إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَحَبِيبَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، يقول الله – سُبحانه وتعالى من قائل – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۩ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.

أيها الإخوة الأحباب:

أيام معدودات، لعلها لا تُجاوِز يومين، وليال محصيات، ويترحَّل عنا شهر فضيل من أشهر الله، شهر شعبان، ليدخل شهر جديد من أشهر الله – سُبحانه -، شهر عظيم مُبارَك، هو شهر رمضان المُكرَّم، بلَّغني الله وإياكم والمُسلِمين والمُسلِمات إياه بفضله ومنّه، وزوَّدنا فيه التقوى، وجلَّلنا فيه العافية، وعمَّمنا فيه بالعز، وجنَّبنا فيه المناكر والمُوبِقات، وسهَّل لنا فيه طريقاً إلى الجنة ورضوانه، اللهم آمين.

أيها الإخوة:

انقضى هذا الشهر الفضيل، شهر شعبان، وقد حمَّله أُناسٌ ما وفَّقهم إليه الله – سُبحانه وتعالى – من صنوفات الخيرات والأعمال الصالحات، وشيَّعه آخرون فارغاً بلا عمل صالح، بل لعلهم – والعياذ بالله – لم تختلف سيرتهم، ولم تختلف فيه أعمالهم عن غيره من الشهور، بل لعل بعض الناس لم يفطن أصلاً إلى أن هذا الشهر هو شهر من أشهر الله الكريمة والفضيلة، التي ينبغي أن يخدم فيها الإنسان لنفسه عملاً صالحاً، وسلوكاً مُبارَكاً، وحسنات يُزلِفها عند الله – تبارك وتعالى -، فتأتيه غداً، أحوج ما يكون إليها، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۩ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ۩.

ولكن مَن فاته الإحسان في شعبان فأمامه رمضان، ومَن قصَّر في شعباه ولها ولعب فعليه أن يُشمِّر عن ساق الجد وعن ساعد العزم في شهر رمضان، لعل الله يتوب عليه، ولعل الله – سُبحانه وتعالى – يُيسِّره للهُدى ويهديه.

شهر رمضان علم الله أن قلوب المُوحِّدين تحن إليه وأن أفئدة المُؤمِنين تشتاق إليه، فإنا إليه لمشوقون، أكثر من شوقنا إلى الماء البارد في اليوم الشديد الحر والقائظ الثخين، لأنه شهر من أشهر الله، تُفتَح فيه أبواب الجنان كما تعلمون، وتُصفَّد فيه أبواب النيران، وتُغل فيه الشياطين، وتُحبَس فيه، ويُنادي فيه مُنادٍ من قبل الرحمن – سُبحانه -، يا باغي الخير أقبل، ويا بغي الشر أقصر، كفاك! كفاك أن تحتطب في حبل الشر، كفاك قلة حياء، كفاك أن تُبارِز الله بالذنوب يا مسكين، كفاك غفلة عن تضييع نفسك، كفاك غفلة عن تضييع نفسك واسترقاقها وتعبيرها لأهوائها وأميالها – والعياذ بالله -، كفاك! عليك أن تؤوب، وعليك أن تثوب، وعليك أن تتوب، وعليك أن تعود إلى الله – سُبحانه وتعالى -، فنسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُبلِّغنا أولاً شهر رمضان، وما يُدرينا؟! وما يُدرينا هل يبلغ كل واحد منا هذا الشهر أم لعله ينقطع ببعض الناس منا دون هذا الشهر فلا يبلغونه؟! فنسأل الله أن يُبلِّغنا إياه.

كان أسلافنا الصالحون – رضوان الله تعالى عليهم – يدعون الله – تبارك وتعالى – ستة أشهر أن يُبلِّغهم رمضان، فإذا أكرمهم الله – سُبحانه – بذلك وصاموه دعوه – سُبحانه وتعالى – ستة أشهر أُخرى، فهذا تمام العام، أن يتقبَّله منهم، لأن الله لا يتقبَّل إلا من المُتقين، وكم من صائم عند نفسه وكم من صائم في نظر الناس ولكنه عند الله ليس بصائم! فليس الصوم هو الامتناع عن المأكل والمشرب والمنكح وحسب، هذا هو بداية الصوم، وليس نهاية الصوم، هذه هي البداية، وحقيقة الصوم أعمق من ذلك، وأبعد من ذلك، وأشرف من ذلك وأجل.

شهر رمضان تستروح فيه النفوس روائح الجنان، وتستمطر فيه شآبيب المغفرة والرضوان، وتتلقى فيه الهبات من المُعطي الوهّاب – سُبحانه وتعالى -، شهر رمضان أيامه ولياليه مقادح القلوب، مقادح القلوب حيث تشتعل مجامرها، أي مجامر هذه القلوب والأفئدة، بلهيب الحُب ولهيب القُرب، بلهيب المُناجاة ولهيب المُناداة، بحرارة التوبة ونيران الأوبة إلى الله – سُبحانه وتعالى -.

ثم أعود فأقول وما يُدرينا إن بلَّغ الله – سُبحانه وتعالى – الواحد منا هذا الشهر وأكرمه وسيَّره إلى صيامه، ما يُدرينا أنه يقبله منه؟! ثم ما يُدريه أيضاً أن يصوم رمضان القابل؟! فلعله لا يستطيع، وهنا لا أدري، يثور في خاطري أن أحكي لكم على عجل أمراً عجيباً غريباً فظيعاً مُفزِعاً مُخيفاً، وحريٌ هذا الأمر أن يُحرِّك الجبال، وأن يُفتِّت القلوب ولو كانت من جلاميد الصخر.

أيها الإخوة المُؤمِنون:

وهذه نصيحة لله، أبدأ فيها بنفسي، ثم أُثني فيها بكم وبمَن بلغ، أيها الإخوة في الله هل يستأهل شيئٌ من أشياء هذه الدنيا أو من أشخاص هذه الدنيا بل هل تستأهل هذه الدنيا كلها أن نعصي الله لأجلها وأن نغفل عن الله – سُبحانه وتعالى -؟ هل يستأهل شيئٌ في هذه الدنيا أن نُضيِّع أنفسنا؟ لا والله، لا والله ما في هذا العالم ولا في هذا الوجود المخلوق لله – سُبحانه – شيئ يستحق أن نُضيِّع فيه أنفسنا وأن نغفل لأجله عن ربنا – سُبحانه وتعالى -، كلا والله، نحن في غفلة ساهون، نحن في نبأ عظيم، ولكن لا ندري.

ما الذي نُريده من هذه الدنيا؟ لماذا نتنافس هذا التنافس الخسيس على أعراض هذه الدنيا؟ ماذا تُساوي هذه الدنيا؟ إذا مات أحدنا فهل يأخذ معه ما حصَّله من أشياء هذه الدنيا وأعراضها؟ لا والله، لا يأخذ معه شيئاً، أتدرون ماذا يأخذ؟ لا يأخذ إلا عمله، نحن مساكين والله، نحن بُله والله، نحن حمقى، لا يأخذ إلا عمله، ولا أُريد العمل الصالح وحده، يأخذه عمله كله، صالحه وطالحه، يأخذ كل كلمة فاه بها، كل إشارة، كل تحريكة، كل تسكينة، كل شيئ آتاه هذا العبد المسكين يأخذه، وهو مسؤول عنه، لكنه لن يأخذ معه أمواله ولا أزواجه ولا بناته ولا أبناءه ولا إخوانه وخلانه ولا الذين كان يتعزَّز بهم في الدنيا من الخلق، لا يأخذ!

ما هو هذا النبأ الغريب الذي تقشعر له الأبدان وتنخلع له القلوب؟ حدَّثني به شخصٌ، أسأل الله أن يكون صادقاً، عن شيخه وهو من الصالحين كما يحكي لي هذا الأخ، وهو تَلميذ هذا الشيخ ومُريده، شيخ من أولياء الله الصالحين المُكاشَفين، أي المُلهَمين، قال سألت شيخي لما عُدت عن الآتي وقد كان زعيمنا قد ترحَّل، وهو من هؤلاء الذين سلَّطهم الله على رقاب العباد، وحكَّمهم في مصائر الناس، زعيم! زعيم وليس صعلوكاً، ليس صعلوكاً باع دينه بدنياه، إنما زعيم، باع دينه بدنيا عريضة وليس بدنيا الصعاليك، نحن صعاليك، نحن نبيع ربما ديننا بصعلكة، بأثمان بخسة، بأشياء لا تسوى ولا تستأهل، كل ما نبيع ديننا لأجله لا يستأهل والله، لا يستأهل أن نقف موقف شرف وموقف تقوى وموقف خشية لله وتعظيم لحُرمات الله ورجاء لما عند الله – سُبحانه -.

قال سألته عن هذا الزعيم، هل رأيت أو أُريت فيه شيئ؟ قال نعم، رأيته بعد أن قُبِر فإذا به يهوي – والعياذ بالله -، رأيته وقد هوى، وليست هذه تتمة القصة، يقول هذا الشيخ الصالح ثم رأيته بعد شهرين وإذا به لا يزال يهوي، شهران يا عباد الله وهو لا يزال يهوي! إلى أين يهوي؟ إلى أين المُستقَر؟ وأين المفر؟ لا تغروا أنفسكم، لا تغروا أنفسكم ولا تُمنوا هذه الأنفس الخبيثة بأنكم خير أو أحسن حالاً من أمثال هذا الرجل، قد تكونون ولكن ليس بالمُطلَق، كلٌ مُحاسَب، وكلٌ مسؤول، وكلٌ مُحاقَق فيما خوَّله الله وفيما أعطاه الله، فاتعظوا يا أولي الألباب، استبصروا أيها الإخوة المُسلِمون المساكين، اعملوا لأنفسكم، مَن عصى الله – سُبحانه وتعالى – وبارزه بالحرب ولا يزال أمامه رمضان، فليتب إلى الله في رمضان، ليجأر إلى الله بالشكوى والدعاء، أن الله يُنقِذه من نفسه، يا حي يا قيوم بك أو برحمتك أستغيث، أصلِح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم آمين.

وكان سيدنا ومولانا رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كان من جُملة دعائه أن يقول اللهم وإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى عورة وضعف وعيبة، قال إلى عورة وضعف وعيبة، ونحن نقول اللهم إنك إن تكلنا إلى أنفسنا تكلنا إلى ضعف وعورة وعيبة وعجز وجُبن وبُخل وهلع وخوف من العباد وطمع وشُح وحرص وعُجب وغرور وكبر وفسق – والعياذ بالله -، فلا تكلنا إلى أنفسنا، نقول يا إخواني اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩، ما يُدري أحدكم أنه يعيش هذا الرمضان كله؟! ما يُدريكم أنه يعيش بعده حتى يصوم رمضان القابل؟! أحسِنوا العمل يا إخواني، فالدنيا غرورة والله، والله وأكثرنا وأنا أولكم مغرورون بها، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۩ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ۩.

ليس في هذه الدنيا ما يستأهل يا إخواني، لن يتدلى معك أخوك ولا أبوك ولا زوجتك ولا ولدك ولا مالك، لن يتدلى معك في حُفرتك إلا عملك، إلا عملك! فاجهد أن تعمل لنفسك يا مسكين.

ولدتك أمّك يا ابن آدم باكيًا                            والناس حولك يضحكون سرورا.

فاعمل ليومٍ أن تكون إذا بكوا                           في يوم موتك ضاحكًا مسرورا.

اعملوا لأنفسكم، اعملوا لحياة الأبد، واصلوا الليل بالنهار، ولا تغتروا، ولا تهنوا، ولا تضعفوا، واستغيثوا بالله، واستهلموه، واستمدوه – سُبحانه وتعالى -، فإنه:

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى                             فأول ما يجني عليه اجتهادُه.

لا تجعلوا ثقتكم بأعمالكم ولا بأنفسكم ولا بزكانتكم، اجعلوا الثقة كل الثقة بالله، وتفكَّروا في الكلمة التي تُناجونه بها كل يوم غير مرة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، قولوها من قلوبكم، تدبَّروها، تفكَّروا فيها، كلكم ضال إلا مَن هديته، يا عبادي كلكم ضال إلا مَن هديته، ونحن نضل دوماً يا إخواني، نضل في كل ساعة، نضل في كل لمحة، نضل في كل يوم، نضل في كل ليلة، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۩، وأكبر غرور هو غرور النفس، لعنة الله على هذه النفس، النفس التي تُحلِّل لصاحبها ما حرَّم الله، النفس التي تشغل صاحبها بعيوب الناس، وتُعميه عن عيوب نفسه!

بعض الناس مشغول بعيوب الناس، فلان وفلان وعلان وزيد وعمرو، ما لنا وللناس؟! ماذا نُريد؟ لا شأن لنا بالناس إلا أن نقول خيراً أو أن نُسدي إليهم صنيعة خير، أما ما عدا ذلك فلسنا من الناس إلا في خير، لا علينا من الناس، ندعو لهم بالخير، لكن نعبأ بأنفسنا، نعتني بأنفسنا.

أظلكم شهركم هذا، شهر رمضان الفضيل، يقول مولانا الصادق المصدوق – عليه الصلاة وأفضل السلام – أظلكم شهركم هذا، بمحلوف رسول الله ما مر بالمُؤمِنين شهر خير لهم منه، وما مر بالمُنافِقين شهر شر لهم – أي عليهم، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۩، أي فعليها – منه، وما مر بالمُنافِقين شهر شهر لهم منه، بمحلوف رسول الله إن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يُدخِله، وبمحلوف رسول الله وهو الله – لا إله إلا هو – إن الله ليكتب إصره وشقاءه قبل أن يُدخِله، الله أكبر! اللهم اجعلنا من الطائفة الأولين بفضلك ومنّك، فإن ذلك لا يُستطاع إلا بك، اللهم آمين، آمين.

كيف؟ كيف؟ إذن إن مِنا – وأسأل الله أن نكون جميعاً مِن هذه الطائفة – يا إخواني مَن كُتِب الآن وانقضى الأمر، كُتِب له أجره ونوافل ما يأتيه في رمضان، انتهى الأمر، معروف! وإن مِنهم – والعياذ بالله، لا جعلني الله وإياكم مِنهم – مَن كُتِب عليه إصره وشقاءه وانقضى الأمر، رُفِعت الأقلام وجفت الصُحف، انتهى! كتبت الملائكة دارك، وهذه ليست الكتبة الأولى، ليست الكتبة القدرية، إنها كتبة مُختَصة بهذا الشهر الكريم، ولعلها تكون – والله أعلم – في شهر شعبان، قسم من أقسام هذه الكتبات، لماذا يا سيدنا ويا حبيبنا؟ يا رسول الله لماذا؟ قال وذلك أن المُؤمِن يُعِد فيه القوت من النفقة للعبادة، يتهيأ له، يستعد له، يُكرِم هذا الشهر قبل أن يُدخِله الله، بالتهيؤ لهذا الشهر، أن يعبد الله فيه، وأن يُطيعه، وأن يذكره، وأن يشكره، وأن يتبتل إليه، وأن يثوب، وأن يتوب إليه – سُبحانه -.

وذلك أن المُؤمِن يُعِد فيه القوت من النفقة للعبادة، وأما المُنافِق فيُعِد فيه اتباع غفلات المُؤمِنين واتباع عوراتهم، إنه لم يتغيَّر – والعياذ بالله -، لا زال يحكي في شؤون الناس، لا زال يُقرِّض أديم الناس، لا زال ينتهك أعراض الناس، ألا قُبحاً للفاسقين الخاسرين، فغنم يغنمه المُؤمِن، ونقمة على الفاجر.

أيها الإخوة:

تعلمون أن الحسنات تُضاعَف في رمضان ما لا تُضاعَف في سواه، وكذلك السيئات، هذا ما انتهى إلينا من إرشاد نبينا رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فصدقة في رمضان هي أفضل الصدقة، هذا الشهر مَن تطوَّع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمَن أدى فيه فريضة فيما سواه، فهل نحرص على الفرائض فيما سواه؟ هل نعلم وهل نُقدِّر بقيمة الفريضة أم أننا لا نعبأ لا بفريضة ولا بنافلة؟ النبي يجعل ذلك جزاءً وذُخراً وبُشراً، ولكن لمَن؟ لمَن يُقدِّر الفريضة حق قدرها، ويعلم ما هي الفريضة، فيضن بها، ويعض عليها بالنواجز، ولا يُفرِّط، ولا يُضيِّع.

مَن تقرَّب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمَن أدى فيه فريضةً فيما سواه، ومَن أدى فيه فريضةً كان كمَن أدى سبعين فريضةً فيما سواه، سبعين فريضةً! 

قال الإمام النخعي تسبيحة في رمضان بألف تسبيحة، وركعة بألف ركعة، إذن تسبيحة بألف وركعة بألف ركعة! وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۩، سُبحانه وتعالى.

ومن أهم ما ينبغي أن نحرص عليه يا إخواني في هذا الشهر الكريم الاستكثار من الصلوات، من نوافل الصلوات، ولا نكتفي بالتروايح، وبعضٌ يُفرِّط حتى في التراويح، هؤلاء خاسرون مساكين، لا! لا نكتفي بالتراويح، ينبغي علينا أن نُقصِّر ليلنا الساهر، وأن نُطوِّل ليلنا القائم، بعضنا ينفلت مُباشَرةً بعد صلاة التراويح، لا يعبأ لا بدرس ولا بعلم ولا بمجلس ذكر تحفه الملائكة ويُباهي به الله في الملأ الأعلى، ما عليه وللذكر وللعلم! إنه يُريد أن يُتابِع الحلقة الجديدة من المُسلسَل الفلاني، في رمضان يا أبله؟! هذا هو البله، هذا هو الحُمق، هذه هي الغفلة، في رمضان يا أبله؟! مُباشَرةً بعد التراويح يُتابِع حلقة جديدة من مُسلسَل سوري أو مُسلسَل مصري، مسكين، هذا المسكين! مسكين والله، وأين قيام الليل الآخر؟ أين التهجد؟ ألا تهجد في رمضان؟ ألا دعاء واستغفار ورغبة وتضرع في الأسحار؟ لا! لا شيئ من ذلك، ويُفرِّطون في سُنة السَحور، لأن ليلهم الساهر طويل، أكل ليلهم القائم، أكل ليل التهجد وليل السَحور، لا وقت لديهم، ويقضون النهار كذلك، بعضهم يقضيه في عمل.

وأنا أُوجِّه أيضاً دعوةً للعاملين، مَن كان يستطيع أن يُقلِّل ساعات عمله في رمضان فليفعل، فليفعل ولا يغترن بقوله العمل عبادة، الله أكبر، وقت السنة كله للعبادة، لعبادتك هذه إن أردت بها وجه الله، عبادة! ماذا تُريد بهذه العبادة؟ أن تستكثر من الأموال، أن تُصبِح بطيناً عظيماً، أن تُرائي وأن تبطر النعمة، أن تُرائي الناس بما معك من أموال، مسكين يا صاحب المال، مسكين! قلِّل من هذا، مَن كان صاحب مهنة حرة أو عمل يملك فيه أمر نفسه فليُقلِّل من ساعات العمل في رمضان كما يفعل المُوفَّقون المسعودون في بلادنا – بحمد الله -، كثيرون يفعلون ذلك، وهذا معنى قول النبي وذلك أن المُؤمِن يُعِد فيه القوت من النفقة للعبادة، يدخر قبل رمضان ليتفرَّغ لعبادة الله، وأما مَن يعمل عملاً كالمُوظَّفين تقريباً لا يملكون أمر أنفسهم فهؤلاء أعمالهم بالنوايا، إنما الأعمال بالنيات، وسيُجازيهم الله على نواياهم.

طوِّلوا ليلكم المُتهجِّد، ليلكم القائم، اتركوا التمثيليات والأفلام والسهرات والمُسابَقات وقلة الأدب والحياء، كلها قلة أدب، كلها شبه عُري – والعياذ بالله -، خاصة هذه المُسابَقات، يقول أحد الصالحين وهو الإمام المُجدِّد – مُجدِّد الألف الثاني في الإسلام – سيدي أحمد بن عبد الأحد السرهندي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، يقول دخلت بيت الخلاء ذات مرة باليمين مُخالِفاً سُنة المُصطفى لا عن عمد، فحُرِمت في ذلك اليوم من المواهب والأحوال ما لا يعلمه إلا الله، فكيف بقلة الأدب في رمضان؟! أتعود من التراويح وتنظر إلى ما حرَّم الله؟! أتُضيِّع الأوقات فيما حرَّم الله وتُريد أن يفتح الله عليك وتُريد أن تنال ليلة القدر؟! هيهات هيهات، هيهات هيهات لما يأملون، لابد من الجد يا عبد الله، عُد رمضان هذا آخر رمضان، عُد كأنك تموت في آخر ليلة منه، فبماذا كنت مُتزوِّداً؟ فتزوَّد به.

لابد أن نأخذ الأمور بالجد…. (ملحوظة هامة) حصل قطع في التسجيل للأسف الشديد، ثم عاد الأمر إلى ما كان عليه مع قول فضيلته: على أنفسكم وتقولوا الدين يُسر وليس الدين عُسراً، ما أنتم فيه هو العُسر، ما نحن فيه هو العُسر، هل عُسر أكبر من هذا العُسر الذي سلَّطه الله علينا؟ لا كرامة لنا، ولا هيبة لنا، ولا حُرمة تُراعى لدمائنا ولا أعراضنا، قلوبنا لاهية، قلوبنا قاسية، لا نشعر بطعم العبادة، لا نعرف ما معنى الصلة بالله – سُبحانه وتعالى -، بالله عليكم كم مِنا مَن يعرف هذه المعاني؟ كم مِنا مَن يلتذ بصلاته؟ كم مِنا مَن يعرف يُناجيه ربه حق المُناجاة؟ كم مِنا مَن يرى لذته وشوقه وأُنسه وراحته في هذه المعاني؟ قليلون قليلون، فلا نكذب على أنفسنا، لكن هؤلاء القليلين هم السُعداء، اللهم اجعلنا منهم يا رب، اللهم اجعلنا منهم يا ربنا وإلهنا ومولانا، من هذه القلة السعيدة المُوفَّقة.

أيها الإخوة:

عليكم بالجد، كذلكم يا إخواني ينبغي علينا أن نستكثر فضلاً عن الصلاة من الصدقات، أفضل الصدقات ما كانت في رمضان، ولهذا يحرص المُسلِمون في أنحاء الأرض وأصقاعها على أن يتقدَّموا بإخراج زكوات أموالهم في شهر رمضان، وقد لا يكون رمضان هو الموعد المضروب، قد يكون شوالاً أو أي شهر آخر، كذي القعدة أو ذي الحجة أو أي شهر آخر، لكنهم يتقدَّمون – وهذا جائز إن شاء الله – بإخراج زكوات الأموال في شهر رمضان، ليُضاعَف لهم أجرهم، لكن الزكاة لا تكفي، هذه فريضة، أخرجتها في رمضان أو في غير رمضان هي منوطة في عُنقك، لابد أن تُخرِجها، عليك أن تستزيد بالصدقات، وباكر بإخراج الصدقات، النبي أمرنا أن نُباكِر، أي أن نُخرِج الصدقة في الصباح الباكر، لماذا؟ لأننا نستدفع بها سبعين داءً، سبعين داءً وبلاءً يدفعه الله – سُبحانه وتعالى – بالصدقة، فلذا نُباكِر بها، حتى لا نُبتلى بهذه الأدواء.

وقد يقول قائل لا أجد كل صباح مَن أُعطيه صدقة، فأنا أنصح لنفسي وإياكم وأسأل الله أن يُعيننا على ذلك أن نأخذ على أنفسنا عهداً وموثقاً أن نجعل مجمعاً – ما يُسمى بالحصّالة – للنقود، مجمعاً للنقود مثل كيس أو علبة أو إناء أو أي شيئ، نُسقِط فيه كل صباح بدخول وقت الصلاة أو بعد ذلك ما يُيسَّر لنا إسقاطه، على أنها صدقة، حتى إذا ما تجمَّع لنا في آخر الشهر مبلغ كبير جعلناه لوجه الله، وسأقص عليكم في الخُطبة القادمة – إن شاء الله – أين تجعلونه، في وجه أرجو أن يكون مقبولاً ومُوفَّقاً – بإذن الله تعالى -.

في رمضان ينبغي أن ننقص قليلاً من النفقة، قبيح بنا أن نعيش في رمضان كما نعيش في غير رمضان، هناك مَن يُكلِّفه ويؤوده أكله ومشربه هو وأهله في غير رمضان، لنفترض أنه يُنفِق سبعة آلاف شلن، ينبغي أن تنقص هذه القيمة إلى خمسة آلاف، من سبعة إلى خمسة، رمضان ليس شهراً للمآكل والمشارب، الناس يتطرَّزون ويفتنون في أنواع المآكل والمشارب والحلوى، قال الصالحون مُحال، مُحال على مَن جعل بين معدته وقلبه مخلاة من طعام أن يُحسِن الركوع وأن يخضع في السجود وأن يخشع في صلاته، مُحال! وجرِّبوا هذا، مَن كان مُمتلئاً بطيناً يستحيل أن يُصلي صلاةً يخشع فيها قلبه، لابد من التقلل، وهذه حكمة من حكم الصيام، قلِّلوا! قلِّلوا طعام السحور وقلِّلوا طعام الفطور، ينبغي أن نهزل قليلاً، ينبغي أن نأكل في أنصاف بطوننا في شهر رمضان، حتى نجتني ثمرة الصيام، وحتى نعلم حكمة الصيام في أنفسنا عملاً وتحققاً، لا كلاماً وتنظيراً، علماً وتحققاً! كلما غلظ هذا الحجاب الناشئ عن الطعام والشراب غلظ حجاب القلب، ولا يشف هذا الحجاب إلا بأدواء، منها تقليل المطاعم والمشارب.

نعود إلى ما كنا فيه أيها الإخوة الأحباب، بعد الصدقات تلاوة القرآن، عليكم بالإكثار والاستزادة من تلاوة القرآن، تلاوةً ومُراجَعةً وحفظاً، لابد أن نستكثر، قال الإمام ابن عبد الحكم كان الإمام مالك – إمام دار الهجرة، رضيَ الله عنهم جميعاً وأرضاهم – إذا دخل رمضان نفر من مُجالَسة أهل العلم ومن دروس العلم والحديث، حتى حديث رسول الله! لا حديث، لا علم، ولا فقه، وهو إمام الإسلام في عصره، نفر من كل هذه الأشياء، ولزم ماذا؟ لزم المُصحَف يقرأ فيه كل يوم وليلة، والله أعلم كم كان يختم من ختمة!

وأما الإمام الشافعي فشأنه كالآتي، ويُروى نحوه عن الإمام أبي حنيفة – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين -، يُروى أنهما كانا يختمان القرآن في رمضان ستين ختمة، مرة بالنهار ومرة بالليل، فانظروا إلى مَن يختم القرآن في اليوم مرتين، أين يقضي وقته؟ لا مُسلسَلات ولا مُسابَقات، لا قيل ولا قال، ولا زيارات وتضييع أوقات، قراءة قرآن ليل نهار! لماذا؟ انظروا لماذا.

روى الإمام أحمد في مُسنَده، الصيام والقرآن يشفعان للمُؤمِن يوم القيامة، يقول الصيام أي ربي – أي يا ربي – منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفِّعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل، فشفِّعني فيه، فيُشفَّعان، الصيام والقرآن شفيعان مقبولان، غير مردودان.

كما روى الإمام أحمد عن بُريدة مرفوعاً، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – يأتي القرآن المُؤمِن حين يُنشَر من قبره، أي حين يُخرَج المُؤمِن ويُبعَث من قبره يتمثَّل له القرآن، يأتيه فيتمثَّل له رجلاً أو كالرجل الشاحب اللون، أي المُتغيِّر اللون، فيقول له مَن أنت؟ فيقول أنا الذي منعتك الطعام والشراب في الهواجر، أنا الذي أظمأتك في الهواجر، وأنا الذي أسهرت ليلك، وكل تاجر من وراء تجارته، الناس مشغولون بجمع الأموال والتجارات والصفقات والأرباح وتجميع الدنيا، لن تنفعهم هذه الدنيا، سيُسألون عنها، سيُسألون عن النقير والقطمير والفتيل، عن كل ما كسبوه، أمن حل أو من حرام، من شُبهة أو من صرف الحلال، وأين أنفقوه، فيا حسرة مَن كثرت أموالهم! أي والله، ويا طول موقف مَن عظمت ثرواتهم!

قد يقول قائل قد سمعناك وغيرك تُحدِّثوننا أن جمع المال هو من وسائل التمكين لهذه الأمة، وهو من الأمور الخيّرة الطيبة، أقول لا عليك، هذا حق، لكن مِن أهله ومِن وجهه، مَن جمع المال مِن وجهه، مِن حلال، لا مِن حرام، ولا مِن شُبهة، ومَن صرفه أيضاً في حقوقه وفي مصارفه، لا مَن جمعه مِن أي وجه ومنعه حقوقه، ثم يقول الدين أمرنا بأن نتموَّل وأن نتأثَّل، كلا يا مسكين، أنت تُخادِع نفسك، اجمعه من وجهه، واجعله في مصارفه التي تُرضي الله، ولا تكن جموعاً منوعاً، وَجَمَعَ فَأَوْعَى ۩، سد عليه في وعاء، فلم يُخرِج منه شيئاً، الله يتهدده – سُبحانه وتعالى -.

وكل تاجر من وراء تجارته، فما هو جزاؤه؟ قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – فيُعطى المُلك بيمينه والخُلد بشماله، قارئ القرآن والصائم الذي ظمأت هواجره وسهرت لياليه يُعطى المُلك بيمينه والخُلد بشماله، ويُلبَس تاجر الوقار، في بعض الروايات تاج الوقار هذا – وهو لحملة القرآن، وهم أهل الله وخاصته – الدُرة فيه بالدنيا وما فيها، الدُرة بالدنيا وما فيها! ويُلبَس تاجر الوقار، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – ويرقى ويصعد في درج الجنان، كلما قرأ وتلا كلما عرج وصعد، هزاً كانت قراءته أو ترتيلاً، قراءة الهز هي القراءة السريعة، أي الحدر، يحدر في قراءته كالمُنحدِر من صبب أو من جبل، فهو ينزل سريعاً، هو ينزل سريعاً وهذا معنى الحدر، هزاً كانت قراءته أو ترتيلاً، طبعاً مَن كانت قراءته ترتيلاً كان أحسن، لماذا؟ لأن الزمان يطول، فترتفع درجاته أكثر، لكن مَن انقضت ختماته في الدنيا وقد قرأها هزاً انقضت مُدته سريعاً، فكان أنزل مقاماً في الجنة، لكن مَن قرأ هزاً أو قرأ ترتيلاً يصعد ويسعد، جعلني الله وإياكم من المُصعِدين في مرقاة الفالحين ومن السعداء المسعودين المُوفَّقين المهديين.

اللهم ألهِمنا رُشدنا، وقِنا شر نفوسنا. 

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                 (الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين الميمونين، وعلى أتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أيها الإخوة الأحباب:

لابد من تحقيق التوبة في هذه الأيام والليالي المُقبِلات، ولابد من كثرة الاستغفار، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين تُرضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان تُرضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، كثرة الاستغفار! وخير الاستغفار بل أقول الاستغفار المقبول ما قارنته التوبة، ليس استغفار اللسان، كأن يُقال أستغفر الله والقلوب في أودية الإثم هائمة – والعياذ بالله -، كلا! هذا مردود على صاحبه.

خير الاستغفار ما قارنته التوبة، ولن نُطيل في معنى التوبة، لكن هي جُملة قصيرة، التوبة هي حل عُقدة الإصرار، التوبة هي حل عُقدة الإصرار! لا إصرار على ذنب، إنما هو عود مُؤكَّد – إن شاء الله – عن هذه الذنوب جميعاً، بلا عزيمة على العود، بلا عزيمة على الرجوع.

خرَّج سلمة بن شبيب عن كعب – رضيَ الله عنهما -، قال مَن صام رمضان وفي نيته أنه إذا أفطر – أي من شوال، بعد رمضان – لا يعود إلى ما كان عليه من ذنب قبل رمضان أُدخِل الجنة بغير حساب ولا مسألة، اللهم اجعلنا منهم، هكذا في نيته أن يتوب، وفي نيته أيضاً وعزمه ألا يعود أبداً أُدخِل الجنة بغير حساب ولا مسألة، ومَن صام رمضان وهو يُحدِّث نفسه أنه إذا أفطر بعده عاد إلى ما كان فيه – والعياذ بالله – فصيامه عليه مردود، وباب القبول أمامه مسدود – والعياذ بالله -.

فالاستغفار إذن، شهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وخير الاستغفار ما قارنته التوبة التي هي حل عُقدة الإصرار، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكما عنهما – لا تستطيعون أن تستغنوا عنهما، كلكم فقراء إلى هاتين الخصلتين – فتسألونه – سُبحانه – الجنة وتعوذون به من النار.

اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار يا عزيز، يا غفّار، اللهم اجعلنا من عبادك المُتقين الأبرار، ولا تجعلنا من عبادك الفاسقين الفجّار.

اللهم حقِّق بالزيادة آمالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واختم بالسعادة آجالنا، اللهم اكفنا ما أهمنا من أمر دُنيانا وأمر أُخرانا.

اللهم بلِّغنا رمضان، ويسِّرنا فيه إلى خير العمل وإلى عمل الخير، ويسِّر لنا فيه الهُدى، واجعلنا فيه هُداة مهديين، غير ضالين ولا مُضِلين يا رب العالمين، فإن ذلك لا يُستطاع إلا بك، ولا يُقدَر عليه إلا بحولك وتيسيرك، فيسِّر لنا ذلك ويسِّرنا إليه يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك رحمةً من عندك، تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمورنا، وتلم بها شعثنا، وتُزكي بها أعمالنا، وترد بها أُلفتنا، وتُبيِّض بها وجوهنا، وتعصمنا بها من كل سوء.

اللهم يا ذا الحبل الشديد والأمر الرشيد نسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المُقرَّبين الشهود الركّع السجود المُوفين بالعهود، إنك رحيم ودود فعّال لما تُريد.

اللهم إنا نسألك ونضرع إليك ونبتهل أن تنصر الإسلام والمُسلِمين، اللهم إنا نسألك سؤال ضارع مُستكين فقير مسكين أن تنصر إخواننا المُجاهِدين في فلسطين وفي الشيشان وفي كل أرض الله يا رب العالمين.

اللهم انصرهم على مَن عاداهم، اللهم انصرهم نصراً عزيزاً مُؤزَّراً، اللهم انصرهم ولا تنصر عليهم، وخذِّل عنهم ولا تخذلهم، وكُن لهم ولا تكن عليهم يا رب العالمين.

اللهم زلزل الأرض تحت أقدام أعدائهم، وأسخها تحت أرجلهم، اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تُبق منهم أحداً، اللهم نكِّس أعلامهم، وأدل دولتهم، واجعلهم شماتةً للشماتن وعبرةً للمُعتبِرين، ربنا لا تُشمت بنا الأعداء ولا تجعلنا مع القوم الظالمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالإحسان إحساناً، وبالإساءة غُفرانا، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله يذكركم، واشكروه يزِدكم، وسلوه يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(2000)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: