إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، و أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المباركين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

 الرَّحْمَنُ ۩ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ۩ خَلَقَ الإِنسَانَ ۩ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ۩ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ۩ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ۩ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ۩ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ۩ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأفاضل:

لما فتح الله – سبحانه وتعالى – على نبيه وخيرته من خلقه – صلوات الله وتسليماته عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين – خيبر لما كان منهم من نكس العهد وخيانة الذمة  أمرهم – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – أن يجلو عنها، فقالوا “يا محمد دعنا نكن فيها نُصلِحها ونقوم عليها”، ولما لم يكن له – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – من الفعلة والغلمان مَن يقوم على أمر إصلاحها وافقهم وشارطهم على أن لهم شطر ما يخرج منها من ثمرةٍ ونخلٍ وأي شيئٍ ما أراد ذلك، أي المُدة التي يُريدها – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، تركها مفتوحةً لهم، فنزلوا على رأيه ووافقوه، وجعل – صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه أجمعين – عبد الله بن رواحة – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – هو الذي يُضمِّنهم الشطر بعد أن يخرص أثمارهم ونخيلهم، فكان عبد الله – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – يأتيهم كل عام مرة يخرص عليهم فشكوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – شدة خرصه، والخرص هو التخمين، يُخمِّن ويحذر هذه الأثمار وما شاكل كم وسقاً أو كم كيلاً وما شابه ثم يُضمِّنه – رضيَ الله عنه وأرضاه – شطرها، فشكوه إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – ثم إنهم أرادوا أن يرشوه – أن يدفعوا لابن رواحة رشوة والعياذ بالله – فغضب غضباً عظيماً وقال لهم: أتُريدون أن تُطعِموني السُحت؟!

والله لقد جئتكم من عند خير الناس وأحب الناس إلىّ، ولأنتم أبغض إلىّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يمنعني حبي إياه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – وبُغضي إياكم أن أعدل عليكم.

ولم يقل “فيكم” لأن ضمَّن العدل بمعنى الخرص، وإنما قال “أن أعدل عليكم “

فقالت يهود خيبر “هذا العدل الذي به قامت السماوات والأرض”.

وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ۩، إنه العدل الرباني!

يا إخواني ليس شيئاً بعد الشرك بالله – سبحانه وتعالى – أبغض إلى الله – سبحانه وتعالى – من الظلم، الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وهى الخصلة التي حرَّمها الحق – جل مجده – على  نفسه في الحديث الصحيح المُسلسَل بالشاميين من رواية أبي ذرٍ الغفاري مرفوعاً فهو حديثٌ قدسيٌ ربانيٌ جليل “يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحرَّماً فلا تظالموا”، من أشد الخصال نُكراً وبُغضةً مما يُوجِب المقت والطرد – والعياذ بالله – الظلم.

  وقد كان مما تميَّز به أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه ورضيَ عنهم أجمعين – أنهم يتحرون العدل في شأنهم كله، وأما الطراز العلم أو المُعلَم – أيها الإخوة – ونسيج وحده في هذا الباب فهو فاروق هذه الأمة ومُلهَمها – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – الذين حين نسمع إسمه يمتليء القلب روعةً وجلالاً وهيبةً لهذا الطود الراسخ الأشم، عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – الذي لم يسط بالناس – أيها الإخوة – ولم يجعل الله – سبحانه وتعالى – ما جعل له من الهيبةِ والجلالِ والوقارِ والثقلِ، ثقل الميزان وثقل المعنى في نفوس الأمة ، كبارهم قبل صغارهم بقوة أو الجسم أو بشدة الأسرِ والبُنيان أو بكثرة النشبِ والأموال أو بكثرة ما يتعزّى به من المال والولد والنصير، كلا ،وإنما بقيامه بالحق وأخذه نفسه وذويه والأقربين إليه قبل الأباعد بهذا الحق حتى صارت له مهابةٌ لا يتجاسر أحدٌ على أن ينتهك منها شَرْوَى نقير. رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.

يروي الصاحب الجليل جرير بن عبد الله البجلي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – يقول: كنا مع أبي موسى الأشعري – وكان قائد الجيش – وكان فينا رجلٌ له صوتٌ وصولةٌ في العدو – رجلٌ جهير الصوت وذو صولة، له نكاية في أعداء الله -، فأراد أبو موسى – رضيَ الله تعالى عنه – أن يُنفِّذه سهمه ولكنه أعطاه بعض سهمه،  فأبى الرجل إلا أن يحتاز سهمه كله قائلاً “لا، لا أرضى إلا بسهمي كله”، فغضب أبو موسى وكان منه ما يكون من المرء إذا غضب، جلده عشرين سوطاً وحلقه – أي حلق شعر رأسه -، فأقسم الرجل ألا يغسل رأساً ولا يدهنه – وهكذا كانوا مضرب المثل في عزة النفس واحترامها وتقديرها، لا يرضون بالمهانة ولا بالخسف ولا بالذل وإن أتت من كبير، فلا كبير فوق الحق والعدل وإن يكن أمثال أبي موسى رضيَ الله عنه – حتى يأتي عمر.

يقول جرير “ولقد كنتُ أقرب القوم إلى عمر – أو من عمر – حين قدم عليه الرجل، فأخذ شعر رأسه فضرب به صدر الفاروق”

وبحقٍ قيل وهو حديثٌ مرفوع “إن لصاحب الحق مقالة”، فالحق يُعطي صاحبه جرأةَ وصولة، والرجل مظلوم والحق إلى جانبه، ومن هنا أخذ شعر رأسه المحلوق وضرب به صدر الفاروق قائلاً “والله لولا النارُ”، ويبدو أنه لم يُكمِل الجُملة تأدباً ومهابةً، فقال عمر رضيَ – الله تعالى عنه وأرضاه – وكان رجَّاعاً إلى الحق ونزَّالاً عليه وعلى مُقتضياته “صدق الرجل، والله لولا النار”، ثم أنه قصَّ عليه ما كان من خبره قائلاً “يا أمير المُؤمِنين كان كذا وكذا وكذا”، فلم يزد عمر على أن كتب إلى أبي موسى:

بعد الحمدلة والصلاة والتسليم، أي يا أبا موسى إذا أتاك كتابي هذا فعزمتُ عليكَ بالله إن كنت فعلت ما فعلت بالرجل في ملأٍ من الناس أن تُمكِّنه من نفسكَ فيفعل بكَ في ملأٍ من الناس ما فعلت به، وإن كنت فعلت به ما فعلت في خلاءٍ – أي في خلوةٍ من الناس ونجوى – إلا ما أقمته فاقتص منكَ في خلاءٍ من الناس، والسلام.

الله أكبر، هذه هى الخُطة العمرية، فأتى الكتاب أبا موسى – رضيَ الله عنه وأرضاه – الأشعري اليماني الحكيم رقيق القلب وسريع الدمعة كما ذُكِرَ في أوصاف قومه وعشيرته فبخع له، بخع لأمر أمير المُؤمِنين ورسمه وتوجيهه وقعد بين يدي الرجل فقيل له “يا عبد الله اعف عنه”، قال “لا والله، ما كنتُ تاركاً إياها لأحدٍ من الناس”، أي لأجلِ وساطة وشفاعة أحد، لا أترك القصاص من أبي موسى الأمير لأجل شفاعة أحد يتدخل بالشفاعة، وجلس أبو موسى ليقتص منه الرجل المهضوم المظلوم في ملأٍ من الناس، وأخذ الرجل السوط بيده ورفعه ليهوي به على أبي موسى، والناس قد حبسوا أنفاسهم لجلال الموقف فهذا صاحبٌ من شيوخ الصحابة جليل وقائد من حكماء الأمة، كيف يُضرَب هذا الضرب في ملأ؟!

ولكنه يا إخواني – حفظكم الله ورعاكم – العدل الذي به قامت السماوات واستوثق الأمر لهذه الأمة به، فوالله ما استوثق الأمر لنا حين استوثق يوماً إلا بهذا العدل، إلا بتقديم هذه القيم الإلهية على كل اعتبارٍ ومثابة!

ثم إن الرجل رفع رأسه إلى السماء وقال “اللهم إني قد عفوت عنه”، أي الآن أعفو عنه بعد أن مُكِّنت ومُلِّكت أمره أن أقتص لنفسي منه، اللهم إني قد عفوت عنه، وكأنه يُشير لا مِراءً ولا مُداجاةً إنما لوجه الله جعلتها واحتراماً لذوي الهيئات من المسلمين، وحسبكم بأصحاب محمد ذوي هيئاتٍ. رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين.

هذا عمر وهذه خُطته وهذه سيرته فهو نسيج وحده، قلَّ له ضريع وقلَّ له شبيه، عمر القوي في الحق والقوي بالحق – رضيَ الله عنه وأرضاه – يمر به رجل يوماً وهو في جماعةٍ من إخوانه وأصحابه فيقول “ويلٌ لك من النار يا عمر”، هكذا يُجاهِر بها، يمر ولم يقف ويُلقي بالكلمة ثم يمضي في أمان بعد أن قال “ويلٌ لك من النار يا عمر”، فيقول أحد الجُلّاس، أي الجُلوس: يا أمير المُؤمِنين ألا ضربته؟!

لأنه يتجاسر على صاحب السُلطان، ألا ضربته؟!

وانظروا الآن إلى القوّالين الصدّاعين بالحق، فرد آخر: ألا سألته؟!

فلماذا تأمر بضربه وتحض على ضربه؟!

لماذا لا تحثُ على الاستفصال منه والسؤال؟!

سله لم قال هذا!

رضيَ الله عنهم أجمعين!

فقال عمر “علىّ بالرجل”، فرُدَّ إليه، فقال: يا عبد الله لم قلت ما قلت؟!

قال “يا أمير المُؤمِنين تُولّي الولاة وتشترط عليهم شروطاً ثم لا تنظر في شروطهم”، أي أن الأمر هكذا سائب والحبل على الغارب كما يُقال، فقال: وما ذاك؟!

قال “عاملك على مصر اشترط عليه شروطاً واستوثقت منه بالمواثيق فضيَّع شروطك وانتهك ما نهيت عنه”، فكتب عمر من فوره كتاباً وأرسله مع رجل أو مع رجلين بالأحرى وقال لهما ” سلا الناس عن ما قال في أميره، فإن كذب عليه فأخبراني – إن كذب على أميره فأخبراني – وإن صدق فلا تُملِّكا الأمير من أمره شيئاً حتى تكونا تأتيني به”، أي من فوره – ائتوني بالأمير من فوره -، فأتيا إلى مصر ومعهما كتاب عمر – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – وسألا الناس فصدَّقوا ما قال الرجل، أنكروا على  الأمير أشياء، فأتيا باب الأمير فاستئذنا عليه، فقال البوّاب “ليس لكما عليه إذن”، أي لن أُخبِره، فقالا “بلى، لتُخبِرنه”، فقال “لا”، فقالا “لنحُرِّقن الباب”، فأتى أحدهما بقبسٍ من النار وأراد أن يُحرِّق باب الأمير – أي رئيس مصر، فبلغة العصر هذارئيس دولة -، ثم قال له عمر فيما بعد “استعملتك وشرطت عليك شروطاً، فتركت ما أمرتك به، وانتهكت ما نهيتك عنه، أما والله لأعاقبنك عقوبة أبلغ إليك فيها، إيتوا بدرّاعة من كساء، وعصا وثلاث مئة شاة من شياه الصدقة، فقال “ألبس هذه الدّارعة، فقد رأيت أباك وهذه خير من دُرّاعته، وهذه خير من عصاه، اذهب بهذه الشاء فارعها في مكان كذا وكذا فلا تمنع السائل من ألبانها شيئاً وأعلم أنا آل عمر لم نصب من شاء الصدقة”، فأخذ الأمير الدرّاعة ولبسها بعد أن وضع ثيابه أو نزع ثيابه وأخذ العصا، فقال له عمر “درّاعةٌ خيرٌ من ذراعة أبيك وعصاً خيرُ من عصا أبيك”. وكان عياض – رضي الله عنه وأرضاه – رجلاً بدوياً فلما أتى ريف مصر أبيض وسمن وكأنه غفل عن تدبّر أمر الرعية على الوجه المطلوب منه أميناً على أمرها فأخذه السمن والبياض، فذهب الرجل، فلما أمعن – أي ذهب بعيداً – رده عمر قائلاً “عُد يا عياضُ” فعاد، فقال: هل فهمت ما أدليت إليكَ به؟!

قال “فهمت”، وكرَّر عليه ثلاثاً فإذا بالرجل يضرب الأرض بين يديه قائلاً “لا أستطيع –  صعبة جداً – فإن شئت فاضرب عُنقي”، أي اقتلني ولن أفعل هذا الشيئ، وعمر أحس أنه لن يفعل وسيتعرَّض إلى ورطة كبيرة فهو مُلهَم الأمة المُحدَّث فقال: يا عياضُ إن رددتك أي رجلٍ تكون؟!

أي إن رددتك إلى العمالة، إلى الولاية في مصر كيف ستكون وكيف ستسلك؟!

فقال “لن ترى إلا ما تُحِب يا أمير المُؤمِنين”، فرده فكان خير عامل!

فلا أحد فوق الحق، لا أحد فوق المُحاسَبة  فوق المُناقَشة، فوق المُحاقَقة!

قرأتُ قبل بُرهة من الزمن لمُفكِّر عربي مسكين – أرغب عن ذكر إسمه – يكتب قائلاً” ما يُميِّز دولة القانون وهى الدولة الحديثة عن سُلطان الإسلام والمسلمين في العصور الغابرة أن الدولة الحديثة ليست تكتفي بأن تُحكِّم القوانين إنما تخضع هى بأجهزتها للقوانين”

قلت: شيئٌ عجيب، ما هذه الحذلقة؟!

وهل خضوعٌ بعد هذا الخضوع؟!

الكل يخضع للحق حتى عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه – وولاة عمر وذوو قُرباه، الكل يخضع فلا أحد فوق الحق، ولكن إن أراد الخُطة التي سار بها مُعاوية بعد ذلك حين – قال ”  لا أقص من ولاتي”  – فنعم وهذا انحراف عن سُنة عمر وعن سُنة رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – فلا يستطيع أحد أن يقول “لا أقص من ولاتي”، بل يُقتَص من الولاة، حين سُئل عمر من عمرو بن العاص – رضيَ الله تعالى عنهما – يا أمير المُؤمِنين أوتقص من ولاتك؟! قال: لا أُم لك، كيف لا أُقِص وقد رأيت الرسول – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – يُقِصُ من نفسه؟!

الرسول أمكن من نفسه أن يُقتاد منه، فكيف لا أُقِص من الولاة ؟!

لا أحد فوق القانون،  لا أحد فوق الحق، ولكن مُعاوية اختار أنه لا يقص من الولاة، فالوالي يدفع عقلاً، يدفع أرشاً، يدفع تعويضاً، لكن لا نقتص منه، وهذا أفسد الولاة، ولذلك عمر بن عبد العزيز سادس الراشدين – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين  وهو سادس الخلفاء لأن خامسهم الحسن بن عليّ فبلا شك هو خليفة راشدي واليه الإشارة في الحديث الصحيح المعروف، ومن هنا عمر بن عبد العزيز هو سادس الراشدين وليس كما اعتدنا أن نقول خامس الراشدين، بل هو سادسهم، رضيَ الله تعالى عنهم ستتهم وأرضاهم – لما وُليَ هذا الأمر وابتُليَ به جعل يرد المظالم وابتدأ بأهل بيته، فأول ما طبَّق القانون كان على أهل بيته فسخطوا، غضب منه بنو أُمية – بنو عمومته غضبوا منه – وشكوه إلى عمةٍ له – أخت أبيه – كان يُؤثِرها ويحترمها ويُجِلها، فأتته فقالت “يا ابن أخي لو كففت عن بعض ما تفعل، فإني أخاف عليك يوماً عصيباً منهم”، أي أخاف أن يأتمروا بك  – تتحدَّث عن بني أُمية -، وفعلاً كانوا هم الذين سموه وقتلوه، وهى تعرف هذا وحدست به فقالت “أخاف عليك منهم يوماً عصيباً”، فقال عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه – “يا عمة كل يومٍ خفته دون يوم القيامة فلا أمّنني الله إياه”، أي أن الخوف ليس أن نعيش أو أن وأن نُضار، وإنما الخوف يكون من يوم القيامة ولذا قال” يا عمة كل يومٍ خفته قبل يوم القيامة فلا أمّنني الله إياه”.

 قال “سلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالناس طريقاً ، وسلك أصحابه الراشدون من بعده طريقه ، فلما أفضى الأمر إلى مُعاوية – وهذا قول رجل من بني أُمية مُنصِف، يُنصِف الحق ويُنصِف المعنى – فلما أفضى الأمر إلى مُعاوية – رحمه الله تعالى – أخذ بالأمر شمالاً ويميناً، ووالله لئن بسط الله لي ومد في فُسحتي لأُعيدنه إلى الطريق الذي سلك رسول الله”، الله أكبر ، هذا هو العدل، فأراد أن يقول “لست أدين لبني أُمية ” على الرغم من أنه أُموي، ولكنه قال ” لست أدين لمُعاوية ولبني أُمية وأنا منهم ولكن أدين للحق، أُريد أن أُنصِف الحقائق التي أحرجتها الأيام والليالي، أُريد أن أُعيد الأمور إلى أنصبائها”، فهكذا أراد أن يُقوِّم الأمر- رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، ولذلك يقول المُؤرِّخون “كان خراج أو دخل خراج سواد العراق ، البصرة والكوفة وما حولهما في عهد الفاروق عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه وأعلى الله مقامه في دارالتهاني  – مائة وسبعة وثلاثين مليوناً – أي مائة وسبعة وثلاثين ألف ألف، وهذا شيئ لا يكاد يُتصوَّر – فما زال يتناقص حتى صار في أيام الحجّاج بن يوسف الثقفي والي بني أُمية الشهير على العراق سبعة عشر مليوناً”، مُحِقَت البركة بالظلم وتحميل الناس ما لا يُطيقون والاستئثار بالخير دونهم وبالصفي والفيء والغنائم فأصبح سبعة عشر مليون من مائة وسبعة وثلاثين، فلما كان مُدة عمر بن عبد العزيز – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ارتفع في السنة الأولى من خلافته إلى ثلاثين مليوناً وفي الثانية إلى ستين مليوناً ثم قال” لإن عشت إلى القابل لأُعيدنه – إن شاء الله تعالى – إلى ما كان عليه في زمن جدي عمر بن الخطاب”، فمات في تلكم السنة – رضيَ الله عنه وأرضاه -، فبالعدل تربو النعمة وتزكو المغانم ويهنأ المعيش للناس واستوثق الأمر للأمة حكّاماً وقادة ومحكومين – بإذن الله تعالى -، بالعدل الذي قامت به السماوات والأرض، ولكن الظلم ممحقة، ممحقةٌ لكل خير .والعياذ بالله تبارك وتعالى .

ونعود إلى عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – وسأقتص عليكم القصة التي تعرفونها جميعاً وهى قصة القبطي، ولكن أُريد أن أُنبِّه فيها على ملاحظ قد تخفى على بعضٍ وقد لا يكون بعضكم سمع بها من قبل، ملاحظ تستلفت النظر حيث قال أنس بن مالك – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – الصاحب الجليل:

 كنت عند عمر – رضيَ الله عنه وأرضاه – حين أقبل رجلٌ من أقباط مصر فقال”يا أمير المُؤمِنين هذا المقام العائذ بك”، أي أنا عائذٌ ومُستعصِمٌ بك، فقال: ما ذاك أيها الرجل؟!

قال ” أجرى عمرو بن العاص – رضيَ الله عنه وأرضاه – الخيل بمصر – مسابقة خيول – وكنت إلى جانب محمد ابنه – محمد بن عمرو – إذا أقبل فرس فقال  فرسي ورب الكعبة، فلما دنت عرفت الفرس وقلت بل فرسي أنا ورب الكعبة”، أي أن فرسي هى التي فازت أو هو الذي فاز بالأحرى، فالفرس الأصلح أن يُذكَّر فيُقال هو الذي فاز، ثم استتلى قائلاً “فقام علىّ يضربني بعصا كانت في يده أو بسوط وهو يقول خُذها وأنا ابن الأكرمين”، كأنه يُقول كيف تُسابقتي وتسبق فرسك فرسي أو يسبق فرسك فرسي؟!

إذن خُذها وأنا ابن الأكرمين!

ثم قال “وخشيَ أبوه أن آتيك فحبسني”، أي أن عمرو بن العاص خشيَ أن يأتي القبطيُ إلى المدينة لدى عمر ليشتكي ويتظلَّم برفع الدعوى فحبسه، ثم قال “فانفلتُ منه وقد أتيتك”.

 وهنا يقول أنس: فما زاد عمر على أن كتب “إلى العاصي ابن العاص – علماً بأنه 

كان إذا غضب عليه سماه العاصي ابن العاص، فلا يقول له يا عمرو بن العاص – إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل معك بابنك محمد، والسلام “.

قال أنس: ثم التفت عمر – رضيَ الله تعالى عنه – إلى القبطي وقال له “أقم حتى يأتيك”، أي أقم هنا في المدينة حتى يأتي محمد بن عمرو، فأقام الرجل.

قال:

 فوالله إنا لعند عمر إذ أقبل عمرو بن العاص وعليه رداءٌ وإزار – يبدو أنه وضع ثيابه و تردى يتقرَّب إلى عمر، يتحامى غضبجه لأنه يعرف عمر في زهده وقوته في الحق – فجعل عمر ينظر هكذا وهكذا: أمعه ابنه؟!

فإذا به من خلفه – أي أن عمرو بن العاص خبَّأه لأن الولد خائف مُفزَّع – فتحقَّق عمر وسأل وشهد للرجال أُناساً فأعطاه الدرة وقال له “اضرب بها يا رجل ابن الأكرمين”، يقول أنس ” فوالله لقد جعل يضربه ونحن نشتهي أن يضربه”، فهذا الذي يستلفت النظر وهو كلمة “نشتهي”، لماذا؟!

لأنهم يتعشّقون العدالة، ينفرون من الظلم، يحقرونه، يكرهونه، يكفرون به كفرهم بالله الذي حرَّمه، فلا يُوجَد ما نفاق أو مُداجاة أو تحيز لأن هذا ابن الأمير ومسلم وهذا قبطي مسيحي، لا يُوجَد شيئ من هذا، وهذا هو العدل الذي يقوم به الأمر، ومن هنا قال أنس “يضربه ونحن نشتهي أن يضربه، فضربه حتى اشتفى ونحن نشتهي أن ينزع عنه لكثرة ما ضربه”، أي أنه ضربه وبرّحه ضرباً، ثم قال له عمر “وأجلها على صلعة عمرو أبيه فإنما ضربك لفضل سُلطانه”، أي أنه ضربك بقوة سُلطان أبيه، فالذي جرّأه على ضربك سُلطان أبيه، ومن هنا قال له أجلها على صلعة عمرو، أي اضرب عمرو، اضرب الرئيس هذا، قبطي مسيحي ليس مسلماً ويضرب رئيس الدولة المسلم الصحابي الجليل والفاتح العبقري ابن العاص، فقال الرجل “يا أمير المُؤمِنين قد اشتفيت – أي أنني ضربت وشفيت غيظي، شفيت قلبي – واكتفيت وإنما ضربت مَن ضربني”، فقال عمر “والله لو ضربته ما حولنا بينك وبينه”، ثم التفت وقال العبارة التي طارت في العالمين فيعرفها اليوم أهل الغرب معرفة أهل الشرق: أيا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!

الله أكبر يا أخي، ما هذا؟!

فيلسوف القانون والحق والعدالة والربانية، الرجل الذي كان لا هم له من قريبٍ إلا في النساء والخمر، عمر كان هكذا في الجاهلية، لم يكن له هم إلا في النساء والخمر والمُصارَعة، كان مُصارِعاً قوياً لا يكاد يُصرَع، والآن هو فيلسوف عدالة، لسان صدق وطالب حق، ولكن كيف؟!

خرّيج مدرسة محمد، هذه مدرسة محمد، هذا جوهر الدين، هذا لب اليقين، هكذا فليكن فهمنا للدين، هذه هى المعاني التي تحتاج أن يُعلى من شأنها وأن تُدرَّس وأن يُعاد فيها ويُبدأ صباح مساء حتى تُصبِح من المُسلَّمات اليقينيات عند الكبير والصغير .

يقول أنس بن مالك رضيَ الله عنه وأرضاه: ثم إنه التفت إلى القبطي وقال “انصرف أيها الرجل راشداً وإن رابك شيئ فاكتب إلىّ”، بمعنى إن تعرّضوا لك أو ضايقوك أو عادوا عليك بمظلمة فاكتب إلىّ، فهذا هو معنى وإن رابك شيئ فاكتب لي، فرضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، فهو عجب، والله عبدٌ عجب، ما سمعنا بمثله في التواريخ، في تواريخ الأمم ما سمعنا بمثله حقيقة، ولكن سمعنا به من خرّيجي وعن خرّيجي مدرسة خاتم الأنبياء والمُرسَلين – صلوات ربي وتسليماته عليه – الذي أقص من نفسه في قصته الشهيرة مع سواد حين ضربه على بطنه، ولا حاجة إلى أن نُذكِّر بها فهى مأنوسة مطروقة معروفة.

قُبيل وفاته يقوم فيستحلف الناس حتى يُبكيهم أن مَن كان له مظلمة عنده – عند رسول الله – أنه يعزم عليه إلا ما قام الساعة ليستوفي مظلمته، إنه رسول رب العالمين الذي يُنادي على جارية صغيرة لأم سلمة مرةً ومرتين وثلاثاً فلا تُجيبه، حتى إذا خرج وجدها تتشاغل باللعب مع الجواري، فيقول لها: ألم تسمعيني؟!

قالت “بلى، ولكنني كنتُ ألعب”، فيقول لها “والله لولا خشية القود يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك”، ولكنه يعلم أن الله سينتصف لها منه يوم القيامة وإن كان ضرباً بالسواك، فلنتق الله إذن في أبنائنا، في بناتنا، في الناس أجمعين، نتقي الله في خلق الله أجمعين لنُقيم خُطة العدل ونُقيم أنفسنا عليها .

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يجعلنا من أهل القصدِ والعدلِ والاعتدال والرحمة، وأن يجعلنا ضمن عباده المرحومين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

ثم أما بعد أيها الإخوةُ الأحباب:

يُذكَر فيما يُحكى أن رجلاً عاقلاً غصبه واليه ضيعةً كانت له في زمن المنصور أبي جعفر العباسي، فما كان منه إلا أن ارتحل إلى المنصور فاستأذن فأُذِن له فدخل عليه فقال: يا أمير المُؤمِنين أأذكر حاجتي أولاً أم أضرب لك بين يديها مثلاً؟!

فهو رجل عاقل يُحسِن المقال، يُحسِن الاستفتاح، فقال له “بل اضرب لي مثلاً”، فقال “يا أمير المُؤمِنين إن الطفل إذا ضيم فإنما ينتصر بأمه، لأنه يظن أن لا ناصر له إلا هى، فإذا ما ترعرع قليلاً فإن حدثت له حادث انتصف بأبيه، فإن رشد انتصر بالسُلطان، بالوالي، لأنه لا يرى أحداً فوقه – فوق السُلطان – فإن نصفه وأشفاه وإلا شكا إلى رب العالمين – مثل عجيب صاغه الرجل من وحي مظلمته هذه الصياغة المُؤثِّرة البليغة -، وإني يا أمير المُؤمِنين قد نزلت بي مظلمة، أخذ واليك فلانٌ ضيعتي عن غير رضاً مني وسماح ولست بالذي يسمح له، فإن نصرتني ونصفتني فبها ونعمت وإلا شكوت إلى رب العالمين في الموسم، فإني قاصدٌ بيته هذا العام”، كأنه يقول ” لن أدعو دعوة سريعة، بل سأُؤجِّل دعوتي إلى الموسم، إلى عرفة ثم أدعو”، طبعاً والكلام مفهوم فهو يُريد أن يقول “أدعو عليك وعلى واليك لأنك شاركته في ظلمه”، فقال المنصور وقد بلغ به التأثّر “كلا يا عبد الله، بل نُنصِفك ونُشفيك”، ثم كتب يأمر واليه برد الضيعة إلى الرجل!

وهذا أنموذج ليته تواتر وتكرَّر عن عدلهم – رحمة الله على الجميع -، فقد كانوا بَعْدَ الَّتِي واللَّتَيَّا أهل إسلام وأهل إيمان ولهم هنات كما لهم حسنات، ولكن لو تواتر مثل هذا الأنموذج على السُنة العُمرية لكان أللِّبَأ وابن طاب كما يُقال، لكان التمام والوفاء على ما يُرضي الرب. لا إله إلا هو.

أيها الإخوة الأفاضل:

وهذا العدلُ من أحق ما ينبغي أن تحرص الأمة على تحقيقه وترجمته في حياتها، عدل الكبار في الصغار، وعدل ذوي الشأن في مَن لا شأن لهم فيما يبدو ويظهر، عدل الحكّام والرؤوساء والملوك والسلاطين ومَن دونهم مِن وزرائهم والمحسوبين عليهم، ينبغي على الأمة أن تُدندِن حوله كثيراً ولا تستثنى أحداً منها لأن الله سائلٌ كل راعٍ عن ما استرعى حفِظَ أو ضيَّع.

استعرض عمر – رضوان الله عليه – يوماً الناسَ يسألهم عن الأمراء، فرأى أهل حمص فسألهم عن أميرهم فقالوا “هو خير أمير إلا إنه ابتنى عُليةً له يحتجب فيها عنا” – أي في بعض الأوقات -، فأرسل عمر مَن يُحرِّق عليه باب عُليته ويأتي به، فأُوتيَ بالرجل فلما رآه عمر قال “أقيموه في حر الشمس ثلاثة أيام ثم أدخلوه علىّ”، كأنه يقول له:

الجزاء من جنس العمل، كيف لك أن تستظل بظل عُلية دون المسلمين وضعفائهم ودهمائهم؟!

لذا قال “احبسوه عني في حر الشمس ثلاثة أيام ثم أدخلوه علىّ”، فلما أُدخِل قال له: أي فلان كم عهدك بهذا الأمر؟!

قال “ملياً يا أمير المُؤمِنين” -أي مِن مُدة وأنا في هذا الأمر -، فقال “فاتبعني”، فسار معه حتى صارا إلى الحرة – حرة المدينة – علماً بأنها لابةٌ كالحجارة بركانية سود، فهى شديدة الحر والقساوة، وفيها شاء الصدقة وإبل الصدقة، فقال له “انزع عنك لباسك” فنزع، ثم قال “ائتزر بهذه الجُبة” فائتزر، قال “خُذ هذه الدلو اسق هذه الإبل” فجعل يسقي الرجل حتى لغب – أي حتى تعب وتهالك، فالله يقول وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ۩ -، فقال له: أي فلان تبتني عُليةً تحتجبُ بها عن المسلمين والأراملة والمساكين؟!
أي تحتجب بها عن المسلمين، وهو ما يعني أنك لا تشعر بما يشعر به الناس لأنك في عُلية ما شاء الله، في ظلٍ ظليل وهواءٍ عليل، ومن ثم أنت لا تشعر بما يلقى مئات الناس.

قال “يا أمير المُؤمِنين والله لا أعود أبداً”، قال “فهو لك”.

أختم – يا إخواني – بكلمة كان موضعها في قصة جرير بن عبد الله التي حكى وهى أيضاً مما يلفت الرجل:

لما شكا الرجل أبا موسى الأشعري وضرب بشعره صدر عمر قبلاً، ماذا قال عمر؟!

علماً بأن هذه العبارة عجيبة، فلم يغضب عمر لنفسه وقد ضُرِب صدره بشعر رجل مظلوم، لم يجعل المسألة شخصية أبداً بل أعجبه هذا، فهذه هى الروح المحمدية في عمر، ومن أجل كانت السماء تُوافِق عمراً، فموافقاته كثيرة والمشهور منها ثماني، وبعض العلماء الأعلام جمع منها ما يزيد عن أربع وعشرين مُوافَقة، وإلا لماذا تُوافِقه السماء؟!

عمر يقول فتأتي السماء تُثنّي على قوله، لماذا؟!

لأن روحه محمدية، لا ينتصف لنفسه، لا يغتاظ لنفسه، لا ينتصر لنفسه، لا يغضب لنفسه، إنما للحق وللحق وحده!

قال عمر – رضوان الله تعالى عنه وعليه – مُعلِّقاً على الواقعة “والله لأن يكون لكل الناس مثل صرامة هذا الرجل  – أي في الحق، لأن هذا الرجل أبى الضيم والخسف والذل، أبى الظلم وقال بملء فيه لا، علماً بأن من الكلم الخوالد لعمر أُحِب الرجل إذا سيم الخسف أن يقول بملء فيه لا، وهذا الرجل قال لا وقالها في وجه عمر، ألقاها في وجه عمر دون خوف – أحبُ إلىَ من جميع ما أفاء الله علينا”، لماذا؟!

لأن عمر سيكون مُطمئناً أن هذه الأمة بخير، فهى أمة رجال أحرار تأبى الظلم !

ويا إخواني تعلمون – ولستم مِن مَن يُعلَّم – أن مَن يأبى الظلم على نفسه – والله – يأبى أن يُنزِله بغيره  لأن المُحترَم يحترِم، والذي يُقدِّر رأسه يُقدِّر غيره، أما الذي يحقر نفسه فهو لغيره أحقر!

اللهم إنا نسألك بإسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا وكلماتك التامة أن تفتح علينا فتوح الأسلاف الصالحين وأن تسلك بنا نهجهم ومهيعهم الكريم، اللهم ردنا إليك رداً حميداً وعُد بنا إلى دينك عوداً جميلاً وأصلِحنا وأصلِح بنا، اهدنا واهد بنا، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اللهم اجعلنا من عبادك أولي الألباب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ويجمعون للعمل إلى العلم برحمتك يا أرحم الراحمين، اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك وخِر لنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتى لا نُحِب تأخير ما عجَّلت ولا تعجيل ما أخَّرت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا، وأمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا وأقِر بذلك عيوننا إلهنا ومولانا رب العالمين.

 اللهم اغفر لنا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات ، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالإساءة غفراناً، اللهم تابع بيننا وبينهم وبين عموم المسلمين والمسلمات بالأفضال والمدرات والحسنات برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩

ــــــــــــــــــــــــ

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩ ، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(9/4/2010)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: