العام، أليس كذلك؟ الإمكان العام هنا في أنه يُمكِن أن يكون مُستحيل الوجود، ويُمكِن أن يكون مُمكِن الوجود بالإمكان الخاص، أليس كذلك؟ وبالبرهان العقلي سيثبت أنه مُستحيل الوجود، فالإمكان العام هنا يُعادِل ماذا؟ هيا قولوا لي! (ملحوظة) قال أحد الحضور الإمكان الخاص، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم دائماً يُعادِل الإمكان الخاص – انتبهوا – في المرتين، يُعادِل الإمكان الخاص – أحسنت – زائد الامتناع، أليس كذلك؟ هو هذا، هذا معناها، فكِّروا فيها دائماً، فكِّروا وقولوا لي كيف يكون الله مُمكِن الوجود ويكون شريك الله مُمكِن العدم، أرأيتم؟ المنفي في الأول الامتناع، المنفي في الثاني الوجوب، فلذلك الإمكان العام في الأول عادل الإمكان الخاص زائد الوجوب، وعادل في الثاني الإمكان الخاص زائد الامتناع، هذا اسمه الإمكان العام!

الآن يا إخواني الإمكان العام ليس من مواد القضايا، يُسمونها مواد القضايا أو أصول وكيفيات القضايا، هناك أشياء كثيرة لكن احفظوا شيئاً واحداً حتى لا تُخربِطوا، اسمها مادة القضية! سيقول لي أحدكم ما مادة القضية؟ مادة القضية هي التي تكشف عن طبيعة الحمل أو عن طبيعة العلاقة بين المحمول وموضوعه، نحن قلنا عندك محمول وعندك موضوع، كيف يُحمَل المحمول على موضوعه؟ هل يُحمَل بالضرورة أو بالإمكان الخاص أو بالامتناع؟ أرأيتم؟ هو هذا، هذا أول شيئ.

الشيئ الثاني هل مادة القضية هذه تأتي دائماً مُصرَّحاً بها وواضحة ومفهومة لنا أو يُمكِن أن تكون مطوية؟ في أكثر الأحوال تكون مطوية، نقول الله موجود، لو أردنا أن نكشف عن مادة القضية سنقول ضرورةً، المادة هي الضرورة، الله موجود ضرورة، أليس كذلك؟ شريك الخالق معدوم، ما المادة؟ ضرورة، ضرورةً لأنه مُستحيل الوجود، أليس كذلك؟ إذن ضرورة طبعاً، هذه ضرورة الوجوب وهذه ضرورة الاستحالة، هذا صحيح! الإنسان حيوان، فكِّر حتى لا تكون غير واضحة، أنت قل لي الإجابة، (ملحوظة) قال أحد الحضور ضرورةً، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، ضرورة، لا تقل لي إنه مُمكِن، الإنسان حيوان ضرورةً، لأن لا يُمكِن التفكير في الإنسان إلا بعد التفكير في الحيوان مُباشَرةً، لأن ماهية الإنسان حيوان ناطق، هذا هو! لا يُمكِن أن تُفكِّر في الإنسان من غير حيوانية، فالإنسان – أحسنت – حيوان ضرورةً، الإنسان موجود، (ملحوظة) قال أحد الحضور إن هذه غير واضحة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا! لابد وأن تكون واضحة، هذه سهلة، (ملحوظة) ذكر أحد الحضور كلمة إمكان، فأكَّد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على أنه إمكان، وقال بالإمكان الخاص، وقلت لكم إياها قبل ذلك، قلت لكم ما عدا الله من عرشه إلى فرشه – الإنسان، الأنس، الجن، المطر، وما إلى ذلك – كله على بعضه من قسم المُمكِنات، أي إمكان؟ الإمكان الخاص، أي الذي تستوي نسبته إلى الوجود والعدم، أليس كذلك؟ يُمكِن أن يُوجَد، ويُمكِن أن يظل معدوماً، عادي! مَن الذي يُرجِّح وجوده على عدمه؟ الخالق، لا إله إلا هو، يمن عليه فعلاً، وفكِّر في هذه حتى من ناحية عقدية، وكلما فكَّرت فيها وجدتها صحيحة، وقلت سُبحان الله، لولا أنه برحمته وفضله العميم الواسع – لا إله إلا هو – اختار أن يُخرِجني من العدم حيث لا أحكام في العدم – لا تُوجَد أحكام هناك – إلى الوجود لما شممت – والله – رائحة الوجود وما إلى ذلك، لكن انظر إلى هذا الفضل، وطبعاً هنا يكل اللسان ويتيه العقل والوجدان في الاعتراف به وإظهار الامتنان، لا تقدر، لا تقدر على هذا! تُعبِّر عن ماذا؟ وتُعبِّر بماذا؟ كل هذا عطيته، لا إله إلا هو! محض فضله، عدم! أنت كنت عدماً، ولم تطلب شيئاً، أنت كنت عدماً، كنت معدوماً، وبفضله هكذا قال أُريد أن أُخرِجك، وأعظم فضل بعد هذا – أنه أخرجك من العدم إلى الوجود – ما هو؟ مَن يقول لي؟ ما أعظم فضل على الإطلاق؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الإمداد، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، عرَّفك به، هذا هو بصراحة، دلك عليه، لو أخرجني وأعطاني وما إلى ذلك دون أن أعرفه ستكون هذه مُصيبة، ستكون لعنة هذه، أليس كذلك؟ سأذهب إلى جهنم، سأكون حطب جهنم، وسأعيش وأموت أسوأ من البهيمة، البهيمة أحسن مني، لكن – الحمد لله – أعظم فضل أنه خلقنا وعرَّفنا به، وأعطانا القدرة واللياقة واللُطف العقلي والفكري لكي نتعرَّف عليه ونستدل عليه ونشتاق إليه ونهيم به حُباً، لا إله إلا هو! ونطلبه ونطلب وجهه ونخشاه، شيئ عظيم جداً جداً جداً! فنحن موجودون إمكاناً، وجودنا إمكاني وليس ضرورياً، ليس شرطاً! غير ضروري، لو كان ضرورياً لكان وجودنا مثل وجود الله ولكنا آلهة، لكن هذا مُستحيل! ولو عدمنا كان ضرورياً لما لما كنا أصلاً ولا تكلَّمنا ولا ناقشنا، وهذا يعني أن وجودنا ليس كذلك أو كذلك، إذن هذا يعني أن وجودنا ماذا؟ إمكاني، هذا إمكان خاص وليس إمكاناً عاماً، لأن الإمكان العام يدخل فيه حتى وجود الله واستحالة وجود الشريك، كل هذا يدخل في الإمكان العام، ونحن قلنا الإمكان العام يُساوي دائماً الإمكان الخاص لكن مرة زائد الوجوب ومرة زائد الامتناع، هذا الإمكان العام! لابد وأن نفهم الإمكان العام، والمُهِم في ذلك أن نفهم يا إخواني أن كل قضية – كما قلنا – لابد لها من مادة، كل قضية! هذه المادة في عموم الأحوال مطوية، ما معنى أنها مطوية؟ غير مُصرَّح بها، غير مذكورة، الله موجود، أين المادة؟ مطوية، لكنها تُفهَم عند المُوحِّدين ضرورةً، شريك الباري معدوم، أين المادة؟ ضرورةً، الإنسان موجود إمكاناً، الإنسان حيوان ضرورةً، أرأيتم؟ هو هذا.

كل ذاتي للإنسان لابد أن يكون ضرورياً، أليس كذلك؟ الإنسان ناطق ضرورةً، أرأيت؟ الإنسان ناطق ضرورةً، الإنسان حيوان ضرورةً، لأن هذا ذاتي، أي لا تتقوَّم ماهية الإنسان إلا به، فضروري أن يكون ذاتياً، وإلا كيف ستتحدَّث عن الإنسان؟ هذا يعني أن الحديث لن يكون له معنى وسيصير مُتناقِضاً، جيد! هذا إلى الآن مفهوم.

القضية التي يُصرَّح بمادتها يُقال إنها قضية مُوجَّهة، أرأيتم؟ رأينا ما جهة الفضية، ما معنى جهة القضية؟ ما يكشف عن طبيعة العلاقة بين المحمول والموضوع، هل هذه علاقة ضرورية – ضرورة إيجاب أو ضرورة امتناع – أو إمكانية إمكاناً خاصاً؟ هذه هي، هذا معنى جهة القضية، نحن قلنا لكم كل حمل لابد أن يقع على وجه من الوجوه، هناك وجوه! عندنا وجوه هنا، هذا معنى كلمة مُوجَّهة، فهذه تكون مُوجَّهة، الآن حين نُصرِّح بجهة القضية ونقول هذا موجود ضرورةً أو معدوم ضرورةً أو موجود إمكاناً – إلى آخره – تُسمى القضية ماذا؟ مُوجَّهة، هل هذا واضح؟ إن لم نُصرِّح تبقى القضية ماذا؟ غير مُوجَّهة، وهي المُطلَقة! يُسمونها القضية المُطلَقة، فقضية الله موجود مُطلَقة، قضية الله موجود ضرورةً مُوجَّهة، قضية الإنسان حيوان مُطلَقة، قضية الإنسان حيوان بالضرورة أو ضرورةً مُوجَّهة، قضية الإنسان موجود مُطلَقة، قضية الإنسان موجود بالإمكان الخاص مُوجَّهة، هل هذا واضح؟ جميل!

هذه هي مواد القضايا، ما علاقة الإمكان العام – نحن فهمناه وشرحناه الآن – بالقضية هذه؟ الإمكان العام لا يدخل في مادة القضية، لا يدخل أبداً، مُستحيل! لأننا رأينا أنه يُجامَع هذا وهذا وهذا وهذا، فكيف سنُوجِّه به القضية؟ لا يصح، لذلك حين نُريد أن نبحث عن جهة القضية لابد أن نُفكِّر، فما صُرِّح به – انتبهوا – قد يتطابق مع مادة القضية – يتطابق مع مادة القضية تماماً، وهذا يُؤكِّد أن القضية صادقة وأنك فهمت الجهة – ومن ثم لا بأس، الآن – مثلاً – تقول الله موجود ضرورةً، أين الجهة؟ الضرورة، أليس كذلك؟ وأين المادة؟ الضرورة، تتطابقا! هل لابد أن تتطابق الجهة دائماً مع المادة؟ لا، اكتب هذا، هنا دخلنا في عمق الدرس، لا، هذا غير لازم! لكن هذا لا يعني أنه أذن أو رُخصة لكي تتناقض معها، لو تناقضت جهة القضية مع مادتها تكون القضية كاذبة، تكون قضية كاذبة! أي False proposition، غلط كلها ومُتهافِتة، ليس لها أي معنى، أنت حين تقول الإنسان موجود ضرورة يكون هذا غلطاً، لأن المادة الحقيقية ما هي؟ الإمكان، الإنسان موجود بالإمكان الخاص، من قسم المُمكِنات، أليس كذلك؟ لا تظن أبداً أن وجودك مثل وجود الله، وكأن من ذاته لابد كذا وكذا، مُستحيل! لا تظن أبداً أن وجودك من جنس المعدوم، مُستحيل؟ كيف يكون من جنس المعدوم وأنت موجود؟ هذا غلط، فلم يبق إلا أن يكون وجودك من جنس المُمكِن إمكاناً خاصاً، أليس كذلك؟ هذا هو، هذا الصحيح، فلو قلنا الإنسان موجود إمكاناً ستكون الجهة هنا طابقت المادة، والقضية صحيحة طبعاً، لو قلنا الإنسان موجود ضرورة ستكون الجهة هنا خالفت المادة، لأن المادة ما هي؟ الإمكان، المادة في حد ذاتها صُرِّح بها أو لم يُصرَّح وفهمتها أو لم تفهمها – المادة في حد ذاتها وفي نفس الأمر – ما هي؟ الإمكان، أنت تتحدَّث عن إمكان المُمكِن، أنا مُمكِن، لست ضرورياً، أليس كذلك؟ ولست معدوماً، انتهى! إذن المادة هي الإمكان، لكن الجهة التي صُرِّح بها وذُكِرت هي الضرورة، وهذه تُخالِف المادة، تُناقِضها تماماً! والقضية كاذبة، قضية الإنسان موجود ضرورةً كاذبة، كذب! هذا كذب، ولا يقدر أي أحد على إثبات القضية هذه، هذا غلط! أرأيت؟

إذن المزلق في الجهة يكمن في إمكانية أن تُخالِف بها المادة، أليس كذلك؟ المُخالَفة هنا على نحوين، مُخالَفة بحيث تتناقض معها، وهذه ممنوعة، طبعاً تقع أخطاء من الناس، أخطاء في المنطق والتعبير، تقع أخطاء وتكون القضية كاذبة، ومُخالَفة بمعنى أنها لا تحكيها، لكن لا تُناقِضها، هذا مُمكِن! لماذا؟ بسبب مقام الإمكان العام، أليس كذلك؟ نحن قبل قليل قلنا الله موجود، مادة هذه القضية ما هي؟ الضرورة، أليس كذلك؟ لكن إذا قلنا الله موجود إمكاناً أو الله موجود بالإمكان أو الله مُمكِن الوجود فأيضاً ستكون صحيحة القضية هذه، لماذا؟ لأن التوجيه هنا عُنيَ به الإمكان العام، وليس الإمكان الخاص، فهل الإمكان العام يتناقض مع مادى القضية؟ ما مادة القضية؟ أرجع وأُعيد، فركِّزوا معي، مادة القضية ما هي في الله موجود؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور ضرورة، فأكَّد الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم على أنه ضرورة، وقال للمُجيب أحسنت، هذه المادة، فهمتها أو لم تفهمها وصرَّحت بها أو لم تُصرِّح هي هكذا، هذه حقيقة، المادة بالضرورة، هل الإمكان العام يتناقض مع الضرورة؟ كلا، بالعكس! يُجامِعها زائد الإمكان الخاص، لكن عند الترجيح والاستدلال في النهاية يتحصَّل عندنا ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور الإمكان الخاص، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، ليس الإمكان الخاص، الضرورة! أي الله موجود بالضرورة، ما بك؟ ركِّز معي، موجود بالضرورة، أنت نعسان، حاشا لله أن يكون موجوداً بالإمكان الخاص، موجود بالضرورة، فهذا هو المعنى، وهذا لُب الدرس، اليوم حتى لو لم نُكمِل الأقسام هذه كلها – هذه الأقسام كلها من الصعب أن تُحفَظ، لكن سوف تفهمها حين تسمعها – سيكفي هذا، هذا هو لُب الدرس، أعني أن تفهم هذا، فيُسمَح لها بأن تختلف معها لكن ليس اختلاف تناقض، أرأيت؟ اختلاف تفصيل أو إجمال أو تبيين أو خاص أو عام وما إلى ذلك، هذا هو! لكن اختلاف التناقض يجعل القضية كاذبة من أصلها، ومن ثم سيكون كل هذا كلاماً فارغاً ليس له أي معنى، هل هذا واضح؟

نأتي الآن إلى أنواع المُوجَّهات، بصيغة اسم المفعول، المُوجَّهات تنقسم إلى قسمين: قضية مُوجَّهة بسيطة، وقضية مُوجَّهة مُركَّبة، المُركَّبة تنحل إلى مُوجَّهتين بسيطتين، سنأخذها في الدرس القادم، وهي ستة أقسام، الآن سنستريح منها والحمد لله، نبقى في البسيطة، وهي ثمانية أقسام، ويُمكِن أن تكون أكثر من ذلك، أرسطو Aristotle لم يذكر هذا، أرسطو Aristotle كل كلامه في المنطق الخاص به والذي طبعه عبد الرحمن بدوي كاملاً تكلَّم عن ثلاثة أشياء، ولم يفصل بين الجهة وبين المادة، اعتبر هذه مثل هذه، وهذا كلام غير دقيق، هذا كله من تفصيل الإسلاميين، ما شاء الله! أرأيتم؟ أبو حامد الغزّالي – رحمة الله عليه – في معيار العلم لم يُميِّز بدقة بين الجهة والمادة، اعتبر المادة جهة والجهة مادة، وهذا غير صحيح، مَن الذي ميَّز؟ ابن سينا في النجاة، ميَّز في سطرين وبدقة، قال يُوجَد فرق بين مادة القضية وجهة القضية كما شرحت لكم، ومن ثم نحن استفدنا، رحمة الله عليه، ابن سينا منطقي رهيب، وطبعاً الغزّالي استفاد من كُتبه، لكن الغزّالي في معيار العلم للأسف لم يُميِّز، حين تقرأ كلامه تُخربَط وتتوه ولا تفهم، عنده المادة هي الجهة والجهة هي المادة، حتى المُحقِّق كتب ذلك، قال هذا غير واضح عنده، ليس لأنه لم يكن فاهماً، لكن لا أعرف لماذا خربط هكذا، ابن سينا قال لا، المادة هي كذا وكذا – كما قلت لكم – والتي تحكي طبيعة العلاقة كما هي، فهمتها أو لم تفهمها، وُفِّقت في فهمها أو لم تُوفَّق، هذه مُشكِلتك، لكن هي هكذا! الفاهمون يفهمون ما هي، الجهة تكون كما تُوجِّهها أنت، لذلك حتى إيمانويل كانط Immanuel Kant حين تكلَّم في المُوجَّهات رفض توجيه أرسطو Aristotle كله، وقال دعنا نُقسِّم القضايا تقسيمات ثلاثية، لن أُحدِّثكم عنها، لكن المُهِم أن تقسيم كانط Kant الثلاثي هو تقسيم ذاتي Subjective، أي بطريقة ذاتية! كيف ترى الأمور؟ وهذا كلام جيد، لكن ليس في قوة كلام أرسطو Aristotle، أرسطو Aristotle كانت عينه على الأمور وكيف هي، ليس كيف تراها، ما علاقتي بك وبما تراه؟ وإلا سيأتي كل واحد ويدّعي ما يُريد، لا! فالمُوجَّه هذا موضوع مُعقَّد جداً، من أعقد مواضيع المنطق، مُعظَم كُتب المنطق على الإطلاق لا تتعرَّض له، لا تُريده ولا يأتون به، لأنه موضوع صعب ويحتاج إلى الفهم بدقة، لكنه ليس مُستحيلاً، ها أنتم فهمتم خُلاصته بفضل الله عز وجل، لو فهمتم ما شرحته لكم الآن سيعني هذا أنكم فهمتم الجوهر – الــ Essence – وهذا يكفي،  وأكثر مناطقة الغربيين لم يعتبروا المُوجَّهات والتوجيه من أبحاث المنطق، لماذا؟ قالوا هذا مادي وليس صورياً، هذا مادي وليس صورياً! فإذن ليس من حقه أن يدخل في المنطق، لكن بالعكس! من حقه أن يدخل في المنطق، وأرسطو Aristotle كان أدق، وابن سينا والفارابي والغزّالي وغيرهم كانوا أدق، لكن هذا مبحث طويل، كتب عنه قديماً العلّامة عليّ سامي النشّار بحثاً طويلاً وناقش الغربيين وقال لماذا هم اعتبروا هذا وما إلى ذلك، قصة كبيرة في المبحث هذا! فهي بعد اللتيا والتي من مباحث المنطق الصوري Formal logic، شاءوا أو أبوا هي هكذا، فنأتي الآن إلى البسيطة.

إذن البسيطة مُقابِل المُركَّبة، لا تنحل إلى أكثر من قضية، هي قضية واحدة، وسوف نرى التوجيه فيها وأقسامها، عندنا الضرورية الذاتية، يُسمونها الضرورية الذاتية وهذه من أقسام المُوجَّهات البسيطة التي سنأخذ منها ثماني مُوجِّهات، هي أشهرها على الإطلاق، أي الضرورية الذاتية، هذه يُحمَل فيها المحمول على الموضوع لذات الموضوع، بغض النظر عن قيود أُخرى، ما دام الذات موجودة فالحمل يصح، فهذه يُسمونها ضرورية ذاتية، حين نقول الإنسان حيوان بالضرورة تكون الضرورة هنا ذاتية أو غير ذاتية؟ ذاتية، ما دام ذات الإنسان موجودة فالحيوانية فيه موجودة، لأنها مُقوِّم له، أليس كذلك؟ الإنسان في النهاية هو حيوان ناطق، فبغض النظر هذا الإنسان نائم أو قاعد أو ماشٍ أو مُتحرِّك وبغض النظر هذا اليوم أو غد – نحن سنأخذ الحينية، أي الوقتية – أو بعد ألف سنة هو إنسان! ما دام ذاته كإنسان موجود فالحيوانية موجودة، يُسمونها ضرورية ذاتية، أي يثبت فيها المحمول للموضوع لذات الموضوع، بغض النظر عن أي قيد أو شرط آخر، إلا قيد واحد! ما هو؟ ثبوت ذات الموضوع، اثبت لي أنه إنسان، إذا أثبت إنساناً فأنت أثبت حيواناً، هذا صحيح! لكن إذا لم تثبت إنساناً  فأنت لم تُثبِت حيواناً، جيد، أنت فهمت هذا

الآن نقول الله موجود – لا إله إلا هو – بالضرورة، مثل السابقة، الإنسان حيوان بالضرورة، الله موجود بالضرورة، هل هذه ضرورية ذاتية؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور لا، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لماذا لا؟ طبعاً هذا صحيح، ليست ضرورية ذاتية، هذا صحيح! مَن قال لا كلامه صحيح، لماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور إجابة خاطئة تُفيد بإنه لا يُمكِن إثبات وجود الله، فأنكر الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم هذا وقال كيف لا يُمكِن إثبات وجود الله؟ أعوذ بالله، ثم أجاب آخر بإجابة خاطئة، فقال فضيلته لا، ليس هذا أيضاً، المفروض أن يكون هذا واضحاً لكم، أنا شرحته! لماذا يا محمد؟ أنت قلت لا، لماذا؟ ربما أنت فاهم إن شاء الله، لا يُشترَط في الله موجود ضرورةً قيد أن تُوجَد ذاته، لأنها موجودة أصلاً، لا نضعها في القيد، لكن الإنسان لابد أن نشترط فيه الشيئ هذا، لأن يُمكِن أن يُوجَد إنسان ويُمكِن ألا يُوجَد إنسان، يُمكِن أن يُخلَق هذا الإنسان ويُمكِن ألا يُخلَق هذا الإنسان، عادي! أما الله نفسه – وهو واجب الوجود – فهذا القيد لابد أن يُحذَف فيه، هذا لم يتفطَّن له مُعظَم علماء المنطق، طائفة قليلة من المُتكلِّمة تفطَّنوا له وفرَّعوا قائلين هذه القضية قائمة بذاتها وسوف نُسميها الضرورية الأزلية، إذن تحدَّثوا عن الضرورية الذاتية  وتحدَّثوا عن الضرورية الأزلية، ودائماً حين يُعرِّفوننا ما الضرورية الأزلية يقولون حتى قيد وجود الذات لا نحتاجه، لأن الله غير قابل للترديد، كأن يُقال حين يُوجَد وحين لا يُوجَد يحدث كذا وكذا، لا! هذا الكلام غير موجود، هو الوحيد الموجود ضرورةً بلا قيد وبلا شرط، فالقيد هنا وهو اشتراط وجود الذات محذوف أيضاً، صحيح! هذا الكلام في مُنتهى التوحيد وفي مُنتهى الفهم والمنطق، بارك الله مَن انتبه إلى هذه الدقيقة التوحيدية، هذا في المنطق وهم ألَّفوا قضية جديدة.

ولذلك أنا أقول لك التوجيه أو القضايا المُوجَّهة هذه يُسمونها الــ Model propositions، هل تعرف الــ Modell؟ هنا العلماء يقولون Modell، أي الــ Modellvorschlag، ومن ضمن معناها الشرطية والاشتراطية، المُوجَّهة! الــ Model – بالإنجليزية Model لكن هنا يقولون Modell – هي المُوجَّهة،  الــ Model propositions أي القضايا المُوجَّهة، هذه القضايا أحسن مَن تكلَّم فيها مناطقة المُسلِمين على الإطلاق، هذا من إضافاتنا! ولا الألماني كانط Kant ولا الألماني فريغه Frege ولا غيرهما، لم يتكلَّم أحد مثلنا، شيئ عجيب! عندهم تفصيل دقيق جداً جداً، ما شاء الله! وفعلاً كل مَن درسوا المنطق في الحضارة الغربية قالوا المناطقة المُسلِمون أبانوا عن تعمق غير طبيعي في المنطق، يا رجل سبقوا أرسطو Aristotle، أرسطو Aristotle، أرسطو Aristotle قرأت كلامه، كلام بسيط! طبعاً هو ذكي وهو الأساس لكن لم يُوجَد عنده هذا التفصيل بالمرة، لم يقل البسيطة والمُركَّبة وهذه ثماني وهذه ست وما إلى ذلك، لم يُوجَد كل هذا، ذكر ثلاثة أنواع وانتهى الأمر، لكن هؤلاء – سُبحان الله يا أخي – عندهم عقل كبير، ثم قالوا الفكر الإسلامي كان فكراً اجترارياً واستهلاكياً فقط! هل هذا فكر استهلاكي؟ هذا فكر إبداعي، لا يمس شيئاً إلا بعجه ووسَّع مداه وأضاف إليه وما إلى ذلك، كشيئ غريب يا أخي! كان عقلاً ذكياً، أنا أعتقد أن هذا بسبب الإيمان والنور الإلهي الذي كان عندهم، والله العظيم! بئس الأحفاد نحن اليوم، لا تُوجَد علاقة بيننا وبينهم فعلاً، هذه حقيقة.

نأتي الآن إلى المشروطة العامة، المشروطة العامة من أقسام الضرورية، أخذنا الضرورية الذاتية، الضرورية الأزلية، والمشروطة، أي والــ Conditional،المشروطة العامة من أقسام الضرورية، نحن قلنا الضرورية الذاتية ما القيد فيها؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور وجود الذات، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، أحسنت! وجود الذات، أي بقاء الذات، لكن هنا الأمر ليس كذلك، ليس فقط بقاء الذات، لا يهمنا فقط بذكاء الذات وحده، لا! نُريد العنوان، هناك عنوان مُعيَّن للذات هذه يبقى ثابتاً، ما دام العنوان هذا موجود فهذه القضية تصدق، نقول – مثلاً – الماشي Walker، هذا مُتحرِّك أو مُحرِّك Mover، أليس كذلك؟ مُتحرِّك! الماشي مُتحرِّك بالضرورة، لكن كيف بالضرورة؟ ما دام على هذه الصفة، أليس كذلك؟ هذا هو طبعاً، ليس الماشي كذات، أنا الآن عندي لياقة المشي لكنني الآن جالس، أنا لست مُتحرِّك طبعاً، الآن غير مُتحرِّك، ساكن! متى أكون مُتحرِّكاً؟ ما دمت على هذه الصفة، وهي صفة ماذا؟ الماشي، حين أمشي، أي Actually، في الواقع أنت تمشي الآن، طبعاً الإنسان حيوان ماشٍ، أليس كذلك؟ هذه ثابتة له، هذا صحيح، لكن هذا يكون في بعض المرات بالإمكان ويكون في بعض المرات بالفعل، نحن نُريد بالفعل، أي Actually، هذا يعني أن المقصود هنا ليس الذات كذات الماشي وإنما عنوان المشي، أنه الآن يمشي، فإذا هو يمشي فهو مُتحرِّك فعلاً، هذا صحيح! هذا يكون مُتحرِّكاً، أرأيت؟ هذه يُسمونها المشروطة العامة.

إذن هي من قسم الضروري – نرجع ونُعيد – لكن ضرورتها مشروطة بشرط زائد، ببقاء عنوان الموضوع، ثابت للذات! هل الذات ثابتة؟ طبعاً لابد وأن تكون الذات ثابتة، هذه من أقسام الضرورية، الذات ثابتة وعنوانها – أي عنوان الذات هذه – يبقى أيضاً موجوداً، هذا لازم! وهو ماذا؟ المشي بالفعل، انتهينا منها، فنأتي إلى الدائمة المُطلَقة.

الدائمة المُطلَقة، قالوا هذه تدل على دوام، انتبهوا! لا تدل فقط على ثبوت كالأولى، لا! هي تدل على استمرارية، هذا الشيئ دائم، سواء الإثبات أو السلب، أي أنك حملت المحمول على موضوعه أو سلبت عنه، بمعنى أنه ليس كذلك، بغض النظر عن أي شيئ، لكن هذه دائمة بدوام الموضوع، ما دام الموضوع موجود بذاته تثبت له هذه سلباً وإيجاباً، حين نقول – مثلاً – كل فلك مُتحرِّك دائماً يكون هذا صحيحاً، ما دام هو فلك فلابد وأن يكون مُتحرِّكاً دائماً، هذا صحيح! لا يُوجَد فلك غير مُتحرِّك في علم الاسترونومي Astronomy، لا يُوجَد! كل فلك يتحرَّك، لا يُوجَد فلك غير مُتحرِّك، كل كوكب يمشي في المدار – الــ Orbit – الخاص به، باستمرار! إذا عندك فلك فإذن عندك حركة دائمة، لا تقل لي يُوجَد فلك وهو ثابت، هذا ليس فلكاً، أليس كذلك؟ هو هذا، انظر إلى هذا، كأنه يصير في النهاية من أقسام القضية التحليلية، طبعاً يُوجَد تحليل! لأن في النهاية مفهوم الفلك ما هو؟ حركة الكوكب في مداره بشكل مُستمِر دائماً، هذا الفلك! الفلك ليس مداراً مرسوماً، لا! الفلك هو الحركة في هذا المدار بشكل دائم، فطبعاً كل فلك مُتحرِّك دائماً، هذه دوامية، قالوا الدائمة المُطلَقة، لماذا هي مُطلَّقة؟ لأننا لم نُقيِّدها بأكثر من وجود ذات الموضوع، فيكون الفلك موجوداً، إذا الفلك موجود فالحركة ستكون دائمة، فسموها دائمة مُطلَقة، أرأيت؟ مثلاً نقول زنجي، لا يزال الزنجي أو الحبشي – مثلاً – أسود اللون، أو لا يزال الأسترالي – مثلاً – أبيض اللون، طبعاً هذه دائمة مُطلَقة، بما أنه أسترالي فلابد وأن يبقى أبيض، لأن هؤلاء ألوانهم بيضاء مثلاً، بما أنه أفريقي أو حبشي فلابد وأن يبقى لونه أسود، هذا هو! بسبب الذات، مع أن بالعقل نفسه وبالإمكان يُمكِن أن يزول عنه اللون هذا ويُمكِن أن يقف الفلك، مُمكِن! لكن نحن الذين نرى بذات الفلك كذات، بذات الزنجي أو الأسترالي، وإلى آخره! هكذا هي المسائل جارية، يُسمونها الدائمة المُطلَقة.

العُرفية العامة، هذه من أقسام الدائمة، أرأيتم؟ كما قلنا قبل قليل ضرورية ذاتية ومشروطة عامة، هذه من أقسامها! الآن قلنا دائمة مُطلَقة، يأتي من أقسامها عُرفية عامة، مثل الدائمة المُطلَقة، لكن فيها قيد، ما القيد هنا؟ ليس ذات الموضوع وإنما عنوان الموضوع، أي بقاؤه! لابد أن تكون الذات موجوة في الموضوع هذا وأن يكون له عنوان وأن يبقى، العنوان لابد وأن يبقى، انتبهوا! ليس فقط بقاء ذات الموضوع، كما قلنا قبل قليل عن الدائمة المُطلَقة، لا! لابد من بقاء العنوان، فهي تُشبِه تلك، كما نقول – مثلاً – كل كاتب فهو مُتحرِّك الأصابع ما دام كاتباً، هذا صحيح! مثل حكاية ما دام ماشياً، أرأيتم؟ هذا نفس الشيئ! ماشٍ ومُتحرِّك، هذا كاتب مُتحرِّك الأصابع ما دام كاتباً، ما الفرق هنا؟ أننا قلنا دائماً، نتحدَّث عن الدوامية هنا، أرأيتم؟ نضع كلمة دائماً، كل كاتب فهو مُتحرِّك الأصابع دائماً، دائماً! اليوم وغداً ومن هنا إلى ألف سنة، لكن متى؟ ليس لأنه فقط كاتب، أنا كاتب والآن لا أكتب، لست مُتحرِّك الأصابع، ها أنا ساكت، وقد أُصلي، أليس كذلك؟ لكن هنا المقصود العنوان، عنوان الكاتب يكون موجوداً، يشتغل العنوان هذا، أي أنه يكتب، أي Actually، أرأيتم؟ فتصير هذه عُرفية عامة، فيها دوام لكن هذه ليست المُطلَقة الدائمة، لماذا؟ هذه ليس فيها شرط أكثر من وجود ذات الموضوع، أي دوامه! لكن هنا الأمر يختلف، هنا دوام عنوان الموضوع، عنوانه وليس ذاته.

المُطلَقة العامة، القضية المُطلَقة العامة يُسمونها الفعلية، كيف؟ القضية المُطلَقة العامة أو القضية الفعلية كما يُسمونها تدل أيضاً على ثبوت المحمول للموضوع في كل الظروف والأحوال والأوضاع بالقوة وبالإمكان، هل فهمتم كيف؟ وهكذا دائماً! وسواء كانت دائمة أو غير دائمة دائماً هي صادقة، كأنها قضية تقريرية عامة، هكذا سماها كانط Kant، التقريريات! نقول – مثلاً – كل إنسان ماشٍ بالفعل، أي بالحقيقة، المقصود بالفعل هنا – انتبهوا – بالحقيقة، هذا صحيح! نحن قلنا من صفات الإنسان أن عنده القدرة على التحرك، لكن لو قلنا كل حجر ماشِ بالفعل سيكون هذا غلطاً، هذا كذب! هذه ليست قضية صادقة، هذه قضية كاذبة، لكن قضية كل إنسان ماشٍ بالفعل مُطلَقة عامة، أي قضية فعلية، وكل – مثلاً – فلك – Orbit – مُتحرِّك بالفعل فعلاً تقريرية، هو هكذا! هذا الفلك، وهذا الإنسان، وهذا الكذا! هذه من غير أن نُلاحِظ فيها قيود لا في الزمان، لا في الأوصاف، ولا في العناوين، هي هكذا! وإلى الآن بالمُناسَبة هذه القضية أعم قضية مُوجَّهة مرت معنا، إلى الآن! ستأتي قضية أُخرى أعم منها، وستكون الأعم بالمُطلَق، أعم واحدة على الإطلاق! لكن هذه إلى الآن تُعتبَر أعم القضايا التي ذكرناهم، الخامسة هذه أعم واحدة، والآن ستأتي بواحدة أعم منها.

الحينية المُطلَقة، انظر إليها، واضح من كونها حينية أنها وقتية، Temporarily، أي زمنية هذه، وستكون مُتفرِّعة عن ماذا؟ عن المُطلَقة العامة الفعلية، أليس كذلك؟ تلك قلنا فيها بغض النظر عن كذا وكذا لكن هذه لابد من وجود شروط فيها هنا، (ملحوظة) أشار أحد الحضور إلى اتصاف ذات الموضوع، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، نفس الشيئ! لابد من اتصاف ذات الموضوع، الفعلية الخاصة بها تكون عند اتصاف الموضوع، بعنوانه! هذا لابد منه، إذا لم يتصف فلن تكون حينية مُطلَقة، كما نقول – مثلاً – كل طائر يخفق أو خافق بجناحيه حين يطير أو وقت الطيران أو حين هو طائر، هذا صحيح! بالعنوان هذا – العنوان هذا أثبتناه للذات – تكون هذه القضية صحيحة، وهي حينية مُطلَقة، لابد من هذا في وقت الطيران، لأن الطائر حين يكون على الأرض لا يخفق بجناحيه، إذن هو يخفق بجناحيه حين يكون طائراً.

نقدر على أن نقول كل إنسان مُحمَر الوجه حين الغضب أو حين هو غاضب، لا يُوجَد إنسان يحمر وجهه ويظل عادياً، لا! لابد وأن يتغيَّر لون وجهه، أو كل إنسان مُصفَر الوجه حين هو خائف، هذا صحيح! احذف حين هو خائف ولن يكون كل إنسان مُصفَر الوجه، هذا غير صحيح، سيصير بعض الناس مُصفَر الوجه، إما لأنيميا Anemia وفقر وإما لحالة من الحالات مثل اليرقان والكبد والصفراء، لكن عنده الخوف فعلاً لا أحد يحمر وجهه، عند الخوف الكل يصفر وجهه، وعنده الغضب الكل يحمر وجهه، فهنا في الحينية المُطلَقة هذه لابد أن نذكر قيد العنوان ثابتاً للموضوع، ليس الموضوع وحده، ليس كل إنسان، ليس كل طائر، ليس كل فلك، وليس كل كذا، لا! حين هو كذا، ووقت هو كذا، لابد وأن تُقيِّدها بهذا الشيئ.

نأتي إلى رقم سبعة، وهو المُمكِنة العامة، ما دلت على سلب ضرورة الطرف المُقابِل للنسبة المذكورة في القضية، وعلماً بأنني لا أحفظ هذه الأشياء كلها، الآن لو سألتني – مثلاً – أكيد سأغلط في بعضهم، لكن حين أقرأ الكلام أفهم ما المُراد منه، وليس شرطاً أن تحفظه، صعب أن تحفظ كل هذه الأشياء كلها وما إلى ذلك، لكن لو فهمت معناها سوف تقدر في النهاية على أن تُميِّز، سوف تقول هذه من قسم كذا وهذه من قسم كذا، وهذا كله يعتمد على ما ذكرناه في الأول، المُمكِنة العامة، ما دلت على سلب ضرورة الطرف المُقابِل للنسبة المذكورة في القضية، أي القضية لابد وأن يُذكَر فيها نسبة، نسبة مُعيَّنة من النسب التي أخذناها، وهنا هذه تدل على سلب الطرف المُقابِل للمذكور طبعاً، ليس سلب المذكور وإنما سلب الطرف المُقابِل للمذكور، مثلاً نقول لو كانت قضية مُوجَبة ستدل على سلب المُقابِل، هل هذا واضح؟ وبالعكس طبعاً.
قالوا كل إنسان كاتب بالإمكان العام، هذا صحيح، كيف كل إنسان كاتب بالإمكان العام؟ لأن الإمكان العام يُعادِل ماذا؟ هنا الآن يُعادِل ماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور سلب ضرورة الامتناع، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، سلب ضرورة الامتناع، أليس كذلك؟ مُستحيل أن يكون من المُستحيل أن يكتب إنسان، مع أن في الواقع بعض الناس تكتب وبعض الناس لم تتعلَّم الكتابة حتى والقراءة، أليس كذلك؟ هل هذا مضبوط أم لا؟ هذا هو، فإذن كل إنسان كاتب فعلاً بالإمكان العام، الإمكان العام هذا – كما قلنا – دائماً يُعادِل ماذا؟ الإمكان العام يُعادِل دائماً ماذا؟ الإمكان العام يُعادِل دائماً الإمكان الخاص زائد – دائماً هكذا – الوجوب أو الامتناع، أليس كذلك؟ هنا كل إنسان كاتب بالإمكان العام كما قلنا، إذن ما المسلوب هنا؟ الامتناع، أليس كذلك؟ نحن قلنا هذه القضية المُمكِنة العامة تدل على سلب المُقابِل للنسبة المُصرَّح بها، الذي صُرِّح به هنا الإمكان العام، أليس كذلك؟ هذا يُقابِل ماذا؟ الإمكان الخاص – أي في هذه القضية – زائد سلب الامتناع طبعاً، طبعاً هذا ضروري، لا يُمكِن أن يكون مُستحيل على الإنسان أن يكتب، كيف يكون هذا مُستحيلاً؟ لكن في الواقع بعض الناس تكتب وبعض الناس لا تكتب، ولذلك هذه المُمكِنة العامة – كما رأيتم – إلى الآن أصبحت أعم القضايا طبعاً، لأن الإمكان العام – كما قلنا – يُساوي دائماً الإمكان الخاص زائد واحد من اثنين، إما الامتناع أو الوجوب، ومن ثم سيكون هذا أعم شيئ، سيعم كل شيئ، سيدخل الكل فيه فعلاً! حتى الضروريات وما إلأى ذلك كلها ستدخل فيها، فهذه أعم القضايا وهي المُمكِنة العامة، وهي اسم على مُسمى.

آخر شيئ الحينية المُمكِنة، ما الحينية؟ الوقتية، هناك أُناس يُسمونها الوقتية، الحينية المُمكِنة! طبعاً واضح أنها من أقسام المُمكِنة، قبل قليل قلنا المُمكِنة العامة، لكن هنا نقول الحينية المُمكِنة، أي ستكون مُمكِنة مثل المُمكِنة العامة لكن بلحاظ اتصاف الذات، فالعنوان يبقى ثابتاً لموضوعه، لابد أن يبقى الموضوع مُتصِفاً بهذا العنوان، هذا نفس الذي يتكرَّر معنا باستمرار، هل هذا واضح؟ مثلاً قالوا كل ماشٍ غير مُضطرِب اليدين بالإمكان العام، إلى الآن هذه ماذا؟ مُمكِنة عامة، حين هو ماشٍ، ضع عليها القيد هذا، في وقت ما يكون ماشياً، لو قلت كل إنسان غير مُضطرِب اليدين  بدون حين هو ماشٍ ستكون هذه مُمكِنة عامة، لكن لو وضعت حين هو ماشٍ يعني ستُصبِح حينية مُمكِنة، لأنك وضعت حين هو ماشٍ، يُسمونها وقتية، وقت هو ماشٍ، يُسمونها وقتية أو حينية – نفس الشيئ – بسبب هذه الموضوعات، هذا ما يتعلَّق بالمُوجَّهات البسيطة.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: