إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُجاهِدين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى من قائل – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ۩ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ۩ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ۩ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.

أيها الإخوة والأخوات:

قد يجد بعضنا – أعني من الذين تربوا في البلاد العربية أو الإسلامية بعامة على الطريقة التقليدية – حرجاً في تناول موضوعات من قبيل هذا الموضوع الذي شرعنا فيه الجُمعة السابقة، أعني موضوع الحُب، وبالذات الحُب بين الزوجين، وهذا الحرج لا يجد من تراثنا الديني الأصيل ما يُبرِّره، هو حرج يعكس كم النفاق والرياء والكذب والتخلف في التعبير عن عواطفنا وأفكارنا، بل أيضاً التخلف في الانسجام مع فطرتنا، التي فطر الله – تبارك وتعالى – الناس عليها، هذا كل ما هنالك.

نحن أيضاً نزولاً على هذه الأعراف والتقاليد العليلة يجد أحدنا حياءً عظيماً أن يعرف رجل غريب أو إنسان غريب اسم زوجته، عند بعض الناس هذه تُشكِّل كارثة، تُشكِّل مُصيبة، وأيضاً هذا تصرف أو منزع لا معنى له بتة، وإلا فنحن جميعاً نعرف أمهات المُؤمِنين، بأسمائهن واحدة واحدة، هكذا أسماء مُجرَّدة، عائشة، خديجة، وجويرية، إلى آخره.

أكثر من ذلك أن تراثنا الديني العتيد من مصادره الصحيحة يُنبئنا ويُخبِرنا عن قصة حُب مُمتَدة – لم تكن سنة أو سنتين أو شهراً أو شهرين – بين أعظم خلق الله، بين القدوة والأسوة للعالمين، وبين أم المُؤمِنين خديجة – رضوان الله تعالى عليها -، أنا أنظر إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – من هذه الزاوية فأرى أنه الأُنموذج العالي الماجد الباذخ الذي يعكس عفوية الإنسان، صدق الإنسان، انسجام الظاهر مع الباطن، انسجام العقل مع العاطفة، انسجام الهُدى السماوي مع المسلك البشري في دنيا الناس، هو رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

لقد كان يُعبِّر عن حُبه الجم الذي يطوي عليه جوانحه لأم المُؤمِنين خديجة – رضوان الله تعالى عليها – بأكثر من أسلوب وبأكثر من طريقة، وتناولنا هذا، وكلكم تعرفونه، تعرفون ما ورد في هذا الباب من أحاديث صحيحة، ولخَّص النبي ذلكم كله بقوله لقد رُزِقت حُبها، كأنه جعل حُبها قدراً مقدوراً، من الله، عطية! مع أن الأمر أوسع من ذلك، لقد رُزِقت حُبها، هكذا يقول، وتعبر هذه الكلمة النبوية جدار خمسة عشر قرناً، لكي نتلوها اليوم هنا، في هذا المقام الشريف، لقد رُزِقت حُبها، أينا يستطيع أن يقول لقد رُزِقت حُب زوجتي؟ يُنظَر إليه بالشنآن وبالتنقص، على أنه نصف رجل، كسر رجل، كيف يقول ذلك؟ أيتغزَّل بزوجته؟ طبعاً نفوس مُلتاثة، عادات وتقاليد قبيحة، ليست بارئة، معلولة، لا نستطيع أن نُفسِّر ولا أن نصف بالضبط وبالتدقيق كيف تسللت هذه الأشياء إلى تراثنا، وأصبحت عادات وتقاليد، للأسف طمست أنوار الدين، طمست هذا الهُدى السماوي الرفيع الماجد.

وأما عائشة – رضوان الله تعالى عليها – فقد سُئل هكذا سؤالاً مُباشِراً من عمرو بن العاص، يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال هذه، وأشار إليها، هذه! وكانت تجلس إلى جانبه، هذه أحب الناس إلىّ، قال من الرجال، أنا لا أعني من النساء، قال أبوها.

عن عروة بن الزُبير – رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما، وعن أصحاب رسول الله أجمعين وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين -، قال كان أصحاب محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – يعلمون حُبه لعائشة، فكان أحدهم إذا أراد أن يُهدي إليه تلبَّث – أي انتظر – بهديته يومها، أي اليوم الذي يكون فيه الرسول عند عائشة، أي نوبة عائشة، لأنه كان له تسع نسوة، فهم يتلبَّثون وينتظرون بهذه الهدية نوبة عائشة، في رواية ابتغاء مرضاة رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، لأنهم يعلمون أنه يكون أرضى وأفرح وأسعد إذا أُهديَ إليه وهو في بيت عائشة، الله أكبر! يعلمون ذلك، كل المُجتمَع المُسلِم يعلم  ذلك، كل الصحابة يعلمون أنه يهوى عائشة، يُحِبها، ويُتابِعها في هواها ما لم يكن إثماً.

في الحديث الصحيح – في البخاري ومُسلِم – تعلمون ما وقع من قصة حجتها وعُمرتها، هي لم تعتمر وبكت، سألها النبي، قالت يا رسول الله يعود الناس بحجة وعُمرة، وأعود بحجة؟ فسألها أنتِ لم تعتمري؟ قالت كلا، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم، لكي تعتمر، زاد الإمام مُسلِم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال وكان – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – رجلاً سهلاً، ليس مُتزمتاً، ليس مُتخشِّباً، كبعضنا يلبس جاكيتاً Jacket من جبس كما يُقال، الرجل رصين رزين مُتخشِّب.

بالمُناسَبة الدراسات النفسية المُعمَّقة لكبار علماء النفس الذين خبروا أغوار المرأة تقول إن المراة تنظر إلى رجل كهذا – داخلياً وليس ظاهرياً أو باطنياً وليس ظاهرياً – نظرة عطف ونظرة رثاء، يظهر أنه طفل صغير، يُمثِّل دوراً ليس له، لماذا هذا التزمت وهذا الترصن الزائف؟ رسولك لم يكن هكذا، كان رجلاً سهلاً – يقول جابر -، إذا هويت شيئاً تابعها عليه، تُحِبين هذا وأنا معكِ أيضاً، لا تُوجَد مُشكِلة.

ولذلك في الصحيحين – في البخاري ومُسلِم – أيضاً لما جاءه رجل وسأله يا رسول الله إني أُريد الخروج في جيش كذا وكذا – أي غازياً مُجاهِداً، هذا جهاد في سبيل الله – وامرأتي تُريد أن تحج وتُريديني أن أخرج معها، قال اخرج معها، اترك الجهاد واخرج مع زوجتك، حقِّق لها هذه الرغبة، لماذا؟ بعض الناس يعتب، يعتب على مَن يُحدِّثهم حديثاً كهذا، لأنهم بزعمهم مشغولون بأعباء الإسلام والدعوة، ولتذهب النساء إلى الجحيم، ليس للمرأة أن تُطالِب بأي شيئ من حقها، الوقت كله للآخرين، لأصدقائي، لإخواني في الله، وللمساجد، أما الأهل، أما الزوجة والأبناء – الأولاد والبنات -، فليس لهم وقت، لأننا مشغولون، وهذا غير صحيح!

أيها الإخوة:

لو كان لأحد من العالمين أن يُشغَل عن أهله وعن مُلاطَفتهم وعن مُلاينتهم وعن إبراز مقدار حُبه وهواه لهم – لماذا؟ أن يُشغَل عنهم بأسباب تُبرَّر له ذلك – لكان ذلكم وذلكن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، لماذا؟ أعباء الرسالة، أعباء النبوة، وأعباء الدولة، بل أعباء الحضارة، أعباء الدولة سلماً وحرباً، وأعباء تربية العالمين، النبي لم يُرب أسرة، كان يُربي أمة، وهو يرى نفسه بمنزلة الوالد، وكان يقول لهم أنا منكم بمنزلة الوالد من الولد، أنا لكم والد، للأمة جميعاً! ولذلك كانت أزواجه أمهات المُؤمِنين، هو أبونا، وهن أمهاتنا – رضوان الله عليهن أجمعين -، ومع ذلك لم يشغله شيئ من ذلك ولا ذلكم كله عن ماذا؟ عن أن يُلاطِف أزواجه، عن أن يُسابِقهن، وتعلمون حديث مُسابَقته لعائشة، يتسابق معها، تجري ويجري، أينا أسرع؟ مَن؟ رسول الله، ليس شيخاً بلحية وبعمامة أو حتى بجاكيت Jacket أبداً، رسول الله! أعظم خلق الله، هكذا.

فأمره أن يخرج معها، أمره بهذا، عثمان بن عفان – وكان ختنه، كان صهر رسول الله، عليه الصلاة وأفضل السلام – لما اعتلت زوجته – بنت رسول الله، رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها وعليها السلام – وكانت وقعة بدر اشتغل بتمريضها، رأى أن اشتغاله بتمريضها والقيام عليها ربما يكون أولى من الخروج في أعظم معارك الإسلام طراً، وهي بدر، يوم الفرقان، وفعلاً عثمان بن عفان – عليه الرضوان والرحمة – لم يشهد بدراً.

وفي الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال له لك يا عثمان أجر مَن شهد بدراً وسهمه، وأسهم له في الغنيمة، لماذا؟ لأنه قام على زوجته يُطبِّبها، جبر كسرها، جبر قلبها، لم يشغله شيئ من ذلك عن أن يُؤدي حق الزوجة، وهكذا كان النبي.

هناك ما هو أغرب من ذلك، يقول أنس فيما أخرجه مُسلِم في صحيحه، يقول أنس كان لرسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – جار فارسي طيب المرق، أي يصنع حساءً طيباً، قال طيب المرق، فصنع لرسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – يوماً هذا الحساء، صنع له هذا الحساء أو هذا المرق، وجاءه يدعوه، يا رسول الله تعال معي، شرِّفني، تعال معي إلى بيتي، قال وهذه؟ يُشير إلى عائشة، هذه تذهب معي، وذلكم طبعاً أو بالطبع قبل أن يُفرَض الحجاب، والحجاب على الصحيح من خصوصيات أمهات المُؤمِنين، الحجاب بهذا المعنى من خصوصياتهن – رضوان الله تعالى عليهن -، وهذا مبحث فقهي طويل، على كل حال قال وهذه؟ قال لا، الفارسي قال لا، أنا صعنت هذا لك، النية! انظروا إلى الإخلاص، حياتنا كلها نفاق، وكلها كذب، كلامنا نفاق، مُجامَلاتنا كلها كذب في كذب، إلا مَن رحم الله، نفاق – والعياذ بالله -، وهذا لا يُنافِق سيد العالمين، لا! أنا في نيتي أنني أدعوك وحدك، لأنه يطلب الأجر بذلك، لم يجعل في نيته أن يدعو أم المُؤمِنين، أمه! قال لا، قال لا، أي النبي، إذا لا فأنا لا أيضاً، لا أذهب معك، أُحِب أن تذهب معي عائشة، الله أكبر، ما هذه المُلاطِفة؟! ما هذه الأخلاق العالية؟! ما هذه العواطف الرقيقة؟! 

أعظم مُحِب – عليه الصلاة وأفضل السلام -، نعم! وهو الذي قال – شهد لنفسه كما عند ابن ماجه – خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله، أنا أحسن رجل يُعامِل أزواجه، نعم! أحسن رجل يُعامِل أزواجه، ولذلك لما أذن للرجال في ضرب النساء بعد أن نشزت النساء وصار أخلاق الكثيرات منهن أخلاقاً سيئة رديئة – لأن النبي نهى عن الضرب، ثم أذن بعد ذلك في الضرب – طاف ببيته سبعون امرأة في ليلة واحدة، كلهن يشتكين ضرب أزواجهن لهن، فقال النبي لقد طاف البارحة أو الليلة بآل محمد سبعون من النساء يشتكين ضرب أزواجهن، إن أولئكم ليسوا بخياركم، نعم أنا أذنت، لكن الذين أخذوا بهذا الإذن وضربوا ليسوا خيار الرجال وليسوا خيار المُسلِمين، فلتعلموا هذا، لأن بعض الناس يتشبَّث، أن هذا مشروع، الله جوَّز ذلك، لكنه لم يُحبِّذ فضلاً عن أن يُوجِبه عليك، قال إن أولئكم ليسوا بخياركم – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

على كل حال قال وهذه؟ قال لا، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا، ثم عاد يدعوه المسكين، أي الفارسي، يا رسول الله نذهب إلى الغداء؟ قال وهذه؟ قال لا، لا تُوجَد نية، صدق! لا يُوجَد نفاق، لا يُوجَد كذب، لا يُوجَد عشرون وجهاً وباطن واحد – والعياذ بالله -، لا! هذا غير موجود، وجه واحد وباطن واحد وكلمة واحدة، صدق وإخلاص، بها – عليهم الرضوان والرحمة – كانوا خير أمة أُخرِجت للناس، قال لا، قال النبي لا، ثم عاد يدعوه الثالثة، يا رسول الله نذهب إلى الغداء؟ قال وهذه؟ قال نعم، قال فنعم، أي النبي، يقول أنس فقاما يتدافعان إلى منزله، أي يمشيان بسرعة، عائشة والنبي، أخرجه مُسلِم في صحيحه، هذا ليس حديث الأساطير أو الخراريف والحكايا، إنه حديث صحيح، هكذا كان حرصه على أن يُدخِل السرور على قلب زوجه – رضيَ الله عنها وأرضاها، وصلى الله على مُعلِّم الناس الخير -.

أُريد أن أقول الآتي بعد هذه المُقدِّمة التي أحسب أنني أردت أن أُشرعِن بها موضوعي للأسف، وهذا المدخل في نظري ليس مدخلاً مُستحسَناً، أي لابد أن نأتي بالنصوص لنُشرعِن الحديث في قضية من أكثر القضايا شرعيةً، قضية الحُب بين الزوجين، قضية العلاقة الزوجية، وطبعاً الحُب لابد أن يكون قبل الزواج، ليس بين الزوجين، الحُب كقيمة، كتعاطي، وكاستجابة لابد أن نُعوِّل عليه من مرحلة الطفولة، ولذلك الذي لا يستطيع أن يلتقط رسالة الحُب، رسالة التقدير، وهذه الاستجابة النبيلة العالية من أبويه، لا يستطيع من بعد أن يكون زوجاً مُحِباً أبداً، سيكون مُعوَّقاً أو مَعُوقاً نفسياً ومَعُوقاً عاطفياً، ولذلك لن يُجديه حتى ذكاؤه، بعض الناس يكون في أعلى مُستويات التحصيل العلمي، مُعدَّل الذكاء عنده أو مُعامِل الذكاء يُسجِّل أكثر من مائة وعشرين نُقطة ربما، أي عبقري هذا، ولكنه مَعُوق عاطفياً، وهناك شيئ يُعرَف الآن في علم النفس الحديث والحديث جداً بالذكاء العاطفي، أي الــ Emotional intelligence، الذكاء العاطفي لا يتميَّز به كل الناس، قد تجد إنساناً بسيطاً – أي مُتوسِّط الذكاء أو فوق المُتوسِّط – لكنه ذكي عاطفياً جداً، يستطيع ماذا؟ يستطيع أن يقرأ الرسالة، الرسالة غير المنطوقة، أي الــ Non-verbal message، هناك رسالة غير منطوقة، كيف؟ في رنة الصوت، في النغمة، في توتير الكلمات، في التفاوت الانفعالي، في الوجه، في شكل الحاجبين، وفي حركات الجسم، كل هذه رسائل أيضاً لا يقرأها إلا الأذكياء، وخاصة إذا كان من المُقرَّبين إليك، من الزوجة، من الابن، من البنت، ومن أصدقائك، من الناس المُقرَّبين لابد أن تقرأ هذه الرسالة.

الشخص الذكي بإزاء الشخص الذي يفشل أن يُعبِّر عما يشعر به بشكل نُطقي أو صوتي – أي Verbal – وبشكل جيد يستطيع أن يقرأ المشاعر الحقيقية لهذا الشخص الفاشل تعبيرياً، كيف؟ بالكيفية التي أراد أن يُعبِّر بها، الكيفية البدنية، الكيفية غير المقروءة، وهناك تجربة بالمُناسَبة من أغرب التجارب في علم النفس الحديث، قام بها رجل وهو أستاذ عالم في علم النفس، هذا الأستاذ العالم هو روزنتال Rosenthal – أي روبرت روزنتال Robert Rosenthal – في جامعة هارفارد Harvard، أجرى اختباراً حديثاً أسماه البونس، أي الــ PONS، اسمه  Profile of Nonverbal Sensitivity، أي الحسّاسية لغير المقروء، اختبار عجيب جداً وحديث جداً، وهو تسعينياتي، أي هذا الاختبار.

أجراه على أكثر من سبعة آلاف فرد، في أمريكا وفي ثماني عشرة دولة، كيف تم هذا الاختبار؟ أتى بمجموعة من شرائط الفيديو Video – شرائط مُتحرِّكة – لشخصية واحدة، لفتاة أو لامرأة، كل مشهد يُعبِّر عن حالة وجدانية وعاطفية واحدة بطريقة لا ينقصها الغموض، لماذا؟ لأن التعبير ليس Verbal، ليس صوتياً، ليس بالنطق، فقط بالشكل – كما قلنا -، وحتى أحياناً بلون البشر وبحركات الجسم، دون أن يكون مصحوباً – أي دون أن يكون هذا التعبير مصحوباً – بأي وسيلة أُخرى، تُسمى قناة تعبيرية في علم النفس، أي بأي قناة تعبيرية أُخرى.

وبعد ذلك – ومُدة الاختبار خمس وأربعون دقيقة – تبيَّن أولاً أن النساء أقدر في قراءة هكذا رسائل من الرجال، المرأة في تحسسها العاطفي أذكى بكثير من الرجل، ولذلك هي باطنياً أقوى وأعمق من الرجل، الرجل عُمقه الباطني ضحل للأسف الشديد، وأما المرأة فعُمقها الباطني عميق جداً، ولذلك تستطيع أن تُسجِّل أدنى التغيرات في ماذا؟ في مسار زوجها العاطفي، دون أن يشعر المسكين، ويحسب أنه يخدعها وأنه يُمثِّل عليها، تستطيع أن ترصد ذلك بدقة مُتناهية، وهو لا يستطيع ذلك، ولذلك قلما نسمع عن الزوجة المخدوعة، لكن كثر أن سمعنا عن الزوج المخدوع، لأن أعماقنا الباطنية إلى حد ما ضحلة.

المُهِم – لذلك التحليل حتى الاجتماعي والتاريخي والأنثروبولوجي أيضاً طويل – النساء أقدر من الرجال، ثانياً في مُدة هذا الاختبار – خمس وأربعون دقيقة فقط – ما الذي حصل؟ حصل تطور كبير في ذكاء هؤلاء المُختبَرين عاطفياً، بحيث أن علاقاتهم بعد ذلك أصبحت أكثر سويةً وأكثر حميميةً مع شركائهم ومع أزواجهم، بعد خمس وأربعين دقيقة! وكانت النتيجة المُذهِلة أن الذكاء العاطفي وهو مهارة إنسانية مُتميِّزة جداً استجابة قابلة للاكتساب، يُمكِن أن تُكتسَب، ومن هنا سأبدأ خُطبة اليوم، هذه البداية الحقيقية، كيف؟

بعض الناس لا يُدرِك هذا، وأنا أُريد طبعاً من هذه الخُطب – كما قلت في الخُطبة السابقة – نتائج عملية، وقد لمسنا بعضها – بحمد الله – ونحن سعيدون جداً أو كل السعادة بذلك، نُريد نتائج عملية، فيلسوف الإسلام محمد إقبال والشاعر الكبير يقول ليس كل مَن درس النحل أكل العسل، ليس كل مَن درس النحل أكل العسل! طبعاً هناك دارس كبير في النحل أو مُتخصِّص وبروفيسور Professor في دراسة النحل، لكنه لا يأكل العسل، إذن نحن سؤالنا الآن وتحدينا كيف نأكل العسل بعد أن درسنا النحل؟ بعد أن درسنا الحُب أو نُحاوِل أن ندرس هذا الحُب النبيل السامق كيف يُمكِن أن نعيش الحُب كتجربة حقيقية؟ كيف يُمكِن أن تستحيل حياتنا إلى سعادة مُتصِلة وسعادة مُمتَدة؟

ولذلك لك أن تتساءل متى تستحيل المعرفة حكمةً؟ والجواب حين تجد الطريق إلى العمل، متى تستحيل المعرفة حكمةً؟ متى؟ ما الفرق بين المعرفة والحكمة؟ ليس كل عارف حكيماً، تستحيل المعرفة إلى حكمة إذا وجدت سبيلها وطريقها إلى العمل، إلى أن يُعمَل بهذا، هذا هو التحدي اليوم.

ولذلك نبدأ من هذه النُقطة، الذكاء العاطفي مُكتسَب وهو جوهر الحُب، لماذا؟ لأن مُؤشِّر الحُب – أي Index الحُب كما قلنا في الخُطبة السابقة – هو ماذا؟ القدرة على أن تتقمَّص عواطف الآخر، هناك بعض الناس يتفهَّم عواطف الآخر، أي الــ Sympathy، هذا اسمه، هذا يُدعى Sympathy، أي العطف، الترجمة الدقيقة هي العطف، وهناك ما هو أعلى من الــ Sympathy، وهو الــ Empathy، الــ Empathy هو التعاطف، وهو التقمص العاطفي والتقمص الوجداني، بحيث أنك تستطيع أن تفهم عواطف الآخر وأن تعيشها، أن تعيش عواطف الآخر! أعلى درجة من درجات التوافق العاطفي، لكن أن تتفهَّم أن الآخر حزين مكروب مقبوض مُكتئب ومُهتلَك مشاعرياً فهذه عملية يُمكِن أن تحدث أو يُمكِن أن يُحقِّقها كثير من الناس، لكن أن تتقمَّص مشاعر الآخر فهذه أعلى درجة من التوافق والمُشارَكة، هذه هي الــ Empathy أو التعاطف وليس العطف، هذه هي التعاطف، وهذه جوهر الحُب، مُؤشِّر الحُب الأول، مُؤشِّر الحُب ضمن مُؤشِّرات كثيرة، لكن هذا هو الجوهر.

هل يُمكِن اكتساب هذا؟ أثبتنا قُبيل قليل أن هذا مُكتسَب، يُمكِن أن يُكتسَب، ولذلك سأبدأ – كما قلت لكم – من هذه النُقطة، لن نستطيع أن ننجح في حُبنا لأزواجنا أو هن أيضاً أن ينجحن في حُبهن للأزواج ما دامت فكرتنا هي ذات الفكرة عن الحُب، فكرتنا خاطئة في العموم للأسف، المفاهيم والمُدرَكات التي تلقيناها حول هذه الفكرة السامية النبيلة خاطئة بالمرة تقريباً، كيف؟ يُقال الحُب من أول نظرة، وقع في الحُب، وطب في الحُب، أي وطب على وجهه في الحُب، فالحُب في تصورنا وفي وعينا شيئ يسكن القلوب أو يسكن الأفئدة سكوناً كمونياً، أي Potential، يسكن سكوناً كمونياً، هو كامن، موجود بالقوة وليس بالفعل، ينتظر ماذا؟ ينتظر الحبيب، ينتظر المحبوب الذي ستقع مُباشَرةً وتطب على وجهك في حُبه حين تراه، وهذا كلام فارغ، علمياً هذا كلام فارغ وغير صحيح مُطلَقاً، وهناك تفسير علمي مُعمَّق ومقبول إلى حد ما للحُب من أول نظرة، يجعله شيئاً غير ما نتخيَّل، غير ما نتخيَّل بالمرة، وأكثر هذه القصص عن الحُب من أول نظرة تنتهي بالفشل بعد الخبرة، فالقضية ليست قضية حُب من أول نظرة.

الحُب من أول نظرة ووقع في الحُب تعني أن الحُب ماذا؟ ليس مُكتسَباً، استجابة ليست مُكتسَبة، استجابة فطرية جاهزة موجودة وناجزة، فقط تبحث عن الطرف الآخر، وهذا التعبير أو هذا التصور – البحث عن الطرف الآخر، البحث عن الحبيب أو عن المحبوب – في نظري هو منزع سلعي في التعاطي مع هذا الأمر اللطيف والشريف جداً، أمر العواطف! أرق ما فينا، العواطف هي أرق ما فينا وألطف ما فينا، وكما قلت لكم في الخُطبة السابقة الذي لا يتميَّز بهذه العاطفة الرهيفة الدقيقة والنبيلة من الصعب جداً أن يكون إنساناً، ومن الأصعب أن يكون إنساناً مُؤمِناً وعبداً ربانياً لله.

أذكر في هذا المعرض قصة، أود أن ذكرها على سبيل الإيجاز، للعالم السوري والفقيه الشهير والمُفكِّر الإسلامي أيضاً الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، قصة لطيفة جداً، قال بعد أن أنجزت دراساتي الشرعية العُليا إذا بأبي يقول لي يوماً يا ولدي أُريد أن تكتب لي موضوعاً، قلت أكتب لك، توقَّع أن يكتب في أصول الفقه، وهو مُتخرِّدج في أصول الفقه من الأزهر الشريف، فقال لي لا، اكتب عن الحُب، قلت ماذا؟ قال عن الحُب، قلت لا أستطيع، لا أعرف هذا، فغضب غضباً شديداً، وقال إن لم تفعل فستسوء – بمعنى الكلام – العلاقة بيني وبينك، اكتب! لماذا؟ يعلم هذا الشيخ – أي أبوه العالم الفقيه والولي، وقد كان من كبار أولياء الله في سوريا، رحمة الله عليه رحمةً واسعةً، وكان رجلاً جليلاً، يحترمه حتى الرئيس السوري، إلى أدنى رجل في دمشق أو في سوريا، مُحترَم من الجميع، رحمة الله عليه، من كبار أولياء الله، عالم فقيه زاهد ورع تقي ومُستقيم – أن ابنه إذا لم يتحرَّك قلبه بهذه العواطف الرقيقة النبيلة سيكون مُؤمِناً فاشلاً، مُؤمِناً خشيباً، ومُؤمِناً جافاً.

قال ولم أفهم، حتى مرت سنتان بالكامل، وبعد ذلك بدأ قلبي ينبض، في ظروف مُعيَّنة مر بها نبض قلبه، قال وبدأت أكتب ولأول مرة أستشعر بهذه المعاني، ولما أطلعته على ما كتبت علت السعادة والرضا أساريره، طبعت مُحياه الشريف – رحمة الله عليه -، وقال يا بُني الآن إن مت أموت وأنا مُطمئن عليك، لقد أصبحت إنساناً، ليست المسألة – كما أقول لك دائماً – أن تأخذ مظهر رجل دين وعالم دين، المرأة ترتدي الحجاب، والرجل يرتدي لحية، كلا! ليست هذه المسألة، المسألة أن تكون عميقاً، البُعد الجواني الباطني لك يكون عميقاً حقيقياً، هذا لا يكون بالكلام ولا بالمواعظ ولا بالخُطب ولا بحفظ الأحاديث والنصوص، يكون بالتجربة الروحية والتجربة العاطفية الحقيقية.

مَن لم يعرف محبة الناس على وجه صحيح مُستحيل أن يُحِب الله – تبارك وتعالى -، ومثل هذا الشخص لا يُحِب إلا شيئاً واحداً، لا يُحِب إلا نفسه، الشخص النرجسي، الذي يدور فقط حول نفسه، ولا يستطيع أن يستشعر الآخرين، فهذه فكرة خاطئة، والحق – كما قلت لك – هذا المنزع منزع سلعي، لماذا؟ اليوم أنت تُريد أن تشتري قميصاً أو بزةً جديدةً أو جاكيتاً Jacket أو بنطالاً أو سيارةً أو أي شيئ، تذهب إلى المعارض، والخيار بين العشرات أو المئات، التفضيل أو سلم التفضيل واسع جداً جداً في لُغة الاقتصاديين، تستطيع أن تختار هذا أو هذا أو هذا أو هذا، ولكنك لا تستطيع أن تختار مَن تُحِب بهذه الطريقة، تذهب لتبحث عنه! لكنك تقول إن الحُب شيئ كامن وينتظر وأنت تبحث عن الشريك المُناسِب، ومعنى ذلك أنك تتحرَّك بمنطق رأسمالي وبمنطق سلعي، وهذا غير صحيح.

ولذلك العلاقة الزوجية حتى – أنا أُؤمِن بهذا – قد تبدأ بحياد عاطفي، سرعان أن يستحيل – أي يتحوَّل – هذا الحياد العاطفي إلى ماذا؟ إلى حُب مُفعَم جليل حقيقي، ينمو ويكبر مع الأيام، لماذا؟ لأن الحُب استجابة تُحصَّل بالاكتساب كما قال أحد العلماء الكبار المُتخصِّصين – أصبح مُتخصِّصاً في الحُب – وهو ليو بوسكاليا Leo Buscaglia، وهو عالم أمريكي من أصل إيطالي، هذا الرجل عقد ستة فصول دراسية مجانية وغير إلزامية في جامعة أمريكية، ليدرس مُشكِلة الحُب، التي اعتقد ألفرد إدلر Alfred Adler مُؤسَّس علم النفس الفردي أنها إحدى ثلاث مُشكِلات، تقوم في رأس كل مشاكل العصر، وهي مُشكِلة العقاب الاجتماعية، مُشكِلة كسب العيش، ومُشكِلة الحُب.

فبوسكاليا Buscaglia لماذا عقد هذه الفصول الستة غير الإلزامية؟ لأن طالبة مُتفوِّقة – أكثر طلّابه تفوقاً – انتحرت في لحظة دون أن تترك حتى رسالة واحدة، وكان يبدو عليها أنها سعيدة، وأما تفوقها فهو بادٍ للجميع، فاهتز هذا البروفيسور Professor اهتزازاً عميقاً، وقرَّر أن يفهم لماذا، وعلم أن السر يكمن في أن هذه الفتاة كانت لا تجد التعاطف الحقيقي مِمَن حولها، فاستحالت الحياة أضيق من سم الخياط، استحالت الحياة جحيماً حقيقياً رُغم الإنجاز والنجاح الجامعي، هذا غير كافٍ، هذا غير كافٍ فقرَّرت الانتحار.

المُهِم هذا الرجل يقول – أي بوسكاليا Buscaglia يقول – لقد أثبت علماء النفس والأطباء النفسانيون وعلماء الأنثروبولوجيا Anthropology أو علماء الأناسة وعلماء الاجتماع والتربيون وغيرهم في دراسات يصعب أن تُحصى أن الحُب استجابة تُحصَّل بالاكتساب، الحُب ليس ناجزاً وليس موجوداً هكذا، يُمكِن أن تكتسبه اكتساباً، وكما قلت لكم هذا هو التحدي اليوم، كيف يُمكِن أن نكتسب هذه الاستجابة؟ لأن بعض الناس للأسف – كما قلت لكم – على خلفية خاطئة وغير علمية يقول أنا لم أُرزَق حُب هذه المرأة، أنا لا أُحِب هذه الزوجة، هل هي خائنة؟ يقول لا، أعوذ بالله، معاذ الله، شريفة عفيفة، هل هي ناشز؟ يقول لا، ولكن لا أشعر نحوها بشيئ، لأنك لم تُمارِس مُحاوَلة بلورة وإيجاد مثل هذا الشعور، طبعاً جداً ألا تشعر بأي شيئ.

سأقول لكم شيئاً أعجب من ذلك، وهو بُرهان علمي واقع على أن الحُب يُكتسَب، ما هو؟ مُشكِلة الأولاد – بنات أو أبناء – الذين قضى أبوهم – مثلاً – مُدة أعمارهم في السجن، وقد شاهدنا برنامجاً في قناة الجزيرة أعتقد قبل سنة أو سنتين مأسوياً، عن هذه المُشكِلة، مُشكِلة الأسرى الفلسطينيين، الذين قضى – كما قلت – أبوهم مُدة أعمارهم في السجن، أي الرجل كان في السجن والولد عمره سنة أو ستة أشهر أو أقل أو أكثر بقليل، وهذا خرج الأب بعد عشرين سنة أو بضع عشرة سنة، وابنه راهق البلوغ أو تجاوز حتى هذه المرحلة، وكذلك ابنته، ما المُشكِلة؟ في التكيف العاطفي، البنت تقول لا أشعر بشعور حقيقي نحو هذا الرجل، تقول نحو هذا الرجل! مع أنها تعلم أنها من صُلبه ومن مائه، وهو أبوها الحقيقي، لا تعرف أباً غيره، وتسمع عنه دائماً، والأب أيضاً يقول أستحي أن أضم البنت إلىّ، يشعر بأن هناك هُوةً بعيدةً أو فاصلاً بعيداً جداً جداً، وعلماء النفس يتفهَّمون هذا بشكل جيد، وكل واحد منكم يُمكِن ألا يتفهَّم هذا، ويقول لماذا؟ هو أبوها، وهي ابنته، بالعكس! يجب أن يخرج إليها وكله أشواق تحدوه، لكن هذا غير صحيح، لماذا؟ فالأساس البيولوجي أو العضوي غير كافٍ لنمو هذه المشاعر النبيلة، مشاعر الحُب والتعاطف الحقيقي، لابد من الاكتساب، والاكتساب اليومي.

ولذلك أقول لكم حتى لا أنسى نصيحة مُهِمة جداً، عليكم دائماً – أيها الإخوة الأفاضل والأخوات الفُضليات – أن تُفاضِلوا بطريقة حسنة تربوياً، أي أن تُفاضِلوا بين الأمور بطريقة حسنة تربوياً، كيف؟ مأساة بعض الأسر أن العائل يود ويُريد ويُحِب أن يُكوِّن دخلاً كبيراً جداً، على حساب ماذا؟ على حساب وقت أسرته، هو يفعل ذلك وينجح مادياً ويفشل عاطفياً وتربوياً وأسرياً، يفقد كل شيئ، أليس كذلك؟ أبداً، بالعكس! عليك أن تكون قانعاً أن تعيش نصف رفاهية – لعلي ذكرت هذا في الخُطبة السابقة – أو نصف عيشة، لكن تكون في نفس الوقت ماذا؟ مُتوافِقاً وناجحاً عاطفياً وأسرياً وتربوياً، هذا هو النجاح، هذا هو الإنجاز، وليس العكس، وأنت دائماً ترمي كما يُقال الأمور إلى الأمام، إلى المُستقبَل، تقول بعد سنتين أو بعد ثلاث أو بعد خمس، أُكوِّن ثروة، وأتفرَّغ لأسرتي، ولن يحصل هذا للأسف الشديد، عليك مُنذ البداية أن تكون حازماً وواعياً وأن تتصرَّف بعقلية حقيقية، عقلية الوعي والإدراك، ليست العقلية أيضاً السلعية، عقلية التكميم، وعقلية الرأسماليين، حتى لا تفقد نفسك وتفقد مَن تعول وجعلهم الله ضمن مسؤولياتك، فالحُب إذن يُكتسَب.

النبي يقول أحبب حبيبك هوناً ما، كيف؟ إذن هو يعلم أنه يُكتسَب، يُمكِن أنت أن تعمل على زيادة الحُب كما يُمكِن أن تعمل على إنقاصه، وأبغض بغيضك هوناً ما، يعلم أنها قضية مُكتسَبة، من علائم الإيمان أن تُحِب الرجل، لا تُحِبه إلا لله، فهل أملك أن أُحِب؟ نعم، النبي يعلم أنك تستطيع أن تُحِب، والنبي قال تهادوا، تزاوروا، تحابوا، مُبادَلة الهدايا ومُبادَلة الزيارات تعمل على ماذا؟ المحبة، السلام أو طرح السلام يعمل على ماذا؟ المحبة، النبي يعلم أنها قضية مُتكسَبة، قضية مُكتسَبة يُتوسَّل إليها بأسباب مُعيَّنة، فهذا مُمكِن، هذا مُمكِن على كل حال.

من هذه النُقطة – نُقطة البداية في خُطبة اليوم – سنجعل أيضاً نُقطة أُخرى، ما هي؟ كيف يُمكِن لي أن أكتسب حُباً جديداً بإزاء زوجتي – مثلاً -؟ أنا أشعر أن قلبي لا ينبض تجاهها، بالعكس! وأُحاوِل أن أبحث عن شخصية أُخرى، أو بالأحرى عن أداة أُخرى، هكذا التفسير الأداتي للأسف، طبعاً لأن مثل هذا الشخص ينظر إلى الأمور أيضاً نظراً أداتياً، كأن هذا الذي أمامه ليس من لحم ودم وعواطف وليس كائناً مُركَّباً مثله، وإنما هو أداة، يُمارِس عليها أنانيته العاطفية، أن يجعلها موضوعاً لحُبه، ليس كذلك أبداً، الموضوع أعقد من ذلك وأجل من ذلك أيضاً، وأجل من ذلك!

النُقطة تكون بتغيير الصورة، بدأنا في هذه النُقطة في الخُطبة السابقة، وتحدَّثنا عن أثر اللُغة وتصورات المُبلوَر لُغوياً في تحديد صور الآخر، وطبعاً هناك عوامل أيضاً غير اللُغة كثيرة، المُهِم هو أن النُقطة هي أن تُغيِّر صورة الذي أمامك، يقول أحد العلماء الكبار – من علماء التحليل – الإنسان في العادة لا يتعاطى مع الأشياء والوقائع حسبما تعنيه، وإنما حسب صورتها لديه، أي هذه الزوجة صورتها لديك أنها امراة – مثلاً – ليست ذات جمال، قبيحة، غيري مرزوق بزوجات حسان أو غيد حسان يُذكِّرن بالحور العين، إذن هذه الزوجة لا تستأهل الحُب، لا تستحق الحُب أبداً، هذه بداية خاطئة، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا يفرك مُؤمِن مُؤمِنة، أي لا يُبغِض، لا! المُؤمِن لا يُبغِض، لماذا؟ إن كره منها خُلقاً رضيَ منها آخر، لا تُحاوِل – كما قلت في الخُطبة السابقة – أن تُعتقَل ضمن صورة واحدة نمطية، تُنمِّط بها الشخصية، أبداً! تستطيع أن تُولِّد أكثر من صورة، أنت بوعيك، بإدراكك، وبسموك التعاطفي تستطيع أن تُولِّد أكثر من صورة.

اسمعوا هذه القصة العجيبة، هذه القصة في الحقيقة أبكتني لما قرأتها قبل حين، المُهِم تعرفون الموسيقار الألماني الكبير فيلكس مندلسون Felix Mendelssohn، جده موسى مندلسون Moses Mendelssohn، وهو يهودي ألماني، هذا الرجل جاء يوماً إلى هامبورغ Hamburg لمُقابَلة تاجر سري وثري، وهو من علية القوم، ومن سوء الحظ أو من حُسن الحظ كان برفقة التاجر الهامبورغي ابنة له، تحكي القمر حُسناً وجمالاً ودلالاً وذكاءً، تُدعى  فرومتي Frumtje، نظر إليها مندلسون Mendelssohn، وكان لا ينقصه القُبح والتشوه، كان قبيحاً جداً، أي مندلسون Mendelssohn هذا، وكان إلى ذلكم أحدب، في ظهره حدبة، أي مثل أحدب نوتردام Notre Dame، كان أحدب ومُشوَّه الخِلقة، شائه الخِلقة وقبيح الوجه، فنظر إليها، فأحبها حُباً جماً، وقعت في قلبه، ولكنه طبعاً لم يُفكِّر في تلكم اللحظة أن يبوح لها بعواطفه، مُصيبة! هذا مُستحيل، ولكن قبل أن ينقضي اللقاء الذي استمر بضع ساعات وجد نفسه مدفوعاً بقوة قدرية إلى أن يقف أمام عربتها وأن يسألها مُباشَرةً هل تقبل الزواج منه؟ طبعاً وكما تعلمون النتيجة دون تردد وباستسخار واستنكاف قالت طبعاً لا، غضبت منه جرأة هذا الشائه الأحمق أن يسألها الاقتران بها، وهي مَن هي اجتماعياً وجمالاً ودلالاً وهو مَن هو القبيح الشائه، كيف يجرؤ على ذلك؟ إلا أن ذلك لم يُؤثِّر فيه، رجل مُتميَّز، أقبل عليها مرة أُخرى، وقال لها هل تعتقدين يا سيدتي أن الاقتران بين الزوجين أو بين الشريكين قد تم في الجنة قبل أن يأتي إلى هذا العالم الفاني؟ فقالت بتقزز نعم، أعتقد ذلك، قال وأنا أعتقد ذلك، استمعوا! قال وأنا أعتقد ذلك، ولما خلقني الله في الجنة جاءني ملك الزواج، وكنت شاباً جميلاً وقسيماً ووسيماً، وسأل، سأل الفتيات مَن التي ترغب في أن تقترن بهذا الفتى الوسيم الجميل القسيم؟ فرفعت فتاة يدها على استحياء، قالت أنا، فانتهرها الملك بغضب، وقال لها أنى لفتاة شوهاء مثلك وحدباء أن تقترن بهذا الشاب الوسيم الجميل القسيم؟

قال أما أنا – أي قال مندلسون Mendelssohn – فلم أُطق هذا المشهد، وقلت أيها الملك الرحيم العزيز أتأذن لي أن أمنحها جمالي ووسامتي وحيويتي مدى عمري كله حتى لا تكون بعد ذلك خجلى بين الناس في يوم من الأيام؟! فقال له الملك لك ذلك، قال وهكذا كان يا سيدتي، كانت مُطرِقة برأسها، فرفعت رأسها لترى هذه المرة شاباً ملائكياً، يذوب رقةً ولُطفاً وذكاءً وإنسانيةً، فلم تتردَّد من فورها أن تقبل الزواج منه، مُباشَرةً!

إذن يجب أيها الأخ وأيتها الأخت أيضاً أن تُحاوِل بذكاء، لأن هذا يعكس مُستوى ذكاءك، يعكس – كما قلت – مُستوى نُضجك النفسي، نُضجك الذهني، مدى عظامتك الداخلية، ومدى البطولة فيك – إذا كنتَ بطلاً أو إذا كنتِ بطلة -، ما هو؟ عليك أن تُحاوِل أن تنظر إلى الآخر لتستخلص أحسن ما فيه، أجمل ما فيه، كما يُقال في المثل كُن نحلةً تر الأزهار كلها عسلاً، لو نظرت بعيني نحلة إلى الوجود لوجدت الوجود كله عسلاً، وهذه هي روح الرومانسية، نسمع عن الرومانسية، شخص رومانسي أو فتاة رومانسية، ما هي الرومانسية؟ الرومانسية هي تغليب الجميل على القبيح، واستخلاص أجمل وأحسن ما في الوجود، والنبي أشار إلى هذا بشكل في مُنتهى الروعة، حين قال لا يفرك مُؤمِن مُؤمِنة، إن كره منها خُلقاً رضيَ منها آخر، وهذا المُؤمِن، صاحب النظرة الوسيعة جداً، المُنداحة، والتي تسع الكون ومَن فيه وما فيه، هذا هو المُؤمِن الحقيقي.

فإذن لنبدأ من قضية الصور، وطبعاً هناك نصيحة لإخواني الأزواج أيضاً والعزاب الذين سيتزوَّجون – إن شاء الله – عما قليل وعما قريب، نصيحة مُهِمة جداً في موضوع النقاط لتعديل الصورة – لها علاقة بتعديل الصورة -، انتبهوا! الصورة لا تتعدَّل ما دمنا تحدَّثنا عن الصورة في ظرف يوم أو يومين أو حتى أحياناً شهراً أو شهرين، بعض الدراسات السيكولوجية تُؤكِّد أن الصورة لكي تتعدَّل تحتاج إلى ستة أشهر، انتبهوا! وهذه القضية مُهِمة جداً.

مثلاً هناك زوج نفترض أنه بخيل، وتعلَّم الآن أن يكون كريماً، لكي يستحوذ على قلب أم أولاده، على قلب زوجته وشريكته في الدنيا والآخرة – إن شاء الله -، لا يكفي أن يكرم يوماً ويومين ثم يعود إلى بُخله وكزازته، كلا! عليه أن يُمارِس خُلق الكرم حقيقةً وعلى الأقل بشكل مُستمِر لفترة ستة أشهر، بعد ستة أشهر ليكن مُطمئناً أن زوَّجته كوَّنت له Image أو صورةً جديدةً، أنه الزوج الكريم، لكن شهر واحد غير كافٍ.

كذلك الحال مع الزوج أيضاً العصبي (النرفوز) الذي يثور لأتفه الأسباب، للأسف بعض الناس أيضاً يكون هكذا، وكما قلنا سابقاً هذه من علائم عدم النُضج الانفعالي، يُسمى هذا في العلم التحدي الأرسطي، أي The Aristotelian Challenge، يُسمى التحدي الأرسطي، لماذا؟ لأن أرسطو Aristotle قال في كتابه الأخلاق المشهور، قال أن يغضب إنسان ما أمر سهل، لكن أن يغضب الإنسان من إنسان بعينه، في وقت بعينه، بأسلوب بعينه، ولأهداف بعينها، أي مُناسِبة، فهذا هو السؤال، هذا هو الذي ليس بسهل، هذا الذي ليس بسهل.

فالزوجة – وكما قلت لكم أيضاً هذه نُقطة مُهِمة جداً – التي ترى زوجها كما يُقال حبة ملح على المقلاة في الداخل تحتقره وتستصغره، اعلموا ذلك يقيناً ولا تغضبوا مني، يقيناً تستصغره وتنظر إليه على أنه طفل صغير لا يضبط عواطفه، حتى وإن كانت هي كذلك، لكنها تُقوِّمه هذا التقويم، وهو قد يرى أنه يُعرِب عن عضلاته وبطولته وعن سبعيته وأنه يُخيفها، وهي قد تسكت كسباً لرضاه ودرءاً للمشاكل، إلا أنها في الباطن تستصغره جداً، ليس مثل هذا الرجل الذي تحترمه المرأة، انتبهوا! ولذلك إذا أراد أن يُعطيها صورة أُخرى عنه – أنه الرجل الهادئ وليس الغضوب، الحليم وليس السخوط، الرزين وليس الخفيف السفيه الذي يُحرِّكه كل شيئ ببساطة – فعلى الأقل لابد أن يُمارِس هذا الشيئ مُدة كم؟ ستة أشهر، حتى تتغيَّر الصورة.

الآن – مثلاً – لو بعضكم مات له عزيز أو مات له حبيب ألا ترون معي أنه يرفض صورته ميتاً فعلاً لمُدة طويلة؟ يرفض، ويظل يأتيه في المنام على أنه حي، وهو يتعاطى معه على أنه حي، لماذا؟ قضية الصور، تُسمى قضية التعديل، لا يُمكِن أن تتعدَّل صورة وأن تُستبدَل صورة بصورة إلا بعد فترة زمانية مُناسِبة، مع ماذا أيضاً؟ مع المجهودات والمُكتسَبات والمُنجَزات الجديدة، فعلينا إذن أن نكتسب هذه الفضيلة وهذه الاستجابة الراقية بالمجهودات، بالعرق، وبالفن.

الحُب إذا لم يكن ناجزاً وجاهزاً فهو فن مُكتسَب، كالحياة! الحياة لا تُعطى ناجزة، ولذلك قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث المشهور، قال لا حكيم إلا ذو تجربة، لا يُوجَد إنسان أوتيَ الحكمة إلا بعد ماذا؟ إلا بعد التجربة، فالحياة لا تُعطي نفسها كاملةً ناجزةً، وكذلك الحُب والسعادة أيضاً، لا يُعطيان نفسيهما أو أنفسهما ناجزين جاهزين، لابد أن يُكتسبا، بفن، بمجهود، بعرق، بأساليب، وبدبلوماسية.

هؤلاء الغربيون كما تعلمون وفق خلفيتهم الفلسفية الرؤيوية للعالم وللحياة الدنيا وهي مادية شهوانية حسية وقريبة المأخذ أتقنوا فن الحياة، على هذه الخلفية! نحن – بحمد الله تبارك وتعالى – كمُسلِمين ومُسلِمات لدينا خلفية أعمق بكثير وأعرض وأوسع بكثير، ولكن مُشكِلتنا أننا لا نستطيع أن نُتقِن فن الحياة وفق تصورنا للحياة، تصور سليم ومُمتاز، لكن كيف الطريق إليه؟ ما هي الأساليب؟ ما هي الآليات؟ كيف نفعل ذلك؟ لا نعرف، وهذا بالضبط ما يُسمى في العلم بالأزمة، هذه هي الأزمة، ما هي الأزمة؟ أن يكون الهدف واضحاً والطريق إليه غير مُحدَّد، لا نعرف! فهي أزمة، نُريد كذا وكذا، لكن لا نعرف كيف نصل، نحن مأزومون إذن، نحن مأزومون أسرياً ومأزومون عاطفياً.

أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يمنّ علىّ وعليكم وعلى إخواننا وأخواتنا جميعاً بالوفاق والسعادة والهناء، وأن يُنسِل منا ذُريةً طيبةً مُبارَكةً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                 (الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.

أما بعد، أيها الإخوة والأخوات:

في ظرف دقيقتين أو ثلاث أُريد فقط أن أُعدِّد مُجرَّد تعداد دون شرح بعض النقاط التي إن أحسنا أن نأخذ بها – إن شاء الله – كانت وسائل تُقرِّب جداً بين المُتباعِدين، وتُقرِّب بين القلوب المُتنافِرة، ولعل الله – تبارك وتعالى – يُحِل بها الوئام والمحبة والتعاطف.

على رأسها – أي على رأس هذه النقاط – اللمسة الحانية، ذكرنا في الخُطبة السابقة موضوع التبادل، تبادل الهدايا أو العطايا، ونذكر هنا أيضاً اللمسة الحانية، انتبه! المرأة – كما قلنا – كائن حسّاس رقيق جداً، النبي قال رفقاً يا أنجشة سوقك بالقوارير، شبَّههن بماذا؟ بالقوارير، جمع قارورة، أي القارورة الزجاجية، رهيفة جداً جداً وناعمة، ولعل قلبها إذا انكسر لا يلتئم بعد ذلك، صعب جداً، ولذلك علينا أن نُراعيها بشكل حقيقي.

طبعاً بعض الناس ربما عندهم تجارب زوجية فاشلة، فهذه حياة، فيها الأسود والأبيض والحلو والمالح والمُر أيضاً والحامض، بعض الناس ربما مر بتجارب فاشلة ومُؤلِمة جداً، سيخرج ساخطاً علىّ، يقول هذا الرجل المهبول يُحدِّثنا دائماً عن أنفسنا وعن واجباتنا، لماذا لا يتحدَّث عنهن؟ فهن أيضاً مُجرِمات، وهن مُشاكِسات، لهن حديث طويل – إن شاء الله – في وقته، لأن الجمهور هنا كله من الرجال، فالحديث للرجال، والنساء لهن حديث، وكل شيئ في موضعه وفي وقته – إن شاء الله تبارك وتعالى -.

على كل حال اللمسة الحانية لا تستقل بها، لكن في الوقت المُناسِب والذكي أيضاً، حين تفعل شيئاً تخطب به ودك أو إعجابك، فعليك أن تُعطيها النظرة الحانية التي تشع بالتقدير والإعجاب مع لمسة هكذا على اليد، هذه اللمسة لها دلالة كبيرة عند المرأة، أحياناً الضمة – الضمة في الوقت المُناسِب –  تكون أحسن من ألف هدية، هذه واحدة.

ثانياً التجديد مُهِم جداً، التجديد في نمط الحياة وفي شتى المجالات، أولاً التجديد في الديكور Decor، حتى ديكور Decor البيت جدِّداه معاه أنت وزوجتك، ثانياً التجديد في الأوساط الاجتماعية، أي ثقيل جداً أن يكون لكم فقط بعض الأسر التي ترتادونها باستمرار، غيِّر، تعرَّف على أناس جُدد، زرهم أنت وزوجك، ثالثاً التجديد في الموضوعات، لا تتكلَّموا دائماً في موضوعات بأعيانها، غيِّروا الموضوعات التي تتناقشون وتتحاورون فيها وحولها، هذا يُعطي تجديداً، رابعاً التجديد في الرحلات أيضاً، لماذا؟ أنت تصطنع رحلات مع أصدقائك، لماذا لا تصطنع رحلة لزوجتك؟ أنت وزوجتك، أي شيئ جميل جداً – وجرِّب ذلك، جميل جداً جداً – أن تخرج مع زوجتك – مثلاً – مرة في الشهر أو مرة كل شهرين يا سيدي حسبما تستطيع لكي تتناولا عشاء خارج البيت في مكان مُعيَّن، في مطعم مُعيَّن مُناسِب – مثلاً -، يُناسِب حضور امرأة مُسلِمة مُستعِفة – مثلاً -، أن تبيت ليلتين أو الويك إند Weekend مثلاً – أي عطلة نهاية الأسبوع مثلاً – في فندق – Hotel – في منطقة بعيدة عن فيينا، لماذا لا تفعل ذلك؟ أنت وزوجتك فقط، افعل إذا استطعت ذلك، هذا يُغيِّر الحياة، يُعطيها دافعية جديدة بالمرة، بعضنا لا يفعل هذا، يعيش ثلاثين سنة بنفس الطريق، يعيش بنفس الطريقة! ملل ورتابة، أي لا يجعل في الشريك الآخر أي شيئ تُثير، ولابد أن تُثير هي الحياة، تُثوِّرها من جديد، تُلقي هذه الصخور في بُحيرتها، بهذه الأفعال الجديدة، وهي أشياء غير مُكلِفة، لكنها تُعيد الزوجين عروسين من جديد، كأنهما في أول يوم.

أيضاً هناك مسألة مُهِمة جداً جداً وهي المعية، يقول العلماء جوهر الرابطة الزوجية ليس هو الحُب ولا المسألة حتى البدنية كما تعلمون أبداً، جوهر الرابطة الزوجية هو ماذا؟ المعية، وأنا أقول بالعكس، المعية هي روح الحُب، لا يُوجَد حُب من غير معية، أي Togetherness، يُسمونها Togetherness، أي المعية، ما معنى المعية؟ أن تشعر دائماً أنك وزوج شيئ واحد، كيان تقريباً واحد، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۩، يُوجَد نوع من المعية، نوع من التوحد، وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ ۩، نوع من المعية!

في دراسة غريبة جداً على خمس وتسعين عائلة استطاع القائمون على هذه الدراسة أن يتنبأوا بعد خمس سنوات بأي هذه العائلات سوف يستقر الزواج فيها وبأي من هذه العائلات سوف ينهار الزواج إلى طلاق، وكانت النتائج صحيحة – استمعوا – بنسبة تسعين في المائة، بنسبة تسعين في المائة! النبوءة كانت صحيحة بنسبة تسعين في المائة، هذه ليست نبوءة مُتنبئين، نبوءة علماء النفس والاجتماعيين، كيف عرفوا؟ حين أتوا بهذه العائلات أتوا بها طبعاً عائلةً عائلةً، زوجين زوجين زوجين، ورصدوا لكل زوجين مسافة أو مُدة أربع وعشرين ساعة مُتواصِلة، رصدوا كيفية التعاطي بين الزوجين، الزوجان اللذان يتعاطيان عبارة نحن لدى حديثهما عن تخطيط المُستقبَل والآمال كانت النبوءة تقول إن حياتهما ستستقر، والزوج لا يعلم ذلك، يقول هذا بطريقة تلقائية وضمنية، وأما الزيجات التي كانت تبرز فيها كلمة أنا، أنتِ، أنتَ، وأنا، فكانت النبوءة تقول هذه لابد أن تنحل إلى طلاق، بنسبة تسعين في المائة كانت النسبة صحيحة، لماذا؟ موضوع المعية، يختلف الأمر حين تشعر بعدم الرغبة في الاستحواذ، بعض الناس يُحاوِل أن يستحوذ على الطرف الآخر، يُلغي شخصيته، يُلغي استقلاله، يُريد أن يُذيبه، يُذيب قراره، وجوده، وجهة نظره، مِزاجه، عاطفته، وتوجهه، بالعكس! هذا هو سر الفشل، هذا أُس الفشل، لابد من المعية والتعاطي الجمعي.

هناك التليفون Telephone، حين تكون في العمل ارفع لزوجتك تليفوناً فقط، قل كيف الحال؟ ماذا فعلتم؟ ما شاء الله، هذا التليفون يُذكِّرها بأنها في موضع الذكرى والاهتمام وأنها كما يُقال في بالك وخاطرك، مُهِم جداً جداً، إذا أردت أن تتأخَّر وأنت في زيارة خارج البيت فارفع لها تليفوناً، قل لها أنا سأتأخَّر، معذرةً، سآتي بعد ساعتين، مُهِم جداً جداً هذا، بعض الرجال لا يفعل، يرى أن هذا انتقاص من رجولته، ولا يفعل هذا مما يتسبَّب عنه وينجم عنه مشاكل عائلية كبيرة، ارفع تليفوناً، ذكِّرها بذلك، وهكذا!

طلب حوائجها البسيطة أحياناً وأنت في الطريق، هل تُريدين أن أُحضِر لكِ بعض الأشياء – مثلاً – من الــ Billa أو من كذا؟ أيضاً هذا له وقع طيب على نفسية المرأة، وهناك أشياء كثيرة بسيطة جداً وغير مُكلِفة، يُمكِن أن تُحيل الحياة إلى جنة وإلى فردوس، يقول أحد الأدباء العالميين فُرشاتك في يدك وألوانك معك، ارسم فردوسك وادخل فيه، وإذا لم تُرِد فعليك أن ترسم جحيمك، وأن تحترق فيه.

أنت تستطيع أن تفعل هذا، باختصار أنتَ كاتب سيناريو Scenario حياتك، وأنتِ أيتها الأخت أيضاً كاتبة سيناريو Scenario حياتك، فاكتب السيناريو Scenario كما تُريد ومثِّله كما تُريد.

أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُسعِدنا جميعاً، وأن يُبارِك لنا في أزواجنا، وأن يُبارِك لهن فينا، وأن يُنسِل منا ذُريةً طيبةً صالحةً مُبارَكةً، وأن ينفع بها الإسلام والمُسلِمين، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ۩، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ۩.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(27/6/2003)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: