إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ۩ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ۩ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۩ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

أخرج الإمام مُسلِم في صحيحه، من حديث الصحابي الجليل سُفيان بن عبد الله الثقفي – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، أنه قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. أو قال أحداً بعدك. فقال له – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – قل آمنت بالله، ثم استقم. هذا هو جوهر الدين، هذه هي خُلاصة وصية النجاة، طريق النجاة؛ الإيمان أولاً، ثم الاستقامة على صراط الإسلام والإيمان، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۩، هذه هي الاستقامة، الاستقامة على سواء الصراط.

وأخرج الإمام الطبراني، أبو القاسم، في مُعجَمه الكبير، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – شيبتني هود. فقيل يا رسول الله ما الذي شيبك فيها؟ سورة طويلة هذه، فيها عشرات الآي، فما الذي شيبك فيها؟ قال – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – قوله – تبارك وتعالى وجل وعز – فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۩. لم يجعل الله له – تبارك وتعالى – الخيرة في أمر الاستقامة، أن يستقيم كما يُريد، كما يهوى، كما يميل، كما يُحِب، أو حتى كما يستطيع، بل قال له كَمَا أُمِرْتَ ۩، فشاب شعره – عليه الصلاة وأفضل السلام – لأجل ولمكان هذه الآية الجليلة.

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۩، سبيل الاستقامة – إخواني وأخواتي – هي سبيل المُتقين، وهي سبيل أولياء الله الصالحين، الذين لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۩ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ۩، فجوهر التقوى الاستقامة، جوهر التقوى الاستقامة!

ولذلك مَن حدَّثكم أو وسوس إليكم أو زخرف لكم القول أو سوَّل لكم، من نفسٍ أو وحي شيطان من شياطين الإنس أو الجن، أن النجاة والسعادة والظفر والفلاح والقُرب من الله – تبارك وتعالى – قد يكون بمحض نعمة، وإن خالف المرء في باب الأمر والنهي، وجعل حبله على غارب هواه، واحتطب في حبل هواه، ما اشتهت نفسه ومالت إليه من الذنوب، صغيرها وكبيرها، لأنه محبوب مُقرَّب، وقد يكون من أهل مَن زُعم أن التكاليف تُوضَع عنهم، فذا وبالله العظيم الكريم مُنزلَق جهنم، مُنحدَر جهنم، وجوهر الزندقة، هذه هي الزندقة.

وقد يُسارِع أحدكم أو بعضكم إلى القول؛ وهل ثم في المُسلِمين مَن يُمكِن أن يصدر منه هذا القيل؟ للأسف موجودون، للأسف موجودون! كنا نحسب أنهم ذهبوا مع أمس الدابر، ذهبوا في الدهر الأول، جماعات من الزنادقة، وجماعات من الإباحية، الذين اندسوا في أوساط السادة الصوفية – حيا الله السادة الصوفية وبياهم -، على أن السادة الصوفية، كسائر فرق أهل الخير والبر من المُسلِمين، يشتبه بهم مَن ليس منهم ويندس فيهم مَن ليس منهم على الحقيقة، هذا موجود في كل الطوائف، حتى الأصحاب – رضيَ الله عنهم وأرضاهم – اندس فيهم المُنافِقون، اندس فيهم المُنافِقون الكذّابون الملاحدة المُتزندِقون، فكيف بالصوفية؟ وكيف بعلماء الظاهر؟ وكيف بالمُجاهِدين؟ وكيف بالواعظين، والقصّاصين، والأمّارين، والنهّائين، والدُعاة إلى الإسلام؟ كل هذه الطوائف لا تخلو مِمَن اندس فيها، وهو على الحقيقة ليس منها.

ولذلك الإمام الجليل المُجتهِد الكبير في وقته على صغر سنه، عبد الوهاب تاج الدين السُبكي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، ونزعته الصوفية ظاهرة جداً، يطفح بها كتابه الطبقات الكُبرى، وغير الطبقات الكُبرى – ذكر في مُعيد النعم ومُبيد النقم، عن أبي محمد الجويني – وهو والد إمام الحرمين عبد الملك الجويني، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وكان فقيهاً كبيراً، وهو صاحب موسوعة عظيمة في الفقه الشافعي، طُبعت في عشرين مُجلَّدة، هذا أبو محمد الجويني، أبو إمام الحرمين، الذي هو أستاذ الإمام الغزّالي، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – أنه قال لا يُوقَف على الصوفية. الصوفية لا يصح الوقف عليهم، أي أن تقف عليهم بُستاناً أو أرضاً أو أي شيء، لا يُوقَف عليهم. لماذا؟ يُوقَف على سائر الطوائف من أهل الخير والبر، ولا يُوقَف على الصوفية؟ والصوفية بتعبير الإمام السُبكي أشراف هذه الأمة، خُلاصة هذه الأمة، أفضل هذه الأمة، ثم تقول لا يُوقَف عليهم! قال لا يُوقَف عليهم، لأنهم لا حد لهم يُعرَفون به – مَن هم بالضبط الصوفية؟ -، لكثرة مَن اندس بهم وتشبه بهم وليس منهم. تشبه بهم وليس منهم! إن المُندَسون في الصوفية كثيرون جداً، من هؤلاء المُندَسين زنادقة مُنحَلون.

يقول الإمام السُبكي ولأجل هؤلاء الذين تشبهوا بهم وليسوا منهم واندسوا بينهم وفي أنحائهم وليسوا من صميمهم، وقع سوء الظن بهم – أي بالسادة الصوفية -، وأعظم بعض الناس مِمَن لم يُرزَق التوفيق والبصيرة الصادقة، أعظم النكير عليهم بغير حق. بغير حق للأسف الشديد! قال في هؤلاء المُندَسين والمُتشبِّهين قال الإمام الشافعي – والشافعي لا يذم العبّاد الزهّاد أو المُتصوِّفة، إنما يذم هؤلاء المُندَسين المُتشبِّهين الكذبة -، قال في واحدهم أكول نؤوم كثير الفضول. أهذا التصوف؟ أكل، ونوم، وكثرة فضول؛ تتدخل في كل ما لا يعنيك؟ شيء غريب! التصوف عكس هذا تماماً، التصوف كله أدب، كله أدب؛ مع الله، ومع النفس، ومع الخلق، وحتى مع الأشياء، وحتى مع الأشياء! التصوف كله أدب. هذا فضول، ليس من الأدب، هذا يقتل الأدب في مقتل، يُصيبه في مقتل.

قال وفيهم قال أبو المُظفَّر بن السمعاني – الفقيه والأصولي، العلّامة الكبير، نادر المثال، الشافعي، رضوان الله عليه، قال أبو المُظفَّر بن السمعاني الآتي في هؤلاء أيضاً المُتشبِّهين والمُندَسين – نعوذ بالله من العقرب والفار، ومن الصوفي إذا عرف باب الدار. لأنه فضولي، يُحِب أن يعيش على أموال الناس وعلى مطاعمهم ومشاربهم – والعياذ بالله -، أهذا هو التصوف؟ هؤلاء هم المُندَسون.

قال وفيهم قال شيخنا أبو حيان – يعني الأندلسي، النحوي، صاحب البحر المُحيط، والنهر الماد من البحر المُحيط، المُفسِّر الجليل العلّامة – أكلة بطلة سطلة. مسطولون! لأن كثيرين منهم كانوا يتعاطون الحشيش ولا يزالون. أكلة بطلة سطلة. أي هم مسطولون كما نقول الآن بالعامية. سطلة! قال لا شغل ولا مشغلة. الكلام وهذا الذم وهذا النكير في هؤلاء المُندَسين المُتشبِّهين.

كنا نظن أن هؤلاء المُندَسين المُتشبِّهين والمُتزندِقين والإباحية الكفرة – والعياذ بالله – قطع الله دابرهم – كما قلت – وذهبوا مع أمس الغابر أو الدابر. للأسف هذا صح عندي من بعض مَن أثق بدينه وعقله وذوقه وضميره من إخواني، الذين انتسبوا إلى بعض هاته الطرق الصوفية، زُهاء عشرين سنة، ثم فارقها لما علم – والعياذ بالله – إباحيتهم. هو طيلة عشرين سنة يتغوَّلون ماله ومال غيره، كان يُعطي عن رضا وسماح وطيبة نفس، وذكر لي أنها أموال كثيرة، أي في الواقعة الواحدة قد يُكلَّف هو وأمثاله بألف يورو، يُقال ادفع، ادفع، ادفع، ادفع… دائماً! طيلة عشرين سنة – قال – ونحن ندفع، ولا تُوجَد مُشكِلة، ندفع! فربما هذا لوجه الله، ربما هذا يستفيد به هؤلاء الفقراء في موالد وفي أشياء، لا بأس. لكن – قال – بعد عشرين سنة، حق عندي وتيقنت – أنا وغيري – أنهم إباحية، يستبيحون الفروج، يقعون على النساء والفتيات اللاتي أُخِذ عليهن العهد معهم في الطريق. يا رجل! قال بيقين.

وإذا بهم يُبرِّرون بأن هذا من باب اختلاط الأنوار، لأن الشيخ عنده نور عظيم، وعنده سر كريم، ولا بد أن يُنقَل هذا النور والسر إلى الأخوات، عن طريق الفاحشة. ولا يُسمونها فاحشة طبعاً، يقولون هذه محبة. كل شيء يا إخواني يُطلى بطلاء المحبة؛ أن هذا من باب المحبة!

قال لي هذا الأخ الفاضل فإذا قيل لهم واعتُرض عليهم بأن هذا مُخالِف للأمر والنهي ولما كان عليه الرسول وأصحابه وأئمة هذا الدين من عند آخرهم، قالوا كلا، أنتم لا تعلمون، مثل هذا وقع من كبار الصحابة، من أبي بكر وعمر، ولكن أنتم لا تعلمون. ما شاء الله! من أين؟ آخر أُناس يتحدَّثون في الأسانيد والمتون والأحاديث والنقول ومنهجية العلم مثل هؤلاء الزنادقة والمُنحَلين، مثل هؤلاء الكذّبة الأفاكين الأثيمين، الذين رأينا بعضهم في هذه الأيام الأخيرة في مقاطع على اليوتيوب YouTube ينسبون إلى رسول الله ما يعلم ابن خمس أنه كذب وقاح وافتراء صراح، قال أحدهم نوح لما طفت به السفينة ومر على بلاد العالم، سأل ما هذا يا جبريل؟ قال هذه أستراليا. ما شاء الله! ما الهبل هذا؟ أين نعيش نحن؟ نحن في القرن الحادي والعشرين! والله العظيم يا إخواني الحُزن والكُباد يكاد يقتل المرء، أي لا يسوغ النصب والدجل، مرة باسم الإسلام السياسي، ومرة باسم التصوف والمحبة والعشق، إلا على المُسلِمين؟ أي أكثر أمة تُستغفَل، وأكثر أمة تُستحمَر وتُستغبى هذه الأمة؟ وللأسف الشديد، للأسف ولمليون أسف، ترى ألوفاً – ألوفاً من الناس – خلف هذا المعتوه الكذّاب الأثيم الأفّاك.

العلماء قالوا مَن تعرَّض للكذب على رسول الله مُتعمِّداً يُوشِك أن يكون خرج من المِلة. وبعضهم قطع بكفره. القول على الله وعلى رسوله خطير، والقول على رسوله كالقول على الله؛ لأن الرسول لا يأتي بشيء من لدنه، إنما هو مُبلِّغ، ولا يقول إلا ما قيل له. القول على الله وعلى رسوله بغير علم وبلا بُرهان ولا حُجة ولا سُلطان، قرين الشرك بالله. والله ذكر هذا في كتابه؛ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ۩. تُحلِّل وتُحرِّم وتقول هذا حصل وهذا لم يحصل! من أين لك هذا؟ قال أستراليا. ما شاء الله! أين؟ ائتني حتى بكتاب موضوعات، تالله وبالله ووالله لا يُوجَد هذا الكذب وهذا السُخف وهذه الغفلة حتى في كتاب موضوعات، لأنه من وضع هذا الزنديق الأفّاك الأثيم. قال والشيخ؛ الشيخ فلان. وهو مُعمَّم، وخلفه ألوف يهتفون كالأنعام، هؤلاء كالأنعام، عليهم أن يتعلَّموا الحد الأدن من دينهم، لئلا يضحك عليهم مثل هذا الزنديق.

مثل هؤلاء الزنادقة لا يتغوَّلون فقط أموالكم، بل عقولكم. وإذا تغوَّلوا عقولكم، تغوَّلوا أموالكم، ومن بعد أموالكم فروجكم وأعراضكم، وتركوكم – والعياذ بالله – ديوثين، بلا شرف وبلا عِرض وبلا غيرة. شيء غريب، لا يكاد يُصدَّق يا أخي، يحصل في أمة محمد، أمة فيها الوحيان؛ الكتاب والسُنة، إلى الآن، تتخبَّط في مثل هذه الظُلمات!

قال هذه أستراليا. قال مَن يحميها؟ قال تقريباً يحميها جُند من جنود كذا – لا، لا أُحِب أن أحفظ هذا الهبل -، وهذه كندا وهذه أوروبا. ما شاء الله على الأحاديث العصرية! ما شاء الله على تجديد الخطاب، هذا تجديد الخطاب، الكذب على الله ورسوله! وبعد ذلك قال وما هذه؟ قال هذه مصر. نعم مصر على نعمة ألف عين ورأس، ولكن مصر لا يُمكِن أن تُمدَح بالكذب على الله ورسوله. قال مَن يحميها؟ قال – وهو يمد صوته – الله. والصراخ بدأ، قالوا الله أكبر. الله أكبر عليكم، الله أكبر على الجهل. كل مَن يُكبِّر وكل مَن يُعجِبه هذا الكذب الوقاح الصراح، هو الذي يُمكِن أن يُغتال فرجه وعِرضه وهو لا يدري، ويُغتال دينه وبلده ووطنه وهو لا يدري. شيء غريب، لا يكاد يُصدَّق يا إخواني الذي يحصل فينا.

قال لك هذه محبة، من باب اختلاط الأنوار. أذكرني هذا بفرقة ذكرها أبو حفص بن شاهين، فيما نقل ابن الجوزي – رحمة الله تعالى عليه -. ذكر ابن شاهين الآتي عن فرقة من هؤلاء المُستصوِفة. لا أُحِب أن أقول لا الصوفية ولا حتى المُتصوِّفة، هؤلاء المُستصوِفة، الذين اندسوا، من الملاحدة والحلولية والإباحية، في فرق الصوفية الطيبين الصادقين، أهل الورع التام والبصيرة الكاملة، اندس فيهم الملاحدة والكذبة، وكما قلنا حتى الصحابة لم يكونوا معصومين أن يندس فيهم الملاحدة، من الزنادقة، الذين تسموا باسم الصحابة، وليسوا صحابة، الله قال للرسول لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ۩. طبعاً هذا هو، وفي الظاهر صحابي، وهو زنديق. فطبعاً الصوفية ليسوا معصومين، أن يندس فيهم هؤلاء الإباحية الزنادقة؟

فيقول أبو حفص بن شاهين وكانوا – والعياذ بالله – يُبيحون اختلاط النساء بالرجال، ويُبيحون النساء للرجال. مشاعية جنسية! ويقولون هذا من باب اختلاط الأنوار. أي لكي تختلط الأنوار، نُوزِّع الأنوار القدسية على بعضنا البعض. مَن عنده نور، فليُعطه، عن طريق الفاحشة، عن طريق الفاحشة! لا يقتضي الأمر ولا يستلزم أكثر من أن يمر ببصره – حتى لا يحتاج إلى بصيرة، بالبصر! بأقل الذكاء، بعشر ذكاء – المُوحِّد على كتاب الله – تبارك وتعالى -، فيوافي قوله – تبارك وتعالى – في يونس أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۩ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ۩، فيعلم أن الولي لا يكون ولياً، إلا إذا كان بعد إيمانه… ماذا؟ من جُملة مَن تحقَّق بتقوى الله. ثم يذهب يتصفح الكتاب الأعز الأجل في عشرات الآي، ليقف على نعوت وأصاف ومُحدِّدات المُتقين، وإذا هو يعثر من بينها على قوله – تبارك وتعالى – في سورة آل عمران وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۩، مَن هم يا رب؟ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ۩. المُتقون لا يتغولون أموال المُريدين، وأموال الناس. إذا رأيت الشيخ، سواء كان من علماء الظاهر، أو من علماء الباطن، من الصوفية، يتغوَّل أموال أصحابه ومُريديه، فاعلم أنه كذّاب، مُفترٍ كذّاب. الشيخ الحقيقي، سواء كان من أهل الظاهر، أو من أهل الباطن، يُعطي ولا يأخذ. أما الذي يأخذ باسم المشيخة، وبغير استحقاق، فهذا مُفترٍ كذّاب. بالعكس! الصوفية بالذات اسمهم الفقراء، لأنهم انخلعوا من الدنيا، ولم يُريدوا الدنيا، أما هؤلاء صوفية ويُصرِّحون بعكس ذلك.
أنا سمعت أيضاً من دكتور فاضل الآتي؛ قال لي سمعت هذا غير مرة، من أحد هؤلاء الكذّابين، وهو كبير في بلدتنا – أيضاً في مصر – وله عمائر كثيرة، عمارات هنا وهنا، بالملايين! ويقول بنيناها بحلاوة اللسان. أي بالنصب على الناس، نضحك على الناس. يدّعي أنه يرى الرسول في اليقظة، ويجتمع بالأنبياء والُرسل، وأنه قيل له وأُمِر أن يقول و… ما هذا يا أخي؟ دين الله تم وكمل عياناً بياناً، في النهار، في وضح النهار! الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ۩. لدينا كتاب ولدينا سُنة، لا نحتاج إلى أحد يأتي يقول ثمة شرع آخر، ثمة شيء وُضع وشيء رُفع. هذا كله كذب على الله، وانتقاص لشرعه المُبين. شيء خطير جداً يا إخواني – والعياذ بالله -!

إذن المُتقي الحقيقي له أوصاف؛ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، ثم قال وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ۩، ليس من شرط المُتقي ألا يقع في الفاحشة، وإلا كان نبياً، ليس معصوماً، ليس سيداً حصوراً، قد تقع منه الفاحشة، ولذلك لما سُئل شيخ الطائفة أبو القاسم بن محمد الجُنيد أيزني العارف؟ سكت هُنيهة، سكت! سؤال مُزلزِل، ثم رفع رأسه وقال وكان أمر الله قدراً مقدوراً. مُمكِن، مُمكِن! لأنه لو لم يُجِب بهذا، لأخطأ جادة الصواب. لماذا؟ لأنه لو لم يُجِب بهذا، ونفى وقوع الفاحشة من العارف، لعنى ذلك أنه يُقِر له بعصمة، من أين؟ ائتني بالدليل! مَن قال لك هذا؟ العصمة للأنبياء والرُسل، حتى الصحابة غير معصومين، وهناك صحابة زنوا، من الرجال والنساء، وتعرفون أحاديث زنا بعض الصحابيات وبعض الصحابة، وحُدوا! إذن العصمة للأنبياء. أبو القاسم بن الجُنيد – شيخ الطائفتين هو؛ شيخ أهل الظاهر، وأهل الباطن – كان يعلم علم رسول الله، وهو الذي قال علمنا هذا مُقيَّد، طريقتنا هذه مُشيَّدة، على – وهناك قال بــ – الكتاب والسُنة. وقال أبو القاسم الآتي فيما ذكره الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القُشيري في الرسالة المشهورة عند كل مُتصوِّفة العالم! أتتصوف أنت، ولم تقرأ حتى القُشيرية؟ اذهب يا رجل، اذهب يا شبه الأُمي. اقرأ الرسالة القُشيرية، فسترى فيها نقولاً كثيرةً، عن النوري، وعن أبي عليّ الروذباري، وعن أبي القاسم بن محمد الجُنيد، كلها تتحدَّث عن وجوب مُلازَمة الصالح والمُريد، فضلاً عن العارف، للأمر والنهي، للكتاب والسُنة، مُلازَمة الظل للشاخص. إذا جاز أن يخل ظل من شاخص أحدثه، جاز أن يخل مثل هذا المُريد الصوفي من مُتابَعة الكتاب والسُنة.

قال مَن لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث – أي يحفظ القرآن ويكتب الحديث -، ليس أهلاً أن يُقتدى به في هذه الطريقة. أبو القاسم الجُنيد قال هذا، يجب أن يكون الشيخ الصوفي عالماً بالوحيين؛ بالكتاب والسُنة. فضلاً عن أن يكون ماذا؟ مُئتسياً برسول الله، سائراً في طريقه، وارثاً كاملاً له. هذا اسم الوارث المُحمَّدي الكامل!

سهل بن عبد الله التستري – قدَّس الله سره – قال طريقتنا هذه مُشيَّدة على العمل بالكتاب، والاقتداء بالسُنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، وأداء الحقوق، واجتناب المعاصي، ومُلازَمة التوبة. سبعة أُسس! طريق أهل الله، طريق العارفين، طريق الطالبين لرضوان رب العالمين – لا إله إلا هو -، مُشيَّدة ومُركَّنة على سبعة أركان أو أُسس، هي هذه. وذكر اجتناب المعاصي، اجتناب المعاصي!

السادة الصوفية – المُتحقِّق منهم يا إخواني والصادق في تصوفه – أبعد الناس حتى عن صغائر الذنوب، يخافون خوفاً عظيماً من الصغائر. قال إبراهيم بن أدهم – قدَّس الله سره، ورضيَ الله عنه وأرضاه، هذا الأمير التائب، الأمير التائب من الإمارة ومن الدنيا، ابن أدهم معروف، هذه الدنيا كلها تعرف إبراهيم بن أدهم، أبا إسحاق، ابن أدهم قال الآتي – والله لأن أدخل النار وقد أطعت الله تبارك وتعالى – أنا قضيت حياتي في طاعة، ثم أدخلني النار – أحب إلىّ من أن أدخل الجنة وقد عصيته. الله أكبر! لِمَ؟ ما هذه الحالة التي لديه؟ من توقيره لله، يُوقِّر الله، يُجِل الله إجلالاً عظيماً، يرى أن المعصية شيء – والعياذ بالله – لا يُمكِن أن يتصوَّره عارف بالله، كيف تعصي رب العالمين؟ كيف تعرفه ثم تعصيه – لا إله إلا هو -؟

وبعد ذلك، كيف أُطيعه؟ وما سبيل طاعته وعصيانه؟ الوحي، قال الله، قال الرسول، ليس ما تهواه، أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ۩، ليس ما تهواه أنت وما تُحِبه أنت، يُصبِح حلالاً وحراماً، دخلنا في الزندقة، هذه زندقة! أقسمت لكم بالله هذا مُنحدَر جهنم. كان لا بد أن أقول هذا القول وأن أعقد هذه الخُطبة لكي أُبرئ ذمتي، بعد أن علمت أن هؤلاء الإباحية لا يزالون يعيثون في بلاد المُسلِمين ولا يزالون يحيون بيننا، قلت لأخي الفاضل وهو معنا اليوم، قلت له يا أخي أهو مُنتشِر؟ قال لي أكثر مما تتصوَّر، في كل مكان. ليس في مصر فقط، في بلدان كثيرة يعرفها، قال لي مُنتشِر في كل مكان هذه الإباحية – والعياذ بالله – وهذه الفواحش. يستبيحون الفروج!
وطبعاً هذا ليس معناه أن الصوفية جميعهم كذلك، حاشاهم، حاشاهم! ليسوا كذلك أبداً! ولكن نحن نتحدَّث عن المُندَسين والكذبة. وعلى فكرة هذا لم يكن أصالةً واجباً على أمثالي أن أُنبِّه إليه وأن أدق الناقوس، هو واجب أصالة على السادة الصوفية أنفسهم أولاً، هم يجب أن يخرجوا وبضرس قاطع ولهجة واضحة، ليقولوا للناس مثل هذه الحقائق، هذه الحقائق المعروفة المُقرَّرة مُنذ بداية عهد الناس بالتصوف، مُنذ بداية عهد الناس بالتصوف! انتبهوا، على فكرة بعض الناس يُغَر بماذا يا إخواني؟ يُغَر بأن لهم خوارق، انتبهوا وطالعوا أحوال الهنود وغير الهنود، الخوارق تقع من الملاحدة ومن الثانوية ومن المُشرِكين ومن عبّاد الأوثان ومن المُسلِمين واليهود والنصارى، الخوارق ليست دليلاً قاطعاً على كرامة العبد، انتبهوا! ثم حتى لو وقعت الخارقة للعادة على سبيل الكرامة، لا تعني أن مَن خُصِّص بهذه الخارقة أفضل من غيره أبداً، أبداً! قد يُوجَد عبد ولم تظهر عليه خوارق ولا كرامات، وهو عند الله وعند العارفين حقاً بأحوال الناس أعظم مِمَن أُيّد ببعض الكرامات والخوارق.
قال مولانا ابن عطاء الله السكندري – قدَّس الله سره، وذكرناها غير مرة – ليس كل مَن ثبت تخصيصه، كمل تخليصه. ليس كل مَن ثبت تخصيصه بالخارق وبالكرامة، كمل تخليصه… من ماذا؟ أهم شيء تخليصه من الرعونات، من الذنوب، من الشهوات المُردية. ليس بالضرورة. قال، قال أبو الحسن الشاذلي – القُطب الكبير أبو الحسن الشاذلي، قدَّس الله سره – ليس ثم أعظم من كرامة الاستقامة. مُلازَمة الكتاب والسُنة! قال هذه أعظم كرامة. قال ومَن أوتيَ العمل بالكتاب، والاقتداء بالنبي – بسُنة النبي، عليه الصلاة وأفضل السلام -، ثم تشوَّفت نفسه إلى شيء وراء ذلك، فهو عبد مُفترٍ كذّاب، أو مُخطئ لجادة الصواب. إما أن يكون مُفترياً كذّاباً، أو مُخطئاً لجادة الصواب! أعظم كرامة الاستقامة. أنت رجل مُستقيم، أنت تُطيع الله في أمره ونهيه، هذه أعظم كرامة، ماذا تُريد أحسن من هذا؟ هو هذا، هذا المطلوب، هذا المطلوب! أن تقول له يا ربي أنا كنت عبدك الذي أردت، وقفت عند أمرك ونهيك، وحاربت نفسي وجالدتها ورُدتها على ذلك عقوداً طويلة، حتى لقيتك. أعظم كرامة، إي بالله ووالله ما أعظم من كرامة الاستقامة! ولكن هو لا يُريد هذه، يُريد كرامات أُخرى، يتشوَّف للغيوب، يتشوَّف لمعرفة أسرار الناس بطريق الكشف، ماذا تُريد من هذا يا رجل؟ أو يطوي الأرض، ماذا تُريد من طي الأرض؟ يطوونها الآن بالكونكورد Concorde وبالطائرات، هذا ليس شيئاً مُهِماً، وليس شيئاً عظيماً.

ولذلك قال ابن عطاء الله السكندري في كتابه الآخر لطائف المنن – وهو ترجمة للشيخ أبي العباس المُرسي، شيخه، وشيخه أبي الحسن، قدَّس الله أسرارهم جميعاً – الآتي. قال أجمعت الطائفة – احفظوا هذا القول، هذا كلام ابن عطاء الله، أجمعت الطائفة، الصوفية مُجمِعون – على أنه ليس بالضرورة أن مَن وقعت له كرامة، أنه أفضل مِمَن لم تقع له الكرامة. يُوجَد إجماع، قال هذا ليس بالضرورة، بالمرة! وأجمعت أيضاً – من ضمن إجماعها – على أفضلية العبد السائر إلى الله – تبارك وتعالى – المُؤيَّد بالكرامات المعنوية. وما هي الكرامات المعنوية؟ الخوف، والخشية، ودوام المُراقَبة لله، والاعتماد على الله، والاحتساب به – لا إله إلا هو -، والثقة به وبوعده… إلى آخره، فهذا هو، هذه حقيقة الإيمان والتوكل عليه. قال هذه كرامات معنوية، أعظم من الكرامات الحسية. أي من قطع الأرض، والخُطوة، والإنفاق من الغيب، والتصريف. لا! لا يُمكِن، هذه الكرامات الحقيقية، لأن النجاة معقودة بماذا؟ بهذه، بالكرامات المعنوية، وليس بالكرامات الحسية. فلا تغتروا!

قال وسمعت شيخي أبا العباس يقول الطي قسمان؛ طي أصغر، وطي أكبر. فالطي الأصغر لعامة هذه الطائفة، للعوام! وهو ماذا؟ طي الأرض من مشرقها إلى مغربها في نفس. لا! قال هذه كرامة للصغار، يلعبون بها. والطي الأكبر طي أوصاف النفوس. الآن اختبر هذا؛ هناك مَن يكون شيخاً، يدّعي التصوف، فإذا تكلَّمت في عِرضه، جُن جنونه، وبدأ يُدافِع عن نفسه، ويقذف ويُزبِد ويُرغي شمالاً ويميناً، وربما صدر منه القبيح. أي شيخ أنت يا رجل؟ أنت رجل لم تُطو عن أوصاف نفسك. لو مُنع حظه من الدنيا، لجُن جنونه. لو نوفس على دنيا، مثل ظهور في فضائيات، جمهور في مساجد وغيرها – سُبحان الله -، يُصيبه مثل المُقيم المُقعِد، ويبدأ يتكلَّم في الآخرين ويتنقص، يقول ومنهم مَن يئتمر بهم، لكي يقطع أرزاقهم وظهورهم أمام الناس. وشيخ صوفي! ما شاء الله على التصوف، وما شاء الله على المشيخة والكذب. ليس هكذا! هذا رجل لم تُطو عنه أوصاف نفسه، لا يزال عبداً لنفسه، وهو يُصدِّر نفسه على أنه عبد حقيقي عارف بالله. نسأل الله – تبارك وتعالى – السلامة.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إذن أحبتي – إخواني وأخواتي – الكرامة ليست بالضرورة عنوان تمام الولاية، أبداً! قد تكون الولاية منقوصة، وصاحبها ذا كرامة، أي ويكون صاحبها ذا كرامة.

ثانياً مَن ثبتت ولايته، قطعاً – وهنا لا أقول ليس بالضرورة، لا! بل أقول قطعاً – لا تثبت عصمته. ما علاقة العصمة بهذا؟ العصمة للأنبياء. هو ولي، ثبتت ولايته يا سيدي بكرامة وبغير كرامة، نُقِر ونختم بالعشرة أنه من أولياء الله – إن شاء الله – إلى الآن، إلى الآن! لماذا؟ لأن الحي لا تُؤمَن عليه الفتنة. يُمكِن أن يكون الآن ولياً، ويكون غداً شيطاناً مريداً. واعتبروا ببلعام بن باعوراء، واقرأوا حكايته في تفسير آيات سورة الأعراف؛ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ۩، وشبَّهه الله بالكلب، وهذا الرجل أُوتيَ الاسم الأعظم، تخيَّلوا! كان عنده ولاية من أعظم الولايات الربانية، أُوتيَ اسم الله الأعظم! ومع ذلك انقلب إلى كلب نجس خسيس – والعياذ بالله -، فالحي لا تُؤمَن عليه الفتنة، نسأل الله السلامة.

ولذلك سُفيان الثوري بكى مرةً – الإمام الخامس في الإسلام، أبو سعيد -، بكى حتى غُشيَ عليه، فلما سُرّيَ عنه وأفاق، قيل يا أبا سعيد، ما الذي أبكاك؟ أنت بكيت بُكاءً غُشيَ عليك منه! فقال بكينا زماناً على الذنوب. قال أيام الشباب والكهولة كنا نبكي من أجل الذنوب. أي من أجل أننا كنا نُذنِب، وذنوبه كلها صغائر، معروف! والآن نبكي على الإسلام. أي خوف أن نُسلَب الإسلام. أرأيتم العارفون بالله؟ لا يأمن مكر الله مُؤمِن صادق، مكر الله لا يأمنه مُؤمِن صادق. قال والآن نبكي على الإسلام. أي خوفاً من أن نسلبه. وهؤلاء يستحلون الفروج، ويتغوَّلون أعراض الناس وأموالهم، ثم يدّعون أنهم أهل الله الذين وصلوا إلى ما لم يصل إليه غيرهم. نسأل الله السلامة، ونسأل الله السلامة من كل خذلان والتوفيق إلى كل صدق وعرفان.

اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. اغفر لنا ما قدَّمنا يا ربنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا وما جنينا على أنفسنا. أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت، وأنت على كل شيء قدير.

اللهم استر منا العيوب، واحفظ لنا الغيوب، برحمتك يا أرحم الراحمين. جنِّبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، واجعلنا من السُعاة بكل خير إلى كل خير، برحمتك وتوفيقك، إلهنا ومولانا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
_____________

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

تكملة لموضوع الخُطبة

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومَن والاه. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين وأصحابه الميامين وأتباعهم إلى يوم الدين، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين.

نُكمِل – إن شاء الله – قبل أن نُتيح مجال المُداخَلات والسؤال والجواب، نُكمِل بعض النقاط المُهِمة التي قصر عنها وقت الخُطبة – إخواني وأخواتي -.

كنا مع عبارة الإمام القُطب أبي الحسن الشاذلي، حين عد أعظم كرامة أن يستقيم المرء على نهج الكتاب والسُنة، وأن كل عبد أُوتيَ هذه الكرامة العظيمة، ثم تشوَّف إلى ما وراءها، أو إلى غيرها – لأن لا يُوجَد وراءها وراء على أي حال، هذه أعظم شيء، أي أي شيء تتشوَّفه بعد ذلك، سيكون دونها، سيكون انحطاطاً في الهمة وانحطاطاً في القصد والمُراد – هو عبد مُفترٍ كذّاب. قال فهو عبد مُفترٍ كذّاب. العبارة شديدة، هكذا مُثلَّثة؛ عبد مُفترٍ كذّاب! أو غالط، أي أخطأ نهج الصواب في الفهم، لم يفهم! وهو مثله كمثل مَن شهد مجلس الملك – أُتيح له أن يكون في حضرة الملك -، فانحط عن هذا إلى سياسة الدواب. قال لا، هذا لا يعجبني، أنا أُريد أن أرجع إلى أن أسوس الدواب في الإسطبل الخاص بالملك. أحمق، أحمق! وكذلك العبد المُكرَم بكرامة الاستقامة على نهج الكتاب والسُنة. يا رجل أنت عبد مُتقٍ، أنت عبد ولي، مُؤمِن مُتقٍ! وهذا هو الولي الصالح، أنت في نظر الله وبعين الله وفي كلاءته، ماذا تشتهي وراء هذا؟ لا يُوجَد شيء، ما من شيء له قيمة وراء هذا. فرضيَ الله عن الإمام الشاذلي وأرضاه.

نعود إلى موضوع الإباحية وبعض ما يقطع الطريق عليهم في تدليساتهم ويكشف تشبيهاتهم. تشبيهاتهم وتشغيباتهم كلها مكشوفة، لمَن أوتيَ الحظ الأدنى من البصيرة أو العلم الشرعي. ولذلك العلم الشرعي مُهِم جداً، كما قال أبو القاسيم الجُنيد لا يُقتدى في هذا الطريق بمَن لم يُحكِم أصول العلوم الشرعية، الكتاب والسُنة! وطبعاً الكتاب والسُنة لا يُفهمان من تلقائهما، لا بد أن نتوسَّل إلى فهمها بوسائل، وهي العلوم الآلية، مثل علوم اللُغة، وعلوم أُخر أيضاً من علوم الشريعة، هي علوم آلة، وليست علوم مقصد أو مقاصد، أي القضية مشروطة بالعلم الشرعي. قال – تعالى – فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ۩، قدَّم العلم حتى على التوحيد، لا بد أن تُوحِّد عن علم، وتُوحِّد عن فهم، وليس عن مُتابَعة وعن تقليد. وإلا الذي يُقلِّد حتى مَن أحسن، قد يُقلِّد مَن أساء. وطبعاً المقصود هنا بالتقليد ليس التقليد المنعوت في علم أصول الفقه، لا! المقصود هنا التقليد – أكرمكم الله – الذي يُمكِن أن يُسمى بالعامية (على الغميضة)، ولذلك قال أحد هؤلاء المُستصوِفة بآياتي، بقرآني – تخيَّل الجراءة! قال بآياتي، بقرآني، أي يُقسِم بالقرآن -، لو أمرني شيخي أن أسجد للات والعُزى، لسجدت. أستغفر الله العظيم! شيء لا يكاد يُفهَم، ماذا تركت أنت لمَن أكفرهم القرآن الكريم مِمَن قال فيهم – عز من قائل – اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ۩؟ ربَّبوا المسيح، وربَّبوا الأحبار والرُهبان! وكيف اتخذوهم – أي كيف اتخذوا الأحبار والرُهبان – أرباباً؟ ونحن لم نر هؤلاء يذهبون إلى الأحبار والرُهبان، ويُصلون لهم مثلا، لا! ليس هذا. ولذلك حين سمع هذه الآية عدي بن حاتم الطائي – وتعرفون حاتم الطائي، أجود العرب، هذا ابنه، وأسلم، رضيَ الله عنه وأرضاه – أسلم، لكن قال الآتي حين أسلم وسمع هذه الآية -، قال يا رسول الله إنهم لم يتخذوهم أرباباً. قال له كيف؟ كيف يقول القرآن هذا؟ انظروا، هو لم يفهم الآية، وظن أنهم أرباب فعلاً، كأنهم أرباب حقيقيون، أي تُقام لهم المعابد ويُسجَد لهم. قال له – عليه الصلاة وأفضل السلام – أليسوا قد أحلوا لهم الحرام، وحرَّموا عليهم الحلال، فاتبعوهم – أو قال فأطاعوهم -؟ قال له بلى. الموجود هو هذا، هذا عند أحبار النصارى بالذات والُرهبان، عندهم! قال لك إن المسيح قال لبطرس – بيتر الأكبر هذا – أي شيء تعقده، يكون في السماء معقوداً. قال له هذه صخرتي، أقم عليها كنيستي – أو ما إلى ذلك -، وأي شيء تعقده، يكون في السماء معقوداً، والأمر نفسه مع أي شيء تحله. أي أنت عندك حق التحليل والتحريم! وهذا كلام فارغ، مُستحيل! التحليل والتحريم لله وحده – لا إله إلا هو -، ولا يملك أحد أن يفعل هذا. فقال له بلى. قال له فتلكم عبادتهم إياهم. قال له هذا المقصود، أنهم اتخذوهم أرباباً وعبدوهم، عبدوهم بالطاعة في التحليل والتحريم. وما شاء الله لدينا الكثير من هؤلاء المُستصوِفة الجُهّال، أشباه الأنعام! الذي قال هذا من أشباه الأنعام. قال بآياتي، بقرآني – فصيح في القسم، ما شاء الله عليه! يا ليته أفصح في العلم! يا ليته أفصح في العلم والفهم كما أفصح في القسم! بآياتي، بقرآني – لو أمرني شيخي أن أسجد للات والعُزى، لسجدت. هلكت، وهلك شيخك قبلك؛ لأن شيخك لو كان شيخ حق، وشيخ بر، وليس شيخ سوء وفسق، لما أخرج مثل هذه البضاعة الكاسدة. وواضح أن هذا التَلميذ زنديق، لا يكون تخرَّج إلا على يد، أو إلا على يدي، شيخ زنديق – والعياذ بالله -، أراد أن يُقيم من نفسه رباً يُطاع من دون الله، شيء مُخيف يا إخواني – والعياذ بالله -.

ولذلك الإمام القُشيري في رسالته (الرسالة القُشيرية)، يذكر الآتي عن الإمام الجليل – وهو أحد تلامذة أبي القاسم الجُنيد، شيخ الطائفة – أبي عليّ الروذباري البغدادي – رضوان الله عليه -. وهذا رجل عظيم، وله مقام ومكانة عالية جداً، سامقة! رجل صدق! أبو عليّ الروذباري ذُكِر له أُناس يقولون قد بلغنا حالةً لا تُؤثِّر فينا معها اختلاف الأحوال والأشياء. أي قالوا نحن أُناس مُتصوِّفة مُتعبِّدة مُتفقِّرة مُتزهِّدة، وبلغنا حالة بعد الجهاد والرياضة – والرياضة معناها رياضة النفس طبعاً، وليست الرياضة بمعنى الــ Sport – لا تُؤثِّر فينا معها اختلاف الأحوال والأشياء. بمعنى ماذا إذن؟ بمعنى أننا يُمكِن أن نتعاطى المُحرَّم، والمُحرَّم عندنا لا يُؤثِّر علينا. لو نظرنا إلى ما حرَّم الله في حقنا، لكان هذا عادياً. وبالذات في مسألة الملاهي. وطبعاً تعلمون أن مُعظَم الأمة كان ولا يزال على تحريم الملاهي، وإن كنا نختلف، ولكن على كلٍ كل إنسان له رأيه وبالدليل، فمَن تعبَّد الله بحُرمتها، يجب أن يلتزم بما تعبَّده به، ومَن قلَّد علماء ومُجتهِدين في تحليلها، فأمره مُنتهٍ، ليس عليه ملام – إن شاء الله -، على كل حال هذا هو، فقيل له يقولون وصلنا إلى حالة معها كذا وكذا مما ذكرت. فقال نعم، صدقوا، وصلوا، ولكن إلى سقر. قال إلى جهنم. وهذا صوفي كبير، هذا قُطب صوفي، قال هؤلاء من أهل جهنم. لم يقل لا، كل شيء يأتي عن إخواننا وعن أحبابنا أهل الطريق المُتصوِّفة ومَن انتسب إليهم وحُشِر معهم ودُس بينهم وتشبَّه بهم، كله خير وبر وسعة. لم يقل هكذا، قال صدقوا، مضبوط، وصلوا، هم قال وصلوا، وصلوا، ولكن إلى سقر، إلى جهنم.

ولذا روى أبو القاسم القُشيري، عبد الكريم، في الرسالة أيضاً – رضوان الله عليه، إمام جليل هذا، نعم -، روى عن أبي عليّ الروذباري، عن شيخه أبي القاسم الجُنيد، قال سمعت شيخنا أبا القاسم بن محمد الجُنيد – قدَّس الله سره الكريم -، وذُكِر له عن أُناس من أهل المعرفة – أي عارفين بالله، يدّعون أنه من العارفين بالله، الذين بلغوا مرتبة العرفان الإلهي، أي أصبحوا من العارفين بالله  تبارك وتعالى – أنهم يقولون قد بلغنا إلى حالة نتعبَّد الله معها بترك الحركات. وطبعاً هناك عبارات مُشبِهة، ما معنى ترك الحركات إذن؟ تكلَّموا بوضوح، أي ترك الأعمال، أي لا صلاة، لا صوم، لا حج، ولا عمرة، عادي! الله، الله، الله، الله! فقط يُشبِّهون على الناس. قال هذا! وطبعاً هذا واضح؛ واضح عندهم وعند مَن استمع إليهم وسأل عنهم واستفصل عن حالهم، وواضح عند الشيخ الجُنيد – قدَّس الله سره -، قالوا لا، نحن نتعبَّد الله بترك العمل. عجيب! مع أن الله تعبَّد أنبياءه ورُسله به، إلا أن تكونوا خيراً منهم! ربما يكون هناك دين جديد يضح فيه أن الأولياء أحسن من الأنبياء؛ أحسن من إبراهيم وموسى وعيسى. وإبراهيم قال صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، عيسى – عيسى الذي يُحيي الموتى ويُبرىء الأكمه والأبرص – قال وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ۩، محمد خير الثقلين وخير العالمين، هو الذي قال له ربه وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ۩، واليقين هو الموت، وليس كما قال زنادقة المُتصوِّفة يقين العرفان، يقين القلب، يقين العلم. كذب! كذب طبعاً لُغةً، وكذب تفسيراً، وكذب تحقيقاً. أولاً النبي صح عنه في صحيح البُخاري الحديث المشهور جداً، الذي ذكرته قُبيل أسابيع؛ حديث عثمان بن مظعون حين تُوفيَ، وقالت أم السائب فيه هنيئاً له، فقد أكرمه الله. النبي قال ما أدراكِ، ما أكرمه؟ ثم قال أما هو – أي عثمان بن مظعون، رضوان الله عليه – فقد جاءه – وفي رواية آتاه – اليقين من ربه. ما اليقين هنا؟ الموت. قال هو مات، هو مات! إذن النبي فسَّر اليقين بالموت، وهذا في البخاري. أما هو فقد جاءه – وفي رواية آتاه – اليقين من ربه.

ثم اليقين هنا لا محالة، قولاً واحداً بلا تردد، هو الموت، بدليل أن النبي لو فهم منها ما فهم هؤلاء المُخرِّفون وهؤلاء المُنحرِفون المُحرِّفون لشرع الله ورسومه وقواعده، لترك العبادة. فهل تركها، أم ظل إلى آخر حياته يُوغِل في العبادة، حتى تفطرت قدماه من قيام الليل؟ هذا هو، إلا أن تكونوا أفهم عن الله من رسول الله، الذي أُنزِل على قلبه القرآن. أو تكونوا مِمَن – وهذه هي الأرجح – لا يتعبَّد الله بالقرآن أصلاً. لذلك قال ابن الجوزي – رحمة الله تعالى عليه – هؤلاء اندس فيهم مَن ليس منهم مِن الإباحية على ثلاثة أقسام؛ قوم كفرة، منهم مَن يُنكِر الله. لا يُقِر – قال – بوجوده. منهم مَن لا يُقِر بالله! أي ملاحدة، ملاحدة! ومنهم مَن يُقِر بالله، ويجحد النبوات. أي هم ربوبيون، أي Deists. فهؤلاء Atheists وهؤلاء Deists. ومنهم مَن يُقِر بالله، ولكنه لا يُؤمِن لا بمحمد ولا بموسى ولا بغيرهما. معناها أنه لا يُؤمِن لا بالقرآن ولا بالتوراة ولا بالإنجيل، إباحية! ومنهم مُسلِمون مُقِرون بالكتاب وبالله وبالرسول، ولكنهم… ماذا؟ تابعوا أشياخهم على أعمالهم وأقوالهم، فمهما أباحوا لهم من شيء، استباحوه، ومهما منعوهم من شيء، منعوه. وكأن رب الواحد منهم والنبي والقرآن، هو مَن؟ هو الشيخ – والعياذ بالله -. اتبعوهم (على الغُميضة)، فهلكوا وأهلكوا، ولم تشبيهات وشُبه، نحن نكشفها. ثم ساق منها ستاً – رحمة الله عليه رحمة واسعة -.

بدل أن يُجيبوا عنه وعن كلامه المُشيَّد المُركَّن بالعلم والأدلة وبالعقل، جعلوا يقولون كتابه من تلبيس إبليس عليه. وهذا الكلام لا يسوق إلا على الجهلة، كيف هذا من تلبيس إبليس؟ من تلبيس إبليس عليكم أنتم، أيها الإباحية الزنادقة، ردوا عليه. الرجل تكلَّم كلاماً بقانون الشرع وبقانون العقل، من المُستحيل أن يُرد عليه.

ثم ذهب يكشف شُبهاتهم، وأنا سأذكر منها ربما ثلاث شُبهات، هي أقوى الشُبهات، لكي لا يُشبَّه أيضاً ويشتبه الأمر ويُلبَّس على مَن لا يعلم، لأن بعض الناس عنده هذه القابلية، أي هذه التشبيهات ساغت، وأخذت منه مساغاً – والعياذ بالله -.

ولذلك يقول أبو عليّ الروذباري فلما سُئل الجُنيد عن هؤلاء – أي الذين تعبَّدوا الله بماذا؟ بترك الحركات -، قال هؤلاء تركوا الأعمال – أي يقولون لا صلاة، لا صوم، ولا كذا، طبعاً واستباحوا المُحرَّمات، هذا هو – وهذا عندي عظيمة. قال هذا عندي – هكذا قال – عظيمة. وكأنه ضمَّن هذا خصلة أو فعلة أو عقيدة، ولو قال هذه، لكان أفصح. قال هذا عندي عظيمة. قال والذي يزني ويسرق خيرٌ حالاً من هؤلاء. كم هو مُجرِم، هذا الذي يزني ويسرق – والعياذ بالله -! لا يزال هذا أهون منهم، أي من الذي يقولون توقفنا عن أن نُصلي وأن نصوم وأن نزكي، نحن وُضعت عنا الأعمال، بلغنا مقام اليقين، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ۩. لأن أهل الله ما وصلوا إلى الله إلا بالأعمال، وعن الله أخذوا الأعمال، وإلى الله رجعوا في الأعمال. هذا الشرع يا أخي، هذا ليس فلسفة، هذا ليس أيديولوجيا، هذا ليس نظرية من عندك، هذا ليس شعراً، وهذا ليس أهواء، هذا الشرع! قال الله وقال الرسول، الله أباح أشياء، ما أباحه الله، فهو مُباح، الله حرَّم أشياء، ما حرَّمه الله، فهو مُحرَّم، الله أوجب أشياء، ما أوجبه الله، فهو واجب، وانتهى الأمر، ولا كلام في هذا، هذا رب العالمين. والله لا يُضلِّلنا ولا يخدعنا، أليس كذلك؟ لا يُضلِّلنا ولا يخدعنا، من أين أتيتم بهذا؟ الأعمال تُؤخَذ عن الله، ويُرجَع فيها إلى الله – لا إله إلا هو -.

قال هؤلاء شرٌ من الزُناة ومن السرّاق. وفعلاً هو هذا، هل تعرفون لماذا؟ شرٌ من الزُناة ومن السرّاق – إخواني وأخواتي -، هل تعرفون لماذا؟ لأن الزاني قد يزني، وهو يعلم أنه يرتكب مُحرَّماً، ثم يتوب، فيتوب الله عليه، وكذلك السارق، ومَن يرتكب سائر الجرائم، أليس كذلك؟ بل أنا أقول لكم هؤلاء شرٌ من المُصِرين على الذنوب أيضاً، لأن المُصِر على الذنب، يُصِر وهو يعلم أنه مُصِرٌ على (ذنب)، وهذه حالة إبليس، إبليس لم يكفر بالله ولم يُنكِره، و: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي ۩، فهو يعترف بربوبيته وأنه صاحب الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۩، ولكن هو ركب رأسه وعند – أي عاند -، وعند وأصر، أصر لآخر لحظة! افترق آدم منه وعنه، بما أنه لم يُصِر، أقر واعترف، فغُفر لهذا، ولُعن هذا فأبلس. أنا أقول لكم زنادقة الإباحية من المُستصوِفة وغيرهم شرٌ حتى من إبليس. هل تعلمون لماذا؟ لأنهم ذهبوا إلى ما وراء الإصرار، إلى شيء أحط من الإصرار وأبشع وأشنع، وهو الاستحلال. وأين هذا من ذاك؟ لا يزال أبشع. ما أسوأ المُصِر على الذنب! يعلم أنه ذنب، وهو مُصِر عليه؛ على الفاحشة، أو على الخمر مثلاً، ولكن هو يعلم أنه ذنب، وأنها فاحشة. وهذا إثمٌ عظيم جداً جداً، ويل للمُصِرين. النبي قال، ويل للمُصِرين! ويل لأقماع القول – النبي قال -، ويل للمُصِرين. ولكن المُصِر لا يزال أهون حالاً من هؤلاء الزنادقة، الذين ماذا؟ استباحوا ما أصر عليه المُصِر. قال لك لا، لا! مُصِر ماذا؟ أصلاً هذا ليس ذنباً. إذن كيف هذا ليس ذنباً؟ قال لك لا، هذا ليس ذنباً، هذا ذنب عليكم أنتم يا عوام، يا جهلة، يا محجوبون، أنتم ليس معكم أنوار، نحن الأنوار عندنا، وبالأنوار التي عندنا نحن نرى الأمور بطريقة أُخرى. نعم، نعم ترونها طبعاً، طبعاً! وهذا واضح، وواضح أنكم ترونها من زاوية أُخرى، وهي زاوية الشياطين، شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۩، وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ۩. نحن الذي يُوحي إلينا الله ورسوله، والوحي انقطع وانتهى، انتهى! لا يُمكِن لواحد الآن أن يقول لي يُوحى إلينا. الوحي انقطع، وهذا الوحي هو الذي يُلزِمنا ونتعبَّد الله – تبارك وتعالى به -، نتعبَّد الله – تبارك وتعالى – به!

ولذلك هؤلاء الذين يدّعون الأنوار والتنوير الإلهي، ويدّعون المحبة، لا يُوجَد عندهم مجال ومساغ للخوف والترهيب، كله محبة! ازن واسرق واعمل ما تشاء وقل أدبك. قال لي هذا الأخ الجليل، قال لي هناك قلة أدب غير طبيعية. يسبون الناس في أعراضهم، ويقولون هذا من باب المحبة، عادي. قلة أدب، قلة أدب! يقولون هذا، وهم طبعاً يرتكبون الفواحش! يرتكبون الفواحش – والعياذ بالله -، فلسانهم حتى غير مُؤدَّب وغير مُنضبِط، ويقولون لك هذه محبة، والمحبة ترفع الأحكام، المحبة ترفع الأحكام! ومنهم مَن هو مُصِر على شرب الخمر، وللأسف ذُكِر هذا في بعض كُتب الصوفية، للأسف من بعض المخلاطين المُلبِّسين والملبوس عليهم، قال لك وصالح من كبار الأولياء، كعبة الحاجات، مُستجاب الدعوات – ما شاء الله -، كان لا يضع كأس الخمر عن فمه، لا في الليل ولا في النهار. أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ۩، لا حاجات ولا غير حاجات، هذا شيطان.

ولذلك قال الإمام الغزّالي الآتي. وهذا الإمام الغزّالي طبعاً، في التصوف معروف مَن هو. معروف في الولاية، في الكرامة، وفي العلم، ما شاء الله! وكذلك في الفقة والأصوال، وحتى في العقيدة، حُجة الإسلام هذا، حُجة من حُجج الله. قال أبو حامد الغزّالي لو رأيتم الرجل بلغ من شأنه أن يطير في الهواء، ثم يدّعي حالةً لا يُقرِها الشرع، فهو شيطان. شيطان، لا تتردد، شيطان! وعلى فكرة بعضهم بعد أن تابوا أقروا بأنهم كانوا أولياء للشياطين، وأن الشياطين كانوا يُسانِدونهم ويُحدِثون لهم الخوارق، أقروا واستغفروا الله. فعلاً شياطين، ومددهم شيطاني – والعياذ بالله -، وأنت تقول هذه كرامة وخارقة! لا تعنينا الكرامة والخارقة.

ولذلك لما قيل لأحد الألباء الأذكياء من أهل الله فلانٌ أتى بالخارقة الفلانية – مسألة عظيمة، كرامة عظيمة -، قال لهم الذي يتحكَّم في هوى نفسه عندي أعظم من هذا. ما الكلام هذا؟ قال، هذا لا يهمنا نحن، ما معنى هذا؟ قال هذا مشى في الهواء، وهذا مشى على الماء. لا يهمنا هذا! يهمنا إنساناً يكظم غيظه، يحبس لسانه، يُمسِك فرجه، يُمسِك عينه، يُمسِك جوارحه، يُطيع الله في الأمر والنهي، هذا أعظم مُكرَم، وأعظم ولي لله، هذا الولي، هذا الذي تُرتجى دعوته – بإذن الله -، الصادق! صادق حقاً، ولا يفعل هذا رياءً، يفعل هذا تعظيماً لله، وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۩، وأين تعظيم حُرمات الله يا أخي؟ لا يُعظِّمون حُرمات الله.

ولذلك – كما قلت لكم – ليس عندهم مكان للرهبة. يقول لكم أحدهم لا، هذا غير موجود، لا، رحمة الله واسعة، واسعة. ونحن نعلم أن رحمة الله واسعة، وأوسع من كل شيء، ولكن نعلم أيضاً – ولا يُمكِن أن نجترئ على تكذيب الله، وإلا كفرنا مُباشَرةً – أن الله وصف نفسه بأنه شديد العقاب أيضاً، أليس كذلك؟ طبعاً! وبأنه جبّار، وبأنه قهّار، وبأنه مُنتقِم. وأخبرنا عن نار، أليس كذلك؟ وعمَن يدخلها، وعمَن يُخلَّد فيها، وعمَن… وعمَن… وعمَن… هل نرد على الله خبره؟ هل نكفر ونتزندق؟ تحدَّث عن الرحمة، وتحدَّث عن هذه الآيات أيضاً بقدرها، الرحمة أوسع وأكبر، صحيح، ولكن أيضاً موجود العذاب، وموجود القهر، وفي حق مَن؟ الأنبياء، وهم أشراف خلق الله. قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – فيما حكاه الله على لسانه إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۩. النبي يخاف، ولكن أنتم لا تخافون، ما شاء الله عليكم! وواضح أنكم أعظم من النبي عند الله إذن، محبتكم أعظم من محبة النبي، ومحبة الله لكم أعظم من محبته لنبيه، أيها الكذّبة، الأثمة، الفسقة، الفجرة. النبي يقول إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۩. والله يقول له وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ۩، قال له تنحرِّف شيئاً قليلاً، إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ۩. الله يقول له إذن أُضاعِف لك عذاب الدنيا، وأُضاعِف لك عذاب الآخرة. وهذا المُخاطَب مَن؟ سيد الثقلين، سيد الإنس والجن، سيد العالمين. إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ۩. وهؤلاء يقولون لك لا، محبة، محبة وأنوار، كل هذا عادي، توكل على الله واعمل ما تُريد، هناك رحمة. يا كذبة، يا كذبة!

ولذلك حين قص الله – تبارك وتعالى – علينا أطرافاً من أحوال مشاهير ونُبلاء الأنبياء والرُسل العظام، ماذا قال؟ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ۩، يُوجَد خشوع، والخشوع من جراء ماذا؟ المعرفة والخوف، مُشاهَدة الجلال. يخشع! قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن الله إذا تجلى لشيء، خشع. حتى ولو كان جبلاً، يخشع. والأنبياء كانوا أهل خشوع. إذن هناك الخوف، رَغَبًا وَرَهَبًا ۩، يخافون الله جداً.

يا سيدي هذا حال الأنبياء، وإن لم نتحدَّث عن الأنبياء، فهناك الملائكة؛ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩، الملائكة تخاف، وهؤلاء لا يخافون، ولماذا؟ لا أفهم. عندكم كُتب سماوية؟ عندكم وحي؟ فضلَّكم الله على الأنبياء؟ ربما يكون فضلَّكم على جبريل وميكال وإسرافيل وملك الموت؟ بماذا – إن شاء الله – أنتم تدّعون هذا؟ لا الأنبياء ادّعوا هذه الحالة، ولا الله ادّعى لملائكته هذه الحالة، من أين لكم هذه الحالات، أيها الزنادقة الكذبة؟ من الشيطان، والله من الشيطان، والله العظيم من الشياطين، ويدرون أو لا يدرون، هم أحرار.

على كل حال إذن هذا ما ورد عن كبار أئمة الطائفة في أمثال هؤلاء، قال لك أسوأ من الذي يزني ويسرق – والعياذ بالله -. ولذلك أبو سُليمان الداراني – أيضاً أحد كبار المُتصوِّفة الصالحين العظام الأبرار – قال ربما وقعت النُكتة من كلام القوم – أي ليس حكاية تحليل وتحريم، هذه عظيمة جداً، لا! كلمة قالها صوفي، قالها عارف بالله، وهي جميلة هكذا، فيها رائحة الفتوح الإلهية، أي قال تقع في قلبي، تشوقني، تلذني، أي أُحِبها -، لكن أتوقف فيها. قال فأتوقف فيها، ولا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسُنة. أرأيتم؟ خائفون! يخافون من التحريف، ويخافون من استزلال الشيطان. هل علمتم أن الشيطان نام أو مات؟ لا نام ولا مات، موجود! ولم يترك أحداً من شره، أليس كذلك؟ أبداً. سوف تقول لي إذن هل الشياطين الأبالسة كانوا يُحاوِلون أن يغووا الأنبياء؟ نعم، حتى الأنبياء، مع علمهم أن الأنبياء ماذا؟ مُخلصون. ولكن لا فائدة، حتى النبي! ولذلك النبي حين سُئل؛ وأنت يا رسول الله معك قرين؟ في صحيح مُسلِم، قال نعم، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلمَ. وهذه هي الأرجح، بعضهم قال فأسلمُ. أي أسلمُ من شره، لا! الأرجح فأسلمَ، بالماضي، بدليل قوله بعد ذلك – بعد أن قال فأسلمَ -فلا يأمرني إلا بخير. معناها قبل أن يُسلِم، كان ماذا؟ يُحاوِل دائماً الأمر بالشر. ولكن النبي طبعاً عنده حصانة، ليست حصانة دبلوماسية، حصانة ربانية، لا ينفع! كل الأسهم تتساقط عند جدار الحصن الإلهي ولا تنفع. لكن ليس عندهم يأس حتى من الأنبياء، فهل يُمكِن أن ييأس من شيخ صوفي؟ لا، لا يُوجَد هذا، مُستحيل! ولذلك انتبه، أنت غير معصوم، لن يتركك، الشيطان لن يتركك، الأبالسة لن يتركوك، والله العظيم! من كل الطرق. فلذلك أبو سُليمان الداراني – هذا رجل واعٍ – قال لك أنا لا أقبل أي كلمة قالها صوفي أو قُطب – وهؤلاء كبار، يُقال سيدي فلان، وسيدي علان -، لا أقبلها حتى يشهد – أي تأصيل، هذا اسمه التاصيل، يُريد أن يُؤصِّلها – لها الكتاب والسُنة. يُقال إنه هو الذي قال تتمة الجُملة، ويُقال منسوبة إلى أبي الحسن الشاذلي – لماذا؟ الله أعلم. قالها الداراني، أو قالها أبو الحسن الشاذلي بعد ذلك -، قال لأن الله ضمن لنا العصمة في الكتاب والسُنة، ولم يضمن لنا العصمة فيما سواهما. أنت تقول لي قال الإمام علي، قال يحيى بن مُعاذ الرازي، قال سيدي الجُنيد، قال سيدي عبد القادر، قال أبو العباس، قال أبو القاسم، وقال فلان. وهذا ليس مضموناً! العصمة في الكتاب والسُنة، وكل شيء غير الكتاب والسُنة قابل أن يكون صحيحاً وأن يكون غالطاً وغلطاً،  كل شيء! فانظر، هذا التصوف السليم، الذي يكون فيه العلم الشرعي أميراً على التصوف، وليس عبداً بين يديه، بالعكس! التصوف عبد بين يدي ماذا؟ العلم الشرعي. هو هذا، نعم!

والكلمات في هذا المجال كثيرة جداً، عن القُطب أحمد الرفاعي الشيء نفسه، قال لك لا تعتد بأي رجل، مهما بلغ من الكرامة، حتى تنظر في حاله عند الأمر والنهي. هذا القُطب أحمد الرفاعي، وكان شافعي المذهب، وله كُتب في الفقه، أحد هذه الكُتب في أربع مُجلَّدات كبيرة نوعاً ما، في الفقه الشافعي، فقيه! فقيه الرجل، وهو قُطب الصوفية في وقته، هؤلاء أُناس أخذوا الأمور على أصولها.

بعد ذلك هناك موضوع الأمن من مكر الله – كما قلنا -، أي كيف هذا؟ لا يُوجَد مُؤمِن صادق يأمن مكر الله، الصحابة كانوا يتمنون أن يفتدوا بما في الأرض وجناباتها من هول المُطلَع. لو أن لي ما في الأرض ومثله معه، لافتديت به من هول المُطلَع. سيدنا عمر الفاروق – رضوان الله عليه، وقدَّس الله سره العزيز – قال هذا، لماذا يا فاروق الأمة؟ وما المُطلَع؟ هل تعرفون ما المُطلَع؟ الإنسان حين يطلع على مصيره، يعلم هذا. يُقال هي اللحظة التي تُفارِق فيها الروح أو النفس البدن، فيُشرِف الآن. المُطلَع هو مكان عالٍ، أي شرف، شرف مُرتفِع. لحظة اطلاع أيضاً هذه، لحظة اطلاع! مُخيفة جداً. وأيضاً هناك الموازين، الموازين! ائتوا به وائتوا بأعماله، جيد كتابك، ها هو، ضعوه، هناك كفة اليمين، وهناك كفة الشمال. إذا رجحت كفة اليمين، انتهى الأمر، نجوت وسعدت – إن شاء الله، اللهم اجعلنا من الراجحين كفاتهم -، فما معنى هذا؟ ثقلت الموازين. فهذه هي، هذه هي! هذا ثقل الموازين. وإذا طاشت كفة اليمين، عنى ذلك أن كفة الشمال ثقلت، ومن ثم ضاع صاحبها وهلك. لحظات مُخيفة جداً! فالواحد لا يأمن مكر الله، ورأينا كيف كن حال سُفيان الثوري، قال لكم بكينا أزمانا على الذنوب، والآن حين عرفنا الله أكثر، صرنا نبكي على الإسلام، خوف أن يُسلَب منا الإسلام.

يُقال إن الإمام أبا عيسى الترمذي – رضيَ الله عنه وأرضاه، شيخ الإسلام، صاحب السُنن، الجامع، الترمذي! وكان ضريراً – كان دائماً يبكي. الإمام الترمذي كثير البُكاء، بكاء بكاء بكاء! فسنح له النبي الأكرم – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – مرةً في المنام، قال له يا أبا عيسى، يا شيخ، ما الذي يُبكيك؟ قال له يا رسول الله أبكي من خوف الخاتمة. لا أدري بم يُختَم لي! أخاف أن يُختَم لي – والعياذ بالله – بخاتمة السوء. قال له أكثر يا شيخ من قول لا حول ولا قوة إلا بالله. لم يقل له لا، توكل على الله، محبة ونور، أنت شيخ عظيم، وألَّفت كتاباً في سُنني، توكل على الله، أنت مضمون مصيرك. لا! كأنه يقول له نعم، دُم على هذا.

قال الحسن البِصري إن المُؤمِن جمع إحساناً وشفقةً. أعماله حسنة ومُمتازة، وهو خائف خائف خائف! قال وإن المُنافِق جمع إساءةً وأمناً. مثل هؤلاء الزنادقة من المُستصوِفة، أفعالهم – والعياذ بالله – سيئة. الإنسان الصالح – الصالح العادي، وليس العارف بالله – لو في حياته زنى مرة واحدة، وليس بأخت في الله، أتى وأعطاها العهد وأراد خيانته، لا! بواحدة حتى غير مُسلِمة، يظل يبكي على نفسه ويستغفر من هذا الذنب، إلى أن يلقى الله. أي إنسان صالح هكذا، ولا ينساه طيلة عمره! هل تعرفون لماذا؟ لأن حُق له أن ينساه وألا يُديم ويُجدِّد الاستغفار منه، إذا علم يقيناً أنه قد غُفِر له، ومن أين يعلم؟ وبما أنك لا تعرف أنه قد غُفِر لك حقاً، فأنت تُرجِّح – إن شاء الله – أنه غُفِر لك، وكيف ستُرجِّح؟ إذا كنت لم تعد إلى هذا الذنب قط. مرة واحدة وانتهى الأمر، إن شاء الله الأرجح تكون صاحب توبة نصوح ومقبولة، والله غفر لك، ولكن مع ذلك تظل، كلما تذكرت، تبكي، وتشعر بالذل والصغار أمام نفسك، وتستغفر. لا أن تكون مُقيماً على الفواحش، وأنت تُحلِّلها يا زنديق، وتقول لي أنا سأذهب إلى الجنة ركضاً. مسكين! وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ۩. وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ۩، شيء مُخيف، وهذا الذي سيحدث مع هؤلاء الناس. اللهم لا تجعلنا لا معهم ولا منهم، ولا تسلك بنا مسالكهم الرديئة المُهلِكة – والعياذ بالله -. شيء مُخيف يا إخواني!
تسمعون بمالك بن دينار. مالك بن دينار طبعاً صاحب الكرامات والرجل الصالح العجيب في توبته وفي استقامته، قيل له مرة الآتي، وهو كان بِصري، في البَصرة! قيل له يا مالك، اخرج بنا نستسقي. منع الله الغيث، فهيا نخرج نستسقي. فقال لهم لا، والله إني لأخشى أن تُرجموا بالحجارة بسببي. قال لهم أنا أخرج لكي، أستسقي؟ ماذا ترونني أنا؟ أنا خائف من أن أخرج معكم، فيُرسِل الله، ليس مطراً، وإنما حجراً عليكم، بسببي. يرى من نفسه أنه هالك! مالك بن دينار؟ مالك بن دينار. طبعاً لا يأمن مكر الله.؟
انظر، كلما عظم صلاح المُؤمِن، ازداد خوفه، وازداد إزراه على نفسه. تعرفون سيدنا أبا بكر الصدّيق، الصدّيق! صدّيق الأمة، وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۩، وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ۩. أبو بكر الصدّيق ثاني اثنين في الغار، أبو بكر الصدّيق! وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۩، أبو بكر الصدّيق! أبو بكر كان يقول يا ليتني شجرة تُعضد. شجرة تُقَص، تُؤخَذ، تُحرَق، وينتهي الأمر. يعني ماذا؟ ولا ألقى الله، ولا أُعاين الحساب. يخاف! خائف ويقول كيف سيكون الحساب؟ كيف سيكون السؤال؟

الفُضيل بن عياض كان يقول – رضوان الله عليه، الفُضيل أبو عليّ، الولي الصالح، وأيضاً عجيب في قصة توبته – الآتي. كان يقول ويحنا، وإن غُفِر لنا! حتى ولو غفر الله لنا، وأدخلنا الجنة، فيا فضيحتاه! ويا خجلتاه من رب العالمين! غفر لي، ولكنه غفر لي الذنوب، وأنا أخطأت في حقه، خالفته أمره. ولذلك قال الجُنيد لا يُدعى – أي المرء – عاقلاً، إلا امرؤ لم يظهر عليه ما يذمه الشرع منه. وفعلاً هذا هو، القرآن حين يستخدم العقل، يكون ذلك في حق مَن؟ مَن هم العقلاء؟ المُستقيمون. أي واحد لا يستقيم ويجهر بارتكاب الذنوب، القرآن يُسميه جاهلاً. أنت جاهل أيها البعيد. الله يقول له هذا، فاللهم لا تجعلنا من الجاهلين، واجعلنا من العقلاء. فقال أبو القاسم لا يُدعى عاقلاً، إلا امرؤ لم يظهر عليه ما يذمه الشرع منه. لا يُوجَد غير هذا، يمشي على الاستقامة التامة، كما أُمِر، هذا العاقل، انظروا! ما شاء الله، ما شاء الله، في الكبير والصغير، يمشي على قانون الشرع. هذا العقل. قال، وهذا الفالح، أي هذا المُفلِح، هذا الفالح المُنجِح، الفالح! اللهم اجعلنا مُفلِحين مُنجِحين.

إخواني وأخواتي:

وكان يقول مالك بن دينار إنكم لترجون أو تنتظرون المطر، وأنا أنتظر الحجر. لماذا؟ من شؤوم ذنوبه. قال هو كذلك! هو عنده ذنوب كثيرة، ويخاف من أن يُدمِّرهم الله بسببه. هناك عطاء السُلمي. هذا العابد الزاهد الجليل، الذي بلغ من خشيته وتوقيره وإجلاله لربه – لا إله إلا هو -، أنه لم يرفع بصره إلى السماء أربعين سنة، انظر! انظر إلى الخجل من الله والتواضع لله، طيلة أربعين سنة لم ينظر في السماء، شيء غير طبيعي، شيء غير طبيعي! وعنده الشيء نفسه، كان إذا أصاب أهل بلده أو بلدته سوء – أي شيء، محل، غلاء الأسعار، مرض، وباء، أي شيء -، ماذا يقول؟ هذا من شؤوم عطاء. هذا من شؤومي، يا ليتهم أخرجوني! لو أخرجوني من بلدهم، ما نزل بهم البلاء. بسببي أنا – قال -، كله بسببي! وهؤلاء – ما شاء الله – يزنون، ويسكرون، ويحششون، ويأخذون أموال الناس، ويقولون لك هذه محبة، ونحن هكذا، ولا يُوجَد خوف علينا، نحن وضعنا مُمتاز، وكُن على طريقنا، وسيكون وضعك مُمتازاً. من أين هذا يا كذبة؟ من أين أتيتم بهذا؟

وطبعاً كما قال ابن الجوزي مرة، الشيطان لا يتلصص إلا في ظُلمة الجهل. هل يقدر الشيطان أن يضحك على عالم؛ على عالم فاهم؟ لا يقدر. يضحك على مَن؟ على الجهلة. وكلما ثخن حجاب جهل المرء – والعياذ بالله -، تسنى للشيطان أن يتلصص بحريته، أي (على كيفه)، (على كيفه) طبعاً! ولذلك هؤلاء الصوفية أو المُستصوِفة بالأحرى، الزنادقة منهم أعني والحلولية والإباحية، يحرصون جداً على تجريف عقول مُريديهم، ويُزهِّدونهم إلى الغاية في العلم الشرعي وطريق طلبه، هذا هو طبعاً، دائماً! ويُحطون على العلماء؛ العلماء طلّاب دنيا، العلماء فسقة، العلماء فجرة. لا يا حبيبي، هذا كذب، هذا كذب وغيبة عظيمة، ستُسأل عنها يوم القيامة. من العلماء أبو حنيفة، والشافعي، والصادق، وزيد، ومالك، وأحمد، وغيرهم. وهؤلاء أولياء الأمة أصلاً، هؤلاء هم أولياء الأمة، هؤلاء فجرة وفسقة وما إلى ذلك، لأنهم ليسوا على طريقتكم طبعاً؟ شيء غريب، يُزهِّدون! لماذا؟ لكي تسنح لهم وتتسنى لهم الفُرص المُتجدِّدة، أن يضعوا في فهمك وعقلك ما يشتهون وما يهوون، من غير مُمانَعة، وأنت تقبل، حتى ولو كان تغول العِرض – والعياذ بالله -.

قال لي هذا الأخ الفاضل المُوفَّق – إن شاء الله – الآتي. وهو لو لم يكن مُوفَّقاً، ما حذَّره الله من طريقهم، بعد أن لازمهم عشرين سنة. الحمد لله، نسأل الله التوفيق ودوام التوفيق. قال لي يا شيخ والأمر ليس هكذا فحسب – والعياذ بالله -، يُعلِّمون المُريدين أن الواحد منهم إذا تحرَّك فيه شيء من غيرة – أي إذا أدخل زوجته أو ابنته على الشيخ -، فهو غير مُحِب صادق لله ولرسوله. إلى الآن أنت لم تعرف المحبة! المحبة التامة أن تُعطينا عِرضك، ولحمك. أي دياثة، المحبة عندهم دياثة، الإيمان الكامل عندهم كما قال ابن الجوزي دياثة كاملة! هذا البعيد لا بد وأن يكون ديوثاً كاملاً – أكرمكم الله -، ولن أقول أكثر من هذا، فهذا لفظ شرعي، وهناك ألفاظ عامية، لا! ديوث البعيد، الديوث الكامل هو المُؤمِن الكامل، يُسلِّم عِرضه من غير أن يزعل، من غير أن يجد أي غضاضة. وعلى فكرة مثل هذه الحالة بالضبط، ذُكِرت في كُتب التاريخ عن هؤلاء الإباحية، وكانوا يقولون الإيمان الكامل هو الذي لا تشوبه أدنى غيرة. تُسلِّم وأنت راضٍ ومبسوط، أعوذ بالله! ما هذا؟ ولا يدخل الجنة ديوث. النبي قال لا يدخل الجنة ديوث. وعلى فكرة الدياثة هذه مراتب، ربما يكون من أدنى مراتبها أن الواحد يُظهِر الناس على جمال زوجته، وافهموا أنتم ما قصدي طبعاً، لأننا صرنا في عصر – ما شاء الله – ليس عندنا فيه أخلاق لا عربية ولا إسلامية، لا لأخلاق الكُرد ولا التُرك ولا الفُرس ولا العرب، هناك أخلاق المُسلِمين، وهم عندهم غيرة وشرف. قال في فيسبوك Facebook وتويتر Twitter هناك مَن يُصوِّر امرأته، ويُصوِّر بناته، وفي أحوال غريبة وهن مُتجمِّلات، ويضعها على هذه المواقع. لماذا يا حبيبي؟ لماذا؟ وأين الغيرة؟ ألا تستحي على نفسك أنت؟ أي أنت فرحان بزوجتك وتقول هي حلوة جداً؟ حسبنا الله ونعم الوكيل يا أخي، ضاع! الأمة تذوب، حتى أخلاقنا تذوب، لا تُوجَد رجولة، الرجولة حتى غير موجودة، ليس فقط الدين، دعك من الدين، حتى المروءة والرجولة غير موجودة، غير موجودة! المُؤمِن لا تُوجَد عنده دياثة، المُؤمِن غيور، والله غيور، والنبي كان يقول أتعجبون من غيرة سعد؟ ليس سعد بن وقاص، وإنما سعد بن عُبادة، وليس ابن مُعاذ حتى، وإنما ابن عُبادة،. كان غيّاراً جداً، لا يُمكِن أن يُركِب زوجته على فرس ركب عليه رجل من قبل، شيء عجيب عنده، نعم! قال لك لا. غيرة، غيرة! قال لهم أتعجبون من غيرة سعد؟ فأنا أغير من سعد. أتُريدون غيرة؟ أنا لا أزال أغير على عِرضي من هذا. قال والله أغير مني ومن سعد. الله يغار أيضاً، كيف يغار؟ وغيرة الله أن تُنتهك ماذا؟ حُرماته. وهؤلاء الصوفية – الكذبة منهم طبعاً – ينتهكون حُرمات الله، ويُبرِّرون لهذا ويُشرعِنون هذا، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ۩، قطع الله دابرهم.

وأنا قلت لكم إن أبا حفص بن شاهين، فيما ينقل ابن الجوزي، قال في بغداد، في زمن عضد الدولة، وهو البويهي – هذا في زمن عضد الدولة -، ظهرت فرقة من هؤلاء – والعياذ بالله -، يُبيحون الاختلاط ويُبيحون الفروج، فتتبعهم وشرَّد بهم وشرَّدهم، وكان هناك جلد وتعذيب وسجن، حتى قطع الله دابرهم. موجود دائماً هؤلاء، هؤلاء تَلاميذ إبليس، تَلاميذ إبليس! ودائماً إبليس عنده تَلاميذ – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

على كل حال الموضوع طويل، نكتفي بهذا القدر، لكن أنا وعدتكم أن أعرض – ولا بد أن أعرض، ولو في خمس دقائق – لأشهر الشُبهات التي يشغب بها هؤلاء المُتزندِقون الإباحية على الجهلة. أشهر هذه الشُبهات:

أولاً، أن الله غني عن أعمالنا، فالله لا ينتفع لا بخيرها ولا يستضر بشرها. أليس كذلك؟ إذا عملت عمل خير، الله لا ينتفع. وإذا فعلت شراً؛ زنيت وسكرت وما إلى ذلك، الله أيضاً لن يُضَر. فلِمَ نعني أنفسنا؟ هكذا قالوا! لماذا نحن نتعب حالنا، ونجتهد في الطاعات، ونجتهد في البُعد عن المعاصي والمُخالَفات؟ لا، افعل ما تُريد، افعل ما تُحِبه، افعل ما تُحِبه! لماذا؟ لأن الله غني. وكذبوا، وكذبوا!

كشف هذه الشُبهة المكشوفة المفضوحة، يكون أولاً بمعرفة أنها يلزم منها بطريق مُباشِر، لزوماً بيّناً، ماذا؟ إبطال الأمر والنهي. القرآن ارموه، ما عاد يصلح، لن ننظر فيه، لن نتلوه، ولن نهتم به، لأنه أوامر ونواهٍ ووعد ووعيد، ودعونا من الأمر ودعونا من النهي، أليس كذلك؟ أسقطتم الأمر والنهي، وأسقطتم كل شيء. زندقة! هذه الزندقة. هذا أولاً.

ثانياً، حق وصدق أن الله لا ينتفع بأعمالنا، ولا يستضر بها. هذا حق وصدق، وندين الله بهذا، ولكن نحن ننتفع بها، ونستضر بها، في الدنيا والآخرة، وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ۩، حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا ۩. فهل فهمتم أنتم القرآن؟ هذا القرآن، القرآن عظيم، القرآن يقول لك عملك الصالح له أجر دنيوي أيضاً؛  مثل نور في الوجه، بهاء في الخِلقة، قوة في القلب، ثبات في الاعتقاد، سعة في الرزق، محبة في قلوب الخلق، تيسير للأمور، دفع للكروب وكشف لها. هذا هو! جزاء الحسنة – بعون الله -، هناك أجزية كثيرة جداً، ولا يزال هناك جزاء الآخرة طبعاً، وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۩، نعم! وكذلك السيئة، فالقرآن قال لك هذا. هل أنتم فكَّرتم قبل ذلك في الموضوع هذا؛ أنه حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا ۩؟ قد يقول لي أحدكم مع معنى أن يحبط العمل الصالح في الدنيا؟ هذا هو، لأنه لو لم يحبط، لكان له أجر في الدنيا، وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ ۩، العمل الصالح عنده أجر دنيوي – بإذن الله تعالى -، وبعد ذلك عنده أجر أُخروي، وهو الأهم.
فنحن الذين ننتفع بأعمالنا، ونحن الذين نستضر بأعمالنا، هذا القرآن! قال وَمَنْ تَزَكَّى فإِنَّمَا يَتَزكَّى لِنَفْسِهِ ۩، وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۩، وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۩، أليس كذلك؟ انتهى، شُبهة فارغة، راحت وطاحت، كُشفت هذه الشُبهة!

الشُبهة الثانية – كشفناها، ولكننا ننُذكِّر بها – أن الله أرحم راحم، ورحمته أوسع شيء – لا إله إلا هو -، ونحن جُزء من هذه الأشياء، فحتماً (حتماً وقطعاً وجزماً) سندخل في هذه الرحمة، إذن فلِمَ نُعني أنفسنا؟ لا، سنذهب ونفعل ما نُريد، والرحمة ستنالنا ستنالنا. صحيح، كان سيكون هذا حقاً وصدقاً، لو لم يكن إلا مُجرَّد الرحمة. لو الله فقط رحمة، وفقط، لقلنا نعم، هذا سيحدث. لكن الله قال لا، تُوجَد رحمة ويُوجَد عذاب، وتُوجَد جنة وتُوجَد نار، ولذلك يُوجَد رضا ويُوجَد سخط. والصوفية هم الذين علَّمونا هذا – حياهم الله وبياهم، أعني الصوفية الصادقين، حياهم الله وبياهم، وجمعنا في الجنة وإياهم -، وهم الذين قالوا إن الله ستر أربعةً في أربعة. وذكروا منها؛ ستر رضاه في طاعته، فلا تحقرن شيئاً من طاعة الله، وإن كان يسيراً. قد يكون فيه رضا الله وأنت لا تدري، قد يُشكِّل نُقطة حرجة، عندها الله يقول لك انتهى، رضيت عنك، فلا أسخط عنك أبداً. يُعطيك شيئاً أشبه بالمحفوظية – إن شاء الله تعالى -. وستر سخطه في معصيته، فلا تحقرن شيئاً من معصية الله، فربما كان فيه سخط الله وأنت لا تدري. إذن يُوجَد سخط يا حبيبي، يُوجَد رضا ويُوجَد سخط، ولذلك القرآن فيه وعد وفيه وعيد، وفيه جنة وفيه نار، وفيه أمر وفيه نهي.
شُبهة ساقطة، لن نستمع إليها، كلام فارغ! هذه الشُبهة كلام فارغ، وهناك الشُبهة الثالثة أيضاً وهي قوية – كشفناها بفضل الله ومنّه -، وهي: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ۩، وقالوا لك نحن عبدنا وارتضنا وجاهدنا، حتى تجوهرنا. ولما تجوهرنا، علمنا أن مدار الأمر على الحكمة والمصلحة والمعرفة، وقد تحققنا بها، فعلمنا بها – بهذه المعرفة الجوهرانية، أي الــ Essential knowledge، بهذه المعرفة الجوهرانية – أن المقصود بالأمر والنهي ضبط العامة، ونحن لسنا من العامة، فلِمَ نضع أنفسنا في حجر التكليف؟ لا! وسِّع على حالك. ونقول لهم صدقتم وأصبتم، لو أن الأنبياء صدَّقوكم. الأنبياء حرَّموا ما حرَّم الله، وأحلوا ما أحل الله، وعبدوا الله رغباً ورهباً، وحذَّرهم الله من عاقبة عصيانه والتعرض لغضبه.
انظروا يا إخواني، كل مَن تعرَّض للمعصية، فقد تعرَّض للبواء بالسخط، انتهوا! قاعدة قرآنية، إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۩، يستحيل أنك تعبد الله وتفعل الخير بنية صادق وقصد خالص، وتكون مُعرَّضاً للغضب. حاشا لله! تكون مُعرَّضاً للرضا والمحبة، هذا هو أبداً، أبداً! قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۩ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۩. الله قال أُريد هذا، هذا يُرضيني، هذا يُرضيني منكم، هذا يُرضيني منكم وبه أرضى عليكم، وبه أرضى عليكم! إذن كل مَن تعرَّض للمعاصي، فقد تعرَّض للبَوْء – يُقال باء يبوء بوءاً وبواءً، وفي الدعاء أبوء إليك – أو للبَواء، بماذا؟ بالمسخطة، بسخط الله. انتبهوا! القضايا واضحة، والقرآن كريم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

(انتهت التكملة بحمد الله)

فيينا 15/11/2019

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: