إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ۩ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ۩ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاء بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۩ هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ۩ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

لا نزال نعيش في ذكرى صاحب الذكرى – صلوات ربي وتسليماته وتبريكاته وتشريفاته وتمجيداته عليه إلى أبد الآبدين -، ولكنّ أنفاراً من الناس هنا وهناك، يأبون إلا ألا تكون له ذكرى، كيف؟ هل يُمكِن إعدام شخص تُوفيَ وانتقل إلى رحمة الله – تبارك وتعالى – بمعنى ما، وهو أقرب إلى المجاز؟ يُمكِن، يُمكِن إعدام شخص، ليس فقط أدبياً أو معنوياً، مادياً، بعد أن يكون انتقل إلى العالم الآخر بزُهاء ألف وأربعمائة سنة. والمقصود بالشخص هنا المُكرَّم – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

لا تزال طبعاً تستمر وتتوالى حملات الإعدام أو مُحاوَلة الإعدام، الأدبي والمعنوي، للنبي الكريم – صلوات ربي وتسليماته عليه -، لكن من زُهاء خمسين سنة، في بداية عقد الثمانينيات، أي من ألف وتسعمائة وواحد وسبعين، فما فوق، وهذا اسمه عقد الثمانينيات طبعاً، وليس السبعينيات. مُنذ بداية عقد الثمانينيات، ومع صعود نجم الاستشراق الجديد، وخاصة مدرسة المُراجِعين أو المُنقِّحين – أي الــ  Revisionists -، هؤلاء المُنقِّحين الذين أبوا إلا أن يُشكِّكوا في الوجود المادي، لأصول الإسلام. أرادوا أن يُقلقِلوا وأن يهزوا أصول الإسلام! وكان منهم، ولا يزال طبعاً، مَن يُصِر على أن محمداً – صلوات ربي وتسليماته عليه – كشخصية تاريخية أسطورة، لم يعد شخصية تاريخية! محمد لم يُخلَق، محمد لم يُوجَد، ابتدعته المُخيلة العربية الأموية بعد زُهاء ستين إلى سبعين سنة من التاريخ المُفترَض له. في خمسمائة وسبعين وُلِدَ – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وانتقل إلى رحمة الله في ستمائة واثنين وثلاثين، أي في عام ستمائة واثنين وثلاثين للميلاد، هكذا تقول الهيستوجرافيا Historiography الإسلامية، لكنهم يقولون هذا غير صحيح، بل هذا الشخص لم يُوجَد أصلاً.

تماماً أرادوا أن يُطبِّقوا الفكرة نفسها، والنتيجة نفسها، أي أن يخلصوا إلى النتيجة ذاتها، التي خلصوا إليها مع السيد المسيح – عليه الصلاة وأفضل السلام -، خاصة مع دراسات ما يُعرَف بالنقد الأعلى – أي الــ Higher criticism -، التي بدأت من أكثر من مئتي سنة، وانتهت إلى أن الوجود التاريخي للمسيح غير ثابت، غير مُبرهَن، بل هو أقرب إلى أن يكون Myth، أي خُرافة أو أسطورة، المسيح لم يُوجَد!

إلى وقت قريب كان أكثر المُستشرِقين وأكثر المُؤرِّخين الغربيين يعتقدون بالعكس تماماً، وكانوا يُصادِقون غير ذلك، حتى أني قرأت لبرنارد لويس Bernard Lewis في أكثر من عمل له، اقتباسه لمقولة إرنست رينان Ernest Renan – من القرن التاسع عشر -، حين قال في كتابه تاريخ الإسلام في بلاد الشام بالفارسية، قال على خلاف أو على عكس مُؤسِّسي الديانات الكُبرى – على خلاف مُؤسِّسي الديانات الكُبرى -، فإن محمداً وُلِدَ في ضوء التاريخ الكامل. أي في ضوء أو في الضوء الكامل للتاريخ. أي محمد يتميَّز بصدقية تاريخية – أي Historical credibility – مُطلَقة أو تامة. وهذه العبارة اقتبستها الموسوعة البريطانية – أشهر موسوعة على وجه الأرض – في إحدى طبعاتها السابقة؛ أن محمداً وُلِدَ في الضوء الكامل للتاريخ، أي Was born in the full light of history. هكذا كانوا يقولون.

جوستاف لوبون Gustave Le Bon مُؤسِّس علم نفس الجماهير، والمُؤرِّخ أيضاً الشهير للحضارات والأديان والمُعتقَدات، في كتابه حياة العقائد، أو حياة المُعتقَدات، قال بين أيدينا تفاصيل وافية بمحمد رسول العرب، أو الإسلام. تفاصيل وافية! وعلى العكس – يقول – من حالة المسيح، الذي لا يُوجَد أي إثبات تاريخي حول شخصيته، حول تاريخيته، باستثناء الأناجيل، ولا يُمكِن لك أن تعود منها بطائل، إذا عُدت إليها في هذا الباب. هذا جوستاف لوبون Gustave Le Bon!

ذهب إلى رأي قريب جداً منه المُؤرِّخ الإنجليزي الكبير أرنولد توينبي Arnold Toynbee؛ أن المسيح قضية مشكوك فيها، في حين أن محمداً وُلِدَ فعلاً في الضوء الكامل للتاريخ.

هذا تقريباً الآن عند هؤلاء – عند هؤلاء الموتورين المُغرَضين – أصبح من الماضي. محمد لم يعد له وجود! يُراد إعدام محمد مادياً؛ لم يُوجَد أصلاً، لم يُخلَق أصلاً، حتى يرتاحوا. فهل يتم لهم ذلك؟ وللأسف كثير جداً من الملاحدة العرب – بل كل مُلحِد عربي للأسف -، وأيضاً غير الملاحدة العرب، وهم المُسلِمون بالاسم والهوية، يُتابِعون هؤلاء على هذا الهُراء. هذا ليس حقائق علمية، وليس حقائق تاريخية. هذا هُراء، أي Nonsense، هذا هُراء علمي، هرطقة علمية، ولا يُمكِن أن تكون مقبولة.

خُطبة اليوم دليل على أن هذا هُراء وهرطقة علمية، لأن هؤلاء يطيرون فرحين، كأنهم أتوا بما لم يدر به أحد من العالمين، كأنهم كشفوا الغطاء والسِتر، كشفوا سر الإسلام الدفين؛ مُحمَّدكم لم يُخلَق أصلاً، كالمسيح. هكذا! وطبعاً نحن نُؤمِن بوجود المسيح التاريخي، استناداً إلى ماذا؟ إلى القرآن الكريم. وليقولوا ما شاء، فالقرآن أنقذ المسيح – عليه الصلاة وأفضل السلام -، أنقذ الصدقية التاريخية للمسيح في نظر كل أتباع القرآن، في نظرهم! وهذه خدمة جليلة يُؤديها القرآن مُجدَّداً أيضاً للديانة المسيحية، كما قدَّم خدمات كثيرة، وخاصة فيما يتعلَّق بشخصية السيدة مريم، وسأُفرِد لهذا خُطبة – إن شاء الله -، لعلها تكون قريبة. على كل حال وكذلك طبعاً نحن نُوقِن ونجزم بالوجود التاريخي لمحمد، والأدلة كثيرة جداً على ذلك، الأدلة كثيرة جداً على ذلك!

وعلى كل حال مَن أراد أن يعود إلى كتاب أتى بكثير من هذه الأدلة في مكان واحد، فهو كتاب المُستشرِق الإنجليزي روبرت هويلاند Robert Hoyland، كتاب اسمه رؤية الإسلام كما رآه الآخرون، اسمه Seeing Islam as Others Saw It، أي رؤية الإسلام كما رآه الآخرون، كتاب يقع في زُهاء تسعمائة صفحة، في السابع والتسعين – أي في سنة ألف وتسعمائة وسبع وتسعين – طُبع هذا الكتاب، وهو كتاب مُهِم جداً، فبعض كبار المُستشرِقين، وخاصة الأمريكان، حين راجعوا هذا الكتاب، قالوا عمل مُتزِن، عمل علمي نزيه، قوي جداً، مُعقَّد أيضاً ومُركَّب – ليس بسيطاً طفولياً -. بخلاف أعمال بعض التنقيحيين أو المُراجِعين، الذين شكَّكوا في الأصول التاريخية للإسلام ونبي الإسلام والقرآن، نُعِتت بأنها أعمال أشبه بأن تكون إثارية أو صبيانية. ليست أعمالاً علمية مُحترَمة، مثل هذا العمل. هذا العمل – أي رؤية الإسلام كما رآه الآخرون – لهويلاند Hoyland، الذي كان أستاذاً للتاريخ طبعاً في جامعة أوكسفورد Oxford، والآن – وربما من قبل طبعاً – هو أستاذ لتاريخ الشرق الأوسط في معهد نيويورك لدراسات العالم القديم. هذا الكتاب – كما قلت – يقع في زُهاء تسعمائة صفحة، أتى بنقول من التُراثات السريانية والبيزنطية والقبطية والفارسية والصينية واليهودية أو العبرانية والأرمينية، شيئ عجيب! واسع جداً جداً في المسح – أو الــ Survey – الذي قام به، أتى بمسح غير طبيعي، ولذلك عنوانه الفرعي؛ مسحٌ – أي Survey – وتقويمٌ، أو تقييمٌ، للكتابات المسيحية – وهو اختصر طبعاً في العنوان – واليهودية والزرداشتية عن الإسلام المُبكِّر – أي  A Survey and Evaluation of Christian, Jewish and Zoroastrian Writings on Early Islam -. هذا العنوان الفرعي للكتاب! تقريباً احتوى على أكثر من مئة نقل، من مئة اقتباس – واقتباس مُطوَّل -، زُهاء مئة وعشرين نقلاً، من كل هذه التُراثات، غطت الفترة التي تلت سنة ستمائة وعشرين، أي من لحظة هجرة النبي، وليس وفاة النبي، لأنهم قالوا لك لا، محمد ليس له أي وجود، لم تُشِر إليه أي كتابات. هكذا قيل، وهذا أنا تابعته مُنذ حوالي ست سنوات، وفي البداية فعلاً أقلقني هذا جداً، هل هذا حقيقي؟ وظللت أُتابِع الموضوع في أوقات مُتقطِّعة – بحمد الله – هنا وهناك باستمرار، وعلى كل حال يقولون هكذا، هكذا يجزمون الكذبة، الفرية، الإفك المُبين! يقولون لا يُوجَد أي إشارة قبل ستين سنة على الأقل من وفاة النبي. بعد ستين وُجِدت، لأن محمداً أخلوقة وأزعومة أموية، أي ألَّفها العرب، لكي تكون لهم أيديولوجية مُعيَّنة، يلتئمون عليها كفاتحين يُريدون غزو العالم. لكن قبل ذلك – قالوا قبل ستين أو سبعين سنة على وفاته المزعومة في الهيستوجرافيا Historiography الإسلامية – لا تُوجَد أي إشارة إلى شخص اسمه نبي عربي أو رسول عربي أو محمد أو مِهمِت Mehmet أو مَهموت، لا في التُراث البيزنطي ولا السرياني ولا القبطي ولا الحبشي ولا الأرميني ولا… ولا… ولا… وهذا شيئ مُقلِق جداً جداً. إذا صدق هذا الكلام، فهذا مُقلِق جداً، لأن لا يُمكِن أن تتحالف كل هذه التُراثات على كتم حقيقة تاريخية، كتم وجود شخص وُجِدَ في التاريخ، أحببتموه أم كرهتموه، لكنه وُجِد، أليس كذلك؟ هل يُمكِن؟ فإن صدق هذا فعلاً، يُصبِح الموضوع حرجاً، أكثر من حرج، حرجاً جداً! وأين؟ لعله يكون فعلاً إذن أزعومة، لكن – بحمد الله – هذا غير صحيح بالمرة، وهذا جزم بالكذب وجراءة على الكذب، ومُحاوَلة مُستميتة صبيانية ومُتعجِّلة لصدم المُسلِمين، لصدم الشعور الإسلامي والضمير الإسلامي؛ أنكم تتبعون وهماً، تتبعون أزعومة.

للأسف بقيَ لدينا أقل من عشرين دقيقة، أقل! أُريد أن أنفذ إلى موضوعي بسرعة ومن أقصر طريق، عن أهم النقول التي وردت في كتاب هويلاند Hoyland – أي Seeing Islam as Others Saw It -. أهم النقول على الإطلاق هي التالية، وأنا سأكتفي بخمسة منها:

أولاً، تعاليم يعقوب، أي The teachings of Jacob، أو Didaskalia Iakobou بالإغريقية، من التراث إذن الإغريقي، البيزنطي عموماً، Didaskalia Iakobou هكذا بالإغريقية، أي تعاليم يعقوب. ومَن هو يعقوب هذا؟ يعقوب شخصية يهودية، تلقى العِماد، أي عُمد، تحوَّل إلى النصرانية، بعد أن أصدر هرقل Heraclius – ملك أو إمبراطور بيزنطة – البيزنطي أمراً بتعميد وتنصير كل اليهود، وإلا طبعاً اضطهدوا أو طُردوا من المملكة. فكان Jacob هذا أو يعقوب أحد الذين تلقوا سر العِماد، عُمد وأصبح نصرانياً أو مسيحياً، جميل! وماذا بعد؟

تعاليم يعقوب – هذه المخطوطة وهذه الوثيقة المُهِمة – مُؤرَّخة في ستمائة وأربع وثلاثين – أي بعد وفاة النبي بسنتين. هاتان السنتان ليس لهما اعتبار. لا اعتبار لسنتين أو لثلاث أو لعشرة أو حتى لعشرين -، إلى ستمائة وأربعين. قريبة جداً، أقرب شيء هذه إلى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، مُهِمة جداً.

في شكل سردية أو روائية أو قصصية تتحدَّث عن حوار بين يهود قرطاجة أو قرطاجنة، بعد أن أصدر هرقل Heraclius هذا المرسوم الاضطهادي. والحوار الآن يجري بين يعقوب الذي تلقى سر العِماد، وبين صديق له. هذا الصديق يُخبِر يعقوب أنه تلقى كتاباً من أخيه إبراهيم، المُقيم بقيسارية في فلسطين، يُخبِره أن نبياً ظهر بين الإسماعيليين، بين العرب – يعني محمداً، عليه الصلاة وأفضل السلام -، وأنه يقود الحروب ضد بيزنطة – التي تُنصِّرهم وتضطدهم -، وأنهم في معركة قريبة – وقعت في سنة ستمائة وأربع وثلاثين، والكلام كان في آب، هذا الحوار كان في آب، في سنة ستمائة وأربع وثلاثين، من العام نفسه – أوقعوا هزيمة مُدوية بالجيوش البيزنطية، وصلت إلى قتلهم لقائد الجيش وهو الحارس الملكي؛ سرجيوسSergius – ذكره بالاسم -، وأن اليهود فرِحون جداً بهذه الأحداث وبهذه المجاريات العجيبة الصادمة.

إذن الكلام عن مَن؟ عن الإسلام، وعن معارك، وعن رسول الله. وفي وقت قريب جداً جداً جداً! إذن كيف يُقال لا تُوجَد أدنى إشارة والتُراثات كلها خالية؟ مُحاوَلات مُستميتة بائسة وتعيسة! والحمد لله، هذا لم نكتبه نحن، ولم نكشف نحن عن هذه المخطوطات وعن هذه الوثائق التاريخية، هم الذين فعلوا، هم الذين فعلوا ومنهم أخذنا. إذن هذا موضوع تعاليم يعقوب.

أيضاً مقالة القس توما Thomas the Presbyter. هناك مقالة مشهورة اسمها مقالة القس توما Thomas the Presbyter. أيضاً مُؤرَّخة في ستمائة وأربعين، قريبة جداً! بعد ثماني سنوات على وفاة الرسول، ليس سبعين سنة، وإنما ثماني سنوات على وفاة الرسول. تُؤرِّخ للحادثة نفسها، أي الحروب التي كان فيها العرب مع نبيهم. وطبعاً يُقال العرب، يُقال الإسماعيليون، يُقال السراسنة. يُقال أيضاً السراسنة! الوصف القدحي التبخيسي، الذي انتشر كثيراً في العصور الوسطى، لكي يُدمَغ به المُسلِمون والعرب، دائماً ما يقولون لك السراسنة، أي وأصبحت تُساوي همجاً وقتلة، على كل حال هي تُؤرِّخ للحدث نفسه، ولكن بدقة أكبر، تذكر تفاصيل أكثر، أي مقالة القس توما Thomas the Presbyter. وتذكر الآتي عن عرب محمد. تقول عرب محمد، وليس محمد العرب، هذا مُهِم لكي نكون دقيقين، لماذا؟ لأن هذه المقالة بالذات لم تذكر أن النبي كان في الجيش. ولماذا أقول الكلام هذا؟ لأن البعض يزعم غير ذلك، تُوجَد بعض الشخصيات العربية – ولن أقول أكثر من هذا – التي تزعم البحث والدراسة، وقد ألَّفوا كُتباً، وطاروا بها الآن في المُنتديات وفي شاشات التلفزيون Television وفي قنوات اليوتيوب YouTube، تزعم أن مقالة القس توما Thomas the Presbyter ذكرت أن النبي كان يقود هذه المعركة. كذب، هذا كذب! كل المصادر الأجنبية التي تحدَّثت عن هذه الوثيقة لم تذكر هذا، بل بالعكس، أنا قرأت لمُعلِّقين فرنسيين وغير فرنسيين غير هذا، يذكرون أن مقالة القس توما Thomas the Presbyter تخلو من أي إشارة إلى وجود محمد بين ظهراني هذا الجيش في تلك المعركة؛ معركة وقعت في فلسطين شرقي غزة بثلاثة عشر ميلاً، بين البيزنطيين وعرب محمد. وعرب محمد، هكذا! وعرب محمد. وهذا متى؟ في ستمائة وأربعين. قريب جداً جداً، ومذكور محمد بالاسم، ويُنسَب إليه العرب. يُنسَبون إليه، أصبحوا أمته، ماذا نُريد؟ هي إشارة واحدة من هذه، وهي مُوثَّقة، وينتهي كل شيئ، ينتهي! كافٍ إذن، ولكن هناك إشارات كثيرة – بفضل الله تبارك وتعالى -.

أيضاً هناك أمر لا يقل أهمية عن هذه الإشارات المُتقدِّمة، هذه تستمد أهميتها من تقدمها التاريخي؛ الأولى في ستمائة وأربع وثلاثين، إلى ستمائة وأربعين، والثانية في ستمائة وأربعين. والآن من ستمائة وستين، أي أقل من ثلاثين سنة، أقل من ثلاثين سنة! ثماني وعشرين سنة، ثماني وعشرين سنة! هناك تاريخ هرقل A History of Heraclius، الذي عُرف هكذا، وهو للمُؤرِّخ الأرميني الشهير سيبيوس Sebeos. المُؤرِّخ سيبيوس Sebeos الأرميني وضع كتاباً في التاريخ، تُرجِم من حوالي ربما أربعين سنة وليس أكثر، إلى الإنجليزية، وسُميَ تاريخ هرقل A History of Heraclius، لأنه كتب هذا التاريخ دون أن يُعطيه عنواناً – أي Title -، بغير عنوان، أي هذا الكتاب كان Untitled. على كل حال هذا مُهِم جداً، لماذا؟ لأنه يعود إلى ستمائة وستين. أي قريب جداً من ماذا؟ من وفاة رسول الله. في الدائرة التاريخية الضيقة نفسها!

للأسف أنا قرأت قبل حوالي خمس أو ست سنوات لمُستشرِقين غربيين، قالوا لك تاريخ سيبيوس Sebeos يخلو تماماً من أي إشارة إلى محمد. كذب، كذب وقاح! شيئ عجيب، كما قلت لكم أي يبدو أن بعض الناس عنده رغبة في هذا، فربما بعضهم لا يتعمد الكذب، ولكن عنده رغبة، رغبة جامحة، نزوة طاغية، ألا يثبت الوجود التاريخي لمحمد، وتجد أنه مر على سيبيوس Sebeos مرور الكرام، فلم يجد شيئاً، فقال لك أنا قرأته وهو يخلو من هذا. لا، لا يخلو، بالعكس! كل المُؤرِّخين، وهويلاند Hoyland منهم، قالوا لك غير صحيح أبداً، فيه فقرة واضحة، وأكثر من واضحة، وأكثر من ثمينة، تُؤكِّد الصدقية التاريخية لمحمد – عليه الصلاة وأفضل السلام -. يتحدَّث في هذه الفقرة سيبيوس Sebeos عن كيف لجأ اليهود إلى العرب بعد الاضطهاد البيزنطي لهم من هرقل Heraclius أيضاً، وكيف اضطروا إلى أن يلجأوا إليهم، أي هؤلاء اليهود غير حتى يهود الجزيرة الذين لجأوا من قرون سابقة، لجأوا إلى الإسماعيليين، أي إلى العرب، وأفهموهم أننا ذوو قُربى، أن واشجة كبيرة تجمعنا، كما يدل الكتاب المُقدَّس. يقول سيبيوس Sebeos ولكن يبدو أنهم – أي قادة اليهود – لم يُفلِحوا في إقناع عامة الأمة – أي اليهودية – بهذه الطريقة – أي أن هناك فعلاً قرابى بيننا وبين هؤلاء الإسماعيليين، وأنه ينمينا نسب واحد إلى إبراهيم الخليل، أبي التوحيد -. لماذا؟ قال لأن عباداتهم مُختلِفة جداً. وهذا ينطبق على ماذا؟ على العرب الوثنيين، المُشرِكين، عبّاد الأوثان! واليهود مُوحِّدون في الجُملة.

على كل حال، ثم يستطرق سيبيوس Sebeos، فيقول وهكذا ظهر رجل جاد – رجل جاد، غير هازل، لا يلعب، هكذا يصفه! أي Serious man، قال رجل جاد – كان يعمل تاجراً، بين ظهراني العرب، وعرض نفسه كأنه مُرسَل من عند الله، مأمور بهدايتهم والتبشير – أي الدعوة، Preaching، هكذا يقول مأمور بهدايتهم والتبشير – بينهم. قال ولما اقتنعوا بفكرته، التأموا تحت حُكمه – أي وحَّدهم -، وآتاهم بشرع مُوحَّد أيضاً -. آتاهم بشرع مُوحَّد! واضح جداً، وعلى فكرة ذكره بالاسم؛ Mehmet. قال رجل جاد، اسمه Mehmet. أي محمد، هكذا بالأرمينية. سيبيوس Sebeos قال هذا، وهذا في ستمائة وستين! فقرة بكنوز الدنيا – بفضل الله -.

محمد التاريخي صادق مئة في المئة، لا يُمكِن إنكاره. على كل حال قال ومما جاء في شرعه الذي شرعه لهم أن حرَّم عليهم أكل الميتة وشُرب الخمر، كما حرَّم عليهم الزنا والكذب – ولعله يعني الزور -. على كل حال هذا ما ذكره سيبيوس Sebeos، وهو كلام دقيق ومُوافِق للحقائق، مُوافِق للحقائق!

ولذلك أنا رأيت أن كبار التنقيحيين لم يُشكِّكوا في الوجود التاريخي لمحمد، مثل باتريشيا كرون Patricia Crone الدنماركية، وهي تَلميذة وانسبرو Wansbrough، المشهور بدراساته، والذي دشَّن ربما الداراسات التنقيحية أو المُراجعاتية. وانسبرو Wansbrough تَلميذته باتريشيا كرون Patricia Crone، التي عُرفت بكتابها – تحدَّثت عنه مرة هنا، ربما قبل سنتين – تجارة مكة وظهور الإسلام. هي تعتقد – وصرَّحت بهذا – أن الوجود التاريخي لمحمد ثابت، لا يُمكِن التشكيك فيه. قالت هناك إشارات كثيرة. وهي لم تُشكِّك في الوجود التاريخي، شكَّكت في موضوعات أُخرى؛ مهد الإسلام أين؟ ليس مكة. عندها ليس مكة، مكان آخر! وتحدَّثنا عن هذا، ولكن هي مُؤمِنة بالوجود التاريخي لمحمد، بغض النظر عن رأيها في مسائل أُخرى وفي شخصية محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

مايكل كوك Michael Cook تَلميذها أيضاً، تَلميذها ويُؤكِّد هذا تماماً، قال الدلائل التاريخية على وجود محمد أكثر وأقوى من أن تُنكَر. وهذا من التنقيحيين، الذين عندهم هذا الاتجاه التشكيكي في أصول الإسلام جُملةً. لكن قضية الوجود التاريخي لمحمد بالذات – أي الصدقية التاريخية – أمر أصعب من أن يُشكَّك فيه.

إذن فليستفق هؤلاء من أحلام يقظتهم أو أحلام كوابيسهم، حين يزعمون أن قضية محمد التاريخية غير مُثبَتة، وأنه آن للمُسلِمين المساكين المُستغفَلين أن يستيقظوا، لأنهم يتبعون وهماً وأسطورةً. لم يتم هذا، ولن يتم على مدى الدهر – بإذن الله تبارك وتعالى -.

أيضاً نأتي الآن إلى مقالة جويدي Guidi المجهولة. هذه اسمها مقالة جويدي Guidi، نسبة إلى الإيطالي الذي اكتشفها؛ إغناطيوس جويدي Ignazio Guidi، أو تُسمى خوزستان Khuzistan؛ مقالة خوزستان Khuzistan، تُنسَب إلى راهب نسطوري، من جنوب العراق، ومُؤرَّخة بين ستمائة وستين وستمائة وسبعين. هذا الراهب النسطوري يتحدَّث فيها عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، ويصفه بالرسول، ويصفه بالهادي، ثم يستطرق به الحديث إلى مقام إبراهيم، وكيف كان يُعظِّمه العرب ويُقدِّسونه، من باب إحياء تُراث إبراهيم… إلى آخر الكلام، وهذا الدليل مُهِم.

وأخيراً يُوجَد لدينا مقالة رؤيوية، بنص عبراني، تنتمي إلى القرن السابع الميلادي، أي ستمائة وشيء؛ في ستمائة وخمسين، أو ستمائة وسبعين، أو ستمائة وثمانين، ولكن اقتبستها مقالة عبرانية من القرن الثامن، وعلَّقت عليها. منشورة وموجودة حتى على النت Net، وهناك كلام كثير عنها، باسم ماذا؟ The Secrets of Rabbi Simon ben Yohai. المُهِم اسمها أسرار الرابي شمعون بن يوحاي Simon ben Yohai. أسرار الرابي شمعون بن يوحاي The Secrets of Rabbi Simon ben Yohai. هذا رابي يهودي، كان مسجوناً في سجون البيزنطيين أيضاً، وعرض له الملَك ميتاترون Metatron، وميتاترون Metatron في الأدبيات اليهودية القروسطية التي تنتمي إلى يهودية الأبوكريفا هو إدريس – عليه السلام -، هو إدريس، أنوش Enoch، جد إبراهيم – عليه السلام -، لأن الله أصطفاه وأخذه ورفعه إلى السماء، هكذا تذكر هذه الأدبيات على كل حال.

فميتاترون Metatron ظهر لشمعون Simon الرابي في سجنه، وبشَّره بأن الرب المُبارَك القدوس تأذن بأن يبعث مملكة إسماعيل، التي ستُنقِذكم من شر مملكة إدوم، أي البيزنطيين، الملاعين، وأنه أرسل فيهم نبياً – هذا هو، أرسل فيهم نبياً -، هو الذي سيقوم بهذه المُهِمة. فشمعون Simon التفت إلى ميتاترون Metatron الملَك – الــ Angel -، وقال لهم ومن أين لنا أن نعرف أنهم سيكونون خلاصاً لإسرائيل – أي لشعب إسرائيل -؟ فقال له على نحو ما ذكر إشعياء Isaiah النبي كما في الكتاب المُقدَّس، تحدَّث عن راكبي العربات، وتحدَّث عن رجل راكب حماراً، وعن آخر يركب جملاً. في إشارة واضحة إلى يسوع المسيح – عليه السلام – الذي يركب الحمار، وإلى محمد راكب الجمل.

صلى الله على محمد، وعلى عيسى، وعلى سائر أنبياء الله ورُسله، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً. اللهم أحينا على سُنة نبيك – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً -، وأمِتنا على مِلته، واحشرنا يوم القيامة في زُمرته.

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩، حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا 29/11/2019

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: