قال الله وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ۩، كُن أخلاقياً، أنت لا تعرف شيئاً، قال الله وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ– في النساء – فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ۩، الشيخ الشعراوي – رحمة الله عليه – في مصر والعالم العربي المريض بالطب والهندسة ماذا كان أعلى شيئ سوف يدرسه؟ الطب، أليس كذلك؟ قل لي الآن مصر كم طبيب فيها؟ عشرات الألوف، مَن يسمع بهم؟ مَن يسمع حتى بأكابر الأطباء؟ قلة، دائرة ضيقة، مَن لم يسمع بالشعراوي؟ الكل يسمع به في ماليزيا وإندونيسيا وتركيا وإيران والعالم العربي كله وإلى آخره، مَن هو الشعراوي؟ الشعراوي دخل ودرس الدين كارهاً له، لم يُحِب لا الأزهر والآجرومية ولا ابن هشام ولا الأشموني ولا القزويني، لم يُحِب المُقرَّرات والكتب التي درسها مثل الكشّاف للزمخشري، قال ما هذه المُصيبة؟ فلّاح يعيش على باب الله ويُريد أن يكون حُراً طليقاً، ما هذه المُصيبة؟ ما هذه الكتب الصفراء والحمراء والحواشي والمتون؟ وأثقل كاهل أبيه، يُريد من أبيه أن يتراجع لكي يقول له ارجع يا ابني، اترك هذا العلم والهم والكلام فارغ، قال له اشتر لي هذا الكتاب وهذا المُجلَّد وهذه المجموعة وكتب الزمخشري وهذا وهذا، وكسر ظهر أبيه، وظل يضع في الكتب الكثيرة، يُريد أن يُفهِمه أن هذا هو العلم، العلم يُكلِّف كثيراً، لا تظن أن من السهل أن يكون ابنك أزهرياً، وأبوه دفع كل ما معه، دفع له حتى آخر فرنك، وأبوه – سبحان الله – كان مُنوَّراً، كان – رحمة الله عليه – إنساناً ربانياً، طبعاً الذي أنجب الشعراوي كان يعرف ويحس ويفهم، قال بعد ذلك ودَّعته في محطته ونظر إلىّ وابتسم قائلاً يا أمين يا ابني أسأل الله أن يُبارِك لك في الكتب التي اشتريتها، قال الشيخ العارف بالله الشعراوي – قدَّس الله سره – والله لقد فُتِحَ علىّ بها فتوح عظيمة جداً، وما بُورِك لي في كتاب قرأته – غير كتاب الله – كتلك الكتب، هي بدايته في العلم الإلهي وفي العلم الديني الشرعي، وخرج منه – من محمد أمين – الشيخ محمد متولي الشعراوي العارف الإمام العلّامة المُفسِّر الكبير ملء الدنيا سمعاً وبصراً، أليس كذلك؟ ولا يُنسى بإذن الله، هو من الخالدين، في شيئ كرهه أو أحبه؟ كرهه، في البداية كان يكرهه، وحين نجلس نحكي الأمثلة سيكون هذا كلاماً فارغاً، الأمثلة لا تنقطع، كل أحد منكم سيُحدِّثني عن عشرة أمثلة في حياته، أكيد هذا موجود سواء في حياته أو حياة ابنه أو حياة زوجته، الأمثلة كثيرة جداً جداً، فينبغي أن نُؤمِن بهذا، ولذلك انتبه إلى أنه من السخف أن تقول شرٌ كثير ينفي وجود الله ويضرب احتمالية وجوده، سوف أقول لك حدِّد لي نُقطة غليان الشر، متى يغلي الشر؟ متى يُصبِح الشر كثيراً وينفي وجود الله ويُبرَّر معه عندك نفي وجود الله؟ قل لي متى، أعطني الجواب، لكنه لن يقدر، كما قلنا لماذا؟ بسبب تولستوي Tolstoy وبسبب هذه القصص، لأنك سترى استجابة الناس للشر والبلاء والمصائب مُتفاوِته جداً، أليس كذلك؟ كيف ستعرف أن هذا الشر يُعتبَر كثيراً أو قليلاً؟ كيف ستعرف؟

هناك بروفيسور Professor سعودي قصته مُؤثِّرة، دائماً ما أذكرها، ذكرتها قبل ذلك لأنها مُؤثِّرة جداً جداً جداً، فقد في ساعة واحدة زوجته وأعتقد أولاده الأربعة أو الخمسة الذكور وبقية الإناث بأزواجهم وأولادهم، أي قريب من عشرين نفراً، وذلك بعد أن تركوه يُصحِّح امتحانات الطلّاب في الجامعة، نسأل الله أن يُعظِم أجره وأن يربط على قلبه، أنا أعتبره آية من آيات، هذا الرجل إعجازي، هذا مُعجِزة بحد ذاته، مُعجِزة من مُعجِزات الله في الخلق وأُقسِم بالله على هذا، يقول مَن ذهب – الشيخ محمد العريفي وغيره – يُعزيه في ماذا يُعزيه؟ في ابنك فلان وابنك فلان وابنك فلان وفلان وفلان وفلانة وفلانة وزوجتك وحفيدة فلان وكذا وكذا، في ماذا تُعزيه؟ فقد كل شيئ، كان يعيش في دار – سبحان الله – فيها شقق لكل هؤلاء، يعيشون في حومة واحدة أمست يباباً وأمسى أهلها وقد قُتِلوا وغابوا ورحلوا وارتحلوا في ساعة، تتناوح الديار عليهم أبواباً ونوافذ وحوائط وسقوفاً، كل شيئ يُذكِّر بهم، بكل أحد، قال والله حين ذهبنا والله لقد أبكانا بصبره وتسليمه لله وقضاء الله ورضائه ووالله لقد صار هو يُعزينا، ستقول لي ما الذي حصل هنا؟ هذا شيئ يُقشعِر البدن، نسأل الله ألا يبتلينا، نحن – إن شاء الله – عبيد الإحسان، وإذا ابتلانا وجعلنا عبيد الامتحان نسأل أن نكون عبيداً صالحين في الامتحان، لكن نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، اللهم لا تبتلينا ولا تُدخِلنا في تجربة، هكذا علَّم المسيح محمداً، لا تسأل الله أن يُدخِلك في تجربة، محمد علَّم هكذا، والمسيح من قبله علَّم هكذا، فنسأل الله ألا يُدخِلنا في تجربة وألا يبتلينا وأن يُعافينا، أقول لكم الذي حدث مع هذا الرجل قطعاً وحتماً ولا أتردد أن هذا الرجل عاش حالة حضور إلهي قوية جداً جداً جداً، بمعنى ماذا؟ مثل هذه الكوارث تُحدِث فراغاً هائلاً في الروح وفي النفس، يُملأ مُباشَرةً عند المُوفَّق السعيد بالحضور الإلهي، فيُعوِّضه من كل شيئ، قال الله وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ۩، اللهم آت هذا الرجل أهله وأمثالهم معهم دنيا وأُخرى يا رب العالمين، هذا الصابر المُحتسِب مُعلِّم، هذا مُعلِّم لنا ولأمثالنا من البشر.

إذن استجابات الناس للبلاء تتفاوت تفاوتاً بعيداً، فلا يُمكِن لأحد إلا أن يكون مُغامِراً مُجازِفاً مُتحامِقاً أن يقول هناك نُقطة غليان للشر عندها نقول يحق لنا أن نُنكِر وجود الله ونكون منطقيين، هذا غير صحيح، ولا تستطيع هذا، ولذلك مرة أُخرى الذين يكونون خارج البلاء وخارج المشهد كما قال هذا اللاهوتي الاسكتلندي يبرز منهم المُشكِّكون والملاحدة، الذين يكونون في قلب المشهد – المشهد البلوي الابتلائي الاختباري – كثيراً من بينهم المُؤمِن أعمق إيماناً وأكثر عرفاناً بالله وأقرب إلى الله، إذن هناك تبريرات ثيوديسية، هذا داخل في الثيوديسيا Theodicy، أليس كذلك؟ وأنا طبعاً الآن سأُنوِّع الجوابات والإلماعات مرة هنا ومرة هنا، مرة دفاعي ومرة ثيوديسي، وأنتم رتِّبوا الموضوع وقد أعطيتكم فكرة عن ما هي الثيوديسيا Theodicy وما هو الدفاع في قضية مُشكِلة الشر.

إذن على الإنسان أن يتواضع وأن يُدرِك أن لعقله حدوداً مُكتفياً بالإدراك الجُملي الذي يُعطيه الوحي الإلهي، هناك مسألة أُخرى مُهِمة جداً جداً وهي دفاعية، ما هي؟ سأبدأ بمثال في الأول، تسعون في المائة بحسب الإحصاء الذي أجراه السيد المُحترَم الدكتور فلان – هذا لم يحصل لكنه افتراض – من روّاد هذا المسجد – باركهم الله جميعاً وأنا معهم يا رب وبهم – يقرأون جزءاً أو بعض جزء من المُصحَف الشريف بعد صلاة الجمعة أيام الصيف أو أيام الربيع في انتظار صلاة العصر، وهنا قد يقول لي أحدكم يا حبيبي ما هذا الكسل؟ هل هؤلاء لا يشتغلون؟ ليس لنا علاقة، المُهِم أنهم يفعلون هذا في أيام الربيع أو الصيف في انتظار صلاة العصر، تسعون في المائة يفعلون هذا، هذا الاحتمال بنسبة تسعين في المائة، احتمال أن يبقوا لكي يقرأوا هذا الجزء من المُصحَف الشريف وصل إلى تسعين في المائة، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا أُمي وبالتالي النسبة صفر في المائة، هل هو أُمي فعلاً؟ هل يرتدي هذه الملابس الفخمة وهو أُمي؟ نعم أُمي، لا يكتب ولا يقرأ، إذن صفر في المائة، نعم يسمع لكنه لا يقرأ في المُصحَف وبالتالي النسبة صفر في المائة، ماذا أُريد من هذا المثال؟ ما هذه الحذلقة؟ هذه ليست حذلقة، هذا كلام مُهِم جداً جداً، لكي تحكم على حالة وعلى وضع وعلى احتمالية مُعيَّنة لابد أن تأخذ كل العوامل في الاعتبار وليس عاملاً واحداً، لا يُحدِّد ما إذا كان هذا الشخص سيقرأ اليوم – مثلاً – بعد الجمعة جزءاً من المُصحَف فقط الإحصائية التي تقول يقرأون جزءاً أو بعض جزء من المُصحَف الشريف بعد صلاة الجمعة أيام الصيف أو أيام الربيع في انتظار صلاة العصر، لكن لابد من عوامل أُخرى تأتي كإجابة على سؤالات، من ضمن هذه الأمثلة هل هو أُمي أم مُتعلِّم قاريء؟ سوف تقول لي قاريء ومن ثم النسبة ستكون تسعين في المئة، إذا قلت أُمي ستكون النسبة صفراً، هبط الاحتمال إلى صفر، وهذا كان أولاً، ثانياً هل يقرأ بنظّارات أم من غير نظّارات؟ طبعاً قد يكون عنده قصر نظر ولا يستطيع أن يقرأ بدون نظّارات، لا يطس الحرف، فقد يُقال بنظّارات، إذن سوف يكون عندنا سؤال، هل جلب النظّارات اليوم أم نسيها؟ نسيها، إذن هبط الاحتمال مُباشَرةً، إلا أن يكون معه شخص آخر صديق له معه نفس المقاس ونفس الأشياء ومُضطَر إلى أن يأخذ النظّارات منه وقصة كبيرة، الآن السؤال إن نظرت إلى الله وإلى وجود الله – هل الله موجود أو غير موجود؟ – فقط من حيثية مسألة الشر – هل العالم فيه شر أم أن كله خير وكمال؟ – تكون مثل قضية صاحب النظّارة أو الأُمي، إذا وجدت شراً من المُمكِن أن تُخطيء وتقول ما دام يُوجَد شر فهذا يعني أن هذا الإله غير موجود، وهذا غير صحيح، لأن فرضية وجود الله تبارك وتعالى – نقول بطريقة فيها عدم تحيز أنها فرضية – نحن لا نأتي بها لكي نُفسِّر فقط الشر والخير في الوجود، قبل هذا وأهم من هذا بكثير فرضية وجود الله تُفرَض ويُؤتَى بها ويُدافَع عنها لأجل تفسير كامل الوجود، وجود الكون الكوزموس Cosmos، لم وُجِدَ الكون كله؟ أنت اليوم تعيش في كون – كما قلنا – نصف قطره يصل إلى ثلاثة وتسعين مليار سنة ضوئية، أي حوالي مائة وثمانين مليار سنة ضوئية القطر الخاص به، هذا شيئ مُرعِب، هذا الكون مُرعِب في سعته، لكن هذا الكون – كما علَّمنا علماء الكوزمولجيا Cosmology – كون مُحكَم دقيق، محكوم بقوانين وبدساتير مُعيَّنة يُمكِن للرياضيات أن تكشف عنها، شيئ مُذهِل مُحيِّر، وقد سمح بنشوء الحياة العاقلة الذكية الواعية، تمثَّلت في أعلى ذُراها في الإنسان الذي يقف هنا اليوم ويطرح هذه المسائل وإلى آخره، وهذا جميل جداً، كيف تُفسِّر لي هذه الوضعية؟ كيف؟ سوف يأتيك رجل غبي من هؤلاء الملاحدة الذين هم ضدنا اليوم في مسألة الشر ويقول لك وُجِدَ من تلقاء نفسه، هل حدث هذا أزلاً؟ يقول لك أزلاً بغض النظر عن أن كلامه الفارغ ضد العلم اليوم تماماً وضد الـ Big Bang Theory، أليس كذلك؟ البيج بانج Big Bang تقول عنده بداية، لا تقل لي قال هوكينج Hawking، هوكينج Hawking لم يُثبِت شيئاً، لم يُثبِت هذا، مُجرَّد كلام وفرضيات خيالية غير مُثبَتة، إلى الآن الكلام الصلب الراسخ الحقيقي الـ Exact يقول عنده بدية أقل من أربعة عشر ملياراً، ثلاثة عشر وسبعة من عشرة تقريباً مليار سنة، هذا عمر الكون، علماً بأن هنا يتورَّط الملاحدة في ورطة جميلة جداً، وهنا ستقول لي ما هي؟ انظر إلى هذه الورطة الجديدة، لو كان الكون ليس له بداية وكان أزلياً نسأله كيف وُجِدنا؟ سوف يقول هذه سهلة، جاوب عليها الكوزمولجيا Cosmology وداروين Darwin، النبي داروين Darwin الخاص بهم، نبي الإلحاد الخاص بهم هو تشارلز داروين Charles Darwin، كيف؟ قال هناك تطور Evolution، لكنني سأقول له ضاعت الفرصة عليك ووقعت في المصيدة، لماذا؟ كيف؟ سأقول له يا حبيبي لو كان الكون أزلياً ويتطوَّر أزلياً لكان من زمان زمان زمان زمان ليس إلى انقطاع النفس وإنما إلى انقطاع كل الأنفاس بلغ ذروة التطور وذروة الكمال ولما وجدنا فيه أي نقص ولا أي شرور، أليس كذلك؟ لوجدناه مثالياً، أي Optimal أو Ideal، ألف ألف كما يُقال، أليس كذلك؟ لأنه يتطوَّر نحو الكمال، وأنت تقول لي أنه أزلي ليس له بداية، أليس كذلك؟ أنت تُؤمِن أن الإنسان صار إنساناً بعد أن كان وحشاً وشبه قرد في سبعة مليون سنة، يا سيدي معك الأزل، أليس كذلك؟ أنت معك الأزل، المفروض ألا يكون إنساناً وإنما يكون إله الآلهة، أليس كذلك؟ من المُفترَض أن يكون إلهاً أقوى من الحديد وأسرع من البرق ولا يجوع ولا يعطش ولا يجهل ولا يعجز ولا يشيخ ولا يمرض ولا يموت ولا يحقد ولا يحسد ولا يغش ولا يتحسَّر، أليس كذلك؟ لابد أن يكون كاملاً Perfect، والكون كله لابد أن يكون كاملاً Perfect، لماذا؟ لأن كان عنده مسافة لا نهائية ليتطوَّر فيها، أليس كذلك؟ بالله عليك ائتني بأتخن مُلحِد واطلب منه أن يُجاوِبني عن هذه المُعاياة، هيا تفضَّل جاوبني يا أيها الذكي، الله يهديهم جميعاً يا رب ويفتح على قلوبهم ويفتح أعين بصائرهم، هذه ورطة كبيرة.

إذن نحن نأتي بفرضية الله لكي نُفسِّر نشوء الكون أصلاً ووجود الكون، وهذا كان أولاً، ثانياً لكي نُفسِّر انضباط الكون وإحكام الكون وما يُعرَف بظواهر الضبط الدقيق في الكون Fine-tuning، شيئ مُزعِج جداً جداً جداً، الفلاسفة والعلماء في هذا العصر يقولون أكثر شيئ يُزعِج الملاحدة على الإطلاق هي ظواهر الـ Fine-tuning في الكون، كيف أن هذه الأشياء مضبوطة من معيار واحد على عشرة أس ستين؟ الشيئ لو زاد أو نقص بهذا المعيار – واحد على عشرة وأمامها ستين صفراً، أي جزء من مليار مليار مليار مليار إلى ستين صفراً – يتلاشى الكون، الإنسان غير موجود، والأرض يحدث لها كذا وكذا، يا الله، ما هذا؟ هذا أكثر شيئ يُزعِج الملاحدة، فرضية الله العليم الحكيم الرب المُدبِّر المُهيمن على الوجود كله تُفسِّر هذا أو لا تُفسِّره؟ تُفسِّره بسهولة، تُفسِّر بسهولة جداً بالنسبة للمُؤمِن، هذه تُفسِّر لي هذا، أليس كذلك؟

إذن حين تتكلَّم عن الله إثباتاً ونفياً لا يُمكِن أن تأخذ فقط مثال التسعين في المائة، أليس كذلك؟ لابد أن تأخذ جميع العوامل، لابد أن تأخذ المسألة من منظور أوسع، اليوم أنا ذكَّرتكم في بداية الخُطبة بآية الأنعام التي فيها قال الله وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ۩، أليس كذلك؟ وقال الله أيضاً لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۩، لماذا إذن؟ لماذا أي حركة – حركة إلكترون Electron أو بروتون Proton – مُهِمة لله تبارك وتعالى؟ هل تعرف لماذا؟ اسأل علماء الفوضى أو الشواش الـ Chaos – الـChaos theory – وقل لهم هل هذا مُهِم؟ وسوف يقولون لك في مُنتهى الأهمية، قل لهم كيف في مُنتهى الأهمية؟ سوف يقولون لك من المُمكِن أن تقع في غابات الأمازون Amazon ورقة من شجرة فيها – مثلاً – زُهاء ثلاثمائة وخمسين ألف ورقة في غابة فيها ثلاثة مليون ونصف شجرة من غابات الأرض، يا الله، وهذه الورقة حين تقع سوف يكون عندها استتباعات وتوالٍ بحسب نظرية الفوضى أو الوشواش، أي الـChaos theory، من المُمكِن أن تتسبَّب في هلاك عشرين ألف نفر في نيويورك، لأنها سوف تتسبَّب في إعصار Tornado، والإعصار Tornado سيفعل كذا وكذا، هل كل هذا بسبب ورقة؟ قالوا هذا بسبب ورقة، وسوف نقول لهم – وقد قلت هذا عدة مرات وعندي خُطب في هذ الموضوع وهي خُطب مُهِمة على ما أعتقد – لذلك الله قال لا يُوجَد شيئ حقير في الكون لا في الزمان ولا في المكان ولا في الأحداث ولا في الكيانات Entities، هذا كله بسبب ورقة، في الكتاب المُقدَّس شعرة من لحيتك تسقط عند الله مرصودة ومكتوبة، فقط شعرة حين تنزل، لابد من أن تُكتَب، وكذلك الحال مع ورقة بل ذرة كما قال الله أو أصغر أو أكبر، وهذا حتى في النطاق الزمني، أي حدث، مثل شخص يتثاءب، وليس شخصاً مثلنا فحسب وإنما ميزون Meson، ليس إلكتروناً Electron حتى وإنما ميزون Meson، باي ميزون pi meson عمل حركة تثاؤب في واحد فيمتو ثانية Femtosecond، أي واحد من فيمتو ثانية، واحد على عشرة أس خمسة عشر من الثانية، وهنا قد يقول لي أحدكم هل هذا النطاق الزمني من المُمكِن أن يحدث فيه حدث مُهِم؟ نعم، وهو مُهِم جداً جداً جداً، ما رأيك؟ وقد يُؤثِّر على أشياء كبيرة كالمجرات، يا ربي، ولذلك الله قال لك انتبه إلى الحيز الزماني شديد الضئالة، هو عندي مُهِم، قال وَمَا أَمْر السَّاعَة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر أَوْ هُوَ أَقْرَب ۩، قال لك في لمح البصر من المُمكِن أن ينهدم المعمار الكوني كله، يا ربي، ما هذا؟ كيف؟ هو هذا، هذه تحتاج نظرية في الكوزمولوجيا Cosmology نقولها بعد ذلك لنعرف ما معنى الساعة وكيف يُمكِن أن يُهدَم المعمار الكوني كله في لمح البصر الذي يصدر فيه الأمر الإلهي، قال الله وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۚ ۩، تقوم القيامة بأمره، والقيامة تُساوي تهدّم المعيار الكوني، الله قال لك في مثل لمح البصر أو أقل، من المُمكِن أن يكون ليس حتى فيمتو ثانية Femtosecond وإنما كرونون Chronon، وقد حدَّثتكم مرة عن الكرونون Chronon، واحد على عشرة أس أربعة وعشرين من الثانية، ما هو هذا الكرونون Chronon؟ هو الزمن الذي يقطع فيه الضوء نصف قطر البروتون Proton، ولك أن تتخيَّل البروتون Proton، ليس الذرة أو النواة وإنما البروتون Proton، ما هو نصف قطره؟ شيئ لا يُتعقَّل ولا يُتصوَّر، هل تقدر على أن تتصوَّره؟ هذا مُستحيل، تُحاوِل أن أن تتعقَّله لأن هكذا قال العلماء بالرياضيات وبالحساب، وماذا عن الضوء؟ الضوء حين تقول الله في ثانية واحدة يكون قطع ثلاثمائة ألف كيلو متر، ما هذا؟ الذي يقطع ثلاثمائة ألف كيلو متر في كلمة الله التي تُقال في ثانية واحدة في كم سوف يقطع نصف قطر البروتون Proton؟ قالوا في كرونون Chronon، حسبوها وقالوا هذا، ما هذا العقل؟ حسبوها وقالوا في كرونون Chronon ثانية، أي واحد على عشرة أس أربعة وعشرين من الثانية، قسِّم الثانية إلى تريليون تريليون – مليون مليون مليون مليون، أي أربع مرات، لأن ستة في أربعة بأربعة وعشرين – قسم، ولك أن تتخيَّل هذا، تخيَّل أنك قسَّمت الثانية مليون مليون مليون مليون – أربع مليونات – قسم، في قسم منها ما يُسمى الكرونون Chronon، يا ربي هذا شيئ يُجنِّن، قال لك هذا زمن مُهِم، الكرونون Chronon مُهِم، الله قال أَوْ هُوَ أَقْرَب ۩، ما أدرانا أنه سيتم إصدار الأمر بهدم المعمار الكوني في أقل من كرونون Chronon؟ أليس كذلك؟ ما أدرانا؟ وهذا بحسب تصورنا للزمن ضمن الثوابت الطبيعية، من المُمكِن أن يُوجَد شيئ أقل، يا ربي هذا شيئ لا يُصدَّق، وهذا يعني عدم وجود فاصلة بين الأمر وإنجازه، لا تُوجَد فاصلة بين الأمر وصدوره، لا تُوجَد فاصلة بين الأمر وتفعيله وتشغيله، يشتغل بدون فاصلة، شيئ مُرعِب، لا إله إلا الله، هكذا يُحدِّثنا الله عن نفسه، قال الأمر ليس بحسب هواك، لا يُمكِن أن تُصوِّرني كما تُريد ثم تُؤمِن بي أو تكفر، لأن اليوم الدواعش صوَّروا الله كما أرادوا وآمنوا به فكفَّروا العالم، أليس كذلك؟ كفَّروا العالم، ساهموا في حركة الإلحاد البشري، اليوم الدواعش وأمثال الدواعش الذين قتلوا الأبرياء وفجَّروا الأبرياء وقتلوا المدنيين بغير حق ساهموا في أن يزيد عدد الإلحاد في العالم والملاحدة والله العظيم، أنا لا أُبالِغ، أيام عاش فولتير Voltaire في القرن الثامن عشر ارتفع الإلحاد قليلاً بعد زلزال لشبونة، وألَّف فولتير Voltaire مسرحية عن هذا، وطبعاً بعد كل زلزال وبعد كل طوفان وبعد كل دمار وبعد كل مذبحة كبيرة وبعد كل حرب مُدوية صاعقة زاعقة ماذا يحدث؟ يبرز سؤال الشر، كيف سمح الله بكل هذا الشر؟ هل هو موجود أصلاً؟ هل هو موجود لكي يسمح بكل هذا الشر أم أنه غير موجود وندخل في العدمية واللامُبالاة، هذا برز أيام زلزال لشبونة، برز في الحادي عشر من سبتمبر في ألفين وواحد، أليس كذلك؟ بالذات بعد الحادي عشر من سبتمبر في الفين وواحد برز وقد رأيتم كيف رمى الناس المساكين أنفسهم من الطابق الستين والسبعين، شيئ يُقطِّع القلب وأُقسِم بالله على هذا، وهنا قد يتهمني أحدهم بالنفاق، يُقطِّع القلب قتل الأبرياء في كل مكان في سوريا وفي العراق وفي فلسطين وفي بورما، أعني الروهينجا، وفي كل مكان، هذا يُقطِّع القلب في كل مكان طبعاً، لكن أنا أقول لك ما الذي حدث في العالم الذي عنده القدرة على أن يُوصِّل صوته وعنده القدرة على أن يُنشيء علماً وفلسفة وفكراً إلحادياً أو إيمانياً، هم الذين يفعلون هذا، هم سادة العالم اليوم، هم الذين عندهم الصوت العالي، نعم زاد عندهم الإلحاد والكفر بسبب هؤلاء المُجرِمين القتلة الذين قالوا نحن نفعل هذا باسم الله، باسم الله المُحِب المُخيِّر نفعله، باسم الدين نفعل هذا، الناس كفرت بالآلهة وبالأديان وبالشرائع وبالأنبياء بعد الحادي عشر من سبتمبر، وارتفع صوت شخص مثل سام هاريس Sam Harris وهيتشنز Hitchens ودوكينز Dawkins وبيتر سنجر Peter Singer وأمثال هؤلاء بعد الحادي عشر من سبتمبر، وألَّفوا أكثر كتبهم مبيعاً بعد الحادي عشر من سبتمبر، وصرَّحوا وقالوا الحادي عشر من سبتمبر ألهمنا الكثير من هذا الأفكار لكي نُصبِح مُسلَّحين ونخوض حرباً عسكرية وحرب صليبية إلحادية ضد الإيمان، أي أنهم Militant Atheists، هم عسكريون فعلاً، وهم أقوياء – Strong – أشداء، نفس الشيئ في ديسمبر ألفين وأربعة، ماذا حدث؟ تسونامي Tsunami المُحيط الهندي، أليس كذلك؟ هنا أنت أمام شر أخلاقي أم شر طبيعي؟ شر طبيعي، الحادي عشر من سبتمبر شر أخلاقي لأنه يتعلَّق بالبشر، بشر يقتل بشراً، لكن هنا الوضع مُختلِف، الطبيعة بأمر الله تقتل البشر، قتلت مائتين وخسمين ألف، في الحادي عشر من سبتمبر زُهاء أربعة آلاف شخص، لكن في زلزال ديسمبر ألفين وأربعة للمُحيط الهندي ذهب مائتان وخمسون ألف في لحظات، ارتفع السؤال من أول وجديد، أين الله؟ كيف سمح بهذا؟ هذه مُشكِلة الشر، ولذلك أنا قلت لكم هناك زُهاء خمسة آلاف دراسة عن مُشكِلة الشر في آخر العقود، مُشكِلة مُحيِّرة جداً وصعبة، دائماً تهز الإنسان وتهز قناعاته وتهز أشياء كثيرة، حتى المُؤمِن – كما قلت لك – أمام الشر يهتز، لماذا؟ تتحرَّك أحياناً حركات تساؤل، لماذا؟ ما الحكمة؟ وتتحرَّك حركة رفض، يرفض هذا، أليس كذلك؟ لكن لا يتعدى به الأمر إلى الشك أو الإلحاد، ضعيف الإيمان يهوي إلى الشك، ومن الشك يهوي إلى الإلحاد، أليس كذلك؟ لكن هنا إيمانك يُسعِفك، إيمانك الأول سيُسعِفك، إيمان تجربة أو إيمان مُعلَّل أو إيمان مُدلَّل بحسب نوعية الإيمان، كل هذا يشتغل وكله يُؤخَذ في الاعتبار ويُوضَع في الميزان.

إخواني وأخواتي:

أطلت عليكم وتعبت، سأختكم بنُقطة مُهِمة جداً جداً جداً، في الحقيقة كنت أُريد أن أجعلها رأس هذه الخُطبة والموضوع الأساس للخُطبة، لكن لا أدري لماذا أخَّرتها، لعل الذي أبطأ عني هو خيرٌ لي كما يقولون، ما هي؟

طبعاً سأبدأ باقتباس المُفكِّر الكبير سي. إس. لويس C.S. Lewis الذي اقتبسته عدة مرات، هذا الرجل مُذهِل حقيقةً في استبصاراته الإيمانية رغم أنه كان مُلحِداً في البداية، سي. إس. لويس C.S. Lewis كان مُلحِداً، وهو صاحب إبطال الإنسان وصاحب المسيحية المُجرَّدة وصاحب كذا وكذا، لكنه كان مُلحِداً، وعلى أي خلفية؟ على خلفية مُشكِلة الشر، وقد صرَّح بهذا في كتابه إبطال الإنسان أو إلغاء الإنسان The Abolition of Man، قال أنا كنت مُلحِداً مُنكِراً للرب بسبب الشرور في العالم والوجود، هو الذي صرَّح بهذا، قال وفي لحظة استيقظت – كما استيقظ تولستويTolstoy – وأدركت أن في قلب مُشكِلة الشر ما يشهد لوجود الله وما يُحرِج الإلحاد، هذا غير معقول، هل حدث هذا فعلاً؟ قال هذه الحقيقة، وهذا صحيح، هذا الذي حصل مع عشرات غيره، وهذا ما سنُثبِته الآن بكل بساطة، كيف؟ أنا أقول لك كيف فانتبه، قبل أن نشرح كيف توصَّل سي. إس. لويس C.S. Lewis إلى هذا نقول أنه كثَّفها طبعاً في صفحة ونصف لكن من الصعب أن تُفهَم، نحتاج إلى أن نُبسِّطها بالأمثلة والمجازات – Metaphors – وأمثال هذه الأشياء ومن ثم تُصبِح واضحة جداً فيفهمها حتى الطفل الصغير مع احترامي للجميع طبعاً ولفهمكم.

أولاً الشر نفسه كتعريف وتحديد صعب جداً جداً، سأقول لكم عرِّف الشر بدون أن نخوض في تعريفات الشر المُختلِفة وتقسيماته وتصنيفاته وقد أعطيناكم إشارة بسيطة في الأول، سوف نقول فقط اليقيني والقطعي، لولا الخير هل كان سيُعرَف الشر؟ وبالأحرى طبعاً هل لولا الشر كنا سنعرف الخير ونُحِبه وننحاز إليه؟ مُستحيل، تخيَّل أنت هذا العالم وليس فيه لا تعب ولا كذب ولا نصب ولا موت ولا شيخوخة ولا مرض ولا زلازل ولا كوارث ولا ولا ولا ولا، تخيَّله كاملاً Perfect وكأنه جنة، قال الله وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ۩، الجنة ليس فيها حتى أي شرور لا وجودية ولا أخلاقية، فقط الجنة، لكننا سنفترض هذا العالم هو الجنة وأن ليس فيه أي شر أبداً، ولا جوع ولا عطش ولا أي شيئ، أليس كذلك؟ قال الله إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ۩ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ۩، هذه الجنة، ولا حسرة فيها، لا تقل يا حسرتي أنا مُؤمِن ضعيف سآخذ لي قصراً كبيراً ومُلكاً بحجم الدنيا عشر مرات كما قال النبي عشر مرات بحجم الدنيا أو مرتين لكن فلان سيآخذ ما هو بحجم الدنيا مليون مرة فيا حسرة، لا تُوجَد حسرة، لن تتحسَّر فلا تخف، لن تتحسَّر ولن تتألَّم في الجنة، لا يُوجَد هذا الكلام هناك، لكنه موجود هنا في الدنيا، أنا دائماً أتخيَّل هذا، والله سل أي مُلحِد أو أي مُؤمِن حتى أو أي إنسان من غير تصنيف وقل له يا سيدي افترض أنك سيد قدرك وراسم مصيرك، أنت الذي تُحدِّد قدرك وترسم مصيرك دونك فاختر، هيا ارسم، ذهب ورسم، ماذا سوف يرسم؟ سوف ينظر ويعرف مَن هو أغنى رجل اليوم، بيل جيتس Bill Gates عنده سبعة وستون مليار، سيضع له مائة مليار في الحساب، صار عنده مائة مليار، بعد ذلك سيقول لا للشيخوخة، وسيُقال له لك ذلك، ثم يقول لا للمرض، وسيُقال له له ذلك، ثم سيقول كل ما أتمناه أُريد أن يحصل، و له لك ذلك، وهكذا لك ذلك ولك ذلك ولك ذلك، أشياء كثيرة لكنها ليست بالمُطلَق وإنما ما تتمناه الآن مما تُريده لنفسك، كل ما تُريد من المآكل والمشارب والمراكب والزوجات والأولاد والأصدقاء والعلم والفهم و و و و موجود، هل تظن أن هذا الإنسان سوف يكون أسعد الناس؟ لأ، هذا الإنسان بالذات سوف لن يعدم عشرات الأسباب التي تجعله يعوي صباح مساء ويندب ويشكو، لماذا؟ بعد غد سوف يقولون ظهر شاب من أصل أيرلندي واخترع اختراعاً، هذا الاختراع – سبحان الله – في أول ثلاثة أشهر فقط استخدمه اثنان مليار من البشر، ما هذا يا ربي؟ اثنان مليار، الواتساب WhatsApp الآن كم يستخدمونه منذ عام ألفين وتسعة؟ لا علينا من هذا، سيُقال هذا الاختراع ذهبت جوجل Google واشترته منه مع شركة أُخرى ومع حتى ربما الخزينة الأمريكية بثلاثمائة مليار، صاحبنا الفقير الذي عنده مائة مليار سوف يبدأ يندب، صار فقيراً لأن الآخر عنده ثلاثمائة مليار، لو عنده مائة وعشرة مليارات فإن هذا سوف يتناقص، أليس كذلك؟ هناك الحسد والغيرة والتنافس، أليس كذلك؟ أنا لست رقم واحد، لم أبق رقم واحد، انظر إلى هم مثل هؤلاء البشر المساكين، يعيشون في هم أن يُصبِحوا رقم واحد بمعنى أن يُصبِحوا الإله، هم ليسوا آلهة لأن الإله في النهاية واحد، لأن لو هناك آلهة هذه الآلهة سوف تتغاير أيضاً وتتنافس وتتصارع، قال الله إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ ۩، الله يقول هذا، أليس كذلك؟ حتى الآلهة، لا أتحدَّث عن آلهة الأولمب وإنما أتحدَّث عن إله واحد، كل أحد يُريد أن يكون الإله الأول والأخير، يُريد أن يكون الأوحد ولا شريك له، أليس كذلك؟ وإذا لم يكن يظل يعوي ويزعق ويندب ويشكو، أليس كذلك؟ ثم أنك عندك ملكة جمال الكون – الآن يُسمونها ملكة جمال الكون وكأنهم ذهبوا إلى المريخ وما إلى ذلك، لا يُحِبون كلمة العالم، يُحِبون كلمة الكون أكثر، هذه كلمة كبيرة – ومع ذلك تقول لا والله لم تحل في عيني بعد سنتين، لأن الإنسان ابن الملل وابن كذا وكذا، بعد سنتين لم تحل، زوجة المليونير المسكين – مليونير مسكين لأن عنده مائة مليون فقط، أي أنه رجل صعلوك – رأيتها أحلى، نعم أنا لا أشيخ لكن زوجتي كبرت قليلاً أما تلك أصغر سناً، سوف يجد مليون سبب ليعوي ويزعق، أليس كذلك؟ انتبه إلى هذا، في المُقابِل هل سألت نفسك أنت يا إنسان يا مُتواضِع يا فقير ربما – مُعظَمنا فقراء ومساكين وعلى قد حالنا كما يُقال – كيف يشعر مَن وُلِدَ في قصر أمير أو قصر سُلطان أو ملك؟ هو فعلاً في وضع جنائني كأنه في الجنة، والملايين عنده كالملاليم عندك، كيف تصرف أنت الملاليم؟ قيل أخذ الأمير فلان الطائرة وذهب إلى لندن وفي سهرة قمار صرف خمسة عشر مليوناً، تقول خمسة عشر ماذا؟ تغص بريقك، تقول لو أعطاني ليس مليوناً ولا نصف مليون وإنما مائة ألف فقط منها سيتغيَّر مسار حياتي وحياة ذريتي، سوف يُسعِدني سعادة الأبد أنا وأولادي وذريتي – أولاد أولادي – أيضاً، لماذا لم يُعطني هذا؟ أنت تعترض حد الجنون، أليس كذلك؟ تسخط حد الهوس، تهوَس وتقول لماذا هذا يحدث؟ هو هذا، هل سـألت نفسك كيف يشعر هو؟ هو لا يشعر بما تظنه يشعر به، هو ليس في نعيم رهيب أبداً، بالعكس هو يُطيل التفكير جداً فيما قد تكون أنت مُتوفِّراً عليه ولا تُفكِّر فيه، أليس كذلك؟ انتبه إلى هذا، في الطب ماذا يقولون؟ يقولون العضو الصحيح السليم هو الذي لا تشعر به، كيف تعرف أن هذا العضو Gesund بمعنى أنه مُعافى أو غير مُعافى؟ إذا كنت لا تشعر به، إذا قلت آخ يا ظهري هذا يدل على أنه مُعتَل، ظهرك بدأ يمرض، إذا شعرت به تعرف أنه مُعتَل، إذا قلت هنا عندي ألم تعرف أن هذه المنطقة مُعتَلة، إذا قلت آخ يا كبدي تعرف أنه مُعتَل، إذا قلت أنا عادي وكأنني أسبح فهذا يدل أنك Gesund، سليم بنسبة مائة في المائة، العضو السليم طبياً هو الذي لا تشعر به، حين تبدأ تشعر وتقول عيني تُؤلِمني فهذا يدل على وجود مشاكل، إذا قلت أشعر بحكة في فروة رأسي لعلها تكون ثعلبة ولا نعرف فانتبه، حين تقول عندي ضغط على هذه المنطقة لعلها تكون البروستاتا Prostate، انتبه إلى نفسك، هذا يعني أنك مُجرَّد بنية أو تركيبة من النعم لا عد لها ولا حصي، في كل ذرة تُوجَد نعم، والله أنا قبل فترة جاءتني عدوى – مرض جلدي بين أصابعي – حين كنت في لندن، وقد أزعجتني ورأيتموني وأنا أضع هنا على المنبر من اليود وأشياء، أزعجتني جداً، وقلت يا الله، يا إنسان ما أضعفك، عدوى بسيطة تحكك بين أصابعك أزعجتك، والله أزعجتني في الليل والنهار، ثم ذهبت بفضل الله تبارك وتعالى، فقلت نحن نرفل في نعم لا أول لها من آخر، قال الله وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۩، لكن المُشكِلة في إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ۩.

قال آرثر شوبنهاور Arthur Schopenhauer – فيلسوف الإرداة والتمثل – مُشكِلة الإنسان وأحد أسباب تعاسة الإنسان أنه يُكثِر جداً التفكير فيما ليس عنده ويعمى عن ما عنده، أنا أقول لك هذا الذي وُلِد في قصر أمير أو سُلطان أو ملك أو في قصر ملياردير – ابن ملياردير – أو مليونير قد يُعاني مُعاناة صحية مُعيَّنة في عضو مُعيَّن، قد يكون هذا المسكين عنده تضخم في القلب، أليس كذلك؟ والسنوات التي أمامه معدودة، قد يكون عنده مُشكِلة تشمع الكبد، هذا قيل له أمامك ستة أشهر والسلام عليكم، أو يزرع كبداً ثانياً، لابد من أن يذهب إلى فرنسا أو ألمانيا وما إلى ذلك ليزرعه، أرأيت كيف؟ على كل حال هذا المسكين يتمنى أن تُشاطِره نصف ثروته ولا يخوض هذه العملية ويكون بكبد سليم صحيح رباني، ليس بكبد مزروع عنده عقابيل بعد ذلك، أليس كذلك؟ يتمنى هذا ويقول لك خُذ نصف ثروني، خُذ مائتين وخمسين مليون – مثلاً – وأعطنى هذا الكبد لكن ليس عن طريق الزراعة وإنما بطريقة طبيعية، أليس كذلك؟ بمعنى ماذا؟ تحدَّ أحد الفاهمين عن كل ما فيك من نعم التي هى بطريقة طبية نعم لا تشعر بها، أنت لا تشعر بها لأنها سليمة، لكن ما الذي يجعلك تشعر بها على مُستوى الوعي؟ الإدراك والشكر، تشكر الله، أشعر بالعضو معي أنني لا أشعر به فسيولوجياً، هو لا يُتعِبني، لا تُوجَد الأعراض التي يُسمونها الأعراض المرضية ولا تُوجَد حتى الأعراض الفسيولوجية، هذا موضوع ثانٍ في الطب، أنت لا تشعر لكن الفكر يجعلك تُفكِّر وتقول انتبه، هذا ليس طبيعياً، ليس من الطبيعي أن أتكلَّم، ليس من الطبيعي أنني أبلع ريقي، ذات مرة اشتغلت في مُؤسَّسة وكان عندي مُدير وهو رجل فاضل – الله يذكره بالخير – في كل دقائق يشرب ماء ويذهب إلى الحمام، هو ومَن أُصيب بالسكري سواء، يذهب ويأتي إلى الحمام، ما مُشكِلته؟ مرض أصابه في الغُدد اللُعابية، لا يُوجَد لُعاب، المسكين حين يتكلَّم كلمتين يختنق، لابد من الماء، هذا شيئ بسيط جداً لكنه يُزعِجه حين يتكلَّم وحين ينام – كم مرة يقوم في الليل طبعاً – وحين يأكل، هذا شيئ مُزعِج جداً، وهنا قد تقول لي هذا شيئ بسيط لأن طبعاً هناك أشياء أكثر إزعاجاً ألف مرة من هذا، هذا صحيح ولذا أنا أقول لك كل هذه الأشياء التي لا تشعر بها هي أمنيات أُناس لم تتحقق لهم، لكن أنت أُعطيتها من غير تمني، هل أنت تمنيتها؟ جئت من بطن أمك والله أعطاك كل هذه النعم التي عندك بالمجان لك وقال لك فقط اعرفني واشكرني وأنا أرضى منك هذا وأشكره لك أيضاً لأنني الشكور، حين تشكرني أشكرك وأزيدك، قال الله لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ ۩.

إذن هل عرفت نفاسة ما أنت فيه وما ترفل فيه من نعم؟ لكن هذا المليونير أو ابن المليونير لا يعرف نفاسة ما هو فيه من نعم، هو لا يشعر بها أصلاً ويُهدِرها، ولعله – كما قلت لك – يُتعِس حياته ويُنغِّص على نفسه ويُنكِّد عيشه بالتساؤل المُلِح الدائم، لم أُوتيَ فلان كذا وكذا مما لم أوتاه؟ ما المُشكِلة في أنه أوتيَ هذا؟ فلان أجمل منه قليلاً، فلان لونه مُختلِف قليلاً، لماذا أنا لوني غامق قهوائي كما يقول العراقيون؟ لوني قهوائي أما هو أبيض أميل إلى الشقرة، فلماذا؟ لكن هو يا أخي صعلوك ليس عنده مال، يخرج يشتغل من الصباح إلى المساء وفي الشهر كله يأخذ ألفين يورو، أنت عندك ملايين يا رجل، أنت تصرف في الرحلة الواحدة خمسة عشر مليوناً، قال هذا لا يهمني، لونه هذا أشتريه بكل ثروتي، وهذا يعني أنك غني، اتضح أننا أغنياء، افهم كيف عطاء الله، قال الله نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ ۩، هو أرفع منك في جهة وأنت أرفع منه أيضاً في جهة فانتبه، أنت مُفضَّل عليه في شيئ وهو مُفضَّل عليك في شيئ، وهذه هي المسألة كلها، ولعل في النهاية تكون القسمة عادلة من كل الوجوه ونحن لا ندري إذا أخذنا الوجوه كلها ووضعناها في الميزان، أليس كذلك؟ هذا موضوع تعادلية توفيق الحكيم، هذا موضوع التعادلية، هذا مُمكِن وأنا أُؤمِن به، أُؤمِن بأن في النهاية هناك تعادلية بإذن الله تبارك وتعالى.

المُهِم الآن ما هو المعنى الذي نُريد أن نقوله؟ لولا الشر ما أدركنا الخير، يوجَد سؤال الآن، وطبعاً هذا في كل القيم وفي كل المعاني، فهى على هذا النحو، هل لولا الجوع كنت ستُدرِك نعمة الشبع؟ أبداً، لو أنت تشعر بالشبع دائماً لن تأكل، أليس كذلك؟ وسيُصبِح أشهى الطعام وأحسنه مذاقاً بالنسبة إليك لا يعني شيئاً، لأنك تشعر بالشبع دائماً، أنت شبعان مُغلَق، هل لولا العطش كنت ستعرف نعمة الري والماء البارد المُثلَّج الذي تشتهيه في الإعلان الذي يأتي في التلفزيون السامسونج Television Samsung؟ لأ، ولولا التعب والنُعاس لم يلذ لنا نومٌ ولا غمضٌ، أليس كذلك؟ وما أحلى النوم بعد التعب، وقال لك نعم الإدام الجوع، هل تُريد من إنسان أن يتذوَّق الطعام جيداً؟ جوِّعه وأعطه بصلة، سوف يقول يا سلام، هذه بصلة، وأنا مرة – والله – أفطرت على بصل بعد أن صومت لوجه الله، كنت طالباً مسكيناً وأدرس وأفطرت – أقسم بالله – على بصل، ولك أن تتخيَّل هذا، فمن المُمكِن أن تفطر على هذه البصلة وتقول يا سلام، هذا للجائع الذي لم يجد غيرها وطال به الجوع والمسغبة، هي هكذا الدنيا، ثم أن هناك مسألة ثانية أهم من هذا، لو لم تكن هناك ما تُسميه الشرور والتي نُسميها نحن شروط السباق ونُسميها حتى الشرط الإنساني الوسيع – يُوجَد شرط إنساني وهو أوسع شر – لاختلف الأمر، أنا بشر وأفهم معنى أن تكون بشراً، يجب أن يكون هذا شعارنا، يجب أن تفهم ما معنى أن تكون بشراً، وسأقول لك كيف، معنى أن أكون بشراً أنه لا معنى لحياتي وإنجازي وسعيي بغير مُصاوَلة ومُحاوَلة ومُجاهَدة وتجاوز عقبات كأداء وعقبات أقل من كأداء، أي قليل من المصائب والمتاعب والابتلاء والشرور والمُعوِّقات والمُنافِسين والمُعوِّقين وقاطعي الطريق والحسدة والغيارى والمُتسِّلطين وكاتبي التقارير والذين يتسلَّقون على سُمعة الناس وعلى أكتاف الناس، الواحد منهم يهدمك لكي يجلس على كتفيك، أليس كذلك؟ يظن أنه لو هدمك سوف يطلع، هذه هي الحياة، لولا هذه الأشياء كلها ولولا الأثمان الثقال الباهظات البواهظ ما كانت هذه الحياة، وهنا قد تقول لي أثمان ماذا؟ كل شيئ بثمن، لا يُوجَد عشاء مجاني كما يقول الأجانب، لا يُوجَد عشاء مجاني أو غداء – Lunch – مجاني، هذا غير موجود، كل شيئ بثمن، قد يقول أحدكم هذا الإنسان بطل يا أخي أما أنا صعلوك، هذا بطل كبير، لكن هذا لم يُصبِح بطلاً بأكل البصل، هذا أصبح بطلاً بسبب التدريب كل يوم لمدة خمس ساعات، وهذا المسكين كل شيئ عنده له ميزان حسّاس، يقول كم جرام دهون في الطعام؟ لكن أنت تلهط كما يُقال الدهن كله في مرة واحدة، لكن هو يقول كم جرام دهون في الطعام؟ حياته عذاب، لكي يُصبِح بهذه العضلات دون أي كرش ولكي يكون عنده مفصلات تعب تعباَ شديداً ثم أصبح مستر أولمبيا، لكن أنت نائم في العسل وتلهط البصل والعسل في مرة واحدة وتُريد أن تُصبِح بطلاً، لن تُصبِح بطلاً، قد تقول هذا فيلسوف لكنه لا يفهم، كيف لا يفهم؟ أنت تحضر أفلاماً – Movies – وتأكل الفصفص كما يُسمونه – البذر – وتغتاب وتنم وتتكلَّم لمدة ساعتين في التليفون Telephone وتقول يلعن ويلعن وهو للأسف عنده نظّارات مثل كعب الكوب بسبب الترجمة والقراءة ويعرف أن هذا ألماني وهذا فرنسي ويقول انتهينا من ألفين صفحة لكن هذا الكتاب الثاني من ألف وخمسمائة صفحة فهيا نقرأه، ويفعل هذا من متى؟ من أربعين سنة، لم يُصبِح العلّامة الموسوعي والفيلسوف بالهبل، يُوجَد ثمن باهظ جداً جداً جداً جداً، أعراس كثيرة لم يذهب إليها، حفلات عائلية كثيرة جداً لم يُشارِك فيها، أشياء كثيرة جداً جداً جداً جداً حُرِم منها، سهرات كثيرة جداً مع أصدقائه لم يذهب إليها، كل هذا حُرِمَ منه، لماذا؟ هذا المسكين أعطى نفسه للعلم والكتاب لكي يقدر على أن يُقدِّم شيئاً لأمته وللبشرية، لم يُصبِح عالماً بالأونطة، أليس كذلك؟ هل يُوجَد ثمن أو لا يُوجد؟ يُوجَد، وهلم جرا، هذا معنى أن تكون إنساناً، وهذا معنى أن تكون بطلاً، بطل في الأجسام أو بطل في العلم أو بطل في الجهاد أو بطل في الصحافة أو بطل في السياسة أو بطل في الأخلاق أو بطل في أي شيئ، الأخلاق مُهِمة جداً، لا يُمكِن أن ترى إنساناً مُهذَّباً وكريماً وصبوراً وحليماً ولطيفاً وعنده بعد ذلك لياقة وإتيكيت Etiquette في التعامل ويكون هذا كله جاء بطريقة عبثية، هذا تعب كثيراً من أجل نفسه، تحمَّل الكثير جداً لكي يُهذِّب نفسه، بالإزميل هذَّبها تهذيباً، من ثلاثين سنة يُهذِّب نفسه، الله أسعدني بمعرفة بعض إخواني في حياتي وهم قلة على الأصابع لكن الواحد منهم قبل أن يتكلَّم الكلمة يزنها مرة ومرتين وثلاثة، ولذلك أنا أعرف – على الأقل الآن في ذهني ثلاثة من هؤلاء – أن الواحد منهم تعيش معه ثلاثين سنة ولا يحصل في مرة أنه يجرحك بربع كلمة ولا غيرك، ما هذا التهذيب؟ هذا ليس سهلاً، خلاف هذا الأحمق فالت الرسن، يقول أُقبِّل رأسك سامحني، أخطأت يا سيدي، سأُسامِحك لأنك أخطأت وينتهي الأمر، لكن غداً تجده يُقبِّل يد آخر وحين يقول له ماذا حدث؟ يقول له سامحني، لقد أخطأت فيك، وهكذا على مدار الأربع والعشرين ساعة، يُخطيء في الناس ويُقبِّل الرؤوس، عاش في مذلة وسوف يموت في مهانة، لماذا؟ لأنه إنسان فالت الرسن كما يُقال، كأنه – أكرمكم الله – مُطلَق على الناس، لكي تكون شخصاً أخلاقياً قبل أن تتكلَّم وقبل أن تكتب كلمة لأحد زِنها مائة مرة، هل هذا ينفع أو لا ينفع؟ أين كذا وكذا؟ كيف يُمكِن أن يفهمها؟ ما هي دلالتها؟ اضبط الكلمة مهما كنت غضباناً ومُحتقِنا، قل سوف أندم وهو لا يستحق مني هذا، لابد أن أضبط أعصابي، أنا مُتعَب اليوم قليلاً، لماذا؟ يُوجَد شيئ في البيت يتعبني، مُشكِلتي مع زوجتي من أربعة أيام تتعبني، ابني الذي رسب في الامتحان أتعبني وأنا أعرف هذا، كُن واعياً بنفسك، قل أنا مُتعَب قليلاً ولذلك لن اجعل أخي الكريم هذا أو هذا الإنسان الفاضل ضحية لمشاكلي، لابد أن أضبط نفسي، لن أكتب اليوم له، لن أكتب له الرسالة، لن أرد عليه، هل فهمت كيف؟ هكذا تكون الحياة.

انظر ماذا قال المُتنبيء الرائع؟ هذا الرجل رائع وحكيم، عنده حكمة كثيرة في شعره، هذا ليس مُجرَّد شعر، ماذا قال؟ قال:

لَوْلا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ                                 الجُودُ يُفْقِرُ وَالإقدامُ قَتّالُ.

أليس كذلك؟ لا يُمكِن لأحد أن يُصبِح كريماً من غير ثمن، متى تُصبِح كريماً من غير ثمن؟ حين تكون إلهاً عندك خزائن لا تنفذ، تقول ماذا تُريد؟ يُقال لك أُريد مليوناً، تقول خُذ مليوناً، وأنت ماذا تُريد؟ يُقال أُريد عشرة آلاف، تقول خُذ عشرة آلاف، لو فعلت هذا وأنت على حالتك هذه سوف تكون بعد غد فقيراً، سوف تمد يدك لمَن أعطيته وسوف يقول لك ليس عندي، والله ليس عندي، علىّ الطلاق ليس عندي، وهو عنده، أليس كذلك؟ وتبدأ تندب حظك العاثر، فالمُتنبيء قال لك لا يُمكِن أن تكون كريماً ببساطة، والذي يُريد أن يكون كريماً لابد أن يستعد لأن يكون فقيراً، ما رأيك؟ أنا عندي خال – خالي أخو أمي رحمة الله عليه – وحيد قالوا عنه أنه حين كان في بداية حياته في المملكة السعودية كان من الأغنياء، لا دري كم ألف رأس من الماشية عنده، ومات فقيراً، أفقره الكرم، كل مَن حط عنده ينحر له، يقول انحر باستمرار فنحر ما له، كان – رحمة الله عليه – معروفاً بالكرم، ومثله يُوجَد الكثير بل يُوجَد مَن هم أكثر منه، فالجود يُفقِر.

لَوْلا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ                               الجُودُ يُفْقِرُ وَالإقدامُ قَتّالُ.

هل تُحِب أن تكون عنترة؟ هل تُريد أن تكون عروة بن الورد؟ هذه ليست سهلة، قد تُقطَع رأسك، اذهب جرِّب لكن قد يفتحون لك بطنك، قال أُريد أن أذهب، فذهب ولم يأت، قالوا للأرملة البقية في حياتك، ذهب هو بقيَت الأرملة، فالمُتنبيء قال ليس سهلاً أن تكون بطلاً، وليس سهلاً أن تكون كريماً، وليس سهلاً أن تكون عالماً، وليس سهلاً أن تكون مُقاوِماً وأن تكون قائداً وأن وأن وأن وأن، قال هذا ليس سهلاً، لماذا يا مُتنبيء؟ لماذا يا أحمد – اسمه أحمد – تقول هذا؟ قال كل شيئ عنده ثمن، لماذا الدنيا شريرة؟ بالعكس الدنيا حلوة والله، وكله بمبي كما يُقال، هي من أجمل ما يكون، هو هكذا، هذا جمال الإنسان، جمال أن نكون بشراً، افترض العكس الآن، كل شيئ يتهيَّأ لك ويتسنَّى بمُجرَّد التوجه، كأن تقول أنا وقفت اليوم مثلما وقف هذا وهذا وهذا وأُحِب أن أقوم أُؤذِّن لهم، لماذا هذا السعودي يُؤذِّن؟ هل هذا السعودي أحسن مني؟ أذَّن بمقام حجاز جميل جداً، تقول الله أكبر وتخرج معك من أحلى ما يكون مثل عبد الباسط، هذا خرج معك بسهولة، ثم أنني أُريد أن أصعد المنبر وانتقده بخُطبة ليس لها أي مثيل من قبل، وبالفعل صعدت وقلت، لماذا؟ هل تعرف لماذا؟ لأن كل ما تقرأه تحفظه وكل ما تقرأه تفهمه ولا تنساه ثم لا تتعب، تجلس وتثني الركبة لثلاثين ساعة دون نعس أو تعب، تثني الركبة وتأتي بالكتب، كم قرأت اليوم؟ والله ثلاثة آلاف صفحة والحمد لله، وكله محفوظ، لو كان الأمر على هذا النحو أنا أقول لك لا أنت ولا نحن سنرى فيك ما يُوحي، لن يراك أحداً بطلاً، أليس كذلك؟ تخيَّل أنت إنساناً على هذا النحو، سنُبسِّط لأن سيُقال هذا ليس بطلاً وليس عنده شيئ، إذا رأينا مُلاكِماً أول ما قفز على الحلبة وأمامه خصمه ضربه بالضربة القاضية وجاء الحكم رفعه مُعلِناً الفوز هل ستُحِبون هذا البطل أم تُبغِضونه؟ لن تُحِبونه، هل ستحبون أن تحضروا له مرة ثانية؟ لأ، البطولة فيها مُصاوَلة وفيها عقبات وفيها تحديات وفيها توترات وبعد ذلك نصيح ونُستثار، أليس كذلك؟ لو رأيتم رجلاً عدّاءً دخل ميدان العدو وإذا به كالغزال وفات الأرنب ثم لم يعد، كأنه يطير ودخل في الصحراء، ما هذا البطل؟ لن يأتي به أحد مرة ثانية لكي يتسابق، لم يُحدِث عندنا أي توتر، التوتر – علماً بأنني أحكي كلاماً علمياً فانتبهوا لكن هذه أمثلة لكي لا تنسوا – شيئ مُهِم وجميل في حياة الإنسان، وسوف أقول لك كيف تتوتر، أنت لا تشعر بشيئ إلا بالتوتر، ولا تُنجِز شيئاً إلا بالتوتر، جلستك الآن وأنت تسمع هذه الخُطبة الثقيلة المُمِلة والطويلة توتر، هنا يُوجَد توتر، فهمنا وسمعنا أشياء جميلة وأشياء ليست جميلة، نُريد بماذا سوف يختم، قال لنا هناك نُقطة مُهِمة جداً، إذن هناك توتر، لو هذا التوتر زال بالكامل هل تعرف ما معنى هذا؟ ينقطع الوتر، إذا نقطع سوف تقوم وتقول احملوني وتقول لي مع السلامة لن أعود لك مرة ثانية لأنني مُتعَب وسأذهب، هذا هو التوتر، الإنسان يعيش بالتوتر، هنا ادخل في علم النفس التعليمي وعلم النفس الفسيولوجي وما إلى ذلك وسوف تعرف كيف يعيش الإنسان بالتوتر بين القطبين، والكون كله يعيش بالتوتر، الموجات كالموجات الصوتية والكهرومغناطيسية كلها قمة وقاع، أليس كذلك؟ هذه البطولة توتر أيضاً، أوشك على أن يغلب ثم غُلِب، هذا الشيئ الجميل، المُقريء بدأ يقرأ حتى قُطِعَ نفسه، وحين ينقطع نرثي له ولعلنا نشمت فيه إذا كنا لؤماء، فبعض الناس عنده سعادة لئيمة، يجد السعادة في أن يشمت بالآخرين، يفرح ويقول نفسه قصير، فرح هو الآن رغم أنه ليس عنده أي نفس أصلاً، الآخرون يحزنون من أجله، لكن عبد الباسط طلع بصوته وأتى بالجواب لأعلى فاقشعر بدننا وسقطت الدموع، ثم نزل إلى القرار فبكينا، أليس كذلك؟ هذا هو الجمال، لو أحد أول ما بدأ بدأ بجواب وظل في الجواب بدون قرار سوف تقول هذا أهبل، هذا المُقريء أهبل أو هذا المُغني أهبل، أليس كذلك؟ ما هذا؟ أتى بدءاً من بسم الله بالجواب، يصعد بالجواب دون أي قرار، ظل يقرأ بالجواب، وماذا بعد يا بُني؟ لم يحدث بكاء هنا، أليس كذلك؟ حين يُوجَد قرار يختلف الأمر، قال تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ۩، هذا توتر Tension، في الشهيق والزفير يُوجَد توتر، وكذلك في كل شيئ، حين تأتي أهلك يحدث توتر، حين تدخل الحمام مع الضغط يحدث توتر، الأكل والشرب وكل شيئ فيه توتر، المشي فيه توتر، أنت لا تمشي إلا بهذا التوتر، أليس كذلك؟ نعم تُقدِّم قدماً لكن وأنت تُقدِّم الأولى لابد من أن تُؤخِّر الأخرى، هذا لابد منه، بهذا التوتر بين الأمام والخلف يتم المشي، كل الحياة وكل الكون يقوم على هذا، أي على الين واليانغ، على السالب والموجب، أليس كذلك؟ لابد من التوتر، إذا لم يُوجَد التوتر فإن الحياة لن يكون لها معنى، وهنا قد تقول لي هذا يعني أننا لابد أن نُسلِّم موضوع الجنة لله، وأنا شخصياً سلَّمته لله، لأنني في بعض الأحيان أجد بعقلي البشري الدنيوي الجنة مُمِلة جداً جداً جداً، لأن كل شيئ موجود ولا يُوجَد تعب وكل شيئ واضح وكل شيئ شفاف، أنت لكي ترى ممنوع أن يكون الكل شفافاً، أليس كذلك؟ تخيَّل ماذا سوف ترى لو كل شيئ كان شفافاً، لا شيئ طبعاً، لكي ترى ما في هذا الشارع لابد من نافذة شفافة والذي وراءها مُعتِم غير شفاف، لو كان هو الآخر شفافاً والذي وراء وراءها كان شفافاً لن ترى شيئاً، حين تنظر لن ترى شيئاً، أليس كذلك؟ هذا ما يحدث فيزيائياً، هل فهمت؟ لذا هذه الدنيا لا تمشي فقط بالنور وإنما بالعتمة أيضاً، لا تمشي بالعلم وحده وإنما بالجهل أيضاً، لا تمشي بالقوة وحدها وإنما بالضعف أيضاً، لا تمشي بالحياة وحدها وإنما بالموت أيضاً، لا تمشي بالـ Up وحده وإنما بالـ Down أيضاً، مثلما تُوجَد في القصص عقدة، تأتيك العقدة وبعد ذلك يأتيك الجواب، أي حل العقدة، هذا هو العالم الإنساني، ولذا أنا فهمت سؤالاً طرحته ولم أقرأه مُنطرِحاً على جنبه أو على هذا – أي هذا السؤال – لكن أنا طرحته وجوابه وجدته عندي وكان واضحاً، لماذا مُنظِّمو المُبارات العالمية – مثل المُلاكَمة Boxing والمصارَعة والكيك بوكسينج Kickboxing وقتال الشوارع وإلى آخره – لماذا لم يأتوا لنا بواحد مثل أبي قدوم؟ هل سمعتم بأبي قدوم المصري؟ اذهبوا وابحثوا عنه، أعتقد أنه قد يكون أقوى رجل في العالم، لا أعرف قوته كم ألف حصان، شيئ مُرعِب، يحمل ألف أو ألفين أو ثلاثة آلاف كيلو ببساطة ويلعب بهم، شيئ مُرعِب، اقرأو عنه، يُوجَد كتاب كامل أُلِّف عنه، وتُوجَد مقاطع يوتيوب YouTube عنه، شيئ غير طبيعي، مُستحيل أن يظهر في مصر وطبعاً من المُؤكَّد أنه لن يظهر لا في أمريكا ولا في أوروبا على حلبة، هذا لا يظهر لكي يُصارِع أو يُلاكِم وإنما لينخز فقط، حين ينخزك تموت وتخر لليدين وللفم، تخر لليدين وللفم ميتاً، لم يقم أحد من مُنظِّمي المُباريات وهم عيونهم على المبال طبعاً لكي يأتوا به، لأنهم يعرفون أن هذا لا يستثير الناس، أليس كذلك؟ اتضح أنه نقّار، نقره فمات، ستقول الله يلعنه ويلعن مَن نظَّم هذه المُباريات، ذهب علىّ خمسين دولاراً، الله يلعنكم أتيتم لنا بنقّار ضرب خصمه فانتهى، الناس لا تُريد هذا، الناس تُريد بطلاً قابلاً لأن يُهزَم، أليس كذلك؟ تايسون Tyson هُزِم، محمد علي كلاي Muhammad Ali Clay هُزِم، فريزر Frazier هُزِم، تُريد بطلاً قابلاً لأن يُهزَم، القابل لأن يُهزَم حين ينتصر يُحقِّق البطولة، هل فهمتم؟ هذا معنى البطولة.

الروبوت Robot لا يُستغرَب منه، أنت تستغرب – مثلاً – من أبي محمد أم تستغرب من جوجل Google؟ من أبي محمد، جوجل Google لا يُستغرَب منه، حين تسأله عن أي مسألة في لحظة يأتي لكل بها، ملعون جوجل Google، تكتب له كلمة خطأ يأتي لك بالصحيحة، كأنه قرأ الذي في رأسك، لكنه لم يقرأه، هي كلمة معروفة، في لحظة يأتي لك بها، أي حديث أو أي بيت شعر يأتي به في لحظة، ما أوسع هذا الجوجل Google، ما هذا الدماغ؟ مَن الذي رباه؟ لا، أنت لا تستغرب من جوجل Google وإنما تستغرب من أبي محمد، لأنه بشر وعنده ذهن محدود وقابل لأن ينسى، أليس كذلك؟ كيف قدر على أن يحفظ؟ كيف قدر على أن يفهم هذه الأشياء بالجهد الذاتي؟ هذا ليس روبوتاً Robot، الروبوت Robot لا يُمكِن أن يكون بطلاً، يكون بطلاً في الأفلام الفارغة الأمريكية، هذه الأفلام كلها سخيفة، مثل Iron Man وما إلى ذلك، لكن الروبوت Robot لا يُمكِن أن يُصبِح بطلاً، والإنسان المُروبَت لا يُمكِن أن يكون بطلاً ويُلهِمنا، يُلهِمك سبارتاكوس Spartacus أو عنترة بن شدّاد أو عليّ بن أبي طالب أو صلاح الدين أو خالد بن الوليد، أليس كذلك؟ هؤلاء هم الأبطال الذين يلهمون الإنسان، لماذا؟ لأن الواحد منهم قابل للانكسار وقابل للهزيمة، أليس كذلك؟ ضعيف هش، هو كائن بشري في النهاية وحقَّق النصر، ويوم ينكسر يرتقي من رُتبة بطل إلى رُتبة أيقونة Icon وشهيد كما يحدث أحياناً، أليس كذلك؟ يُصبِح هو الشهيد، علماً بأن أعظم الشهدء عند الأمم ليس الذين انتصروا وإنما الذين ماتوا وانكسروا، أليس كذلك؟ يُعظِّمونهم كثيراً، لأن هو هذا، هذه حياتك الإنسانية، هذا الشرط الإنساني الذي أُسميه الشرط الإنساني الواسع الذي أفهم به نفسي وأفهمك به وأدرك به نعمة الله علينا فيما نُسميه شراً من الانكسار والفشل والضعف والعقبات والشر الإنساني والشر الطبيعي و و و و و وإلى آخره، أليس كذلك؟ أرأيتم هذا الشاب الذي بلا يدين وتقريباً بلا رجلين؟ ربع إنسان، كم ألهم البشر، كم ألهمنا، كم أبكانا وكم أسعدنا، كم قزَّمنا أمام أنفسنا، كم أشعرنا بأننا نعيش في غفلة تامة عن نعمة الله علينا، أليس كذلك؟ عظمة، عظمة إنسانية في الشرط الإنساني الوسيع.

المُلحِد حين أنكر الشر وغضب عليه وطوَّر غضبه وصاعد به لإنكار الله نفسه لا إله إلا هو – أستغفر الله العظيم – وقع سؤال الآن، هذا السؤال الذي طرحه على نفسه المُفكِّر العظيم العالمي سي. إس. لويس C.S. Lewis ونقله من الإلحاد إلى الإيمان بعد أن ألحد على أساس الشر، سأل قائلاً أنا حين أنقم على الشر وأُنكِر الشر وأكره الشر كيف عرفت أن الشر شر؟ إذن يُوجَد معيار، وهو معيار موضوعي، ليس معياراً مُصطنَعاً وقابل للعب عليه ولا يتغيَّر من بيئة إلى بيئة ومن مكان إلى مكان، يُوجَد معيار موضوعي، يُوجَد شر ويُوجَد خير، وبالقياس إلى هذا الخير الأعلى كل ما لا يتطابق معه أو ينتهكه يُعتبَر شراً، قال هذا المعيار الموضوعي ما هو؟ ومَن الذي وضعه؟ وأين هذا المعيار؟ وهذا المعيار هو الضمانة الأخلاقية، قال بغير الإيمان بالله والتسليم بوجوده نفقد هذا المعيار، لن يُوجَد هذا المعيار، مع العلم بأن كل الملاحدة الأقوياء – Strong – الأشداء الصادقين في إلحادهم والصادقين مع جماهيرهم ومع قرّائهم قالوا هذا، وأشهرهم نيتشه Nietzsche – فريدريك نيتشه Friedrich Nietzsche – في كتابه ما وراء الخير والشر، صرَّح وكان واضحاً جداً وكان صادقاً ومُصيباً – أصاب بنسبة مائة في المائة – وقال أنك إذا أنكرت وجود الله لن يُمكِنك بعد ذلك الحديث عن خير وشر، لن يُوجَد شيئ اسمه خير أو شر، هذا كله كلام فارغ، هذا انتهى الآن، تُصبِح الأمور كمُواضَعات اجتماعية، المُجتمَع لكي يقدر أن يتعايش ويتعاون مع بعضه سيحتاج إلى أن يتعرف على بعض القيم وإلا يطرد مُنتهِكي هذه القيم، هذا هو فقط، لكن لا تُوجَد معايير موضوعية، حتى العدالة غير موجودة، لا يُوجَد شيئ اسمه عدالة، لأن العدالة خير أيضاً، لكن هذا كله انتهى، كلها ستُصبِح أموراً نسبية مُتحرِّكة ليس لها قدسية وليس لها ثبات، سوف تُصبِح عائمة، هذا هو نيتشه Nietzsche، اقرأ كتابه أو لا تقرأه وإلا قد تُلحِد، اسمه ما وراء الخير والشر، لو لم تفهمه قد تُضلَّل، ومثله جان بول سارتر Jean-Paul Sartre في كتابه الوجودية، في الوجودية – ليس الوجود والعدم وإنما الوجودية – قال أنا أبصم بنسبة مائة في المائة، لكن سارتر Sartre بصم لمَن؟ لمَن كان قبله وهو دوستويفسكي Dostoevsky، دوستويفسكي Dostoevsky في الإخوة كارامازوف على لسان بطله إيفان Ivan ماذا قال؟ قال عبارة شهيرة وهي إن لم يكن الله موجوداً فكل شيئ مُباح، وهذا صحيح طبعاً، الله هو الضمانة النهائية والوحيدة المُطلَقة لقيم مُطلَقة، إذا لم يُوجَد إله لن تُوجَد ضمانة وينتهي الأمر، كل شيئ مُمكِن ومفتوح، سارتر Sartre قال أنا أبصم وأُوافِق على كلمة إيفان Ivan، أي إيفان دوستويفسكي Ivan Dostoevsky، قال هذا صحيح، نحن نصنع قيمنا ونحن نُصبِح مصدر قيمنا، هذا هو فقط، وهذه القيم ستظل مُتحرِّكة، وهذه نزعة براجماتية خطيرة جداً في الأخلاق وهي عدمية مُخيفة، ولذلك أنا قلت ذات مرة في خُطبة من قبل أن الفيزيائي المُلحِد ستينجر Stenger سألوه سؤالاً مُقزِّزاً وجاء الجواب أكثر تقزيزاً، قالوا له هل من المُمكِن أن تنتهك عِرض ابنتك؟ وطبعاً هم كما يقولون يُناوِرون مُناوَرات، هم يُفرِّقون بين السن القانونية والسن غير القانونية، حين تُصبِح راشدة مالكة لأمرها وابنة سبعة عشر أو ثمانية عشر في بعض البيئات، قال إذا كانت بنت ثمانية عشر وهي تُريد وأنا أُريد لا بأس، أستغفر الله العظيم، شيئ مُقزِّز، وأنا قلت هذا جيد لأن هذا هو وعد الإلحاد، هذا صادق مع نفسه كمُلحِد، هذا هو الإلحاد، وهذا ما يعد به الإلحاد المُجتمَعات، داروين Darwin – تشارلز داروين Charles Darwin – أبو هؤلاء لأنه أعطاهم إطاراً علمياً لإلحادهم طبعاً بإنكار التصميم الإلهي للكون ولكل شيئ، في كتابه The descent of man – أي تحدّر الإنسان بمعنى نشأة الإنسان صرَّح – وأنا سأذكر هذا في السلسلة الثانية – بشكل واضح قائلاً سيأتي لا محالة – هو آتٍ آتٍ – ذلك اليوم الذي تغلَّل فيه وتسود الأعراق القوقازية البيضاء المُتحضِّرة على الأعراق البربرية – Barbaric races – الأُخرى، وسوف تُفنيها، سوف تُلاشيها، وسوف كذا وكذا، وهذا شيئ مُخيف، هذا مُخيف جداً جداً جداً، مثل هذه الأفكار هي التي سمحت لأمثال هتلر Hitler أن يركبه جنون القضاء على عرق كامل، أراد أن يُنهي اليهود بالكامل، النوّر أو الغجر – Gypsies – كذلك أراد أن يُنهيهم، وكان يُريد أن يفعل هذا بالعرب، كان في باله أن يفعل هذا بنا، المُعوَّقون قال ليس فيهم فائدة Useless ولذا لابد أن يُعقِّمهم وأن يُنهيهم بالكامل، شيئ مُخيف مُرعِب، هو هذا، بالعكس الرجل مُتسِق مع إلحاده، هذه حالة اتساق وحالة صدق مع تأسيسه الإلحادي ومع مبادئه الإلحادية التطورية، هو هذا، لا تقل لي أخلاق وما إلى ذلك، أي أخلاق هذه؟ إذا كنت تتحدَّث عن الأخلاق فعلاً وعندك مرجعية موضوعية حقيقية هذا يعني أنك لابد أن تبقى مُؤمِناً بالله، ولك أن تتخيَّل هذا، هذه مسألة كبيرة وورطة رهيبة، فاتضح أن في قلب مُشكِلة الشر ما يُثبِت وجود الله تبارك وتعالى، مُجرَّد اعتراضك على وجود الشر في الكون وإنكارك له وشجبك له وكذا وكذا يُؤكِّد على وجود إله هو الذي يُشكِّل مرجعية الخير الأسمى The supreme good، هو الذي يُشكِّل مرجعية مُطلَقة للقيم الكُلية المُطلَقة، ومن غيره لا يُمكِن القول بهذا.

ألبير كامو Albert Camus قال نفس الشيئ مثل سارتر Sartre، ريتشارد دوكينز Richard Dawkins قال نفس الشيئ وقد صرَّح بهذا، أحياناً يُنوِّر وأحياناً يُصرِّح، قال لأن لا يُوجَد إله – على أساس أنه يُؤمِن بهذا تماماً بنسبة تسعة وتسعين في المائة كما قال ذات مرة أو بنسبة خمسة وتسعين في المائة – وبالتالي لا يُوجَد خير ولا يُوجَد شر، إذن ماذا يا دوكينز Dawkins؟ قال لامُبالاة قاسية، الكون لا يُبالي، الحياة لا تُبالي، أنت مُجرَّد روبوت Robot، أنت مُجرَّد عربة تركبها جيناتك – يُريد The Selfish Gene – وأنت تتراقص وتتمايل على أنغام الجينات Genes الخاصة بك، وهذا يعني أنني حين أقتل الصغار وأشويهم وآكلهم أيضاً وأبيعهم – لو فعلت هذا لا قدَّر الله، هذا شيئ مُخيف مُرعِب، وهذا أسوأ الكوابيس الذي لا يُمكِن أن يعرض لإنسان طبيعي – لن يكون لأحد الحق أن يلومني، لماذا تلومني؟ أنا لست صورة الله، لست ذلك المُقدَّس، لست ذلك الكائن الأخلاقي، أنا مُجرَّد عربة تركبها الجينات Genes الأنانية، أليس كذلك؟ إذا كان من ملام وتُريد أن تلوم اذهب لم الجينات Genes، لا تلم علىّ ككائن واعٍ مُقدَّس وكأنني صورة من الله وعندي التزامات أخلاقية، لا يُوجَد هذا الكلام، هكذا أنت علَّمتني، أليس كذلك؟ علماً بأن هذا تجلى في أفعال كثيرة فعلها بعض الشباب الملاحدة، أفعال عدمية رهيبة مثل هذه، لأن الواحد منهم اقتنع بهذه الأفكار السخيفة، وهذا شيئ مُخيف، وعد مُرعِب جداً جداً جداً، ولذلك أُذكِّر وأقول أعظم المذابح في تاريخ الدنيا مَن الذي قام بها؟ هل قام بها الباباوات؟ هل قام بها المُسلِمون؟ هل قام بها رجال الدين؟ لأ، الملاحدة، طبعاً الملاحدة، ستالين Stalin وماو Mao وبول بوت Pol Pot الذي قاد في كمبوديا الخمير الحمر، أليس كذلك؟ وكذلك الحال مع هتلر KHitler الرجل كان مُلحِداً عملياً، ادّعى أنه كاثوليكي لكنه كان مُلحِداً، سلوكه وأفكاره كلها إلحادية، الإلحاد فعل هذا، وأعظم الحروب في التاريخ وأكثرها ضحايا لم يُسعِّر نيرانها رجال الدين والمُهوسون بالغيب والسماء، الذي فعل هذا التنويريون العلمانيون الذين يعيشون في العالم المُتحضِّر في القرن العشرين في الحرب العالمية الأولى وفي الحرب العالمية الثانية، وضحاياهم مُعظَمهم على الإطلاق من الجنس الأبيض، أليس كذلك؟ ليس من الجنس الأحمر أو الأصفر أو الأسود، وإنما من الجنس الأبيض، أي منهم، ولذلك أنا لم اقتنع أبداً ولن أقتنع بالتبريرات التي هي فقط مُجرَّد ذرائع وديباجات، كأن يُقال لماذا الغرب استعمر الشرق؟ لماذا الغرب استعمر آسيا واستعمر إفريقيا؟ ولماذا قتل ودمَّر الهنود الحُمر ودمَّر سكان أستراليا الأصليين Aboriginal natives؟ قيل لأنه كان مُقتنِعاً ببعض النظريات العنصرية والعرقية التي لا تزال كذا وكذا، وهذا كله كلام فارغ، ويتحدَّثون عن عب الرجل الأبيض وما إلى ذلك وهذا كله كلام فارغ، أنا أقول لكم بصراحة بكلمة واحدة احفظوها وناقشوني فيها أنه فعل هذا لأنه وجد أنه يستطيع أن يفعل ولم يجد عنده ما يردعه أن يفعل، لا تُوجَد روادع إلهية حقيقة عنده، كأنه قال عندي القوة وعندي المجال لأفعل ففعلت، أباد أمماً من على وجه الأرض واجتث خضراءهم مثل كل الهنود الحُمر تقريباً وسكان أستراليا بالكامل، أليس كذلك؟ لأنه استطاع أن يفعل، فقط هذا هو العقل الأداتي، هذا هو العقل المُعلمَن والعقل المُلحِد في جوهره وإن اتخذ العلم أحياناً والدين ديباجات أيدلوجية تبريرية لا قيمة لها ولا يُضحَك بها إلا على الناس السُذّج شديدي البساطة.

إذن في نهاية المطاف أختم بجُملة، كما أن في قلب كل مُؤمِن عوامل شك تُوجَد عوامل شك في قلب المُلحِد، هل يُوجَد مُؤمِن لا يشك بالمرة؟ لا، يُوجَد شك أحياناً، يحدث شك وتحدث تساؤلات وهذا طبيعي، ويُطالِب الملاحدة المُؤمِنين بأن يحترموا شكوكهم، يقولون احترموا شكوككم، كونوا صادقين مع شكوكم، ونحن عملنا خُطبة عن توقير الشك والحق في الشك وقد أسميناها الحق في الشك، نحن ليس عندنا مُشكِلة في هذا، والقرآن هو الذي أفهمنا هذا، القرآن ضرب لنا أمثلة عملية، لكن في المُقابِل – وهذا هو الأخطر وهذا ما لا يُقال للناس – في قلب إلحاد كل مُلحِد شكوك إيمانية، أليس كذلك؟ أي أن ف النهاية الشكوك تعمل لصالح الإيمان ضد الإلحاد، ماذا نقول له نحن؟ احترم شكوك الإيمانية يا مُلحِد، أليس كذلك؟ احترمها وكُن صادقاً معها وحاول أن تُصعِّدها وحاول أن تُناقِشها وسوف نرى إلى أين ستذهب بك، سوف نرى هذا، في نهاية المطاف لدينا نموذج الإيمان ونموذج الإلحاد، نموذج الإيمان لدى المُؤمِن الشر فيه – كما قلنا – عدمي – ولو في جزء منه – إضافي نسبي وغير مفهومة الحكمة بالكامل، في المشهد الضيق قد يبدو مُزعِجاً، لكن في المشهد الواسع لو أُتيحَ لنا أن نشهده سيبدو معقولاً ومقبولاً، ثم هناك التكفير عن ما يُصيب المُؤمِن من شرور أخلاقية أو شرور طبيعية، أي التكفير عن ذنوبك، وهناك الإنضاج الروحي والنفسي للإنسان بهذه الأشياء وبالمُعاناة، أعني ما أسميناه الشرط الإنساني الوسيع، هناك الأعواض في الآخرة وهذه مُهِمة جداً في الرؤية الكونية الدينية فالمسرحية من فصلين، فصل قصير سريع وهو الدنيا وفصل مفتوح على الأبد اسمه الآخرة وهما مُتصِلان، أليس كذلك؟ هناك التعويض، الأعواض في الآخرة، تعويض عن كل شيئ، ولدينا أشياء أخرى كثيرة جداً جداً جداً، ويُوجَد النموذج الإلحادي، لا عزاء ولا أمل ولا تعويض، اللامُبالاة القاسية، الجينات Genes تفعل هذا، التطور يفعل هذا، هذا يحدث بحكم التطور وبحكم الله غالب كما يقول البعض وإن كان هؤلاء لا يُؤمِنون بالله لكن هذا هو الحاصل، بالله عليك أين المُشكِلة الحقيقية للشر؟ هل هي في نموذج الإيمان أم في نموذج الإلحاد؟ كُن واضحاً مع نفسك ولا تُجامِلني، في الإلحاد طبعاً، يقول سي. إس. لويس C.S. Lewis يوم أدركت أن إنكار الشر في قلبه يمثل التسليم لله وافتراض الله كفرضية نبدأ منها ثم انتهيت إلى أن مُشكِل الشر يزداد إشكالاً وتعذيباً وتعقيداً مع الإلحاد والنفي لله عُدت إلى طريق الإيمان، فصار عندنا شخص مُؤمِن خطير ونادر وفي مُنتهى القوة الحجاجية اسمه سي. إس. لويس C.S. Lewis وأصبح يُدافِع عن الإيمان دائماً ويُناقِش هذه القضية أحياناً بطرق غير مسبوقة وجميلة جداً وعنده مجازيات وأشياء فعلاً غير مسبوقة وهي في مُنتهى الروعة، لكن الغريب والمُفارَقة أن الذي قاده إلى الإيمان هي مُشكِلة الشر التي حملت مُعظَم الملاحدة على أن يُلحِدوا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرَّجته ولا كرباً إلا نفَّسته ولا ميتاً إلا رحمته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا رددته ولا أسيراً إلا أطلقته ولا مُبتلىً إلا أجرته في مُصيبته وبلواه وثبَّت إيمانه ويقينه برحمتك يا أرحم الراحمين، اصرف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واختم لنا لوالدينا وإخواننا وأخواتنا وسائر المُسلِمين والمُسلِمات بخير إنك على كل شيئٍ قدير وبالإجابة جدير.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهى الجزء الثاني والأخير من الخُطبة بحمد الله)

 

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: