إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:a

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول المولى الجليل – سُبحانه وتعالى – في مُحكَم التنزيل بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۩ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ۩ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ۩ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفُضليات:

أخرج الإمام مُسلِم في صحيحه عن أم المُؤمِنين عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – أنها قالت لم أر رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مُستجمِعاً ضاحكاً حتى تبدو لهواته، وإنما كان ضحكه التبسم، وكان – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – إذا رأى مخيلةً في السماء أو عصفت الريح – أي إذا رأى سحاباً يتكوَّن، إذا رأى سحاباً يتكثَّف ويتكوَّن أو عصفت الريح – عُرِف ذلك في وجهه، فسألته – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – عن هذه الكراهية التي تعرفها ويعرفها غيرها في وجهه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – فقال يا عائشة وما يُؤمِّنني وقد عُذِّب به أقوام؟

في حديث صحيح آخر أنه قال لعله يكون كما قال قوم عاد، وتلا الآية فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ۩، والآية بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩.

الريح جُند من جُند الله تبارك وتعالى، من أقوى جُند الله، مُسيَّرة ومأمورة بأمره – سُبحانه وتعالى – إذا عصفت وإذا ركضت، إذا دمَّرت وإذا أثمرت وعمَّرت، كل هذا بتقدير الله وبأمره سُبحانه وتعالى، فهي خلق مُسيَّر مأمور ومقهور، كما روى ابن ماجة أنه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – نهى عن لعن الريح، وقال لا تلعنوها فإنها مأمورة، وإنه مَن لعن شيئاً ليس بأهلٍ للعنة رجعت اللعنة عليه.

وعند الترمذي لا تلعنوا الريح فإنها مأمورة، وليقل أحدكم – أي إذا عصفت الريح – اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أُمِرت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أُمِرت به، وفي رواية خير ما تأتي به وشر ما تأتي به، إذن قال ما أُمِرت به! والعلماء يعجبون، يقولون تأتي الرياح العاصفة أو ما يُسمى بالإعصار على منطقة مُعيَّنة، فترى منزلاً وقد نُقِض من أساسه وخر عاليه على سافله، وإلى جانبه – على مبعدة منه بمتر أو مترين – منزل آخر لم يُصب بسوء، طبعاً يُقدِّمون تعليلاً علمياً، يقولون هذا الإعصار يأتي بشكل هلالي، وإتيانه بهذا الشكل هو الذي يُظهِر هذه الظاهرة، لكن مَن الذي جعله بهذا الشكل وجعله يأتي بهذا الشكل؟ لأنه مأمور ومُقدَّر.

ولعلي حدَّثتكم مرة – ولا بأس أن أُعيد هذه القصة العجب، التي اتفق أن كنت واحداً من شهودها في بداية صباي – أننا مُطِرنا بثلج وببرد كبير من السماء، بلغت أحياناً القطعة الواحدة أكثر من اثنين أو ثلاثة كيلو، ومات ناس ودمَّر بيوتاً، أي فعل أشياء عجيبة جداً، وذلك في قطاع غزة، في الثمانينيات، في أواسط الثمانينيات أو قبل ذلك، في بداية الثمانينيات، ولما توقَّف هذا السيل المُنهمِر من البرد المُدمِّر خرج الناس يتباشرون بالسلامة وبالنجاة، وافتقدنا جيراناً لنا، منزلهم كان مسقوفاً بما يُعرَف بالقرميد، وهو أضعف ما يُمكِن! لأن هناك منازل خرسانة مُسلَّحة، ولم تُصب بسوء طبعاً سقفها، هناك منازل من مواد أُخرى تُعرَف بالإسباس تهدَّمت وتخرَّقت، هناك منازل مسقوفة بالصفيح تمزَّقت، الصفيح تمزَّق أيضاً بفعل هذا البرد المُنهمِر أيضاً، وعُطِبت كثير منها، أي من هذه السقف، وهذا القرميد أضعف ما يكون، بحجر صغير يتكسَّر، لكننا لم نر أحداً من هؤلاء، وتفقَّدنا الأحوال فلم نر أي كسر، فطرقنا الباب فخرجوا يفركون أعينهم من النوم، لم يشعروا بشيئ، إي والله! فقلنا لهم ألم تشعروا بشيئ؟ ماذا حصل عندكم؟ هل مات أحد؟ قالوا عن ماذا تتحدَّثون؟ فأخبرناهم بالخبر، فقالوا والله ما شعرنا بشيئ، ولم يحدث أن أُصيبت قرميدة واحدة، وهذه – إي والله الذي لا إله إلا هو – آية من أعجب آيات الله تبارك وتعالى، مما يُؤكِّد أن كل حبة مطر وكل بردة تنزل بقدر، كل شيئ لا ينزل إلا بقدر، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ۩، وصدق مولانا – صلى الله عليه وآله وسلم – رسول الله حين قال إنها مأمورة، والمأمور من شأنه ألا يُجاوِز الأمر، مأمورة أن تفعل أفاعيل مُعيَّنة مُحدَّدة دقيقة بالملي، وهي لا تُجاوِزها بإذن الله تبارك وتعالى، مأمورة! خلق من خلق الله عجيب، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ ۩.

أخرج الإمام الترمذي – وإن كان الحديث غريباً – في جامعه الصحيح أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – حدَّث الصحابة يوماً، قال لما خلق الله – تبارك وتعالى – الأرض جعلت تميد، أي تتحرَّك وتتمايد، فخلق – سُبحانه وتعالى – الجبال، فأرساها فيها فاستقرت، فعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالوا يا رب هل خلقت خلقاً أشد من الجبال؟ أي أقوى وأمتن! قال نعم، الحديد، والحديد بلا شك أمتن وأشد من حجارة الجبال، فقالوا يا رب وهل خلقت خلقاً أشد من الحديد؟ قال نعم، النار، والمعنى لأنها تُذيب الحديد، تصهره! ثم عادوا يتساءلون أو يسألون هل خلقت خلقاً أشد من الحديد؟ قال نعم، النار، تُذيب الحديد! قالوا هل خلقت خلقاً أشد من النار؟ قال نعم، الماء، الماء يُطفئ النار، فقالوا فهل خلقت خلقاً أشد من الماء؟ إذن تسونامي Tsunami، الماء تسونامي Tsunami! الفيضانات المُدمِّرة مُخيفة جداً، تفعل ما لا تفعله آلاف الحرائق في ساعة أو في نصف ساعة أو في عشر دقائق، المياه! الماء قال، فقالوا فهل خلقت خلقاً أشد من الماء؟ قال نعم، الريح، الريح هي التي تحمل السحب، هي التي تُموِّج الأمواج، بسبب الريح! إذن الريح هي أقوى قوة كونية، وقف عندها! ثم سألوه بعد ذلك فهل خلقت خلقاً أشد من الريح؟ قال نعم، ابن آدم، خلقت ابن آدم، ليس كل آدمي، ابن آدم تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تُنفِق يمينه، هذا أقوى قوة في الكون!

إذن الإرادة، إرادة الإخلاص، إرادة الصدق، إرادة وجه الله، لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۩، الإرادة! أن تكون عند الإنسان إرادة، وهي إرادة الصدق والإخلاص لوجه الله تبارك وتعالى، تجعل الإنسان أقوى المخلوقات على الإطلاق، نسأل الله أن يرزقنا الصدق والإخلاص.

إذن الريح على مُستوى القوى الطبيعية والكونية بحسب هذا الحديث الغريب هي أقوى قوة، وحين نُراجِع المراجع العلمية ونستشير العلماء المُتخصِّصين عن قوة هذه الريح يُدهِشوننا بجوابهم عن ما يُسمى بالإعصار، طبعاً والإعصار هو أعاصير، وهي أنواع مُختلِفة، وإن كانت تُصنَّف في صنفين رئيسين: الأعاصير الحلزونية، أي الــ Cyclones، والأعاصير الراعدة المُبرِقة المُمطِرة، أي الــ Hurricanes، وهذه أنواع أيضاً، مثل الــ Typhoons، هناك أنواع أُخرى كثيرة! المُهِم يُصنِّفونها هكذا، قالوا قوة الإعصار حين يأتي يستجمع من الطاقة والقوة ما يُعادِل وما يُوازي مائتي ضعف كل ما تُنتِجه محطات توليد الكهرباء على وجه الأرض، هذا هو الإعصار! شيئ مُخيف، ليس مُجرَّد هواء يهب، ليس هواءً يُمكِن أن يختبئ منه الإنسان أو يلوذ بحديدة أو بشيئ أو بجبل، طاقة مُدمِّرة مُخيفة! قال مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ۩.

عاد أهلكهم الله – تبارك وتعالى – بهذه الريح، النبي أخبر في حديث أنس على ما أذكر – ورواه الترمذي – الآتي، قال ما أرسل الله عليهم من الريح إلا بمقدار هذه الحلقة، بمقدار حلقة فقط! طاقة بسيطة جداً هكذا من قوة التريح، فتركتهم كماذا؟ تركتهم كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ۩، كانت الريح طبعاً بلا شك تصرع الإنسان وربما تحمله طبعاً إلى مسافات بعيدة جداً في الهواء ثم تُلقيه، تصرعه ميتاً، فتدخل من فمه، فتُخرِج أمعاءه وأحشاءه كلها من دُبره، فيُترَك مُجوَّفاً، لكن هذه الريح هل نستطيع إذا أردنا أن نُصنِّفها علمياً؟ قد يقول قائل كيف؟ وهل شهدتم؟ شهدنا بالعقل، رجعنا إلى القرآن واستشرنا العلم، هذه الريح ليست أقوى قوة يُمكِن أن يدهمنا بها الإعصار، لذلك النبي أشار إلى هذا بقوله ما أُرسِل عليهم إلا بمقدار هذه الحلقة، وهذا حق! هذه ليست أقوى قوة يُمكِن أن يدهمنا بها الإعصار، هذا الإعصار قد يكون من الدرجة الثالثة أو الرابعة، لكنه ليس قطعاً من الدرجة الخامسة، حيث يُمكِن أن تبلغ سرعة الريح ثلاثمائة وأربعين كيلومتراً، فتُهيل عمارات وأبنية ضخمة جداً، كأنما تُقَص بسكين الزُبد،كأنها زُبدة وقُصت بسكين! الآية تقول لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ ۩، إذن لم تُدمَّر المساكن، إذن ليس إعصاراً من الدرجة الأخيرة، لأن المُراد بالعقاب هم هؤلاء الجحدة، وترك الله مساكنهم عبرة وآية، وترك فيها آية لِّلْمُتَوَسِّمِينَ، لكن لو كانت من الدرجة الخامسة ما بقيَ شيئ حتى من مساكنهم.

الإعصار الذي أتى على كانساس Kansas – مزوري Missouri يصفه العلماء المُتخصِّصون بقولهم أتى عليهم – وهذا تعبير قرآني، يأتي! هو يمشي – تاركاً طريقاً بطول خمسة وستين كيلومتراً من الدمار الشامل، مسح كل شيئ! لم يترك شيئاً، مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ۩، شيئ فظيع ومُخيف، والعياذ بالله تبارك وتعالى، هذا جُند من جُند الله!

الله – تبارك وتعالى في عليائه – نصر عبده ورسوله وصفيه وأصحابه يوم الأحزاب بماذا؟ بجُند لم يرها هؤلاء المُؤمِنون وبالريح، أرسل عليهم ماذا؟ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۩، بالريح! ريح ربما إعصارية من الدرجة الثانية، لأن الريح من الدرجة الثالثة تحمل الإنسان في الهواء، وقد تُلقي به على مبعدة عدة كيلومترات، هي تحمل الشاحنة! في بعض هذه الأعاصير رُؤيت شاحنات ضخمة جداً محمولة في الهواء، وتُلقى في مكان بعيد جداً!

وفي الصحيح – هذا حديث صحيح عن أبي حُميد الساعدي – أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – حين قصد تبوك – في الغزو الشهيرة، أي العُسرة – مروا على وادي القُرى، ثم حدَّث عن شيئ وكيف خرصوا بُستان امرأة وأمروها بإحصائه، ثم قال لهم النبي المعصوم الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – ستهب هذه الليلة ريح شديدة، من أين عرف هذا؟ أهذه أرصاد جوية؟ نبوي! أرصاد نبوية إلهية، ستهب هذه الليلة ريح شديدة، فلا يقومن أحدٌ فيها، الكل يلطأ ويلصق بالأرض، ممنوع أحد أن يقف، سيُصرَع أو ربما سيُحمَل! ومَن كان له بعير فليشده بحبل، النبي قال فليشده بحبل متين، فقام رجل وهبت الريح كما قال عليه الصلاة والسلام، فقام رجل وخالف الأمر النبوي، فأخذته الريح – يقول أبو حُميد الساعدي، الصحابي الأنصاري الجليل – وألقته بين جبلين في طيء، عدة كيلومترات بعيدة! الريح حملته، طبعاً ذهب وانتهى، بشؤم مُخالَفته الوصية النبوية، هذه قوة الريح! جُند من جنود الله، يُمكِن أن يُسخِّرها الله – تبارك وتعالى – لقضاء حاجة، لإنجاز وعد، ولإحداث آية، كله بأمر الله تبارك وتعالى.

لذلك علينا دائماً أن تعظم ثقتنا بالله عز وجل، لابد وأن تُعظَم ثقتنا بالله تبارك وتعالى، الله يفعل ما يشاء، متى شاء، في الوقت الذي شاء، وللحكمة التي يشاء سُبحانه وتعالى.

والإعصار – أيها الإخوة والأخوات – يحمل كمية من الماء أحياناً تُعادِل ما ينزل من المطر في مُختلِف مناطق الكُرة الأرضية، وقد يمتد ساعتين أو ثلاثة أو عشر ساعات أو يوماً أو يومين، ينزل معه مطر أكثر مما ينزل في طول العام، شيئ غريب! هو يحمل هذه الكُتل طبعاً، كيف يتكوَّن الإعصار؟ هو يتكوَّن فوق المُحيطات، بالذات الأطلسي، الأعاصير الحقيقية في الأطلسي، تتكوَّن فوق الأطلسي والهادئ والهندي، أي فوق هذه المُحيطات، وآلية التكون سهلة علمياً، كيف؟ هناك عواصف رعدية، تبدأ تتجمَّع، ما سبب تكون هذه العواصف الرعدية؟ تكون أوجه هذه المُسطَّحات المائة ارتفعت حرارتها خمس وعشرين درجة أو أكثر، أي تسعة وسبعين فهرنهايت Fahrenheit أو أكثر، فحين ترتفع ما الذي يحصل؟ طبعاً تُدثَّر طبقات الهواء فوقها فتخف الكثافة، فيرتفع هذا الهواء، فتتسارع لملء مناطق هذا الانخفاض طبقات من الهواء البارد، تتسارع! وهنا تبدأ تنشأ العاصفة الرعدية، وتبدأ تتزايد، والعملية تستمر، وهكذا تُحمَل كمية كبيرة جداً من الماء في طبقات الجو الباردة قليلاً، ولذلك إذا حصل هذا في أي مكان فيه هواء جاف يكون إعصاراً بغير مطر، يكون إعصاراً مُمطِراً من قسم أو نوع الــ Hurricanes إذا كان الهواء ليس جافاً، ثم يبدأ يسير، مُنتصَف هذا الإعصار يُعرَف بعين الإعصار، عين الإعصار! وهي منطقة هادئة وساكنة، بعرض اثنين وثلاثين كيلومتر وبارتفاع ثلاثة عشر كيلومتر، وهي سُحب! وإلا من أين أتى هذا الإعصار؟ هي سُحب، سُحب بهذا الطول وبهذا العرض، لكنها هادئة، لماذا؟ لأن كل ما حولها يكون في فوران ودوران شديد جداً، أسرع ما يكون وأكثر ما يكون وأصعب ما يكون! لكن المنطقة نفسها هادئة، لذلك إذا جاء الإعصار متى يُؤنِس الهدوء؟ أي متى يهدأ كل شيئ؟ إذا مرت عين الإعصار على المكان، كل شيئ يكون هادئاً، وهي تتحرَّك بحوالي ثلاثين كيلومتر في الساعة أيضاً، إذا تحرَّكت عين الإعصار تعود العواصف ويعود التدمير من جديد، ما قبله تدمير وما بعده تدمير! هكذا يتكوَّن الإعصار بآلية بسيطة، ويستمد إذن قوته من ماذا؟ من الحرارة التي يحملها، أخذها من فوق المُحيطات، فإذا فقدها بمروره على اليابسة أو بارتطامه باليابسة يضعف يضعف يضعف ويتلاشى حتى يموت.

هناك أنواع من الإعصارات غريبة جداً، كالإعصار الذي ضرب الكاريبي Caribbean واسمه جورج Georges، طبعاً إذا سمعتم بأي إعصار يُعطى اسم بشر أو اسم إنسان فهذا إعصار من النوع البارق المُمطِر الراعد، ليس إعصاراً حلزونياً، إنما من النوع الأول، وهو أعنف الأعاصير، هكذا اصطلاح علمي! يُعطونه أسماء بشرية، مثل إعصار جورج Georges، هوغو Hugo، بولين Pauline، وأمثال ذلك، أسماء كثيرة! فهذا الإعصار مكث أحد عشر يوماً، وأحدث دماراً هائلاً، لماذا؟ مأمور كما قال النبي، كان كلما مات وتلاشى يعود إلى المُحيط ويتزوَّد من جديد ثم يعود، وهكذا! لعنة مُستمِرة لأحد عشر يوماً.

هناك إعصار ضرب فلوريدا Florida، تسبَّب في خسارات ستة وعشرين بليون دولار أمريكي، الإعصار من النوع الأول يُمكِن أن يُغطي مساحة تُساوي نصف مساحة الولايات المُتحِدة الأمريكية كلها، إعصار واحد! قوة مُدمِّرة مُخيفة، أي لا تُقارَن به كل قوى جيوش العالم مُجتمِعة، فلو سيَّره الله وأمره الله – عز وجل – وكلَّفه بأمر هل يقوم له أحد؟ هل يقوم له شيئ؟ هذا أمر الله!

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن نكون من المُذعِنين لأمر الله، المُسلِّمين له، والمُحتسِبين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أيها الإخوة:

وإذا كان ابن آدم الذي صدق الله وأخلص له أقوى من الريح فهل يُمكِن أن تُسخَّر هذه الريح مرة له؟ طبعاً، لأنه أقوى وأكرم على الله من هذه الريح، من هذه القوة! ولذلك سُخِّرت هذه الريح لمَن؟ لنبي الله سُليمان، سخَّرها بالغدو وبالرواح، مُسخَّرة له حيث أمر وحيث أراد رخاءً.

وتذكَّرت على التو قصة لشيخ الإسلام العز بن عبد السلام حين جاء جيش من جيوش الفرنجة إلى دمياط، وكان هو فيها رحمة الله تعالى عليه ومعه جُملة من مشايخ مصر ومشايخ الإسلام، فخرج شيخ الإسلام – الإمام الجليل العز بن عبد السلام المُلقَّب بسُلطان العلماء – وابتهل إلى الله عز وجل، ثم رفع يده المُبارَكة وأشار إلى الريح، قال يا ريح دمِّريهم، يا ريح خُذيهم، فهبت ريح عاتية أتت على سُفتهم فلم تُبق منها شيئاً وحصل النصر، شيئ غريب، كالأساطير وكالمعاجز التي تحدث للأنبياء، لأنه رجل صدق الله تبارك وتعالى، فصدقه الله عز وجل، سخَّر الله له هذه بدعوة وبابتهال صادق إلى الله تبارك وتعالى.

اللهم أصلِحنا وأصلِح بنا، واهدنا واهد بنا، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.

__________

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(26/1/2007)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: