نأتي الآن إلى عقيدة التناسخ – أي الــ Reincarnation – أو ما يُسمونه بهجرة الأرواح لكن باختصار، الموضوع طويل هذا ومُؤلَّف فيه مُؤلَّفات كثيرة جداً، وللأسف تورَّط بعض الإسلاميين وقال به، بعض الفئات الإسلامية وبعض الشخصيات الإسلامية قالت به، الدروز مثلاً – يُسمونهم بالمُوحِّدين هؤلاء – يقولون بالتناسخ، الدروز! وهذا كان أولاً.

ثانياً عندنا أحمد بن حافظ وتَلميذه، كانا يقولان بالتناسخ، عندنا أبو مُسلِم الخراساني، أحد المُؤسِّسين للدولة العباسية، كان يقول بالتناسخ، اعتقد بالتناسخ! من عقائده الآرية القديمة، تخيَّلوا! لأنه فارسي آري، فيقول بالتناسخ، محمد بن زكريا الرازي-  الطبيب الزنديق هذا، هذا طبيب وفيلسوف لكنه زنديق، عنده زندقة وتكلَّم في النبوة وما إلى ذلك، فظيع الرجل، وعاش ولم يُقتَل، هذا زنديق لكنه لم يُقتَل، وزندقته ثابتة، لكنه عقل كبير – كان يقول بالتناسخ، عنده كتاب اسمه العلم الإلهي، والعجيب أنهم يحتجون للتناسخ بآيات من القرآن، أي أنهم يقولون كلاماً أهبل! كلام فارغ طبعاً، لن نأتي بهذا لأن هذا موضوع طويل، إذا أحببتم أن ترجعوا إليه لكي تعرفوا ما حُججهم – وهذه مُجرَّد دعاوى فارغة كما قال ابن حزم – ارجعوا إلى كتاب ابن حزم الفِصل، ذكر فيه هذا وذكر هذه الأسماء كلها وأتى بحُججهم من القرآن الكريم ودافع ضد موقف بسرعة، المُهِم سماها دعاوى فارغة.

إذن التناسخ، ما قصة التناسخ هذا؟ طبعاً طبيعي أن هذه الديانة في النهاية تُضطَر أن تقول بالتناسخ، لماذا؟ مَن يقول لي لماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور بسبب الطبقات، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، ليس بسبب الطبقات فقط، لأن يا سيدي يُوجَد عندهم موضوع خلود الروح، يعترفون هم بهذا في النهاية! لماذا إذن؟ لماذا تعترف الهندوسية بخلود الروح الفردية مثل روحي وروحك وروح الحيوان وما إلى ذلك؟ لماذا كلها تخلد؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور بسبب وحدة الوجود، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت، بسبب الوحدة، لأنها من روح الله، والله أزلي أبدي سرمدي، إذن مُستحيل أن تفنى الروح وتضمحل، موجودة! لكن هذا إلى الآن ليس الجواب الكامل، هل تقولون بعالم آخر أو بآخرة يُجازى فيها الإنسان على ما اقترفت يداه إن خيراً فخير وإن شراً فشر وتُسوّى فيها الديون والحسابات؟ لا، لا يقولون بهذا، قالوا العالم هذا أزلي أبدي مُستمِر ولم يزل! ما معنى لم يزل؟ ليس له نهاية، العالم هكذا كان موجوداً، مثل الأكورديون Accordion، هل تعرف الأكورديون Accordion؟ ينتفخ ويتفرَّغ ثم يعود ينتفخ ويتفرَّغ، والعجيب أن هذه النظرية تحت تأثيرها قال بعض الفيزيائيين الملاحدة مثل فريد هويل Fred Hoyle بالكون الأزلي الثابت، قال يتخلَّق ويرجع ويظل باستمرار، كان مُتأثِّراً بالفكر الهندوسي، أزلي! لكن طبعاً علمياً الآن هذا مُستحيل، علمياً وبحسب القانون الثاني في الثرموديناميك Thermodynamic مُستحيل، وبحسب البيج بانج Big Bang الآن مُستحيلان، كذب! هذا كله اتضح أنه كلام فارغ، الكون عنده بداية علمياً، وهذا طبعاً ضد الفكر الهندي، الهند قالت لا، العالم أزلي لكنه غير ثابت، تعتوره تغيرات وتبدلات وتحولات، وبعد ذلك يضمحل بمعنى يكمن وليس يفنى، يكمن! ترجع الأرواح كلها – كما قلت مرة في خُطبة ربما قبل شهر – وهذا النور يرجع كله في صدفة كونية، أي البيج كرانش Big Crunch! كأن كله يرجع باستمرار مثل الأكورديون Accordion ثم يُنفِّس، وبعد ذلك يرجع ينبثق من جديد، بعد كم؟ حدَّدوها في الكوزمولوجيا – Cosmology – الهندوسية، هذه كوزمولوجيا Cosmology، أي علم الكونيات، حدَّدوها وسوف تسمع كلاماً عجيباً.

عندهم معبد بيناس في مدينة بيناس الشهيرة المُقدَّسة، في المعبد هذا يضعون قطعة رخامية وعليها ثلاث لوحات نُحاسية، يتوسَّط كل لوحة نُحاسية قضيب من الألماس، علماً بأن اسمه الألماس وليس الماس، لا يُوجَد شيئ اسمه الماس، هو اسمه ألماس، فنُعرِّفه ونُسميه الألماس، إذن يُوجَد قضيب من الألماس وهو طويل تقريباً، هناك ثلاثة قُضبان من الألماس، واحد منهم وُضِعَت عليه حلقات – أي على هذا القضيب – تدرَّج من الكُبرى إلى الأصغر في أعلى القضيب، عددها أربع وستون حلقة ذهبية، هذا نُحاس وهذا ألماس وهذا ذهب، حلقات ذهبية! ما قصة هذا؟ ويُوجَد راهب جالس، يقوم بعمل حركات مُعيَّنة! قالوا يوم خلق الإله براهما Brahma العالم بنى هذا المعبد، لأنهم يعتقدون أن تحت قُبة معبد بيناس يُوجَد مركز العالم، هذا مركز الوجود، الكوزموس Cosmos! هكذا يعتقدون، المركز هذا الكل يبحث عنه، حتى المُسلِمين قالوا الكعبة مركز العالم، فوقها البيت المعمور، أليس كذلك؟ إلى آخره! الكل يبحث عن المركز، نفس الأفكار ونفس الكلام، فهم قالوا هذا مركز العالم في بيناس عندنا، والله هو الذي عمل هذا، أي براهما Brahma، وقالوا إنه وضع أربع وستين حلقة ذهبية، وهذا له علاقة بالأمد الذي سيسعد به العالم والوجود قبل أن يفنى ويتحطَّم ويدثر، كيف؟ قالوا الآن هؤلاء الرهُبان مُكلَّفون ليل نهار، لا تُوجَد إجازات ولا يُوجَد نوم ولا يُوجَد أي شيئ، تُوجَد فقط دوريات Schichten، واحد يُنهي ما يفعله فيأتي آخر بعده مُباشَرةً، وهكذا! باستمرار يشتغلون، فما القصة؟ قالوا بسيطة، لابد أن ينقل الواحد منهم الحلقات الذهبية من القضيب هذا إلى قضيب ثانٍ، عنده قضيبان فارغان، حين ينتهي من نقل هذه الحلقات ينتهي كل شيئ، يُسمَع صوت ويتأثَّر الراهب نفسه والمعبد نفسه هذا يتدمَّر، بعد ذلك يُسمَع صوت كالرعد القاصف على إثره ينهار المعمار الكوني كله، لكي يُنشئه الرب الخالق من جديد، وتأتي دورة أُخرى، قد يقول لي أحدكم هل هذه الحكاية تتم في ساعة؟ ساعة ماذا يا حبيبي؟ ما هي؟ هناك قواعد للنقل.

احفظوا هذا وحدِّثوا به حتى أولادكم الصغار، عجيب! هذا يُريكم قصور العقل الإنساني، تخيَّلوا أن أحدهم جاء دون أن يعرف القصة هذه وليس عنده فكرة رياضية عن أي مُتوالية هندسية وقال له رجل سأُعطيك فرصة لمدة أربع وعشرين ساعة لكي تنقل أربع وستين حلقة بالنظام الفلاني، إذا فعلت فلك عشرة مليون دولار، وإذا لم تفعل فستُقتَل مضروباً برصاصة في الرأس، قد يقول لماذا أربع وعشرين ساعة؟ أنا سأفعل هذا في خمس دقائق، لكننا سوف نرى متى سوف يفعل هذا! سوف تحتاج إلى كم بليون Billion سنة؟ سوف تحتاج إلى كم ألف مليون سنة؟ كيف؟ هناك قاعدة النقل، وطبعاً معروفة الهند، الهند أرض الرياضيات – Mathematics – يا حبيبي، أذكى عقل رياضي خلقه الله عند الهنود، شيئ خطير جداً، عندهم مُخ تحليلي، الرياضيات علم تحليلي، المُخ التحليلي الخارق هو المُخ الهندي، معروف! لا يُوجَد مُخ تحليلي مثله، عندهم علماء رياضيات مُذهِلون وهذا من قديم بالمُناسَبة، طبعاً أنت تعرف أن هذه الأسفار البدائية يُوجَد فيها سفر أيضاً عن علم الرياضيات، حقائق رهيبة!

عندنا الآن نظريات هلكنا بها اليونان والغرب، مُسلَّمة إقليدس Euclid الخامسة وما إلى ذلك، حين تقرأ الرياضيات الهندية تجد شيئاً لا يُصدَّق، يأتي إليك بمُسلَّمة ويعمل عليها ستين برهاناً، لا يعمل برهاناً واحداً بل يعمل ستين برهاناً، عقل غير طبيعي وغير عادي، الله أعطى هؤلاء الناس أشياء كثيرة، نحن نرى ماذا فعلوا في موضوع المعلوماتية Informatics والكمبيوتر Computer، هم رقم واحد في العالم، مُذهِلون! هكذا هو عقلهم، الله أعطاهم مزايا، فانظر إلى أفكارهم هذه، هذه قبل آلاف السنين، كانوا يعرفون القصة هذه، المُتوالية الهندسية!

قالوا قاعدة الإله براهما Brahma في النقل تقول ممنوع أن تنقل في كل مرة إلا حلقة واحدة، هذا أولاً! ثانياً ممنوع منعاً بتاً أن تضع حلقة على حلقة أصغر منها، دائماً الحلقة التي تحت سوف تكون أكبرمن التي فوقها، جميل! ولذلك كان لابد من أن يُوجَد عندنا قضيبان آخران فارغان، كيف؟ الآن – كما قلت لكم – القضيب المليء كم حلقة فيه؟ فيه أربع وستون حلقة، هكذا سوف يكون شكله؟ أليس كذلك؟ هناك الحلقة الكبيرة ثم الأصغر والأصغر والأصغر وهكذا، سآخذ الآن أصغر واحدة وسأضعها في قضيب آخر، أليس كذلك؟ الآن أريد أن آخذ الثانية، أين سأضعها؟ في الثالث، لأن هذا ممنوع لأنها أصغر، سأضعها! في كل مرة سأضع واحدة، وبعد ذلك سأُضع واحدة فوق أُخرى، هذا مُمتاز! هذه أكبر وهذه أصغر، وسآتي بواحدة أكبر، سأضعها أين؟ سأضعها وحدها، أليس كذلك؟ بعد ذلك سأُرجِّع أُخرى، وهكذا! أرأيت كيف؟ في المرة الأولى ستحتاج إلى نقلة واحدة، في المرة الثانية ستحتاج إلى نقلتين، في المرة الثالثة ستحتاج إلى أربع نقلات، في المرة الرابعة ستحتاج إلى ثماني نقلات، في المرة الخامسة ستحتاج إلى ست عشرة نقلة، في المرة السادسة ستحتاج إلى ثنتين وثلاثين نقلة، في المرة السابعة ستحتاج إلى أربع وستين نقلة، مُتوالية هندسية! أنت في النهاية – نفترض أنك في الحلقة الثالثة والستين – ستحتاج إلى كذا كذا بليون Billion، في الحلقة التي بعدها سوف تحتاج إلى مُضاعَفة هذه البلايين، شيئ مُذهِل ومُخيف.

المسألة بعد كم ستنتهي؟ لا أحفظ الرقم لكنني كتبته، بعد ثمانية وخمسين ألف بليون Billion سنة، ثمانية وخمسين ألف بليون Billion! متى؟ بشرط أن الشغل يكون مُستمِراً ليل نهار وأن كل نقلة تستمر ثانية، ليس أكثر من ثانية، ثانية! شغل Automatically، كأن آلة تشتغل أو روبوت Robot، وستون – أي الدقيقة – في أربع وعشرين – أي اليوم – في ثلاثمائة وخمس وستين وربع، يكون الناتج عندك كم مليون؟ هل تعرف كم مليون ثانية في السنة؟ ليس كثيراً، الناتج واحد وثلاثون مليون ونصف فقط، أي في السنة سيقوم بعمل واحد وثلاثين ونصف مليون نقلة، لا شيئ! لا يزال هذا لا شيئ لأن الرقم مُخيف.

قد تقول لي هذا يُذكِّرنا بقصة رقعة الشطرنج Chess، أليس كذلك؟ هذه اخترعها وزير اسمه سيسا بن ظاهر للملك شرهام، أليس كذلك؟ كان يُوجَد ملك هندي اسمه شرهام وكان حزيناً ومُكتئباً وما إلى ذلك، فجاء سيسا – وكان حكيماً جداً – وأحضر له هذه اللوحة التي فيها أربعة وستون مُربَّعاً، أليس كذلك؟ أنا لم ألعب في حياتي لعبة الشطرنج Chess لكنني أعرف الحقيقة هذه، أعرف أن هناك أربعة وستين مُربَّعاً، عدا ذلك لا أعرف شيئاً في الشطرنج Chess، فقال له هناك أربعة وستون مُربَّعاً وعلَّمه كيفية اللعب وما إلى ذلك، فانبسط الملك وقال له اطلب وتمنى، شبيك لبيك! مُصيبة الرجل، رياضي كبير، قال له أنا رجل مُتواضِع ولا أطلب الكثير، أطلب اللوحة نفسها هذه التي صنعتها، فيها أربع وستون مُربَّعاً، وأنا أطلب أن تضع لي حبة قمح في المُربَّع الأول، وبعد ذلك ضاعف حبوب القمح بالطريقة الهندسية، قال له ما الطريقة الهندسية؟ قال له أي واحد وبعد ذلك اثنان وبعد ذلك أربعة وبعد ذلك ثمانية، وهكذا! قال له هذا سهل، أعطوه كيساً! الملك قال ائتوني بكيس وعبئوه بالقمح، مُمتاز! هذا وزير قنوع جداً جداً، لا شيئ هذا! كيس قمح وأربع وستون مُربَّعاً، فذهب هؤلاء الهُبل ليفعلوا ما طلبه، بعد بضعة مُربَّعات فرغوا من كيس ثم كيسين ثم ثلاثة أكياس، والأمر لم ينته، أف! وكل مُربَّع يحتاج إلى أن يأخذ الضعف، شيئ يُجنِّن! إذا صرنا في المُربَّع العشرين واحتاجنا إلى سبعين مليون حبة فسوف نحتاج فيما بعد إلى مائة وأربعين، أف! قالوا له يا سيدنا الملك هذا شيئ فظيع، قال لهم احسبوها، إلى كم يحتاج الأمر؟ أيكفي كذا وكذا؟ فقالوا لا، فقال لهم ماذا عن قمح سنة – قمح الهند لسنة – شمالاً وجنوباً؟ قالوا لا يكفي، فقال لهم ماذا عن القمح لعشر سنوات؟ فقالوا ولا ألف سنة، إذن ما القصة؟ قالوا نحن نحتاج إلى محصول العالم من القمح لألفي سنة، نعم! هذا بالضبط، وهم حسبوا هذا بالحبة، أنا كتبت هنا الرقم، الرقم هذا موجود عندي لمعرفة كم حبة قمح، المسألة محسوبة بالرياضيات! جُنَّ الملك وقال نحن خُدِعنا، ثم قطع رأسه، عمل له حيلة وقطع رأسه، لأن الملك لا يرجع في كلامه، ما دام هذا يُوجَد فأنا مدين له، أليس كذلك؟ أي مدين بحبوب القمح! فلا ينبغي أن تتورَّط في لعبة مثل هذه، كأن يقول لك أحدهم افعل كذا وخُذ عشرة مليون أو سأقطع رأسك، قل له لا يا حبيبي، عشرة مليون ماذا؟ لا يُمكِن، هذه مسألة صعبة!

فهم يعتبرون أن العالم سيدخل في ليل براهما Brahma – يُسمونه ليل براهما Brahma – ويدثر ويتحطَّم بالكامل بعد ثمانية وخمسين ألف بليون Billion سنة أو أكثر قليلاً، وبعد ذلك يرجع من أول وجديد، فيرجع الله يُنشيء هذا العالم وما إلى ذلك، إلى آخره! كيف كانت النشأة إذن، هذه النهاية فكيف كانت النشأة؟ هذا مُهِم لكي نرجع إلى التناسخ، النشأة غريبة وأُريد أن أحكيها لسبب مُعيَّن، سأُريكم كيف تأثَّر الفكر الإسلامي المُنحرِف بهذه الأشياء المُنحرِفة أيضاً والخُرافية؟ هذه أساطير وخُرافات يُمكِن أن تفهمها هكذا للتسالي، مُستحيل! هذا غير موجود، ورأينا العلم الآن، العلم لا يُقِر بهذا الشيئ، العلم يقول الكون هذا – الكوزموس Cosmos، ليس العالم أو الأرض وإنما الكوزموس Cosmos – له بداية، علمياً! حسابياً ورياضياً له بداية، الحمد لله! هذا شيئ طيب.

كانط Kant كان يقول لا، العالم ليس له بداية، أزلي! كانط Kant بعقله الفلسفي قال هذا، اتضح أن عقله الفلسفي كان غالطاً هنا، لا! أرسطو Aristotle قال أزلي، ابن سينا قال أزلي، ابن رشد قال أزلي، الفارابي قال أزلي، ابن طُفيل قال أزلي، ابن باجة قال أزلي، واتضح أن هذا كله كلام فارغ، هبل! علمياً ليس كذلك، ليس أزلياً، له بداية، لا إله إلا الله! الأزلي هو الله، كل ما يُؤثِّر فيه الزمان ليس أزلياً، كل ما يخضع للزمان ليس أزلياً، لأن – كما قلت أمس – يُوجَد مفهوم بسيط جداً جداً لكن ضل عنه هؤلاء، هؤلاء يظنون أن الأزل ما هو؟ الأزل يكون بأن تسحب الزمان إلى الماضي، اسحبه إلى ما لانهاية وسوف تجد الأزل، كأن يُمكِن سحبه إلى ما لانهاية! واسحبه في المُستقبَل إلى الأمام – إلى الأمام الآن وليس إلى الخلف – وسوف تجد الأبد، غير صحيح! لا هذا أزل ولا هذا أبد، كل هذا زمان، الأزل والأبد – وهما مُتضايفان – هما شيئان غير الزمان كله، ليس لهما علاقة بالزمان، هل فهمتم كيف؟ فقط هذا هو! لو فهمنا أن الأزل والأبد مقولتان لازمنيتان – ليس لهما علاقة بالزمان أصلاً – لانحلت مشاكل فلسفية كُبرى كما قلت أمس في الخُطبة، هؤلاء الفلاسفة الكبار بما فيهم كانط Kant هذا لم يفهموا الشيئ هذا فتورَّطوا في ورطة كبيرة، وها هما الهندوس لا يفهمون الشيئ هذا، غير صحيح! العالم ليس أزلياً وليس أبدياً – هذا العالم المخلوق كله – أبداً.

نرجع، كيف كانت البداية؟ انظر إلى هذه البداية العجيبة، قالوا في البداية الإله نفسه أو الخالق قبل أن يكون خالقاً – قبل أن يُمارِس الخلق – كان وحده فشعر بالزهق، علماً بأن كلمة الزهق هذه كلمة فُصحى، تعني الملل أو السآمة، فهم قالوا إنه زهق، لماذا زهق الإله؟ ما هذا الإله الذي يزهق؟ قالوا في ذلك الوسط اللانهائي من الوحدة شعر بأنه يعيش وحده، وهذا تصور طفولي! هذا تصور بدائي – Primitive – لله إذا قيس بالقرآن، أين هذا يا حبيبي؟ لذلك اعترف راما كريشنا Ramakrishna وقال الإله الذي توصَّلت إليه عبر تعاليم مأمور بها قرآنياً هو إله كامل تام التجرَد، بعيد عن كل الحيسيات التافهة هذه، لا يُمكِن! الإله في القرآن شيئ مُختلِف، لذلك أنا أقول لك إذا فهمت الإسلام والقرآن بشكل صحيح واعتقدت بالله بشكل صحيح فإنك تُمارِس نوعاً من التجريد الصعب جداً جداً على أكثر البشر في الدنيا، ما رأيك؟ هذا يعني أن مُخك لابد وأن يكون كبيراً جداً جداً، لابد أن يكون مُخك عملاقاً، أنا قلت في بعض المرات ربما حتى التجريد الذي أُمارِسه في أفكار علمية وفيزيائية وفلسفية يكون بفضل أنني نشأت مُتديناً وأنا صغير وتأثَّرت بالقرآن، ودائماً كنت استصحب صورة أن الله غير هذا الشيئ الذي أقرأه في الكُتب، أتأثَّر به لكن من المُؤكَّد أنه غير هذا، كنت أقول هذا لكن الفكرة لم تكن ناضجة عندي بشكل جيد، لكنني كنت أعرف هذا، المُهِم أن أحسن شيئ هو الكلمة التي تُنسَب إلى أبي بكر الصدّيق – أعظم كلمة في التجريد – وهي كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، يا حبيبي! أجمل شيئ – والله العظيم – هذا، هذا أكبر فيلسوف توحيدي إن جاز الكلام، كل ما خطر ببالك! حتى الموضوع الذي ذكرته أمس سوف ترى اليوم أنني سآتي عليه باستثناءات لكي أقول ما أقصده بالضبط، أعني موضوع التمايز، هذا موضوع دقيق وصعب، لأن من المُمكِن أن يُفهَم بشكل غالط أيضاً، وهذا في الطريقة الصوفية والهندوسية أيضاً، الوجود الظلي كما يُسمونه! لكن أنا لا أتحدَّث عن هذا ولا أُؤمِن بالوجود الظلي، الوجود لا يزال أعظم من هذا بكثير.

نرجع، المُهِم ماذا قالوا؟ شعر بالزهق والملل، فماذا فعل؟ فمد يده ولامس بدنه وأحدث شيئاً من بدنه وتعملق، تعملق تعملق تعملق! حتى أصبح بشكل مُخيف، ثم شق هذا الشيئ فإذا به اثنان، ثم أودع في هذين الاثنين الرغبة في بعضهما، هذا الإنسان الأول والمرأة الأولى، ياما Yama ويامي Yami عندهم، أي آدم وحواء، علماً بأن القصص هذه موجودة في كل الأساطير، لكنها في كل مرة باسم جديد، إذن هناك ياما Yama ويامي Yami، بعد ذلك قال فكان منهما النسل، أي أن يامي Yami هذه حبلت وولدت أولاداً وبناتاً يُشبِهونها ويُشبِونه، ثم نظرت إليه ذات ليلة وهو نائم ورأت أن هناك سراً غريباً، قالت هذا الذي أُخرِجت منه، على أساس أن الأصل كان جسماً واحداً، كأن هذا آدم وهي خرجت منه، فلماذا إذن وهناك شقان؟ لا، هو الأصل أيضاً! قالت كيف استطاع هذا أن يأتيني وأنا جُزء منه؟ وكيف أولدني هذا النسل؟ فشعرت بالرهبة أمام اكتناه السر الخاص به، فقررت أن تختفي، فلما أصبح الصباح كانت قد تخفت في شكل بقرة، صارت بقرة! لكن هو شعر بهذا، عرف! فتحوَّل ثوراً فأتاها، فكان منهما النسل الكريم، ما شاء الله! فقررت أن تتحوَّل مُهرة، فصارت مُهرة فتحوَّل جواداً، أي أنها صارت فرساً وهو صار جواداً فأتاها، فكان منهما ذوات الحوافر، تحوَّلت أتاناً فتحوَّل حماراً فأتاها، فتحوَّلت ماعزاً فتحوَّل تيساً، فتحوَّلت نعجةً فتحوَّل كبشاً، ولا فائدة! وهكذا ظلت قصة وحكاية التحول حتى النمال، أي النمل! صارت هي نملة مُؤنَّثة وصار هو نملة مُذكَّراً أو ذكراً، وهكذا! بعد ذلك نظر غالإله الخالق مرةً إلى كل هذه المخلوقات وخاصة إلى آدم وحواء وإلى نسلهما فقال عجيب هذا الخلق، هو أنا وأنا هو، لأنه مني خرج، فنحن صرنا أجزاءً حقيقيةً من الله، أستغفر الله العظيم، هذا كلام فارغ! 

هذا أصل وحدة الوجود، أن كل هذا مُشتَق من الله استقاقاً بحسب هذه الصورة الفارغة حسياً، وهذه الأسطورة الفارغة السخيفة في التوحيد للأسف – أي وحدة الوجود – هي مُستنَد ابن عربي في فصوص الحكم حين قال فما نكح سوى نفسه، فمنه الصاحبة والولد، يُوجَد مصدر هندوسي لكلامه، مائة في المائة! قرأ الفكرة الهندوسية هذه، طبعاً هو قرأها، حكاية أنه قرأ الفكرة الهندوسي واضحة جداً في كُتبه، الرجل قرأ الفكر الهندوسي جيداً لكنه لم يقل هذا، نحن اليوم كباحثين نكشف هذا، هذا من أسهل ما يكون، هو يُحضِّر الماجستير وأنت تُحضِّر الدكتوراة وغيركما يكتب أبحاثاً، الفتوحات المكية في خمسة عشر مُجلَّداً، أنت اشتغل على أول مُجلَّدين، وهو سيشتغل على آخر مُجلَّدين، وآخر سيشتغل على المُجلَّد الثالث، ورابع سيشتغل على فصوص الحكم، وهكذا! وسوف نرى كل مصادر ابن عربي، المُستشرِقون فعلوا هذا إلى خُطوات أحسن منا، وكشفوا عن مصادر كثيرة، ونحن لا علاقنا لنا بكل هذا، عنده مصادر بوذية وهندوسية وما إلى ذلك، موجود هذا! أي دارس يعرف هذا يا أخي، واضح هذا حين تقول فما نكح سوى نفسه، فمنه الصاحبة والولد، أي أن آدم وحواء منه، والزوج والزوجة منه، هذا كلام هندوسي، ليس كلاماً إسلامياً هذا يا حبيبي، نحن عندنا فكرة الخلق القرآنية بالمُناسَبة فكرة عجيبة جداً جداً، لكن نحن لا نفهمها طبعاً، المُفسِّر العادي لا يفهمها، نحن نتخيَّل أن علاقة الله بخلقه عبر الخلق مثل علاقة الصانع بمصنوعه وهذا غلط، كأن أحضر فخّارة وأصنع منها إبريقاً، ليس هكذا يخلق الله! لكن هذا موضوع ثانٍ، موضوع ثانٍ وعميق جداً جداً بإذن الله تعالى، هذه كلها أفكار جديدة، لكن نحن عندنا أفكار تقليدية، هناك أُناس يظنون أن كل شيئ قلناه نحن كمُسلِمين أكيد هو أصيل وقرآني، غير صحيح! نحن لسنا استثناءً، كل الأمم يعرض لها هذا، حين تأتي تفهم كتابها تفهمه على خلفيات معرفية أُخرى يا جماعة، لا تُوجَد أمة تفهم كتابها أو دينها بنقاء معرفي أو بتلقٍ سلبي كامل كما يُسمونه، بمعنى أنني صفر وأُريد أن أتلقى، مُستحيل! لم يحصل هذا ولن يحصل، في عالم الإنسان لا يحصل هذا، ولا يُمكِن أن يحصل! لكن المفروض الذي يحصل دائماً إعادة النظر وإعادة البحث – أي Research بالإنجليزية أو Erforschung بالألمانية – الدؤوب دائماً، هل أصبنا نحن كمُسلِمين – مثلاً – في فهمنا للذات الإلهية على أنها ذات؟ هل مفهوم الذات مفهوم إلهي صحيح أصلاً؟ ما مفهوم الصفات؟ ما مفهوم الخلق نفسه والخالقية؟ لابد أن يُعاد النظر في كل هذا لكي نقترب من التجريد والفرادة القرآنية لهذه الأشياء، وإلا نكون تورَّطنا في مفاهيم ثانية مُستورَدة ودخيلة علينا بشكل أو بآخر! العرب عندهم أساطير وعندهم أفكار ثيولوجية في الجاهلية، هذه كانت موجودة عندهم وأثَّرت على الفهم الإسلامي، كل هذا يحتاج إلى دراسات، لكننا لم ندرس هذا، لا أحد يدرسه! كُتبنا كلها تعليمية يا جماعة، كُتب مدرسية تعليمية تُعطيك الأشياء كمُقرَّرات نهائية، هو هكذا! هذه العقيدة وهذا الله وهذه أسماؤه وهذه صفاته وهذا كذا وكذا، أليس كذلك؟ لكن الأمر ليس كذلك، المسألة أعمق من هذا بكثير، فتحتاج إلى بحث على كل الحال، هذه هي أسطورة الخلق عند هؤلاء الناس.

نأتي الآن إلى موضوع التناسخ، فهمنا ما هو الداعي إلى طرح موضوع التناسخ عندهم، لماذا؟ يعترفون بخلود الروح، لماذا؟ لأن عندهم الروح الفردية هذه من طبيعة مَن؟ روح الله، أليس كذلك؟ إذن هي أزلية، إذن هي أبدية، جميل! هذه الروح التي رأيناها في الحياة الدنيا تحتقب وتجترح المُوبِقات، يقتل ويسرق ويزني ويستبد بالشعوب ويفعل أشياء غير طيبة، أليس كذلك؟ هل هذا سيُفلِت في ظل عدم وجود دار آخرة؟ قالوا نعم لا تُوجَد دار آخرة عندنا والعالم دائماً دؤوب وأزالي لكن يُوجَد عندنا التناسخ، لأن هناك قانوناً عندهم اسمه قانون الكرما Karma، ما الكرما Karma هذه؟ هناك أُناس ترجموها بالفعل، هناك أُناس ترجموها بالعمل، وهناك أُناس ترجموها بالجزاء، إلى آخره! باختصار – ربما هذه أدق ترجمة إلى روحها – الكرما Karma معناها فعلاً قانون الجزاء، أي شيئ تفعله لن تفلت منه، كل فعل يفعله الإنسان مثل ضربة النحّات بأزميله على الصخر، سوف تُؤثِّر وسوف يبقى أثرها، له أثر! وقالوا حين يُغادِر كل واحد منا هذه الدنيا يُغادِرها بميزتين، الميزة الأولى أن عنده شهوات وأهواء ومُرادات وطلبات لم يُحقِّقها إلى الآن، صحيح! لا يُمكِن أن يخرج وهو يقول أنا فعلت كل ما أُريد، لا! لا تزال بعض الأشياء موجودة عنده، أليس كذلك؟ فحتى الذي حقَّق أشياء فردية عنده أمل في أن يحضر زواج ابن ابنه، يا للخسارة لأنه لم يحضره! يرغب في أن يحضر زواج ابن ابنه، ولو حضره لرغب في رؤية أولاد ابن ابنه، ولرغب في كذا وكذا، هذا الإنسان المسكين، محدود! فقالوا لا تزال هناك أشياء عنده يرغب في تحقيقها لأنه لم يُحقِّقها، وهذا كان أولاً، ثانياً هناك ديون لم يُسدِّدها، لم يُوف بها، ديون عليه! سواء أشياء حسنة عملها ولم يأخذ جزاءها أو أشياء سيئة اجترحها لم يأخذ يُعاقَب عليها، لذلك قالوا لابد من التناسخ، ما التناسخ هذا؟ أن هذه الروح حين تخرج لا تفنى طبعاً لكنها تحل في جسد آخر.

الغريب أن من ضرورات التناسخ عندهم ومن أهم عقائدهم على الإطلاق – كما قال البيروني Al-Biruni – وحدة الوجود والتناسخ، قال الذي لا يُؤمِن بوحدة الوجود وبالتناسخ ليس هندوسياً ولو قال بكل عقائدهم الأُخرى، لابد وأن تُؤمِن بوحدة الوجود – أي Pantheismus بالألمانية أو Pantheism بالإنجليزية – وأن تُؤمِن بالتناسخ – Reincarnation – أو هجرة الأرواح وإلا أنت لست هندوسياً، وطبعاً نحن لسنا هندوسيين، لا نُؤمِن لا بهذا ولا بهذا، هذا كله كلام فارغ، قالوا ومن ضرورات الإيمان بالتناسخ – وهذا شيئ عجيب جداً – أن الروح في الدورة الأُخرى – الثانية أو الثالثة أو الثلاثمائة أو الثلاثة آلاف أو الثلاثة ملايين – تعيش دورة فظيعة، هذه الدورة – قالوا – فظيعة، وهي دورة مُتكرِّرة، من جسد إلى جسد ومن جسد إلى جسد، إلى ما شاء الله! سوف نرى هذا وهناك استثناءات طبعاً لنعرف متى يُمكِن أن نتحرَّر منها، أي من هذه الدورة، ننعتق من رق الدورة هذه، أي الميلاد المُتكرِّر كما يُسمونها، اسمها دورة الميلاد المُتكرِّر، حلقة ملعونة!

قالوا الروح في الدورة الجديدة هذه لا تذكر شيئاً عن ذاتها وعن أعمالها في الدورة السابقة، طبعاً هذه ليست فكرة تأسيسية، هذه فكرة تطبيقية، مُطابَقة! لأننا كلنا الآن عند الهنادكة نعيش دورات أُخرى ولم يقل أحد أنا أذكر – والله – أنني قديماً كنت في روح كلب وكنت أذهب إلى كذا وكذا وكنت أتعرَّف على العالم عبر منخاري، ولم يقل أحد حين كنت ثعباناً – Snake – أو حيةً لم أسمع شيئاً، أنا كنت أعيش في عالم أصم – الحية عالمها أصم – وما إلى ذلك، وبالكاد أرى Silhouette، أي طشاش كما يُقال، بعد ذلك جاء رجل وقطع رأسي وأنا لدغت رجل مسكين أو طفلاً صغيراً، أنا أتذكَّر هذا، لم يقل هذا أي أحد، كذب! هم يعرفون الكلام هذا ولا يتذكَّر أي قدّيس فيهم الشيئ هذا، أليس كذلك؟ فاضطروا اضطراراً – وأنا أكره العقائد التي مثل هذه، مثل هذه العقائد تكون كلها عقائد غير منطقية وغير عقلية لكنها تُطبَّق تطبيقاً وتُفصَّل تفصيلاً لكي تُفسِّر شيئاً ما، هم يعتقدون أن هذا تفسيرها، لكن هذا ليس تفسيراً لها، هذا كلام فارغ، هذا هروب من التفسير – إلى أن يقولوا الروح لا تذكر أي شيئ، هذا يعني أن هذه المسكينة ستُعاقَب الآن على أشياء لا تذكرها، نعم هي أفعالها عندهم لكنها لا تذكرها يا أخي، ولذلك سوف تشعر بعبثية الكون، عبثية الوجود! هنا – أنا أقول – ستُسدَّد ضربة للنظام الهندوسي، أليس كذلك؟ كيف تبحث عن الحكمة وعن كذا وكذا وهذا الوضع نفسه يُشعِر المرء بالعبثية، Unfug هذا، هذا بلا معنى، أليس كذلك؟ لا يُمكِن! شيئ غير معقول هذا، تحدث لي كوارث ومشاكل وأشياء وما إلى ذلك – قالوا – بسبب أشياء أنا فعلتها ولا أذكرها بالمرة وليس لي علاقة بها الآن، قالوا هو هذا!

بعد ذلك هناك نقد آخر ذكي جداً – للأسف الوقت يطول لو قرأنها – وجَّهه شفايتزر Schweitzer للشيئ هذا وهو دقيق جداً، طبعاً بالنسبة إلى هذا النظام هو نظام تخليصي، نظام ترقوي، كيف؟ يعتقدون أولاً أن الروح حين جاءت جاءت بشكل تكاملي، أعلى درجة تكاملية كانت لروح البدن الإنساني، حين حلت الروح في البدن الإنساني كانت هذه أعلى درجة في الاندماج – Integration – والتكامل الخاص بها في الإنسان، لذلك الإنسان هذا لابد أن يحدث له تخليص وخلاص من ذنوبه ومشاكله وديونه التي لم يُسدِّدها عبر التناسخ، جيد! حين يعمل أشياء سيئة أنتم تقولون يُمكِن أن يُمسَخ في جسد حيوان، بحسب قواعد التناسخ عندهم لا يُمكِن بعد ذلك للحيوان هذا أن يحدث له ترقٍ، لأن الترقي هذا – قالوا – Automatically، ذروته العُليا الإنسان ويتوقَّف بعدها، ولا يُمكِن إعادته، كأن نعيد الدورة من أول وجديد، لا! هذه تمت في أول مرة وانتهى الأمر، عجيب! تُوجَد تناقضات هنا كما قال شفايتزر Schweitzer، قال هنا يُوجَد تناقض، قال يُوجَد مطب لن يقدروا على التخلص منه، ولذلك جاءت البوذية والجينية كإصلاح لهذه الأخطاء، وأخذا موقفاً آخر سوف نعرض له حين نعرض لهاتين الفلسفتين أو الطريقتين في الحياة، فربما هاتان ليستا ديانتين بالمعنى الصحيح، إلى آخره! فهو تكلَّم عن هذا الموضوع وبتفصيل، وفعلاً سدَّد نقداً قوياً، لكن هم يعتقدون بهذا الشيئ إلى الآن، أي بالتناسخ وما إلى ذلك، هذه هي الفكرة، والكرما Karma – كما قلنا – من مُقتضياتها التناسخ، لكي يُوفى كل إنسان ما عمل.

أنا وعدتكم – ونختم بهذا إن شاء الله – بأننا سنتكلَّم عن موضوع ما، الآن نسيت ما هو، اللهم صل على سيدنا محمد، هناك نُقطة وعدتكم أنا أتكلَّم عنها اليوم، (ملحوظة) قال أحد الحضور إن الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم وعد بالحديث عن الناحية الاقتصادية، فقال له فضيلته إن الموضوع ليس عن الناحية القتصادية، ثم استتلى قائلاً أنا قلت هذا تعبير علمي، حين نقول – مثلاً – هذه الفكرة اقتصادية هذا يعني أنها تتبع مبدأ نصل أوكام Occam كما يُسمونه، أي Occam’s razor، ما الــ Occam’s razor؟ أن تقتصد دائماً في التفسير وتقتصد في الوصف وتقتصد في التعليل، فسِّر الشيئ بخُطوتين – مثلاً – بدل أن تُفسِّره بخمس خُطوات إن أمكن، فهذا مطلوب علمياً، فيقولون هذا اقتصاد في التفكير، ليس الاقتصاد بمعنى Wirtschaft المُتعلِّق بالمال وما إلى ذلك، انتبه! هذا ما نعنيه حين نقول – مثلاً – هذا ذو طابع اقتصادي، مثل اللُغة، أنا وصفتها وقلت اللُغة – أي لُغة – عندها طابع اقتصادي، أليس كذلك؟ لأن اللُغة إذا تخلت عن طابعها الاقتصادي في التواصل – Communiction – فلن تبقى لُغة، ستفقد لُغويتها، كيف؟ ستصير هذرمة لانهائية، سوف تبدأ تتكلَّم كثيراً، لكي تقول جُملة عادية الآن أنت تقولها في ثانية سوف تحتاج إلى أن تقول خمسين ألف جُملة، وهذه ليست لُغة، فقدت معناها لأن اللُغة للتواصل، أنا غير مُستعِد أن أقف لك لمُدة عشر سنوات لكي تقول لي جُملة، أليس كذلك؟ فاللُغة بطبيعتها أيضاً – كما قلت في الخُطبة – ذات طبيعة اقتصادية، من أجل حياتنا، من أجل وقتنا، من أجل عمرنا، ومن أجل مشاغلنا وما إلى ذلك، لا أقدر! ولأنها اقتصادية فهي قاصرة وهي عاجزة وهي مُشوَّهة جداً واختزالية وخائنة، تخون المعنى! أليس كذلك؟ وتخون الموقف، كما قلت نحن في إطار أي نتواصل؟ كيف نقدر على أن نتواصل؟ تواصل البشر المساكين صعب، نتواصل ونحن شبه جُزر معزولة، أنا قلت في تلك الأيام حين أتحدَّث لك عن ألمي أتحدَّث باللُغة، واللُغة لا يُمكِن أن تصف ألمي، أليس كذلك؟ أنت يُمكِن أن تسمع عن الألم وتعرف أنني تألَّمت ألماً معنوياً أو ألماً مادياً أو ألماً حسياً، إلى آخره! أنت مُباشَرةً ستُعيد تمثّل هذا الألم على صورة من خبرتك أنت، لكن هذا ألمي أنا ولن تقدر على أن تحس به ولن أقدر على أن أنقل لك إياه ولن أقدر على تصويره، ولذلك جاء فن الرواية مع الذين يكتبون الروايات هؤلاء كمُحاوَلة أو نوع من التخلص من اقتصادية اللُغة، أليس كذلك؟ وأنت تستغرب، ربما تجد أديباً كبيراً يكتب مائتي عن صفحة عن موقف لا يُمكِن أن تتحدَّث عنه في أكثر من خمس جُمل، موقف حدث بين اثنين التقوا في الشارع مثلاً، لكن أنا أعني الأدباء الكبار مثل بوشكين Pushkin أو أنطوان تشيخوف أو تشيكوف Anton Chekhov، الواحد من هؤلاء يأتي إليك بموقف عادي بسيط جداً ويتحدَّث عنه، وهذا معنى الاقتصادي، فالاقتصادي لا يعني المادي أو الأمر المُتعلِّق بالمال، ولا يعني إدارة الموارد النادرة وما إلى ذلك، هذا هو الاقتصادي.

المُهِم نرجع إلى الموضوع الذي وعدتكم به، اللهم صل على محمد، أنا وعدتكم بشيئ غير هذا لكنني لم أكتب عنه أي مُلاحَظة، وعدتكم بشيئ في آخر اليوم وقلت إنه مُهِم، هو آخر شيئ، اللهم صل على سيدنا محمد، عجيب! لا تُوجَد أي إشارة، (ملحوظة) سأل أحد الحضور عن موضوع الخُطبة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم موضوع الخُطبة – إن شاء الله – سوف نتكلَّم عنه إذا كان عندنا وقت، لا إله إلا الله! تذكرت، موضوع الشطرنج Chess، موضوع تفسير العالم وطبيعة علاقته بالله، الموقف الثنائي والموقف اللاثنائي، صحيح، مضبوط! قلت هذا في أول الدرس وهذا سأختم به – إن شاء الله – في مُحاضَرة اليوم، طبعاً عندنا موضوع الموقف الثنائي والموقف اللاثنائي، حين نقول الموقف اللاثنائي نعني الموقف الوحدوي أو التوحيدي، والمقصود وحدة الوجود طبعاً، هذا عن مسألة أو موضوعة علاقة الله بالكون، طبيعة علاقة الله الناظمة بالكون المخلوق لله والمُبدَع لله، كل طوائف الهندوسية بل كل طوائف الفكر الهندي التي تعترف بوجود إله تُؤمِن بأنه بأنه أبدع الكون، انتبهوا! لأن هناك طوائف ليس لها علاقة بالموضوع هذا، مثل البوذية مثلاً بشكل عام لا تعترف بهذا، لا تقول الله موجود بشكل واضح، لا تقول هذا، وهي لم تبحث هذه المسائل بالمُناسَبة، ليس لها علاقة بها، هذه طريقة في الحياة والتحرير الفردي، تعترف هذه الطوائف التي تُؤمِن بإله كقوة خالقة بأنه أبدع الكون، كلها تعترف بهذا، تقول هو خلقه وهو يُدمِّره، كما قلنا اليوم ورأينا مع معبد بيناس، خلقه ويُدمِّره، لكن تختلف بعد ذلك طبيعة العلاقة، الآن ما طبيعة علاقته بهذا الكون المخلوق؟ عندنا موقفان، الموقف الأول موقف ثنائي، والموقف الثنائي مُباشَرةً أول مُقتضى له تصوير الله كإله شخصي، هل تعرف ما معنى أنه إله شخصي؟ أي أنه ذات Self، هناك ذات اسمها ذات إلهية، وهذا يعني أن هذه الذات مُتميِّزة من الكون أم غير مُتميِّزة؟ مُتميِّزة، فهذا وجود الله وهذا وجود الأشياء الثانية، يختلفان! هذا شيئ وهذا شيئ، هذا موجود حتى في الفكر الهندوسي، تخيَّل! قد تقول لي غريب، كيف يُوجَد هذا الفكر؟ موجود! لأن ليس كله وحدوي أيضاً، يُوجَد تميز هائل في الهندوسية هذه، مذاهب وأديان كلها وفلسفات تحت اسم واحد اسمه الهندوسية Hinduismus.

ولذلك وجود الله ووجود النفس ووجود العالم ثلاثة وجودات – تقول الهندوسية الثنائية، أي ذات المنظور الثنائي، Binary هذا – مُتميِّزة، كل منها غير الآخر وخلافه وسواه، ولا يُمكِن أن يستحيل تحت أي ظرف إلى الوجود الآخر أبداً، لا يحدث تداخل، فهذا شيئ وهذا شيئ وهذا شيئ، طبعاً هذا الموقف الثنائي تقدر أن تقول ببساطة إنه يُلائم موقف الأديان التوحيدية، اليهودية والمسيحية والإسلام، أكثر شيئ الإسلام واليهودية وآخر شيئ المسيحية، لأن المسيحية عندها موضوع التجسد والتحولات وما إلى ذلك، هذه هي! هذه المُشكِلة، وهناك إعادة التجسد  Reincarnation، لكن هذا ليس بمعنى التناسخ في المسيحية، لا! يقولون حدث تجسد لله أو أُعيد التجسد، Re دائماً هذه تعني إعادة، المُهِم أن هذا يُناسِب هذه الأديان، هذا الموقف الأول وهناك أُناس عبَّروا عنه، أعتقد الحكيم شانكارا Shankara كان يقول بالموقف الثنائي، من أكبر حُكماء الهندوسية شانكارا Shankara، معروف! هو صاحب موقف ثنائي، عندنا الموقف اللاثنائين أي الموقف الوحدوي!

قالوا بلا شك الله خلق هذا الكون وما إلى ذلك لكن علاقة الله بخلقه وعلاقة الله بكل هذه الوجودات والموجودات هي علاقة تجلٍ، هو يتجلى في هذه الأشياء كلها، من غير هذه الأشياء ينتفي وجوده، من غير هذه الأشياء لا يكون له وجود، بمعنى أنه لو عُدِم الكون بما فيه يُعدَم الله، أستغفر الله العظيم! هذه حقيقة وحدة الوجود، لا يُمكِن! وهذه الطريقة تقريباً التي آمن بها باروخ سبينوزا Baruch Spinoza، سبينوزا Spinoza هذا لاهوتي يهودي وفيلسوف، قالوا إنه مُلحِد لكنه لم يكن مُلحِداً، سبينوزا Spinoza كان يُؤمِن بإله وحدوياً، معروف! وكان يدّعي الخشية والتقوى لكن عنده وحدة وجود، بنفس طريقة سبينوزا Spinoza آمن ألبرت أينشتاين Albert Einstein أيضاً، ألبرت أينشتاين Albert Einstein لا يُؤمِن كما تُؤمِن اليهودية، لا! يُؤمِن بالإله هذا، ولذلك الروح العامة في كل هذا الكون وكل هذه التجليات والقوانين السارية من الذرة إلى المجرة في نهاية المطاف هي الله، أستغفر الله العظيم! فالله ليس شخصاً – Person – وليس ذاتاً – Self – وما إلى ذلك يتميِّز من هذا الوجود، لا يُمكِن الحديث عن تميّز، عجيب! 

وقلت لكم قبل ذلك في الوحدة الإسلامية الصوفية المُقلِّدة لهذه الأشياء الفارغة للأسف الشديد يُشبِّهون ويقولون هذا مثل علاقة الثلج بالماء، هذا ماء فتجمَّد وصار ثلجاً، نعم تقول يُوجَد ماء ويُوجَد ثلج وكأنهما شيئان لكن في الحقيقة والجوهر هما شيئ واحد، مرة يجمد فيأخذ مظهر الثلج ومرة يذوب ويسيل فيأخذ مظهر الماء السائل، لكن في النهاية يُوجَد جوهر واحد، قالوا هكذا الكون! وأنت ترى على هذا النحو، لكن طبعاً أنت لا ترى هذا في كل لحظة، هناك الشمس والقمر والأرض والسماء والذكر والأُنثى والأخضر والأبيض والأحمر والكبير والصغير والفوق والتحت، وكل هذا في النهاية – يقولون – له حقيقة واحدة تتجلى في هذه الأشياء، وطبعاً هذه سوف تُسدَّد لها ضربة كُبرى الآن باسم العلم يُمكِن أن يُثبَت أن هذا العالم كله جاء من مبدأ صغير، لكن الهندوسيون يقولون لا، حتى حين تثبت لي أن هذا العالم كله جاء من مبدأ صغير جداً جداً جداً –  مبدأ لا هو مادي ولا هو غير مادي، غير مفهوم ما هو – سوف نقول لك نحن نقول بهذا، كيف؟ سوف نقول نعم، نحن قلنا لك الكون هذا كله في النهاية سيُدمَّر ثم يرجع وكمن – يُوجَد شعاع إلهي ونور إلهي – في صدفة صغيرة ثم يرجع ينبثق منها، البيج بانج Big Bang يقول ما نقوله نحن، تأويلات هذه! الإعجاز العلمي في الأوبنشاد Upanishad يقولون لك، تفضَّل! طبعاً عندهم مُحاوَلات مثل هذه، يقولون الإعجاز العلمي في الأوبنشاد Upanishad، البيج بانج Big Bang نقول بها، يقولون عندنا البيج بانج Big Bang تماماً، وكذلك البيج كرانش Big Crunch نحن نقول به تماماً، لكن هذا الشيئ الذي يبقى والذي أسميته Singularity هو حقيقة الله، هو الروح الكُلي الذي ينبثق منه كل شيئ فيما بعد ثم يرجع كل شيئ إليه، لكن هو لا يفنى، هو أبدي أزلي، ستُصاب بالهبل بسببهم! يقولون لك لا، العلم لا يقدر على أن يُسدِّد ضربة حقيقية لنا، نحن العلم لا يزال يُؤيِّدنا، قلت لكم كل الناس عندهم مثل هذا، كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ۩.

لذلك انتبهوا إلى الموقف الوحدوي هذا، قالوا نعم نحن نقول الإنسان يقف إزاء هذا العالم على ثلاث مراتب، كل واحدة أرقى من الثانية، حتى يصل إلى المرتبة الأعلى والأكثر رقياً، المرتبة الأولى – قالوا – المايا Maya، أنتم تسمعون بالمايا Maya، هذه كلمة موجودة في اللُغات الهندوأوروبية وهي أصلاً من السنسكريتية وتعني الوهم أو الهلوسة أو السحر، هكذا تُفسَّر المايا Maya! ما المايا Maya هذه؟ قالوا المايا Maya هذه مثل نوع من السحر أو نوع من الهلوسة، الإنسان حين يُسحَر يرى الفنجان هذا – مثلاً – فيلاً، ويخاف منه ويصرِّخ، لأنه مسحور! يرى المسكين زوجته كالقرد، ويقول ابعدوا عني هذا القرد وما إلى ذلك، وفعلاً هناك أُناس يُسحَرون على هذا النحو، قالوا هذا موقف الناس العاديين، المايا Maya! هؤلاء لا يفهمون شيئاً ولا يقدرون على أن يفهموا أي شيئ في الكون، أغبياء هؤلاء، مسحورون هؤلاء وهم يُهلوِسون، هذا أسوأ موقف، إدراك العالم كمايا Maya، مُحرَّف بالكامل!

هل يُوجَد موقف أحسن منه؟ قالوا نعم، يُوجَد موقف ثانٍ يرتفع إليه الإنسان ويبدأ يُدرِك العالم إدراكاً طبيعياً بوعي أعلى، وعي مُستقيم إلى حدٍ ما ومُقنَّن! ما الإدراك الطبيعي؟ أن تُدرِك العالم بالعقل أو بوسائل الحس ضمن قوانين العقل فتُنظِّمه وتُعيد إنتاجه فلسفياً وعقلياً بطريقة سلمية بحيث تقدر على أن تُدرِك ظواهر هذا العالم، ظواهره! قالوا في هذه المرحلة أنت تتميَّز بنوع من الوعي الأعلى، لكن هذه ليست النهاية، إذن ماذا؟ قالوا لا، لابد أن تصل إلى نوع من السوبر Super وعي، السوبر Super وعي بمعنى الوعي الخارق أو الفائق، لكي تُدرِك العالم على أنه ليلا Lila براهما Brahma أو ليلا Lila الله، ما الليلا Lila؟ الليلا Lila بالسنسكريتي معناها لُعبة، أستغفر الله العظيم! عكس القرآن تماماً! قال الله لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ۩، إِن ۩ شرطية، أو ما كنا فاعلين، حاشا لله! قال وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ۩، قالوا بعكس هذا تماماً، قالوا لا! بالوعي الخارق هذا ستُدرِك أن العالم هذا ليلا Lila الله أو ليلا Lila براهما Brahma، ما معنى ليلا Lila؟ لُعبة، أُلهية، تسلية! كيف؟ تجد الآن فلاسفة مُعاصِرين مسيحين عندهم هذا ويُبرِّرونه عبر أمثلة سخيفة، قد تقول لي كيف؟ أنا سأقول لك كيف، مثل الأطفال الذين يلعبون لُعبة الغُميضة – مثلاً – أو بوليس Police وحرامي، فيها طخ وفيها كلبشات وما إلى ذلك، قالوا عجيب، لماذا الطفل يضع نفسه في الموقع هذا وتزداد ضربات قلبه ويهرب ويتخفى من مكان إلى مكان وفي الوحل يدس نفسه؟  هو يقدر في كل لحظة أن يُحرِّر نفسه من اللُعبة هذه كلها، أليس كذلك؟ يُمكِن أن أقول لأستوقَّف عن هذا، أنا لا أُريده وسأجلس، لكنه لا يفعل هذا، يظل يُمارِس اللُعبة ويكون خائفاً ويقول سوف يُمسِكون بي وما إلى ذلك، وهي مُجرَّد لُعبة! لماذا؟ يحمر وجهه ويرتفع صدره ويشعر بالخزي إذا أمسكوا به وقبضوا عليه وما إلى ذلك، لماذا؟ قالوا هذه لُعبة، وهذه اللُعبة تتدفَّق من خلالها وعبرها الطاقة الخلّاقة التخيلية التمظهرية التمثيلية للطفل، قالوا – أستغفر الله العظيم – وكذلك الله، من خلال اللُعبة هذه – سموها السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara، سامسارا Samsara/ سانسارا Sansara الله هذه – يُحاوِل أن يخلق وأن يعمل أشياء، هذا يجعله كافراً وهذا يجعله مُؤمِناً مُوحِّداً وهذا يجعله ثنوياً وهذا يجعله وحدوياً وهذا يجعله قاتلاً وهذا يجعله مقتولاً وهذا كذا وهذا كذا، لُعبة يتسلى بها، قالوا يُسلي نفسه بها، أنت حين تصل إلى هذا السوبر Super وعي ستُدرِك هذا العالم كلُعبة، سوف تراها هكذا! ولذلك طبعاً – هذا طبيعي – إذا أدركت أنها لُعبة فسوف ترضى بكل دور، أليس كذلك؟ لن تغضب.

أنا حدَّثتكم ذات مرة عن المُمثِّل، يأتي – مثلاً – نور الشريف ويُمثِّل دور جاسوس لليهود، هذا دور حقير جداً، هو كلما كرهته أكثر وبصقت عليه وعلى التلفزيون Television كلما فرح أكثر وقال هذا يعني أنني نجحت، أنا أغظتك، أليس كذلك؟ أغظتك! هذا يعني أنني قدرت على تمثيل دور الشرير، طبعاً حين يستفزك يقول هذا يعني أنني فنّان عظيم! وطبعاً هناك أدوار أكثر استغلاقاً، هذه أدخل في السامسارا Samsara/ السانسارا Sansara الفنية – هذا التعبير من عندي – مثل دور غوار الطوشة لدريد لحّام، أمس كنت أسأل زوجتي عنه، قلت له هذا الرجل ما أغرب شيئ فيه؟ فقالت لي إنه كوميدي، فقلت لها لا، عادل إمام كوميدي أكثر منه، هل أنا قلت ما ميزته أو ما توصيفه؟ أنا قلت ما أغرب شيئ فيه؟ قالت لي إنه طيب، فقلت له يُوجَد الكثير من الطيبين، ليس هذا هو، لا! أُريد أغرب شيئ فيه، لم تعرف فقالت لي ما هو؟ فقلت لها الشرير الطيب، نُحِبه وهو شرير، يذهب بأحدهم إلى السجن ويقوم بعمل مقالب ويُبهدِل مَن أمامه ومع ذلك نُحِبه ونتعاطف معه تماماً، قالت لي هذا صحيح، فقلت لها هذا من عبقرية كاتب السيناريو وعبقرية الفنّان الذي لعب هذا الدور وأتى به، فقلت لها لكن كيف هذا؟ فقلت له طبعاً هذا فن، قلت لها هؤلاء الناس عباقرة، ليسوا أُناساً عاديين هؤلاء، هو كفنّان ليس طبيعياً، يُمثِّل دور الشرير الذي يُؤذي الناس في أعراضها وفي أموالها وفي أمنها ويقودهم إلى السجون والزنازين ويتسبَّب في مشاكل كبيرة ويُخربِط حياة الناس ويتسبَّب في وقوع حالات طلاق وما إلى ذلك – مثل دوره في صح النوم وفي غيره – ومع ذلك تُحِبه وتتعاطف معه، لا تُحِب أن يُصيبه أي سوء وتفرح به،  إذن قدر على أن يُمثِّل، قلت لها هذا الدور غير موجود في الحياة، هذا الدور إبداع إنساني حصري فعلاً، لا يُوجَد في الحياة شرير طيب، كل شرير هو شرير، ونُبغِض شره في أي مُستوى، أليس كذلك؟ لكن هنا تأتي عبقرية الكاتب السينمائي وعبقرية هذا الفنّان، كيف قدر على أن يعمل لنا الشيئ هذا؟ أليس كذلك؟ هذا يحتاج إلى وقفة وحده، لكن على كل حال عندنا مَن يُمثِّل دور الطيب ومَن يُمثِّل دور الخبيث، وهو راضٍ! راضٍ أن يُمثِّل دور الجاسوس ثم تُطلَق عليه النار في النهاية أو تُقال كلمات سيئة جداً في حقه، ويفرح هو بهذا، هل تعرف لماذا؟ لأنه يُؤدي دوراً غير حقيقي، فأنت حين تُدرِك العالم كأدوار تُؤدى سترضى بكل ذلك، سترضى بكفر الكافر، سترضى بظلم الظالم وبطُغيان الطاغوت وباستعمار المُستعمِر وبجهاد المُجاهِد وبكفر الكافر وبإيمان المُؤمِن، فوضى! سترضى بكل شيئ، علماً بأن هذا أيضاً ما تأثَّر به الصوفية أيضاً لدينا، ليس كلهم لكن بعض طوائف وأفكار الصوفية تأثَّرت بهذا المذهب للأسف وبدأوا يُفهِمونك إياه، وحكاية الحُجة السلفية الشهيرة التي تقول لابد يا صوفي أن تُفرِّق بين القدري والشرعي لا تُمرَّر عليهم، هم ليسوا هُبلاً إلى هذه الدرجة، يُوجَد منهم فلاسفة، هذا الصوفي من المُمكِن أن يكون غبياً إلى الدرجة هذه، لكن الفيلسوف الذي كتب مئات المُجلَّدات ليس أهبل يا حبيبي، وأنت لست أكثر ثقافة منه، لكن للأسف عنده منظور خاطئ في هذه الأمور، تأثَّر بهذه الأفكاره فتبناه، ولذلك لابد أن تُناقِشه في الأعماق ومن تحت، تُناقِشه في الحفريات والأركيولوجيا Archaeology، لابد أن تقوم بعمل أركيولوجيا – Archaeology – صوفية، لا يُمكِن بضربة واحدة أن تقضي عليه، هل تعرف لماذا؟ لأنه يرى أيضاً أن الشرع نفسه بظواهره وأوامره ونواهيه وفهمنا له واختلافنا في فهمنا له ضمن الأدوار المطلوب تأديتها، ومطلوب منك أن تُؤدي دور عالم ظاهر جامد، مطلوب منك! اعمل هذا، وسوف نفرح بك كلما أديته، سوف نفرح لأنك ضبطت دورك، وأنا مطلوب مني أن أُؤدي دور العالم العارف الباطني، المُستبطِن للجوهر والحقيقة والسر وما إلى ذلك، دور قال لك، كل هذه أدوار! هذه ليست أكثر من أدوار، فكرة مُخيفة جداً جداً هذه الفكرة.

ولذلك قد تقول لي أنا أُريد أن أعترض باعتراض بسيط، فكر مثل هذا لا يُمكِن أن يكون أخلاقياً، وهذا صحيح طبعاً، لذلك الهندوسية غير أخلاقية، ما رأيك؟ قد تقول لي أف! ما هذا؟ هذا هو طبعاً، ليس لها علاقة بالأخلاق، وهذا لا يعني أنها لا أخلاقية، هي لا أخلاقية ولا (لا أخلاقية)، هي مُحايدة أخلاقياً، هذا الــ Immoralist Position، أي الموقف الحيادي! بمعنى أنها لا تهتم بالقضية كلها، هل تعرف لماذا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور هل هي عدمية Nihilist؟ فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم ليست عدمية Nihilist، لا! هي لا تهتم أصلاً، هل تعرف لماذا؟ لأنها ترى الموضوع غير قابل لأخذه من هذه الزاوية، إذا العالم سامسارا Samsara/ سانسارا Sansaraالله أو العالم ليلا Lila الله أو لُعبة الله وهو الذي أعطانا أدوارنا في كل شيئ فلن يكون لك الحق في أن تقول هذا جيد أو غير جيد، اسكت! انتهى الأمر، ولن تقدر على فعل أي شيئ، هو هكذا!

شفايتزر Schweitzer هنا – وهذه روعة كتابه، عنده دراسة عميقة وليس أي كلام، هذا ليست كتاباً تعليمياً يقول لك ما هي الهندوسية ويحكي لك معلومات تاريخية عنها، لا! هذه دراسة فلسفية ومُقارَنة خاصة بالمسيحية – يثبت لك أن هذا الفهم في النهاية غير أخلاقي، هو مُعجَب بها لكنه يقول لك هذا الدين ليس له أي اهتمام أخلاقي، وهذا صحيح! قد تقول لي كيف وقد قالوا كذا وكذا؟ لكن هم لم يقولوا هذا على خلفية أخلاقية، قالوه على خلفية وحدوية ضمن تصورهم ليلا Lila الله، افهم! الموقف الأخلاقي موقف اختياري واعٍ مُنبعِث من اختيارات حُرة، أنا أختار وعندي الخيار المُضاد الذي أقدر على القيام به، وطبعاً الهندوسي الذي يُؤمِن بهذا الموقف الهندوسي يقول لك أنت داخل في هذه اللُعبة، سوف يُجنِّنك! يقول لك هذا مضبوط،  كونك تعتقد بأنك أخلاقي ومُختار وعندك حريتك يعني أنك داخل في اللُعبة، مطلوب منك هذا، قل هذا وليس عندي مُشكِلة معك، لا أعترض عليك، اذهب وأنت تقول بهذا، سهَّل الله لك، سوف يُصيبك بالهبل! عنده – ربما تلوت هذا في الدرس الأول من الهندوسية – في الأوبنشادات Upanishads إذا ظن القاتل أنه القاتل وظن القتيل أنه القتيل فقد خفيَ عليهما – قال – أسلوبي في العمل، هما لا يفهمان شيئاً قال، أنا القاتل وأنا القتيل وأنا السكين وأنا صدر القتيل وأنا القتل نفسه، وإذا ظن الشاك – الذي يشك في ويُشكِّك الناس، ربما هذا مُلحِد أو مُجرَّد شاك أو لاأدري Agnostic – أنه يشك وغفل عن أنني أنا الشك نفسه وأنا الشاك وأنا المشكوك فيه فهذا ما دري شيئاً، أف! يُوجَد موقف يُصيب بالجنون وبالهبل، لكن هذا تصورهم للأسف الشديد، تخيَّل! هذه الأشياء إذا بدأت تُفكِّر فيها وبعمق يُمكِن أن تُحدِث لك خضة فكرية عقدية رهيبة جداً، فالأحسن ألا تُفكِّر، افهمها وارصدها دون أن تُفكِّر فيها بعمق، لأن لكي تتخلَّص منها بأدلة سوف تجد أن الموضوع صعب جداً نظرياً Theoretically، صعب جداً جداً جداً، قد تقول لي ما الضمانة التي تُثبِت لي أن الموضوع فعلاً على هذا النحو؟ وإذا أخذنا بظواهر النصوص لن نصل أيضاً، لكنني لا أُريد أن أخربطكم فدعونا من هذا الشيئ، المُهِم أن هذا موضوع ليلا Lila الله أو لُعبة الله المُتعلِّق بالكون، لكن – الحمد لله – نحن عندنا نص إلهي يُفيد بأن الكون هذا ليس لُعبة الله وليس لهو الله.

طبعاً أنا أرفض حقيقةً – أرفض بالكامل – أن أُعلِّق على موضوعين، على الموضوع هذا وعلى موضوع راما كريشنا Ramakrishna الذي وصل إلى الله عبر الطرق كلها والتجسدات ووجد دائماً النتيجة واحدة، وجد الطرق تندمج كلها عند قمة الجبل الواحدة، أُريد أن أُحذِّركم للمرة ربما العشرين من شيئ حذَّرت منه من قديم – من أيام مسجد الهداية – وهو شيئ له قيمته، هذا الشيئ له قيمته! ما هو؟ انتبهوا! وجدت في كل الأديان أن كبار المُفكِّرين كالفلاسفة والعوام بالذات وخاصة أصحاب المزاج الشاعري الأدبي العاطفي للأسف يُضلِّلهم كثيراً وفي أغلب الأوقات عدم القدرة على التمييز – وهذه قدرة تجريدية – بين الحقائق خاصة التي ليس فيها عزاء، والحقيقة المفروض ألا يكون فيها عزاء، الحقيقة هي هكذا! إذا قدَّمت لك عزاءً ورأيت فيها عزاءً أو لم تُقدِّم لك عزاءً فهذه مُشكِلتك، هي الحقيقة هكذا سواء أردتها أو لم تُرِدها، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ۩، هذا صحيح! الحقيقة يجب أن تُحترَم لكونها كذلك، ليس لكونها تُناسِبنا أو تنتصر لنا أو تنتصر لأهوائنا، الحقيقة حقيقة! وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۩، الحق لابد أن يُتبَع كما هو بغض النظر عن كل تبعاته مثلاً، لكن هذا الحق جامد طبعاً ومُحدَّد وصعب، للأسف يُضلِّلهم عن هذه الحقيقة كثيراً وربما حتى دائماً خلطها بما يميلون إليه ويستروحون إليه من مواقف وعواطف وأحاسيس وأشياء مثل هذه عبر الطرائق الميتافوركية أو الميتافورية، أي المجازية الاستعارية، يأتي الواحد منهم بمثال فتجد أنه جيد ومن ثم تقتنع وتتفسلف، ما المثال الغبي هذا؟ إياك أن تفعل هذا، أنا أقول من ناحية منطقية المثال يُؤتى به أو بالأحرى ينبغي أن يُؤتى به دائماً بعد أن يفرغ الدليل من إلقاء كلمته، بعد أن يقول الدليل النظري أو الميتافيزيقي أو العلمي أو المنطقي ما عنده ونقتنع يُمكِن أن نأتي بعد ذلك بالأمثلة مثلما نفعل مع الأطفال للتوضيح والتبسيط حتى لا تنسى، فقط! أما حين تأتي من البداية بمثال أو تُلخِّص لي خبرتك وموقفك العقدي بمثال سوف أرد عليك بألف مثال، أليس كذلك؟ كيف؟ مثلاً قال أنا وجدت في النهاية أن الحقيقة واحدة، هي قمة جبل الطرق تندمج حين تلتقي عندها، تصير طريقاً واحداً لأن هذه قمة واحدة، وينتهي الأمر! سأقول له ماذا لو كانت الغاية أو النهاية ليست قمة جبل وإنما نهاية طريق، وهذا طريق واحد وليس طريقين، يُوجَد طريق واحد، بحيث لو أتيت أنت من أي طريق آخر لن تنتهي إلى هذه النهاية، هناك طريق واحد يُؤدي إلى القصر ولا يُوجَد غيره، من هنا ومن هنا تُوجَد هوة، هوة! يُوجَد ماء أو تُوجَد هوة، هوة تنتهي إلى نار جهنمية، مَن يقع يُسلَخ وينتهي، ويُوجَد طريق واحد إن سلكته أفضيت إلى النهاية والغاية، لِمَ لا يكون الطريق هكذا؟ لن تخدعني بمثال جبل الطرق تندمج عنده قمته، هذا أولاً! قد تقول لي والله هذا صحيح ومُمكِن، القرآن ذكر – مثلاً – الصراط المُستقيم، أليس كذلك؟ هناك صراط مُستقيم يُمشى فيه وليس يُصعَّد حتى فيه، هو هكذا! قال لك هذا صراط تمشي فيه، لا تُوجَد صراطات مُستقيمة، يُوجَد صراط واحد! وهذا يعني أن الغاية أمامك، ليست فوق – مثلاً – وأنت تصل إليها من جبل مثلاً، لا تخدعني بالمثال، هذا أولاً.

ثانياً هناك فرق، أنا سأُسلِّم – كما قلت في المُحاضَرة – بأنه فعلاً انتهى إلى حقيقة واضحة ولذا هو يُحدِّثك عن خبرته ولك أن تُصدِّقه أو تُكذِّبه، أعني راما كريشنا Ramakrishna، قال أنا وصلت إلى نفس الشيئ، عبر القرآن وعبر الإنجيل وعبر التوراة وعبر الهندوسية وصلت إلى الله، وكذلك عبر البوذية – قال – وصل إلى الله، رغم أن البوذية ليس فيها الله، لكنه قال أنا وصلت أيضاً، قال هذا صحيح وأنا وصلت في النهاية إلى الله، إلا بالمعنى الذي ذكرته في مُحاضَرة قديمة – ربما هذا من أشهر – والمُتعلِّق بموضوع الشخص اللاشخص أو النفس اللانفسية، أنا أُصدِّقه لكن يُوجَد فرق كبير يا جماعة، انتبهو! ما هو؟ سآتي بمثال الآن، هناك جوهرة حين نفضنا عنها الأغبرة والأوساخ والأتربة ظهر بريقها ولألاؤها والتماعها وأدركنا جوهريتها، ومن ثم سنقول هذه جوهرة، أليس كذلك؟ لكن يُوجَد فرق بين هذا المسلك وبين مسلك آخر يأمر بالوفاء للألاء وقدسية هذه الجوهرة بالبقاء عليها مُتلألئة نظيفة على الدوام، خاصة حين نكون نحن الذين نعلوها بالأغبرة والأوساخ والأتربة، ثم نطلب بعد ذلك – هذه اللُعبة الآن، ليست لُعبة الأديان وإنما لُعبة الإنسان والمذاهب والطوائف والأديان البشرية – من ذلك أن يدخلوا في لُعبة الغُميضة هذه ولُعبة الكنز المخفي والمفقود وأن يبحثوا تحت كل هذه الأحجار عن الجوهرة، ونحن جعلنا من الجوهرة حجراً! لماذا نفعل هذا؟ هذا مسلك تضليلي، أنا أظن أنه يُناسِب خُطة إبليس في الكون وعمله، بأن يجعل هذه السبيل خفية غامضة ومُستسِرة على مُعظَم خلق الله، بحيث يعيشون ويموتون دون أن يعرفوا الهُدى الصحيح، قد تقول لي ما معنى الكلام هذا؟ أنا سأقول لك ما معنى الكلام هذا، إذا قلت لي يا راما كريشنا Ramakrishna – وإذا قال لي حتى أي عارف مسيحي – في الحقيقة حين فعلت كذا وصلت في النهاية إلى الإله الواحد الذي يدل عليه القرآن فسوف أقول لك هذا جيد، وهل حقيقة هذا الإله الواحد أنه فعلاً جسم كما قلت؟ سوف تقول لا، سوف أقول لك هل هو مُركَّب كما قلت؟ وسوف تقول لا، حقيقته في أنه فعلاً مُجرَّد وأنه فوق الوصف وأنه إله بلا صفات، أي صفات محدودة نسبية وليس صفات بالمعنى الذي نعرفه، يقولون هناك إله بلا صفات ويُسمونه النرجونا Nirguna، النرجونا Nirguna هذا بلا صفات، يُوجَد شيئ ثانٍ اسمه الساجونا Saguna، وهذا له صفات، أي الشخصي واللاشخصي، هذه هي! أي المُتجرِّد والمُتجسِّد المُتعيِّن، سوف أقول لك أنت في النهاية كعارف سواء هندوسي أو مسيحي فهمت أن هذا المسيح ليس هو الإله الحقيقي، ليس هو! الإله أكبر من هذا بكثير ولا يُحاط به وما إلى ذلك، وهو ليس كريشنا Krishna الخاص بك والذي تجسَّد فيه الإله الخاص بك، لا! هو شيئ ثانٍ، وهو ليس هذا الصنم وهو ليس هذه الصورة، فلماذا تُضلِّلون الناس؟ لماذا لا تأخذون بطريق القرآن؟ من الأول سنختصر على الناس ونقول لهم دعوا الوثنيات الزائفة وأنصاف الوثنيات وعبادة الصور وعبادة أشخاص من لحم ودم وعبادة قوى طبيعية تحت أسماء أنها تمظهرات وما إلى ذلك، لا! دعوا الناس يعلموا هذا، لكنهم طبعاً يقولون نحن رحمةً منا بعقول العوام – هم يعترفون بهذا – ورحمة منا بحدود البشر نفعل هذا، لكننا نقول لهم هناك تجربة تاريخية مطروحة، ربما يكون أعظم شيئ في الإسلام أن هذا الإسلام  طرح أمة – تُشكِّل خُمس البشرية – عندها القدرة من حيث المبدأ على أن تتعامل مع فكرة الله المُتجرِّد اللاشخصي بكل سلاسة، ليس عندنا أي مُشكِلة، أليس كذلك؟ هذا عبر التاريخ، هذه التجربة خطيرة، أليس كذلك؟ خطيرة جداً جداً، لم يخبرها المسيحيون ولا الأديان الهندية هذه كلها، والصين لم تعرفها، لأن بصراحة – سوف نرى هذا – لا الطاوية ولا الكونفوشيوسية دين إلهي ولا حتى دين يعتني كثيراً بالإله والآلهة، فلسفات اجتماعية هذه! فنحن عندنا تميز غير طبيعي بهذا المعنى، أليس كذلك؟ وإذا كان حقيقة ما تصلون إليه يُعطيها القرآن بضربة واحدة ومن طريق قصير دون الدخول في الملاحج والمضائق والمزائق – إلى آخره – فلماذا لا نفعل هذا؟ أليس كذلك؟ هذه هي! يُوجَد فرق، أنا كمُسلِم بصراحة أُؤمِن بالجوهرة التي عرفتها، لكن دائماً يُوجَد شيئ من لوزام تديني ومن الواجبات والضروريات، وهو أن أُحافِظ على لألائها وأمنع وصول أي ذرة غبار تكسف نورها، وهذا اسمه في اللُغة القرآنية التبريك والتعالي والتسبيح، فَتَعَالَى اللَّهُ ۩، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ۩، أرأيت؟ هذا هو! هذه وظيفة التبريك والتعلية والتسبيح، دائماً كُن مُتيقظاً، وإياك أن تقع في أي ورطة من ورطات التشبيه أو التجسيم أو انتقاص التنزيه الإلهي، وأدرِك – كما قلنا على لسان أبي بكر الصديق رضوان الله عليه – أن كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، لذلك في موضوع أمس قلت العلاقة بين جسمين أو بين شيئين عموماً ستكون إما تداخل أو تخارج على أنحاء كثيرة فيزيقية طبيعية وغيرها، هذا صحيح لكن يُمكِن للعقل الإنساني أن يفترض إمكانية وجود حالة جديدة،  هات أي جسمين، إذا اقترب واحد منهما فالقرب بين الاثنين، لا يُمكِن أن تقول هذا اقترب وهذا ابتعد، لا! إذا هذا اقترب فسيصير قريباً والآخر أيضاً سيصير قريباً، إذا أحدهما ابتعد وكان الثاني موقفه ثابتاً فسوف يصير الآخر حتى بعيداً عن الأول، هذه أجسام يا حبيبي، أليس كذلك؟ إذا تداخلا فقد تداخلا، أليس كذلك؟ إذا تخارجا فقد تخارجا، لا تُطبِّق هذه القوانين الغبية الحسية الطبيعية على رب القوانين ورب الوجود يا أخي، هل أنت مجنون؟ لا تقل لي العقل يقول إنه خلق الكون، فإما أن يكون بعده وإما أن يكون قبله، وإما أن يكون وراءه وإما أن يكون أمامه، وإما أن يكون غيره وإما أن يكون فيه! هذا كله هبل، كل هذا يصح إذا تحدَّثت عن الله كأنه كون آخر أو كوزموس Cosmos آخر، أنت تتحدَّث عن الخالق يا رجل، عن شيئ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩ وليس عن شيئاً حسياً، كيف تُطبِّق عليه قوانين الأشياء؟ هل أنت أهبل؟ سوف تقول لي والله هذا صحيح، هذه ورطة نحن نقع فيها دون أن ندري، فهل هذا يعني أننا يجب أن نسكت؟ طبعاً، لأن هناك علاقة أنت لن تفهمها، أكبر من أن تفهمها، ولا تستطيع أن تُدرِكها، وهذا الذي حيَّر العارفين طيلة حياتهم وجنَّنهم، الواحد منهم غير قادر، لأنه يُحاوِل ويُريد أن يستكنه، لكنه لا يقدر!

فنحن قلنا العقل استناداً على الحي القيوم يُمكِن أن يقول هناك نوع من العلاقة بين الله والكون، الكون لا يتميَّز من الله، لا يستطيع! لأن من غير الله يضيع الكون ويزول، وهذا صحيح! إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا ۩، وأنا أقول لك انتبه، كما أفهمها بعمق هذه لا تعني أَنْ تَزُولا ۩ مادياً، لا! ليس هذا فحسب، خُطبة أمس أتت بمعنى عميق، حاولوا أن تفهموه، لكن – إن شاء الله – سنُوضِّحه، الله – تبارك وتعالى – وجوده ونوره وهدايته هي ضمانة أن تُدرِك أنك موجود والكون موجود والأشياء موجودة، هو نفسه! قد تقول لي كيف هذا؟ أنا سأقول لك كيف، ليس باعترافك، أن تعترف بالشيئ هذا! كما قلنا أمس اجعل الفسيولوجيا Physiology تُحدِّثنا ألف ساعة عن كيف نسمع وكيف نُبصِر، في النهاية سوف تنتهي إلى جدار مسدود، أنا سميته جدار الجهل، سوف تقول أن غير قادر على أن أفهم كيف هذا، أنا أصف أشياء إلى مرحلة مُعيَّنة، نعم أصفها وأقدر على أن أُثبِت لك إياها، لكن فعلاً كيف تتم ترجمة النبضات الكهربية في خلايا من لحم ودم هُلامية مثل المهلبية والسحلبية؟ هذه خلايا كلها! قد تقول لي أنا سأمشي معك وراثياً، فلتمش! امش وسوف نتكلَّم عن قوانين الطاقة والأدينوسين ثلاثي الفوسفات – Adenosine triphosphate – وكيف يتحوَّل وما إلى ذلك، كلنا نعرف هذا وقد درسناه في الطب وغيره، لكن في النهاية مهما تذهب سوف تصل أيضاً إلى جدار مسدود، بعد اللَّتَيَّا وَالَّتِي وبعد كل هذه الخطوات أنا غير قادر على أن أفهم، أنا أُريد أن أفهم وأُريد أن أقتنع بأن هذه الأشياء وهذه الموجات التي صارت نبضات في المُخ تُرجِمَت إلى كلمات جميلة جعلتني أنتشي أو إلى صوت حلو أفرح به وأفهم منه أو إلى مُؤشِّر للمعنى ومُؤشِّر للأشياء، كيف يتم هذا في الدماغ؟ هنا في الخلية السوداء المُظلِمة كيف يحدث هذا؟ يحدث هذا في غُرفة مُظلِمة، كيف؟ ما المرجع؟ في الدنيا كل شيئ يُفهَم بالإشارة إلى شيئ آخر، أليس كذلك؟ افهموا معي، افهموا معي بعمق، فما أقوله لكم ليس موقفي، هذا موقف – نحن قلنا هذا أمس – كبار علماء الفسيولوجيا Physiology في العالم من الذين حصلوا على جائزة نوبل Nobel، علماء كبار قالوا نحن لا نفهم هذا، نحن فهمنا ثم اتضح أننا لم نفهم شيئاً في النهاية، ووقفنا أمام شيئ مُعجِز، هل تعرفون ما معنى أنه مُعجِز؟ ليس مُعجِز في أن تخلق مثله – أصلاً كيف تخلق مثله؟ – وإنما مُعجِز في أن تفهمه، أنت غير قادر على أن تفهم، قد يقول لي أحدكم أكثر شيئ أفهمه في النهاية أن أقول طبائع الأشياء هكذا، أي أن الشيئ معمول هكذا وانتهى الأمر، هو معمول هكذا! وهذا سيجعلك تطرح سؤالاً كبيراً جداً، ما معنى هو معمول هكذا؟ هل عمل نفسه بنفسه هو؟ شيئ يُجنِّن، يجعل مُخك يُفرقِع! الكون هذا كله كيف نُدرِكه ونفهمه وكيف نُنمذِجه رياضياً – نعمل له نماذج رياضية لكي نقدر على أن نفهمه – وما إلى ذلك؟ والطعوم والأشكال والألوان والأصوات والمسموعات والمفهومات والمُدرَكات هل كلها جاءت بنفسها من نفسها وهي مرجع ذاتها؟ مُستحيل! هذا يعني أنك تقول لي هذه طبيعة الأشياء، مَن طبَّع الطبيعة؟ مَن جعلها هكذا؟ لماذا؟ لماذا هي هكذا؟ لماذا؟ لماذا هذا العالم ليس له خالق؟ هذا العالم الأزلي وحده لماذا بنى نفسه؟ وكيف بنى نفسه؟ بأي عقل؟ وبأي ذكاء؟ أين هذا؟ ما مرجعية الذكاء نفسه؟ سوف تُجَن! سوف تصل إلى شيئ يُصيب بالهبل، هذا الذي يُصيب العلماء والفلاسفة بالهبل، سوف تقول لي والله هذا صحيح، مُستحيل! كما قلنا بنفيلد Penfield نفسه أخذ نوبل Nobel عن هذا الموضوع المُتعلِّق بتشريح الدماغ والأعصاب والبصر، شيئ رهيب الرجل هذا! قال لم يفهم أحد – لا أنا ولا أنت قال – ولن يفهم أحد، كيف أنت تقول هذه التموجات تدخل العين وعندنا الشبكية والعصب ثم تخرج وتذهب إلى المُخ فأرى ألوان وأضواء وأشياء جميلة في خلايا مُظلِمة مهلبية سحلبية كلها ليست بشيئ؟ كيف يتم هذا؟ كيف يتم هذا هنا؟ كيف؟ ما مرجعيته؟ من أين يستمد هذا الشي؟ هل هي دائرة مُغلَقة؟ مُستحيل! أين البداية؟

الفيلسوف الفرنسي العظيم هنري برجسون Henri Bergson درس المسألة هذه طبعاً وصدَّعت له رأسه، هذا الفيلسوف عملاق القال أنا أقول لك لابد وأن تفهم أن مصدر الفهم والإدراك كله خارج هذا الوجود المادي، شيئ في الخارج – قال – هو الذي يُعطيك الشيئ هذا، ولذلك: وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ۩، اترك الإيحاء المُباشِر للآية التي تتحدَّث عن قضية الهداية وخُذ الإيحاء العلمي لها، الجانب العلمي للآية مُخيف، الله يقول الذي يُسمِّع الناس أنا، أنتم تسمعون بي، يحدث كذا وكذا وكذا وبعد ذلك آخر مرحلة أنا مسؤول عنها، أنا الذي أضع البصمة هذه، أنا الذي أُسمِّعك، تسمع بي أنت في النهاية، إذا لم تصل إلى الحلقة المجهولة هذه – الله – فلن تسمع أصلاً، لكن هو موجود، اعترفت به أو لم تعترف به أنت تسمع به وأنت تُبصِر به، وهذا يعني أنك تُدرِك العالم به، كيف يتم عندك الفهم أصلاً؟ إذا أتيت لكي تُحلِّل كيف يكون الفهم الإنساني نفسه فسوف تُجَن، لماذا؟ لأن أيضاً الفهم يتم بالإحالة Reference، كل شيئ يُحيل إلى شيئ، أي Link to باستمرار، لكن أين البداية؟ أُريد البذرة!

أنا أقول لك البذرة عند الله، سوف تقف على شيئ غير مفهوم، هي تستمد منه وتُعطى منه، قال وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، هو الذي جعلك هكذا، مجعول! الشيئ مجعول، هم يقولون الطبيعة طبَّعته هكذا لكن نحن نقول الله جعله هكذا، الله جعل لنا السمع، افهم كلمة وَجَعَلَ ۩، لأن مُخيفة الكلمة هذه، جعل لك السمع، والسمع ليس هو تلقي الموجات كما قلنا، لا! الكثير من الناس تلقوا الناس ولم يسمع الواحد منهم ولم يفهم شيئاً، أليس كذلك؟ كان في حالة ذهول، كان في حالة غُلب، تقول لأحدهم ألف مرة أقول لك يا محمد فيقول لك والله لم أنتبه، لأن السمع عملية تتم في النهاية في الدماغ، إذا الدماغ لم يتعاط مع هذه الأشياء الآتية فلن يتم السمع، مسألة تعريف كما قلنا هذا في درس سابق، مسألة Definition! أليس كذلك؟ والبصر نفس الشيئ والإدراك نفس الشيئ، جُزء من عظمة ديكارت Descartes – نحن نُخالِفه في منهجه لكن هذا جُزء من عظمة ديكارت Descartes الفلسفية – أنه قال لا يُمكِن إدراك العالم بغير الله، تخيَّل! نحن نُدرِك العالم. 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: