اليوم أيها الإخوة والأخوات كما وعدتكم – إن شاء الله تعالى – ومُواصَلةً لدروسنا في علم مُقارَنة الأديان سأتحدَّث إليكم عن فلسفة – ليست ديانة بلا شك طبعاً بأي شكل من الأشكال وإنما فلسفة – تأملية صينية، تحدَّثنا عن الهندوسية وهي تنتمي إلى القطاع الهندي، اليوم سنتحدَّث – إن شاء الله – عن الداوية أو كما هي مشهورة الطاوية، لكن الأدق أن تُلفَظ بالدال: الداوية، وتُكتَب بالتاء هي، وكثيرون يلفظونها بالطاوية، لا بأس! 

الطاوية: Taoism بالإنجليزية وTaoismus بالألمانية، ما هي الطاوية؟ مَن الذي أسَّسها أو يُعتقَد أنه أسَّس هذه الفلسفة التأملية؟ تُنسَب في العادة هذه الفلسفة التأملية إلى فيلسوف يُعرَف باسم لاوتسو Lao-Tzu، Tzu بالصينية بمعنى دائماً المُعلِّم أو السيد أو الرجل الجليل، إلى آخر الكلمات التي بهذا المعنى، أكثر العلماء يقولون Tzu بمعنى المُعلِّم أو الأستاذ، Lao معناها المُسِن الهرم، عالي السن، إذن لاوتسو Lao-Tzu الرجل المُسِن أو المُعلِّم المُسِن أو السيد المُسِن أو النبيل المُسِن، وطبعاً كما هو واضح هذا لقب وليس اسماً، لقب لهذا الرجل الذي يُنسَب إليه تأسيس هذه الفلسفة، إذن لاوتسو Lao-Tzu: الرجل أو المُعلِّم المُتقدِّم في السن.

ما نعرفه عن لاوتسو Lao-Tzu في الحقيقة ضئيل جداً، حتى أن بعض المُحقِّقين من العلماء يشك في وجود هذه الشخصية أصلاً، بعضهم يُرجِّح أن هذه الشخصية لم تُوجَد يوماً أصلاً، لم تكن موجودة، شخصية أسطورية مُخترَعة مُبتدَعة ونُسِبَت إليها أشياء، لكن أكثر العلماء لا يذهبون إلى هذا المذهب، أكثرهم لا يذهبون إلى هذا المذهب ولكن يُؤكِّدون أن ما نعرفه عن لاوتسو Lao-Tzu هو محدود وضيق جداً وأكثره مُشتَق ومأخوذ من الكتاب الشهير المعروف بالطريق وقوتها: التاو تي تشينغ Tao-te-Ching، وسأتحدَّث عن الطاو Tao هذا، التاو تي تشينغ Tao-te-Ching أي الطريق وقوتها إذا أنثنا الطريق، فيُذكَر أن هذا الرجل تقريباً وُلِدَ سنة أربع وستمائة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، سنة أربع وستمائة – أي ستمائة وأربع – قبل ميلاد السيد المسيح في إحدى المُقاطَعات أو الدويلات الصينية.

وطبعاً هناك أسطورة شائعة تتحدَّث عنه شأن الأساطير التي تُنسَب وتُعزى أو تُحاك وتُنسَج حول مُؤسِّسي الأديان الكُبرى والفلسفات العُظمى التي لها جماهيرية وأتباع كُثر أو كثيرون، فهنا تقول الأسطورة إن لاوتسو Lao-Tzu حمل به نيزك من النيازك، أي Asteroid، ليس أمه مَن حملت به وإنما نيزك من النيازك العلوية، حمل به النيزك ثنتي وثمانين سنة – أي لاثنين وثمانين عاماً – وبعد ذلك قُدِّر لأمه البشرية – من لحم ودم – أن تضعه، فلما وضعته وضعته شيخاً هرماً أشيب اللحية والشعر، لأنه حُمِل به لثنتي وثمانين سنة، وهذه أسطورة طبعاً، هذا الكلام غير دقيق، وطبعاً الأساطير لا تعني الكلام الفارغ والهبل، لا! الأساطير لابد أن تُفهَم بعمق، وطبعاً حتى من قديم من الصعب بل من المُستحيل أن تجد إنساناً له فكر وعقل يُؤمِن بهذا على حديته وحرفيته، لا! لا يُمكِن، يقول هذا مُستحيل، كيف هذا؟ كيف حمل به نيزك؟ ليس هذا هو، لكن هذه الأسطرة دائماً – الأسطرة للأحداث والأشياء – لُغة رمزية، يُعبَّر بها عن معانٍ مُعيَّنة، هذه يُعبِّر بها وهم يُدرِكون هذا تماماً، هذه لُغة ولابد أن تُفكَّك بحسب آليات تفكيكها واستراتيجيات فهمها، وهذا معروف تماماً.

أنا أعتقد – هذا تفسيري الشخصي لهذا الشيئ – أن هذا النفس أو هذه الروح تُؤكِّد الأصل المُشترَك بين كل العقائد وكل الحكايات أو الحكايا المنسوجة حول أمثال هؤلاء الأشخاص، لماذا؟ لأن هؤلاء الأشخاص في نظر الأتباع والمُقلِّدين والأشياع عبارة عن واسطة بين عالمين، ظاهر ما بين العالمين الانفصال الكامل، الغيب والشهادة! يُوجَد شيئ مشهود محسوس ملموس يُتعاطى معه، ويُوجَد شيئ وراء – ماوراء – لا نلمسه، لا نحسه، لا نستطيع أن نعبر إليه ببساطة وبسهولة، لكن نشعر باطنياً بوجوده ونتساءل عنه، شخصياً أنا أعتقد أن هذا المعنى تقريباً يتمتَّع به كل إنسان، حين كنا أطفالاً صغاراً كان يشوقنا ويلذ لنا دائماً مُحاوَلة تخيل الذي يقبع وراء تلك الهضبة، ما هذا؟ مَن الذي يقبع خلفها؟ الذي يقبع في جوف تلك الغابة ما هو؟ الذي يكمن خلف ذلكم الأُفق البعيد المُنقطِع باتصال السماء بالأرض ما هو؟ هذه أبسط فكرة كانت للماوراء عندنا ونحن صغار، وهذا دائماً يُدغدِغ خيالنا، ثم بعد ذلك عبر النظام الرمزي الاعتباطي المُسمى باللُغة – اليوم تحدَّثنا عنه بسهولة – بدأنا نفهم أن خلف الأصوات هذه الاعتباطية ما هو أجل وأدق، إنها المعاني! معاني عجيبة جداً جداً، تكشف مكنونات النفس وأسرار الروح، وبها يُعبِّر الفنانون والشعراء والأدباء والفلاسفة أيضاً والرُسل عن رسالاتهم وفلسفاتهم وأفكارهم ونزعاتهم، شيئ غريب، عبر هذه الأصوات! بدأنا نفهم أن هذه أصوات وتموجات لكن يقبع خلفها أشياء عجيبة جداً، عوالم سحرية، أليس كذلك؟ بسحر الفلسفة والفن والدين، خلف الأصوات! شيئ غريب، إذن تعمق الآن معنى الماوراء، ثم اللُغة بالذات أعطتنا بُعداً أكثر سحريةً وأكثر جاذبيةً لهذه الماورائية عبر نظامها الاستعاري التمثيلي المجازي، أي المجازات – الميتافوريات Metaphors – هذه كلها! 

أنا أشعر – وهذا تحليلي الشخصي، لم أقرأه لأحد – شعوراً عميقاً بأن هذا لون من ألوان البحث عن الله، وطبعاً كل واحد يرى أن الإنسان يتأثَّر بهذه اللُغة المجازية، سواء كانت بلُغته أو حتى بلُغة أُخرى، يتأثَّر! إذا قيل له الشيئ بمُباشَرية هكذا لا يُحرِّكه كثيراً، إذا قيل له بلُغة فيها مجاز يهتز، تهتز جوانحه وأعطافه لهذا الشيئ، لماذا؟ لماذا يسحرنا المجاز؟ وهذا المجاز – كما قلنا – نُعبِّر عنه مرة بالصيغة الأدبية الفنية الشعرية، نُعبِّر عنه بالصيغة الفنية التشكيلية، شيئ آخر من التعبير أيضاً عن هذا المجاز، أليس كذلك؟ غير مُباشِر، لماذا؟ أنا أرى أن هذا لون من ألوان البحث عن الله، أنت تبحث عن الله ولا تعرف أنك تبحث عن الله، وهذا يهزم وأحياناً يُبكيك، تستمع إلى بيت شعر غنائي ربما يُغنيه مُطرِب أو مُطرِبة وتبكي أنت، هو يتغزَّل – مثلاً – في معشوقته، لماذا تبكي؟ يُذكِّرك بالله، لذلك بالمُناسَبة بعض علماء الظاهر من الجامدين الذين لم يفهموا هذا المعنى ولم يقتربوا منه أصلاً – مساكين وفقراء – أنكروا على الصوفية أن يستخدموا لفظ سُعدى وسلمى وليلى في حق الله، هم يا أخي لم يستخدموه في حق الله، وهم يأتون بالبيت للمجنون وهو يتكلَّم عن ليلاه كما هو، ولكن يبكون هم ربهم – لا إله إلا هو – ويشتاقون إليه، هم لم يُسموه أصلاً لحظة ليلى، لكن هذا المجاز دائماً يُؤشِّر إلى الله عز وجل، ليس من حيث يُؤشِّر المجنون إلى ليلاه وإنما من حيث إن المجاز نفسه لُغة للبحث عن المجهول وعن الماوراء، عن ما وراء كل ماوراء وهو الله تبارك وتعالى.

قلت لكم مرة لماذا نتأثَّر جداً حين نسمع المُغني العراقي المُبدِع سعدون جابر – مثلاً – يُخاطِب أمه في الأغنية العظيمة جداً، يُصلي الوطن لعيونك يا جنة، يا أمي! كلام جميل جداً جداً، ما معنى يُصلي الوطن لعيونك يا جنة، يا أمي؟ كلام يا أخي يقشعر البدن منه، لماذا يسحرنا المجاز إلى هذه الدرجة؟ لأننا نبحث عن الله حتى خلف المجاز، انتبهوا! ولذلك حين يأتي هؤلاء الأشخاص المُسمون بالأنبياء أو المُصلِحين العظام أو المُوحى إليهم وحي الفن والإلهام والشعر والأدب ويُريدون أن يصلوا – أن يكونوا همزة وصل – بين العالمين – بين عالم الشهادة وعالم ماوراء الشهادة – فإننا نبخع لهم ونخشع أمامهم ونرى فيهم جانباً ليس حسياً، ليس عادياً! نراهم مُتميِّزين، وتُميِّزهم الأسطورة الآن، نُؤسطِرهم! نرى أنهم أبناء السماء، حملت بهم كواكب أو نيازك السماء مثلاً، أتوا من أُفق بعيد، بعيد وغير منظور وغير محسوس، هذا هو! ليس مُجرَّد كلام أهبل وفارغ، هذا ليس هبلاً وليس كلاماً فارغاً، الناس يفهمون هذا، نحن لسنا الواعين فقط في القرن الحادي والعشرين وهم كانوا غير واعين، بالعكس! هم كانوا أذكى منا بالمُناسَبة، وأقرب إلى طبيعتهم، وما دام الحديث عن الطاوية سيكون الحديث عن الطبيعة والفطرة البِكر الخام الأولى، هو هذا حديث اليوم وهذه الفلسفة الطاوية على كل حال.

بقية القصة والحكاية الأسطورية أقرب وأدنى إلى الواقع العادي، تقول ولما صار هذا الوليد شاباً يافعاً تقلَّد منصب مُدير مكتبة أو سجل المحفوظات الإمبراطورية في ولايته، ويُقال إنه قرأ عشرات آلاف الكُتب والمخطوطات، وكان يقرأ بهدوء، شبه مُنعزِل ومُنفرِد من الناس، وحده! وكل هذه الحكايات وأمثالها تُؤكِّد شيئاً واحداً، أن هذا الرجل دائماً كان يمتلك فهماً عميقاً خلف الفهم الساذج والجاهز، دائماً! وإذا تسنى لك أن تلتقي به وأن تدور مُحاوَرة بينكما سترى دائماً أنه يُسفِّه بطريقة أو بأُخرى فهمك البسيط الساذج الجاهز التقليدي القطيعي، وطبعاً نُذكِّر هنا بأن الصين في تلكم الحقبة التي وُلِدَ فيها لاوتسو Lao-Tzu وأيضاً كونفوشيوس Confucius والذي كان مُعاصِراً له لكن يصغره ببضع سنين وربما بعشرات السنين – غير واضح الأمر – كانت طبعاً دولة تقوم على الإقطاع، لن نتحدَّث عن الخلفية التاريخية لأن في الأصل كانت هناك أسرة شانغ Shang وبعد ذلك جاءت الغزوة المعروفة من أسرة أو من آل تشو Zhou، وهؤلاء غزوا الصين ودعموا الإقطاعيين واستخدموا نظام الإقطاع أو نظام إدارات محلية بالإقطاعيين حتى تتهيأ وتستب لهم الأمور، قصة طويلة! بقيَ هذا ثم انقلب الإنقطاعيون على أسرة الغُزاة تشو Zhou، وتفرَّدوا وحدهم وزاد ظلمهم وعسفهم، لكن أيضاً كانوا إداريين جيدين.

في هذا المُجتمَع يفقد الإنسان فرديته، ويُصبِح محكوماً بعقلية القطيع، في المُجتمَع الإقطاعي يُصبِح الإنسان المسكين محكوماً بعقلية ومزاج القطيع، فوُلِدَ هذا الرجل لكي يُعلِنها صيحةً مُدويةً ضد هذه العقلية القطيعية، ولكي يُعيد للإنسان فرادته واستقلاله، ولذلك في نهاية المطاف سوف نرى أنه وفق المنظور الطاوي الفرد كائن قوي مُستقِل في مُجتمَع هزيل ضعيف، الطاوية لا تهتم بالمُجتمَع، تهتم بالفرد، لا يعنيها المُجتمَع، يعنيها الفرد، تماماً بخلاف الكونفوشيوسية التي يعنيها المُجتمَع كثيراً ولا يعنيها الفرد إلا قليلاً ضمن عنايتها بالمُجتمَع، فمن المنظور الكونفوشيوسي مُجتمَع قوي يدب فيه أفراد مهزولون، فاقدو الاستقلالية، يتحرَّكون بعقلية جمعية أو بعقلية قطيعية، منظوران مُختلِفان! لكنهما مُتعارِضان أو مُتناقِضان قُطبياً، سنشرح اليوم أيضاً معنى التعارض القطبي أو معنى التناقض القطبي في الفكر والفلسفة الصينيين، شيئ مُختلِف لم يُدرِكه العقل الغربي بالمرة ولا يعترف به، وهو طريقة مُختلِفة تماماً في التفكير، مُهِم جداً أن نعرف هذا حتى نستطيع أن نُعمِّق بذور فكرتنا عن جغرافية الفكر والثقافة.

الآن – ذكرت هذا مرة ربما في درسة أو في خُطبة – من ربما عشرين سنة على الأكثر بدأ الأوربيون والأمريكان يكتبون بعض الكتابات وهي محدودة جداً جداً – أنا تسنى لي حتى أن أقرأ ثلاثة أعمال فقط في هذا الباب، محدودة جداً جداً – عن جغرافية الفكر والثقافة، وطبعاً يتناولون الثقافات الأُخرى بنوع من الاحترام الجديد، يقولون لا، علينا أن نحترم الآخر، منظومة مُختلِفة – يقولون – تنتمي إلى عبادة جوهرية مُختلِفة عن ثقافتنا، لابد أن نحترمها، في الأول هذا لم يكن موجوداً، كانوا يقولون هذه كلها بدائية وهؤلاء أُناس مُتخلِّفون، لا يفهمون أي شيئ، نحن البداية ونحن النهاية، لكن الآن بدأوا يفهمون، وبذرة الفكرة الأولى هذه تقريباً كانت مع ماكس فيبر Max Weber، الفيلسوف الاجتماعي أو عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر Max Weber تحدَّث عن جغرافية الفكرة، بذرة بسيطة! الآن بدأوا – وهذا شيئ جيد – يُدرِكون أهمية هذا.

إذن – كما قلنا – عمل مُديراً لسجل المحفوظات الإمبراطورية وقرأ عشرات الآلاف – كما يُقال – من الكُتب والمخطوطات وراكم حكمة تأملية عميقة جداً عبر سنوات طويلة في شبه مُعتزله، تحكي حكاية أُخرى عن لقاء قُدِّر أن يتم بين  كونفوشيوس Confucius الشاب ابن الخامسة والثلاثين وطالب الحكمة وبين الشيخ المُسِن والمُعلِّم القديم أو الكبير لاوتسو Lao-Tzu، تم هذا اللقاء بناء على طلب من كونفوشيوس Confucius نفسه الذي لم يكن طبعاً مشهوراً شُهرة المُعلِّم الوقور، طبَّقت شهرته الآفاق الصينية، وكان مكان اللقاء هو في هذه المكتبة الإمبراطورية، وظل ينتظر الشاب إلى أن فُوجيء بالشيخ المهيب أمامه، جرى حديث سريع عن العدالة والإنسانية، فكونفوشيوس Confucius يُطالِب بتعليم المُجتمَع والأفراد والناس معنى العدالة ومعنى الإنسانية وتعميق هذه المفاهيم، فرد عليه لاوتسو Lao-Tzu باستخفاف قائلاً كم ينبغي على الحمامة أن تستحم في الماء كل يوم لكي تصير بيضاء؟ طبعاً ولا مرة، لأن طبيعتها أنها بيضاء، الحمامة ليست بيضاء لأنها تستحم في الماء كثيراً، قال له وهكذا البشر، فإذا كان البشر – هو يراهم طبعاً هكذا وهو يرى أصالة الخير في الإنسان، وكونفوشيوس Confucius يُوافِق على هذا، هو يحجه بمنطق مُشترَك بينهما – خيرين وعادلين بطبيعتهم فما حاجتهم إلى أن تُعلِّمهم معنى العدالة والإنسانية؟ اتركهم! اتركهم وسيعرفون هذا وحدهم، ليس هذا ما ينبغي أن نُركِّز عليه، أن نكون مُعلِّمين للناس وأساتذة ووعّاظاً بالأخلاق، لاوتسو Lao-Tzu لا يُؤمِن بهذا، ولذلك لم يكن مثل كونفوشيوس Confucius الذي صدَّع رأسه ورؤوس الملوك والأمراء بالزيارات المُتكرِّرة الملحاحة، كونفوشيوس Confucius كان أكثر مجال عمله مع الأمراء والملوك، دائماً من أمير إلى أمير ومن ملك إلى ملك، يُريد أن يضع موطئ قدم ويُريد أن ينتجع أرضاً خصبة لأفكاره ومبادئه، كان عنده ربما هذه الفكرة التي انتهى إليها محمد عبده، لو أن ملكاً من الملوك أو وزيراً كبيراً تبنى فكره لوفَّر على الناس عناء عمل كثير جداً جداً، كان يُريد أن يبدأ من القمة، وخلافاً أيضاً لبوذا المُستنير – سيدهارتا بوذا Siddhartha Buddha – الذي قضى خمسةً وأربعين عاماً من حياته الشاقة الصعبة قطع فيها تقريباً وارتاد فيها كل مجاهل الهند، ومشى في كل الدروب المُغبَرة غير المُعبَّدة داعياً ومُبشِّراً بمذهبه وفلسفته في الحياة الجديدة المُستنيرة، فإن لاوتسو Lao-Tzu لم يفعل شيئاً من ذلك، لم يُبشِّر بين الناس، لم يدعهم، لم يقف على المنابر، لم يخطب ود الأمراء ولا الملوك ولا طلب المناصب، بل عفى وعلَّم تركها والزُهد فيها، استخفافاً ولامُبالاة بكل ما تُقدِّمه من جوائز وحسنات، هكذا كان مُختلِفاً تماماً، ويُقال إنه لما علت سنه وكان في نحو التسعين وكأنه أُحبِط من موقف الناس من فلسفته ومنظوره الجديد للحياة والاتساق والاستقرار والهدوء والطمأنينة ترك بلده وهاجر نحو التبت، ما يُعرَف الآن بالتبت! وهناك على البوّابة بين المجالين وقف حارس وقدَّر أنه أمام رجل مُتميِّز من حيث شكله ووقاره وهدوئه وصمته المُوحي، فقال له أليس من الأفضل يا سيدي أن تعود إلى أهلك وبلدك وتُواصِل وجودك هناك؟ فقال لا، فلما أيس منه قال إذن اسمح لي أن أتطفَّل وأطلب منك أن تُدوِّن لي ولو الحد الأدنى خُلاصة حكمتك، خسارة أن تذهب ثم تموت بعد ذلك فنفقدك، اكتب لنا شيئاً! فاستجاب الحكيم الكبير المُعلِّم القديم لاوتسو Lao-Tzu واعتزل هكذا على مقربة من البوّابة ثلاثة أيام بلياليها وهو يكتب، ثم عاد بعد ثلاثة أيام بكُتيب صغير، بعد ترجمته حتى إلى اللُغات الأُخرى بما فيها العربية مع مُقدِّمات هو هذا، يُقرأ في نصف ساعة، هذا كتاب الطاو، هذا هو! تقرأه في نصف ساعة أو في عشرين دقيقة، ويُمكِن – كما قال هوستن سميث Huston Smith – أن تقرأه خلال العمر كله ولا تنتهي منه، لأنه عميق جداً جداً ومُركَّز ومُكثَّف، هذا كتاب الطاو Tao! الطاو تي تشينغ Tao-te-Ching، أي الطريق وقوته، للأسف بعضهم يُترجِمه طريق الفضيلة، لا! الترجمة الدقيقة لطاو تي تشينغ Tao-te-Ching هي الطريق وقوته، لأن التي Teهي القوة والآن نحن سنأخذ فلسفة القوة، والطاو Tao أحسن ترجمه له أنه الـ Way، أي الطريق، لكنه أوسع من هذا بكثير، هذه الترجمة تُعتبَر مُخِلة جداً ومُبسِّطة، فلسفة كُبرى هذه، لكن هكذا نُترجِمها: الطريق وقوته، الطاو تي تشينغ Tao-te-Ching! اسمه كله الطاو تي تشينغ Tao-te-Ching ويُختَصر بالتاو أو الداو أو الطاو، كتبه في ثلاثة أيام، واستهله بأن اللُغة تعجز وتنكص وتتقاصر عن أن تُعبِّر عن معنى الطاو Tao، استهله بقوله الطاو Tao الذي يُخبَر عنه أو يُمكِن للُغة أن تُخبِر عنه ليس هو الطاو Tao الحقيقي، سراب! يُحاوِل أن يُفهِمك قدر ما تسمح اللُغة، ليس قدر ما نفم نحن ولا قدر ما يتسع فهمك، قدر ما تسمح اللُغة، الطاو Tao أول شيئ طبعاً هو خمسة آلاف كلمة، صغير جداً جداً، خمسة آلاف كلمة مُوزَّعة على واحد وثمانين فصلاً، خمسة آلاف كلمة تُقرأ في عشرين دقيقة، مُوزَّعة على واحد وثمانين فصلاً، فلسفة عجيبة جداً أعاد الغرب الأوروبي والأمريكي اكتشافها في مُستهَل القرن العشرين، ووُضِعَت دراسات عن الطاو Tao وعن لاوتسو Lao-Tzu وعن صوفية الطاوية، شيئ عجيب جداً! ومن أعجب ما يكون.

كابرا Capra – هذا عالم وفيلسوف وفيزيائي كبير اسمه فريتجوف كابرا Fritjof Capra – يكتب كتاباً اسمه الطاوية والفيزياء الحديثة عن علاقة الفيزياء الحديثة – فيزياء النسبية وفيزياء ميكانيكا الكم بالذات الطاوية – ويجد مشابه غريبة جداً جداً جداً، كتاب مُمتاز! أنا وجدت مُتعة غير عادية في قرائته، فهذا هو الفكر الإنساني، كما قلنا أمس العلم نُقطة كثَّرها الجهل، لذلك يُمكِن للإنسان أن يستقطر الحكمة دائماً بمُحاوَلة النزول إلى العمق باختزال الظواهر المُشوِّشة بكثرتها وباختلافتها العرضية الوهمية إلى المبادئ الأولى في كل شيئ، في النهاية سوف نجد أن هناك مبادئ بسيطة بل ربما مبدأ واحد يحكم كل شيئ وينتهي كل شيئ، هذا هو، وهذا ما يُعطيه الفكر العميق.

على كل حال قال الطاو Tao الذي يُمكِن الإخبار عنه ليس هو الطاو Tao الحقيقي، طبعاً هذه ترجمة، هذه الترجمة إحدى الترجمات العربية وهي محدودة، هناك ترجمة للفيلسوف المصري عبد الغفّار مكاوي طُبِعَت في الألف كتاب الثاني قبل زُهاء عشرين سنة، هذه ترجمة ترجمها العراقي هادي العلوي، هو أخو الدكتور حسن العلوي الذي كان ماركسياً، التاو Tao! وهناك ترجمة قام بها أحد السوريين ونشرتها دار العلاء بدمشق علَّق عليها وحشّاها الباحث المشهور فراس السوّاح في الأديان والأساطير والأفكار القديمة، فهذه أشهر ترجمات عربية وهي محدودة، الترجمات الإنجليزية أكثر من أربعين ترجمة، ومن الصعب أن يُقال إن ترجمة هي الترجمة الدقيقة والصحيحة، لأن الترجمة وخاصة لهذه النصوص المُلغِزة والمُشتبِهة هي ترجمة لما تفهم، صعب جداً جداً! هي ترجمة لما تفهم، لذلك أنا حاولت أن أعتمد كثيراً على جوزيف ندهام Joseph Needham، وجوزيف ندهام Joseph Needham لمَن لا يعرفه هو عالم الصينيات، أي المُتخصِّص في الصين وفلسفاتها وأديانها والعلم والحضارة، أشهر عالم صينيات على الإطلاق في القرن العشرين، رقم واحد جوزيف ندهام Joseph Needham الإنجليزي، هذا كتابه مُوجَز تاريخ العلم والحضارة في الصين، وهو مُلخَّص مُمتاز وغير مُخِل، مُلخَّص مُمتاز وعبقري لموسوعته الواقعة في أحد عشر مُجلَّداً ضخم، كتب أحد عشر مُجلَّداً ضخماً عن تاريخ العلم والحضارة في الصين، أحسن دراسة على الإطلاق، هذا ندهام Needham وهو مشهور، علم هذا الرجل! فترجمته لمقاطع من الطاوية والأفكار الطاوية دقيقة جداً جداً، وهو كان يعيش هناك ويعرف اللُغة الصينية، عاش فترة طويلة هناك، المُهم له أبحاث وأشياء ودراسات أثرية في الصين.

نعود، ثم سأله – لاوتسو Lao-Tzu سأل كونفوشيوس Confucius – ما الذي تبغيه أنت؟ ما الذي تهدف إليه من تكرار كلام الحُكماء القُدماء؟ قال له ينبغي أن نتعلَّم كلام الحُكماء، والإنسان – بمعنى ما نقول الآن – يبدأ من حيث انتهى غيره، لابد أن نرى ماذا قالوا هم ثم نُواصِل، قال لكن هؤلاء الحُكماء ماتوا، وصارت عظامهم تُرابا تذروها الرياح، ويوم تأتي اللحظة – انظروا إلى لاوتسو Lao-Tzu، حكيم وعجيب – للرجل أن يقوم ويقول سيفعل ذلك، كأنه يقول هذا قدر مُتجلٍ، هذا ليس بكثرة القراءة وكثرة كذا وكذا، لا! أولئكم أيضاً كانت لهم مثل هذه الحظوظ، هكذا اختيروا، علماً بأنه لا يتحدَّث بلُغة القدر، لن تجدوا روحاً دينية واضحة في كلام لاوتسو Lao-Tzu، لذلك كثير جداً من مُؤرِّخي الأديان والفلسفات يعتبرونه مُلحِداً أو غير معني بالقضية الدينية، لكن سوف نرى أين تلتقي فلسفته مع الروح الدينية وأين تفترق، أنا أرى أنها تلتقي بأكثر بكثير مما تفترق، لكن لم يتحدَّث بلُغة مُباشِرة.

على كل حال انتهى النقاش سريعاً، ثم تركه لاوتسو Lao-Tzu في المكتبة وذهب، ترك ضيفه! فخرج كونفوشيوس Confucius ليجد بعض أتباعه بادروه بالسؤال: ماذا وجدت؟ اللقاء هذا عجيب طبعاً، قالوا له ماذا وجدت؟ لأنه يُثير الفضول، فقال وجدت ما أعلمه من أن الطير يستطيع التحليق في الأعالي، وما أعلمه من أن الأسماك تُحسِن السباحة في أعماق المياه، وأن الوحش يركض جيداً في البراري، فهذا الذي يركض جيداً في البراري يُمكِن أن يُصطاد بالفخاخ المنصوبة له، وذاك الذي يسبح في الأعماق يُمكِن أن تصطاده الشباك، وأما الذي يُحلِّق في الأعالي فتناله النبال والسهام، أما التنين الذي يُحلِّق بعيداً في الماوراء – وراء الغيوب والآفاق – فهذا ما لم يُمكِن صيده، ووجدت لاوتسو Lao-Tzu هو التنين، قال هذا شيئ كبير جداً، أكبر مما تخيَّلت، قال شيئ لا تستطيع أن تستوعبه!

طبعاً هذا الشيئ جعل العلماء يُقدِّرون هذه الروح الحكيمة أيضاً والمُنصِفة والعادلة في كونفوشيوس Confucius الذي أجابه لاوتسو Lao-Tzu بنوع من الاستخفاف ونوع من الاحتقار لمسلكه وطريقته في التعاطي مع الأمور، ومع ذلك لم يمنعه هذا أن يُلاحِظ حكمة الحكيم الوقور وفعلاً أنه أمام حكيم من نوع مُتفرِّد تماماً، لم يقل هو رجل مُتغرطِس أو مُتعجرِف، ما الذي يفقهه؟ هو يستخف بالسلف الصالحين، لا! قال هذا هو التنين، نسيج وحده، شيئ مُختلِف تماماً، ولا تُوجَد إمكانية لاصطياده بأي وسيلة، وطبعاً هذه كلها لُغة مجازية، يُقال هذا هو اللقاء الوحيد، بعض الحكايا الأسطورية تحكي عن لقاءٍ ثانٍ جمع الرجلين المشهورين والذين إلى اليوم يُمثِّلان قُطبي أو جناحي الشخصية الصينية، لاوتسو Lao-Tzu في جهة وكونفوشيوس Confucius  في الجهة الأُخرى، هذا هو! هذه الصين، إذا تحدَّثت عن الصين وأدب الصين والفن الصيني والحضارة الصينية فإنت تتحدَّث عن لاوتسو Lao-Tzu وعن كونفوشيوس Confucius، لا كلام في هذا، هذا هو، تتحدَّث عن هذا وهذا، عن اليانغ Yang وعن اليين Yin، هذا هو! عن القوة المُذكَّرة والقوة المُؤنَّثة، عن العدم والوجود، عن السلب والإيجاب، عن الليل والنهار، هذا هو ! هذا لاوتسو Lao-Tzu وهذا كونفوشيوس Confucius، ولذلك لاحظ بعضهم أنه لو اجتمع لاوتسو Lao-Tzu وكونفوشيوس Confucius حقاً لتكوَّن منها دين أشبه بالدين الإلهي، لكن لابد أن يجتمعا! طالما هما مُفتارِقان لا يُمكِن أن يظهر دين بمعنى الدين الإلهي المُتكامِل، لكن لو اجتمعا الاثنان! فهل يُمكِن أن يجتمعا؟ سوف نرى هذا بعد أن نفرغ في الدرس المُقبِل من شرح الكونفوشيوسية – إن شاء الله – أو بالأحرى التعريف السريع طبعاً بها وليس شرحها، فهذا ما يتعلَّق بشخصية الرجل!

بعض الناس – كما قلت – اشتقاقاً من الطاو تي تشينغ Tao-te-Ching رأوا أن لاوتسو Lao-Tzu هو رجل مُعتزِل يجنح إلى الإنفراد والتفكر والتأمل كفيلسوف حالم، البعض الآخر على العكس تماماً، رأوا أنه رجل كابد الحياة وعاش بين الناس وأراد أن يعيش بفضيلة الطاو Tao، وأن يكون مُتطابِقاً مع الطاو Tao المُتدفِّق من خلاله داخله وخارجه، تصور مُختلِف تماماً! وكله مُشتَق من فهمهم لهذه الفصول التي هي أشبه بالشعر وليست بشعر!

طبعاً قبل أيام قرأت من أسف لأحد مَن ترجموا أعمال الشهيد عليّ شريعتي بطريقة سيئة من خلال حاشية طويلة كتبها، ذُكِر اسم الطاوية فهذا يُحشّي – أي هذا المُترجِم وهو لُبناني – ويتحدَّث عن الطاوية وعن لاوتسو Lao-Tzu وعن كتابه الطاو Tao وهو لا يُدري أنه تُرجِم وعلى ما يبدو أنه لم يقرأه ولا يعرف عنه شيئ، وهو في نظره كتاب شعري عظيم جداً وضخم جداً ويتكوَّن من عشرة آلاف قصيدة، شيئ عجيب! يكتبون ويُترجِمون ولا يستحيون، شيئ غريب! ما هذا؟ معروف أن كل مَن كتب عن الطاو Tao كتب عن هذه الصفحات، معروف أن هذا هو الطاو Tao، ليس أكثر من هذا، لكن هو لم يقرأه ولم يسمع به ثم يتحدَّث عن عشرة آلاف قصيدة، هل تعرفون لماذا؟ لأنه في الطاو Tao أكثر من مرة يُذكَر الرقم عشرة آلاف، من الواحد جاء الاثنان، والاثنان ولَّد الثلاثة، ومن هؤلاء جاء العشرة الآلاف، في الأدب الصيني معروف أن عشرة آلاف هو رقم رمزي يُراد به كل شيئ، هم كانوا يتصوَّرون أن أكبر رقم هو عشرة آلاف، فإذا قال الصينيون عشرة آلاف – مثل بعض الأرقام عندنا – لم يقصدوا العشرة الآلاف، لأن هذا الرقم يعني كل شيئ، فهذا قال الكلمة هذه – عشرة آلاف – فخلط هذا مع هذا وعمل سلطة، ثم قال الطاو تي تشينغ Tao-te-Ching نفسه قصائد شعرية من عشرة آلاف قصدية، وهذا كله كلام فارغ، حاشية طويلة جداً جداً، وتحشي على كتاب المُفكِّر العظيم الشهيد شريعتي رحمة الله عليه! حين يأتي هذا ويتطفَّل على شريعتي وينسب في حاشية كتابه مثل هذا الكلام الفارغ من الحقيقة فهذا شيئ مُحزِن، شيئ مُحزِن جداً للأسف الشديد على كلٍ، وطبعاً يصف الكتاب هذا، لن أذكر اسمه لكنه يصف الكتاب مسحوراً به، فطبعاً يُعطيك انطباعاً بأنه قرأه، لكن هو لا قرأه ولا سمع به، لو قرأه لقرأه في ثلث ساعة ولعرف أنه شيئ مُختلِف تماماً، يقول كتاب عظيم وفيه كذا وكذا، أين هذا؟ من أين عرفت أنه عظيم وما إلى ذلك؟ أنت لا تعرف شيئاً عنه، أنت تكذب للأسف الشديد، لابد من المصداقية! وتقرأ لندهام Needham هنا ثمانين صفحة عن الطاوية فقط في موسوعته، هذه تلخيص للموسوعة، شيئ عجيب جداً جداً، تُغنيك عن قراءة عشرة آلاف صفحة وطبعاً هي مُلخَّص لمُجلَّد كامل، الثمانون صفحة هذه عن الطاوية لندهام Needham، انظر إلى المصداقية العلمية والبحثية يا أخي، دقة عجيبة، غير عادية! وعمق في الفهم يحسده عليه الصينيون أنفسهم، لأنه يعرض حضارتهم بهذا العمق، وكذلك الحال مع هوستن سميث Huston Smith الذي حدَّثتكم عنه مرة، شيئ مُذهِل ومُحيِّر فعلاً في العمق والصدقية الفكرية والعلمية، للأسف الشديد نحتاج إلى شيئ مثل هذا!

نعود أيها الإخوة إلى موضوعنا عن الطاوية، إذن الطاوية إذا ذُكِرت يُذكَر معها هذا الشخص المُؤسِّس: الحكيم القديم أو المُسِن أو المُعلِّم الكبير لاوتسو Lao-Tzu، ويُذكَر معها الكتاب الشهير الطاو تي تشينغ Tao-te-Ching، ويُذكَر معها تشوانغ تسو Chuang-Tzu، تشوانغ تسو Chuang-Tzu تعني المُعلِّم تشوانغ Chuang، وقد قلنا أن Tzu تعني المُعلِّم، تشوانغ تسو Chuang-Tzu هو أشهر مَن بسَّط ووضَّح وضرب الأمثلة بالاستعارات للطاوية، وهو اقريباً عقب لاوتسو Lao-Tzu بنحو ثلاثة قرون أو ثلاثمائة سنة، إذا ذكرنا الطاوية فهذه المعالم الثلاثة أو العنوانات الثلاثة أهم شيئ: لاوتسو Lao-Tzu، الطاو تي تشينغ Tao-te-Ching، والمُعلِّم تشوانغ Chuang، أي تشوانغ تسو Chuang-Tzu، هذا هو! هذا من حيث العموم أو في الجُملة.

نأتي الآن إلى الطاو Tao، قلنا الترجمة المشهورة جداً هي Way، أي الطريق، هكذا يُترجِمونها بالإنجليزية قائلين Way، قالوا Tao تعني Way، لكن هذه ترجمة بالوضع اللُغوي كما قلنا اليوم، باللُغة الصينية الطاو Tao معناها الطريق، لكن هل هذه الفلسفة معناها الطريق وينتهي الأمر؟ وطريق ماذا هذا؟ لا، هي أعقد من هذا بكثير جداً جداً، يُحدِّد المُختَصون ثلاثة أنماط أو مجالات أو رُتب للتعامل مع هذا المُصطلَح: طاو Tao، أول رُتبة الحديث عن الطاو Tao تماماً كما تحدَّث عنه صاحبه في أول فصل، في أول فقرة من أول فصل! الطاو Tao الذي يُمكِن أن يُخبَر عنه – هذا ما تُخبِر عنه اللُغة – ليس هو الطاو Tao الحقيقي، هذا يعني أنه شيئ فوق الوصف، يصفه كما سأتلو عليكم اليوم بعض فقرات الطاو Tao بأنه فوق كل شيئ وتحت كل شيئ وأمام كل شيئ وخلف كل شيئ وقبل كل شيئ وبعد كل شيئ، وطبعاً بلا شك هذا الوصف مُباشَرةً سيُذكِّر بالله لا إله إلا هو، هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۩، لا إله إلا الله، شيئ عجيب! ما هو هذا الشيئ الذي فوق وتحت وقبل وبعد وخلف وأمام؟ شيئ غريب! وهو مبدأ كل شيئ، وبلا صورة وبلا اسم، قال أنا أُجِله، لذلك أُسميه الطاو Tao، أُسميه الجليل أو الأجل، لكن ليس له اسم، من الصعب أن تناله اللُغة، لماذا؟ لأن ما الاسم؟ كما قلنا اليوم الاسم هو لفظ يُوضَع اعتباطاً للدلالة على شيئ، للتأشير على شيئ، هذا الشيئ فوق الإشارة أصلاً، لا تناله حتى إشارات الروح والذهن، كيف تُسميه؟ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ۩، لكن هذا قال لا يُسمى، لكننا سوف نُسميه أيضاً، كما سُميَ الله الله، ثم ذهبوا واختلفوا في هل هو مُشتَق أو غير مُشتَق؟ قصة كبيرة جداً جداً وهي مُعقَّدة، قال سوف نُسميه الطاو Tao، لكن هو لا اسم له، هو شيئ أكبر من التسمية، أكبر من كل شيئ ومبدأ كل شيئ، هل هذا واضح؟

هل يمتاز بعض الناس بمعرفة أعمق بهذا المبدأ؟ نعم، وهؤلاء لا يقولون، كيف لا يقولون؟ لا يُخبِرون، لماذا؟ اللُغة تخذلهم، لا تُوجَد إمكانية للإخبار، إذا لم تعش هذا الشيئ وتمخر عُبابه ويمخر هو من خلالك فلن تستطيع أن تُخبِر عنه، هنا قال لاوتسو Lao-Tzu الذين يعرفون لا يقولون والذين يقولون – كأن يُقال سنُحدِّثكم عن الطاو Tao – لا يعرفون، تماماً كما يقول الصوفية لدينا ما ادّعى مَن ادّعى إلا لخلوه من الحقائق، كل واحد يتكلَّم ويدّعى دعاوى هو لا يعرف الحقيقة، وهو خالٍ أو خلو الحقيقة، لو كان مملوءاً بالحقيقة لما تكلَّم، لأن إذا اتسع المعنى ضاقت العبارة، هكذا يقولون! كلما اتسعت الرؤية اتسع المعنى، وكلما اتسع المعنى ضاقت العبارة، لا تستطيع أن تُعبِّر! فإذا اتسع بسعة المُطلَق – لا إله إلا هو – ضاعت العبارة، فكان أحسن تعبير هو ماذا؟ الصمت، تصمت! لا يُمكِن غير هذا، احترام الحقيقة بالصمت الآن، لأن لا تُوجَد لُغة تنالها، أو كما يُنسَب للصدّيق – رضوان الله عليه – كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، عجيب! حتى ما خطر ببالي في باب التنزيه نفسه؟ قال لك نعم، هذا هو أيضاً، ولذلك أنت تحتاج أن تستغفر الله من تنزيهك، تنزيهك هذا سيكون بوجه من الوجوه تشبيهاً وتجسيماً لا يزال، تخيَّل! وهو تنزيه، لا يزال كذلك! تحتاج إلى أن تُنزِّه الله من تنزيهك أنت، لأنه شيئ فوق العقل، فوق القياس، فوق التجربة، وفوق الاختبار، شيئ غريب، لا يُعبَّر عنه، فهو قال هذا الطاو Tao هكذا!

إذن هذا هو المعنى الأول وهو الأكثر تجريداً، الأكثر تجريداً وإلباساً وتشبيهاً وغموضاً للطاو Tao، هذا كان أولاً، ثانياً الرُتبة الثانية من معاني الطاو Tao رُتبة أدخل قليلاً في باب العياني وأبعد قليلاً عن المُجرَّد، فهناك الهيكل المُجرَّد – إن جاز التعبير والمُجرَّد ليس له هيكل – وهنا الهيكل الذي يكتسي بعض لحم، إذا بدأت تلحظ تلحظ  الدورة التغيرية أو التغييرية العُظمى الحاكمة – كيف تخرج الحياة من الموت ثم تستحيل الحياة موتاً؟ كيف الصغير يصير كبيراً والكبير يعود صغيراً؟ كيف الليل يستحيل نهاراً والنهار يستحيل ليلاً؟ كيف الصيف يعقبه الخريف ويخرج من رحم الخريف الشتاء ومن رحم الشتاء يخرج الربيع؟ إلى آخره، ثم تعود الدورة وما إلى ذلك – وترى أنها محكومة بمبدأ واحد – قال لك – فهذا المبدأ هو الطاو Tao، لكن أنا الآن بدأت ألحظ الطاو Tao من خلال عمله وفعله، ومن خلال ظواهر يُمكِن أن تُلتقَط، هذا هو الطاو Tao بالمعنى الثاني، وكما قلنا هذا الهيكل المُجرَّد اكتسى شيئاً من لحم، فيُمكِن قليلاً الإشارة إليه، يُمكِن تمثيله، يُمكِن وضع الاستعارات والأمثال له، هذا الطاو Tao بالمعنى الثاني!

الطاو Tao بالمعنى الثالث هو المُطابَقة بين الطاو Tao الوجودي أو الطاو Tao الكوني والطاو Tao الشخصي، هناك طاو Tao للفرد وطاو Tao للمُجتمَع، وهناك طاو Tao للوجود كله، وهذا مسلك عملي، هذه طاوية فعّالة، نُطابِق بين هذا وهذا ونُوائم بين هذا وهذا طلباً للحياة الهانئة المُستقِرة، طلباً لأن تفيض وتمخر القوة هذه – قوة الطريق وقوة المبدأ الأول الأكبر هذا – من خلالنا بسهولة وبسلاسة، كما ينساب الماء، بالمُناسَبة أكبر تشبيه أو أوضح تشبيه وآثر تشبيه لدى الأدبيات الطاوية لهذا المبدأ الأول المعروف بالطاو Tao الماء، وسوف نقول لماذا، هم يُشبِّهونه بالماء بالذات، أكثر شيئ وجدوه في المحسوسات يُشبِّهه هو الماء، يُمكِن أن يُشبَّه بالماء بالذات أكثر من أي شيئ آخر، ليس النار، ليس التراب، ليس السماء، وليس الأرض، الماء! المُهِم نتركه يفعل هذا مُستسلِمين لقوة أكبر منا، مُستسلِمين لكينونتنا كما هي، يقول لاوتسو Lao-Tzu أن تفعل معناها أن تكون، وسوف أشرح هذا بعمق، هذه العبارة عميقة جداً، يقول أن تفعل معناها أن تكون، أي ألا تفعل، استسلم للكينونة، استسلم لمنطق الأشياء، لمنطق الطاو Tao، اتركه يفعل بك، اتركه يفعل من خلالك، اتركه يفعلك كما يُريد، وأنت في النهاية سوف تجد نفسك في قمة الفعل من خلال اللافعل، ليس بمعنى الخمود والكسل والدعة، لا! بمعنى فعل الاستسلام نفسه الواعي الإرادي الخيالي لمنطق الطاو Tao، هذا هو الطاو Tao بالمعنى الثالث، وسوف نُعمِّق طبعاً هذا المعنى – إن شاء الله – في الآتي من فقرات هذه المُحاضَرة.

أيها الإخوة:

هناك الطاو تي Tao-te، قلنا هذا الكتاب العجيب اسمه الطاو تي تشينغ Tao-te-Ching، أي الطريق وقوتها، تي Te بمعنى القوة، قوة ماذا؟ قوة هذا الطريق، قوة الطاو Tao، قوة هذا المبدأ الأكبر الأول الظاهر الباطن المُستخفي المُستعلِن، قوة هذا المبدأ اسمه التي Te، وهذه القوة تنطبق مع المعاني الثلاثة للطاو Tao بثلاثة طرق أو بثلاث طرق، هل هذا واضح؟ الطريق وقوته أو قوتها تنطبق، هذا الانطباق والمواءمة بين الطريق وبين قوته بأشكال مُختلِفة ولَّد لنا ثلاثة اتجاهات أو ثلاث مدارس هي المدارس الكُبرى للطاوية، ما يُعرَف بالطاوية المدرسية وهي الطاوية الفلسفية وهي الطاوية التأملية، هل هذا واضح؟ بعد ذلك عندنا الطاوية الدينية وتُسمى الطاوية الشعبية، كهنوتية هذه، مدرسة كهنوتية! هل هذا واضح؟ بمعنى مُؤسَّساتي مُنظَّم، وهي الأكثر تنظيماً بالمُناسَبة، وآخر شيئ ما يُمكِن عنونته بعنوان عام وهو الطاويات الإحيائية، ليست مدرسة وحيدة وإنما مدارس كثيرة كلها ينتظمها ناظم واحد، يُسمونها بعنوان عام وهو الطاويات الإحيائية، وهي مدرسة عملية أشبه باليوجا Yoga، وهي أقرب شيئ إلى اليوجا Yoga، أي يوجا Yoga؟ نحن درسنا اليوجا Yoga وأنواعها الأربعة على الأقل، فهي أقرب إلى أي يوجا Yoga؟ إلى الراجا يوجا Rāja yoga، أقرب إلى الراجا يوجا Rāja yoga التي ختمنا بها والتي تُدعِّم طُرقاً مُختلِفة وتمارين مُختلِفة منها تمارين النفس أو التنفس للوصول إلى حالة الاستقرار الكامل والاستيعاب المُطلَق للأشياء والمعرفة المُستنيرة، قريبة جداً جداً جداً منها، بحيث إن أكثر المُتخصِّصين اليوم في الغرب استعاروا الكلمة السنسكريتية يوجا Yoga من اللُغة السنسكريتية إلى الظاهرة الصينية وسموها اليوجا الطاوية Taoist yoga، كيف يُقال هذا وهي كلمة هندية سنسكريتية؟ قالوا هو هكذا، يُوجَد شبه عجيب جداً جداً، فهل استمدوا منهم؟ ربما لم يستمدوا منهم لكن المشابه واضحة جداً جداً.

طبعاً إذا أردنا أن نتحدَّث عن هذه المدارس الثلاثة فنصيب المدرسة الطاوية الفلسفية المعروفة بالتأملية أو المدرسية سيكون هو الأوفر حظاً، لماذا؟ لأنها الوحيدة التي عندها الكثير لتقوله للعالم، عندها كلام كثير جداً جداً جداً، هذه أقرب – كما قلنا – إلى اليوجا Yoga وليس عندها تفرد كبير، بعد ذلك الكهنوتية هذه أو الدينية أو الشعبية، أنا في تقديري وفي تقدير بعض مَن قرأت لهم هي انحراف واضح عن الطاوية، أي أنها تتبرأ كثيراً من روح لاوتسو Lao-Tzu نفسه، شيئ مُختلِف، انحراف كالذي يُصيب كل الأديان حتى السماوية، هذا أصاب هذه الفلسفة الأرضية، وسوف نقول لماذا، ويُمكِن أن نبدأ بهذا الانحراف!

طبعاً – إن شاء الله – من خلال أو بعد وقوفنا على معالم الطاوية الفلسفية – وهذا سيكون صُلب المُحاضَرة اليوم وسنختم به – سوف نرى لماذا تُشكِّل الطاوية الدينية الكهنوتية هذه انحرافاً عن الطاوية التقليدية، انحرفت انحرافاً حقيقياً!

مثلاً لاوتسو Lao-Tzu لم يتحدَّث عن المعابد أيضاً ولم يتخذ معبداً، كما قلنا لم يتحدَّث بلُغة دينية تقليدية مُباشِرة أبداً في يوم من الأيام، لم يتحدَّث عن الأرواح الشريرة والشياطين والعفاريت والغيلان والملائكة، لم يتحدَّث عن هذا مُطلَقاً! لم يتحدَّث عن السحر وقوة السحر وآثاره، آمن أو لم يُؤمِن بهذا؟ الله أعلم، لكنه لم يتحدَّث عن هذا، لم يُولِه أي أهمية أصلاً هو، هو فلسفته سوف ترون أنها تدور على أشياء مُختلِفة تماماً، وسوف نقرأ اليوم في الطاو Tao هذا، فهي مُختلِفة تماماً، ولاوتسو Lao-Tzu لم يتحدَّث عن هذا يوماً ولم يُعجِبه الحديث عن الخلود نفسه أو طلب الخلود، لماذا تطلب الخلود؟ بالعكس جميل جداً أن تموت، كما تعيش تموت، وهذا منطق الطاو Tao، هذا منطق الطبيعة ومنطق الكون والحياة، وهو جميل جداً.

المُعلِّم تشوانغ Chuang – تشوانغ تسو Chuang-Tzu كما قلنا أشهر واحد بعد لاوتسو Lao-Tzu هذا والأكثر تبسيطاً وتمثيلاً لهذه التعاليم الطاوية – يُحكى عنه أنه لما تُوفيت زوجته دخل عليه أحد أصدقائه الأثيرين فوجده جالساً وفاتحاً رجليه على طولهما ووسع ما بينهما في حالة ابتهاج وأمامه طاس خشبي يضرب عليه ويُغني بأعلى صوته مُبتهِجاً، فوقف هذا مدهوشاً، قال له في النهاية لقد جعلت ابنك الكبر شيخاً وشاخت معك وقدَّمت لك الكثير، فلو أنك لم تذرف دمعةً على رفاتها لكان هذا بالغ السوء، فكيف وأنت تجلس تضحك وتُغني وتضرب على طاس؟ قال له، أي أن هذا أسوأ من السوء ذاته، ما هذا؟ قال له يا صاح لقد أخطأت الحُكم – تشوانغ تسو Chuang-Tzu قال له يا صاح لقد أخطأت الحُكم – على صاحبك، لا أكتمك أنني في البداية حين تُوفيت غمرني الحُزن كما يغمر سائر الرجال، وسريعاً تنبَّهت وتيقَّظت إلى أن زوجتى قبل أن تأتي إلى الحياة من رحم أمها لم يكن لها جسد، موجودة هي ككيان وكروح لكن لم يكن لها جسد، ثم صار لها الجسد، أدت وظيفتها، أتعبتها الحياة، أرادت أن تستريح، وهي الآن يا صاحبي في غُرفة بين السماء والأرض تستريح، أراها هناك نائمة، أليس من الحمق وعدم الوفاء أن أبكي على زوجتي التي تستريح هناك وأنوح؟ دع الأمور تسر كما تُريد، قال له هذا منطق الطاو Tao، هو هكذا، الحياة والموت دورات مُتعاقِبة، شيئ جميل قال له، لا يُمكِن غير هذا، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۩، هو هذا المنطق – قال له – فلماذا أبكي عليها؟ ولذلك أنا لا أفعل قال له!

من كلمات تشوانغ تسو Chuang-Tzu المشهورة التي قالها إن الحياة التي أعطتني – طبعاً هو لا يقصد الحياة التي نعرفها، يقصد الطاو Tao نفسه – ما أُريد وأبهجتني ستُعطيني بالموت ما تُريد وتُبهِجني، أنا أعرف هذا قال، هذا المنطق – سُبحان الله – ذكرته لكم قبل ربما شهر أو أكثر بقليل أو أقل بقليل عن رب العالمين عز وجل، هذا ذكرته لأحد إخواني وهُديت إليه هكذا بالفطرة، بحُبي لله وجدته فعلاً سليماً جداً جداً، قبل أيام يُذكِّر هذا الأخ الناس قائلاً والله مُذ قال لي أخي عدنان هذا الشيئ وأنا في حالة من السكينة والراحة لم يسبق لي أن خبرتها في حياتي، وأنا الآن على أتم الاستعداد، متى يأتي الموت يا أهلاً وسهلاً قال، لم أعد أخاف من الموت، لا أخاف من الموت ولا يُزعِجني ولا يُرعِبني، قلت له هذا حسنٌ جداً وهو كذلك، سألته أنا كم عشت من العُمر؟ قال كذا وأربعين، قريب من الخمسين، قلت له ماذا رأيت في عُمرك؟ نعم بلا شك وبالحري رأيت بعض الأشياء المُنغِّصة لكن في الجُملة ماذا رأيت؟ قال ما رأيت إلا كل خير وإلا كل سعادة من رب العالمين، أكل وشرب وصحة وقوة وأولاد وزوجة وأموال وننام ونقوم، الحمد لله! شيئ جميل جداً جداً جداً، أنا لا أسأل رجلاً – مثلاً – فقد السمع والبصر – مثلاً – أو كثير من حواسه أبداً، هو إنسان كامل تام بفضل الله عز وجل، وهو مُسلِم مُوحِّد، قلت له لماذا تظن بربك الذي غمرك ولا يزال يغمرك بكل هذه النعم أنه سينتقم منك ويسوءك بعد أن تصير إليه وإلى رحمته؟ لماذا؟ هذا سوء ظن شديد جداً بالله عز وجل، بالعكس أنت ترى دائماً أن هذا الخير يزداد بمرور السنين والأيام، أحسن وأحسن! انتبه، لكن هذا لمَن يعرف كيف يعيش والله العظيم! أما العاصي البعيد عن الله – أنا أقول لك – بالعكس هو سيرى النظرية معكوسة، سيقول أنا لا أرى إلا الشر والأمور تضيق علىّ، وطبعاً بالحري تضيق، وكل سنة عن سنة سيُصبِح وجهك أكثر سواداً ونفسك أكثر ضيقاً وحرجاً وحصراً، وسوف تبدأ تكفر بكل شيئ بهيج وجميل، وسوف تعود لا ترى إلا القبيح في الحياة وفي نفسك، وهذا طبعاً بما كسبت يداك، لكن لو عشت بالمبدأ السليم وبالطريقة الصحيحة أنت سترى العكس، وأنا قلت حتى في هذا المجلس الأخير له أنا عندي اعتقاد أكثر من هذا، الناس حين يكبرون انظروا إلى سحناتهم، مُهِم جداً أن تنظر إلى سحنة مَن أمامك، بعد الناس يكبر وتبدأ سحنته تأخذ شكلاً آخر، تزداد سوءاً وعبوساً، يُصبِح – والعياذ بالله – وجهه عبوساً قمطريراً، أليس كذلك؟ يتسخَّم وجهه، بعض الناس تجد وجهه يتسخَّم ويتمسَّح ويتحمَّر، لا أعرف كيف، شيئ غريب يحدث له، وكذلك النظرات التي عنده وما إلى ذلك، شيئ مُخيف! بعضهم العكس تماماً، يكبر ويتخطى الأربعين فيبدأ وجهه تلوح عليه أمارات من نوع خاص، فيها حكمة، فيها سكينة، فيها دعة، فيها جمال، فيها جاذبية، جّذاباً – Attraktiv – يُصبِح، شيئ غريب! ما هذا؟ أنا أقول لك هذه النتيجة، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۩، هذه النتيجة الآن بدأت تُرى في الدنيا، يَسْعَىٰ نُورُهُم ، هذا هو! هذا الآن يلوح نوره في وجهه، هذا في الدنيا، وربما تذكرون قصة ذكرتها على المنبر مرة عن الرئيس الأمريكي لينكولن Lincoln، عجيبة جداً، هذه القصة هزتني، هزت أعطافي والله، كم هذا إنسان عظيم! ولعلي ذكرتكم بهذا – صرت أنسى – قبل فترة، حين أراد أحد وزارئه أن يُرشِّح له رجلاً للمجلس – الكونجرس Congress – أتى برجل، وهذا الرجل تخطى الأربعين، ابن أربع وأربعين أو خمس وأربعين، فرآه ورأى كفايته، الرجل عنده كفاية، كفؤ الرجل، لديه ما نُسميه الكفاءة، لديه كفاية حقيقية، فصرفه ثم قال له لا أُريده، لا يُلائمني، قال لماذا يا سيادة الرئيس أبراهام لينكولن Abraham Lincoln، لماذا؟ قال سحنته لا تُعجِبني، شكله لا يُعجِبني قال له، وجهه لا يُعجِبني، قال له يا سيادة الرئيس هو ليس مسؤولاً عن سحنته، قال له لا تقل هذا، كل مَن تجاوز الأربعين مسؤول عن سحنته، ما هذا يا أخي؟ عجيب! هذا هزني والله العظيم، هزني يا أخي! ما هذه الناس؟ عندهم عمق غير طبيعي، هذا عمق وهو عمق حقيقي، أنت الآن أمام إنسان حكيم، لست أمام رئيس أو فيلسوف أو صحفي، أنت أمام إنسان أُوتيَ الحكمة، لماذا بالذات بعد الأربعين؟ هل قرأت القرآن هذا؟ لماذا اخترت هذا الرقم وهذا الحد في الحياة؟ طبعاً هذا الحد بحسب القرآن الكريم حد إعطاء الشهادة، الصوفية لديهم هذا، وهذا ليس حديثاً لكنه من كلام السادة العارفين بالله: مَن بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهَّز إلى جهنم، اعرف أنك انتهيت، انتبه! ليست لعبة الحكاية، لماذا تلعب أنت؟ هناك مَن بلغ الخمسين وهو لا يزال يلعب، ينصب ويُدجِّل، وهناك مَن بلغ الستين وهو لا يزال ينصب ويُدجِّل، يعصي ثم يقول الله غفور رحيم ويهبِّل، ما هذا؟ إلى متى؟ لا تفهم شيئاً أنت، هذا يعني أنك ضعت، انتهى الأمر، هذا قدرك، ماذا نفعل لك؟ فانتبه جيداً، انتبه! لذلك حتى الذي لم يقترب من الأربعين – بالعكس قد يكون لا يزال في شرخ العشرين وما إلى ذلك – أقول له اتق الله في نفسك -لا أقول لك اتق الله فىّ وما إلى ذلك وإنما أقول لك اتق الله في نفسك – وامهد لحالك، لكي تبدأ تأخذ الثمار – بإذن الله تعالى – حين تصل إلى الأربعين، سوف تعيش أجمل فترات حياتك بعد الأربعين، ما رأيك؟ وطبعاً سوف تكون قواك الجنسية ضعفت، أليس كذلك؟ وسوف ترى أن اللذة والحياة والسعادة ليست في القوة الجنسية، ليست في الجانب الحيواني هذا، لا! في أشياء أُخرى مُختلِفة تماماً، وهذه رسالة الله لنا، لماذا يبعثها فينا؟ يقول لنا هذه أدت وظيفتها في التناسل وما إلى ذلك، لكن الآن اختلف الأمر، السعادة والاستقرار يُطلبان في شيئ آخر وليس في الفياجرا Viagra يا هُبل.

عندنا شيخ مُؤسَّسة دينية كُبرى قبل أشهر في هذا المكتب حدَّثني عنه أحد الأخوة، هو قريبه وهو بروفيسور Professor كبير، هو صديق هذا الشيخ ويُسافِر معه إلى أوروبا وإلى أمريكا، قال لي شيئاً عجيباً جداً جداً، شيخ في الثمانين من عمره! أول ما ينزل يسأل عن الفياجرا Viagra، اخسٍ عليك وعلى أمثالك، نحن نحتاج يا أخي أمثال هؤلاء الحُكماء يشرحون لنا ديننا، نحن نُريد الحُكماء، أنا لا أُريد منك ومن أمثالك في سن السبعين والثمانين أن تُعطيني كلام كُتب وحيض ونفاس ولا يجوز وجاز وقال ابن تيمية وقال الطبراني، هذا لا يعنيني هذا، هذا في الإنترنت Internet موجود، لا أُريد الهبل هذا كله، هذا كله هبل! في الإنترنت Internet هذا موجود، على الأسطوانة هذه موجود، هذه الأُسطوانة أحضرتها اليوم من أجل أبي الريحان، حتى لا أنسى يا أبا الريحان أحضرت لك – لا أعرف تحديداً كم – ربما ثلاثة آلاف كتاب في التصوف، لأنه يُريد أن يُجري بحثاً في التصوف أحضرت له هذه الأُسطوانة، خمسة جيجا Giga! هذه الكُتب في التصوف فقط، هذه الأسطوانة تُعطيني ما تُعطيني إياه كل مُؤسَّسات العالم الإسلامي، لا أحد في رأسه – مثلاً – ثلاثة آلاف كتاب عن التصوف، لا أحد في الدنيا هكذا، لكن هذا في الأسطوانة، هذا كلام فارغ، ليس هذا ما أُريده، أُريد حكمتك الشخصية وحكمتك المعيشة التي استقطرتها من خبرتك وحياتك وتجاربك الروحية، ولا أجدها في أي كتاب، ولا يشرحها أي شارح إلا أنت، وغيرك عندك حكمته الخاصة، فأرني إياها، لكن هذا عنده فياجرا Viagra وليس عنده حكمة، عنده فياجرا Viagra! وهذا إذا ظل في عقله – عقله المُختَل – بعض معلومات الحيض والبيض والنفاس، كل شيئ ضاع، شيئ غريب ومُحزِن، تردٍ! نحن في حالة سقوط يا جماعة، هذا شيخ مُؤسَّسة كُبرى بل الأكبر في العالم الإسلامي، قال أول ما يطلب الفياجرا Viagra، ما شاء الله! وماذا تُعطيك الفياجرا Viagra هذه؟ أتُعيد لك شبابك؟ ماذا تُريد من الشباب؟ أنت كُنت شاباً وكُنت حقيراً، أليس كذلك؟ البعيد كان شاباً وكان قرداً، ماذا فعلت بشبابك أنت؟ قرد! لو لم تعش شبابك كالقرود على المُسافَدة وما إلى ذلك ولم تُفكِّر في هذا لأصبحت شيخوختك شيخة حكيم، أليس كذلك؟ هو هذا، ألا زلت تحن إلى شباب القرود؟ لعنة الله على أيام هذا الشيخ، لا نُريده! أما لو عاش حياته كشاب نبيل – شاب باحث عن الفضيلة، سالك في الطريق المُستقيم بإذن الله – لاستحال بعد الأربعين إلى الشيخ الحكيم، ولأعطانا فكرة عن لماذا ربنا – عز وجل – يأخذ منا ليس فقط قوة التستوستيرون Testosterone وقوة الجنس بل وحتى قوة الذاكرة، ما رأيك؟ قد تقول لي كيف هذا؟ العقل ما عاد كما كان، تجلس مع مُعلِّم عمره وصل إلى السبعين سنة وتقول له يا مولانا حصل كذا وكذا فيقول لك نعم، تأتي إليه بعد ساعة فيقول لك ما الذي حصل؟ تقول له يا مولانا هذا عن القصة التي حكيت لك إياها، فيقول لك قصة ماذا؟ ذكِّرني بها، نعم أنت حكيت لي قصة لكن ما هي يا ابني؟ قبل ساعة قلتها لكنها ضاعت، إذا قرأ كتاباً مثل هذا يستحيل أن يخرج منه بصفحة، المسكين يقرأ ويفهم كل شيئ بشكل مُمتاز ثم يعود بلا شيئ، كل ما قرأه ضاع، لكن أنت تقرأه وتحفظه في خمس جلسات كالكمبيوتر Computer، لماذا إذن؟ لماذا؟ هل تعرف لماذا؟ الله يُريد أن يُوصِل لنا رسالة من نوع ثانٍ أيضاً وهي عميقة جداً جداً، لماذا من نوع ثانٍ؟ من نفس النوع! تقول لنا هذه الرسال في مثل هذه السن لا يعود المطلوب منك أيها الشيخ معلومات، لا نُريدها! موجودة في الكُتب هذه، لا نُريدها! يعود المطلوب منك خبرة لا تتوقَّف على الذاكرة وسرد المعلومات، تتوقَّف على ماذا؟ على اختزال وتقطير واستقطار الحياة ذاتها، ثمانون سنة! هذا لا يُنسى، بالعكس! حتى دون أن تتكلَّم وجودك ومُحياك وإشعاعك وسلوكك وروحانيك سوف تعكس لنا هذه الخبرة، ما رأيك؟ والله العظيم! وكذلك معه بركتك، وسوف نشعر بها، سوف نشعر بها على الأقل روحياً، سوف نشعر بها تماماً، انتبه! ما عُدت تحتاج إلى الذاكرة Remembrance، نحن لا نُريد هذه، الكمبيوتر Computer الخاص بك لا نُريده، لا نُريد هذا الحاسوب ولا أنت تُريده، لكن إذا قلت هذا ليس عندي منه فهذا يعني أنك أصبحت عدماً، كماً مُهمَلاً، أصبحت زبالة البشر، أحسن شيئ لك أن تموت، إذا ما عندك هذا وعندك هذا فأنت انتهيت، أليس كذلك؟ لذلك هؤلاء الناس أيضاً يُعلِن الناس استغناءهم عنهم، يقولون ماعُدنا نحتاج هذا الرجل مثلاً، الذي يُكرِّر نفسه وليس عنده شيئ جديد، لكن ذاك النمط عنده شيئ دائماً، هو عنده كل شيئ وعنده أهم شيئ!

لما التقى كونفوشيوس Confucius بلاوتسو Lao-Tzu كان قريباً من التسعين، وطبعاً هو ما جاء يسأله عن بعض المسائل المُعقَّدة في الكُتب، كُتب الحُكماء! هو لا يُريد هذا، جاء ليسأله عن الكُليات والجوهريات والمبادئ العُظمة في الحياة، وعن الطريق من أين؟ من هذا أم من هذا أم من هذا؟ ثلاث خيارات عندك، فقال له لا، هذا وليس هذا أو هذا، ولماذا؟ من أجل كذا وكذا، هذه ليست ذكريات وليست معلومات، أرجو أن نفهم هذا جيداً ويبقى أمامنا كالمصباح المُضيء، والله العظيم! لأنني أجد القليل مَن يفهم هذا الكلام، أنا لم أسمعه أصلاً للأسف، لا تجدون مَن يقول هذا الكلام، وربما لا نسمعه ونحن صغار فنعتبر أن هذا ليس علماً، مُجرَّد كلام شعري يحكي عدنان ومَن مثله، لكن نحن لا نفهمه، وهذه مُشكِلة! يُريدون أن يعيشوا وأن يتخطوا الأربعين لكي يبدأوا يفهمون ثقل هذا الكلام وحكمة هذا الكلام، أنا مررت بهذه التجربة للأسف الشديد، الكثير من الكلام كنت أقرأه وأنا شاب – شاب وطالب علم – وأعرف أنه حكمة لكن لا أدري وجه الحكمة فيها، لماذا هي ساحرة إلى هذا الحد؟ ما سحرتني! لم يكن عندي اللياقة والاستعداد للأسف، لما كبرت بدأت أتذكَّر هذا الكلام أو بعض هذا الكلام وأرى نفاسته، وفعلاً لا يسمع الجواب إلا مَن يطرح السؤال، هذه هي! لا يسمع الجواب إلا مَن يطرح السؤال، وليس مَن يطرحه شفوياً – Verbal – وصوتياً وإنما مَن يطرحه طرح مُعاناة، ظل يُعاني منه! من عشرين سنة وهو يُعاني بسبب هذا السؤال، ثم جاء ووجد الحكيم الذي يُمكِن أن يُساهِم في إضاءة جوانب الجواب، يُمكِن! فيسأله عنه، ثم يأتيه بعض الجواب ويفقهه تماماً، وهذا الفرق الدقيق العجيب السحري هو الذي جعل العلماء الكبار في العرفان عندنا وفي أصول الفقه يُفرِّقون بين الفهم والفقه، قالوا يُوجَد فرق كبير بين الفهم والفقه، طبعاً أيهما أرقى؟ الفقه، يُمكِن أن أفهم كلامك ولا أفقهه، أنا فهمت كلمة وايتهيد Whitehead التي قلتها أمس في الخُطبة مثلاً، أن الحياة لا تستقر ولا تهنأ ولا تجمل ولا تسعد إلا بمبادئ يسيرة – ليس بمُجلَّدات وإنما بمبادئ يسيرة – تم اختبارها واختبار نجاعتها وفعّاليتها عبر أجيال في مئات السنين بل في آلاف السنين، كلمة حكيمة جداً جداً جداً هذه، قالها فيلسوف عنده كُتب لو الواحد فينا قرأها لن يفهم صفحة واحدة منها، هذا ألفريد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead، لن يفهم أي واحد فينا شيئاً، مُعقَّدة جداً جداً كُتبه، لكن هو بسَّط الأمور، قال هذه الأمور بهذه البساطة، جميل! هذه الكلمة فهمتها ولم أفقهها، بالعكس! لأنني ما زلت إلى الآن أفهم شيئاً آخر، الذي أفهمه أن العلم لابد أن يكون معلومات ومحفوظات وأشعاراً وقال فلان وقال علان وكلاماً أكثر هذرمة وأكثر برماً وما إلى ذلك، هكذا أنا أفهم، ولذلك أنا لن أفقه كلمة هذا الحكيم، لكنني فهمتها، ما معنى فهمتها؟ لُغوياً فهمتها وصرفياً ونحوياً، هذا هو! قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ ۩، هو كان يتكلَّم بلُغتهم، نفهم ما تقوله – قالوا له – لكننا لا نفقهه، لا نستوعب ولا نُذعِن لما تقول، لا نقدر على استيعاب السبب وراء كلامك هذا، لماذا؟ لم يقدروا على هذا لكنهم كانوا يفهمون، كانوا يفهمون اللُغة، أليس كذلك؟ الفقه والفهم! نسأل الله أن يُفقِّهنا في الدين، انظروا إلى هذا، قال النبي مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدين، ليس يُفهِّمه وإنما يُفقِّهه، الفقه!

دي سوسير De Saussure مُؤسِّس علم اللُغويات الحديث السويسري القرآن سبقه والعلماء سبقوه وكتبوا كلاماً كثيراً كأبي حامد الغزّالي وابن القيم الذي كتب عن الكلام هذا فصلاً من أجمل ما يكون في إعلام المُوقِّعين وفي بدائع الفوائد، تحدَّث عن الفرق بين الفهم والفقه، كلامه من أعجب ما يكون! كأنه فيلسوف لُغة، دي سوسير De Saussure في القرن العشرين – في أول القرن العشرين – يكتب عن الفرق بين اللُغة والكلام، قال اللُغة شيئ والكلام شيئ، فهذا رجل يلغو، يلغو ويتكلَّم كلاماً مفهوماً نحوياً، هناك استراتيجيات لتفكيكه نحوياً وصرفياً ومجازياً وبلاغياً، نحن نفهم هذا، لكن يُوجَد كلام، يُوجَد مُستوى ثانٍ اسمه الكلام، يلغو ولا يتكلَّم، ولذلك هو يُفهَم ولا يُفقَه، أرأيتم؟ هذا هو، نفس الشيئ، نفس القصة التي قرَّرناها، فنحن نحتاج إلى أن نفقه وليس إلى أن نفهم، أليس كذلك؟

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: