إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العظيم وذكره الحكيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ۩ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفاضلات:

كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ۩، مهما تعلَّق الأمر بأمر هذه الأمة الإسلامية المُوحِّدة الناجية – إن شاء الله تبارك وتعالى – بصدقها في توحيدها فإن هذه الآية تفرض صدقها تماماً، يعرف أهل العلم والدارسون والمُنقِّرون والمُتعمِّقون أنه ما من خارجي، ما من مُعتزِلي، ما من شيعي زيدي أو شيعي اثنا عشري جعفري، وما من سُني – وسواء أكان هذا السُني أشعرياً أم كان ماتريدياً أم كان حنبلياً – إلا وله لسان يلحن بحُجته، ما من أحد من هؤلاء إلا وله لسان يلحن بحُجته ويلهج بأدلته ومنهجه.

العوام طبعاً لا يعرفون هذا، لكن العلماء يعرفون هذا تماماً، والأمور عند العوام مُغبَّشة مُختلِطة، تستوي! فيجتزئون بالعصبية وبالجمود وبالتقليد والعمى، ولذلك هم عوام، لكن لو قد جلس أهل الفكر وأهل الحُجة والعلم والنظر بعضهم إلى بعض لعلموا – وهم يعلمون – صدق هذه الحقيقة، الخارجي الذي يتعبَّد الله ببُغض أهل بيت رسول الله وجُملة عظيمة من أصحاب رسول الله – رضيَ الله تعالى عن الجميع وأرضاهم – له حُجج يلحن بها، له أدلة من الكتاب وأدلة من السُنة وأدلة من التاريخ وأدلة من العقل والحس والمنطق، له أدلة وأدلة قوية، وفيهم علماء كبار وملأوا الدنيا مُؤلَّفات، كذلك الزيدية، كذلك المُعتزِلة، وهم جهابذة، من أعاظم جهابذة الإسلام بلا شك، وليسوا بسُنة وليسوا بشيعة، إنهم طائفة بحيالها، كذلك الجعفري، الشيعي الاثني عشري الجعفري، كذلك السُني، كما كنت أشعرياً أو ماتريدياً أو حنبلياً، كلٌ له حُجته التي يُدلي بها، فيا لله ويا للمُسلِمين ويا للحق ويا للحقيقة! كيف يهتدي العوام؟ 

إذن الأمر على هذا النحو، وأنا أود أن أُخاطِب فيكم الحس السليم، ولست بهذا المقام القصير المنزور الصغير وإن كان كريماً لأُحدِّثكم حديث العلم والأدلة الذي يحتاج إلى مئات الساعات بل آلافها حتى يُوفى حقه، وإنما فقط لكي نُقدِّم بمُقدَّمة تكون نبراساً وهُدىً إن شاء الله – تبارك وتعالى – لمَن صح منه العزم وصدقت النية على أن يتنوَّر بنور الحق، على أن يُحرِز على الأقل نفسه بإحراز مُعتقَده بين يدي الله تبارك وتعالى، فالأمر جد وليس بلعب، الأمر جد وليس لعباً وهزؤاً، والله إني لأرى بعض العلماء بل بعض كبار العلماء في القديم والحديث إنما يُغامِرون بدينهم، والله إنما يُغامِرون بآخرتهم، وأعجب! وهذا من البُعد عن الله ومن الخذلان، لأن الله خذلهم والعياذ بالله، وإلا لا يُمكِن أن أُغامِر بآخرتي من أجل حزبية ولا هوى ولا مذهب ولا مصلحة ولا أن أُكثِّر الأتباع والأشياع، وكل هذا لا يهم على الإطلاق، وخاصة إذا ما قيس بمصير الإنسان الأبدي وموقفه بين يدي الديّان – لا إله إلا هو – في يوم لهوله تشيب الولدان، مُستحيل! فالأمر جد وليس هزلاً وليس لعباً، فيا لله! كما قلنا، ولكن الله – تبارك وتعالى – أسعد هذه الأمة وأسعد المُوفِّقين وأسعد الصادقين فيها بأن أنار لهم السبيل ونهج لهم المنهج، وكما قلنا في خُطبة العيد المُبارَك إنه كتاب الله، الكتاب، الكلم الإلهي العُلوي الكافي في الهداية، والله إنه لكاف، لكن لمَن أحسن أن يقرأ هذا الكتاب، لمَن تنوَّر بهذا الكتاب، لمَن لم يأخذه تفاريق ولم يجعله عضين، هذا الكتاب لابد أن يُؤخَذ بجُملته، هذا الكتاب يتصادق ولا يتكاذب، لأنه من عند الله، علماً بأن هذا بُرهان، وهذه قاعدة مُمهَّدة ومُقرَّرة، الباطل يتكاذب، الحق يتصادق.

ولذلك إن كنت أنت من أهل الحق فسترى أن عقائدك وآراءك ومنازعك حتى النفسانية تتجارى كلها إلى ضميمة واحدة في منهج واحد، وتتصادق وتتآزر، ولا تتخالف ولا تتكاذب، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ۩، إذن هو مُتصادِق، متى يتكاذب الكتاب – والعياذ بالله، والكتاب لا يتكاذب -؟ يتكاذب كتابهم وليس كتاب الله تبارك وتعالى، الذين أخذوا من القرآن قرآناً، جعلوه عضين ثم زعموا أن هذا هو الكتاب، في قُبال مَن أخذ من الكتاب كتاباً زاعماً أنه هو الكتاب، وهكذا خالفوا بين القولين وبين الكلامين، ولكن كتاب الله في وحدته لا يتخالف ولا يتكاذب، وسأضرب مثالاً واحداً، لعله يكون مُدخَلاً طيباً لهذا الموضوع.

المبحث الشهير أهل بيت رسول الله عليهم السلام والرحمات والرضوان والبركات أجمعين، رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ۩، أهل البيت هل يدخل فيهم أزواجه – أمهات المُؤمِنين رضوان الله تعالى عنهن أجمعين -؟ الذي أعتقده ويعتقده كل مُنصِف – إن شاء الله تعالى – ويُمكِن أن يُقسَم بالله عليه أنهن يدخلهن، رضيَ الله تعالى عنهن وأرضاهن، الآن اتركوا الروايات، الدرجة الأولى في الاستدلال للكتاب، الكتاب أولاً، لأن الروايات للأسف نعم تتكاذب ونعم تتخالف، لأن لكل مروياته، فالسُني لا يقنع برواية الشيعي، ويطعن في رجالها، أي في رجال روايته! والشيعي – في المُعظَم طبعاً – لا يقنع برواية العامي، وهكذا يُسمون أهل السُنة، لا يقنعون برواية العامة، ويطعنون في رجالها، إذن كيف نتفق؟ لن نتفق، إذا أردنا أن نتفق فلنكتفي على الأقل في أول درجات البحث – على الأقل لأنها ستُنير لنا السبيل وتنهجه لنا إن شاء الله بطريقة ربانية – بالكتاب، الكتاب قاطع بأنهن يدخلن في أهل بيت رسول الله.

طبعاً كون أهل بيته أيضاً هم أقاربه وقراباته هذا مُقرَّر بلا شك، هذا أصل الوضع في اللُغة، هم أقاربه بلا شك، كيف لا يكونون من أهل بيته، لكن هل أزواجه أيضاً – أمهات المُؤمِنين رضوان الله تعالى عنهن – من أهل بيته؟ اللهم بلى، بنص الكتاب، كيف؟ جاءت الملائكة تُبشِّر إبراهيم في قصة لوط وتعذيب قومه، وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ۩، مَن هي؟ سارّة عليها السلام، بالتشديد سارّة! وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ۩ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ۩، مَن في البيت؟ لم يكن ثمة بالبيت إلا إبراهيم وسارّة عليهما السلام، والآية تقول هذا، فقط إبراهيم – وَهَذَا بَعْلِي ۩ – وسارّة، ماذا قالت الملائكة؟ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ۩.

في اللُغة العربية – وارجعوا إلى كل مُعجَمات العربية – يُقال أهل بها، ما معنى أهل بها؟ دخل بزوجته، ومن هنا كلمة حتى الأهل، الأهل! أبناؤك أليسوا من أهلك؟ نعم، وأمهم التي هي زوجك أصل في ذلك، ولولاها ما رُزِقت الأبناء والبنات، فكيف لا تكون أمهم وهي أصلهم من الأهل، لذلك يُقال أهل بها، أي دخل بها، فهي أهله، ثم هذا هو الله – تبارك وتعالى – يقول في نبأ موسى كليمه – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا ۩، يا إخواني قال وَسَارَ بِأَهْلِهِ ۩، ماذا سمى الله زوجه وهي مُفرَدة برأسها وبحيالها؟ سماها أهله، هل نُريد حُجة بعد كلام الله؟

أكثر من ذلك الآية التي يتمسك بها إخواننا الشيعة في عصمة أهل البيت وتطهيرهم إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ – الرجس هو النجاسة والقاذورات المعنوية، أما الرجز فهو العذاب – أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ۩، أنا سأقول لكم شيئاً ليس بجديد، كل منكم يُمكِن أن يفتح المُصحَف في سورة الأحزاب ويقرأ هذا الشيئ بعيني رأسه قبل عيني عقله، واضح جداً جداً! أولاً هذه ليست آية، هذا شطر آية، انتبهوا! هذا نصف آية، اقرأوا الآية كاملة لتعلموا مَن المُخاطَب بها ومَن المُتحدَّث عنه، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ – بداية الآية الثالثة والثلاثين من سورة الأحزاب، الآية كاملة حتى لا نُفرِّق ولا نُمزِّق القرآن الكريم ثم ندّعي أننا نحتج به، فأي طريقة هذه في الاحتجاج؟ أي طريقة هذه في الفهم عن الله عز وجل؟ هل نُريد حقاً أن نفهم عنه وأن نُدرِك مقصوده؟ – وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ – في نفس الآية، هذه كلها الآية الثالثة والثالثون، آية واحدة – اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ۩، والله والله والله إنه لواضح كل الوضوح – الوضوح كله – أن الحديث عن أمهات المُؤمِنين يا أخي والمُخاطَب في الآية أمهات المُؤمِنين.

ليس ذلك وحسب، إنما اقرأوا السياق من أوله، اقرأوا السباق واقرأوا اللحاق أيضاً، أما السباق من أوله – ولا نُريد أن نُطوِّل عليكم – فهو يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا ۩، أول السياق عن نساء مَن؟ عن نساء النبي، وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ۩ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ۩ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ۩ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا ۩ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ۩ الآية! آية التطهير، وَاذْكُرْنَ – الآية التي جاءت على الولاء، الآية التي جاءت على الولاء مُباشَرةً، أي عقيبها مُباشَرةً، جاءت منها على الولاء – مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ۩، قال فِي بُيُوتِكُنَّ ۩، بالله سألتكم عن مَن يتحدَّث السياق كله؟ يا أخي كيف لا نقول بعد ذلك إن نساءه من أهل بيته؟ إنهن – وهن أمهاتنا، أمهات المُؤمِنين رضوان الله تعالى عنهن – اللائي اختارهن رب العالمين أزواجاً لخيرته من خلقه وحبيبه من عباده، شرفهن من شرفه، كرامتهن من كرامته، طهارتن من طهارته، والظن بهن – ظن السوء – هو ظن به وتعريض به وإنقاص لرُتبته وحيثياته، ولا يجوز، ولا يُقدِم على هذا مُؤمِن!

الآن كون الرسول اقتبس الآية في قصة الإمام عليّ – عليه السلام – وفاطمة والحسنين – عليهم سلام الله أجمعين – ووضعهم في كسائه أو تحت كسائه – حديث الكساء – وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي أو من أهل بيتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً لا يتناقض مع ما قلناه، نعم هؤلاء أهل بيته، كيف لا يكون عليّ وفاطمة والحسنين من أهل بيته؟ وهم منه بمثابة الروح من الجسد والعينين من الوجه، طبعاً هم من أهل بيته، ولكن نساؤه أيضاً من أهل بيته، هؤلاء أهل بيته وهؤلاء أهل بيته.
وسأذكر نُقطة ينبغي أن تُعرَف لجميع المُسلِمين، المُوافِق والمُخالِف، حديث الكساء أخرجه الإمام مُسلِم في صحيحه وأخرجه أحمد في مُسنَده والترمذي وغيرهم، لكن هو في صحيح مُسلِم من رواية مَن؟ سيُعجِبكم هذا جداً، وسيُعجِب كل مَن له قلب سليم يُحِب وحدة المُسلِمين، والله! والله إنا لنُحِب وحدتنا، والله إنا لنُحِب أن نُحسِن الظن بالمُوحِّدين جميعاً، ونُحِب من المُوحِّدين وللمُوحِّدين أن يُحسِنوا الظن بخير أجيال البشرية، بجيل رسول الله، بأصحابه وأمهات المُؤمِنين أيضاً، وأهل بيته بلا شك طبعاً في مُقدَّم هؤلاء، نُحِب هذا أيضاً، ولا يُمكِن أن يحسن منا الظن إلا إن أحسنا الظن بهؤلاء رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وتكون لنا قلوب سليمة إن شاء الله، ونموت مُطمئنين أننا لم نُقصِّر في حق أحد ولم نُسخِط الله – تبارك وتعالى – بقرض عرض مَن حفظ الله عرضه.
ومن فضل الله – لا أُحِب أن أقول هذا من باب التبجح – ورحمته بأهل السُنة والجماعة – ولا يعنيني اللقب كثيراً، ولست مِمَن يتبجَّح بالألقاب، لأنها لا تعني عند الله شيئاً، إنما الحقائق، الحقائق والموازين فقط والانحياز إلى الحقيقة والحق الذي يرضاه الله  – أن هؤلاء القوم بالذات وفَّروا حُرمة أصحاب رسول الله، وخاصة الذين ثبتت حُرمتهم، أنا من الناس الذين لي مقالات ولي كلام طويل في بعض الذين يُسمون بالصحابة وقد أسأوا جداً إلى الإسلام وإلى رسول الله، أي حُرمة لهؤلاء؟ أي مكانة لهؤلاء حقيقةً؟ هؤلاء كذبوا فيما عاهدوا الله ورسوله عليه، وإن كانوا في تلكم الحقبة، لكن نتحدَّث عن أمثال العظام، عن أمثال الصدّيق والفاروق وعثمان، عن أمثال أمهات المُؤمِنين، كيف نتكلَّم في هؤلاء؟ عجيب جداً!

على كل حال وفي نفس الوقت – بفضل الله تبارك وتعالى – أهل السُنة يرعون حُرمة وكرامة ويحفظونه مثابة ورُتبة أهل البيت – عليهم السلام – ويعرفون مَن هم أهل البيت، سلام الله عليهم أجمعين، لا تجد سُنياً يسب الإمام عليّاً، وإلا فلعنة الله على هذا الساب، طبعاً الذي يسبون الأئمة وأهل البيت ليسوا من أهل السُنة، طائفة بحيالها تُسمى بالنواصب، أهل السُنة يلعنونهم يا أخي، كيف يُقال إن أهل السُنة نواصب؟ شيئ عجيب جداً، هذا تزوير للواقع وللحقائق، أهل السُنة يبرأون إلى الله مِن كل مَن أبغض أو سب أو شتم أهل البيت عليهم السلام، ويُسمونه – أهل السُنة يُسمونه – ناصبياً، اسمه الناصبي والعياذ بالله، فلعنة الله على النواصب، ولعنة الله على كل مَن تقرَّب إلى الله ببُغض أهل بيت رسول الله، لعنة الله عليه إلى يوم الدين، لأنه فعلاً ملعون وعلى لسان رسول الله – انتبهوا – وبكتاب الله، لأنه يُؤذي رسول الله، وكتاب الله يقول إن مَن آذى الله ورسوله ملعون، فهذا ملعون! والنبي أخبر أن مَن آذاه في أهل بيته فهو ملعون، لا يُقبَل منه صرف ولا عدل، هؤلاء ملاعين، فلا نخلط بين أهل السُنة في اعتدالهم وإنصافهم وبين هؤلاء المناكيد الملاعين من النواصب، أعوذ بالله منهم ومن طرائقهم، فهذا من فضل الله على أهل السُنة بحمد الله تبارك وتعالى، أي لن يُخاصِمنا الإمام عليّ – عليه السلام – يوم القيامة ولا الإمام جعفر ولا الباقر ولا زين العابدين ولا أي واحد من هؤلاء، ولا الإمام زيد أيضاً، لأننا نعترف أيضاً بأئمة لا يعترف بهم إخواننا – مثلاً – الشيعة الاثنا عشرية، نعترف بهم ونحترم، ونقول إنهم أيضاً من أهل البيت، مثلاً إخواننا الشيعة الاثنا عشرية لا يحترمون ولا يُوفِّرون حُرمة الإمام زيد بن زين العابدين، عندهم طريقة مُختلِفة، لكن نحن نحترمه، هذا ابن زين العابدين، عليه وعلى أبيه السلام والرحمات والبركات، نحترمه ونُحِبه ونُجِله ونترضى عليه ونُسلِّم عليه، فالحمد لله، يبدو أننا أحظى بحُب هؤلاء جميعاً بفضل الله تبارك وتعالى، قضية طبعاً أن السُني يُحِب أمثال يزيد معروفة، لا أعتقد أن سُنياً يفقه دينه ويعرف التاريخ يُحِب أمثال يزيد الخبيث العاثر المُعثَّر الملعون ببُغضه وقتله أهل بيت رسول الله، هذا ليس من السُنة في شيئ، هذا من غباوات بعض المُؤرِّخين وبعض الذين غلبت عليهم العصبية، وليس هذا من مُعتقَد أهل السُنة بأي حال من الأحوال وإن قاله بعض مَن ينتمي إليهم، هذه التخاريف موجودة في كل فرقة، لكن نحن نُحِب أهل بيت رسول الله، ونُحِب أصحابه، ونُحِب أمهات المُؤمِنين، هكذا بالجُملة بفضل الله، ونُوفِّر حُرمة أو حُرمات الجميع بحمد الله تبارك وتعالى.

ولذلك النبي حين ضحى – ونحن الآن في مُناسَبة عيد الأضحى – ماذا قال؟ قال اللهم هذا عن محمد وآل محمد، بالحري أنه ضحى عن أزواجه، أليس كذلك؟ واكتفى بقوله عن محمد وآل محمد، لو كان أزواجه ليس يدخلن أو لسن داخلات في آله لانبغى أن يقول هذا عن محمد وآل محمد وأزواج محمد، فيكن فريقاً بحياله، لكن لم يقل هذا، قال اللهم هذا عن محمد وآل محمد، فعُلِم قطعاً أنهن من الآل، وطبعاً هذا كله زوائد، لا نحتاجها بعد كتاب الله، أليس كذلك؟ لا نحتاجها!

المُهِم – أنا لم أُتِم الفائدة – مَن الذي روى حديث الكساء في صحيح مُسلِم؟ ومَن الذي رواه عند أحمد وعند الترمذي؟ العجيب أن الذي رواه وخرَّجه من روايته الإمام مُسلِم هو أم المُؤمِنين عائشة رضيَ الله عنها وأرضاها، التي تُتهَم بأنها تُبغِض أهل البيت، تُتهَم بأنها تُبغِض فاطمة وخديجة أمها، لكنها كانت تغار من خديجة وليست تُبغِضها، زينب بنت جحش كانت تغار من عائشة وعائشة كانت تغار منها، لكن لما كانت حادثة الإفك زينب لم تقل إلا خيراً وبرأت عائشة، قالت هذا الكلام غير صحيح، لأنها تقية وتُحِب أختها أيضاً، مع أنها تغار منها، شيئ طبيعي! الغيرة شيئ والبُغض شيئ آخر والعياذ بالله، قالوا عائشة تُبغِض عليّاً وحاربته لأنها مُبغِضة له، كيف تُبغِضه؟ مَن الذي – كما نقول بالعامية – ضربها على كفها حتى تُحدِّث بهذا الحديث الجليل الجلل؟ تقول كان النبي جالساً فجاء عليّ بن أبي طالب وجاءت فاطمة والحسن والحُسين، فجللهم بكساء وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً، عائشة – رضوان الله عنها – تروي هذا الحديث، هل كانت مُبغِضة لأهل البيت؟ أخرجه مُسلِم في صحيحه، رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها، بالعكس! هي مُبرأة، لها أخطاء لأنها ليست معصومة، أي عائشة، وفي حرب الإمام عليّ أخطأت خطأً واضحاً، لكن هل قصدت الحرب؟ وهل خرجت للحرب؟ هذا مبحث تاريخي، ونحن مُرتاحون بالأدلة إلى أن هذا لم يكن مقصدها بحمد الله تبارك وتعالى، هذه قضية تاريخية، لم يكن مقصدها أن تخرج وتسفك دماء المُسلِمين من أجل تشفي غيظها وغلها من الإمام عليّ، أعوذ بالله! إذن هذه من أكبر العاصيات، وكيف تكون من أمهات المُؤمِنين؟ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۩ بنص كتاب الله تبارك وتعالى، كيف تكون مِمَن أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً؟ قالوا حقدتها على عليّ، حقدت ماذا؟ حين قال للنبي في واقعة الإفك يا رسول الله خلها والنساء غيرها كثير، أي طلِّقها، سرِّحها! ما المُشكِلة؟ الإمام عليّ – عليهم السلام – قال هذا شفقةً بالنبي وحُباَ به، نعم! وغضبت عائشة، غضبت! ويحق لكل مظلومة بريئة أن تغضب من مثل هذه النصيحة، أهذه نصيحتك أن أُطلَّق قبل أن يتبيَّن حتى حقيقة حالي؟ فغضبت، شيئ طبيعي! شيئ طبيعي أن تغضب، أنها حقدت هذه الكلمة على عليّ ولم تنسها منه حتى حاربته انتقاماً – والله – هذا هو عين الباطل، هل تعرفون لماذا؟ كان أجدر بها أن تحقد على حسان بن ثابت الذي خاض وأكثر في الإفك، تكلَّم كثيراً حسان بن ثابت، وله لسان لأنه شاعر كبير، رضيَ الله عنه، هذا تسامح أهل السُنة بحمد الله، نترضى عنه مع أنه وقع في عرض أم المُؤمِنين، لأنها هي ترضت عنه ولم تقبل فيه مقالة السوء، سامحته! هو أخطأ وعُوقِب بخطئه، ثم تاب المسكين وتاب الله عليه، سبه أحد أحباب عائشة فقالت لا تسبه، لا تذكروا حسان إلا بخير، فإنه كان يُنافِح عن رسول الله، لا يهم، هو غلط في حقي لكنني أقول رضيَ الله عنه، يا أخي هذه عائشة، هذه الصورة أنا أقبلها لعائشة، أقبلها لزوجة رسول الله، نعم! أقبلها لأم المُؤمِنين، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۩، ليست صورة الحاقدة سوداء القلب التي تسفك دماء عشرة آلاف مُسلِم من أجل كلمة قيلت قبل عشرين سنة، مُستحيل! لو فعلت هذا أنا أو أنت سنكون أقرب إلى الزندقة، سنكون أقرب إلى الفجرة الفسقة، أتفعلها عائشة بنت الصدّيق وزوج محمد؟ صلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
هذا شيئ بعيد جداً، فينبغي أن نُحكِّم الحس، وعلى كل حال مُرشِدنا وآيتنا القرآن الكريم بحمد الله، هو آياتنا! أي القرآن الكريم! إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ۩، وهي التي كما قلت – إذن انتبهوا – روت حديث الكساء الذي أخرجه مُسلِم، أما أم سلمة – رضوان الله عليها – فخرَّج حديثها أيضاً – حديث الكساء – الإمام أحمد والترمذي وغيرهم كثيرون، لكن ما في الصحيح عندنا هو من رواية عائشة، سألها أحدهم عن صلاة السفر، قالت ائت مَن هو أعلم مني بذا، عليّ بن أبي طالب! وهذا في صحيح مُسلِم، فإنه كان يُسافِر مع رسول الله، قالت هذا أعلم مني في هذا الشأن، ائته! سله يُجِبك، هذا إنصاف، إنصاف! ولها أحاديث أُخرى في فضائل أهل البيت، أي أم المُؤمِنين عائشة.

أعتقد أن كلاماً كهذا ينبغي أن يرضى به السُني وأن يرضى به الشيعي، وينبغي أن يطمئن له وتطمئن له قلوب ونفوس الشيعة والسُنة، لأنه يُقرِّب ولا يُبعِّد، وهو مع ذلكم – بفضل الله تبارك وتعالى – عين الحقيقة، وأدلته أدلة قائمة، مُؤسَّسة على آي الكتاب، مثل هذا الحديث ينبغي أن يُشاع ويُذاع بين المُسلِمين، ما يُقرِّب ولا يُبعِّد، ما يُظهِر تراحم وتلاحم أصحاب رسول الله وقرابته، الصحابة والقرابة! ما يُظهِر التلاحم والتراحم، وليس التباغض والتشانؤ، لماذا؟ لذلك لو خُيِّر أحدنا – وأنا واحد منكم – بين صورتين للصحابة والقرابة: صورة أولى تُترجِمهم أو ترسمهم أو تُظهِرهم على أنهم كانوا مُتناحِرين مُتشانئين مُتباغِضين ومُتلاعِنين، يلعن بعضهم بعضاً، يُؤلِّب بعضهم على بعض، يبغي بعضهم البعض الآخر الخبال والعنت، وصورة ثانية ترسمهم وتُترجِمهم على أنهم كانوا مُتوادين مُتراحِمين مُتلاحِمين ومُتغافِلين، إن أخطأ أحدهم في حق أخيه استغفر له الله – تبارك وتعالى – ودعا له بخير ولم يحقدها علىّ، أعتقد أن أي واحد منا – إن شاء الله – له قلب سليم كان سينحاز إذا خُيِّر إلى الصورة الثانية، قطعاً! أنا سأنحاز إليها دون تردد، لماذا؟ هكذا لو خُيِّرنا، لكن حقائق التاريخ وحقائق الوحي والنصوص الصحيحة ليس لنا خيار فيها، لكن بفضل الله هذه الحقائق والنصوص تُؤكِّد وتدعم وتشهد للصورة الثانية وليس للصورة الأولى بحال بحمد الله تبارك وتعالى، وسنذكر نُبذاً قصيرة في هذه الدقائق العشرة المُتبقية.

لماذا سننحاز إلى الصورة الثانية؟ أولاً لأنها أشد التئاماً بكلام الله، علماً بأنه يُقال التئم به وليس التئم معه، أشد التئاماً بكلام الله تبارك وتعالى! هذا الكلام كثير، لكن يكفي أن نجتزئ بقوله تعالى مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩، هنا لم يُعنوِن، في سور كثيرة جداً بل عموماً الله يُعنوِن، يقول مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ۩، يقول وَالسَّابِقُونَ ۩، يقول وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ۩، يقول وَالَّذِينَ جَاهَدُوا ۩، يقول إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ ۩، يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ۩، إلى آخره! أشياء كثيرة كهذه، هنا قال مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩، فعم ولم يخص، وإن كان هناك ضرب من ضروب التخصيص فإنما هو بالوصف، وهذا الوصف ينطبق على كل مَن نعرف مِن صالحيهم وهم صالحون، رضوان الله عليهم وعنهم أجمعون.

ومعروف أن الأسماء الموصولة من صيغ العموم، مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩، فهذه عمت مَن معه، والتئام الآيات ببعضها عجيب جداً، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ۩، فكأن سائلاً سأل كيف سيُظهِره والمُرسَل به وحده؟ قال ليس يُظهِره به وحده وبرأسه، بل بمَن معه، فجاءت الآية التي على الولاء منها تقول مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩، ما أعجز هذا الكلام! كلام عجيب، مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩، وهؤلاء الذين كانوا معه ليسوا أي أحد، إنما هم رُكّع سُجّد مُبتهلِون مُتعبِّدون مُتخشِّعون صادقون ظاهراً وباطناً ومرضيون عند الله، وبهم كانت نُصرة الدين، فنقبل هذه الصورة لهذا السبب الأول، ونقبلها ونتعاطف معها للسبب الثاني، لأنها أدفع عن رسول الله، أدفع للتُهمة عن جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف؟ سيقول أحد وما دخل الرسول؟ له دخل كبير، والله لا يُقال إن نبياً هو آخر الأنبياء والرُسل وخاتمهم وأعظم خلق الله مكث ثلاثاً وعشرين سنة في تربية أصحابه ومَن اتبعه على هُداه الذي ابتُعِث به لم يسعد بعد ذلك بمَن استقام على نهجه وطريقته إلا بثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة، أما البقية فقد ارتدوا وتركوا الدين، ارتدوا! نقول أستغفر الله العظيم، اللهم غفراً، نعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان، قولة كهذه ليست تعني عند كل مَن له مسكة مِن عقل إلا أن هذا المُربي المُعلِّم الأستاذ الداعية والمُبشِّر الكبير قد فشل، في الحقيقة أنه كان مُعلِّماً فاشلاً، وكان مُربياً – أستغفر الله العظيم، لا أستطيع قول هذا – كذا وكذا، ما معنى هذا؟ ثلاث وعشرون سنة ويخرج معك ستة فقط، وعشرات الآلاف هؤلاء كلهم كذّابون، ومن هؤلاء الكذّابين مَن لم يُحسِن النبي اختياره! النبي ليس عنده من الصفاء الروحاني والفراسة الإيمانية والحدس الرباني ما يُميِّز به بين الصادق والكاذب، اغتر برجل اسمه أبي بكر الصدّيق، اغتر به! وتزوَّج ابنته، وهذا اتضح أنه كذّاب كبير في النهاية، أبو بكر الصدّيق! اغتر برجل آخر اسمه عمر بن الخطاب، زنديق من زنادقة الإسلام، هذا الزنديق مع الزنديق الأول مع عائشة وحفصة ائتمروا على سم رسول الله ودسوا له السُم، والرواية المُحقَّقة أن الرسول لم يمت وإنما قُتِل مسموماً، ما هذا؟ ما هذه التخاريف؟ ما هذه الحكايا الفارغة؟ مثل هذا لو قيل في حق قيادة عادية أو في حق عالم لظُن بعقله وبحدسه السوء، لقيل ألهذه الدرجة هو أجدب ودرويش وغبي؟ لا يُميِّز مَن حوله ويتزوَّج منهم! يُصهِر إليهم ولا يعرف مَن هم، حاشا لرسول الله ذلك، حاشا!

الإمام عليّ – عليه السلام – ليس كرسول الله ولا يُقارَن برسول الله – لا هو ولا غيره – كرَّم الله وجهه، رسول الله سيد العالمين، آدم فمَن دونه تحت لوائه، ليس فقط أصحابه وأهل بيته، وإنما آدم! أي حتى إبراهيم وموسى وعيسى ونوح، كلهم تحت لوائه، فبالحري أبو بكر وعمر وعليّ وعثمان أن يكونوا تحت لوائه، بلا شك كلهم يستوون في هذا، هذا رسول الله، خيرة الله من خلقه، صلى الله عليه كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون وسلم تسليماً كثيراً، الإمام عليّ مدحه أحده يوماً، وكان هذا المادح كذّاباً، جاء يقول بلسانه ما لا يعتقده بقلبه، قال له أنت وأنت وأنت، يُكبِّر في الإمام عليّ! فنظر فيه الإمام عليّ – عليه السلام – وهو صاحب فراسة لأنه كان رجلاً ربانياً – من أولياء الله المُقدَّمين، كرَّم الله وجهه – وقال يا أخي أنا دون ما قلت – أنا أقل مما تقول، أنت كبَّرتني وجعلتني شيئاً آخر – وفوق ما في نفسك، أنا أعلم أنني في نفسك أصغر مما أنا في الحقيقة، لكن أنا – بإذن الله – أكبر مما تظنني وأصغر من كلامك هذا، كيف عرف الإمام عليّ هذا؟ بالفراسة الإيمانية، اتقوا فراسة المُؤمِن فإنه ينظر بنور الله، ومثل عليّ مَن تكون له الفراسة، فكيف برسول الله؟ انتبهوا! أين العقل السليم؟ أين الــ Common sense؟ أين الحس السليم؟ أنُثبِت هذا لعليّ ونُثبِت مثله لعثمان وعمر بن الخطاب في وقائع كثيرة ونسلبه عن رسول الله؟ ليس له حس ولا فراسة ولا يعرف إلى مَن يُصهِر ولا يعرف مَن يتخذ صاحباً ونصيراً، مُستحيل! 

ثم أليس قد انتشر الإسلام بحمد الله تبارك وتعالى؟ أليس ضرب الدين بجِرانه؟ أليس عظمت المنّة بهذا الدين على العالمين بفضل الله تبارك وتعالى؟ وأعظم ما عظمت في عهد رسول الله وأبي بكر وعمر بالذات، هذا التاريخ! هذا التاريخ طبعاً مع احترامنا لعثمان، عثمان كان في عهده فتوحات بلا شك، لكن ليست كالتي كانت أيام عمر، عليّ – عليه السلام – لم يُفتَح في عهده شيئ، لأنه شُغِل – يا للأسف! – بمُحارَبة البُغاة والظلمة، من بُغاة أهل الشام ومن الخوارج المُجرِمين أيضاً، أي من بُغاة الشام والخوارج المُختلِطين، فلم يتسن له – عليه السلام – أن يفتح حتى شبراً من الأرض، اشتغل بهؤلاء المُشاغِلين من المُسلِمين للأسف الشديد، إذن أين كانت هذه الفتوحات وهذه المنّة وهذا العطاء وهذا الاندياح؟ في عهد الصدّيقين الأولين بالذات، وعثمان أقل من ذلك قليلاً، أي في عهد أبي بكر وعمر.

مَن الذي حارب المُرتَدين وأقام الله به عمود الدين مرة بعد أن أوشك أن يتصدَّع وأن يسقط؟ مَن؟ أبو بكر الصدّيق، هل حارب عليّ تحت لوائه وفي جيوشه؟ نعم،نقول لإخواننا الشيعة لو كانت خلافة أبي بكر باطلة لما جاز لأبي الحسن – عليه السلام – أن يُقاتِل في خلافته، لأن ما بُنيَ على باطل باطل، والقتال في ظل خلافة باطلة يُعتبَر قتلاً للناس بغير حق، لكنه قاتل، بالعكس! وكان سعيداً بأن الله قمع به مع مَن قمع به المُرتَدين، وأكثر من ذلك أنه قبل من السبايا والهدايا زوجته خولة بنت جعفر بن قيس المعروفة بالحنفية، لأنها من سبي اليمامة، من سبي بني حنيفة! وإليها يُنسَب أعظم وأجود وأشجع وأعلم وأفضل أبناء الإمام عليّ – عليهم السلام أجمعين – بعد الحسنين، وهو محمد المعروف بابن الحنفية، هذه من سبي اليمامة، لو كان قتال أبي بكر للمُرتَدين في اليمامة وغيرها باطلاً لما جاز لعليّ أولاً أن يُقاتِل ولا ما جاز أن يطأ سبيةً بعنوان أنها سبية، وإلا لكان زنا، لكنه وطأها وأولدها محمد بن الحنفية، محمد بن عليّ بن أبي طالب! الذي تنتسب إليه طائفة مارقة ضالة اسمها الكيسانية.

على كل حال أعطاه أيضاً جارية اسمها الصهباء، الصهباء أيضاً من هدايا أبي بكر في خلافته للإمام عليّ عليه السلام ورضيَ الله تعالى عنهما أجمعين، وولدت له عمر، ستقولون هل قلت عمر؟ نعم، وهذا طبعاً في مصادر إخواننا الشيعة، لا كلام في هذا، لا يُمكِن إنكاره! ستقولون هل الإمام عليّ سمى أحد أولاده عمر؟ نعم، إذن هل هو يُحِب عمر؟ بلا شك يُحِب عمر يا أخي، كيف لا يُحِب عمر – وسأختم بهذا – وهو القائل في نهج البلاغة الآتي؟ نهج البلاغة عند إخواننا الإمامية تقريباً مثل السُنة المُحمَّدية، بل بالعكس هم يقولون فيه كلمة مشهورة جداً، وهي نهج البلاغة كلام دون كلام الخالق وأرفع من كلام المخلوقين، طبعاً نحن نُحسِن الظن ونعلم أنهم يعنون أرفع من كلام المخلوقين حاشا رسول الله، نعرف هذا إن شاء الله، فهذا نهج البلاغة، وهو حُجة عندهم، سأنقل لكم منه نقلين فقط، من نهج البلاغة وليس من كُتب السُنة.

يقول الإمام عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – إنما الشورى – انتبهوا، وكلمة الشورى غير مُحبَّبة لإخواننا الشيعة، لأنهم يُؤمِنون بالوصاية وبالنص على الإمامة وليس بالشورى، الإمام لا يكون إماماً عندهم إلا بالوصاية، الإمام عليّ لا يقول هذا، يقول وإنما الشورى – للمُهاجِرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل منهم وسموه إماماً – لم يقل كان ذلك ضلالاً منهم ومثلبة فيهم وأنهم ضلوا جميعاً وارتدوا عن الهُدى، ماذا قال الإمام عليّ؟ – كان ذلك لله رضا، قال هذا فيه رضاء الله، هذا أمر الله، إذا وافقوا بأمر أبي بكر فأهلاً وسهلاً، هذا مرضي لله، إذا وافق المُهاجِرون والأنصار أن يُبايعوا عمر فهذا مرضي لله، ولذلك هو رضيَ بيعتهما وبايعهما وخاصة الأول ولو بعد حين – تُوجَد خلافات أُخرى لكن هذا شيئ ثان – وقاتل وعمل لهما قاضياً وعمل أيضاً خازناً للفيء والخُمس والصدقات، في كُتب إخواننا الشيعة – انتبهوا – هذا، هذا في كتاب الشيخ المُفيد محمد بن النُعمان المعروف بالإرشاد، في هذا الكتاب أيضاً باب قضايا أمير المُؤمِنين – عليه السلام – في إمارة أبي بكر، كان قاضياً! كان يعمل في خلافة أبي بكر قاضياً، لم يقل خلافته باطلة وسأقعد في بيتي، لا! هذا الكلام غير صحيح، هذا في رواية إخواننا الشيعة والتاريخ يقول هذا.

نعود، قال كان ذلك لله رضا، فإن خرج عليه منهم خارج بطعن أو ببدعة ردوه إلى ما خرج عنه، وإلا قاتلوه حتى يفيء إلى أمر الله وولاه الله ما تولى بما اتبع غير سبيل المُؤمِنين، الله أكبر! هذا أسلوب الإمام عليّ، هذه بلاغته، وهذه فصاحته، أي يقول مَن بايعه المُهاجِرون والأنصار بالشورى – ليس بالوصية وليس بالنص عليه كما يقول إخواننا الشيعة بُورِكوا – ثم بعد ذلك خرج عليه خارج يُرَد وإلا قُوتِل بأمر الله، لأن الله يقول وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ۩، الإمام عليّ اقتبس الآية، قال بما اتبع غير سبيل المُؤمِنين، نُقاتِله حتى وإن قُتِل، هذا في نهج البلاغة.

الآن موقفه – لم يبق وقت – من أبي بكر وعمر بكلمة واحدة في نهج البلاغة، قال الإمام عليّ – عليه السلام، وستدهشون الآن، ستعرفون كيف يتضامم ويتصادق الحق بفضل الله تبارك وتعالى – في نهج البلاغة – عليه السلام وكرَّم الله وجهه ورضيَ الله عنه – ثم بايع المُسلِمون برأيهم رجلاً – يقصد أبا بكر الصدّيق في الأول طبعاً، هو يتحدَّث عما كان أيام رسول الله، ويبدأ يُسلسِل الحديث تاريخياً – فقارب وسدَّد – لم يقل انحرف، لم يقل زوَّر الدين، بالعكس! قال فقارب وسدَّد، كما أوصى النبي قال قاربوا وسدِّدوا، قال فقارب وسدَّد، كانت مُعتدِلاً مُنصِفاً عادلاً، قال فقارب وسدَّد – حسب استطاعته على ضعف وجد كانا فيه، اجتهد وكان جاداً لكن فيه ضعف قال، يعني أبا بكر، بعضهم قد يستنكر هذا، لكن هذه  الحقيقة، أبو بكر أضعف في الإمامة من الفاروق مثلاً، قال ثم وليها رجل – طبعاً أيضاً نفس الشيئ، بأمر المُسلِمين، بشورى المُسلِمين، يقول الإمام عليّ في نهج البلاغة هذا – فقام واستقام حتى ضرب الدين بجِرانه، انتظم أمر الدين، عظمت النعمة، الله أكبر! والله لقد قف شعر رأسي، هل تعلمون لماذا؟ لأن هذا الذي في نهج البلاغة يُوافِق تماماً ما صح عن رسول الله بالسند الصحيح الرجيح وهو مُخرَّج في صحيح البخاري، وأختم بهذا الحديث، هذا الذي أردت ذكره، يقول – عليه السلام – ثم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت ما شاء الله أن أنزع، ثم أخذها أبو بكر، فنزع ذَنوباً أو ذَنوبين – أي دلواً مملوءة بالماء، تُسمى الذَنوب – وفي نزعه ضعفٌ، والله يغفر له ضعفه، وهذا الذي قاله ابن أبي طالب عليه السلام، قال على ضعف وجد كانا فيه، صدق الإمام عليّ لأنه يتبع سبيل رسول الله، والله لا يحيد حتى في وصفه وتقويمه عن صاحب النبوة، هذا هو الإمام عليّ، هذا هو الإمام عليّ بالصورة التي يرضاها الله ونرضاها نحن كمُسلِمين – إن شاء الله تعالى – ويرضاها كل ذي قلب سليم، ماذا قال رسول الله؟ قال ثم استحالت غرباً – أي دلواً عظيمة – فأخذها عمر بن الخطاب، فلم أر عبقرياً يفري فريه، فنزع – يقول الرسول – حتى ضرب الناس بعطن، أي حتى شربوا وسقوا إبلهم ورواحلهم، وضربوا لها المعاطن، أي مبارك الإبل، هذا معنى ضرب الناس بعطن، استقر الأمر! تماماً هذا ما قاله الإمام عليّ، قال فقام واستقام حتى ضرب الدين بجِرانه، عليهم رضوان الله أجمعين.
اللهم إنا نُشهِدك أنا نُحبِهم أجمعين، اللهم ووفِّر محبتهم وعظمتهم وكرامتهم وحُرمتهم في أفئدة المُؤمِنين والمُؤمِنات وقلوب المُسلِمين والمُسلِمات، إنك ولي ذلك والقادر عليه.     

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما يُحِب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، واغفر لنا ما كان منا يا رب العالمين، واجمع كلمتنا ووحِّد صفوفنا ولُم شعثنا وأذهب غيظ قلوبن، برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه يزِدكم، وسلوه يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(21/12/2007)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: