إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩ لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ۩  قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

وما زلنا – أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات – مع اسم الله الجليل – سُبحانه وتعالى – الملك، مالك المُلك، المليك المُقتدِر. 

وأسلفنا في الخُطبة السابقة – إخواني وأخواتي – أن من أخص خصائص الملك – سُبحانه وتعالى – أن إليه المرجع والمصير، وإليه الحُكم والحساب، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ۩، لأنه الملك، هو الذي يستطيع أن يفصل في الأمر كله، وأن يضع الأمور كلها في نصابها الصحيح، وأن ينتصف للمظلوم من الظالم، وأن يجزي كل نفس بما كسبت على وفق عدله وبحسابه الدقيق الذي لا يُغادِر شيئاً، وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ۩، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ۩.

وقدَّمنا – أيها الإخوة والأخوات – أنه – تبارك وتعالى – سَرِيعُ الْحِسَابِ ۩، لأنه لا شيئ يغيب عنه، كل شيئ حاضر لديه – سُبحانه وتعالى -، وحاولنا أن نُقرِّب هذا المعنى بتمثيلات وتشبيهات، وقد يحسن أيضاً أن نُقرِّبه بتمثيل جديد.

الواحد منا – أيها الإخوة والأخوات – حين يُنشئ فكرةً ما في ذهنه أو تصوراً ما عليه أن يعلم أولاً أنه لا فاصلة زمانية بين هذا الذي أنشأه وبين علمه به، لأنه هو الذي أنشأه، إن جاز التعبير هو الذي خلقه، هو الذي خلقه وأنشأه في ذهنه، ولذلك لا فاصلة زمانية، لم ينشأ هذا الشيئ ثم حدث به العلم، غير صحيح! في الوقت ذاته، وفي الوقت عينه، ثم لا واسطة توسَّطت بين العالم وبين الدارك أو الدرّاك العارف وبين معروفه ومُدرَكه ومعلومه، لماذا؟ لأنه أنشأه في ذهنه، القوة الدرّاكة والقوة الفاهمة والقوة الواعية هي التي أنشأت، فلا واسطة، وهذا معنى العلم الحضوري.

وكذلكم الأشياء حاضرة في علم الله – تبارك وتعالى -، لأنها ناشئة عن علمه وبإرادته، إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۩، لذلك العارفون بالله والحُكماء الذين قالوا فعله علمه – سُبحانه وتعالى – وعلمه فعله لم يُبعِدوا النجعة، كيف يكون علمه هو فعله؟ لأنه لا فاصلة، لذلك فعله علمه وعلمه فعله، وضح هذا المعنى! ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض.

والذي يُؤكِّد أنه لا فاصلة أمور كثيرة، سنكتفي منها بأمر واحد إن شاء الله – تبارك وتعالى -، وقبل أن أعرض لهذا الأمر أود أن أقول إن على الإنسان أن يبذل جُهداً غير عادي، علينا أن نبذل جهوداً جبارة وغير اعتيادية لكي نخرج من حالة المحدودية ومن حالة المركزية التي نعيشها، فالإنسان يرى نفسه مركز كل شيئ، ويقيس كل شيئ على ما لديه وعلى ما عنده وعلى قابلياته وإمكاناته، وهذا غير صحيح.

فمثلاً لو أراد أحدنا أن يُفكِّر – يتصوَّر هكذا، خيال فاسد، هو خيال فاسد وقاصر – كيف يخلق الله الأشياء؟ دائماً يتصوَّر فاصلة، على الأقل يأخذ بظاهر الآية، كُن فَيَكُونُ ۩، أي كأن الله سيقول لفظة، كأن الله سيتلفظ بلفظة من حرفين، وحرف النون يعقب حرف الكاف، فهناك فاصلة زمانية، وبعد أن تنتهي اللفظة يُخلَق الشيئ، غير صحيح! هذا إلحاد في فهم أسماء الله وصفاته، هذا تقريب، الله يُحِب أن يُقرِّب إلينا.

وفي العصور الوسطى الإسلامية أيام نزل القرآن الكريم كان أسرع شيئ يُمكِن للذهن أن يتمثَّله هو لمح البصر، السرعة اللمحية، نشاط لمحي، فاعلية لمحية، في لمح البصر، هكذا! لكن الله – تبارك وتعالى – حين قال وَمَا أَمْر السَّاعَة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر ۩ لم يكتف بهذا، قال أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۩، أحب هذا، ومن هنا اعتقادنا بفضل الله الجازم أن هذا القرآن كلامه، لابد أن يكون كلامه، كلما تفكَّر الإنسان فيه أكثر بان له ووضح أنه كلام الله، يستحيل أن يكون كلام محمد أو غير محمد، يستحيل! لأنه شيئ – كما سيتبرهن لكم بُعيد قليل – فوق الإمكانات المُتاحة لذهنية وعقلية العصور الوسطى قاطبةً، العلمية والفلسفية والعادية، والحس المُشترَك العادي! فوق ذلك تماماً، وأبعد من ذلك تماماً.

أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۩، الله يقول كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۩، ما هو أقرب من لمح البصر؟ ما هو أسرع؟ أشياء كثيرة، الله – تبارك وتعالى – يخلق ويُدبِّر ويرعى ويُدير هذا الكون – تبارك وتعالى – بما هو أسرع بكثير، شيئ لا يناله الوهم، لا يُدرِكه الخاطر، كيف؟

تسمعون عن الساعة الذرية، يقولون هناك ساعة ذرية، أي سيزيوم Cesium، ما هي هذه الساعة؟ هناك ساعة ذرية، ولن نتحدَّث كيف تعمل، يعرف ذلك علماء الطبيعة وداسو الفيزياء، لكن هذه تقيس الوقت بحسب ذبذبات الإلكترونات Electrons حين تنتقل من مجال طاقوي إلى مجال آخر من المجالات التي يعرفها أيضاً دارسو الطبيعة، كالــ MNO، بقانون مُعيَّن معروفة في الفيزياء الذرية، هناك نظرية بور Bohr – أي نيلز بور Niels Bohr – ومَن تلاه، فحين ينتقل الإلكترون Electron من مجال إلى مجال – طبعاً لابد أن يكتسب طاقة أو يفقد طاقة، معروف! هذه النظرية الذرية – يتذبذب، بسرعة شديدة جداً.

هذه الساعة تقيس الوقت بحسب هذه الذبذبات، أي ذبذبات الإلكترون Electron، ولذلك هذه الساعة تُتكتِك – تُعطي تكات، أي Ticks – في الثانية الواحدة تسعة مليارات تكة، أنا حين أقول سُبحان الله تمر ثانية وزيادة، في كلمة سُبحان الله مرت ثانية وزيادة، في هذه الثانية هذه الساعة تُتكتِك تسعة مليارات تكة، أي حين أقول سُبحان الله يكون هناك شيئ حدث تسعة مليارات مرة، شيئ تقشعر منه القلوب، هذا ما كشف عنه العلم إلى الآن.

قد يقول أحدهم فانتازيا Fantasy! ليس فانتازيا Fantasy، هذا علم نحن نعيش عليه اليوم، الآن بعد أن تنقضي هذه الخُطبة يستقل الإنسان سيارته وفيها الــ Navigator، أي الــ GPS System هذا، نظام الملاحة! هذا الجهاز يعمل على هذا المبدأ، وأنت تظن أنه جهاز بسيط، لكنه ليس بسيطاً بالمرة، أدق مما تتخيَّل، أعقد مما تتخيَّل، الإمكانات الهائلة التي أُتيحت ووُظِّفت ليعمل هذا الجهاز وتستدل أنت على عنوان بسيط – يبعد عنك ربما كيلو إلى حتى خمسة آلاف كيلو – أكثر مما تتخيَّل، لماذا؟

هناك – مثلاً – أربعة Satellites أو أقمار صناعية، بعضها مربوط بتسعة أو بعشرة، أي بعض هذه الأجهزة، لكننا سنفترض أن هناك أربعة، هذه الأقمار الصناعية تعمل بالنانو ثانية Nanosecond، وحين تسمع النانو Nano – مثل الــ Nanosecond  أو الــ Nanotechnology أو النانو Nano كذا، إلى آخره – تذكَّر أن النانو Nano عشرة أس ناقص تسعة، أي واحد على كم؟ على مليار، بالأمريكاني Billion، أي بليون، هذا Milliarden، عشرة أس تسعة Milliarden، أي ألف مليون Million، النانو Nano واحد على ألف مليون، هذا النانو Nano.

والآن حين يستقبل جهازك هذا – أي الــ Navigator – إشارة من أحد هذه الأقمار الصناعية تفترق عن الإشارة التي يستقبلها من القمر الاصطناعي الثاني بالــ Nanosecond يفهم الجهاز – هكذا مُبرمَج – أنه علينا أن نتحرّك متراً ونصف المتر أو سبعين سنتيمتراً Centimeter في هذا الاتجاه، ثم تأتي الإشارة الثانية بالنانو Nano، وكذلك الحال مع الثالثة والرابعة، يُجري الحساب بعد ذلك ويقول لك الاتجاه من هنا، لو كنت تتحرَّك بالثانية لن تصل أبداً، تُريد أن تذهب إلى لينز Linz فيأخذك ربما إلى مكة.

إذن هذا الشيئ حقيقي، هذا موجود إذن، قد يقول لي أحدكم الله أكبر، أهذه قدرات بني آدم؟ أهذه قدرة إنسان يُبدِع تقنيات بهذا المُستوى الرهيب جداً من الدقة وبهذا المُستوى الساحر المُثير المُعجِب وفق قوانين في الخلق وفي الطبيعة؟ الله خلق العالم هكذا، تعرفون أنتم أن في الــ Nanosecond هناك بعض الأجسام أو بالأحرى الجُسيمات الأولية، أي الــ Elementary particles، هناك الأجسام أو الجُسيمات الأولية في الفيزياء، تُخلَق أو يخلقها الله فتعيش وتُؤدي رسالتها في الحياة وتموت في Nanosecond، مثل الــ Mesons وعائلة الــ Mesons، هذه منها ما يُخلَق وينشأ فيأخذ دوره على مسرح الحياة ويُؤدي الدور وتنتهي حياته في واحد على ألف مليون من الثانية، هكذا! هكذا خلق الله، متى خلقه الله؟ متى رعاه الله؟ متى أمره الله؟ متى قال له كُن فَيَكُونُ ۩ على ما نتصوَّر نحن؟ متى أنجز دوره؟ ما الذي يحصل؟!

هناك ما هو أكثر من هذا، تعرفون نظرية فخر العرب والمُسلِمين البروفيسور Professor أحمد زويل، ويا ليت عندنا مائة أو ألف كأحمد زويل، حامل نوبل Nobel في الكيمياء سنة تسع وتسعين، أعني الفيمتو ثانية Femtosecond، نسمع بالفيمتو Femto، نقول الفيمتو Femto، الفيمتو ثانية أي الــ Femtosecond، ليس واحد على عشرة أس تسعة من الثانية، ليس Nanosecond، لا! هذا Femtosecond، تعرفون رقم كوادرليون Quadrillion، الكوادرليون Quadrillion عشرة أس خمسة عشر، أي مليون مليار، أي مليون بليون بالأمريكي، هذا مليون مليار، جُزء على مليون مليار من الثانية، أي واحد عشرة أس خمسة عشر من الثانية، هناك الــ Quadrillionth، بالإنجليزية يقولون Th، مثل Millionth، وهو جُزء من Million، و Billionth، وهو جُزء من Billion، وكذا Quadrillionth، وهو هو جُزء من Quadrillion، واحد على عشرة أس خمسة عشر.

العلّامة زويل استطاع أن يرصد وأن يقيس تفاعلات كيمياوية تحدث في فيمتو ثانية Femtosecond، ومن هنا إعجازه، ومن هنا إعجاز هذه النظرية التي أتى بها زويل، وأخذ عليها بكل استحقاق جائزة نوبل Nobel، لو كان هناك شيئ أبعد من نوبل Nobel لكان أخذه أحمد زويل، لو قسَّمنا الثانية إلى مليون بليون جُزء، جُزء منها – جُزء من هذه الأجزاء – يحدث فيه شيئ مُهِم جداً جداً في الحياة، يُسبِّب لهذا سرطاناً، يُسبِّب لهذا التهاباً، يُسبِّب لهذا أمراضاً، تفاعلات كيمياوية في خلية مُعيَّنة.

ومن هنا الوعد المُخيف للفيمتو ثانية Femtosecond في علم الطب والجراحة والأعصاب، في كل العلوم! في الكيمياء وفي الفيزياء، في كل شيئ! لن يبقى علم لن يدخله الفيمتو ثانية Femtosecond، وهذا معروف، شيئ مُخيف وعجيب، لا إله إلا الله.

طبعاً الصورة الثانية لهذه المسألة أن الله – تبارك وتعالى – إذن ميدان عمله – إن جاز التعبير، لا إله إلا هو، وله المثل الأعلى – ليس كما نظن، يعمل في مثل هذه الأشياء، هذا ما استطاع الذهن الإنساني أن يفهمه إلى اليوم، لكي نأخذ فكرة عن معنى الفيمتو ثانية Femtosecond نُريد أن نقول إن بعض العلماء شبَّه أو عادل بمُعادَلة فقال الآتي، قال لك أتُريد أن تعرف نسبة الفيمتو Femto ثانية إلى الثانية؟ نحن نعرف ما مقدارها، واحد على كوادرليون Quadrillion من الثانية، هذا هو، لكن كم! مُعادَلة أُخرى هكذا أوسع، كنسبة الثانية إلى اثنين وثلاثين مليون سنة.

تخيَّل أن عندك اثنان وثلاثون مليون من السنوات، كم فيها أيام! كم فيها شهور! كم فيها ساعات! كم فيها دقائق! كم فيها ثوان! نُريد ثانية واحد من  اثنين وثلاثين مليون سنة، نسبة الثانية إلى اثنين وثلاثين مليون سنة هي كنسبة الفيمتو ثانية Femtosecond إلى الثانية، واحسبها! احسب هذا، اكتب اثنين وثلاثين مليوناً، ثم اضرب الرقم في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، واليوم فيه أربع وعشرون ساعة، إذن في ستين، في ستين، وسوف يخرج عندك ماذا؟ نفس الشيئ، عشرة أس ناقص خمسة عشر، هو هذا، شيئ مُذهِل.

قد يقول لي أحدكم هل هذا حق؟ نعم، هذا حق، هذا علم – كما قلت لكم – نعيش به، لا نعرف كيف يتم، لكن نعيش به، نقود سياراتنا وما إلى ذلك ونستخدم هذا الــ Navigator ونتمتَّع بهذا الشيئ دون أن نعرف هذه الأشياء، لكن العلماء يعرفونها.

معنى ذلك أن الأمر في الواقع حتماً وبالتأكيد هو أدق من هذا وأبعد من هذا بكثير، وهذا صحيح! أبعد من هذا بكثير، فاليوم أي عالم يشتغل بهذه الأشياء سيسخر من إنسان يضرب المثل بلمح البصر، يقول كلمح البصر؟! يقول هذا مسكين، هذا درويش، هذا جامد جداً جداً، هذا سلحفائي، هذا يُفكِّر بسرعة إملائية، ما لمح البصر؟ ما لمح البصر هذا؟ لذا انظر إلى هذا، الله – تبارك وتعالى – لم يتركها من غير تعقيب، قال أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۩.

ماذا يقول لهم الله – تبارك وتعالى -؟ هل يقول لهم نانو Nano وفيمتو Femto؟! لا أحد يفهم، لا أحد! لا أبو بكر ولا عمر ولا أحد، يقول لهم ما يفهمونه، قال كَلَمْحِ الْبَصَرِ ۩، وبعد ذلك قال أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۩، هذه لنا، وهي للبشرية إلى أن تأتي حتى بعد مليون سنة، كله يدخل في ماذا؟ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۩، نحن اليوم نسخر من لمح البصر، يقيني أنه بعد مائة سنة وربما بعد خمسين سنة أو عشرين سنة أو ألف سنة ستأتي أجيال بشرية تسخر من الفيمتو ثانية Femtosecond، سيقولون لك الفيمتو ثانية Femtosecond! أي يظنون أنها شيئ صغير جداً، وربما تأتي أشياء أقل من هذا بكثير.

على ذكر ساعة السيزيوم Cesium الذرية هذه أقول إن هذه الساعة – كما قلت لكم – تُتكتِك في كل ثانية تسعة مليارات تكة، في كل ثانية! وتُستخدَم هذه في الأبحاث وفي الفضاء وفي الفيزياء الفلكية، مُهِمة جداً هذه الساعة وهي موجودة، صُنِعت في الخامس والستين، والآن يُطوِّرونها، في شباط ألفين وثماني طوَّروا ساعة، طبعاً ساعة السيزيوم Cesium هذه تُخطئ بمقدار ثانية واحدة كل مليون سنة، أي تراكم الأخطاء في المليون سنة يُساوي ثانية، كم هي دقيقة! لا إله إلا الله، لكن هم صنعوا في ألفين وثماني ساعة تُخطئ كل ثلاثين مليون سنة ثانية، أدق جداً من الــ Cesium clock، والآن هم يعملون على تطوير ساعة ستُخطئ ثانية واحدة – هذا تراكم الأخطاء – كل مائتي مليون سنة، يقول علماء الطبيعة إنها أدق من ساعة السيزيوم Cesium مائة ألف على الأقل إلى مائتي ألف مرة، أدق! موجود هذا كله، وبعد عشر سنوات – قالوا – سيحدث هذا، أي هناك ألفان وثماني، زائد عشر سنوات، أي في ألفين وثماني عشر سوف تكون مُتاحة تجارياً، يستطيع أي مُختبَر أو أي كذا أن يشتري هذه الساعة، وطبعاً ستكون أنت مُطمئناً جداً جداً، لن تتأخَّر عن عملك، لأنها كل مائتي مليون سنة تتأخَّر ثانية واحدة، ولا أعتقد أنك تحتاج إلى مثل هذه الدقة، لكن هذا يحكي شيئاً آخر.

لماذا الطبيعة ولماذا الكون مُنشأ ومخلوق ومُصاغ بمثل هذه الدقة؟ ما الحاجة إلى مثل هذه الدقة؟ ما الحاجة إلى هذه الأأرقام المُخيفة المُذهِلة المُحيِّرة؟ الله يقول لنا طبعاً لولا هذه الأرقام ولولا هذه المُعادَلات الدقيقة جداً جداً ينهار الكون، هو هكذا! 

إذن الآن الكلام أصبح – انتبهوا وحاولوا أن تعصروا أدمغتكم هكذا – على النحو الآتي، من جهة هناك الفيمتو ثانية Femtosecond، ومن جهة أُخرى هناك عمر الكون، وهو ثلاثة عشر فاصل سبعة بلايين أو مليارات – أي عشرة أس تسعة – سنة، لا تقل لي عمره كذا سنة ضوئية، هذا عمر، هذا بالسنوات، انتهى! هذا عمره، لا تقل لي عمره كذا سنة ضوئية، هذا لا ينفع، حجمه ومساحته وبُعده نعم مكانياً بالسنة الضوئية، لكن العمر بالسنة، بالسنة المعروفة، السنة العادية، أي من ثلاثة عشر بليوناً أو ملياراً وسبعمائة ألف سنة وُجِد الكون، يا الله! هذا شيئ مُخيف، أي أربعة عشر بليون سنة إلى الفيمتو ثانية Femtosecond، هذا بحسب العقل العلمي، نحن لا نتحدَّث بحسب ما يُسمى نفس الأمر، في اللُغة الفلسفية يقولون الأمر الواقي أو نفس الأمر، الأمر كما هو، لا! نفس الأمر لا يعلمه إلا الله أبداً، لذلك وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۩ أبداً، نحن نتحدَّث بحسب مُعطياتنا العلمية، وهي مُذهِلة وعظيمة جداً، وتخدم قضية التوحيد، وتخدم إنعاش العقل الإيماني، حتى يبدأ يتعامل مع ربه – لا إله إلا هو – من منظور مُختلِف.

ولذلك الله لا يُخادَع، لا يُكذَب عليه، لا يُتاجَر معه، قبل أن تُنشئ فكرة أنت تكون هي حاضرة عند الله – تبارك وتعالى -، هل تعرف لماذا؟ لأن التوصيلات العصبية بحسب علم الأعصاب لا تعمل بمثل هذه السرعة، أو ما يُعرَف بالمشابك، أي الــ Synapses، مَن درس الفسيولوجيا Physiology يعرفها، لا! تعمل في جُزء من ألف أو ألف وخمسمائة من الثانية فقط، ليس من مليار وبليون وفيمتو Femto، لذلك أنت حين تتحرَّك قوة هيولانية غير مُحدَّدة فيك ربما لكي تُنشئ فكرة مُعيَّنة يكون الله سبقك إليها، هو سابق إليها، لا إله إلا هو!

لذلك يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ۩، لذلك يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ۩، الله أكبر! هذا معناها، هو قال لك هذا، قال لك ادرس الطبيعة، هذه الجامدة كما تراها، هذه محكومة بقوانين، حتى الطبيعة الحيوية نفسها أيضاً في التفاعلات – كما قلنا – محكومة بقوانين تعمل على مقاس الفيمتو Femto، لكن أعصابك أنت – العملية العصبية هذه والإدراكية – تعمل على مقاس واحد من ألف، المشابك! هناك الأستيل كولين Acetylcholine  والأشياء هذه، هذه تتفاعل في واحد من ألف من الثانية، طبعاً هذا بحسب ما يُقرِّر علم وظائف الأعضاء.

يقول لك وهذا كله أنا مُحيط به، هذا ساحة عملي، بل شيئ من ساحة عملي، بحسب ما بدا لك فقط، أنت تعيش وتتعلَّم فيبدو لك الجديد باستمرار، وطبعاً أنا مُتأكِّد من أننا سوف ننتهي في الأخير إلى أشياء لا يُعبَّر عنها، ليس ستة عشر رقماً بعد الفاصلة، لا! يُمكِن أن يُصبِح الرقم بعد ذلك ستة آلاف أو حتى ستة ملايين بعد الفاصلة، لا نعرف! في الأخير سوف ننتهي إلى أنه – لا إله إلا هو – هكذا يُدير الكون ويخلق ويُحيي ويُميت في لا زمن، لا يُوجَد هذا، زمان ماذا هذا؟ هذا الزمان مُعطى لك أنت هكذا فتفرح به، لكي تُحاوِل أن تفهم وتقدر على أن تتعقَّل الظاهرة، لكن الظاهرة في الأخير تُولَد وتشتغل وتتحرَّك بقدرته في لا زمان.

هذا من جهة الزمان، من جهة الــ Space أو المكان أو الفضاء لدينا الكون، أوسع شيئ نعرفه، كم! مساحة نصف قطره – نصف قطره هذا، لأن من المفروض أن يكون كورياً أو أسطوانياً أو شيئاً كهذا، على كل حال لو تخيَّلناه شبه كرة سيكون هذا نصف القطر – ثلاثة عشر فاصل سبعة من عشرة بلايين سنة ضوئية، والآن لا نتحدَّث نحن عن الزمان، نتحدَّث عن المكان، لكن لا نستطيع أن نتحدَّث بلُغة الكيلومتر Kilometer والميل Mile والكلام الفارغ هذا، لا يُمكِن! هم يتحدَّثون الآن بلُغة الزمان عن المكان، أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة، هذا هو، انظر هذا كم بليون بليون بليون كيلومترKilometer! الله أعلم، احسبها، في كل ثانية هناك ثلاثمائة ألف كيلومتر Kilometer، في كل ثانية! أي يلف الأرض كلها ثماني مرات في الثانية، حين تقول سُبحان الله يكون لف الأرض ثماني مرات، إذن هذا يعني أن الضوء سيصل بعد دقيقة إلى أين؟ الشمس على بُعد مائة وخمسين مليون كيلومتر Kilomete، على بُعد مائة وخمسين مليوناً! يقطعها في خمس دقائق، خمس دقائق ويكون وصل، إذن في ثماني ساعات إلى أين سيصل الضوء هذا؟ وماذا سيقطع؟ إذن أين سيصل الضوء في ثماني سنوات؟ أين سيصل الضوء في ألف سنة؟ أين سيصل الضوء في مليون سنة؟ أين سيصل الضوء في مليار سنة؟ أين سيصل الضوء في أربعة عشر مليار سنة؟ هو هذا.

قال لك هذا هو حين ينتهي الضوء من اللف بعد أربعة عشر ملياراً، هذا لا يزال نصف قطر الكون، وهناك نصف قطره من الجهة الثانية، انظر إلى هذا، هذا مكانياً، هذا المكان، وهذا شيئ من مُلك الله، لا إله إلا هو! لأن هناك العرش وهناك سماوات أُخرى وهناك أشياء لا يعلمها إلا الله، هذا الشيئ الذي نحن نتحدَّث عنه ودرسناه ونراه – أي الـ Cosmos، الــ Unser Universe أو Unser Universum أو Unser kosmos، هذا Unser kosmos – بهذه السعة.

هذا بهذه السعة، وفي المُقابِل يتحدَّثون عن الذرة، خُذ شعرة من شعرات رأسك، في عرض الشعرة يُمكِن أن تصطف ثلاثمائة ألف ذرة، نعم! هذا فيزيائياً، يقول لك هذا ما يحدث في عرض الشعرة لو أتينا بذرات – أي Atoms، أي ذرات – ووضعناها هكذا واحدة إلى جانب أُختها إلى أن تنتهي الذرات، يقول العلماء أيضاً حين تكتب أنت وتُنقِّط – تقول نُقطة، Full stop، نُقطة، وهكذا في سطر جديد، تكتب نُقطة على السطر أو تضعها على رأس حرف – يُمكِن أن تحتوي هذه النُقطة بل هي تحتوي في الحقيقة على مليار ذرة، سوف تقول لي أهذه الذرة؟ أهذه هي الذرة؟ وهذا الكون، أربعة عشر بليون سنة نصف القطر، إذن هذا الكون وهذه الذرة، أي الكبير جداً والصغير جداً، لكن هذا غير صحيح، ليس هذا الصغير جداً، يُوجَد عندنا ما هو أصغر.

يُوجَد عندنا الجُسيمات الأولية، أي الــ Elementary particles كما قلنا، الجُسيمات الأولية! التي تتكوَّن منها الذرة، في النواة هناك إلكترون Electron وبروتون Proton، هذا في النواة، وطبعاً النواة بالنسبة إلى حجم الذرة كلها لا شيئ، لا شيئ! بعضهم يقول مثل كرة قدم قياساً إلى كرة الأرض، هذه النواة بالنسبة إلى الفراغ الذري، وهذا يعني أن الذرة كلها فراغ، أين؟ أين النواة هذه؟ هذه النواة فيها نيوترونات Neutrons وبروتونات Protons، النيوترونات Neutrons مُتعادِلة، النيوترون Neutron أو البروتون Proton يتكوَّن أيضاً من جُسيمات أولية، أي الكواركات Quarks، وهي من طائفة الهادرونات Hadrons، في مُقابِل اللبتونات Leptons، كل شيئ يتكوَّن من لبتونات Leptons ومن هادرونات Hadrons، والهادرونات Hadrons معناها ماذا؟ النيوترون Neutron والبروتون Proton، هذا هو! الكواركات Quarks هذه لا تزال كائنات دقيقة جداً جداً، هناك ستة أنواع منها في العائلة، ستة أنواع! هذا شيئ ضئيل، أضأل مما تتخيَّل، وله كُتلة – يقولون -، لكن أبعاده صفرية.

إذن إلى الآن أقل شيئ في المكان يُمكِن أن نتحدَّث عنه الكواركات Quarks وأبعد شيئ الكون – الـ Cosmos -، هذا مجال عمل القدرة، لا إله إلا الله! وكما قلت لكم كل شيئ موجود وحاضر، لا تُوجَد فاصلة أصلاً، ولا يُوجَد معنى للفاصلة، ولذلك نعود إلى سرعة حسابه، لا إله إلا هو! قال وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ۩، إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ۩، أسرع ما يُمكِن أن يكون الحساب هل تعرف كيف وهو حتى أسرع من هذه الأشياء؟ حين يكون فعلك نفسه – كما قلت في الخُطبة السابقة – هو الحساب، هو الجزاء! الفعل هو الجزاء، تفعل خيراً تُجزى بخير بفعلك، فعلك هو نفسه الجزاء، تفعل شراً جزاؤك في فعلك، فعلك نفسه هو الجزاء، والآيات كثيرة في القرآن الكريم تُؤكِّد هذا المعنى اللطيف والغامض والعميق جداً، والأحاديث النبوية حاولت أن تُفهِمنا هذا، كاللعنة، لا تلعن كل أحد، لا تلعن أي أحد، لا تلعن إلا مَن يستحق اللعنة، النبي يقول هذا، لماذا؟ لأن هذه اللعنة تبحث عن موئلها، عن مُستحِقها، فإن لم تجد عادت، فلبستك أنت، تُصبِح أنت معلوناً بلعنتك، أي ما تقوله وما تفعله – كل شيئ – هو نفسه عقاب نفسه، حتى ما تشتهيه من الشهوات الحرام بقلبك هذا مُباشَرةً هو نفسه عقاب نفسه، هذا هو! هذا يُخرِّبك في نفس اللحظة، هو نفسه، لا تُوجَد فاصلة زمانية، العقاب هو الفعل.

بعضهم يُشبِّهها – لكن هذا التشبيه ليس بليغاً جداً – بظاهرة الإيكو Eco، أو ظاهر الصدى، حين تقف هكذا في مكان يتردَّد فيه صدى صوتك وتسب، تعود إليك المسبة تماماً، تقول يا سيء، فيقول لك يا سيء مُباشَرةً، تعود إليك مُباشَرةً، تقول يا أيها الرجل الطيب، فيقول لك يا أيها الرجل الطيب، ما تقوله وما تفعله يرتد إليك مُباشَرةً، لكن في الحقيقة هو أبلغ من هذا، هو نفسه، دون أن يرتد، هو نفسه! فما تأتيه وما تُنشئه هو نفسه عقابك، وهذا نوع من الحساب وهو سريع، بل أسرع شيئ هذا، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۩، هذه العاقبة، التكذيب هو العاقبة، الجريمة هي التكذيب، والعاقبة والنقمة هي التكذيب، لا إله إلا الله! يقول لك هذا هو طبعاً.

ولذلك لا تغتروا بما ترون من بعض النعيم الزائل الكاذب في أحوال المُجرِمين والضلّال والظالمين أبداً، هو يلقى جزاءه مُباشَرةً، وسأُبرهِن لكم هذا بطريقة أصبحت الآن ميسورة عليكم، حدَّثتكم قبل أسابيع عن الكشف العلمي العجيب في علم الأعصاب الذي حظيَ بشرفه العالم الإيطالي ريزولاتي Rizzolatti، وهو الخلايا العصبية المرآوية، أي الــ Mirror neurons، شيئ غريب، لن أُعيد ما ذكرت في تلكم الخُطبة، لكن باختصار أُذكِّركم ببعض الأشياء.

أنت حين تنظر في إنسان كيف يشعر هو أنت تشعر دون أن يقول لك، تُوجَد عنده خلايا مُعيَّنة اسمها خلايا عصبية مرآوية، وأنت طبعاً وأنا وكل واحد عنده نفسه الخلايا، خلايا عصبية مرآوية، ما يشعر به هو ينعكس مُباشَرةً في مرآة خلاياك أنت، صورة مرآوية! هو حزين وأنت حزين، هو مُكتئب وأنت مُكتئب، هو فرحان وأنت فرحان، ولذلك السعادة تُضاعِف نفسها طبعاً، وإذا يسَّر الله أناساً لسعيد فهم السعداء، تجلس مع السعيد تُصبِح سعيداً، تجلس مع إنسان مُبارَك – وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ۩ – تشعر بالبركة، تشعر بأنك أقرب إلى الله، بأنك خاشع، بأنك لطيف، بأنك سريع الدمعة، وبأنك رقيق القلب، هكذا! تجلس مع مُعتِم جامد مُظلِم تشعر بقسوة القلب، تشعر بأنك تحتاج – والعياذ بالله – إلى شيئ من المعصية، تهفو نفسك إلى الشهوة، هذه الخلايا المرآوية، انتبه! مُهِم جداً الذي تراه والذي تسمعه والذي تجلس إليه، هذا مُهِم جداً جداً جداً، كل شيئ تشوفه أو تراه أو تسمعه أو كذا مُهِم جداً، انظر إلى نفسك، أين أنت الآن؟ جالس في أي حالة وفي أي وضع؟ ترى ماذا؟ تسمع ماذا؟ ومع مَن؟ لأنه سيُؤثِّر عليك مُباشَرةً في نفس اللحظة، ليس أنه فيما بعد سيُؤثِّر وإنما في نفس اللحظة.

وطبعاً شرحت لكم لماذا لا نشعر أحياناً بهذا، قد لا أشعر بأنني مُتعاطِف معه، وهذا بسبب الجلد، أي الــ Skin الخاص بنا، يقول علماء الأعصاب هذا، وهذا ليس فلسفة، علم أعصاب هذا، وهذا حديث جداً، أحدث الكشوف هذه، هذه الكشوف أعظم من الكشوف الجغرافية، هذه جغرافيا الإنسان، جغرافيا البدن الإنساني! يقولون لو نزعنا الجلد – وشرحت لكم كيف هذا عصبياً – مُباشَرةً يُصبِح التآثر بيننا على أشده، تماماً مرآوياً، أي بشكل مرآوي، بمعنى أن هذا الأخ أو هذا الإنسان لو قرصته نحلة سأشعر بالقرصة، تماماً كأنما قرصتني أنا في نفس المكان، لو حكه – مثلاً نفترض – شعره، كشعر رأسه أو أذنه، نفس الشيئ سيحكني، وهذا حيَّر العلماء، طبعاً لأننا مخلوقون من ماذا؟ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ۩.

هناك ما هو أعجب من هذا، ليس فقط لأننا مخلوقون من نفس واحدة، نفس واحدة نفَّسها الله نفوساً، لا! وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۩، انظر إلى دقة القرآن، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۩، قد يقول لي أحدكم نعم، ولذلك الله يقول في قرآنه وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۩، ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ۩ لا يقول لا تقتلوا بعضكم بعضاً أو لا تقتلوا بعضكم، يقول أَنفُسَكُمْ ۩، وطبعاً أنا مُتأكِّد مَن لا يقرأ القرآن بعقل مُتسائل وبعقل مُحاجِج لن يفهم هذه الأشياء، يقول نعم، تقتل نفسك أو تقتل غيرك، لا! الله يقول تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ۩، لم يقل تقتلون بعضكم بعضاً، افتحوا كُتبكم أي ليفتح كل كتابه، تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ۩، أي يقتل كل نفسه، وهذا لفت المُفسِّرين العظماء الذين درسوا البلاغة ويعرفون هذه الأشياء، قالوا الآية فيها مجاز، الآية ليست حقيقية، هذا ليس تعبيراً حقيقياً، وجعل الله قتل الآخر – أي قتل الإنسان الآخر – قتل النفس مجاز، لماذا؟ قالوا – حاولوا أن يستنبطوا، هذا ليس كلامنا اليوم، كلامنا اليوم في الأعصاب، وهو دقيق جداً جداً، كلامهم في البلاغة، بارك الله فيهم، وشكر الله سعيهم – لما يُوجِب ذلك من القصاص، سينتهي بقتل نفسك، لكن هذا غير دقيق، هناك مَن يقتل ولا يُقتَص منه، الله يقول لا، قتل نفسه، في ضوء نظرية ريزولاتي Rizzolatti نفهم هذا جيداً، نفهم هذا تماماً، تخيَّل! لذلك الشاعر قال:

بِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ مُذْ خُلِقُوا                      أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالْأَجْرَامَ فِي قَرَنِ.

أنت قتلته وأنا أقول لك ستبقى تُعاني إلى أن تلقى الله من رُعب القتل، كأنك أنت المقتول، كأنك أنت المُعذَّب الآن، سيبقى هذا، أنت يُمارَس عليك القتل في كل لحظة يا مسكين بقتلك، ولذلك كل القتلة الكبار حتى في المجازر الأهلية يقولون فعلنا هذا، ويقول الوحد منهم وقتلت من عشرة أو عشرين أو ثلاثين، لكن بعد أول نفس قتلتها – هذا من عشرين أو ثلاثين سنة ومُستمِر إلى اليوم – أنا فقدت نفسي، لم أعد ذاك المرء الذي كان، طبعاً انتهى، صار شيئاً آخر، لن تنجو، فعلتك نفسها هي العقاب، تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ۩، قال في النور فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۩، قال  فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ۩، قالوا مجاز، كيف يقول فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ۩؟ لم يقل سلِّموا على بعضكم، قال فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ۩.

مثل المُؤمِنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد، أي النبي أحب أن يُقرِّب، وإلا في الحقيقة هم جسد واحد، ليس كمثل، لكنه أحب أن يُقرِّب، لو قال لهم جسد واحد كما قال القرآن نفس واحدة – مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ۩ – لن يفهموا، ولذلك هذا الحديث – حديث النعمان بن بشير في الصحيحين – رواه الإمام مُسلِم عن النعمان بن بشير بلفظ آخر، ولعل الرسول ذكر لفظين، كلاً في مقام، قال المُسلِمون كرجل واحد، أي نفس واحدة، إذا اشتكت عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله، إذن هكذا التواشج، لكن ماذا لو ذهبنا خُطوة إلى الأمام أبعد؟ هل هناك تواشج وتآثر مع المخلوقات الأُخرى – مع النباتات والحيوانات والجمادات -؟ طبعاً موجود، ليس فقط مع أبناء آدم وحواء، وهذا يعني أن المسألة أبعد من أن تكون مُعلَّلة أو مُفسَّرة بقضية أننا خُلِقنا من نفس واحدة، آدم وحواء فقط، فهي أبعد من هذا، وطبعاً هي أبعد من هذا، ما هو التفسير؟ كل هذا الخلق مخلوق لله، وسارٍ فيه معنى توحيد الله، لا إله إلا هو! الروح السارية في كل شيئ من الكوارك Quark إلى الكوزموس Cosmos هي لا إله إلا الله، تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۩.

ولذلك إذا أمعن ونفذ المُؤمِن والمُؤمِنة في توحيد الله وتعمَّق التوحيد وأصبح من العارفين بالله وجد صلة مع كل شيئ، ولذلك هذا المنبر لم يكن منبراً، كان جذع نخلة هكذا، والنبي كان يخطب عليه، والحديث مُتواتِر، أي هذا ليس من أحاديث الأولين هذه أو من تخرصات وأظانين، هذا حديث مُتواتِر، رآه عشرات من الصحابة، كل بالمسجد.

لما غادره النبي حين بُنيَ له المنبر بثلاث درج حن إليه، كما تحن الناقة العُشراء، وبدأ يئن، والصحابة سمعوه، والنبي يعلم هذا، والنبي يعلم أنه حبيبه، فأخذه واحتضنه هكذا، شيئ عجيب، آية من آيات الله، عشرات الصحابة سمعوا هذا، قال لولا أني احتضنته لانشق من الشوق، شوق وعشق وهُيام إلى رسول الله، قال لما فقد من ذكر الله عليه، الله أكبر! 

لذلك هل تُريد أنت أن يكون دعاؤك مُستجاباً؟ أتُريد أن تقع على ابنك هكذا ويشفى بابن الله؟ أتُريد كذا وكذا؟ تعرَّف إلى الله، أمعن في التوحيد يا رجل، اترك الشهوات والدنس والقذارة، هذا من العقل الصغير، عليك أن تُصبِح من العارفين، من المُستهتَرين بذكر الله، دائماً! العقل شغّال، اللسان شغّال، وكذا الأعضاء كلها شغّالة، هناك عبادة وخشية، وسوف تتواصل مع الكون ومع كل شيئ بإذن الله – تعالى -.

أُحد جبل يُحِبنا ونُحِبه، الرسول يقول هذا، يُوجَد تواصل، تُمطِر السماء فيخرج النبي مُباشَرةً، يستقبل المطر هكذا بصدره، ويقول إنه حديث عهد بربه، أي المطر هذا، إذن تُوجَد علاقة غير عادية بحسب هذا المعنى، إني لأعرف حجر بمكة كان يُسلِّم علىّ بالنبوة، يقول السلام عليك يا نبي الله، النبي يسمعه وهو يُسلِّم عليه، يُوجَد تواصل.

في القرآن الكريم فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ۩، قال فَمَا بَكَتْ ۩ لا تبكي عليهم، إذن تبكي على مَن؟ على المُؤمِنين الصالحين، هل تبكي؟! نعم تبكي، السماء تبكي، والأرض تبكي، في حديث أبي يعلى عن عليّ – عليه السلام – إذا مات المُؤمِن بكاه موضعان: موضع من الأرض وآخر من السماء، موضع الأرض هو مكان سجوده، أين كان يُصلي ويسجد لله؟ تبكي عليه، وأما موضعه من السماء فهو معراج عمله، أين كان يخرج عمله من نور؟ وكله نور، وليس حراماً وكذباً وغيبةً ونميمةً وشهوات وكلاماً فارغاً، هناك عبادة، ذكر، نظافة، واتصال بالله، الكون معه، الكون يُحِبه، يُؤيِّده، وينصره بإذن الله.

قال – تعالى – يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۩ هذا داود – عليه السلام -، يذكر الله والكون يُردِّد الذكر معه، ذكر صادق، ليس تمثيلاً، ليس مسرحيةً، هذا ذكر، ذكر وعبادة، ذكر رجل عارف بالله ونبي، فالمخلوقات كالحصباء والصخور الصُلد والجبال والأمواه كلها تُردِّد وتُرجِّع معه ذكره، إذن هكذا الكون إلى هذه الدرجة يتواصل معنا.

لذلك انتبه، أي شيئ تفعله مُباشَرةً يعود عليك، طبعاً الكون وحدة واحدة، أنت تضر نفسك، أنت تُؤذي نفسك بكل شيئ تفعله على غير ما أمر الله – تبارك وتعالى -، ونعود إلى سرعة حسابه، لا إله إلا هو.

إذن هو ملك، لا إله إلا هو! فإذا كان ملكاً فلا غرو أن يأخذ وأن يحكم وأن يُحاسِب بالعدل، لا إله إلا هو، بالعدل! إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، هكذا! وكفى به حاسباً وكفى به حكماً عدلاً، لا إله إلا هو.

يقول أحدهم رأيت مرة رجلاً وقد قُطِعت يده من الكتف – والعياذ بالله، نسأل الله العفو والعافية لي ولكم والمُسلِمين والمُسلِمات أجمعين – فقلت يا أخي ما قصتك؟ مقطوعة من الكتف! فقال قد سألتني عن قصتي فاسمع حكايتي، فحكايتي عجب، قد كنت رجلاً ظالماً من أعوان الظلمة، من أعوان الدولة، فرأيت ذات مرة رجلاً صيّاداً، عليه سماء الفقر وبيده سمكة أعجبتني، المسكين اصطادها وأراد أن يعود بها! قال فقلت له أعطني السمكة، فقال بالثمن، قلت لا، بغير ثمن، تقوَّيت عليه بجسمي – قال – وبالبزة العسكرية، قال لا، بغير ثمن، قال لا أُعطيكها إلا بالثمن، فإني أبيعها في السوق، وأشتري بثمنها قوتاً لعيالي، قال فضربته وأخذتها منه، فجعل الرجل يبكي، وانطلق مُستسلِماً لمصيره.

قال فوالله ما إن بلغت الدار حتى ضربت علىّ إبهامي، وصار بي من الألم ما لا يعلمه إلا الله، حتى لم أعرف طعم المنام ليلتها، فلما أصبحت غدوت إلى الطبيب، فقال يا رجل هذه بداية الآكلة، أي  الــ Gangrene، هذه بداية الآكلة! اقطع إبهامك وإلا قطعنا يدك من الرسغ، قال فقطعت الإبهام وقلت أستريح، قال فما عتمت إلا ساعات حتى ضربت علىّ كفي، أصابعي الأربعة كلها الموجودة في اليد، قال أشد من الأول، فذهبت إليه، فقال الآكلة قد سبقتنا، اقطع اليد من الرسغ وإلا قطعناها من المرفق، قال فقطعتها، قال وعُدت، وهذا كله في ثلاث ليال فقط، قال فضربت علىّ يدي إلى مرفقي، لم أستطع – قال – أن أقر، أين القرار؟ أين الهدوء؟ ألم رهيب، قال فقال نقطعها من المرفق وإلا سرت إلى سائر بدنك، قال فقطعوها، فضربت علىّ في الليل، فغدوت، فقال نقطعها من الكتف، قال فقطعها الطبيب، وبين أنا عائد ولا يعلم ما بي من الكمد والحزن والألم إلا الله فإذا بي برجل من معارفي قال ما هذا؟ قال فقصصت عليه قصتي، قال هل عملت عملاً سوءاً؟ قلت إي والله، القصة قريبة، لم يمر عليه أكثر من ثلاثة أيام، وحكيت له حكاية السمكة والصيّاد، قال يا مسكين يا جاهل لو أنك بادرت إلى الرجل فاستحللته واسترضيته ما صرت إلى ما صرت إليه، أي كان من المُمكِن أن تكتفي بالإبهام.

لا عبث مع الله، ولا لعب مع الله، قال الإمام عليّ – عليه السلام – قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – اشتد غضبي على مَن ظلم مَن لا يجد له ناصراً غيري، رواه الطبراني في  الصغير والأوسط، اشتد غضبي على مَن ظلم مَن لا يجد له ناصراً غيري، مسكين وضعيف هذا، أتظلمه هكذا لأنك من أعوان الظلمة؟! 

فقال فجعلت أطلب الرجل بكل وجه وناحية حتى أصبته، قال فلما رأيته أكببت على قدمه أُقبِّلها وأبكي، هذا الضابط أو الجُندي هذا المُستكبِر جعل يبكي! قال قلت له يا سيدي، يا أخي سألتك بالله إلا ما رضيت عني وأحللتني وسامحتني، قال فلما رأى ما بي ورأي يدي قد قُطِعت من الكتف رق لي، مسكين! دائماً هؤلاء الناس هم الطيبون، وليس الظلمة هؤلاء، هذا كان يتقوى بنفسه، وليس عند الله قوي، القوة لله، الله هو القوي، لا يُوجَد مَن هو قوي، ولا ملك ولا مملوك ولا أي واحد ولا أي شيئ، ولا جبريل ولا ميكال ولا أحد، ولا أحد! الله هو القوي وحده، لا إله إلا هو.

قال فقلت يا أخي اجعلني في حل، فقال يا أخي قد جعلتك في حل، وإني قد عفوتك عنك، وإني لأسأل الله أن يعفو عنك، قال فلما هممت أن أمضي وأنا أبكي قلت له يا سيدي بالله حين غصبتك السمكة هل قلت شيئاً؟ قال نعم، إي والله، توجَّهت إلى ربي وقلت اللهم إنك ترى أن هذا تقوّى علىّ بقوته على ضعفي فيما رزقتني ظلماً، فأرني فيه قدرتك، قال فبكيت، وقلت له يا أخي قد أراك الله قدرته في.

قصة عجيبة يحكيها المرحوم اللواء الرُكن محمود شيت خطّاب العراقي، العسكري المُبرِّز والعالم والمُؤرِّخ الصالح – رحمة الله عليه وطيَّب الله ثراه -، هذا الرجل ترك موسوعة في تاريخ العسكرية والقيادات والفتوحات الإسلامية، موسوعة من آلاف الصفحات، لواء ركن! يا ليت كل الألوية الأركان على عُشر أخلاق ودين وورع محمود شيت خطّاب – رحمة الله تعالى عليه -.

محمود شيت خطّاب يحكي قصصاً كان شاهداً عليها، يعرفها! بعض هذه القصص والحكايا سمعها من أصحابه، والبعض الآخر وقعت في زمانه وفي بلده – أي في العراق -، لا يحكي أشياء من كُتب ولا من بلاد أُخرى، هذه القصة وقعت في الشمال العراقي، في قرية من قرى الشمال، كانت كأنها جنة، حديقة غناء، أبطالها فتاة يُضرب المثل بحُسنها ودلها، تُسمى سعاد، كتبها الله لابن عمها، هكذا عادات العرب، وكانت تُحِبه وترضاه لدينه وخُلقه وجده في الحياة، شاب جاد، يعمل مُزارِعاً في قطعة أرض صغيرة، وكان جمال سعاد هذه حديث القرية، حديث نساء وشباب ورجال القرية، على مثال عجيب من الحُسن والدل والبهاء.

وكان في القرية رجل مُتنفِّذ، صحاب سُلطة قوي، تحسب له القرية لا حساباً واحداً بل ألف حساب، هويها في نفسه وتُيِّم بها، حتى حمله الاستحماق على أن كاشفها مرة، خلا بها في الطريق، فكاشفها بحُبه وهُيامه، فقالت له اتق الله، فإني امرأة مُتزوِّجة، وأنا راضية بزوجي، ولن أكشف لها ستراً، ولن أخون الأمانة، فاربع على ظلعك واذهب، فهدَّدها وتوعَّدها فلم تُباله، وخشية أن تقع فتنة لا يعلمها إلا الله فالرجل مُتنفِّذ – كما قلت – كتمت أمرها عن الناس جميعاً، حتى عن زوجها وأقرب الناس إليها، حكيمة! رحمة الله عليها.

والآن الوقت أواخر الربيع وأوائل الصيف، وزوجها في الحقل، في مزرعته يحصد زرعه، وكانت تُعاوِنه سحابة النهار، ثم إنه سيَّرها وأرسلها إلى البيت لكي تُهيء طعام العشاء، على أن يلحقها بعد قليل، غابت الشمس وتأخَّر قليلاً، أعدت الطعام وهيَّأت البيت لكنه لم يأت، راث عليها ساعة وساعتين فساورتها الشكوك، فقصدت أهلها وحدَّثتهم، قالت زوجي لم يعد، وهذه ليست له بعادة، فخرجوا فإذا به قُرب حُفرة – على مبعدة عشرات الأمتار من حُفرة مُعيَّنة – وقد غرق في بركة من دمه، قُتِل برصاصة غادرة، لا نقول طائشة، إنما غادرة آثمة قاتلة.

جعل المُحقِّقون يُحقِّقون في القضية أسابيع طويلة، ثم أُغلِق الملف، مُسجَّلة الجريمة ضد مجهول، فالرجل رجل طيب محبوب وليس له أعداء، ولم تحم الشُبهة حول أي واحد، وبعد أن انقضت عدة الوفاة جاء الخطّاب يتسابقون، يتنافسون عليها، ومنهم المُتنفِّذ، الذي بذل فوق ماله الجزيل جهوداً وحيلاً، وتوسَّل وسائل شتى، ليظفر بها، فكان له الظفر!

ظفر بها، فلما صارت في عصمته صار يُغدِق عليها من صنوف النعم ومن ألوان الحُب والدلال ما لا يعلمه إلا الله، فالرجل مُستهام بها حقيقةً، كان صادقاً في وده لها، لكنها لم تُحِبه حُب الروح للروح، إنما حُب الظاهر واللسان والبدن، حُب الروح والدم كان لابن عمها وزوجها الأول، ما الحُب إلا للحبيب الأول، ظلت وفية لعهده ووفية لأيامه وذكراه.

وكرت الأيام ومضت السنون، ورزقهم الله – تبارك وتعالى – بضعة أولاد، إلى أن أتى يوم من الأيام، فالله يُمهِل ولا يُهمِل، لا إله إلا هو! وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۩، قصد زوجها إلى قرية مُجاوِرة، زائراً لصديق له حميم، على أن يعود عند المغرب، لكن المجلس طاب له ولصديقه ومعارفهما الحاضرين، فتأخَّر إلى الهجيع الأول من الليل، وبين هو في طريق العودة إذ سمع إطلاق عيارات نارية، كالمطر تنهمر من كل جانب، فصاح وصرخ وخاف على نفسه، ووجد حُفرةً فوقع فيها مُباشَرةً، وجعل يُطلِق هو أيضاً عيارات نارية لكي يُخيف المُعتدين، وشعر بشيئ تحته في هذه الحُفرة، وما هي إلا دقائق حتى أتى الناس من القرى المُجاوِرة ومعهم رجال الأمن والشرطة ومعهم المصابيح لأن الدنيا فيها ظلام دامس حالك، فوجدوا هذا الرجل ومعه المُسدَّس وتحته جُثة غارقة في دمائها.

أخذوه مُباشَرةً بلا مثنوية على أنه هو القاتل، والمُسدَّس في يده، وليس أحد في المكان إلا هو، فأقسم وغلَّظ الأيمان أنه لم يفعل وأنه إنما دافع عن نفسه وما إلى ذلك، لكن لم يُصدِّقوه، كل القرائن تضافرت على أنه هو القاتل بعد تحقيق دام أيضاً أياماً وأسابيع، كل القرائن تضافرت على أنه هو القاتل، ومن سوء حظه وجدوا العيارات التي قُتِل بها الضحية من نفس عيارات مُسدَّسة، لم يكن هناك مثل اليوم بحث دقيق جداً جداً، لم يكن هذا موجوداً، من نفس النوع وانتهى الأمر، كم مللي؟  وما إلى ذلك، فقالوا هو، لا أحد غيره.

المحكمة الكُبرى بلُغة العراقيين حكمت بالإعدام، ومحكمة التمييز صادقت على حُكم المحكمة الكُبرى أو العُليا، وانتهى كل شيئ، انتهى! وقبل أن يُعدَم بسويعة أتته زوجه ومعها أولادها الصغار وأبوه وأمه وإخوانه وأحبابه، كان رجلاً كبيراً ومُتنفِّذاً! فطلب منهم واستأذنهم أن يخلو بزوجته لدقائق معدودات، فسمحوا له، فأسر إليها بكلمات انهمرت بعدها دموعه، أما هي فوقفت جامدةً كالتمثال، لم تفه بكلمة ولم تأت بحركة ولا نأمة، تجمَّدت! لم يفهموا ما الذي حصل، ثم أخذت نفسها وولت، واستأذنهم السجّان لكي يُنفِّذ فيه حُكم الإعدام، على أن تُرسَل الجُثة بعد قليل إلى القرية، ومُنِع أهله من رؤية ذلك، في غُرفة مُغلَقة هذا تم، وبعد سويعات أوتي بالجُثة.

أخواته وقريباته وبعض نساء المعارف اتشحن بالسواد، إلا زوجه! زوجه لم تتشح بالسواد، بقيت في لباسها، فأطلقت لسان الناس بالاستنكار، لماذا؟ ما المرأة السيئة هذه؟ واستأذنت أباه لكي تذهب إلى بيت أهلها هي وأولادها، قال لها هذا بيتك وبيت زوجك، قالت لا، فأصر وألحف وألح، إلا أنها أبت إلا العودة، وعادت!.

وبعد أشهر أتى أبوه وطلب منها أن تُعطيه أحفاده، قال هؤلاء أبناؤنا، لحمنا ودمنا، فلابد أن تُعطينا أولادنا، قالت له كلا، قال لماذا؟ وأراد أن يصرخ ويصيح، قالت له تعال، وأسرت إليه، قالت هل تعلم ساعة طلب فلان زوجي أن يخلو بي بماذا أسر إلىّ على مرأى منكم ومن غير مسمع؟ قال لا، قالت قالي لي وبكى كما رأيتم يا سعاد سامحيني وادعي لي الله بالمغفرة، فأنا الذي قتلت زوجكِ الأول يا سعاد، طمعاً فيكِ واستأثراً بكِ.

قال لها ومن عجيب القدر أن الحُفرة التي كمنت له فيها ومنها أطلقت عليه النار هي الحُفرة التي وقعت فيها على الضحية، نفس الحُفرة! التي قتل منها قُتِل فيها آخر، لكن لا برصاصه، وقُتِل هو بسبب هذا القتيل المغدور، قال لها الحُفرة نفسها – يُقال الحُفرة نفسها وليس نفس الحُفرة – هذه، الحُفرة نفسها! 

ثم سكتت فلم تفه، وسكت والده، ونطق القدر.

أما والله إنَّ الظُلم شؤمُ                               وَلاَ زَالَ المُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ. 

إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّيْنِ نَمْضِي                            وعند الله تجتمعُ الخصومُ.

_________

لا تَظلِمَن إذا ما كُنتَ مُقتَدِرا                         فالظُّلمُ تَرجِعُ عُقباهُ إلى النَدَمِ.

تَنامُ عَينُكَ والمَظلومُ مُنتَبِهٌ                           يَدعو عَليكَ وعَينُ اللهِ لَم تَنَمِ.

_________

وَمَا مِنً يَدٌ إِلاّ يّدُ اللهِ فَوْقَها                             وَمَا مِنْ ظَالِمٍ إِلاّ سَيُبْلَى بِظَالِمِ

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                    (الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد، أيها الإخوة:

أيام أحداث الثورة الدستورية في إيران في الثُلث الأول من القرن العشرين يُحدِّث أحدهم وكان شاهد عيان، قال رأيت درويشاً حلق رأسه بالموسى – أي بالموس، وهو درويش من أهل الله المجاذيب – يجلس على قارعة الطريق وقد جعل رأسه بين كلتا يديه، يُفكِّر! قال ورأيت ضابطين على فرسين، أحدهما بيده البايب Pipe، أي الغليون، وكان قد فرغ منه، فأتى ولما اقترب من الدرويش أفرغ جمر غليونه على رأسه، انظر إلى السفالة والنذالة! يتقوّى بقوته على عباد الله، هذا درويش، رجل درويش مجذوب من أهل الله، ما أدراك مَن هذا يا مسكين؟! مثل هذا الدرويش يُمكِن أن يُهلِك الله – تبارك وتعالى – من أجله أمة بأسرها، لأنهم لا يُساوونه عند الله تُقى وذكراً ومعرفةً بالله، لا يُساوون! هم مليون أو مليونان، لكنهم لا يُساوون عند الله فلساً، وهذا يُساوي عند الله أمة، أمة!

فرفع الدرويش رأسه هكذا ونفض الجمر، قال هذه اليقطينة – قال هذه قرعة، أترى هذه؟ هذه قرعة – لها صاحب، لها صاحب سوف يسأل عنها، وتعرفون مَن صاحبها، يقول شاهد العيان فوالله الذي لا إله إلا هو لم يسر الفرس بهذا الجُندي الظالم أو الضابط الظالم إلا أمتاراً يسيرة في شارع مُجاوِر، وإذا بالفرس يشمس مرة واحدة، كأنما لدغته عقرب، فيُلقي بالضابط تحته، ثم يأخذ في دوسه وتهشيم عظامه بحوافره، قال فما خلَّصناه منه إلا بعد أن أوشك أن يُفارِق الحياة وقد تهشَّمت أضلاعه كلها، قال له ماذا؟ قال له هذه اليقطينة لها صاحب، إياك أن تعتدي على أهل الله، على الضعفاء، على المساكين.

وأختم بقصة أود أن يسمعها الشباب وحتى الكبار، أود أن يسمعها الكل، لأننا نرى في كل حقبة وحقبة تتراجع الآداب، يتراجع الورع والتُقى، يستهتر الناس بالأعراض وبالشرف، يستهترون بمحارم الله، الله – عز وجل – هو الأغير، أغير من أي غيور، وغيرته أن تُنتهَك محارمه، محارمه كل ما حرَّم الله، كل شيئ حرَّمه الله إياك أن تأتيه، لا تستهر بها.

قصة – والله – كنت أحسبها أنها من تأليف الناس، لأنني أسمعها في مصر وفي الشام وفي العراق، وفي كل مكان يُمكِن أن تسمعها، حتى في تركيا، فإذا بها قصة حقيقية، اللواء الرُكن الذي حدَّثتكم عنه – أعني محمود شيت خطّاب، رحمة الله تعالى عليه – يعرفها ويعرف أبطالها، وقد وقعت في العراق، قصة حقيقية!

قال دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا، هذه قصة حقيقية، نظن أنها هكذا أسطورة أو خُرافة، باختصار القصة قصة رجل صالح من الموصل الحدباء، كان تاجراً مُجتهِداً وورعاً، يبر أقاربه وذوي رُحماه وجيرانه، ولا يمنع فقيراً أو سائلاً مما سأل، يُعطي الكل، رجل تقي جداً، وهو يتقي الله ظاهراً وباطناً، على الطراز الأول، هناك طراز من التدين أصبح الآن ضعيفاً، نسأل الله أن يعم، التدين الحقيقي، التدين الرباني، ليس تدين منابر ومشايخ وحجاب ونقاب ولحى فقط، لا! هذا تدين رباني حقيقي، تزول السماوات والأرض ولا يزول هذا الدين وهذا الإيمان وهذا الخوف من الله والمعرفة واللذة والسعادة بالقرب من الله، اللهم اجعلنا كذلك بحق لا إله إلا الله.

كبر الرجل، وتراخت قوته، ووهن عظمه، فقال لابنه الذي جاوز العشرين يا بُني قد ضعفت هذا العام ولا أستطيع أن أقصد كما أفعل كل سنة حلب الشهباء، فهو يأخذ تجارته إلى حلب الشهباء، أي من الموصل الحدباء إلى حلب الشهباء، وهناك يبيع، ثم يُسدِّد ديونه في حلب، ثم يعود، وهكذا! معروف الرجل، قال لا أستطيع، فاذهب أنت بتجارتي، واتق الله في مطعمك ومشربك ومُدخَلك ومُخرَجك وحافظ على عرض أختك، مَن الابن الذي يفهم هذا؟! أُحافِظ على عرض أختي! أختى عندك، أنت حافظ عليها، وهي – الحمد لله – تقية بارة بوالديها وبأخيها.

وذهب هناك، وفعلاً عمل بوصية والده، وكان يُحافِظ على الصلوات في أوقاتها، ولا يأكل حراماً، ولا يكذب، ولا يحلف ليُنفِّق سلعته بالحلف الكاذب، تقي مثل أبيه – ما شاء الله -، لكنه شاب، واغتلمت به العزوبة، فبين هو في طريق العودة – لا يزال في حلب، في طريق العود على مشارف حلب – إذ رأى امرأة بدوية أعرابية، تلبس ثوباً من اللاذ – هذا حرير كان يُصنَع في الصين، يُسمونه اللاذ، ويُسمونه اللاس، كان هناك عند العرب -، تتمايس فيه وهي على جمال، والأعراب معروف عنهم عبر العصور أنهم لا يُغطون وجوه نسائهم، عندهم هكذا، والنساء عندهن شرف، هكذا بوجهها، فرأى جمالاً وحُسناً، فغافلها هكذا وأخذ منها قُبلة، فسبت ولعنت ودعت، لكن هذا ما حصل، فاستغفر الله، وبعد قليل قال ما الذي فعلته؟ الله أكبر، ما هذا؟ أستغفر الله، أستغفر الله.

أتى شيئاً عظيماً في نظر نفسه، وليس كما يحدث اليوم، يفعلون الفاحشة ولا تتحرَّك شعرة، لا يُوجَد خوف من الله، ولا يُوجَد إيمان! فلما عاد إلى أبيه أخذ يُقبِّل يدي أبيه وما إلى ذلك، لكنه وجد أباه مُمتعِضاً، وبادره بالسؤال، قال سأقول لك يا أبتِ ما الذي حصل في التجارة، قال لا أُريد تجارة، أبوه قال هذا، قال لا تُخبِرني عن الربح وعن التجارة، هذا لا يهمني، قال فما الذي يهمك يا أبتِ؟ أنا كنت في التجارة! قال ماذا فعلت؟ قال ما فعلت إلا خيراً، قال لا تكذب، أبوه قال هذا، قال له قل لي هل قبَّلت امرأةً لا تحل لك يا بُني؟! 

الولد ذُهِل هكذا، قال يا أبتِ أتعلم الغيب؟ قال لا أعلم الغيب، لكن قل لي هل قبَّلت امرأةً ما أو فتاةً ما قُبلة؟ قُبلة واحدة – قال -، قال والله يا أبتِ إنها لقُبلة واحدة، قال حسبنا الله ونعم الوكيل، فلم تحفظني في وصيتي، لم تحفظني في أختك، ولم تعمل بوصيتي يا بُني، قال يا أبتِ كيف عرفت هذا؟ والله الذي لا إله إلا هو ما رأى ذلك إلا الله – عز وجل – والبدوية، ثلاثة فقط: أنا والبدوية والله، لم ير أحد هذا!

قال يا بُني في ذات يوم من الأيام – وحدَّد له اليوم، فكان هو اليوم الذي فعل فيه الولد فعلته، يبدو في نفس الساعة – أتى إلينا سقا، لكي يضع الماء في حبابنا، أي في الزير، الحب! وهذا السقا – قال – رجل كبير، شيخ ناهز الخمسين من عمره، وهو معروف بالتُقى، قال فكنت أنا في الطابق الثاني – في العلية -، فرأيته بعد أن أفرغ الماء وفتحت له أختك المصونة الباب لكي يخرج إذا بها يُغافِلها فيُقبِّلها قُبلة، فصاحت ورأيت ذلك، فقلت حسبي الله ونعم الوكيل وأدركت، قال يا أبتِ كيف أدركت؟ قال لأن أباك لم يفعل شيئاً من هذا في عمره كله، لم أُقبِّل – قال – قُبلة في حرامي، فضلاً عن أن أحل إزاري على ما حرَّم الله.

قال فقلت من أين أتاني هذا؟! من أين دُهيت؟! انظر إلى هذا، عنده حكمة وإيمان، لم يقل سنضرب السقا وما إلى ذلك، لا! عرف أن هناك خطأً مُعيَّناً منا حصل، منا! قال فقلت لابد أن يكون الولد الشقي فعل هذا، فأغرق ابنه في البكاء، وقال زلة يا أبتِ، استغفر لي، والله لا أعود إليها أبداً.

أرأيتم كيف يحدث هذا؟ أرأيتم كيف يُعلِّم الله الناس الصالحين دروساً؟ لكن اليوم أين هذا؟ كيف ستعرف أنت؟ وأنت – ما شاء الله – فاتح الأبواب على مصاريعها، تفعل ما تشتهي وتشاء، الله أعلم ما الذي يحصل بعدك في أهلك وفي بناتك، وأنت لا تشعر بشيئ!

نسأل الله – تبارك وتعالى – جميل الستر علينا وعلى بناتنا وأزواجنا وأولادنا.

اللهم اهدِنا هدايةً عامةً تامةً شاملةً، اهدِ شبابنا وشوابنا، كبارنا وصغارنا، ذكورنا وإناثنا، وارحمنا وارحم أمواتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، اللهم أحسِن إلينا فيما بقيَ من أعمارنا كما أحسنت إلينا فيما مضى منها، لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك، وأسعِدنا بتقواك، ولا تُشقِنا بمعصيتك، وخِر لنا في قضائك، وبارك لنا في قدرتك، حتى لا نُحِب تأخير ما عجَّلت ولا تعجيل ما أخَّرت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، إلهنا ومولانا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(29/10/2010)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: