إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول المولى – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ ۩ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون ۩ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ۩ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:

ما خلق الله – سُبحانه وتعالى – ولا برأ أكرم عليه وأعز عنده وأحب إليه وأشرف مقاماً وأعلى رُتبةً من رسولنا، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، كيف لا وقد نادى – سُبحانه وتعالى – سائر أنبيائه ورُسله بأسمائهم – يَا نُوحُ ۩، يَا إِبْرَاهِيمُ ۩، يَا مُوسَى ۩، يَا عِيسَى ۩ – ولم يُناده ولم يُخاطِبه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – إلا بــ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ۩، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ۩؟ وهو ربه وسيده وخالقه، لكن من كرامته عليه لم يُنادِه باسمه، كيف لا – أيها الإخوة والأخوات – وهو الفرد الفذ الوحيد من خلائق الله الصالحين، ملائكةً مُقرَّبين وأنبياء مُرسَلين، الذي أقسم – سُبحانه – بعمره؟ الوحيد! لم يُقسِم – سُبحانه وتعالى – بعمر أحد، لا من الملائكة ولا من الرُسل، إلا بعمره هو، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، لكرامته عنده وشرفه لديه، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، كيف لا وهو المُرسَل رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩؟ وليس للبشر أجمعين فقط، إنما لِّلْعَالَمِينَ ۩.

أيها الإخوة:

ومن كرامته على ربه ومن تمام الرحمة به – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – أن الله – سُبحانه وتعالى – يستجيب دعاءه في ولأمته، أكرم على الله من أن يُرَد، لأن الكريم لا يُرَد، الله لم يرده في دعائه لأمته، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، فأقام – سُبحانه وتعالى – بذلكم برهاناً على قضيتين كُبريين عظيمتين، القضية الأولى أنه عبده ونبيه ورسوله، وهذا علم من أعلام النبوة، يدعو فيُجاب، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، والقضية الثانية أنه أقام برهاناً على أنه أحب خلقه لديه وأكرمهم لديه، لأن الحبيب والكريم لا يُخيَّب ولا يُرَد، والنبي كان يعلم هذا، عليه الصلاة وأفضل السلام.

سنُطالِع اليوم – بعون الله وتوفيقه – طرفاً من دعواته المُبارَكات والمُجابات لأمته، لأفراد وآحاد من أمته، ذكوراً وإناثاً، وسنرى العجب فعلاً، نحن لا نعرف رسول الله إلا بمقدار ما نُحيط علماً بأحواله وأقواله وأفعاله الظاهرية، الظاهرية! أما باطنه وحقيقته فلا يعلمها إلا الله الذي خلقه، قطعاً هو أعظم وأجل – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – من أن نعرف نحن قدره وشرفه، لا نستطيع! لا نستطيع أن نعرف حقيقة قدره ومقداره وشرفه العظيم عند ربه سُبحانه وتعالى، إنما بمقدار ما نُطالِع من مُختَصاته – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – بمقدار ما تضح لنا صورة أقرب وأدنى إلى حقيقته، لكن بعض المُسلِمين حتى هذه الصورة مُغبَّشة مُغشَّاة ومُظلِمة وبعيدة عنده، بعضهم يهوله وربما يحكم باستحالة بعض ما صحت به النصوص، يقول عجيب يا أخي، هل هذا يقع لبشر؟ مع أن بعضه يقع لأفراد الصالحين من أمته وفي هذا الزمان، كيف لا يقع له هو – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -؟ وإنما هذا من قصور المرآة، من انطماس عين البصيرة والعياذ بالله تبارك وتعالى.

ونبدأ – ببركة الله تبارك وتعالى – بدعوات مُستجابات له فيما يختص بقضية العمر والإمتاع بالقوة والشباب والجمال، روى الإمام السِلفي – أعني أبا طاهر السِلفي رحمة الله تعالى عليه، وليس السَلفي، السِلفي تعني بالفارسية المشقوق الشفة، لأنه كان مشقوق الشفة، رضيَ الله عنه، الإمام الجليل أبو طاهر السِلفي، المُعاصِر لصلاح الدين، وصلاح الدين ذهب وتتلمذ عليه وأخذ منه بعض علم الحديث في مجلس بالإسكندرية، إمام جليل، روى أبو طاهر السِلفي رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه الآتي – عن نصر بن عاصم الليثي أن النابغة الجعدي – عبد الله بن قيس المعروف بالنابغة الجعدي، رضيَ الله عنه وأرضاه، صحابي مشهور – قال أتيت النبي – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – فأنشدته حتى بلغت قولي:

أتيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – إذ جاء بالهدى          ويتلو كتابًا كالمجرة نيّرا.

بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا                                                       وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا.

فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ وبها كان يُكنى النابغة الجعدي، قال إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ قال إلى الجنة يا رسول الله، قال كذلك إن شاء الله، قال النبي – وهذه بُشرى له، هنيئاً للنابغة الجعدي – كذلك إن شاء الله، قال النابغة عبد الله بن قيس ثم قلت:

ولا خير في حلمٍ إذا لم يكن له                            بوادر تحمي صفوه أن يكدرا.

ولا خير في جهل إذا لم يكن له                          حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا.

قال قل، لا يفضض الله فاك، دعا له! قال قل، لا يفضض الله فاك، أي لا فُض فوك، يقول الراوي فما سقطت له سنة، ثم علت سنه، صار في عشر التسعين، في العقد التاسع من عمره، ولم تذهب له سن، وفي رواية سنة، يُقال سن وسنة، كلما سقطت سنة نبتت له أُخرى، هذا الحديث رواه الإمام البيهقي في دلائل النبوة، من حديث أبي أُمامة، قال وعُمِّر عشرين ومائة سنة، ولم تذهب له سن، مائة وعشرون سنة وهو مُعمَّر دون أن تذهب له سنة، طبعاً يتعجَّب أي طبيب من هذا، عجيب جداً! نعم ببركة دعوة رسول الله، لا تقل لي طب وقوانين طبيعة، كلام فارغ! هذه دعوة رسول الله، قال لا يفضض الله فاك، فلم يُفَض فوه، بقيَ ملآن بالأسنان الجميلة، لم يدرد، لم يُصبِح شيخاً أدرد، يُقال أدرد وامرأة درداء، إذا سقط أسنانه أو أسنانها، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.

روى الإمام أبو بكر البيهقي عن أم ولد لعُتبة بن عبد الله، قالت قلت لسيدي عُتبة يا سيدي أيشٍ تذكر عن رسول الله؟ هي تسمع أن سيدها التقى بالرسول حين كان صغيراً، أيشٍ – أي أي شيئ – تذكر من رسول الله؟ قال أذكر، نعم أذكر، وأني لغُلام خُماسي أو سُداسي – أي بطول خمسة أشبار أو ستة أشبار – جئته – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – فأجلسني في حجره ثم دعا لي بالبركة ولولدي، قالت فإنا نعرف ذلك، إنا لا نهرم، لا يُصيبهم الكبر والشيخوخة، تعلو أسنانهم ويظلون مُتمتِّعين بشبابهم وجدة ديباجاتهم وسواد شعورهم في لحاهم ورؤوسهم وغير ذلك، قالت فإنا نعرف ذلك، نعرف آية هذه الدعوة المُبارَكة المُستجابة.

ألهذا الحد؟ نعم، وأكثر من هذا الحد كما ستسعمون وتعجبون، بدعوة من الصادق، الأبر، الأطهر، المُبارَك، الميمون النقيبة، خليل رب العالمين، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ولكن صاحبكم خليل الرحمن، خليل! الحبيب الأعظم والنبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

وقع شيئٌ قريبٌ من هذا لعمرو بن الحمق، عمرو بن الحمق سقى النبي لبناً، وهو صحابي جليل، قُتِل أيام مُعاوية ظلماً، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وكان يُلقَّب بالكاهن، لشدة تعبده وتألهه، فأبو بكر بن شيبة – شيخ البخاري – يروي عن هذا الصحابي الجليل – عمرو بن الحمق رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – أنه سقى النبي لبناً، فأخذه وقال اللهم جمِّله، يقول الراوي فبلغ ثمانين سنة لا يعرف الشعرة البيضاء، شعره بقيَ أسود، يسقط وينبت وهو أسود لا يزال، لم يبيض شعره، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.

البخاري يروي في صحيحه عن الجعد بن عبد الرحمن بن عوف، قال مات السائب بن يزيد وهو ابن كذا وكذا – قيل ابن أربع وتسعين، صُرِّح به في الحديث، ابن أربع وتسعين – ولم يسود شعره، وكان جلداً مُعتدِلاً، في عشر المائة، في العشرية المئوية من حياته، العشرية العاشرة! وهو جلد، أي قوي مُعتدِل، لم يشك سمعه ولا بصره، ولا ابيض شعره، وكان السائب يقول إني لأعرف ما مُتعت بسمعي وبصري – أي وبسائر أعضائي وحواسي – إلا ببركة دعوة رسول الله، أفهمهم لماذا، إنسان في التسعين من عمره يقف هكذا كالعمود وشعره أسود ولا يشكو في بصره ولا في سمعه علة! كيف؟ قال ببركة دعوة رسول الله، النبي دعا لي مرة، دعا لي بهذا، دعوة! ألا هنيئاً له، هنيئاً له! يُمكِن أن يسعد المرء في دُنياه وفي أُخراه أيضاً جميعاً بدعوة من رسول الله، لكن – انتبهوا – نحن مساكين، نظن أننا لو عشنا في زمانه سيدعو لكل منا بما يشتهي، هذا غير وارد وغير صحيح، النبي – سوف نرى هذا، كنت أود أن أُقدِّم بهذه المُقدِّمات، لكن سيضيع الوقت – يُجاب – أي يستجيب الله له – لأنه أصدق الخلق طراً، ليس الصدق فقط في اللهجة، وهو أصدق الخلق لهجةً، وإنما الصدق أيضاً في الحال، إذا دعا لك يدعو لك صادقاً ومن كل قلبه، وأعظم من هذا وأعمق أنه إذا دعا لك يدعو لك وأنت تستحق هذه الدعوة، لا يدعو لك وأنت غير جدير، إن كنت غير جدير لن يدعو لك، وقد رفض طليبات كثير من الناس طلبوا إليه أن يدعو لهم في شأن من الشؤون فلم يدع لهم، كان إذا قُدِّمت إليه جنازة ليُصلي عليها – وبعضهم يكون شهيداً – كان يقول هل عليه دين؟ فإن قالوا نعم، فإن كان النبي عنده شيئ قضى عنه، وإن لم يكن استقضاهم، فإن لم يُقض دينه تأخَّر وقال صلوا على أخيكم، المسألة ليست مسألة فقط دعاء بالكلام مثلنا، ادعوا لنا والكل يدعو ولا إجابة، لا نرى إجابة، لأن هذا كلام، لأنه كلام فارغ، نحكي كلاماً فارغاً، والله لا يقبل دعاءً ودعوة من قلب ساهٍ لاهٍ غافلٍ، لا يستجيب الله، تُتعِب نفسك فقط، بعض الناس يأتي يدعو وكل همه أن يُلحِّن الدعاء وأن يحكي كلاماً مسجوعاً، ما هذا؟ كلام فارغ، الصدق! الصدق في القال، الصدق في الحال، الصدق في الظاهر والباطن، والصدق في محبة الخير للناس.

دلوني على دعوة خص النبي نفسه بها، هل دعا لنفسه بشيئ من أمور الدنيا؟ أبداً، فيما يتعلَّق بأمور الدنيا كان يقول اجعل رزق محمد وآل محمد كفافاً، وقد آتاه الله ذلك، لم يسألوا الناس، لكنهم لم يغتنوا، وظل رزقهم كفافاً، أي على قدهم كما يُقال، على قد حوائجهم، وصبروا على ذلك، عليهم السلام ورضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، هذه هي! لم يدع لنفسه بشيئ، كل دعائه لنفسه كان من شؤون الآخرة ومن شؤون القُرب والوصال مع رب العالمين أبداً، أما أن يدعو لنفسه بشيئ من أمور الدنيا فالدنيا أحقر عنده وأنزل منزلةً من أن يخصها بدعوة، لكن كان يدعو للناس، أنت تُريد البركة أو تُريد المال أو تُريد الولد أو تُريد الجمال أو تُريد العمر أو تُريد القوة أو تُريد النصر، فكان يدعو للناس، ويُستجاب لصدقه، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

يروي الإمام البخاري – ولكن ليس في الصحيح، إنما في الأدب المُفرَد – والإمام النسائي أن أم قيس مات لها ولد، أم قيس هي بنت محصن الأسدي، أخت سيدنا الصحابي الجليل عكاشة بن محصن الأسدي، وعلى ذكر عكاشة وهو أخوها حين سأل النبي مرةً أن يجعله الله من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب كان منهم، دعا له النبي، فقام آخر وقال أنا يا رسول الله، قال سبقك بها عكاشة، لا يدعو لكل أحد، عكاشة يسَّره الله أن يطلب ولبَّاه النبي، وهو منهم إن شاء الله، هنيئاً له، ألا هنيئاً له، سيدخل الجنة بغير حساب، مع السبعين ألفاً، فابتدر أحدهم وقال وأنا يا رسول الله، ادع لي، قال سبقك بها عكاشة، اعتذار لطيف ولبق، لم يقل له لا أدعو لك أو لا تستأهل أو لا تستحق أو لا أُريد، وإنما قال سبقك بها عكاشة، بمرة واحدة وانتهى، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، فأم قيس بنت محصن – أخت عكاشة الأسديين رضيَ الله تعالى عنهما – طبعاً أسلمت بمكة وهاجرت، وأم قيس هذه مات لها ولد، تقول فجزعت، ابنها! جزعت وحزنت حزناً كبيراً، تقول فجزعت وقلت لمَن يغسله لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله، نسيت أنه ميت، من شدة الجزع! تتكلَّم كما نقول ولا تعي ما تقول، لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله، قال عكاشة أخوها فأتيت النبي – صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – فأخبرته، يا رسول الله كانت أختي أم قيس كذا وكذا وكذا، فقال طال عمرها، دعا لها بطول العمر، يقول فلا تُعلَم امرأةً عُمِّرت ما عُمِّرت، أكثر امرأة عُمِّرت، عشرات السنين! الكل يموت، النساء يمن، وهي لا تزال حية، قال فلا تُعلَم امرأةٌ عُمِّرت ما عُمِّرت، ببركة دعوة رسول الله، كلمتان! طال عمرها، النبي لا يتكلَّم هكذا ويذهب كلامه أدراج الرياح، مُستحيل! لو دعا لك بكلمة أو بشطر كلمة سيُلبى، الله أكبر! شيئ عجيب، من كرامته على الله.

أيها الإخوة:

من أعظم كرامته – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – على ربه – سُبحانه وتعالى – أنه كان إذا حرَّم أحداً فهو عند الله مُحرَّم، لو قال له أُحرِّم هذا على النار يُصبِح عند الله مُحرَّماً، لو قال يارب أُحرِّم هذا على الكفّار لم يقتله كافر، مُحرَّم عند الله مُباشَرةً! ما يُحرِّمه الرسول أي ما يمنعه ويحوطه من نار جهنم أو من بأس الدنيا، هو عند الله مُحرَّم ومحوط، كرامةً له، صلى الله عليه وسلم، وسيأتيكم برهانه – إن شاء الله – في وقتهع.

روى أيضاً الإمام أحمد في مُسنَده وأبو يعلى عن عمرو بن أخطب – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، قال استسقى النبي – أي طلب السُقية -، قال فأتيته بقَدح – القَدح هو الإناء، أما القِدح فهو الذي يُستقسَم به، الذي يُستقسَم به اسمه القِدح، يُقال له القِدح المُعلّى، أما هذا فهو القَدح، أي الذي يُشرَب فيه – قد رأيت فيه شعرة، فربما قذرتها نفس النبي، قال فنحيتها، فدعا لي، قال اللهم جمِّله، هناك مُناسَبة بين الدعوة وبين الباعث عليها، بين ظرفها! لماذا؟ قال اللهم جمِّله، لأنه استل الشعرة من الماء، وهذه الشعرة في الماء تقذرها النفوس، لأنها تشين الماء، فدعا له بما هو مُناسِق قائلاً اللهم جمِّله، كما اذهب هذا الشنيع اللهم جمِّله، وهذا من تمام عقله، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، هو لا يُلقي الكلام بما فيه الدعاء جُزافاً هكذا أبداً، كلامه كله موزون، كل كلمة في مكانها وفي موطنها، وكما قلنا وباستحقاقها، لمَن هو مُتأهِّل لها، فبلغ عمرو هذا أربعاً وتسعين سنة، لم تشب له شعرة في لحيته ولا في رأسه، وكان جديد الوجه، كان جديد الوجه، أي وجهه جديد كوجه الشاب.

روى الإمام ابن إسحاق – صاحب السيرة، محمد بن إسحاق – عن بعض رجال بني سلمة، قال كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُحاصِرين لخيبر، وخيبر طبعاً كانت في السنة السابعة للهجرة، فكانوا مُحاصِرين لها، فرأينا ورأى النبي – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – يهودياً يسوق غنماً – قطيعاً من الغنم – ليدخل به الحصن، أي حصن خيبر، فقال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مَن رجل يُطعِمنا من هذه الغنم؟ قال أبو اليسر الأنصاري أنا يا رسول الله، قال هلم، طبعاً هو يُحاصِرهم، كل شيئ مُباح له، انتبهوا! كل شيئ حلال، لأن هذا حصار، حرب هذه، وكل شيئ فيها مُباح، الحربي لا كرامة ولا ذمة لا لماله ولا لدمه، لأنه حربي، في حالة حرب هذه، من جهتين طبعاً، لا أحد يُحرِّم أحداً، حالة حرب هذه، كل شيئ فيها يُستباح إلا ما حرَّم الله، فالمال مُستباح بلا شك، قال فقلت أنا يا رسول، قال هلم، قال فقمت أشتد كالظليم، أي يخطو مثل الظليم، كالظليم! شديد، قال فنظر إلىّ – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مُولياً فقال اللهم أمتعنا به، دعوة بماذا هذه؟ دعوة بطول العمر أصالةً، وأيضاً بالقوة والشدة، لكن أهم من ذلك بطول العمر، أن نُمتَّع به بمعنى لا يموت من قريب، لا يموت عما قريب! قال اللهم أمتعنا به، قال فأدركتها وقد دخل أولاها الحصر، فأخذت اثنتين – أي شاتين – من أُخراها – أي من أُخرى هاته الشياه – فجعلت كل واحدة تحت يد – يبدو أنه كان قوياً جداً، قال فجعلت كل واحدة تحت يد – وأتيت أشتد بهما كأني لا أحمل شيئاً، أي كأنه يحمل كيلو جرام تقريباً، أُناس أقوياء أشداء! هؤلاء أهل العِراك والبِراز والجِهاد والنِضال، كانوا أشداء، قال أشتد بهما، قال فذبحوهما وأكلنا منهما، فكان أبو اليسر من آخر أصحاب رسول الله موتاً، عُمِّر طويلاً طويلاً، حتى مل الحياة ومل العمر، وكان إذا حدَّث بهذا الحديث يبكي، ويقول أُمتِع بنا لعمر الله وكنا آخرهم هُلكاً، أُمتِع بنا قال، النبي قال اللهم أمتعنا به، قال أُمتِع بنا، انتهى! لم تنزل هذه الكلمة، أصابت مُباشَرةً.

ما أبرك رسول الله! ما أدوم بركته! ما أعظم بركته! ما هذه البركة؟! لذلك مَن أراد منكم يا إخواني وأخواتي أن يُصيب حظه من مثل هذه البركة عليه بالصدق، الصدق الكامل، ظاهراً وباطناً في كل شيئ، في كل شيئ! سيُستجاب له، أي أعظم سبب بعد الإيمان لإجابة الدعاء هو الصدق، التحقق بالصدق، في المقال، في الحال، فيما تأخذ، فيما تترك، وفي كل شيئ، صدق حقيقي، وقل الصدق وقل الصادقون، أي في هذا الزمان السوء والعياذ بالله تبارك وتعالى، ولذلك يقول حُذيفة بن اليمان – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مُسنَده – كان – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – إذا دعا لرجل أدركت بركة دعوته ولده وولد ولده، إذا دعا لك تُصيبك البركة وتُصيب ولدك وولد ولدك، لذلك قلنا ما أدوم بركته! ما أعظم بركته! ما هذه البركة؟! وسيأتيكم الآن العجب في هذه البركة، شيئ عجيب جداً، لا يكاد يُتصوَّر.

لذلك أعتقد أن علينا أن نُمعِن وأن نجتهد في أن نتعرَّف على أحوال رسول الله، كما نُقِلت إلينا في الكُتب، في كُتب الحديث والسُنة والسيرة والشمائل، حتى نعرف رسولنا، فلقد آنسنا من بعض الناس – والعياذ بالله تبارك وتعالى – طرفاً خفياً من تعظيم بعض رجال الله وأهل الله حتى كأنهم يعتقدون سبقهم ولو نسبياً في بعض الأبواب على رسول الله، وهذا كلام مَن جهل، وليس اعتقاد مَن علم، هذا جاهل! هذا لم يعرف مَن هو رسول الله، والله والله والله – وهذا ثابت في الحديث الصحيح – لو وُضِعت أمته كلها – أبو بكر وعمر وعثمان وسيدي فلان وسيدي علان والإمام فلان، كل الأمة – في كفة لرجح بهم رسول الله، وهذا ثابت في الحديث الصحيح، ثابت في الحديث الصحيح! النبي قال إن أحدهم قال لصاحبه – وقد آتاه رجلان – زنه بعشرة من أمته، قال فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال زنه بمئة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال زنه بألف من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم؛ فقال دعه عنك، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها، مَن سيدي فلان؟ مَن سيدي علان؟ بالنسبة إلى رسول الله هذا كلام فارغ، أطفال هؤلاء، أطفال! كبار الأئمة والصُلحاء عند رسول الله أطفال في المعرفة بالله، أطفال صغار لا يعرفون شيئاً، وهو القائل والذي نفسي بيده إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له وأشدكم خشية له، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، علينا أن نُمعِن بالتقرب من هذه الشخصية الباهرة العظيمة، صلوات ربي وتسليماته عليه كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون.

روى الطبراني بسند حسن عن ضمرة بن ثعلبة – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال قلت يا رسول الله ادع لي الله بالشهادة، أن أُقتَل شهيداً في سبيل الله، دعا لبعضهم، وهنا لم يدع له، فدعا وقال اللهم إني أُحرِّم دم ابن ثعلبة على الكفّار والمُشرِكين، عكس ما أراد! هو أرد أن يسفحوا دمه ليلقى الله شهيداً، النبي علم أنه يستأهل شيئاً آخر، لحكمة لا نعلمها، هذا من علم رسول الله، شيئ عجيب! هذا لا نستطيع أن نفهمه بالتفصيل، كيف؟ ولماذا؟ الله أعلم، ورسوله يعلم، نحن لا نعلم، يطلب الشهادة فلماذا لم يدع له؟ ما الذي رآه؟ ما الذي وقف عليه؟ لا نعرف، هو يعرف، كان يعرف تماماً! ويعرف أنه لن يموت شهيداً، سيُعمَّر وسيموت على فراشه، شيئ عجيب.

مَن مثل رسول الله إذن في هذا الباب؟ مُستحيل، وطبعاً كيف يعرف هذا؟ كيف لا يعرف وهو القائل – والحديث مُخرَّج في الصحيحين – إنه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – علم كل ما سيكون إلى يوم القيامة، حتى يدخل الجنة مَن يدخلها مِن المسعودين وحتى يدخل النار مَن يدخلها مِن الأشقياء العاثرين، كل هذا طُولِع به في مجلس واحد، في مجلس فتح رباني، في عشية واحدة! والحديث في الصحيحين، ولذلك قام رجل وسأله يا رسول الله أين مُدخَلي يوم القيامة؟ قال النار، أتُريد أن تعرف مصيرك؟ النار، فبكى الناس، بكى الصحابة، وبكى عمر، هذا الحديث مشهور وذكرناه غير مرة، حديث عجيب في الصحيحين، كان يعلم! ولذلك لما طلب إليه ورغب إليه ضمرة بن ثعلبة رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – أن يدعو الله له بالشهادة قال اللهم إني أُحرِّم دم ابن ثعلبة – أي ضمرة بن ثعلبة – على الكفّار والمُشرِكين، يقول ضمرة هذا فكنا نغزو ونُجاهِد – حتى بعد رسول الله – فيتراءى لي رسول الله – يرى خيال الرسول، سُبحان الله – خلف المُشرِكين فأحمل عليهم، يُريد رب العزة – لا إله إلا هو – أن يُرينا كرامة نبي – صلى الله عليه وسلم – عليه، أن يُرينا صدقه في قوله ونبوئته، قال فأحمل عليهم، وإلا الإنسان في الظرف العادي لا يُمكِن أن يُغرِّر بنفسه ويحمل على جيش من الكفّار، يُقتَل في لحظة، قد يأتيه من هناك سهم غرب أو سهم صائب، قد تأتيه طعنة من رُمح، وقد تأتيه ضربة من سيف، فيهلك! جيش هذا، لكن هو يحمل عليهم في عُرضهم فيخترقهم، قال فيقولون لي يا ضمرة إنك تحمل عليهم وتُغرِّر بنفسك، أما تتقي الله؟ فأقول لا أدري إلا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتراءى لي خلفهم، فأحمل عليهم حتى أصير عنده، ثم يتراءى لي أصحابي، فأحمل حتى أصير عند أصحابي، وظل هكذا حتى تُوفيَ على فراشه، ولم يُقتَل شهيداً، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، اللهم اجعله وسيلتنا وشفيعنا عندك ولديك يا رب العالمين، اللهم لا تحرمنا شفاعته، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ببركة قولي إني أُحرِّم دم ابن ثعلبة على الكفّار والمُشرِكين، وما حرَّمه الرسول فهو عند الله مُحرَّم، انتهى! لو اجتمع الثقلان – لو اجتمع الإنس والجن – لن يُقتَل، انتهى! لن يُقتَل، شيئ عجيب، ما أعظم هذا النبي! فعلاً لا يُمكِن أن يُنال وصف شرفه ونعت عظمته بلُغة يحكيها البشر، أعظم من هذا هو، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

قريب من هذا ما رواه البيهقي وأيضاً في الدلائل عن أبي أُمامة – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، أنه قال أنشأ رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه – غزوً، فأتيته فقلت يا رسول الله ادع لي الله بالشهادة، فقال – صلى الله عليه وسلم – اللهم سلِّمهم وغنِّمهم، لم يدع له! تذهبون تُقاتِلون وستسلمون وتغنمون، قال اللهم سلِّمهم وغنِّمهم، قال فغزونا فقاتلنا وسلمنا وغنمنا، ثم أنشأ غزوةً ثانيةً، فقلنا يا رسول الله ادع الله لنا بالشهادة، ألا حيا الله تلكم المعافص، ورفع الله شرف تلكم النفوس والأرواح، شيئ عجيب! لو كنا نحن لقلنا يا رسول الله ادع الله لنا بالسلامة وأن نعود سالمين غانمين بالأموال والأسلاب والأفياء إلى زوجاتنا ومخادعنا ومضاجعنا وأولادنا وبساتيننا ودورنا وحورنا، مُستحيل! الصحابة لا يسألون الرسول هذا، يُحِبون لقاء الله لأنهم صدقوا الله، صدقوا الله! أحبوا الله سُبحانه وتعالى، لماذا لا يُحِبون لقاءه؟ ما الذي يُحَب في هذه الدنيا الدنية؟ هكذا كانوا، رضوان الله عنهم أجمعين، طبعاً بالحري كانوا يحزنون حين كان لا يُلبيهم النبي في طلبهم، قال فقلت كذا وكذا، فقال اللهم سلِّمهم وغنِّمهم، قال فغزونا وسلمنا وغنمنا، لم يُقتَل أحدٌ منا، كما دعا لنا! 

انتبهوا، النبي المُصطفى المُحمَّد – صلى الله عليه وسلم – كان بذلكم يضع نفسه على المحك، طبعاً! لماذا؟ لأنه إذا دعا لأحد أن يسلب ويغنم ثم مات يقع الشك في قلوب الناس، لكن هذا لم يحدث مرة بفضل الله، إذا دعا لأحد أن يموت ثم حيي وعُمِّر يقع الشك، ولكن لم يحدث هذا مرة، هو يعلم! يعلم أنه مُجاب الدعوة، ولذلك حين استسقى للناس وقد أجدبوا وقُحِطوا سقاهم الله في التو وفي الساعة، وأرسلت السماء ماءً شديداً كأنه قرب، حتى خشيَ الناس الغرق وإفساد حرثهم، فطلبوا إليه أن يدعو الله، فقال اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّرَاب… إلى آخر الحديث، ثم استبشر ورُئيَ النور في وجهه وقال أشهد أني رسول الله، هذا هو طبعاً، ونحن نشهد يا رسول الله أنك خير رُسل الله وأنبيائه، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، كان يضع بذلكم نفسه على المحك، اختبار! وهكذا برهن نبوته ورسالته آلاف المرات، ليس مرة أو مرتين وإنما آلاف المرات، كانت تتبرهن لهم في كل موقف وفي كل قضية، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

روى الشيخان أيضاً في هذا الباب عن سلمة بن الأكوع – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال كنا في حصار خيبر ذات ليلة نسير، فقال رجل لعمرو بن الأكوع – وعمرو بن الأكوع هذا هو عم سلمة بن الأكوع، سلمة ابن أخيه – يا عمرو هات أنشدنا من هُنيتهاتك، وكان عمرو بن الأكوع شاعراً، أي يقول الشعر، فجعل يحدو بالقوم، أي يسوقهم، الحادي يكون سائقاً ولا يكون قائداً، فجعل يحدو بالقوم، أي يسوقهم، ويقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا                              ولا تصدَّقنا ولا صلينا.

فأنزلن سكينةً علينا                                   وثبِّت الأقدام إن لاقينا.

الرجز الشهير جداً والمعروف في كُتب السيرة! فقال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، صلوا عليه – مَن هذا السائق؟ النبي سأل، أعجبه القول! النبي – صلى الله عليه وسلم – يستهويه ويلذ له كل قول في مدح رب العزة، لا إله إلا هو! أي كلام فيه علاقة بالله طبعاً يستهويه ويلذ له، قال مَن هذا السائق؟ قالوا عمرو بن الأكوع، قال رحمه الله، أو قال في رواية يرحمه الله، تنبأ له بماذا؟ بموته، يرحمه الله! فقال عمر بن الخطاب وجبت يا رسول الله، فهمه! يفهمون النبي، كما قلت لكم لا تخرج كلمة جُزافاً، الكلام موزون، كل كلامه إنما هو مفتاح خزينة، كل كلمة مفتاح خزينة، فقال عمر – رضوان الله عنه وأرضاه – وجبت يا رسول الله، فهلا أمتعتنا به؟ سيموت الرجل قال له، قلت يرحمه الله وهي تعني أنه سينتهي، فسكت النبي، لا يُمكِن غير هذا، انتهى! هو دعا بهذا، يقول سلمة بن الأكوع – ابن أخيه – فلما خرج للمُبارَزة استل سيفه ليضرب به ساق يهودي، فعاد أو رجع ذباب سيفه عليه، فأصابه فمات منها، واستُشهِد في خيبر، النبي قال يرحمه الله أو رحمه الله، انتهى كل شيئ، كلمة واحدة! صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

هناك الحديث الذي ذكرناه مرة في خُطبة بطوله –  ذكرناه بطوله في سياقه – وهو حديث البيهقي عن جابر بن عبد الله – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، أن النبي رأى رجلاً في هيئة رثة – غير جميلة، يلبس ثياباً خلقة بالية – فقال أليس عنده ما يلبس هذا الرجل؟ قالوا بلى يا رسول الله، فذهب الرجل إلى عيبته – أي الكيس الذي يضع فيه حوائجه – واستخرج ثوباً او ثوبين كما أذكر فلبسهما، ويبدو أنهما كنا أحمران، المُهِم فلبس الثوبين فرآه النبي، فقال أليس هذا خيراً؟ ما له؟ ضرب الله عُنقه، فقال يا رسول الله – سمعها الرجل – في سبيل الله، هذا يعني أنه عرف أنه سيموت، انتهى الأمر! فقال في سبيل الله، فقاتل فقُتِل، عرف الرجل، هذا دعاء هكذا، اسمه تعريض بالدعاء، مثل قاتله الله، لا يُوجَد عند النبي قاتله الله أو لا در دره، كل كلام يقوله مقصود، وسيقع على الوجه الذي نطق به، صلى الله عليه وسلم، نحن نقول قاتله الله ولا نُريد له أن يموت، وإنما نُريد أنه أتى بشيئ عظيم وشيئ جليل، ولذلك مدحة أن نقول قاتله الله، النبي لو قال قاتله الله أو قتله الله أو ضرب الله عُنقه تكون هذه دعوة بالموت، فسمعه فقال يا رسول الله في سبيل الله، والرجل كان ذكياً، رضيَ الله عنه وأرضاه، فقال في سبيل الله، فقُتِل في سبيل الله، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.

التثبيت والإيمان والفقه والبصيرة، حديث أُبي بن كعب، وذكرناه مُفصَّلاً أيضاً في خُطبة جُمعية قديمة، الذي أخرجه الطبري والبيهقي وغيرهما، أُبي بن كعب وقع الشك في قلبه – كان شكاً عظيماً – لما سمع النبي يُصوِّب ويُحسِّن قراءة اثنين اختلفت قراءتهما، هذا يقرأ على وجه وهذا يقرأ على وجه آخر، فذكرا ذلك للنبي، فاستقرأهما النبي، ثم قال لكل منهما أحسنت، قال لهذا أحسنت ولهذا أحسنت، أحسنتما! قال فوقع الشك في قلبي لا والذي كان في الجاهلية أو لا وكالذي كان في الجاهلية، أصعب مما كان في الجاهلية، شك! شك أُبي حتى في الرسول وفي كل شيئ، قال فنظر إلىّ النبي، فكأنه عرف ما بي، قال ثم ضرب بيده في صدري وقال اللهم أخز الشيطان أو كلاماً قريباً من هذا، أمر بإخزاء الشيطان وإخسائه، قال فارفضضت عرقاً، وكأني أنظر إلى ربي فرقاً، عاد له الإيمان بأحسن ما كان عليه، بضربة مُصطفوية واحدة، خرج الشيطان! طبعاً أنت تظن أن هذه أفكار، تقول لي هذه أفكار واجتهادات وتجديدات وفلسفة وتأويل، لكن هذا كله من الشيطان يا مسكين، أنت ملبوس والله.

ولذلك يا إخواني انتبهوا، هذه نصيحة لنفسي ذهبية ولكم أيضاً – لإخواني وأخواتي – والله، إن كنت تعتقد أن نفسك هذه فعلاً هي أعدى عدوك ولا تزال تستظهر برب العالمين وتستعين فهذا الصواب، حين تقف ستقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ۩، وتعلم وتستحضر أن أول ما تستعين به رب العالمين، أن أول ما يُستعان به رب العالمين عليه هو نفسك، أستعينك على نفسي يا رب الخبيثة، النفس الخبيثة الخدّاعة الغرّارة الكذّابة المُنافِقة المُرائية الروّاغة الختّالة، سيُعينك الله، وسيفتح عين بصيرتك، أما إن كنت تظن يا مسكين أن نفسك هذه طيبة – بالعكس – وأنك من البركة بمكان بحيث تطلب الناس دعوتك وبركتك فستُوكَل إلى نفسك وتهلك وأنت لا تدري، انتبه! هذه نفسك الخبيثة،وتقول لي هذه اجتهادات وأفكار، وكلها من الشيطان، لبَسك وسوَّل عليك ولبَّس عليك وأنت لا تدري، وهذا صحابي جليل، لم يكن معصوماً، بشُبهة بسيطة جداً جداً عرض له شك عظيم، فشك أكثر من شك الجاهلية، لكن بضربة مُصطفوية حانية كريمة مُبارَكة واصلة سُلطانية قال فارفضضت عرقاً – عرق عرقاً شديداً جداً في لحظة – وكأني أنظر إلى ربي فرقا، لا إله إلا الله! هنيئاً له، هنيئاً له! أين حظنا نحن من رسول الله؟ على الأقل نُكثِر من الصلاة والسلام عليه، لعلنا أن تُصيبنا – وستُصيبنا إن شاء الله – بعض بركاته، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

عبد الله بن عباس الذي دُعيَ حبر الأمة – وإنه لحبرها – هو مُجرَّد بركة، هو دعوة رسول الله، ابن عباس بعلمه وفقهه هو دعوة رسول الله، كل هذا العلم والفقه والاستبحار دعوة رسول الله، وهي جُملة قصيرة جداً جداً، اللهم فقِّهه في الدين، وفي رواية وعلِّمه التأويل، انتهى! فدُعيَ الحبر وبجدارة، ببركة دعوة! اللهم فقِّهه في الدين، وعلِّمه التأويل، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.

يروي الإمام الطبراني عن سلمان الفارسي، قال ذهبت مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – نعود رجلاً من الأنصار، يبدو أنه كان يُعاني مرض الموت، في حالة شديدة! قال فدخل عليه، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، طبعاً وسلمان الفارسي معه، وكان الرجل يتألَّم، فوضع النبي يده الشريفة على جبينه، ثم قال يا فلان كيف تجدك؟ كيف أنت؟ كيف حالك؟ كيف تجدك؟ فلم يحر إليه شيئاً، لم يُجِب! لم يحر إليه شيئاً، فقالوا يا رسول الله إنه عنك مشغول، يبدو أن الألم استبد به وسطا عليه حتى لا يسمعك، ولعله لا يراك، مشغول عنك! في حالة ثانية هو، فقال خلوا بيني وبينه، النبي قال هذا وسنعلم في آخر الحديث لماذا، خلوا بيني وبينه، اخرجوا! خرجوا وبقيَ سلمان الفارسي، حكيم ورباني هذه الأمة، الذي أُوتيَ العلم الأول والعلم الآخر، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، فنحى النبي يده عنه، فأشار إلى النبي أن ضع يدك حيث كانت، يبدو أن المسكين وجد راحة حين وضع النبي يده على جبينه، فوضع النبي يده مرة أُخرى وقال له كيف أنت؟ أو كيف تجدك؟ ماذا تجد؟ قال يا رسول الله خيراً، وقد حضرني اثنان، لا إله إلا الله! استحضر يا مُسلِم، استحضري يا أختي، كل واحد سوف يصير إلى هذا المضجع، سوف يُضجَع في هذا المضجع وسوف يأتيه اثنان، انتبهوا! واحد يُثبِّت وواحد يُغرِّر، واحد هو صورة عملك الصالح وواحد هو صورة عملك القبيح، انتبه! حياتك ومصيرك الأبدي على المحك الآن في هذه اللحظة، شيئ مُخيف! يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۩، قال وقد حضرني اثنان، اسود وأبيض، فقال – صلى الله عليه وسلم – أيهما أقرب منك؟ أيهما أدنى إليك؟ قال الأسود، هذا أسود! وهذا صحابي.

من باب حسنات مولانا الدكتور البوطي – أمتع الله به – أنه حكى كلاماً من أحسن ما يكون، حذَّر الناس المجاديب الدراويش الجهلة الضالين والمُضَلين الذين يعتقد أحدهم أنه ببركة شيخه وبسر شيخه سوف يُشفَع له ويُثبَّت ويُلقَّن عند الموت وفي القبر، يا أخي هذا لم يحدث لأصحاب رسول الله، وشدَّد العلّامة البوطي النكير على هؤلاء الجهلة والكذّابين، كذب في كذب في كذب، والله لن ينفعك إلا عملك بعد رحمة الله وتوفيقه، اعمل لنفسك، دع عنك هذه الأماني والأحلام الكاذبة، شيخك ومُعلِّمك! كلام فارغ، شيخك المسكين هو نفسه سيحتاج إلى مَن يشفع فيه، مساكين نحن، مساكين مغرورون، ونُغرِّر أنفسنا، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۩.

قال له الأسود، فقال إن الخير قليل وإن الشر كثير، النبي قال هذا، قال فأمتعني بدعوة منك يا رسول الله، هنيئاً له، لأن هذا كان في أيام الرسول، فعلاً نفعه هذا، قال فأمتعني بدعوة منك يا رسول الله، هذا يعني أن وضعي خطر، وهو يرى أن وضعه خطر جداً، وهو يترحَّل الآن عن الدنيا، فقال – صلى الله عليه وسلم – اللهم اغفر الكثير وأنم القليل، اللهم اغفر الكثير، الذي أتى بهذا الأسود، وأنم – أي زِد، من النماء – القليل، ثم قال له – أي النبي – ماذا تجد؟ قال الحمد لله يا رسول الله دنا الأبيض واستأخر الأسود، ونما القليل وأرى الكثير يضمحل، فالتفت – صلى الله عليه وسلم – إلى سلمان، وقال يا سلمان انظر، هل تُنكِر مني اليوم شيئاً؟ هل رأيت أنني تغيَّرت؟ هل وُجِد شيئ غير طبيعي؟ قال يا رسول الله والله إني لأعرفك، ولقد رأيتك في مواطن كثيرة، ولم أر كحالك اليوم تغيراً، تغيَّرت كثيراً أنت، والمعنى كما فهمت أن النبي حين وضع يده عليه ودعا له تغيَّرت خلقته، ربما لونه، ربما وضعه، تغيَّر كثيراً النبي، تأثَّر جداً شكله الشريف وحالته، فقال نعم، صلى الله عليه وسلم، والله إني لأعلم ما يلقى، ما منه عرق إلا وهو يألم للموت على حدة، لذلك خُفِّف عنه ببركة دعوة رسول الله ووضع يده الشريفة عليه، والله أعلم، هذا ما بدا لي، كأن شيئاً من هذا أيضاً تأثَّر به الرسول، أي كأن النبي احتمل عنه بعض آلامه وتباريحه، فسلمان رأى التغير الشديد في رسول الله، فكأن النبي احتمل شيئاً عنه، صلى الله عليه وسلم، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ۩، قال عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ۩، أرحم بنا من الوالدة – والله – رسول الله، أرحم بنا من الوالدين، آباء وأمهات، جزاه الله عنا خير الجزاء، وصلى الله تعالى عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

قصة إسلام عمر، نذكر القدر الذي ربما لا يعرفه بعض الناس، مع أنه معروف، روى الطبراني عن أنس بن مالك – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال دعا النبي عشية الخميس اللهم اهد عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام وأعِز به الإسلام، عشية الخميس! قال فلما أصبح عمرو الجُمعة جاء مُسلِماً، ليلة واحدة! انتهى، كل شيئ انتهى، جبّار الجاهلية هذا أصبح فاروق الإسلام بدعوة، النبي دعا له، قال هذا أو هذا، ليلة واحدة فقط، ليلة واحدة!

الإمام عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – يبعث به النبي إلى اليمن قاضياً، أي ليقضي، أقضاكم عليّ، أقضى هذه الأمة ابن أبي طالب عليه السلام، لكن عليّ لم يكن يعرف القضاء، فقال يا رسول الله إني لا أعرف القضاء، وهذه حقوق، حقوق الناس! أعراض وأموال ودماء، قال فوضع يده الشريفة في صدري ودعا لي، قال فما شككت في قضاء بعد، انتهى! كل قضية تُعرَض عليه يرى فيها الحق لائحاً، ويُوافِق دائماً الصواب، وصار أقضى هذه الأمة، الله أكبر! بدعوة واحدة من رسول الله، ما هذا الخير الذي عنده؟ صلى الله عليه وسلم، هو كل خير، نبع خير، مُحيط خير، هو مُحيط خير، بدعوة! بدعوة تُصبِح أقضى الناس، بدعوة تُصبِح حبر الأمة، بدعوة تُسعَد في الدنيا وتُسعَد في الآخرة، بدعوة يكثر رزقك وينمو خيرك، بدعوة! دعوة واحدة، وأكثر من هذا أن بدعوة تُصبِح أنت مُستجاب الدعوة، ما رأيك؟ هذا بعض بركاته دعوته، انتبه! ليس فقط أنه هو مُستجاب الدعوة، بالعكس! من بركاته وبركات دعائه أنه يجعلك – بفضل الله طبعاً وبمشيئة الله – أنت مُستجاب الدعوة إذا دعا لك، في حديث الإمام أبي عيسى الترمذي أنه – صلى الله عليه وسلم – دعا لسعد بن أبي وقاص، قال اللهم استجب لسعد إذا دعاك، فكان سعد إذا دعا أُجيب، أخرجه الترمذي، انتهى! وأخرجه البيهقي، لكن أذكر أنه مُرسَل عند البيهقي، بدعوة! أي كل بركة سعد في دعائه المُستجاب هي من بركة دعوة واحدة من دعوات المُصطفى المُحمَّد، صلوات ربي وتسليماته عليه، الله أكبر! ما هذه البركة؟!

أما الشفاء والبُرء من الأسقام والأوجاع والتباريح فنبدأ بحديث عجب، احفظوه وتحفَّظوه وحفِّظوه أهليكم وأولادكم، لا غنى لواحد منا عنه، الحديث الذي أخرجه ابن ماجة والنسائي في السُنن الكُبرى والإمام الحاكم وصحَّحه على شرطهما والإمام ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في الدلائل وغيرهم كثيرون، أذكر أن بضعة عشر إماماً قد أخرج هذا الحديث، وصحَّحه جماعة كثيرون، حديث عثمان بن حُنيف رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، قال إنا لعند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ جاءه رجل ضرير، قد أضر! فقد بصره، قال يا رسول الله ادع الله لي، أي أن يكشف عن بصري، أن يرد إلىّ وعلىّ بصري، قال إن شئت أخَّرت لك وهو خيرٌ لك، إذا أحببت أُؤخِّر هذه الدعوة ليوم القيامة لشيئ أُخروي، وإن شئت دعوت لك، على المحك! كما قلت لكم النبي يضع نفسه على المحك، لا يقول له سنُؤخِّر أفضل لك، وإلا يُقال إنه ربما لا يستطيع، لا! يقول له إذا أحببت أخَّرت دعوتي لك، وإذا لم تُحِب دعونا لك الآن فكشف الله عنك، على المحك! في مجلس واحد، أيُشَك في أنه نبي؟ الله أكبر، فقال بل ادع، أي ادع لي يا رسول الله، هذا جزع، لم يستطع أن يصبر، عكس المرأة، المرأة كانت أزكن منه وأذكى، المرأة السوداء! وحديثها في الصحيحين، من حديث ابن عباس، وسنأتي عليه ربما، فقال ادع، فأمره أن يتوضأ وأن يُحسِن الوضوء، ثم قال له صل ركعتين ثم توجَّه إلى رب العزة وقل اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيك – يعرف مكانته عند الله، يعلم شرفه عند الله، وأن مَن توسَّل به إلى الله فإنه لا يخيب إن شاء الله تعالى، وأتوجَّه إليك بنبيك -، نبي الرحمة، يا محمد – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – إني أتوجَّه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى، اللهم شفِّعه فيّ، وفي رواية بزيادة وشفِّعني في نفسي، هناك زيادة عند البيهقي وغيره، يقول عثمان بن حُنيف فوالله ما رجع الرجل إلا وقد عاد إليه بصره، في نفس المجلس، دقائق – رُبع ساعة مثلاً – في المجلس، وإذا به يعود بصيراً، آية من آيات الله! 

بالمُناسَبة – وليس بخطأ أن يُنبَّه على هذا – هذا الدعاء تقريباً لا أعلم أحداً دعا به مِمَن أعلمهم ومِمَن نصحتهم به وخيَّبه الله، ما رأيكم؟ إلى الآن بفضل الله عز وجل، فاحفظوه وتحفَّظوه وحفِّظوه، هذا كنز من كنوز سُنة المُصطفى، صلى الله عليه وسلم، والله هذا كنز من الكنوز، لكن ادعوا بالخير دائماً، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۩، انتبهوا! وادعوا في أشياء شريفة وأشياء تستحق، أو في ملاحج ومضائق وأمور اضطرارية صعبة.

أيها الإخوة والأخوات:

حديث المرأة السوداء الذي ألمعت إليه مُخرَّج في الصحيحين من حديث ابن عباس، قال جاءت امرأة سوداء النبي وقالت يا رسول الله إني أُصرَع، فادع الله لي، قال إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، الجزاء الجنة! وإن شئتِ دعوت لكِ، قالت بل أصبر، الله أكبر! هذه أذكى وأزكن من الرجل، فصبرت ثم قالت يا رسول الله لكنني أتكشَّف، حين أُصرَع أتكشَّف، فادع الله لي، فدعا لها، وواضح طبعاً أنها لم تتكشَّف بعد، هذا معنى الحديث، أنها لم تتكشَّف بعد، رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها.

المدينة المُنوَّرة – على مُنوِّرها ألف ألف تحية وسلام إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين – تقول عائشة أتيناها وأتاها النبي وهي أبوأ بلاد الله وأرض الله، وباء مُستشرٍ فيها وفيها حُمى وفيها تعب، شيئ عجيب! فدعا النبي، الآن المدينة من أصح ومن أبرك بلاد الله طُراً، ببركة دعوة مُصطفوية واحدة، دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال اللهم حبِّب إلينا المدينة كحُبنا مكة أو أشد حُباً، اللهم بارك لنا في صاعنا – في المدينة – وفي مُدنا، اللهم وأصحها لنا، أي اجعلها صحيحة، غير وبيئة، اللهم وأصحها لنا، اللهم وانقل حُماها إلى الجُحفة، مكان قريب من المدينة اسمه الجُحفة، قال اللهم وانقل حُماها إلى الجُحفة، وهكذا كان، وانتهت الحُمى من المدينة، الحُمى صرعت مئات وآلافاً من أبناء وأولاد الأنصار، الحُمى كانت تصرعهم.

الآن يروي البيهقي أيضاً في الدلائل عن هشام بن عروة، يقول كان الغُلام إذا أدرك أو راهق في الجُحفة – يُولَد في الجُحفة، كان يُولَد في الجُحفة – فلا يبلغ حتى تصرعه الحُمى، انتقلت من المدينة إلى الجُحفة، بدعوة رسول الله، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

للأسف أدركنا الوقت، وبقيَ الكثير من بركات دعائه، لعلنا نستكملها في مُناسَبة أُخرى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه غفور توّاب رحيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تُعذِّبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا فيما قدرت به المقادير، واغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من فضله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(23/11/2007)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: