إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المباركين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله عز من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

أخرج الإمامان الجليلان البخاري ومسلم والإمام الترمذي – رحمة الله عليهم جميعاً – عن أبي هريرة – رضيَ الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – قال نحن أحقُ بالشكِ من إبراهيم إذ قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ ۩، وقد قال الحافظ الجليل ابن حجر – رحمه الله تعالى عليه – في فتح الباري اختلف العلماءُ – رحمهم الله جميعاً – في هذا الموضع -نحن أحقُ بالشكِ – أو في هذا المعنى، النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – فسَّر قول إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام – رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ ۩ بأنه شكٌ، فالنبي جعل هذا من الشك وقال نحن أحقُ بالشكِ من إبراهيم، وطبعاً هذا على تأويل قوله فيما صح عنه عليه الصلاة وأفضل السلام، ما معنى قوله نحن أحقُ بالشكِ من إبراهيم؟ قال الحافظ منهم مَن أجراه على وجهه، قال هو شك كالذي يعتلج ويحيك في الصدور والنفوس من وسوسة النفس أو إلقاء الشياطين، أي وسوسة الشيطان والعياذ بالله، فكأن الأنبياء غير معصومين من هذه الوسوسة على أنها لا تُؤثِّر في إيمانهم فلا تُزلزِله فضلاً عن أن تجتاحه ولكنها وسوسة، فكأنهم ليسوا معصومين من هذه الوسوسة ومن هذه الإلقاءات الشيطانية – والعياذ بالله – فضلاً عن أن يكونوا معصومين من تردد وتحير النفس، والحافظ يقول من العلماء مَن أجراه على وجهه وقال هو على وجهه، ومنهم مَن قيَّده بكونه وقع قبل النبوة، أي قبل نبوة إبراهيم، والآية ذاتها ليس فيها ما يدل على هذا، والحديث عينه ليس فيه ما يدل على هذا، فيُؤخَذ دليل هذا إن قام من مجموع أدلة العصمة المُقرَّرة في كتب العقائد، يقول الحافظ بن حجر الإمام الطبري – أي أبو جعفر بن جرير شيخ المُفسِّرين وشيخ المُؤرِّخين – أجراه على وجهه كما هو ولم يُقيِّده بهذا القيد، فابن جرير لم يقل هذا وقع من إبراهيم – عليه السلام – قبل نبوته، الظاهر أنه وقع بعد النبوة حين كان نبياً رسولاً، وجعله – أي ابن جرير رحمه الله تعالى – من باب ما يُلقي الشيطان من الوساوس في النفوس على أنه لم يُزلزِل إيمان الخليل، وهذا مذهب ابن جرير فإذا قال بهذا قائل لا يُقال أنت جاهل وتجهل ما ينبغي للأنبياء من عصمة، بل نقول له أنت الذي لم يقف على أقوال العلماء، أنت الذي لم يُحط علماً بالاختلاف الواقع في هذه المسألة، فلا تتعجَّل إلى الإنكار، لكن هؤلاء فعلاً جُهلاء، لأن لا يتعجَّل إلى الإنكار إلا الجاهل، أما العالم الذي اتسعت دائرته فهو يعلم أن هذا القول له وجهٌ وأنه قد سُبِقَ إليه وقال به غير واحد، وكفاكم بابن جرير – رضيَ الله عنه وأرضاه – جلالةً واعتباراً بالغاً في العلم والتحقيق، ثم قال الحافظ رحمه الله تعالى وهذا الذي قال به عبد الله بن عباس، ناهيكم به أيضاً، يقول الحافظ لذلك ابن جرير احتج بما رواه هو – ابن جرير روى هذا بإسناده رحمة الله تعالى عليه – وبما رواه عبد بن حُميد – شيخ الإمام مسلم – وبما رواه ابن أبي حاتم والإمام الحاكم – رحمة الله على الجميع – عن ابن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما – حيث قال أرجى آية في كتاب الله – تبارك وتعالى – هذه الآية التي تقول وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ ۩، فرضيَ الله – تبارك وتعالى – منه بقوله بَلَىٰ ۩، وقع الشك ولكن أنا لازلتُ مُؤمِناً والله رضيَ بهذا، لم يقل له هذا اجتاح إيمانك وذهب به، كلا فيُؤخَذ منه هذا المعنى الرحماني أو الرحموتي الجليل البالغ وهو أن الشك قد يُجامِع الإيمان، قد تكون مُؤمِناً ويعتريك شيئٌ من شك وهذا لا يجتافُ ولا يجتاحُ إيمانك بدليل الآية وبدليل هذه الآثار والأخبار، والآية كالواضحة فيه، تقول الآية قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ ۩، إذن لم تحصل الطمأنينة على وجهها الأكمل، معنى ذلك – كما فسَّره النبي وهذا شك – أن الشك يُجامِع الإيمان، فقد تكون مُؤمِناً ويعتريك شيئٌ من شك، هذه هى البشرية، هذه بشرية الإنسان، ومن هنا الإيمان بالغيب، نحن نُؤمِن بالغيب وبكل هذه الغيوب، فإن اعترانا شيئٌ من شك وشيئٌ من تردد لم يُزَل إيماننا، اطمئننا إلى ذلك، بل ما هو أبلغ قد ورد مُستنِداً عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – في الصحيح من حديث بن مسعود، وهكذا صُرِّحَ به حين شكى إليه أصحابه – رضوان الله عليهم – الوسوسة التي تحيك في صدورهم واستهولوها واستعظموها حتى أنهم أعربوا عن أن أحدهم يُفضِّل أن يخر من السماء أو أن يحترق فيُصبِح فحمة على أن يبوح به، فهذه وساوس عظيمة فظيعة مهولة، فقال النبي في حديث ابن مسعود الثابت في الصحيح تلك محض الإيمان، أي أن هذه الوسوسة هى محض الإيمان، وهذا أمر عجيب، كيف تكون هذه الوسوسة هى محض الإيمان؟ لأنها سبيل الإيمان وسوف نرى هذا، قال النبي نحن أحقُ بالشكِ من إبراهيم، قال الله في يونس فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ۩، والنبي يقول نحن أحقُ بالشكِ من إبراهيم، وفي حديث ابن مسعود إذن الثابت في الصحيح يقول تلك – أي هذه الوسوسة – محض الإيمان، أي صريحُ الإيمان وخالصُ الإيمان، فكأنه لا إيمان لا نقول إلا بالشك أو بالوسوسة وإنما لا إيمان إلا عبر هاته الطريق وعبر هذه السبيل، لأننا لسنا آلهة ولسنا نعرف الغيوب ولم نطلع عليها ولا نحس بها، ولذلك يعترينا شيئٌ من شك ومن تردد فلا بأس، أين هذه السعة الرحمانية من تشديد العلماء ومن إفظاع العلماء؟ بعضهم قال إن اعترى شيئٌ الإنسان يفقد إيمانه، وهذا شيئ غريب، هذه حالة بشرية وحالة عادية تعتري الأنبياء، فمن باب أولى وأحرى أن تعتري مَن دونهم كضعاف الناس مِن أمثالنا ولله الحمد والمنة.
هذه الخُطبة ستكون خُطوة – بإذن الله تبارك وتعالى – على الطريق التي نُحِب أن نسلكها وأن نُسلِّك إخواننا فيها وهى أنسنة الخطاب الإسلامي وإن شئتم رحمنة الخطاب الإسلامي، الخطاب الذي ينقصه غير قليل من هذه الرحمنة ومن هذه الأنسنة، والأنسنة لا تتناقض ولا تتعارض مع الرحمنة، بل تلتقي معها وتمتزج بها وتجد قوامها وهُويتها بهذه الرحمنة، فلا توازي ولا تعارض فضلاً عن وقوع التناقض، وهذه خُطوة على هذا الدرب، عطاء بن أبي رباح تلميذ ابن عباس – رضيَ الله عنهما – يروي عنه ابن جريج قائلاً سألت عطاء عن هذه الآية – وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ۩ – فقال وقع في قلبه – أو قال في نفسه – مثلما يقع في قلوب العباد، أي نوع من الشك، ولكن شك في ماذا؟ هل هذا شك في وجود الله؟ حاشا الخليل أن يكون كذلك، والأنبياء كانوا يعجبون ويُعجِّبون مِمَن يشك في وجود الذات الإلهية، تقول الآية الكريمة قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ۩، أعظم ما يُبهِظ العقل وأعظم تحدٍ يُواجِه العقل هو أن يُفسِّر الوجود بلا إله، هذا مُستحيل جداً وأمرٌ باهظ جداً إلى ما لا نهاية فلا تستطيع إلا هذا، هذا مُرهِق إلى ما لانهاية للعقل الإنساني، ولذلك عجَّبت الرسل من هذا وقالت أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ۩، فسِّر إذن نشوء السماوات والأراضين بلا إله، كيف؟ لكن الشك في ماذا؟ هو يبحث عن الكيفية، قال أَرِنِي كَيْفَ ۩، فهو يبحث عن الكيفية فقط، وحتى لم يشك إبراهيم في القدرة الإلهية وفي شمول القدرة الإلهية، لذلك الشك له مراتب، لو تقصينا واستقرينا موارد الشك في كتاب الله – تبارك وتعالى – لوجدنا أن القرآن يُفرِّق بين الشك والريب فانتبهوا، زُهاء ثنتي عشرة آية تتعلَّق بالنشأة الآخرة وبالبعث وبيوم القيامة نفى الله وقوع الريبِ فيها في هذه الآيات، فوقوع الريب في الآخرة في البعث منفي، قال الله لَا رَيْبَ ۩ وقال أيضاً لاَ رَيْبَ فِيهِ ۩، فالله يقول دائماً لا ريب، ما هو الريب؟ قال الله ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ۩، وقال أيضاً تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩ وذلك في أول الم، أي السجدة، فما هو الريب؟ الريب غير الشك فانتبهوا، فرَّق بعضهم – وهى تفرقة مُعتبَرة – بين الشك والريب بأن الريب شكٌ عن تُهمَة، فالقرآن لاَ رَيْبَ فِيهِ۩، وفعلاً سدنة الشرك وطواغيت الكفر والوثنية من المكيين لم يرتابوا مرةً في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال تعالى فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ۩، أي أنهم يعرفون أنه الصادق الأمين، وقال أيضاً فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ ۩ولم يقولوا ذات مرة إنه يكذب ولكنهم تهوَّكوا، قالوا ساحر وقالوا شاعر وقالوا كاهن، تقول الآية الكريمة وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۩، ولم يقولوا ذات مرة إنه كذَّاب، حاشاه لأنهم يعلمون صدقه فلم يُتهَم بأنه افترى على الله أبداً، قال فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ۩،ليس لديهم استعداد أن يخضعوا ويخشعوا ويبخعوا لهذا الحق لأنه مُبهِظ ولأنه مُكلِف جداً، هو يُكلِّفهم أكلافاً وأثماناً ليسوا بعد على استعداد أن يدفعوها، وفي مُقدَّم هذه الأكلاف والأثمان أن يتنازلوا عن كثير من مصالحهم واعتباراتهم الاجتماعية وحيثياتهم بين الناس، وهم ليسوا مُستعِدين ولا يُريدون هذا، ولذلك دائماً هؤلاء المُترَفون ذوو الحيثيات العلية والأعيان الوجهاء تقريباً في كل زمانٍ وآن هم عداة الحق – أعداء الحق – وخصوم الحق والمُحِقين وخصوم الذين يأمرون بالقسط من الناس، لماذا؟ لأنهم ليسوا على استعداد أن يتخلوا عنهم مكاسبهم ومُكتسَباتهم التي تغولوها بطرق الباطل والإفك والزور وليس بطريق الحق والاستحقاق وإنما بالإفك والباطل والزور، فهذه هى القضية، قال الله فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ۩، كيف يُمكِن أن نتخذ من هاته الآثار ومن هذه الآية الجليلة مُدخَلاً من مداخل كثيرة إلى رحمنة خطابنا الإسلامي الذي – كما قلت – ينقصه الكثير من هذه الرحمنة؟ واضح في العموم أنه بلا شك خطابٌ فيه كثيرٌ من القسوة ومن العنف ومن الأقصوية ومن القطعية ومن الحدية، ليس إزاء غير المسلمين فقط بل إزاء المسلمين أنفسهم، إزاء أبناء الملة، إزاء أبناء “لا إله إلا الله، مُحمد رسول الله “، سخيفٌ جداً وجاهلٌ جداً ومُتغطرِسٌ ومُتعجرِفٌ جداً ومُجرِمٌ جداً الجرأة على الله – تبارك وتعالى – وادّعاء بعض صلاحياته للقضاء على بعض الناس بأنهم باءوا بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۩،هذا سخيفٌ جداً، هذه جناية عظيمة على النفس وعلى الآخرين وعلى صورة الله في العقيدة وفي المُعتقَد الإسلامي وعلى الدين برمته، كيف؟

أولاً لأن هذه الجرأة وهذه القسوة وهذا الفقر والإجداب الروحي الوجداني والفقر الرحموتي مُشعِر بهدفية بغيضة جداً وهى تخفيض صورة الله، لكن قبل أن نُكمِل الجُملة ما معنى تخفيض صورة الله؟ ما الله كما تعرَّف إلينا؟ الله هو الرحمن الرحيم، الله – كما قلنا ذات خُطبٍ سوابق وليس ذات خُطبة – الذي ما خرج هذا الوجود إلا به، السماء الدُنيا على حد ما بلغ التحقيق العلمي إلى اليوم إن اعتبرنا أنها هى السماء الدُنيا وربما تكون بعض السماء الدُنيا – الله أعلم بقطر زُهاء ثمانية وعشرين بليون سنة ضوئية – هى شيئ بسيط من خلق الله، ما نحن وما كوكبنا وما مجرتنا؟ ولا شيئ، من الشمس إلى الأرض مائة وخمسين مليون كيلو متر قطعها الضوء في ثماني دقائق فقط، الضوء يلف الأرض ثماني مرات في الثانية، فأين ترونه وتحسبونه يبلغ إذا مضى ثمانية وعشرين بليون سنة ضوئية؟ هذا بعض كون الله وبعض خلق الله، وهذا الكون فيه من الخلق ما لا يعلمه إلا الله، تقول الآية الكريمة وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ ۩،فكيف بالسماوات الأخرى؟ كيف بما لم نسمع به ولم يصلنا نبؤه؟ كل هذا خلق الله، والله يقول كل هذا الخلق فاض من عين الرحمة ويُدبَّر برحمتي ويُرعى برحمتي، والآن يأتيك صعلوك من صعاليكنا – أعني من صعاليك البشر – سواء أكان مسلماً أو غير مسلم ويُخفِّض صورة الله للأسف، وهذا يُؤلِمني جداً، كأن بعض مسلمي اليوم – ليس كل المسلمين بحمد الله – وبعض دُعاة اليوم وبعض مشائخ اليوم يُصِرون إصراراً قوياً دونه الموت على أن يحتكروا الصيغة الأقسى والأعنف في تصوير الله، كأن هذا شرف لنا، فخفَّضوا صورة الرحمن الرحيم الذي يرعى كل هاته الأكوان برحمته لا إله إلا هو، كل هاته الأكوان ممسوكة برحمته لا إله إلا هو، ولا أحد يستطيع أن يتخيَّل مهما شطح الخيال به وجمح سعة رحمة الله، ما لك ولعباد الله؟ اترك خلق الله لخالقهم، اتركهم لربهم لا إله إلا هو، لا تقض على أحد بعينه ما لم يقض عليه النص، الله يقول تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ۩ فنقول تبت يداه وهو في الجحيم مُخلَّد لأن النص قضى بهذا، لكن أي إنسان مثلنا لا ندري مصيره، لا تقل هذا كافر وهذا من أهل جهنم وإن مات على هذه الحالة قطعاً – والله – من أهل جهنم خالداً مُخلَّداً، فما أدراك يا جهول يا مُتغطرِس يا فقير الروح يا فقير المعنى يا فقير الإيمان؟ تساؤل الآن خطر لي وهو لماذا نجد أكثر الناس رحمانية في هذه الأمة المُتصوِّفة وأصحاب الذكر والوله بالله؟ أنا أقول لكم لأنهم الأدنى إلى الله والأكثر شعوراً بالله، ولذلك هم الأكثر شعوراً برحمانية الله، أليس كذلك؟ هم الأعرف بالنفس الإنسانية، أعرف الناس بالإنسان هم هؤلاء المُتروحِنون العرفاء الذاكرون المُتيَّمون بحب الله وبذكر الله، لماذا؟ لأنهم يُلاحِظون أنفسهم ليل نهار ويُراقِبون أنفسهم جداً، لكن نحن لا نفعل هذا، قد تجد مَن يتسمّى بإسم العلماء والمشائخ يُمضي سنة وسنتين وثلاثة ولا يُراقِب نفسه حقاً مرة واحدة، كأن يقول هل أردت وجه الله بهذا الموقف؟ هل أردت وجه الله بهذه الفتوى؟ هل أردت وجه الله بهذه الخُطبة؟ ماذا أُريد؟ لماذا أجحد الحق حين يلوح لي؟ لماذا أغضي عن الحق وأُغمِض عليه؟ لم يقل لنفسه مرة أفعل هذا من أجل مصلحتي ومن أجل طائفتي ومن أجل حزبي ومن أجل الامتثال والتماهي مع جماعتي،لم يقل لنفسه هذا مرة ثم يأتي يقضي على عباد الله بأنهم في جهنم، وهذه غطرسة وغرور وقسوة وإجداب روحي ومعنوي للأسف، هل هكذا صارت صورة صورة الإسلام؟ هل هذا هو الدين الذي ما بعث الله به محمداً إلا ليرحم به العالمين – إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩– كما نعلم؟ هل هكذا صرنا ونفتخر بهذا؟ يا ويلنا من أنفسنا ويا ويل الناس منا، والويل حاضر وجاثم على قلوبنا وعلى عقولنا ونفوسنا، وهذا الويل جاثم في بلادنا وأوطاننا، فهم يفترقون ويتمزَّقون من أجل هذا، وهم بعد ذلك يلومون ويبكون وينوحون بأن الإسلام يُؤتمَر به وأن هناك مُؤمَرات، المُؤامَرات موجودة ما وُجِدَ البشر، البشر هو الكائن الطمَّاح الطمَّاع والكائن الناظر إلى السُلطة، فيكفر بكل القيم إلا أن يرحم الرحمن الرحيم من أجل السُلطة، لماذا اختلفتم أولاً؟ اختلفتم من أجل هذا، وكله بإسم الإسلام وكله بإسم الدين، كأن لا دين إلا دينك، لا دين إلا كما تفهمه، الذي عندي ليس دين والذي عنده ليس دين، الدين دينك فقط، ولذلك هم حريصون على تشقيق المبادئ وتوعير الطرق وتكثير المعنى وتشظيته، ثم يدّعون أن الهُوية هى جُمّاع ذلك كله مرة واحدة بلا استثناءات وبلا رتوق و بلا فراغات، وهذا أمر عجيب جداً، لذلك نقع في يد الحصرية والأقصوية الحدية في المواقف ونقول نحن وفقط أما غيرنا كلهم من أهل الجحيم، وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ۩، فأي طريقة في فهم الدين هذه؟ ومن هنا أيضاً الحرصُ على التعتيم لا على التنوير، ودون أن نخوض في معاني فلسفية وفكرية مُعمَّقة لنقف فقط مع الدلالة اللغوية لكلمتي تنوير وتعتيم، التنوير هو إلقاء مزيد من النور على الموضوع قيد البحث وقيد الدرس فيضح الموضوع، وإذا وضح الموضوع ما الذي يحصل؟ يتحرَّر البشر، كيف؟ أنا أقول لكم السبب، لقد قيل المعرفة قوة، وقلت ذات خُطبة المعرفة شجاعة، واليوم أقول ولعلي قلتها من قبل المعرفة حرية، الذي لا يعرف إلا طريقاً واحدة أو سبيلاً واحدة إلى بيته وسُدَّت هذه السبيل – سدَّتها الشرطة في يوم من الأيام مثلاً – فإنه ربما سيضطر أن يُحدِث دورةً كاملة حول المدينة أو القرية ليعود إلى بيته، هذا المسكين لا خيارات لديه، خياراته محدودة جداً جداً جداً، ولذا هو مجبور على هذه الحماقة لأنه لا يعرف، لكن سائق التاكسي – Taxifahrer – يعرف غير هذه السبيل الرئيسة – يعرف ثلاثة أو أربعة من السُبل – ومن ثم سوف يأخذ أقصرها إلى البيت دون أي مُشكِلة، فالمعرفة حرية والخيارات الوسيعة تأتي بالمعرفة، فهذا السائق يعرف أكثر من سبيل وفي كل الأمور هكذا لأن المعرفة حرية، ولذلك انظر إلى هذه الحقيقة التي في عمقها معنىً فلسفي وذكرها القرآن، قال الله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، ما معنى قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩؟ هذا هو الصحيح وهذا هو الخاطيء الغالط، هذا هو الرشد وهذا هو الغي، هذا هو الحق وهذا هو الباطل، هذا هو النور وهذا هو الظلام، وانتهى كل شيئ، قال الله لَا إِكْرَاهَ ۩، فالناس أحرار، لماذا نُكرِه أحداً؟ لا مجال للإكراه، الناس أحرار، لكن متى يكونون أحراراً حرية حقيقية؟ بالتنوير، يكونون كذلكم إذ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، لذلك التنوير تحرير، فهذه عبارة نقولها الآن هكذا: التنوير تحرير، نوِّروا يتحرَّر البشر، ماذا قال السيد المسيح عليه السلام؟ قال تعرفون الحق والحق يُحرِّركم، وهذا معنى عظيم جداً، فهذا ليس كلاماً هكذا مسجوعاً جميلاً وإنما هو معنى عميق حقيقي، بقدر ما تعرف من الحق بقدر ما تتحرَّر، وبقدر ما تجهل بقدر ما تُستعبَد، فهذا هو التعتيم إذن، المطلوب هو التعتيم وليس التنوير، كلما أضأت موضوعاً أياً كان بأنوار هادية وبأنوار جديدة غير مأنوسة لهؤلاء المُعتِّمين قالوا لماذا؟ ولصالح مَن؟ ولماذا في هذا الوقت؟ وما الفائدة من هذا؟ وكله منطق ذارئعي، ألا تباً للذريعة، ما هذا المنطق الحقير؟ هذا منطق التُجّار وليس منطق ناشدي الحقائق، الحقائق لا تعرف بقولكم لصالح مَن وماذا عن التوقيت ومن أجل ماذا وما الفائدة، هذا منطق التُجّار، هذا منطق المُضارِبين بالنقود في الأسواق وبالأسهم، وليس منطق مَن يُريد الحق لأجل الحق بغض النظر عن المُبرِّرات الكثيرة جداً جداً جداً جداً، فهم يأتونك مُباشَرةً بألف بألف منطق يفوح بالذرائعية، والذرائعية انتهازية طبعاً، يُمكِن أن نُعادِل بين الذرائعية والانتهازية تماماً، بمعنى أن هذه الحقيقة وتنوير هذه الحقيقة في ظرفٍ آخر لو خدم مصلحتنا سوف نقول يا حيهلاً بالتنوير، يا سلام، والآن ليُذبَح التنوير، وبذبحه تُذبَح الحقائق، ألا لعنة الله على الذرائعية ولعنة الله على الانتهازية، ولذلك هذه الانتهازية تُوقِعهم في تناقض ذاتي، فيكفرون ببعض ما آمنوا به ويكفرون ببعض مبادئهم ، أكثر من ثلة من إخواني العلماء والمُفكِّرين راسلوني وراسلتهم وهاتفوني وهاتفتهم وجالسوني وجالستهم وهم يدعون إلى أن يعم الإسلام الأرض وأن يحكم الإسلام العظيم السمح المُقسِط العادل المُنير هذه الأمة، وهذهخُطوة على طريق – إن شاء الله – أن تُرحَم به الدُنى كلها،ولكن إن تطرَّقت إلى قضية مُعيَّنة فيها بعض مُقدَّساتهم الزائفة قالوا لك نحن نعرف هذا وليس لدينا مُشكِلة، ولنكن واضحين فهذا يحدث في قضية مُعاوية بن أبي سفيان، يُقال يا أخي لا بأس، نعرف أنه فعل وفعل وفعل وفعل ولكنه كان حاكماً عظيماً وفتح الفتوح وضبط البلاد، أي أنه كان أشبه بقيصر أو بإمبراطور، لكن مُباشَرةً الحُجة لا تخذلني وأقول لهم هذا عجيب جداً، أنتم تتناقضون هنا، هل تُريدون مُجرَّد حاكم عظيم وحاكم قوي؟ جنكيز خان أفض من مُعاويتكم ألف مرة، أعظم إمبراطور في التاريخ وقد بنى أوسع إمبراطورية على الإطلاق هو جنكيز خان، إذن هو أعظم من مُعاويتكم، إذن هو أعظم من إسلامنا وإذن هو أعظم من أهدافنا، يُسقَط – والله – في أيديهم مُباشَرةً، أقول لهم فماذا تُريدون؟ الذي أُريده وأبقى أواليه هو حكم على طراز حكم أبي بكر وعمر ونصف خلافة عثمان وعليّ، لن أُداهِن في الحقائق، ليس عثماناً كامل – رضيَ الله عن عثمان – لذا أقول نصف خلافته، فالنصف الآخر لا يُرضيني، كما لم يُرض الأمة ولم يرض الصحابة الذين خذلوه، لنكن واضحين فإياكم والنفاق في الحقائق، إياكم أن تُغالِطوا أنفسكم في الحقائق، لأننا مسئولون بين يدي الله عن كل ما نفوه – والله العظيم – وعن كل ما نقول، ليست لعباً المسألة، ما هذا التعتيم؟ لماذا تُعتِّمون؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن التنوير يُحرِّر والتعتيم يستعبد، والاستعباد أفضل لهم، وهذا أمر عجيب، هل تعرفون لماذا؟ سأختم بهذا المعنى ثم أمضي إلى تقزيم صورة الله في المُعتقَد وتخفيض صورة الله في مُعتقَدنا، مليون عبد يُساوون كم؟ عبداً واحداً، ماذا عن بليون عبد؟ يُساوون عبداً واحداً أيضاً، لماذا؟ ما معنى العبد؟ ما معنى العبودية؟ لا موقف ولا رأي ولا نعم ولا لا إلا ما كان بموقف الاستخزاء والبصم والمُصادَقة بلا بصيرة على كل ما يهواه السيد ويأمر به ويُقرِّره السيد، فبليون عبد كعبدٍ واحد، قال الله مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ ۩ لأننا عبيد طبعاً، وهكذا عبيدُ المُتألِّهة من البشر، ولذلك التعتيم يُفيد جداً في الاستعباد، فلا نقاش ولا اعتراض ولا فكر ولا شخصية ولا موقف ولا رأي، كلهم كما يُقال في المثل مثل تنابلة السُلطان، يقولون سمعنا وأطعنا، هذا مظبوط وصحيح، هو كذلك فعلاً، فبليون مثل واحد، ولكن بالتنوير يحدث التحرير، ويبدأ الاعتراض ويبدأ التساؤل، نقول لم وكيف؟ فنطلب التبرير ونطلب التسويغ ونطلب البرّهان، والله بنى هذه العقلية المسلمة وحثَّها وناشدها أن تُبرّهِن أو تتبرّهَن، تقول الآية الكريمة هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۩، قال لو أنهم أشركوا عن بينة وعن حُجة لا بأس، ولكن أن تُشرِك وأن تكفر – والعياذ بالله – لا عن بينة ولا عن سُلطان فهنا البأس، القرآن يُناشِد هنا السُلطان والحُجة، قال الله لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۩، وقال أيضاً وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۩، وأعلم أن القيد هنا لا مفهوم له لكن له دورٌ بلاغي، وهذا الدور البلاغي يُفيد في هذا الموقف الفلسفي الفكري التنويري، فنحن نعلم هذا ولن تغتالنا حقائق الأصول أحياناً التي تأتي جامدة لأننا نعرف هذا، فهو لا مفهوم له، ومع ذلك له دورٌ في المُستوى البلاغي، وليس في مُستوى استنباط الأحكام البسيطة وفي المُستوى الساذج لها، قال الله وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ۩، الله أكبر، كأن معناها أن في الأمر سعة لمن شاقه من غير تبين، ولكن إن تبيَّن لا سعة، قال الله لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ۩، فما معنى هذا؟ المعنى الأعمق لهذه المسائل هو متى تُصبِح مسئولاً عن كفرك وعن غيك وعن خطيئتك وعن جُرمِك وعن مُشاقتك للرسول؟ تُصبِح مسئولاً حين تكون حراً، غير الحر ليس مسئولاً، أليس كذلك؟ الذي ليس حراً ليس مسئولاً، فالمسئولية فرع الحرية، هل يُمكِن أن تُسائل روبوتاً – Robot – تركته في بيتك وتضربه على وجهه قلمين وتمنعه من الخدمة؟ هذا روبوت Robot، هو جهاز مُبرمَّج، لكن نحن لسنا كائنات مُبرمَّجة أبداً، نحن نُعيد برمجة أنفسنا بل برمجة العالم بفهم ما يُتاح من الحقائق، هل تعرفون هذا؟ حتى العالم نحن نُشارِك في إعادة إنشائه، ولعلني أشرح هذا المعنى العجيب جداً وهو وثيق الصلة بخُطبة القدر محواً وإثباتاً بطريقة مُذهِلة ومُحيرة، فإن شاء الله نأتي عنه ثم أعود إلى تقريره، نحن نُعيد برمجة أنفسنا ونُعيد برمجة الكون والوجود بالقدر الذي يُتاح لنا من الحقائق ونُعيد برمجة صورة إيماننا وصورة الله في مُعتقَدنا بقدر ما يُتاح لنا من الحقائق التي تتجلَّى شيئاً فشيئاً، وهذا ما أُسميه نُسخة الإيمان الحي، ليست نًسخة كتاب الإيمان وإنما نُسخة كتاب إيماني ونُسخة كتاب إيمانكَ أنتَ ونُسخة كتاب إيمانكِ أنتِ، وفي الحديث القدسي الجليل عبدني اطلبني تجدني، طلبته اليوم فوجدته ولكن على قدي وعلى قد أهليتي ولياقتي الروحية والعقلية، والآن أتكثَّر وأتخصَّب وأعمَق وأعلو وأسمُك، سأطلبه غداً وبعد ساعة وبعد كل ساعة وفي كل ساعة سأجده ولكن على قدي بعد ساعة وعلى قدي بعد يوم أعمق، وسأطلبه بعد غد وسأجده أعمق، هل وجدتم كيف؟ هو هكذا، تُعاد برمجة صورة الله، هذه خبرة وصورة خبرية وصورة معيشة، والنص يتسع تأويلاً لكل هذه الصور والنص يُحيط بها جميعها، قال الله يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً ۩، طريق طويلة لانزال نُواصِل طي مراحلها إلى الله – تبارك وتعالى – نُجداناً له وطلباً له وتعرفاً عليه سبحانه وتعالى، وكل هذا محوط بالتعرف إلينا الذي أعطته خُطة الكتاب العزيز الأجل، أي كتاب الله تبارك وتعالى، ولذلك علينا أيضاً أن نُدرِك محدوديتنا وضعفنا ونُدرِك بشريتنا وإنسانيتنا التي تُساوي بكلمة الضعف والمحدودية والهشاشة والنسبية والخليطة أو الخليطية، فنحن كائنات خليطة، مَن أنا؟ ما أنا؟ مَن أنت؟ ما أنت؟ ما نحن؟ نحن نسيج من نورٍ وظلام، من علمٍ وجهل، من قدرةٍ وعجز، من غضبٍ وحلم، من عقلٍ وشهوة، من علوٍ وسفل، من روح وتراب، نحن هذا الخليط، نحن البشر الضعاف فلسنا آلهة، لذلك علينا دائماً ونحن نطوي مراحل السير إلى الله تبارك وتعالى – اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩ – أن نُعيد اختبار ما أنجزناه بمعيار ماذا بمعيار ليس ما أنجزناه وليس بمعيار ما نحن عليه بل بمعيار ما لسنا عليه، ما معنى هذا الكلام؟ انتبهوا إلى أن مُعظم الناس يفقد نفسه ويخسر نفسه وبالتالي هذا هو الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ۩ لأنه دائماً يختبر نفسه وإنجازاته بماذا؟ بما صار عليه وبما هو عليه، بما لديه الآن من إيمان ومن علم ومن مال ومن سُلطة ومن قوة ومن حيثية ومن اعتبار، وهذا هو الهلاك وهذا هو الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ۩، هل تعرف لماذا؟ لان هذا لا يقبل أن يُعيَّر ولا أن يُعيِّر بالوسائل التي اصطنعتها في سبيل تحقيق هذه السُلطة وتلكم القوة وركم هذه الأموال وتحصيل هذا العلم والمعرفة والحيثية الاجتماعية، لكن انتبهوا إلى أن ما يفعل ذلك ويصلح لذلك ولتعيير ذلك ما لستُ عليه، يجب أن أكون دائماً مُطمئناً أنني في هذه اللحظة من حياتي لستُ الدجّال ولستُ الكذَّاب ولستُ الوغد ولستُ ذلكم الوغد الصاغر أو الصغير روحياً ونفسياً ولستُ ولستُ ولستُ، هذا ما يهمني، أما ما أنجزته وما حقَّقته هو مُهِم ولكن لا يهم كثيراً مثل هذا، فهذا الذي يهم، أنا أعرف أنني لستُ ولستُ ولستُ، وهنا قد يقول لي أحدكم ما هذه الفلسفة؟ هل هذه فلسفة نفي؟ ليست كذلك بل بالعكس، أنا أُؤمِن بفلسفة التحقّق والتحقيق، ولكن لابد أن تُعيَّر بهذه الفلسفة النافية حتى يكون تحقيقاً أخلاقياً وحتى يكون إنجازي أخلاقياً وحتى تكون إنسانيتي حقيقية، وإلا أنا لستُ إنساناً وإنما أنا شيطان، وأحياناً أنا حيوان – والعياذ بالله – كاسر أو شاهٍ شهوان، فأُحِب أن أبقى ذلكم الإنسان الذي هو عبد الرحمن حقاً، تقول الآية الكريمة قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ۩، الذي يبرز فىّ وبي وعبري مصداق قوله تعالى إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ۩، فأنا أُحِب هذا، وقلنا ذات خُطبة أو ذات خُطبٍ ونُكرِّر هذا المعنى لصلته بالمقام متى أُعطيَ الإنسان حريته؟ هل هذا قبل التكليف أو بعد التكليف؟ قبل التكليف، نحن كائنات حرة ونحن في الجنة، والجنة ليست دار تكليف فانتبهوا، هذا ليس تكليفاً شرعياً، حتى ما وقع من النهي عن الشجرة ليس تكليفاً، هذا شيئ لابد أن نجد له توصيفاً، التكليف كان في الدُنيا، تقول الآية الكريمة فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ۩، قبل أن ينزل آدم وقبل أن يهبط آدم وحواء آدم كان في الجنة حراً، وبهذه الحرية أكل من الشجرة المُحرَّمة، أليس كذلك؟ وبهذه الحرية وبتوالي وبنتائج هذه الحرية أُهبِط إلى الأرض وكُلِّف، فبماذا تبرَّر أو بُرِّرَ وسُوِّغَ التكليف؟ بالحرية، ما هو الأصل؟ الحرية، ما هو الفرع؟ التكليف، لا معنى لأن نُلغي الحرية – حرية أنفسنا وحرية الآخرين – أو نكفر بها أو نظل ننسج عليها خيوط التقييد والتقييد والتقييد كدودة القز حتى نختنق، نفقد حريتنا وبفقداننا للحرية نفقد إنسانيتنا، الإمام الجليل عبد الحميد بن باديس كان يقول أنت حيٌ بمقدار ما لديك من حرية، أنت ميت وأنت عدم بمقدار ما تفتقد من حريتك، فأنت تُساوي الحرية، يقول ابن باديس – رحمة الله عليه – أنت تُساوي حريتك، وهذا معنى جميل وعميق نتشبَّث به، بإسم ماذا؟ بإسم أشياء كثيرة، أفكار وأيدولوجيات وعقائد، لكن غير صحيح ولا يجوز أن يُتخَذ التكليف ذريعةً لاغتيال الحرية، هل تعرفون لماذا؟ لأنه لا يبقى لا أصل ولا فرع، لا يبقى لا تكليف ولا حرية، لأن الحرية هى الأصل الذي تبرَّر به التكليف، فالتكليف فرعٌ، إن ذهبت تقضي على الأصل بإسم الفرع لا بقيَ لا أصلٌ ولا فرع ببساطة، مثل شجرة نُريد أن نجتثها من أصلها لصالح فرعها فلا يبقى الفرع، ولذلك علينا نحن المسلمين والإسلاميين أن نفهم أن تقييد حريات البشر واغتيال حريات البشر خارج حدود المشروع المقطوع مرفوض، والمشروع المقطوع يتسالم عليه كل مُجتمَع سليم، حتى المُجتمَعات المفتوحة بلغة كارل پوپر Karl Popper تتسالم عليه، ولكن ليس المشروع على لسان الفقهاء البشر النسبيين من أمثالنا الذين يحملون أدواءهم ونسبياتهم وأمراضهم وعللهم ومصالحهم وحساباتهم ومحدوديتهم الفكرية، فهذا البشر محدود وهذا البشر نسبي، أنا أيضاً نسبي وأنتم نسبيون، ولذلك ما الحل؟ الحل أن نُفرِّق بين النص الإلهي وبين نصوص البشر، ولذلك من حقنا أن نفهم النص وأن نُناقِش في فهمنا، لا تُحرِّموا علينا أن نأتي بفهمٍ جديد للنصوص تتناسب مع تحدياتنا ومع ظروفنا ومع شروطنا ومع مُستوانا المعرفي، نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين اليوم، هل تُريد أن تربطني إلى عصر ابن تيمية وعصر ابن جرير وعصر أبي حنيفة ومالك والشافعي وجعفر؟ هذا لا يُمكِن، مُستوانا مُختلِف وتحدياتنا مُختلِفة وإدراكنا مُختلِف.

تاهت المعاني لكن نعود باختصار ونقول هذه جناية – كما قلت لكم – على صورة الرحمن في التصوير الإسلامي وفي التصوير العقدي لله تبارك وتعالى، أن هذا الإله العظيم أشبه بحاكم وإن يكن عادلاً إلا أنه قاسٍ جداً وقليل الرحمة، عكس ما أخبر الله عن نفسه، رحمته تسبق غضبه لا إله إلا هو، رحمته وصف ذاتي وغضبه وصف فعلي يكون ويزول ولكن الرحمة لا تزول، لا أدري بأي عقل عقدي نُفكِّر نحن وندّعي أننا نتكلَّم بإسم النص وبإسم العلم، هذا غير صحيح، هذا عكس النص وعكس العلم، هذا الإله عادل، هذا الحاكم الباطش القاسي العنيف عادل ولكنه تقريباً لا يسمح ولا يغفر ويُؤاخِذ مُؤاخَذة قاسية، لكن الله ليس كذلك لا إله إلا هو، حاشا لله أن نتورَّط في تصويره على قد أذهاننا نحن وعلى قد نُدحتنا وعطننا النفسي والمعنوي البسيط جداً، بعض الناس غير رحيم بأهله وبعض الناس غير رحيم بزوجته وغير رحيم بأولاده فهل هذا يُراد منه أن يعكس رحمانية الشريعة؟

بالأمس استمعت إلى شيخ فاضل وواضح من شكله أنه فاضل وفيه صدق وربانية، وكان يدعو ويبتهل ويبكي تقريباً أن نُطبِّق حدود الله وأن نُقيم حدود الله، ما هى حدود الله؟ وطبعاً واضح أنه ليس في ذهنه إلا القطع والرجم والجلد، فيا رجل اتق الله، هل حدود الله هذه عادلت الشريعة بها؟ هناك ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، وآيات حدود كلها عشر آيات فقط، فأين الستة آلاف والمائتان والست والثلاثون؟ هذا كله مُعطَّل عنده، أين العدل؟ أين حق البشر في العيش الكريم؟ أين حريات البشر؟ أين حقوق الإنسان؟ سأقولها كلمة: ما أروع هذا الغرب الذي ناضل وناضل وناضل ولايزال من أجل حقوق الإنسان، ما أرقى هذا الغرب، نحن نكفر به وبكل مُنتَجاته إلا ما وافق هوانا، ليس ما وافق النص الإلهي الجليل وإلا النص سبَّاق، هذا بضيق العطن يُريد أن يحكم على البشر، ولذلك الله لا يتساهل مع هذه الحالة، هذه حالة جنائية عُظمى تُشوِّه رسالة الدين وتُفسِد خُطة الأنبياء وتُعفِّي على مشوارهم وجهادهم، لذلك في صحيح مسلم شاب قال لأخيه – هذا شابٌ عابد قانت ناسك، وأخيه والعياذ بالله مُقيم على شرب ولهو وقصف – والله لا يغفر الله لك فقال الله مَن ذا الذي يتألى علىّ؟ والألية هى الحلف، أي قال الله مَن هذا الذي يحلف؟ مَن هذا الذي يُقسِم؟ فقال الله -أي لنبي ذلك الزمان – مَن ذا الذي يتألى علىّ أن لا أغفر لعبدي؟ اذهب فقد أوجبت لك النار وغفرت له، لتنفعك عبادتك ورُكعياتك وحجاتك وعُمراتك، لا يجوز أن تُخفِّض صورة الله على قدر نفسك الفقيرة بالرحمة، اركب طائرة فقط ، وأجِل نظرك في غيوم الأرض و لا أقول في غيوم الكون حتى تعرف مدى عظمة خلق الله، وبالتالي يُمكِن أن تُصيب شيئاً من توهم عظمة رحمة الرحمن الذي خلق هذا الكون، فيا أخي تواضع قليلاً واخرج إلى العالم واترك عُقدك واترك سودوية نفسك، أنت ربما تكون كارهاً لنفسك وكارهاً لقدرك وكارهاً لحظك وساخطاً على زوجك وعلى أولادك، لكن لا تُسخِّط الناس على رب الناس لأنك ساخط، ما شغلنا بك؟ ما شغلنا بك وبأمثالك؟ ارحمونا من هذا.

يقول الإمام مالك في آخر موطئه بلغني أن عيسى بن مريم – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان يقول لا تُكثِروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيدٌ من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الخلق كأنكم أرباب، فأنت لست رباً، لكن بعضهم ربٌ وقاضٍ وجلَّاد أيضاً، أي أنه ربٌ كامل، يُكفِّر ثم يُنفِّذ الحكم فيك حرقاً أو تفجيراً أو ضرباً بالرصاص أو بضربة سيف – لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ – ويتقرَّب إلى الله بهذا، الله أكبر، سأسمح لنفسي أن أُسمي بعض هؤلاء بالمُلتاثين، فهم ليسوا أقل من أن يكونوا مُلتاثين، عقولهم غير طبيعية ونفوسهم بالحري غير طبيعية، هل تعرفون كفَّروا مَن؟ كفَّروا حتى الأنبياء، فهل سمعتم بهذا؟ طبعاً كل دارس لجماعات التكفير في القرن العشرين يعلم هذا وقرأه غير مرة، نعم هناك من جماعات التكفير ومشائخ وبلحى ويبكون في الصلوات كفَّروا الأنبياء، فحتى النبي لا يملأ عينه، وهل تعرفون يُسمّونه ماذا؟ يُسمَونه التكفير اللحظي، قالوا من المُمكِن أن يكفر النبي لحظياً، لكنه يعود ويتوب ويُصبِح مُؤمِناً، يا سلام، ما شاء الله عليك، فواضح أنهم – والعياذ بالله – تبنوا دور الله، هم يلعبون دور الله ويحكمون حتى على النبيين، الله أكبر يا أخي، لكن أنا لا أسمح لك أن تحكم علىّ ولا على أخي ولا على أختي، مَن أنت؟ اذهب إلى طبيب نفسي لكي يحكم عليك يا رجل، كيف تحكم على الناس أنهم في النار وأنهم باءوا بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۩؟ مَن أنت؟ أنت مُعتَل، اعتلت بك صورة الدين والله العظيم، أنا أقول والله الذي لا إله إلا هو اعتلت صورة – Image – الدين وصور الإسلام في العالم بهؤلاء وأُقسِم بالله على هذا، ولدينا في الأمة العربية مُعتَّلة والإسلامية بهؤلاء، والناس لا يدرون أنهم يقتاتون على سموم وليس على أفكار، هذه ليست عقائد وليست فقهاً، هذه سموم سمَّمت الروح قبل أن تُسمِّم العقل، أرواحنا مُسمَّمة وعقولنا طبعاً مُجتاثة بالكامل ومُسمَّمة تماماً، قالوا آدم كفر لما أكل من الشجرة لحظياً، وكذلك موسى حين ألقى الألواح كفر، فهكذا هم يقولون، قالوا حين ألقى الألواح وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى ۩ كفر، ولكن كفر كفراً لحظياً لم يلبث ولم ينشب بعده أن عاد إلى الإيمان، وقالوا نوح حين قال إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ۩ كفر، وبعد ذلك لم ينشب أن عاد إلى الإيمان، فتباً لكم ولهذا الفكر، تباً لكم ولهذه الضحالة ولهذه الإجداب الروحي، حتى الأنبياء ما نجو من شركم.

يُحدِّث أحدهم بعد أن تاب من لوثة – جنون – التكفير قائلاً والله جلسنا ذات ليلة بين المغرب والعشاء ونحن ستة – أنا سادس ستة – نتجاذب أطراف الحديث في الحكم على البشر من الحكومة إلى آخر محكوم وهو البواب، فلم نلبث أن انتهينا إلى تكفير الأمة كلها، مصر كلها خرجت عن الإسلام، سبعون مليوناً كلهم كفرة من الرئيس حتى البواب، وبقيّ مَن؟ الستة، قال ثم صار بعضنا يُكفِّر بعضاً، ثم قال والله الذي لا إله إلا هو ما صلينا العشاء إلا فُراداً لأن كلاً منا كان عند صاحبه كافراً، فكله كافر، أنت كافري وأنا كافرك، كما قلت مرة كلٌ منا زنديقٌ الآخر، لماذا؟ هل تعرفون لماذا؟ كل هؤلاء فشلوا أن يفهموا أن الأولوية للإنسان، الله أعطاني حريتي قبل أن يُكلِّفني، ثم أهبطني وكلَّفني وأطلقني وأطلق سراحي وسمح لي وأذن لي كونياً وليس شرعياً – انتبهوا فهذا إسمه الإذن الكوني – أن أكفر بالله، فالله سمح لهذا كونياً أن يكفر بالله وأن يُجدِّف وأن يقتل حتى الأنبياء والَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ۩ وأن يقتل أولياء الله وأن يفعل ويفعل، هو سمح له ومع ذلك لم يحرمه ولم يحظر عليه التوبة ولا بابها أن يدخله حتى آخر لحظة، هل تُحِب أن تتوب؟ تَب ولا مُشكِلة، والله ذكر هذا وقال إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا – بماذا فتنوهم؟ ألقوهم في النار المُستعِرة المُصطلية المُلتهِبة، أحرقوهم وأحرقوا الولدان والشيوخ والنسوان – فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۩، يقول الحسن البصري ما أرحمه، لم يُقنِّطهم من رحمته وقد حرَّقوا عباده، هل حرَّقتموهم؟ توبوا، فما هذه الرحمة العظيمة؟ لكن أنت اليوم حين تُخالِف أخاك في مسألة فرع فرع فرع فرع فرعية يُقال عنك خارج من الملة وكافر ويُستتاب وإلا قُتِل وزنديق ولعنة الله عليه ولا تُبايعوه ولا تُؤاكِلوه ولا تُجالِسوه ولا تُزوِجوه ولا تتزوجوا منه، ما شاء الله عليك يا حبيبي، أنت فقت التأله والتربب بمراحل، لكن انظروا الآن إلى سعة نظر علمائنا وأئمتنا روَّح الله أرواحهم، كم نحتاج إلى العلم، لكن بالعلم وبإسم العلم الكاذب يتكلَّم هؤلاء، يُفهِّمونا أنهم يقولون هذا بالعلم، علم ماذا؟ أنتم لا علاقة لكم بالعلم، صدِّقوني كل ما قرأوه كُتيبات وكتباً فقط ومُحاضَرات، أين العلم؟ العلم هو علم الأئمة وسوف نرى ماذا قال الأئمة وكيف اختلف الأئمة، وعودوا إلى أي كتاب خاصة المُوسَّع، أوسع هذه الكُتب البحر المُحيط أو المحصول للرازي، عودوا إلى كتاب الاجتهاد، ابحثوا عن الاختلاف في مسألة التصويب والتخطئة، مَن المُصيب؟ مَن المُخطيء؟ هل يتعدَّد الصواب أو لا يتعدَّد؟ الخطأ يتعدَّد طبعاً، فالنور واحد والظلمات كثيرة، لذا الخطأ دائمأ يتعدَّد دون مُشكِلة، لكن هل الصواب يتعدَّد؟ هذه مسألة المُصوِّبة والمُخطِّئة، وباختصار أنا أُعطيكم مُخطَّطاً بسيطاً جداً عير تفصيلي:

المسائل إما عقلية وإما شرعية، اتفق الأئمة والعلماء – أشاعرة ومُعتزِلة وغير ذلك – على أن العقليات المُصيب فيها واحد، فالعقليات لا تقبل التعدد والصواب، إذن انتهينا منها فنأتي إلى الشرعيات، وأما الشرعيات فقسَّموها قسمين، شرعيات من مسائل الدين الضرورية – أي قطعية ضرورية – وقالوا المُصيب فيها واحد والمُخطيء فيها مأثوم غير مأجور لأنها من ضرورات الدين، فلا تقل الزنا حلال وأنا أجتهد، كيف تجتهد في هذا يا حبيبي؟ كيف يكون الزنا حلالاً؟ كيف تكون السرقة حلالاً ويكون شرب الخمر حلالاً كما يجتهد الآن بعض الناس في بعض الدول العربية؟ استمعت إلى مُفكِّر إسلامي في التسعين من عمره في تونس الخضراء قال ما هو الخمر؟ الخمر ليس حراماً، يُمكِن أن تشرب منه في الصباح وفي المساء دون أي مُشكِلة، لماذا يا مولانا؟ لماذا يا شيخ الفكر الإسلامي؟ وحينها أنا قلت خرَّف الرجل والله، قد كنت أحترمه بعض احترام لبعض ما قال وكتب، وهناك بعض الأشياء جميلة حقيقةً وقد أحسن فيها بعض حُسن، ولكن هنا الرجل تهوك، قال لأن الله قال فَاجْتَنِبُوهُ ۩ ولم يقل حُرِّمَ عليكم، يا رجل هل أنت تتكلَّم عن كتاب الله أم عن قصة روائية وحكاية أدبية؟ الله قال عن الشرك فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ۩ إذن هل الشرك ليس حراماً لأن الله قال فَاجْتَنِبُوا ۩؟ ليس هكذا، فما شاء الله على طريقة الاجتهاد هذه وعلى هذا الفهم، سوف نقول له هذا هو الجواب، جوابك من كتاب الله، فالشرك إذن ليس حرام لأن الله قال فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ۩، عبادة الأوثان وتقريب القرابين إليها وتضحية الأضاحي من أجلها ومن أجل سواد عيونها ليس مُحرَّماً، يُمكِن أن تعمل هذا مرة في الصباح ومرة في المساء مثلما تشرب الخمر مرة في الصباح ومرة في المساء دون أي مُشكِلة لأن الله قال فَاجْتَنِبُوهُ۩، وماذا قال الله – تبارك وتعالى – بعد ذلك يا مولانا؟ حكى عن ماذا؟ هل تحدَّث عن عن الخمر فقط؟ تحدَّث عن المسير والأنصاب والأزلام، فهل هذه كلها حلال أيضاً؟ الله قال فَاجْتَنِبُوهُ ۩ أي أنه مُحرَّم، وبالتالي هذا غير مقبول، لا يُمكِن أن تجتهد في ضروريات الدين أو فرضية الصلوات الخمس فضلاً عن قواطع الاعتقاد وقواعده، لا مجال للكلام هنا لأن هذه ضروريات قطعية، والعجيب أن العلماء – انظروا إلى سعة المنادح – قالوا هناك قطعيات في الدين غير ضرورية، أيضاً المُصيب فيها واحد لأنها قطعيات ولكنها ليست من الضروريات، ما معنى الضروريات؟ التي يستوفي علمها العاميُ والعالم، فالضروريات الكل يعرفها، لا تستطيع أن تتذرع بأنك تجهلها وأن تقول أنا أجهلها، هذا مُستحيل طبعاً، فالعامي يعرفها كما يعرفها طبعاً العالم الإخصائي المُتخصِّص، وهذه يُسمونها ضروريات الدين والمعلوم من الدين بالضرورة، رُغماً عنك أنت تعلمها، بما أنك مسلم وتعيش في بلد مسلم ستجد نفسك تعلمها حتماً كما تعلم اسمك، أما القواطع – هناك أشياء قطعية وأدلتها قطعية وأحكامها لكنها ليست من الضروريات – قالوا المُصيب فيها واحد ولكن المُجتهِد فيها اختلفوا فيه، بعضهم قال يُحتمَل أن يكون له أجر، وهذا عجيب، فانظروا إلى هذه السعة، تُوجَد سعة ويُوجَد تفصيل بل تُوجَد تفصيلات دقيقة أصولية.

نأتي الآن إلى مسائل الدين غير القطعية، وطبعاً إذا كانت غير قطعية فمن باب أولى ألا تكون ضرورية، هى غير ضرورية طبعاً، لأن كل ما هو ضروري قطعي لكن ليس كل ما هو قطعي ضروري كما أبَنت لكم، فهذه مسائل دينية غير قطعية، وإمامنا أبو الحسن الأشعري – إمام أهل السُنة والجماعة أبو الحسن الأشعري – وأبو بكر الباقلاني – إمام أهل السُنة في وقته – ومُعظم المُعتزِلة وفي مُقدَّمهم أبو الهذيل العلَّاف – الفيلسوف المُعتزِلي – والجبائيان – أبو عليّ وابنه أبو هاشم الجبائي – وغير هؤلاء ونقل الروياني – القاضي الشافعي الروياني – والماوردي عن الأكثرين أنهم قالوا أن كل مُجتهِدٍ فيها مُصيب، كل مَن عنده أهلية الاجتهاد واجتهد فيها هو مُصيب، وهذا أمر غريب فانتبهوا وسأشرح لكم لأنه غير واضح لبعض الناس،ما معنى كل مُجتهِد فيها مُصيب؟ سوف نعرض ما يقوله هؤلاء السادة العلماء الجلة ولن نُحاكِم هذا القول، أنا فقط أعرض لكم نمطاً من هذا فلا يُقال إن عدنان يُرجِّح هذا، فهذا ليس معناه أنني أُرجِّحه، أنا أقول لكم كيف كان يُفكِّر الأئمة وما هى الأمداء الواسعة البعيدة التي ذهبوا إليها في المرونة والتقبل والتسامح الفكري والتسامح النظري الاجتهادي، هم قالوا كل شخص فيها مُصيب بمعنى أن عند الله – تبارك وتعالى – لا حكم واحداً فيها، فالحكم الذي انتهى إليه هذا المُجتهِد عند الله حق وصواب، ولكن غيره انتهى إلى حكم مُضاد وهو صواب، والثالث إلى ثالث والرابع إلى رابع وتعدَّدت الأحكام لكن كلها صواب عند الله، ليس أن صواباً واحداً عند الله فمَن أصابه فقد أصاب ومَن لم يُصِبه فهو مأجور بأجرٍ واحد، لا ليس هذا، بل كلهم مُصيب، وهذا أمر عجيب، هل العقل الإسلامي ذهب إلى هذا المدى في فهم نسبية هذه الحقائق غير القطعية؟ نعم ذهب إلى هذا المدى، قالوا كل أحد مُصيب، وأنا أقول لكم هذه هى ميكانيكا كم وهذه هى فيزياء الكم، هذا مبدأ عدم التعيين – Uncertainty – بطريقة مُوسَّعة في الإنسانيات والشرعيات، ما هذا العقل الجبار؟ هذا عقل أبي الحسن والباقلاني والعلَّاف والجبائيين وغيرهم، وفعلاً هؤلاء من أذكى أذكياء البشر، بلا شك أنهم كانوا أذكى أذكياء المسلمين في وقتهم وربما في كل وقت، فهذه عقول هائلة، هؤلاء أوقيانوسات وبحور عجَّاجة لطَّامة، مَن يعرف قدر هؤلاء الذين ذكرتهم؟ رضوان الله عليهم جميعاً سُنةً ومُعتزِلة، وهذا يُغضِب المُتحجِّرين، لكن لا علينا منكم فنحن لا نُباليكم، رضيَ الله عنهم جميعاً سُنةً ومُعتزِلين أو مُعتزِلة، هذه عقول ضخمة، قالوا الكل مُصيب والكل مأجور.

سأختم الآن فقط لكي أدغدِغ خيالكم العلمي والفلسفي – كما قلت – بشيئ له علاقة مُتشبِّثة بخُطبة القدر محواً وإثباتاً وبهذه الخُطبة، علماء الفيزياء الكونية يقولون حتى الكون الذي نراه ونرقبه ونرصده نحن نُعيد تشكيله، وبالأحرى هم يقولون نحن نُعيد تخليقه برؤيتنا وبزاوية مُراقَبتنا له وبالحيثية التي نُراقِبه وبالكيفية التي نُراقِبه ونرقبه من خلالها، قد يُقال الآن كيف هذا يا أخي؟ ما هذا الكلام الفارغ والحقائق موضوعية؟ لكن أبو الحسن الأشعري لم يقل هناك حقائق موضوعية وإنما قال كل هذه الحقائق موضوعية وكلها عند الله صواب، وهذا إسمه مذهب المُصوِّبة، إزاء مذهب المُخطِّئة الذين قالوا المُصيب واحد والباقي مُخطيء أو غالط ولكن له أجر إن كان من أهل الاجتهاد، كالأئمة الثلاثة مثلاً، ولكن هما رأيان – المُصوِّبة والمُخطِّئة – طبعاً، كيف؟ ما هى القضية؟ على كل حال الذي لديه وقت يُمكِن أن يعود إلى المجلة الشهيرة العلمية ديسكفر Discover – الاكتشاف – في عدد الشهر ستة في ألفين واثنين، علماً بأنها موجودة على الإنترنت Internet ومُتاحة بشكل مجاني أيضاً، يُمكِن لمَن أراد أن يدخل على مقالة عجيبة سأُعطيكم خُلاصتها وهى دراسة عجيبة إسمها Does the Universe Exist if We’re Not Looking? أي هل يُوجَد الكون لو كنا لا نُراقِبه؟ هل يُوجَد حتى ولو كنا لا نرقبه ولا نعمل مُلاحَظة ومُراقَبة فلكية له؟ ما هذا العنوان العجيب؟ سوف نرى هذا.

القصة أتت مع العالم الفيزيائي الجليل الكبير جون ويلر John Weller أستاذ ريتشارد فاينمان Richard Feynman الحائز على جائزة نوبل Nobel، هذا الرجل في لحظة مُعيَّنة هكذا وهو طاعن في السن تساءل ما مدى الدور الذي نطلع به في إعادة إنتاج الكون وإنشاء – Genesis – وتخليق الكون؟ فانظروا إلى هذا السؤال، هذا السؤال لا يصدر إلا عن عقلية استوعبت ميكانيكا أو فيزياء الكم، وجون ويلر John Weller هو فيزيائي كمومي عظيم جداً، ومن ثم بدأ يُفكِّر الرجل في هذا، وطبعاً الذين درسوا أو أخذوا حتى دورة مُبسَّطة في ميكانيكا الكم يعرفون أشهر تجربة – روح هذا العلم – وهى تجربة الشق – Slit – المُزدوَج، باختصار النور – الضوء Light أو Licht أو الفوتونات Photons – يسلك أحياناً سلوك جُسيمات، وأحياناً يأبى إلا أن يُحيِّرنا فيسلك سلوك موجات، إذا وقع الضوء على شاشة فيلمية حسَّاسة تلتقط أثر وقوع الفوتونات عليها وكان قد سلك سلوك جُسيمات Particles – – يُحدِث بُقعاً نُقطية فقط، مثل إلكترون Electron يقع على أي شاشة فيلمية، وإذا كان الضوء سلك سلوكاً موجياً ووقع على الشاشة الفيلمية يُعطينا دوائر مُعتِمة ودوائر مُضيئة، في المطياف تُوجَد خطوط مُعتِمة وخطوط مُضيئة، وذلك بحسب تراكب أو تهادم الموجات، والذين أخذوا مباديء الفيزياء يعرفون معنى هذا، فهل الضوء يفعل هذا وهذا؟ نعم، من المعروف في هذه التجربة أننا لو أتينا بشق مُزدوَج وسلَّطنا عليه شُعاعاً ضوئياً ووضعنا على جانبي الشق المُزدوَج مكشافين مثل مرآتين لكي تتلتقط لنا الضوء المار وتكشف عنه ثم سمحنا للضوء أن يعبر الشقين إلى الشاشة الفيلمية التي تُسجِّل النتيجة فإن في هذه الحالة سيسلك الضوء سلوك الجُسيمات وسوف نجد بُقعاً، بمعنى أن الفوتونات مرت من شق من أحد الشقين والبعض الآخر مر من الشق الآخر، وهذه سجَّلت آثارها هنا وتلك سجَّت آثارها هناك، فالمسألة بسيطة وعادية مثل أي شيئ يسلك سلوكاً جُسيمياً، لكن لو نحّينا المكشافين ماذا يحدث؟ يحدث شيئ عجيب، الضوء يقول لكم سأُجنِّنكم، تقول الآية الكريمة اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۩، لماذا ضرب الله مثلاً لهدايته بالنور؟ النور يُجنِّن وهو إلى اليوم يُجنِّن العلماء، فهو يقول سأُجنِّنك ولن تفهمني جداً، إذا راقبتني سأسلك كجُسيم وإذا لم تُراقبني سأسألك كموجة حقيقية، فانظر إلى هذه النتيجة، هذا أمر غريب، وإذا نحّينا المكشافين وانطلق الضوء سنجد هذه الدوائر المُعتِمة دوائر مُضيئة وليست نُقطاً كما في السابق، إذن بالقطع سلك سلوكاً موجياً، وطيب هذه تجربة كلاسيكية معروفة الآن في ميكانيكا الكم، ماذا قال ويلر Weller – جون ويلر John Weller – الآن؟ قال سأذهب وسأطفر خُطوة مُتقدِّمة إلى الأمام لنُطبِّق هذا على الكون، كيف؟ قال لنفترض أن نجماً مُضيئاً جداً موجوداً مثل الكوازار Quasar، والكوازار Quasar نجم شديد الإضاءة وشديد اللمعان وجديد النشوء في مجرة جديدة التكون ناشئة فتية، لماذا الكوازار Quasar بالذات؟ لكي يُوجَد ضوء قوي ويقدرعلى أن يصلنا على الأقل ، وإلا تُوجَد بلايين النجوم التي لا نراها وضوؤها لا يصل إلينا، لكن هذا نجم قوي وفتي وشاب ما شاء الله، قال ويلر Weller الآن نُريد أن نُراقِب الضوء الذي يأتي منه والآن سنتخيَّل شقاً مُزدوَجاً، ما هو الشق المُزدوَج؟ مجرتين في الطريق إلينا، مجرة من ناحية ومجرة من الناحية الأخرى، بحسب ألبرت أينشتاين Albert Einstein الضوء إذا اقترب من أي جرم عظيم ومن أي نجم حتى كالشمس – فكيف بمجرة؟ فإنه ينثني، وهذا أمر معروف وأينشتاين Einstein أثبت هذا في النسبية العامة، فهذا سينثني وهذا سينثني وبعد ذلك يأتي الشُعاعان إلينا، ونأتي بشاشة المقراب أو التلسكوب Telescope ونرصد، فالآن ستعمل شاشة التلسكوب Telescope وهما في الحقيقة مرآتان طبعاً مثل أي تلسكوب Telescope، مرآة في الخلف ومرآة في الأمام، ومن ثم ستعمل هاتان المرآتان العظيمتان الثخينتان الجيدتا الصقل بمثابة المكشافين، والعجيب أن هذه التجربة الذهنية – تجربة جون ويلر John Weller – طُبِقَت ونجحت كما تخيَّلها، وهذا هو الإعجاز وهذا الفتح العلمي، هذه هى العقول الجبَّارة، هذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، والآن سأتحدَّث عن التطبيق حقاً لكن لنُكمِل، ما الذي حصل؟ على الشاشة الفيلمية وجدنا بعض الفتونات جاءت وقد عبرت من لدن هذه المجرة وانثنت طبعاً وسجَّلت هنا آثارها النُقطية، والأخرى جاءت وسجَّلت آثاراً نُقطية، بمعنى أن الأشعة مرَّت من هذا الشق ومن هذه المجرة، والبعض الآخ من الشق الآخر، والنتيجة نتيجة توحي بُجسيمية الضوء، لماذا؟ لأن عندنا المكشافان أو مرآتا التلسكوب Telescope، والآن في خُطوة إلى الأمام قام العلماء بتغيير المرآتين بمرآتين رهيفتين جداً كأنهما غير موجودتين فقط لكي يُمكِن السماح بالمُراقَبة من بعيد، فنحنالآن نحّينا المكشافين وسمحنا إلى الشُعاع أن يأتي وأن يُسجَّل على الشاشة الفيلمية الحسَّاسة، والنتيجة المُخيفة هى وجود تداخل: مُعتِم مُضيء ومُعتِم مُضيء ومُعتِم مُضيء، ما معنى هذا؟ معنى هذا أن شُعاع الضوء مرَّ من المجرتين كلتيهما في نفس الوقت مع أن بين المجرتين آلاف السنين الضوئية، ويُوجَد ما هو أعجب من هذا وهو شيئ لا يكاد يُصدَّق، والله أقشعر قلبي قبل بدني، ماذا يُريد الرب – لا إله إلا هو – أن يقول لنا؟ يقول أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۩، يا إنسان أنت شيئٌ كبير فلا تحقر نفسك ولا تقتل نفسك في موبئة الشهوات والحقارة الفكرية والتعصبات، أنت كائن راقٍ، حاول أن تفهم عني، حاول أن ترتقي وأنت تُشارِك في صناعة هذا الكون، هذا الكون ماضيه غير محسوم ومُستقبَله غير مُتعيِّن، فهل فهمتم هذا من التجربة؟ بمعنى أننا نستطيع الآن أن نُشارِك في خلق ماضٍ للكون بحسب الطريقة التي نُريد أن نرقبه بها، إن أردنا أن نقول يبدو أن هذا الكون وُجِدَ قبل كذا وكذا أو هذا النجم وُجِدَ قبل كذا وكذا مليون سنة علينا أن نصطنع طريقة المُراقَبة، إن أردنا قولاً آخر علينا أن نصطنع الطريقة الأخرى، وإلا هذا الشُعاع الذي جاء من الكوازار Quasar من كم انطلق؟ بحسب بُعد الكوازار Quasar عنا، إذا كان يبعد عنا عشرة مليون سنة فهذا مُنطلِق من عشرة مليون سنة، كيف أمكننا التحكم فيه الآن بحيث نجعله يمر من مجرتين بينهما ألوف السنين الضوئية في الوقت نفسه؟ لقد أمكن هذا وهو شيئ لا يكاد يُصدَّق، أنت تقرأ هذا وتُجَن، تقرأ هذا وتقول هل العلم وصل إلى هذه الدرجة؟ الحقائق غير مُتعيِّنة – Uncertainty Facts – وهى رهن أن تُعيِّنها أنت، وهذا يُذكِّركم بقطة شرودنجر Schrodinger، فهنا يحدث نفس الشيئ، أنت الذي تُعيِّن الحقيقة بموقفك، ولذلك سأقول لكم في الحقيقة كيف أفهم أنا المُتواضِع البشر البسيط الجاهل الحقيقة ولكن في الخُطبة الثانية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أيها الإخوة:

الحقيقة ربما كما أود أن أفهمها أو كما أفهمه هى في إرادتها فقط، هكذا يُعامِلنا الله، ولذلك القرآن يُؤكِّد دائماً على هذه الإرداة، قال الله لِمَنْ أَرَادَ ۩ وقال أيضاً وَمَنْ أَرَادَ ۩، فهل أنت تُريد الحقيقة؟ يارب أنت تعلم أنني أُريدها، صحيح الآن لم أُصِبها لكن الله يقول لك أنت عندي كالذي أصابها، أنت لا تستطيع أن تدل على الله، كأن تقول له انظر إلى أنني فوزت في المُسابَقة وأنا شاطر وأنا عبقري فهل أعجبتك لأنني عبقري؟ لا يُمكِن هذا، كل علم الدُنى وكل علم الكائنات قطرة وأقل من قطرة في بحر و في مُحيط علم الله، هذا كلام فارغ فلا أحد يقول له أنا قوي فهل أعجبتك؟ أو يقول له أنا عالم أعجبتك فهل أعجبتك؟ أو أنا شاطر – Clever – فهل أعجبتك؟ هذا كلام فارغ، فقط إنما الأعمالُ بالنيات، أنت تقول له أنا مُتواضِع لأنني من البشر، أنا عبدك الضعيف وأعرف أنني ضعيف وأعرف أنني منسوج من الضعف – وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ۩ – ولكن يا رب سر ما فىّ من طهارة وسر ما فىّ من عظمة وسر ما فىّ من براءة أنني أُريد أن أعرف، أنا أُقدِّس المعرفة لأنها أنت وأُقدِّس الحق وأعرف الحق – أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ۩– وأُريد أن التزم – Commitment – بالحق بحثاً عنه وصدعاً به وتبشيراً به دائماً وبالأسلوب الذي ترضاه، أي بأسلوب الرحمة والهداية والمحبة واللطف – وليس بأسلوب إن لم يُعجِبني العالم دمَّرته.

للأسف في أكثر من خُطبة اقتبست في السنوات السابقة محمد إقبال رحمة الله عليه، وأنا اليوم أعتذر من إقبال مرة وأعتذر من العالم والحقيقة ألف مرة، إقبال الآن لا يُعجِبني في هذا، فقد اقتبسته حين كان يقول قال لي الله هل أعجبك العالم؟ فقلت لا يا رب، لا يُعجِبني هذا العالم، فقال – الله يُخاطِب المُؤمِن القوي الكامل – دمِّره ولا تُبالي، وهذا غير صحيح، هذا منطق مُخيف لم أعد أنحاز إليه، منطق دمِّره مُخيف جداً، هذا حُجة بيد الإرهابيين والقتلة والمُفجِّرين والتكفيريين لذا لا أُحِب هذا المنطق، الله – تبارك وتعالى – كان يعلم حتماً أن فرعون سيموت غرقاً وسيدخل النار – هو يعلم هذا حتماً – ومع ذلك الله قال لموسى وأخيه هارون فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ۩، تقول هذا وأنت تعلم يا رب أنه لن يستجيب وأنه سيموت كافراً؟ قال هذا هو، هذا سبيل الحق وهذه طريقة الحق وهذا منطق الحق، لا أحد بالحق وبإسم الحق ولا حتى محمد – صلى الله على محمد وآل محمد – عنده الحق أن يغلظ على الناس وأن يدوسهم وأن يتجاوزهم، قال الله له وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۩، أي أنه قال له حتى أنت لست استثناءً، وموسى ليس استثناءً ولا نحن طبعاً، لا أحد يُمثِّل استثناءً، أليس كذلك؟ الله لم يستثن نفسه في اغتيال حريات الناس وأعطاهم حرية أن يكفروا به، لكنه قال إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ۩ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ۩, هذا هو فانتبهوا، لم يُعط هذا الحق لأنبيائه ورسله، فبالله – أنا أُخاطِب هؤلاء الإخوة هداني الله وإياهم – بأي حق أنتم اغتالتم هذا الحق واغتصبتموه؟ كيف تُرغِموا الناس على قبول ما أنتم عليه وإلا تقولون سنُحطِّم ونُدمِّر؟ مَن أنتم؟ ما أنتم؟ ماذا تُريدون؟ أنتم وباء، أنا أقول هذا وباء عفاكم الله وإيانا – والله العظيم – منه، الله ليس استثناءً، لم يُعط نفسه استثناءً هنا ولا أنبياءه ورسله عليهم الصلوات والتسليمات أجمعين ، فما بال الواحد منا يُشكِّل استثناءً فاقعاً؟ هذا غير صحيح، طبيعة الحق كطبيعة الأوراد والأزهار، الذي يحمل ورداً وزهراً يفوح منه كلُ رائحة طيبة كريمة فوَّاحة عبقة، وكذلك الذي يحمل الحق ويعيشه لا يبدر منه إلا الخير والجمال والعظمة، إن بدر منه شيئ غير ذلك علمنا أن الذي عنده شيئٌ آخر وُضِعَ عليه مُلصَق – Label – الحق لكنه ليس الحق، هو شيئ ثانٍ، لكن هو صدَّق أن ما عنده الحق، حق يُولِّد عنفاً ويُولِّد كرهاً ويُولِّد هذه القسوة وهذا الفقر وهذا الإجداب في منظوره، وهذا مُستحيل طبعاً، مُستحيل أن يكون الحق، هذا شيئٌ أُعطيَ إسم الحق بالباطل وبالزور لكنه ليس الحق، الحق طبيعته مُختلِفة تماماً.

إذن أنا أُريد الحق يا رب والله يعلم ذلك، نية المُؤمِن ونية البشر أبلغ من عمله، والله يعلم ذلك فأنت على حق وأنت في سبيل الحق، لكن ماذا إن مت قبل ذلك؟ ماذا إن مت قبل أن أصل؟ أنا أقول لكم من خلال فهمي لديني وفهمي لرحمانية ربي في حدودي البسيطة البشرية وفهمي لكتاب ربي وسُنة نبيه أقطع بأن مَن طلب الحق ومات قبل أن يصله هو في رحمة الله طبعاً، قال الله وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩، وهو لم يُهاجِر حقيقةً وإنما هو في سبيل أن يُهاجِر، وهذا في سبيل أن يقع على الحق وإن لم يقع بعد ومازال في الحيرة ومازال في الشك ومازال في التردد، وهنا قد يقول لي أحدكم أن هذه طبيعة البشرية، يقول أبو حامد الحقُ كامنٌ في النظر، مَن لم يشك لم ينظر، ومَن لم ينظر لم يُبصِر، ومَن لم يُبصِر بقيَ في العمى، أي لا فائدة، فهذا سبيل البشرية، وهذا معنى نحن أحقُ بالشكِ من إبراهيم، لكن إذا وُجِدَ شخص آخر ما أراد الحق واكتفى بما ورثه من أبويه ومن جيرانه ومن طائفته وحزبه وقالعندي الحق وأقتل عليه وأُعادي وأُوالي وحين تُناقِشه وحين تأخذ وتُعطي معه يتجَّهم ويتنكَّر لكل حقٍ لا يُلائمه لأن لا تقول به طائفته ولا يقول به مذهبه ولا تُساعِد مصلحته وحساباته التجارية فأنا أقول لكم أن والله الذي لا إله إلا هو هو جديرٌ كما أفهم بأن يُحشَر مع أبي لهب وأبي جهل وإن كان أكبر شيخ وأكبر علَّامة وأُقسِم بالله على هذا، لأن الله لا نعود إليه بهذه النفسية ونقول له – كما قلت لكم – لدينا علم كثير، لا ليس هذا، ينبغي أن تعود إلى الله بالنية، إنما الأعمالُ بالنيات، فما نيتك؟ نيته أن يتعصَّب مذهبياً وطائفياً حتى ضد الحق ويقول أنا الحق المُطلَق عن عصبية لا عن برهان، وهذا لو بُعِثَ في زمان رسول الله لكان حرياً أن يصطف في صف أبي سفيان وأبي لهب وأبي جهل مُباشَرةً، لكن الأول قد يموت شاكاً وقد يموت مُلحِداً في نظرنا ونحن نراه أنه مسكين ومات مُلحِداً وما عرف الإيمان، لكنه كان يبحث وبجد واجتهاد ولو وقع على الحق لتبناه، ولكن هذا المسكين كان يبحث ومات، وأنا أقول لكم تخيَّلوه خُلِقَ في زمان رسول الله، لو وُجِدَ في هذا الزمان لاصطف سريعاً إلى جانب أبي بكر وعليّ وإلى أوائل الذين أسلموا من أول ساعة، لماذا؟ روحيته ونفسيته ومزاجه العقلي والنفسي يطلب الحقيقة ويخضع للحقيقة، وذاك الآخر الذي إسمه شيخ وإسمه علَّامة وأستاذ أكاديمي كبير في الشريعة عقليته وروحيته تجعله يصطف للتعصب لا للحقيقة، فهذا أبو جهل، لكن الله لا يغتر بالأسماء والعناوين ويجب أن نفهم هذا، يجب أن نفهم الدين بهذه الطريقة حتى نستطيع أن تأنسن حقاً وأن نترحمن.

سأقول كلمة لأنها في بالي من أسابيع: يُؤسِفني ويُحزِنني جداً حال وموقف إخواني الشيعة والمُتشيعين أيضاً – أي من الذين كانوا سُنة وتشيَّعوا وهذا خيارهم ونحترمه – مما يحدث في سوريا الشام والله العظيم، أرغب في أن أري الآن شيعياً أحترمه يقول هذه جرائم ولعنة الله على المُجرِمين، قتل الأطفال وقتل النساء وقتل الشيوخ وحرق المُدن وإخلاء المُدن من كل ساكن وديَّار لا يرضى به الله ولا يرضى به عقل ولا ضمير، يُقال لنا هذه مُخطَّطات، فيا سيدي سلَّمنا وهذه مُخطَّطات وأمريكية وأوروبية وصهيونية وهذا ائتمار بهذا النظام الذي من أربعين سنة لم يُطلِق طلقة على إسرائيل، نحن صدَّقنا يا سيدي كل هذا لكن أنا أقول لك أن كل هذا – والله الذي لا إله إلا هو – لا يُساوي أن تستحل الدماء البريئة بهذه الطريقة المُتوحِشة، يا أخي أنت فقدت شرعيتك بسفك الدم بهذه الطريقة، لا شرعية لك، هل تنتظر فلسطين من هذا النظام المُجرِم أن يُحرِّرها؟ هو لا يُريد هذا، هل تعرفون لماذا؟ حتى أكون واضحاً أقول أن الإسرائيليين أحياناً كانوا أرحم من هؤلاء، هم لم يفعلوا بعض ما فعل هؤلاء، وحتى أكون دقيقاً أقول بعض ما فعل هؤلاء لأنهم أيضاً ما شاء الله عليهم فعلوا الكثير، لكن الإسرائيليون لم يفعلوا أحياناً بعض ما يفعل هذا النظام الملعون، وأنت يا أخي الشيعي ينبغي ألا تقبل هذا، هم يعتبون علىّ ويقولون أهانت عليك يا عدنان؟ وكأنني أهرف بما لا أعرف، لكنني أنا أعرف ماذا أقول، وأنا من أول يوم أدنت القتل وأدنت الإجرام وهذا الأسلوب الوحشي، وقلت هذا نظام لا يعرف إلا العنف والعنف والعنف، قلت هو يتوسَّل ثلاث وسائل هى العنف والعنف والعنف، كيف أقف إلى جانبه؟ والله العظيم لو عمر بن الخطاب – وحاشاه وحاشاه – فعل مثل هذه الأفاعيل لأبرأن إلى الله منه، ما سر أنني أبرأ إلى الله من مُعاوية ومازلت أبرأ منه؟ لأنه كان مُجرِماً على هذا النحو، وأنا أقول لكم بشار امتداد لمُعاوية وليس امتداداً لعمر، بشار امتداد لمُعاوية وامتداد ليزيد، ولكن بشار ليس امتداداً لعليّ ولا لعمر، والشيعة تُحِب أن نفهم أن بشاراً امتداد لعليّ، وهذا غير صحيح، تباً لهذا الفهم يا أخي، أين إنصاف الإنسان؟ يا جماعة – يا شيعة ويا سُنة – أنصفوا دينكم، أنصفوا دينكم الذي أحرجتموه وأُقسِم بالله على هذا، أنا أسأل أخي الشيعي وأقول له سألتك بالذي سمك السماء بغير عمد وسألتك بالله الذي تُوحِّده الذي لا إله إلا هو الأحد الفرد الصمد لو كانت علاقة إيران سيئة جداً بالنظام السوري وعلاقة حزب الله سيئة بالنظام السوري كنت ستأخذ هذا الموقف؟ يا أخي اتقوا الله، اتقوا الله في دماء الأمة، كفى فهذه الأمة لا تقبل هذا القدر من الوصاية المذهبية والطائفية على عقليتها وعلى دمائها وعلى مُستقبَلِها وعلى حرياتها، كفانا لأن علينا أن نتأنسن، أفهِموا البشر أننا بشر، أفهِموا الناس أننا من الناس، أفهِموا الناس أن ديننا رحماني إنساني، ليس بإسم الدين تُستحَل العصم وتُهتَك الذمم والأعراض وتُسفَك الدماء بهذه الطريقة، وكله بإسم الدين، أي دين؟ الأولوية للإنسان، كل ما ومَن لا يحترم الإنسان لا اعتبار له، لأن الأولوية للإنسان.

اللهم إنا نسألك أن تُفقِّهنا في الدين وأن تُعرِّفنا عنك يا رب العالمين، أصلِحنا وأصلِح بنا واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.

اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحُب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحُسنى وبصفاتك العُلا وكلماتك التامة أن تنصر عبادك المُسلِمين وعبادك المهضومين المظلومين في كل مكان، اللهم عليك بالجبّارين وعليك بالعُتاة الظالمين الطُغاة المُستكبِرين، أحصهم عدداً ودمِّرهم واقتلهم بدداً ولا تُبق منهم أحداً إنك قويٌ عزيز يا جبّار يا قهّار يا مَن لا يُعجِزه شيئ في الأرض ولا في السماء يا سميع يا عليم يا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 (انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

فيينا 15/06/2012

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: