إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ۩ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ۩ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ۩ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

أحمد زويل
أحمد زويل

إخواني وأخواتي: انتقل إلى رحمة الله العالم العربي المُسلِم الشهير عالمياً أحمد زويل، وإذا بنا أمام مُفارَقة تحكي تفاوتاً يُشبِه أن يكون بل هو تفاوتٌ مجنون، النبيُ في النار، مُفكِّرة إسلامية مرموقة تُصرِّح بأن العالم الجليل ارتقى إلى مقام النبوة لأن العلم هو ميراث النبوة، فالأنبياء لم يُورِّثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورَّثوا العلم، والرجل أصاب حظاً باذخاً وحظاً وافراً من العلم فارتقى إلى مقام النبوة، والمُبالَغة هنا ظاهرة ولا يُقَر عليها، لأنه لا يُرتقى إلى مقام النبوة إلا بشرطين هذا فضلاً عن مُراعاة أن النبوة أمرٌ وهبي لا كسبي، جمال الدين الأفغاني – رحمه الله وغفر له – حين علَّق على الجلمبوي- الحاشية المشهورة – كتب مُصرِّحاً – وأخطأ خطأً فظيعاً وعثر عثرة لا يُقال لصاحبها لعا – بأن النبوة يُمكِن أن تُكتسَب، وللأسف طبعاً طُبِعَت هذه الحواشي على أنها لتلميذه الشيخ الإمام المُجدِّد محمد عبده، ففتح على نفسه بذا باباً عظيماً من أبواب النكير والتثريب والدمدمة، فالنبوة أمرٌ وهبيٌ وليس كسبياً، وهذا أهم ما يُمكِن أن ننطلق منه، ثم بعد ذلك وارث علم أو علوم النبوة لو افترضنا أنه يُمكِن أن يرتقي إلى مقام النبوة – وهو غير مُمكِن بتةً – بوراثته كل هذه العلوم – لو افترضنا وهذا غير مُمكِن أصلاً لنواحي شرعية معروفة – فمَن هو ذا الذي ورِثَ علوم النبوة من عند آخرها ليكون نبياً؟ المُبالَغة واضحة، وهذا خطأٌ واضح، ولكن يصح أن يُقال كل مَن أصاب نصيباً من العلم النافع شرعياً كان – وله الأولوية – أو حتى غير شرعي – لأن القرآن أعلى مقام هذه العلوم الطبيعية والكونية، القرآن أعلى مقامها ولسنا بوارد أو بصدد أن نُدلِّل على هذا، هذا ثابتٌ عتيدٌ محفوظٌ معروفٌ في كتاب الله ومُقرَّر، فالحديث عن كل مَن أصاب نصيباً من هذه العلوم النافعة للإنسان وللبشرية – فقد أخذ بحظٍ من تراث النبوة.
أبو هريرة – رحمه الله تعالى ورضيَ عنه – بعد أن تُوفيَ رسول الله مر على جماعة فقال لهم أنتم ها هنا قعود – أو جلوس – وتراث محمد يُقسَم! فهُرِعوا إلى المسجد، ظنوا أنه التراث من ذهبٍ وفضةٍ ومالٍ ونشبٍ وما سواه من العرض، قالوا أين هو؟ قال العلم، هؤلاء يتذكَّرون الحلال والحرام وقال الله وقال رسوله، هذا ميراث محمد، وأحسن بهذا ما شاء على كل حال.

إذن أحمد زويل ارتقى إلى مقام النبوة، وأحمد زويل في الطرف الآخر ملعونٌ كافر عليه اللعنات وفي النار ولا يجوز أن نترحَّم عليه، وهذه مُفارَقة مجنونة، ويبدو أن هذه المُفارَقات لا تثور حين تثور إلا في أمة أوشكت أن تُغلَب على رُشدِها وأن تُنزَف البقية الباقية من عقلها وفهمها، وهذا وضع الأمة اليوم، فلا أعتقد أنه يُماري الآن أو يمتري في أن وضع الأمة الآن وضعٌ عجيبٌ غريبٌ، ولو وصفته بالجنون ما أبعدت النُجعة، لأنها أمة تتمالأ على نفسها، أمة تلعن نفسها، أمة تذبح نفسها، أمة تكره نفسها وتكره الناجحين من أبنائها، تكره الناجحين كما تكره الناصحين، صدِّقوني مَن ينصح لهذه الأمة ملعونٌ ملعونٌ ملعونٌ، تلعنه وتكرهه لأنه ينصح لها بألا تذبح نفسها، بألا تأتمر بنفسها، بألا تتمالأ على نفسها، بأن تنهض من كبوتها، بأن ترشد، بأن تنضج، فهم يلعنونه ويُعادونه، أمة ما شاء الله عليها، أمة عظيمة، أما إن نجح ناجح – الله أكبر – ما أكثر ما تلتقي على رأسه معاول الهدم والتخريب، وتسمعون وتقرأون مَن يقول عن زويل أنه عالم بسخرية، على أساس أن زويل ليس عالماً، فهو أخذ نوبل Nobel هكذا أونطة وفهلوة، فلماذا إذن؟ لأنه زار إسرائيل ودعم العدو الصهيوني، وهذا جميل جداً جداً لأن هذا يُمكِن اختباره بسهولة، هيا ليُجرِّب كل فهلوي شاطر وعنده دكتوراة أيضاً في الفيزياء أو في الكيمياء – تخصص أحمد زويل رحمة الله عليه – أن يذهب وأن يأتي بنوبل Nobel، وطبعاً موجود هؤلاء بالألوف وعشرات الألوف، وليسوا مُستعِدين أن يزوروا العدو بل هم مُستعِدون أن يمسحوا النعال لكل عدو في الشرق والغرب وأن يبرأوا من دينهم، فهيا لينالوا نوبل Nobel إذن، نوبل Nobel في العلوم بالذات لا تُنال بهذه الطريقة، ولا حتى في الآداب، وأنا أقول لكم كان من أدباء العرب ومن أدباء مصر بالذات مَن تكلَّموا كلاماً في إسرائيل – في العدو الصهيوني – لم يقله مالك في الخمر ولم يقله مُتمِّم في أخيه مالك – هما ابنا نويرة – ومع ذلك لم يأخذوا نوبل Nobel ومُستحيل أن يأخذوا نوبل Nobel، يوم أخذها نجيب محفوظ كان ذلك بصراحة لأنه نجيب محفوظ، وليس كل مَن كتب قصة أو أقصوصة هو نجيب محفوظ، نجيب محفوظ في عالم الأدب والرواية هو نجيب محفوظ، هرم من أهرامات مصر، أحببت أن تُصدِّق هذا أم أحببت ألا تُصدِّقه أنت وأوهامك، فأنت حر بأوهامك، هؤلاء الذين يقتاتون ويغتذون على الأوهام والخُرافات ويكفرون بكل الوقائع وبكل واقع ما حيلتنا فيهم؟ ما حيلتنا معهم؟ جيش مصر إلى وقتٍ قريب هو خيرُ أجنادِ الأرض وستُفتَح عليكم مصر، قال عليه الصلاة وأفضل السلام وآله فاتخذوا فيها جُنداً كثيفاً فإنهم خير – أو من خير – أجناد الأرض، وظللنا نُردِّد هذا، وأتى التاريخ قرناً بعد قرن ودهراً إثر دهرٍ ليُؤكِّد أن هذا الحق سواء صحَّ عن المُصطفى المعصوم أم لم يصح، فالجُندي المصري مِن خير جنود الأرض، مَن الذين أنقذوا هذه الأمة مِن المغول التتر الذين دمَّروا أكثر مِن نصف حضارة الإسلام في عقود يسيرة؟ الجُندي المصري، كيف تسنى وتهيأ للناصر صلاح الدين – رحمة الله على روحه العظيمة – مُحرِّر بلاد الإسلام ومُوحِّد الجبهتين – أي الشامية والمصرية – أن يُنجِز ما يُنجِز وأن يُقيم أيضاً دولةً لأهل السُنة على أنقاض دولة الفاطميين الباطنية؟ بمصر بالذات، ومن غير مصر ما كان يتهيأ له إنجاز ما أنجز، مصر ظلت هكذا، مَن هى أكثر دولة عربية تصدت للعدو الصهيوني وخاضت الحروب وقدَّمت الألوف من خيرة أبنائها من شرفاء جُندها؟ مصر، ونحن ظللنا نُردِّد هذا ونفخر به – وحُقَّ لنا – إلى وقتٍ قريبٍ جداً حتى إذا دخلنا دِهليز السياسة والخلافات السياسية والحزبية والمصلحية والسُلطوية فإذا بنا نسمع تحقيقات حديثية لأول مرة تصخُ وتصكُ آذاننا بل تصمها بأن هذا الحدي ضعيف، وكان هذا تمهيداً لبرامج تبثها الجزيرة بعد ذلك من شخصٍ لم نره من قبل ولا يُعرَف بنبوغ ولا بنُبلٍ في علمٍ دينيٍ أو دُنيوي، فلا ندري ما هو – ولا أقول مَن هو – أصلاً، لكنه يأتينا بحلقة في زُهاء ساعة أو ساعة إلا رُبع ويُريد أن يُقنِعنا من خلالها أن الجيش المصري أُنشيء حين أُنشيء لحماية إسرائيل!

الله أكبر، عبقرية رهيبة، ذكاء مُنقطِع النظير، فنسمع قُبيل أيام يسيرة أن هذا الجيش – جيش مصر – أُنشيَ لهذا الغرض، هؤلاء الذين يصلون ويصومون – مُعظَم الشباب في الجيش المصري مُسلِمون يصلون ويصومون – هم الذين قُتِّلوا وذُبِّحوا قبل بضع سنين في سيناء وكانوا صائمين، أعدوا المساكين – رحمة الله على أرواحهم – أمامهم طعام إفطارهم، لكن ذُبِحوا قبل أن يتناولوا شيئاً من إفطارهم بإسم الإسلام والله أكبر وكُبِّر على ذبجهم لأنهم كفرة، لكن كيف هذا وهم صائمون؟ كيف هذا وهم مُصلون؟ كيف يكونون كفرة؟ ما الذي يحصل لنا؟ ما هذا العبث كله بديننا وبوعينا الديني وبواجدننا الديني والروحي؟ وقُبيل أيام إذا بهذا الجيش هو جيش فرعون وهامان، هو ليس كجيش فرعون وليس مثل جيش فرعون لأننا لم نسمع حرف الكاف ولم نسمع كلمة مثل- لا لم نسمعها – بل هو جيش فرعون وهامان، لكي تفعل هذه الحيل المفضوحة طبعاً والمكشوفة فعلها في نفوس الناس المُغفَّلين قالوا هذا، وما أكثر المُغفَّلين في هذه الأمة، فلو كان لي دعوة في هذا الحد وفي هذا الوقت من الزمن لنفسي ولأمتي ولإخواني وأحبابي لقلت اللهم لا تجعلنا مُغفَّلين، أعوذ بك أن أضل أو أُضَل، فمُهِم جداً ألا تضل، لكن في هذا الوقت الأكثر أهمية ربما هو ألا تُضَل وألا يُضحَك عليك، وأعوذ بك أن أذل وهذا مُهِم أو أُذَل وهذا أهم في اللحظة التاريخية هذه، فمَهِم ألا يُضحَك عليك لأنك قد تكون حسن النية، وأنا أعتقد أن مُعظَم الأمة في هذا الزمان وفي كل زمان حسنو النوايا، فمُعظَم الناس هكذا، ومُعظَم الشباب يُحِبون دينهم ويُحِبون الحقيقة أوطانهم ولكن المُشكِلة مِن أين؟ مِن هذا اللعب، من هذا الاستنزاف لوعيهم، من هذا التزييف لإدراكهم ولفهومهم، لذا أعوذ بالله أن أضل أو أُضَل او أذِل أو أُذَل، يعني أن أُستغفَل وأن أُستغبَى وأن يُلعَب علىّ، فهم يقولون أن هذا الجيش هو جيش فرعون وهامان، ثم يتلون قول الله إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ۩، وبضربة واحدة هكذا – بضربة استغفال وشطارة وفهلوة – تُسقَط ألف وأربعمائة من السنين – ألف وأربعمائة سنة – من إسلام مصر ومُساهَمات الجيش المصري ومُساهَمات الجنود المصريين ومُساهَمات الشعب المصري العظيم في الإسلام والحضارة الإسلامية وفي الثغور وفي المعارك وفي حماية مجد ومُكتسَبات الأمة، كل هذا يُسقَط بضربة واحدة، وهذا شيئ غريب، فلصالح مَن هذا؟ لصالح مَن؟ مَن المُستفيد مِن هذا؟ وطبعاً كلامي هذا لا يعني دفاعاً عن جهة ولا عن حكومة ولا عن أي شيئ، أنا معني هنا بالدفاع عن ديني، فلا أُريد أن يُعبَث بديني، ولا أُريد أن يُعبَث بما يُسمى الأدلة، فعلينا أن ننتبه إلى أن الأدلة عند مَن يفهم وليس عند مَن يسرد، فأنت تجد مَن يقول لك لدي كذا وكذا وبالدليل، فأين هذا الدليل؟ هذا الدليل يُمكِن لكل أحد أن يُصيبه ولو كان مِن غير كلام الله وكلام رسوله لقلت الدليل كما قال الجاحظ في المعاني مُلقىً في الشوارع، فالدليل مبذور على الأرصفة في كل مكان وخاصة الآن في جوجل Google والبرامج الإلكترونية، وأنت تستطيع أن تصل إلى الآيات في الموضوع والأحاديث بضربة – فعلاً بضربة – واحدة وبنقرة، فهناك أدلة كثيرة يُمكِنك الوصول إليها، فقط اكتب مثل هذه الكلمات “التكفير، الإيمان، الولاء، البراء، الحاكمية” وسوف تأتيك عشرات بل مئات الأدلة، لكن ليس هذا المُهِم وليس المُعوَّل على هذا، المُعوَّل على مَن يفهم الدليل، فهل لديك لياقة وقدرة وأهلية أن تتعاطى مع الدليل؟ هل أنت مُؤهَّل لهذا؟ هل أنت تفهم الدليل؟ هل أنت قادر على أن تقول قولاً يُحترَم في الدليل؟ هل تعرف وجوه وجهات وتصاريف الدلالة والاستدلال؟ هل تعرف هذا؟ هل أنت مُتمرِّس في هذا أم أنك تشغب على الناس فقط لتزييف وعيهم؟ سوف نرى بُعيد قليل على كل حال.

إذن أحمد زويل – رحمه الله تعالى – الذي زار العدو وساعدهم في تطوير منظوماتهم الصاروخية إلى غير ذلك مما يُذكَر مما يُقال انتقل إلى رحمة الله، ولستُ صحافياً تقصوياً ولست كرجل المباحث ولم أُنجِز دراسة حول هذا الموضوع لذا لا أدري ما الذي حصل بالضبط وما الذي فعله زويل، ولكن إن كان حصل هذا وذهب زويل إلى العدو وساعدهم في تطوير أسلحتهم فهذا يُغضِب ويُحزِن كل عربي وكل مُسلِم، ولا يُمكِن لعربيٍ شريف أو مُسلِم يفهم دينه أن يُوافِق على هذا أو يرضى به، وهذه المسألة يجب أن تكون محسومة، فلا نُجامِل فيها أحداً، ولو كان البروفيسور Professor زويل أمامنا لقلنا هذا في وجهه مع احترامنا لعلمه الباذخ الماجد العظيم في تخصصه، فهذه القضايا محسومة، لكن هذه قضية وقضية أن زويل بهذا الفعل أصبح كافراً خارجاً من الملة وعليه اللعنات مصبوبة إلى أبد الآبدين ونقضي له وعليه بالنار – والعياذ بالله – ونُحرِّم على الأمة وعلى الناس أن يستغفروا له قضية أُخرى، الله أكبر، ما الذي أبقيتموه لله تبارك فقط؟ أنا أسأل فقط.
يا إخواني – وانقلوا عني هذا – يزعمون أنهم يحتكمون إلى الدليل وأنهم يتضوءون ويتنوَّرون ويسترشدون بالدليل – بقال الله وقال الرسول – ولكن الواقع يقول أنهم لم يتركوا لله إلا دور الجلّاد، ما رأيكم؟ خُذوا هذا عني، فدور المُفتي الذي يُقرِّر المسألة علمياً ونظرياً بحدودها وأقدارها احتازوه لأنفسهم، دور القاضي الذي يُنزِّل الحكم على الحالة المخصوصة لاعبوه بلا تردد دون أن يطرف لهم جفنٌ، إذن ماذا أبقوا لله؟ هم لم يُحاوِلوا حقاً أن يفهموا هل يكفر الرجل بهذا الفعل أم لا يكفر، لم يُحاوِلوا فعلاً، ونحن هنا سنُحاوِل وسوف نرى، فهذه الخُطبة ستكون درساً تعليمياً فقط لكي نتعلَّم كيف نعرف أقدار أنفسنا، وكما يُقال رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، فنعوذ بالله أن نكون مِن المُتكلِّفين وأن نتكلَّف ما لا يعنينا وأن نتكلَّف ما لا نعلم ولا ندري.

إذن لعبوا دور المُفتي مُقرِّر الحقائق النظرية العلمية ودور القاضي المُطبِّق والمُنزِّل، وتركوا لله ماذا؟ دور الجلّاد، قالوا له “يا الله لحظة، لحظة فقط، لحظة لجلالتكم يا رب العالمين، هذا العبد نحن نقضي بأنه كافر، هذا الفعل كفر وهذا العبد كافر فإذن دعه في النار دعاً، هيا فقد تركنا هذا لك”، أستغفر الله العظيم، ما هذا؟ جرأة عجيبة جداً على الله تبارك وتعالى، جرأة مُخيفة جداً على الله تبارك وتعالى، ولا يتردَّدون طبعاً، فهم مُقتنِعون تماماً أنه في النار وأنه ملعون ولذا لا يجوز أن تستغفر له، وهذا عجيب جدا، فبالله عليكم ما هذا؟

كما تعلمون أنا أخذت على نفسي عهداً وإلى الآن أنا مُوفٍ به ووفيت به وهو أنني لن أدخل في السياسة مرة أُخرى، فأنا لا أُحِب هذا وهذا الحديث ليس سياسة، لكن هذا تساؤل الآن في معرض مُحاوَلة فهم المسألة فقهياً، فالرجل ذهب إلى إسرائيل كما يقولون، ونحن قلنا هذا عار وليس أقل من هذا، عار أن تذهب إلى عدو الأمة وأن تُساعِد إن حصل، لكن قد تأتيك أدلة تقول لك هذا غير صحيح لأنه ذهب لغرض آخر، فنحن لا ندري، ولكن إن صح وتحقَّق أنه ذهب وساعدهم على تطوير إسلحتهم المُرصَدة طبعاً لمَن؟ إسرائيل لا تُجمِّع هذه الأسلحة لكي تُدمِّر بها أوروبا أو أمريكا أو كذا أبداً، معروف هى ترصدها لمَن وتُجمِّعها لمَن، هذا أمر معروف، فإن تحقَّق هذا وصحَّ هذا فنحن نسأل لماذا فعل هذا الرجل؟ واضح جداً من كلامهم أنه فعل هذا لكي يأخذ جائزة نوبل Nobel وهم ساعدوه على نيلها، يعني فعل هذا لمصلحته الشخصية وليس كفراً بالله ولا كفراً برسوله ولا بِغضةً في الإسلام ولا بُغضاً في العرب والفلسطينيين ولا تآمراً عليهم، الرجل قدَّم مصلحته الشخصية لأنه أناني، وأكثر من هذا لا تستطيع أن تقول. 

على كل حال نعود فنقول ماذا قال النبي لما دافع حاطب بن أبي بلتعة بأنه لم يفعل هذا كفراً وارتداداً ولا حباً في الكفار والكفر؟ قال له صدقت، أي أنه قال أنه رجل صادق، فهو صدَّقه، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله عليه – أن الذي أتاه حاطب بن بلتعة ذنبٌ وليس كفراً، وهذا واضح جداً، لكن كيف هذا؟ كيف أنت تخون النبي ولا يُقال أنك كافر؟ وهو هنا لم يخن مصر ولا الفلسطينيين ولا حماس ولا غزة ولم يكن مثل زويل، فحاطب خان مين؟ خان الرسول، ولذا القضية خطيرة جداً، لكن صدِّقوني الشيئ نفسه يفعله مَن يُحِبون يصبح طيباً وجهاداً في سبيل الله مهما كان، فكل مُعاهَدات أردوغان مع إسرائيل لا يقولون عنها شيئاً، وكتب أحدهم من غير استحياء قائلاً أن ما فعله الرئيس العظيم أردوغان هو جهاد مُبارَك وشيئ حسن وقطعاً هو لمصلحة القضية الفلسطينية ولا يرتاب في هذا إلا جاهل أو شيئ كهذا، فهو سبه بسباب ما، وهذا شيئ غريب جداً، فإن فعله غير أردوغان يُقال عنه الخائن ويُقال قال تعالى ثم تُذكَر آيات الولاء والبراء ويُقال قال الله وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ۩، فما هذا العبث بالناس؟ عيب، عيب عليكم أن تفعلوا هذا، اعدلوا فيمَن تُحِبون وفيمَن تُبغِضون، اعدلوا مع الجميع، الإمام أحمد يروي في مُسنَده بسندٍ حسن حين بعث الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – إلى يهود خيبر الصحابي الشهيد والشاعر الكريم عبد الله بن رواحة – النبي بعدما فتح خيبر في السنة السابعة لم يستعبدهم، يقول العلماء لم يستعبدهم وكان يستطيع أن يستعبدهم ويتخذهم عبيداً مُسخَّرين في أرضهم بالمجان لكنه لم يفعل هذا أبداً، إنما عاملهم عليها بجزءٍ من ثمرتها، فانظروا العدل وصل إلى أين، وقال لهم كونوا كما أنتم في أرضكم وفي مزارعكم وفي نخيلكم واشتغلوا فيها، سوف تستفيدون وتعطوننا جزءاً أيضاً من الغلة ومن الثمرة، وهذه إسمها المُعامَلة، فهو عاملهم هذه المُعامَلة – لكي يخرص عليهم عدل معهم، لكن ما معنى يخرص؟ يُقدِّر كم وسق هنا وكم كيلو هناك وهكذا ثم يُخرِج نصيب الدولة ونصيب رسول الله من هذا، لكنهم أرادوا أن يرشوه – قدَّموا له رشوة – فغضب غضباً شديداً، كيف ترشون صحابياً؟ وقال لهم بكم وبكم، والله إنكم لأبغض خلق الله إلىّ، وقد جئتكم من عند أحب الخلق إلىّ، وما يحملني بغضكم – أي بغضي إياكم – وحبي إياه – عليه الصلاة وأفضل السلام – على أن أحيف عليكم، أي على أن أظلمكم، أيضاً سأقضي بالعدل الذي يرضاه الله ولا تعودوا لمثل هذا، لكن كيف ترشونني؟ هل يُمكِن أن أرتشي؟ وأُسقِط في أيديهم، لكن ماذا قالت يهود خيبر؟ قالوا بهذا قامت السماوات والأرض، لكن ما المقصود بقولهم “بهذا”؟ أي أن الإشارة إلى ماذا؟ إلى العدل، أي بهذا العدل قامت السماوات والأرض، إذن إنه العدل، فينبغي إذا تكلَّمنا عن الدليل وعن الصحابة والسلف أن نتعلَّم منهم العدل، وليس أن نُكيِّف النصوص – الآيات والأحاديث – لكي نُؤكِّد ظلمنا وثأريتنا، لكن تُوجَد رغبة في الثأر من الناس ورغبة في سب الناس وفي تنقص الناس، وقد يكون السبب هو الخلافات سياسية، أي فقط لمحض أسباب سياسية، فقط لأن زويل أيَّد رئيس مصر السيسي، وهذا حكمه، سواء أصاب أم أخطأ أيضاً هذا بينه وبين الله تبارك وتعالى وهذه مسألة سياسية، والسياسة فيها مندوحة رهيبة للاختلاف، فما مزَّق الناس ولا مزَّعهم إلا السياسة، ونحن نسأل الله – تبارك وتعالى – في هذا المقام وفي كل مقام بأسمائه الحُسنى – لا إله إلا هو وجل مجده – أن يُولي هذه الأمة صُلحاءها وخيرها مَن كانوا – اللهم آمين-، ونسأل الله أن نكون مُستحَقين لإجابة مثل هذه الدعوة، لأننا ما لم نكن عادلين ومُنصِفين ونُراعي تقوى الله في صغير الأمر وكبيره لن يُستجاب لنا، ولذلك ندعو ولا يُستجاب لنا.

على كل حال ابن تيمية قال هذا ذنب وليس كفراً، وللأسف الشديد خُوضنا في مُقدِّمات أيضاً ولم أُفلِح أن أصل إلى لُب الموضوع، لكن أسأل الله أن يُعينني فأُلخِّصه في دقائق معدودات، فلُب الموضوع ببساطة هو أن الآيات التي يستدل بها هؤلاء وأمثالهم على تكفير مَن فعل مثل فعل أحمد زويل – رحمة الله عليه – ليست نصوصاً بالمعنى الأصولي، فانتبهوا ولا تُصدِّقوهم، علماً بأنني لا أتكلَّم لغة عامية أو لغة صحافة أو لغة إعلام وتلفزيون Television، أنا أتكلَّم بلغة علم أصول الفقه ولغة الفقهاء، فهى ليست نصوصاً فيما يظنون وليست نصوصاً فيما ذهبوا إليه، أي ليست نصوصاً في المعنى الذي أرادوا، فهم يقولون لك هذا نص وأن الآية واضحة جداً لأن الله يقول وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ ۩ فإذن هو كافر وانتهى كل شيئ، لكن ليس الأمر بهذه البساطة، هل هذه الآيات يا رجل نص أم غير نص بالمعنى المُقرَّر عند جمهور الأصوليين، أي عند الشافعية والمالكية والحنابلة؟ هى ليست نصاً قولاً واحداً، فمن أتيت بهذا؟ أنا أقول لكم أن النص عند الجماهير هو قاطع الدلالة، ما كانت دلالته على معناه قطعية لا يُتمارى فيها وبالتالي غير قابلة للتأويل، فبالله عليكم اذهبوا واستشيروا كتب التفسير وشروحات الحديث وحتى كتب اللغة وتفسير الغريب، واسألوا أول شيئ عن الولاية والتولي والولي والمولى والمُوالاة ثم عودوا إلىّ، فالذذي يفهم وعنده نظرية مُتكامِلة يقول لي يا عدنان أنا أُريد أن أُعلِّمك، علماً بأنني أتعلَّم من أصغر طفل، لكن هذا هو القول النهائي، فاذهبوا لكي تروا وتقفوا على حجم الاختلاف والاشتجار الرهيب في المسألة، وإلا ما هى المُوالاة؟ هيا قل لي ما هى المُوالاة، قال الله وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ۩، فما معنى هذا؟

أولاً هل حب غير المُسلِم هو التولي المنهي عنه والذي مَن أتى صار منهم؟ إذا قلت لي إنه هو سوف أقول لك هذا غلط، الله قال يجوز أن تُحِب أبويك الكافرين وأن تودهما وأن تصلهما وأن تبرهما – وهذا يحصل – وأن تحرص عليهما، لكن هذا الحب طبعي أم حب شرعي؟ طبعي طبعاً، لكن هل يُمكِن أن أُحِبهم لأبويتهم وأن أكرههم لكفرهم؟ هذا مُمكِن وهذا واضح ويجتمع فينا، والذي يقول لك أن هذه مُجرَّد نظريات هو مُخطيء، فهذه ليست نظريات وإنما هى حقائق واقعية، فأنا أُحِب أخي لأنه لحمي ودمي، أُحِبه وأحرص عليه ولكن أكره فسقه وعصيانه، أليس كذلك؟ أي أنني أكرهه من هذه الحيثيثة وأُحِبه من تلك الحيثية، وهذا واضح ويحصل أيضاً، وقد تقول لي أنت تتفلسف لأنك فيلسوف لكنني لا أتفلسف وإنما أتعلَّم من رسولي الذي علَّمني كما في صحيح مسلم لا يفرك مُؤمِنٌ مُؤمِنة، إن كره منها خلقاً رضيَ منها آخر، فمن المُمكِن أن تُحِب خُلقاً فيها وتكره خُلقاً آخراً، أي أنك تحبها باعتبار وتكرهها باعتبار آخر والعبرة بالغالب، فإن ساءت عُظم – أي مُعظَم وإن ساء جمهور وجُملة أخلاقها فعلاً غلب كرهها على نفسك، وإن حسنت عُظم أو مُعظَم أخلاقها غلب حُبها، فالنبي هو الذي علَّمنا هذا يا حبيبي، فأنا لا أتفلسف.

إذن المحبة الطبيعية والمحبة الفطرية ليست من أجل الدين وليست هى المحبة الشرعية، لكن أول شيئ لابد أن نتساءل: هل تُناقِض المحبة الشرعية؟ لا تُناقِضه أبداً، فأنا شرعاً لا أُحِب الكافر ولو كان أبي أو أمي، وشرعاً لا أُحِب العاصي ولو كان ابني الذي من صُلبي، فأنا لا أُحِبه لعصيانه، أي لا أُحِبه من جهة عصيانه، حاشا لله، هذا مُستحيل، فكيف لمُؤمِن أن يطمئن بالعصيان؟ لكنني أُحِبه من حيثية أنه ابني، وأُحِبه أيضاً من حيثية أنه مُسلِم مُؤحِّد مُؤمِن، ولا أُحِب عصيانه وفسقه، علماً بأن الأدلة على هذا كثيرة جداً في كتاب الله.

عبد الله بن أُبي بن سلول – رأس النفاق – تعرفون كيف كان موقفه المُشرِّف الماجد لما قال لرسول الله أرأيت ماذا يقول هذا؟ يقول لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ ۩ صدق يا رسول الله، فالنبي قال له كيف صدق؟ قال له صدق، أنت الأعز وهو الأذل، والله لا يُدخِلنها، وفعلاً لما وصلوا قال له لا تدخل، أي أن ابنه وقف له، فاستعان بقومه على ابنه وقال يا للخزرج، لكنه قال له لن يدخلها ولو قطع رأسه، فالذي يقول هذا عن الرسول هو الأذل ولن يدخلها، فبعثوا للرسول وقالوا له هذا منع أبوه من الدخول ويُريد أن يقتله، فقال النبي قولوا له يُخلي بينه وبين مسكنه، أي دعه يذهب إلى بيته، فيجب أن يفعل هذا وعن إذن رسول الله، يا سلام عليه، علماً بأنه أيضاً الذي قال له يا رسول الله والله لو أردت رأسه أتيتك بها، فانظروا إلى هذا الإيمان، هذا حقاً مَن عرف الإيمان.

ماذا عن الجهاد؟ هل يُحِبه المُؤمِن أو لا يُحِبه؟ يُحِبه ويكرهه، وسوف يُقال لي مِن أين أتيت بهذا يا فيلسوف؟ أتيت به من كتاب الله، قال الله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ ۩ ومن هنا قد يقول لي أحدهم أنا أكره الجهاد لكنني أسأله هل تكرهه كرهاً طبعياً أم تكرهه كرهاً شرعياً؟ إذا قال الاثنان معاً سوف أقول له أنت البعيد رجل فاسق، وأنت لم تُحقِّق معنى الإيمان، لكنني أكرهه طبعاً لأنني لا أُحِب الموت ولا أُحِب الدم ولا أُحِب أن أرمل امرأتي وأن أُيتِّم أولادي طبعاً، فأنا أُحِب الحياة والبقاءعلى الأقل لكي أعمل الصالحات، وهذا جميل جداً وهو مأذون به، والله قال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ ۩، لكن هل تُحِب الجهاد شرعاً أم لا؟ شرعاً أُحِبه طبعاً لكن طبعي ينفر منه، وينبغي أن يكون هواي تبعاً لما جاء في الكتاب، وكذلك الحال مع السجن، فهل يُوجَد أحد يُحِب السجن إلا أن يكون مهبولاً أو مُعقَّداً نفسياً؟ لا يُوجَد مَن يُحِب السجن، لكن كيف أحبه يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ۩ لكن من ماذا؟ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۩، فهل محبوبية السجن هنا طبعية أم شرعية؟ لأن إزاء الفاحشة والزنا وهى مكروهة يكون السجن أحب، فالسجن مكروه طبعاً أيضاً والزنا مكروهة شرعاً لكن الآن حصلت المُخايرة، وأنا أقول لك أن الفاحشة في حق رجل مثل يوسف هى مكروهة طبعاً أيضاً، لأن هذا مُخلَص، فالله صاغه بطريقة مُختلِفة تماماً لأنه من الأنبياء – إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ۩– وله معصومية، وعلى كل حال الزنا الأصل فيه أنه مكروه ماذا؟ شرعاً، والسجن مكروه ماذا؟ طبعاً، لكن لما صارت المُخايرة بين هذا المكروه شرعاً والمكروه طبعاً أحببنا المكروه طبعاً شرعاً – أحببناه شرعاً – في هذه الحالة، فصار المكروه طبعاً محبوباً شرعاً، وهذا هو الفهم الصحيح في آيات الله تبارك وتعالى.

إذن عبد الله بن أُبي لما تُوفيَ أبوه – رأس النفاق – هل كان قد أسلم؟ ظل مُنافِقاً إلى آخر لحظة، وظل يشنأ النبي ويتنقص النبي ويُعرِّض به إلى آخر لحظة، لكن ماذا فعل ابنه؟ أتى إلى النبي مُنكسِراً حزيناً وطلب منه أن يُعطيه جُبته – هذا شيئ مُحزِن – ليُكفِّن بها أباه، فمازال عنده – رضيَ الله عنه وأرضاه – أمل ولو بنسبة واحد في المليون أن أباه عنده شيئ من إيمان لعله ينفعه ولعل تشفع فيه البُردة الشريفة، والنبي لم يكسر بخاطره ونزع بُردته الشريفة – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – ودفعها إليه، قال له خُذها وكفِّن بها أباك، ولم يقل له نافقت يا عبد الله بن أبي، كيف ينكسر قلبك ويحزن خاطرك لمُنافِق قال الله فيه وقال؟ هذا مُستحيل أن يحدث، لأن الشرع لا يأتي بضد الطبع والفطرة، ولذلك لا تكليف في هذه الطبعيات والفطريات ما لم تضطرك إلى معصية بترك واجب أو ارتكاب محظور، فهى لا تكليف فيها لأنها ليست من مسائل التكليف ولا تدخل في التكليف الشرعي، فهى ليست من الدينيات، ولا مُنافاة بين المحبة الشرعية والمحبة الفطرية، فيُمكِن أن تكرهه بإسم الشرع وتُحِبه بإسم الطبع والفطرة.

إذن هل تدخل في المُوالاة – وَمَن يَتَوَلَّهُم ۩ – المحبة الطببعية أم لا تدخل؟ لا تدخل لأن هذا يُعَد أمراًعادياً، وفي طبع الإنسان ليس فقط محبة القريب بل ومحبة الزوج والزوجة أيضاً، فإذا ذهب أحدهم وتزوَّج يهودية أو نصرانية هل يُحِبها أم لا؟ لابد أن يُحِبها بالفطرة والطبيعة، قال تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ۩ علماً بأن هذه السورة في المائدة، فإذن يجوز زواج مُؤمِن بيهودية أو نصرانية بشرط الإحصان، وهذا مُختلَف فيه، فهناك أربعة أقوال في معنى الإحصان، ومع ذلك يقولون لك هذا واضح، وهذا غير صحيح، لأنه غير واضح، هو واضح فقط للعلماء، لكنه الجهلاء غير واضح، فكل شيئ عندكم واضح وخرَّبتم حياتنا كلها، وأصبحت حياتنا ظلاماً في ظلام لأن كله واضح لديكم، واضح والذبح شغّال، واضح والتكفير شغّال، واضح والإرهاب شغّال، وواضح وإنفاذ المُؤمَرات في هذه الأمة بتمزيقها وتفتيتها شغّال، فهو واضح وقد ذهبنا في ستين داهية، وهذا هو الواضح الآن، وعلى كل حال الإحصان فيه أربعة معاني، فهل يعرفون هذا؟ لا أدري، وطبعاً جوجل Google يعرفهم هذا في لحظات، لكن عليكم أن تنتبهوا إلى أن الشطارة تكون عند النقاش بدون الرجوع إلى جوجل Google فضلاً عن وجود أشياء أعمق من هذا.

قال الله تعالى وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً – محبة – وَرَحْمَةً ۩، إذا تزوَّجت يهودية أو نصرانية هل أودها أم لا أودها؟ أودها، هل هذه المودة شرعية؟ أي هل أنا أحببتها لأجل دينها أو لأجل يهوديتها أو لأجل نصرانيتها؟ لم يحدث هذا أبداً، فأنا أُبغِضها من هذه الحيثية وأُحِبها من حيثية ماذا؟ من حيثية أنها زوجتي وأم عيالي، فهى عيبة نُصحي وسري، وهذه هى الفطرة، فإذن لا يدخل في الموالاة المحبة الطبيعية، ومن المحبة الطبيعية أيضاً الإصهار، فأنت تُحِب أصهارك، ومن المحبة الطبيعية ما قام على منفعة، أحسِن إلى مَن شئت تكن سيده، وأبو الفتح البُستي يقول:

أحسِن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم                     فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ

والإمام عليّ يقول “أحسِن إلى مَن شئت تكن سيده”، وقال الله تبارك وتعالى هل هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ۩، فإذا أحسن كافر إليك ألا يحملك هذا على بعض مودته؟ فطرياً وطبيعياً ستوده لأن النفس تُحِب مَن يُحسِن إليها، يا أخي الحيوان أحسِن إليه وسوف يُحِبك، أليس كذلك؟ إلا أن يكون غدّاراً فتّاكاً كأم عامر وأمثالها وذؤبان السباع على كل حال، إذن أيضاً هذا مُهِم أن يُقال، فإذا أحسن إليك كافر فأحببته هل هذا يُخرِجك إلى مُحرَّم و إلى الولاء المُحرَّم؟ لا يُمكِن أبداً لأن ليس هذا من التولي المُحرَّم، وماذا عن الوفاء لهم بعهودهم والبر والإقساط ما لم يكونوا مُحارِبين لنا ومُقاتِلين ومُحادين؟ هل يدخل هذا في الولاء المُحرَّم؟ لا يدخل أبداً، بل هو مأذونٌ به بنصوص كتاب الله، ومنها قوله تبارك وتعالى لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۩، فإذن هو ليس هذا، هو شيئ مندوب أيضاً، فالله قال لك أنا أُحِب هذا، فقد يتساءل أحد هل تُحِب يا الله أن أُقسِط وأبر الكفّار؟ وهو قال لك نعم مادام هؤلاء الكفّار لم يُقاتِلوكم في الدين ولم يُخرِجوكم ولم يُظاهِروا أيضاً على إخراجكم، وبالتالي برهم وأقسِط إليهم، وذكرنا في خُطبة قبل سنة أن الفقيه الجليل أبا بكر بن العربي قال الإقساط هنا ليس معناه العدل، فلماذا إذن ليس العدل؟ قال لك لأن العدل واجب حتى مع الكافر المُحارِب، فيا سلام على عظمة الإسلام، انظر قيمة الإسلام وصلت إلى أين، فهو قال لك حتى ولو كان كافراً مُحارِباً يجب أن تُقسِط فيه، هذا هو العدل، إذن ما هو الإقساط؟ قال هنا الإقساط بمعنى أن تُعطيه قِسطاً من مالك، أي تُعطيه أموالاً، وهذا نوع من البر، إذن البر والإقساط والوفاء بالعهود ومُجامَلتهم ومُحاسَنتهم ونفعهم بوجوه النفع وكل هذا ليس داخلاً في المُوالاة المُحرَّمة، فإذن ما هى المُوالاة المُحرَّمة؟ باختصار سأذكر لكم هذا، وكان بودي أن أجعل الخُطبة فقط تقوم على تفسير هذه اللفظة، وعلينا أن ننتبه إلى أن هذه اللفظة ليست ظاهراً وليست نصاً وليست مُفسَّراً وليست نصاً بالطبع مُحكَماً على طريقة الحنفية، فبقيَ إما أن تكون لفظاً خفياً أو مُشكِلاً أو مُجمَلاً أو مُتشابِهاً، ومُستحيل أن تكون مُتشابِهاً لأن هذا في العقائد، وبالتالي دار الأمر بين أن تكون لفظاً خفياً أو لفظاً مُشكِلاً أو لفظاً مُجمَلاً، لكنك سوف تقول لي “هذه – والله – ألغاز”، وهذا صحيح، فهذه – والله – ألغاز، وهذه الألغاز يحلها أهل العلم من أصحاب الفهم السليم، وعلى كل حال كان بودي أن أُجيب عن سؤال هل هذه اللفظة – المُوالاة هنا – التي ليست نصاً وليست ظاهراً وليست لفظة واضحة وغير مُفسَّر وغير مُحكَم هى ماذا؟ هى لفظة خفية، لكن مِن أي أنواع الخفاء؟ خفي أم مُشكِل أم مُجمَل؟ لا يُمكِن أن تكون لفظاً مُتشابِهاً لأن هذ خاص بالعقائد – فقط بنصوص العقائد – طبعاً، قال الله يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۩، وقال أيضاً فَـأَتَـٰهُمُ ٱللَّهُ ۩، وهذه تحتاج إلى خُطبة وحدها، يكون فيها نوع من التعليم أيضاً لمَن شاء أن يتعلَّم كيف تكون دقة التعاطي مع النصوص الشرعية والألفاظ الشرعية ووجوه الاستدلال وتصاريف هذه المسائل بدقة علمية يعرفها أهلها كعلمائنا المُحترَمين رضوان الله تعالى عليهم وأرضاهم أجمعين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

الإمام مالك – وذكرت هذا غير مرة – لما أراد أن يتكلَّم في حُكم الجاسوس الذي يتجسَّسُ للكفّار على المُسلِمين ماذا قال؟ لم يقل هذا كافر لآيات الولاء والبراء وتُضرَب عنقه كما قال ابن القاسم وهو قولٌ ضعيف ومن هنا علَّق علماء المالكية “هذا القول لا يستقيم مع القواعد، لا يتوجَّه”، فمالك قوله أعدل وأصوب الأقوال، لكن ماذا قال مالك؟ قال يُوكَل أمره إلى الإمام، أي السُلطان ينظر في حجم الجريمة، فليس كل تجسس يُوجِب القتل، إذن مِن باب أولى ليس كل تجسس كفر وردة، أليس كذلك؟ لكن هؤلاء أفهموك أن كل مُعاوَنة ظاهرة – وليس تجسساً من تحت لتحت – كفر وردة بنص كلام الله، فعن أي نص يتحدَّث الواحد منهم؟ نص ماذا يا حبيبي؟ هل تعرف أنت رُتب الألفاظ؟ هل تعرف هذه الرُتب ومن ثم تأتي وتقول لي هذا نص وتتكلَّم بلغة العلم وأنت لا تعرفها ولا تحدقها أصلاً؟ هذا خطأ.

أختم بكلمة للإمام الفخر الرازي لكن قبل هذا أُحِب أن أقول لو عُدتم إلى تفسير الإمام المُجدِّد المُجتهِد الطاهر بن عاشور – روَّح الله روحه في عليين – في تفسيره العظيم التحرير والتنوير – إسم على مُسمى – لوجدتم أن ابن عاشور يقول “مسألة التعاطي مع الكفّار ومحبة الكفّار ومُساعَدة ومُناصَرة ومُوالاة الكفّار مسألة تعتوِرها أحوال، تتبعها أحكام”، فانظروا إلى هذا الفهم وانظروا إلى هذا الإمام، في حين أن هؤلاء يقولون لنا هذا نص، فقد أصابونا بالجنون بسبب كلمة نص، فكأنهم يقولون “دخيل الله – كما نقول بالعامية – ونتوسَّل إليكم أن تفهموا أن هذا نص وأنه كافر وانتهت المسألة”، لكن هذا غير صحيح، ليس هكذا يكون العلم وليس هكذا يكون الدين، فابن عاشور إمام كبير، ولذا انظروا حتى إلى التعبير وانظروا إلى اللغة، فهو قال لك “هذه المسألة تعتوِرها أحوال، تتبعها أحكام، وقد أحصيت منها ثمان حالات” ثم ذكر هذه الحالات وارجعوا إليها، ولو عندي وقت الآن – أي لو ساعد الوقت – لسردت عليكم هذه الاحوال أو مُعظمها، وعلى كل حال هو قال ثمان أحوال وذكر منها أن المُسلِم الذي يُساعِد الكفّار – مجموعة من الكفّار أو أمة من الكفّار – على أمته لم يُعَد كافراً ما لم يرض بكفرهم ويُحِبه على دينه، لكنه عاونهم لأنه خسيس البعيد، أي خسَّت به الحياة وبأمثاله، فهو خسيس ويُقدِّم مصلحته على مصلحة قومه وأهل دينه مع اعتقاده كفر مَن يُساعِدهم وبالتالي هذا خائن وهذا جاسوس، فهذا البعيد يُعَد جاسوساً، ومن ثم قد يُعزَّر أو يُعذَّب وما إلى ذلك، ولكن لا تقل لي أنه كافر لأنه ليس كافراً، فهذا هو كلام ابن عاشور، وعلى كل حال يُمكِن أن تعودوا إليه، أما الفخر الرازي فقد لخَّص المسألة بثلاث حالات فقط، وأنا أعتقد أن كلام ابن عاشور يُمكِن أن يعود ويؤول إلى هذه الحالات الثلاث أيضاً، علماً بأنه أشار إلى كلام الفخر وتنوَّر به – رضيَ الله عنهما وأرضاهما جميعاً معاً – طبعاً، فماذا قال الفخر الرازي؟ قال باختصار: أولاً إذا والى أحدهم الكفّار حباً لكفرهم أو حُباً فيهم لكفرهم – أي من حيثية كفرهم – سيكون واضح أن مَن فعل هذا الآن مُحالٌ أن يكون مُؤمِناً لأن لا يجتمع حُب الإيمان وحُب الكفر في قلب عبدٍ واحد، فهذا مُستحيل، قال الله فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ۩، فأنت أحببت الطاغوت والطواغيت وتدّعي أنك تُحِب الله، وبالتالي أنت البعيد كذّاب وهذا كفر، وهذا صحيح بنسبة مائة في المائة ولذا نحن مع الفخر الرازي في هذا، ثانياً قال أن من المُمكِن أن يُواصِل الكفّار ويود الكفّار ويُعيذ الكفّار ويُوالي الكفّار لا حُباً في دينهم ولا اعتقاداً لتصحيحه ولا رضاً به وإنما لسبب من الأسباب، إما لقرابة وإما لمنفعة وإما لحاجة أو لأي شيئ آخر، فهذا لا يُقال إنه كافر ولكن على شفا الكفر، فهو وضعه خطير، لأن هذه الحالة – والعياذ بالله – قد تجره إلى ماذا؟ إلى استحسان كفرهم بعد حين فربما كفر، لكنها ليست بالكفر، فانظروا إلى التدقيق إذن، لأن هذا الفخر الرازي طبعاً، والله لو تقرأون في تفسيره تعلمون مقامات العلماء، فالرجل باقعة من بواقع الدهر، وهذا التفسير عجيب غريب، وقدرة هذا الرجل عجيبة.

أما آخر شيئ فقال هناك مُحاسَنة ومُعاشَرة جميلة في شؤون دنيوية، مثلما يحدث في البيع والشراء وما إلى ذلك، فيُمكِن أن أكظم غيظي وأن أتبسم في وجهه وأن أُراعيه في السعر، فهذه المُحاسَنة قال ليس فيها شيئ.

الإمام القرافي أعتقد في الفرق التاسع عشر بعد المائة قال لك – على ما أذكر – بل بالعكس، المُسلِم مندوب إليه، فالمسلم مدعو إليه مع الكافر غير الحربي طبعاً،فالمُحارِب يكون في حالة حرب، لكن الكافر المُسالِم يُمكِن أن نوده، وهذا – كما قلنا – نص الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة المُمتحِنة أو سورة المُمتحَنة، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

اللهم فقِّهنا في الدين وعلِّمنا التأويل وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نسألك حُب الخيرات وترك المُنكَرات وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مُبدِّلين ولا مُغيِّرين.

نعوذ بالله من الحور بعد الكور، اللهم ألِّف بين قلوب أمةِ محمد، اللهم وحِّد صفوفهم، اللهم لم شعثهم، اللهم جنِّبهم الفتن، اللهم ووحِّد شملهم يا رب العالمين وانصرهم على مَن عاداهم حقاً وصدقاً، واغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين وللمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مٌجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ۩، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (12/8/2016)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: