إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُنتجَبين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩

قد يكون هذا اليوم آخر يوم من أيام هذا الشهر الفضيل الكريم، الذي آثر أن يترحَّل عنا على عجل، قد يكون هو اليوم الأخير، وهكذا ينتظر الصائمون والصائمات جائزة الرب – سُبحانه وتعالى -، لأن العامل إذا فرغ من عمله وُفي أجره كما قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – في حديثه الشهير، وإذا كان آخر ليلة من رمضان غفر الله لهم – سُبحانه وتعالى -، فسأله رجل من أصحابه يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال كلا، ألم تروا إلى العمّال إذا فرغوا من أعمالهم وُفوا أجورهم؟ فهذا هو جزاء مَن أجَّر نفسه لله – سُبحانه وتعالى – في هذا الشهر، فركع وسجد، ودعا وتضرَّع، وتخشَّع وتخضَّع، وقام الليل وكابده، وجاهد نفسه وأضناها في عبادة الله – سُبحانه وتعالى -، وأحدث توبةً صادقةً، وصار إلى أحسن العزائم، أن يُغادِر هذا الشهر أو يُغادِره هذا الشهر وهو في أوبة إلى الله – سُبحانه وتعالى -، يستقبل مرحلةً جديدةً من حياته، ويفتح صفحةً جديدةً، يبتدئها بمحاسن الأعمال ومبرات ما يأتيه العبد قاصداً به قُربى الله – سُبحانه وتعالى -.

في الحديث الذي أخرجاه في الصحيحين يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه، ومَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه، وفي الصحيحين أيضاً ومن رواية أبي هُريرة أيضاً – رضيَ الله عنهم وأرضاهم – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه، إذن في الصحيحين مَن صام ومَن قام الشهر ومَن قام ليلة القدر، فهي أسباب ثلاثة لمغفرة المُتقدِّم من الذنوب، وعند الإمام النسائي بزيادة فاضلة كريمة، مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر، ومثل هذه الزيادة عند الطبراني وعند أحمد في المُسنَد، لكن لا بخصوص صيام رمضان، وإنما بخصوص قيام ليلة القدر، مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر، قال ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر.

وبديه أن تكفير هذه الذنوب ومحو هذه الخطايا والجنايات مشروط بصيام مخصوص، يتحفَّظ فيه العبد من أشياء كثيرة، فليس كل مَن صام قد صام، وليس كل مَن قام قد قام، وقد روى أحمد أيضاً في مُسنَده وابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد الخُدري – رضيَ الله عنهم وأرضاهم -، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن صام رمضان فعرف حدوده وتحفَّظ فيه مما يجب أن يتحفَّظ منه كان ذلك كفّارةً لما قبله، إذن فعرف حدوده، هناك حدود، يجب أن تُحترَم، وهناك حمىً، يجب أن يُحمى ولا يُرتاد أبداً في هذا الشهر بالذات، وتحفَّظ فيه مما ينبغي له أن يتحفَّظ منه كان ذلك – أي هذا الفعل وهذه المبرة وهذه العبادة بهذه القيود وبهذه الشرائط – كفّارةً لما قبله، إذن بهذه الشروط تُكفَّر الذنوب.

إذن هي أسباب، صيام رمضان إيماناً واحتساباً، قيام رمضان إيماناً واحتساباً، قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، كل سبب منها يستقل بتكفير هذه الذنوب، فأما التكفير بليلة القدر فليس مُتوقِّفاً على تمام الشهر، رب رجل لم يقم شهر رمضان لعلة ولسبب أو لآخر، لكنه قام ليلة القدر، ووُفِّق إليها، ووقعت له، وما قامها إلا ابتغاءها كما قال – عليه الصلاة وأفضل السلام -، هذا يُغفَر له ما تقدَّم مِن ذنبه، سواء أشعر بها أو لم يشعر، يُغفَر له إذا وُفِّق إليها ولو لم يشعر، وهو لم يعرف أنه قد وافق ليلة القدر، لكن قامها بحمد الله تعالى، وقيامه يحصل بأشياء ذكرناها في الدروس، هل يحصل بقيامها بطولها كل الليل؟ أيحصل بصلاة المغرب والعشاء في جماعة أو يحصل بصلاة العشاء والصبح في جماعة؟ أو… أو… أو… إلى آخره! أو يحصل بصلاة المغرب والعشاء أو العشاء والصبح أو صلاة التراويح في جماعة طيلة الشهر؟ أقاويل مُختلِفة مُتضارِبة للسادة العلماء، ونحن نرجو صحتها جميعاً، لكي تنال مغفرة الله – سُبحانه وتعالى – كل مَن أتى بوجه من هذه الأوجه – إن شاء الله تبارك وتعالى -، الحنّان الكريم المعطاء الجواد، لا إله إلا هو.

فالتكفير بليلة القدر لا يتوقَّف على تمام الشهر، مَن وقعت هذه الليلة، شعر بها أو لم يشعر، ومَن قامها ابتغاءها، كان ذلك سبباً مُستقِلاً في تكفير المُتقدِّم مِن ذنبه، ولله الحمد والمنّة والفضل والنعمة – سُبحانه وتعالى -، وله الحمد في الأولى والآخرة، وأما التكفير بصيام رمضان وبقيامه فلا يتم إلا بتمام الشهر، ولو فصَّلنا لقلنا يتم التكفير بقيامه إذا قام آخر ليلة منه، وهنا يقع التكفير قبل أن ينقضي نهارها، وليس من شرط أن ينقضي هذا النهار، لكن إذا تمت الليلة وقع التكفير عما سلف من ذنبه جميعاً، وفكِّروا يا إخواني وقفوا عند هذه النُقطة، هو شهر واحد – سُبحان الله – أو ليلة واحدة، أي ليلة القدر، إن قبل الله منا العبادة فيها والقيام فإنه – سُبحانه وتعالى – يُكفِّر كل ما تقدَّم من ذنبنا، وهذا ثابت في الصحيحين، ليس من أحاديث المُبالَغات أبداً، هذا ثابت وهو يقين، لكن هذا كما فيه ترغيب عظيم فيه ترهيب، إذ أنه مُشعِر أن الأمر ليس بهذه السهولة ولا بهذا الهون، الأمر عسير، السعيد مَن قُبِل منه صيامه وقيامه، السعيد كل السعادة، لأنه سيلقى الله ولا ذنب عليه، لو مات هذا الإنسان في أواخر الليالي أو في أيام العيد لقيَ الله كالطفل الدارج، ليس عليه ذنب ولا خطيئة، قال كعب ولعله أخذه من هنا، قال كعب – رضيَ الله عنه وأرضاه – مَن حدَّث نفسه آخر رمضان أنه إذا انقضى رمضان لا يعود إلى الذنب أبداً ولا يُحدِّث نفسه بمعصية الله لقيَ الله ولا ذنب عليه وأدخله الله الجنة بغير حساب، وهذا ظاهره أنه موقوف على كعب، فمن أين لكعب مثل هذا المعنى؟ من هذه الأحاديث الصحيحة، لأنه سيتغيَّر جوهوه إذا قُبِل منه رمضان، وطبعاً لا يُقبَل رمضان – هذا في ظني، والله تبارك وتعالى عنده وحده العلم والحكم – من رجل يُحدِّث نفسه أنه ما إن يتولى رمضان لأعودن إلى ذنوبي ومعاصي، إذن هذا ما تغيَّر، إذن رمضان لم يُغيِّر شيئاً في جوهره، لم يُغيِّر شيئاً في نفسه، بعض الناس يترقَّب بمعاصيه تصرم رمضان، يُريد أن يعود إلى حافرته، يُريد أن يُعاوِد الذنوب – والعياذ بالله -، لكنه يرتقب، هو يحترم ويُبجِّل ويُجِل هذا الشهر العظيم، وهذا خير، لكنه يرتقب، ويعد عليه الأيام والليالي، حتى إذا ما تصرَّم عاد إلى ذنبه ومعصيته، هذا بعيد جداً أن يكون قد تُقبِّل منه رمضان، لأنه لو قُبِل منه لغيَّر جوهره، لبدَّل نفسه، لصار إنساناً آخر مُختلِفاً تماماً.

ومَن حدَّث نفسه أنه إذا انقضى رمضان عاد إلى الذنوب والمعصية فصيامه مردود وباب القبول عنه مسدود، هكذا يقول كعب! فصيامه مردود وباب القبول عنه مسدود، لا يُقبَل صيامه ولا عمله ولا قيامه، كله هباء منثور – والعياذ بالله -، وأما التكفير بصيام رمضان فلا يتم إلا إذا صام آخر يوم من أيام رمضان وغربت الشمس وتناول إفطاره، يتم في حقه تكفير ذنبه كله – إن شاء الله تبارك وتعالى -، ما تقدَّم منه، ونسأل الله أن تصح هذه الزيادة، وما تأخَّر أيضاً، فالله – تبارك وتعالى – رحمته لا حجر عليها، وليس لها مُنتهى ولا حد، وسع كل شيئ رحمةً وعلماً، لا إله إلا هو! له الحمد والمّنة.

فتوبوا يا أحبابي، واجعلوا آخر صيامكم توبةً صادقةً واستغفاراً ضارعاً إلى الله – تبارك وتعالى -، ولئن غلبت نفس أحدكم إياه فليضرع إلى الله وليبتهل إليه – سُبحانه وتعالى – وليقل يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، لا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحد من خلقك، ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني، وقد جرَّب بعضهم هذا الدعاء، وكم فيه من فائدة! وكم له من عائدة! لأن الإنسان أحياناً قد يصل بالرين الذي تكاثف وتراكم على قلبه إلى وهدة أو إلى دركة أو إلى مرحلة، لا يستطيع حتى أن يُحدِث توبة وهو يُحِبها، يُحِب أن يتوب ولا يستطيع، يُحِب أن يعود ولا يستطيع، قد جرَّب العبادة، ووجد حلاوتها، وذاق ذائقتها، وعلم أنه سعيد بهذه العبادة وشقي بمعصية الله – اللهم لا تجعلنا بمعاصيك من الأشقياء يا رب العالمين – ولكنه لا يستطيع، لا يستطيع أن يستمر على هذا الدرب من دروب الالتزام بعبادة الله وطاعته، ماذا يفعل؟ ليقل اللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك، فأعطنا الله منها ما يُرضيك عنا يا رب العالمين، وليقل يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، فقد انقطعت حيلتي، وقل رجائي، وفقدت كل سبب، برحمتك أستغيث، أصلِح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، فإنك إن تكلني إليها أهلك، وأُحشَر مع الهالكين – والعياذ بالله -.

فاجعلوا آخر صيامكم توبةً صادقةً، ووالوا بين العبادات والطاعات، يا وحشة القرآن إن أُقفلت على صحافه دفتاه، فما يُفتَح إلا مرة بعد مرة والبون بينهما بعيد، يا وحشة القرآن! يا وحشة المساجد، تغص بالمُصلين وبالوجوه النيّرة وبالأيادي المُتوضئة وبالقلوب المُخبِتة إلى ربها – سُبحانه وتعالى -، حتى إذا انقضى رمضان فرغت وعادت خاليةً على عروشها، لا! والوا بين العبادات.

رمضان هو شهر الصدقات، فاجعلوا شيئاً من صدقاتكم في غير رمضان، هو شهر القيام، فتبلَّغوا في طريق الآخرة، وتزوَّدوا في هذا الدرب الطويل المُظلِم بشيئ من قيام الليالي في غير رمضان، واقرأوا كتاب ربكم، واجعلوه أمامكم، واتخذوه إماماً.

فهذا ما يُقال في التكفير، حتى إذا أصبح الناس أصبحوا إلى مُصلاهم، يتبادلون التهاني بعيدهم، عيد الفطر، وهذا اليوم أو هذا الصباح هو صباح يوم الجائزة، لأن الله يتجلى على عباده بعد أن وفوا له بشرط ما طلب منهم، فصاموا وقاموا، وعادوا وأنابوا، وأخبتوا وتخشَّعوا له – سُبحانه -، يتجلى عليهم ويُفرِحه ذلك، فيغفر لهم جميعاً.

قال محمد بن شهاب الزُهري – رضيَ الله عنه وأرضاه، الإمام المُحدِّث العلم الشهير – إذا كان صباح يوم الفطر وخرج الناس إلى الجبّانِ – أي إلى المُصلى، وقد يُطلَق على المقبرة، ولكن يُراد به المُصلى هنا، قال وخرج الناس إلى الجبّانِ، وقد يُقال الجبّانة بتاء التأنيث – اطلع الله – تبارك وتعالى – عليهم، فقال يا عبادي لي صُمتم ولي قُمتم، انصرفوا مغفوراً لكم، إذن هو فعلاً يوم عيد، وعيد ليس بالثياب الجديدة، وليس بتوزيع الابتسامات، وليس بأكل الحلوى والتخفف من باهظ تكليف الصيام والامتناع عن الشهوات أبداً، عيد لمَن قبله الله – تبارك وتعالى -.

كان الإمام أبو الحسن – عليّ عليه السلام وكرَّم الله وجهه – يُنادي بأعلى صوته، يصيح في الناس صباح يوم العيد، يقول يا ليت شعري مَن هذا المقبول فنهنيه؟ ومَن ذاكم المحروم فنُعزيه؟ مَن فيه منا يُقبَل فيُهنى؟ يا خيبة المردود، كل صباح هكذا، مَن المقبول فنُهنيه؟ ليهنأه القبول، وليس – كما قلت – الثياب الجديدة والفرح أبداً والانطلاق إلى مراتع الشهوات والملذات، وإنما أنه قُبِل وغُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وربما وما تأخَّر، ومَن هذا المحروم فنُعزيه؟

رُؤيَ أحد الصالحين صبيحة عيد الفطر محزوناً مكروباً، قيل له يا فلان إنه يوم فرح وسرور، قال أعلم، ولكني عبد أجرني مولاي في عمل، فلا أدري وفيته له فقبله مني أم لم أُوفه فرده علىّ.

إِنْ كنتَ تنوحُ يا حَمَامَ البَانِ                         للبَيْنِ فأَيْنَ شـاهدُ الأحزانِ؟!

أجفانُكَ للدُّموعِ أم أَجْفَاني                                 لا يُقْبَلُ مُدَّعٍ بـلا بُرْهَانِ.

أنا عبدي أجرني مولاي في عمل، فلا أدري وفيته له فقبله مني أم لم أُوفه فرده علىّ ولم يقبله مني.

رأى ولي الله والعارف بالله وهيب بن الورد – رحمة الله تعالى عليه – أُناساً يتضاحكون صبيحة العيد، فقال الله أكبر، إن كان هؤلاء مِن المقبولين فما هكذا فعل الشاكرين، وإن كان هؤلاء من المردودين فما هكذا فعل الخائفين.

لَعَلَّكَ غَضْبَانٌ وَقَلْبِي غَافِلٌ                     سَلامٌ عَلَى الدَّارَيْنِ إِنْ كُنْتَ رَاضِيَا.

اللهم ارض عنا يا رب العالمين، إن كانوا من المقبولين فما هكذا فعل الشاكرين، وإن كانوا من المردودين المحرومين المطرودين فما هكذا فعل الخائفين.

لَعَلَّكَ غَضْبَانٌ وَقَلْبِي غَافِلٌ                     سَلامٌ عَلَى الدَّارَيْنِ إِنْ كُنْتَ رَاضِيَا.

لا إله إلا الله، روى سلمة بن شبيب – رحمة الله عليه – وفي إسناده مقال بسنده إلى حبر الأمة عبد الله بن عباس – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، مرفوعاً إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، قال إذا كان صبيحة العيد هبطت الملائكة من السماء إلى الأرض، فيقومون بأفواه السكك، على قوارع الطرق! قوارع الطرق والأزقة، قال فيقومون بأفواه السكك، فيطلع الله – تبارك وتعالى – ويُناديهم يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا وفى عمله؟ فتقول الملائكة يا رب جزاؤه أنه يُوفى أجره، وتُنادي الملائكة يا عباد الله هلموا إلى رب عظيم، غفور، رحيم، يُعطي الجزيل، ويغفر الذنب العظيم، فيقول الله – تبارك وتعالى – أُشهِدكم يا ملائكتي أني جعلت جزاءهم عن صيامه وقيامه – أي شهر رمضان – مغفرتي لذنوبهم أجمعين، انصرفوا مغفوراً لكم يا عبادي، هذا هو المعنى الباطن الحقيقي في العيد، الذي ينبغي أن يفرح به المُؤمِنون وأن يتضاحكوا وأن يُهني بعضهم بعضاً، ولا بأس أن يقول الأخ لأخيه تقبَّل الله منا ومنكم، أحسن من كل سنة وأنت سالم والعيديات هذه اللاتي تكون بالألفاظ العامية أبداً، أحسن تهنئة تقبَّل الله، تقبَّل ماذا؟ صلاة العيد؟ لا، صيام رمضان وقيامه، تقبَّل الله منا ومنكم، هذه هي تهنئة العيد الحقيقية التي استحبها كثير من السادة العلماء.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يتقبَّل عنا أحسن ما عملنا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة في هذا الشهر العظيم المُبارَك الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                  (الخُطبة الثانية)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ.

سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، اللهم يسِّر لنا التوبة الصادقة النصوحة يا رب العالمين، واغفر لنا بها ذنوبنا أجمعين، اللهم آمين.

هنيئاً لكم أيها الإخوة، يا مَن عمَّرتهم بيوت الله، يا مَن تلألأت بكم هذه البيوت، يا مَن أضاءت بكم هذه المواطن والمثابات القدسية الجليلة شهراً بطوله، ثلاثين يوماً وثلاثين ليلةً، تركتم مضاجعكم، وتركتم مُشتهياتكم، وتركتم أهليكم، وانصرفتم من مشاقكم وأعمالكم ومتاعبكم إلى بيوت الله، لم يُثنِكم عن ذلكم شيئ، إي والله، إي ورب الكعبة، هنيئاً لكم ثم هنيئاً، فقد ربح البيع – إن شاء الله -، وبخٍ بخٍ، وسقى الله أيام رمضان، وسقى الله عهده ولياليه، ما أطيبها من أيام! وما أكرمها من ليال! وما أعزها من عهود! ولكنك يا رمضان لنا عليك عتب قليل، ترحلت عنا سريعاً، فلا ندري أأنك ترحلت عنا لأننا لم نُوافك بما يُرضيك أم أنك ترحلت عنا لأنك رأيت مُناخ القوم أو حاله، لا ندري ما هذه السرعة في الترحل يا شهر الصيام.

يا وحشة المساجد بعد انقضاء رمضان، بعد أن أنست بالراكعين الساجدين، وبعد أن ضجت فيها أصوات الداعين والضارعين، وبعد أن ضاءت واستنارت وتلألأت بمدامع سحاحة من الخاشعين الخائفين، يا وحشة هذه المساجد بعد شهر الصيام، أقبلوا عليها وآنسوا وحشتها يا أحبايي في الجُمع والجماعات وفي مجالس العلم، والتقوا واجعلوها مثابات، فقد حوَّلها رمضان إلى مثابات للعُبّاد ومُرتاداً للتالين وسوقاً للمُتاجِرين مع رب العالمين خير تجارة، وقد ربح البيع – إن شاء الله -.

لا ندري هل يجمع الله الشمل برمضان في قابل أم أن بعضنا يكون قد استوفى أجله وتصرَّم عمره، ولله در مَن قال:

فَياَ شَهْرَ الصّياَمِ فَدتْك نَفْسِي                              تَمهّلْ بِالرّحِيلِ وَالانْتقاَلِ.

فَماَ أدْري إذاَ ماَ الحول وَلّى                            وَعُدْتَ بِقابلٍ فِي خَيْر حاَلِ.

أتَلقاَنِي مَعَ الأحْياءِ حَيّا                              أمْ أنّك تَلقَاني فِي اللّحدِ باَلِي.

اللهم أعد علينا شهر رمضان أعواماً عديدةً وأزمنة مديدةً، واجعلنا فيه من المقبولين، اللهم اغفر لنا تقصيرنا وتفريطنا فيه يا رب العالمين، وتقبَّل منا أحسن ما عملنا فيه.

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين ومن أوليائك المُتقين، اجعلنا نخشالك حتى كأنا نراك، وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك، اللهم نوِّر قلوبنا وصدورنا بنور الإيمان، اللهم يا مُصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا إلى طاعتك، اللهم يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك وتوحيدك يا رب العالمين.

اللهم افتح مسامع قلوبنا لذكرك، وارزقنا عملاً بكتابك وطاعةً لنبيك – عليه الصلاة وأفضل السلام -، اللهم انصر إخواننا المُجاهِدين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المُجاهِدين في السودان، اللهم واكفهم شر شرور أعدائهم يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالإحسان إحساناً، وبالإساءة غُفراناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله يذكركم، واشكروه يزِدكم، وسلوه يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(1997)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: