نظرية التطور 

السلسلة الأولى: الأدلة والمؤيدات

الحلقة الحادية والعشرون

تطور الطيور من الزواحف

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المُرسَلين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين،سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً.
أما بعد، أحبتي في الله، إخواني وأخواتي: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، ذكرنا في الحلقات السابقة أن حيواناتٍ بسيطة عديدة الخلايا قد ظهرت قبل ستمائة مليون سنة تقريباً مثل الإسفنج والديدان واقناديل البحر ثم عبر مئات الملايين استنوعت هذه الكائنات البسيطة عديدة الخلايا لتظهر رباعيات الأطراف التيترادبوس Tetrapods، وقبل أربعمائة مليون سنة – كما ذكرنا – كان لدينا في البحار والمُحيطات الأسماك لحمية الزعانف أو فصية الزعانف Lobe-finned Fishes، هذا تقريباً قل زُهاء أربعمائة مليون سنة، وبعد ذلك بزُهاء خمسة عشر مليون سنة حدث تطور لهذه الأسماك فصية أو لحمية الزعانف لتظهر أول البرمائيات الحقيقية، وقلنا طبعاً هناك فروق يسيرة إلا أنها مُهِمة بين الزواحف وبين البرمائيات، والزواحف عموماً أكثر من حيث عدد أنواعها من البرمائيات، ويُحصي العلماء تقريباً ستة آلاف نوع من الزواحف تعمر الكوكب أو اليابسة في مُقابِل ثلاثة آلاف ومائتي نوع من البرمائيات، فما الفرق بين البرمائيات وبين الزواحف؟ الزواحف مثل الثعابين والعظايا والسحالي والتماسيح والقواطير نوع يُشبِه طبعاً التماسيح لكنه عملاق وضخم وإلى آخر الزواحف، أما البرمائيات مثل الضفادع ومثل السمادل والسمادر والعلاجم، والعلاجم هى أنواع من الضفادع لا يُميزها من الضفادع العادية إلا الخبراء وهى ضفادع الطين، والعلجوم يكون بلا ذيل وله صفات – كما قلنا – لا يستطيع تمييزها إلا الخبير بالحيوانات وخاصة بهذا النوع، وعلى كل حال البرمائيات جلدها له مسام تسمح بامتصاص الماء، ولذلك يُمكِن لها أن تتنفس عبر جلدها على أن لها أيضاً كالزواحف رئتين لكن يُمكِن أن تتنفس أيضاً عبر جلودها، وجلودها رقيقة تسمح بامتصاص الماء، ولذلك ولأنها أيضاً حيوانات شأنها في هذا شأن الزواحف باردة الدماء، أي حيوانات من ذوات الدم البارد Cold-blooded Animals خلافاً للثدييات – مثلاً – ذوات الدم الحار، وذوات الدم البارد تستمد حرارة أبدانها من البيئة المُحيطة، أي من الخارج، ولذلك إذا أصبح الجو بارداً تتأثر مُباشَرةً وإذا أصبح حاراً تتأثر، بخلاف ذوات الدم الحار دائماً حرارة أبدانها تثبت عند درجة مُحدَدة وإن اختلفت درجة حرارة البيئة الخارجية، ولذلك تعمد هذه البرمائيات إلى العيش أكثر أوقاتها في المياه بسبب الجفاف أولاً، لأن جلودها مسامية – كما قلنا – تسمح بامتصاص الماء وتسمح أيضاً بترشيحه، فلو تعرضت فترة طويلة إلى الحرارة ستجف، لذلك تعيش هى في البحر أكثر مما تعيش في البر، وبيوضها أيضاً ليس لها أغشية قوية، ولذلك تضع بيوضها في الماء، بخلاف الزواحف تضع بيوضها في اليابسة أو على البر لأن لبيوضها أغشيةً ثخينة أو سميكة لا تسمح بإنفاذ أو بترشيح الماء فلا يُخشى عليها من التلف، وبعض الزواحف يُمكِن أن تلد، فهى تضع صغارها مُكتمِلة بمعنى أنها تكون بشكل كامل في أرحام وأجنة أمهاتها، لكن البرمائيات لا تفعل هذا، وطبعاً – كما قلت – كلا الزواحف والبرمائيات يتمتع برئتين وأيضاً من ذوات الدم البارد، والبرمائيات تمر بما يُعرَّف في البيولوجي Biology بمرحلة التحول، أي تنتقل من مرحلة عدم النضج إلى مرحلة النضج واليفاعة، مثل الضفدع – مثلاً – يكون في مرحلة ما يُعرَف بأبي ذُنيبة ثم بعد ذلك يصير ضفدعاً كاملاً ناضجاً، لكن الزواحف لا تمر بالتحول، وإلى آخر هذه المُميزات.

إذن قبل ثلاثمائة وخمسة وستين مليون سنة على كل حال رأينا أول البرمائيات الحقيقية، وبعد ذلك بخمسة عشر مليون سنة – أي قبل ثلاثمائة وسبعين مليون سنة – سوف نشهد أول الزواحف، فإذن أيهما أسبق ظهوراً: البرمائيات أم الزواحف؟ البرمائيات، وبعدها بخمسة عشرة مليون سنة ستظهر أول الزواحف، والزواحف – كما قلنا غير مرة أحبتى – ستتطور في فرعين، فرع قبل الآخر بخمسين مليون سنة، فالفرع الأول هو الثدييات، ثم بعد ذلك الطيور، وذلك بعد الثدييات بخمسين مليون سنة، وطبعاً أصعب أن يتحول الزاحف إلى طير ويُغادِر البر ولذلك جاء هذا مُتأخِراً، فإذن من مائتين وخمسين مليون سنة ظهرت أول الثدييات مُتطوِّرةً عن الزواحف، أي بعد الثدييات بخمسين مليون سنة ستظهر أولى الطيور أو أول الطيور، وهى أيضاً مُتطوِّرةً عن الزواحف، ونحن البشر ظهرنا في وقت مُتأخِر جداً، فقد تطورنا مع سائر الرئيسيات – Primates – المعروفة من أصلٍ مُشترَك و من جدٍ مُشترَك – علماً بأننا سنتحدَّث عن هذا بالإسهاب والتفصيل لكن في وقتٍ لاحق إن شاء الله تعالى – قبل زُهاء سبعة ملايين سنة، وهذا يُعتبَر وقتاً قريباً جداً يُعتبَر، فلا يُوجَد ثلاثمائة ومائتان وخمسون ومائتان مليون وإنما قبل فقط سبعة ملايين سنة، فنحن كائنات حديثة الظهور ومُتطوِّرة مُتأخِراً، ويقترب منا تقريباً الحيتان، لكن طبعاً هى أبعد منا بحوالى سبعين مليون سنة، وهناك أرقام دون ذلك، فهى أيضاً كائنات حديثة التطور.

نيل شوبين
نيل شوبين

في حلقة سابقة تحدَّثنا عن تطور البرمائيات من الأسماك فصية أو لحمية الزعانف، وتحدَّثنا بالذات عن حلقة مُهِمة جداً توسطية وهى سمكة المياه العذبة الكبيرة المعروفة بالتيكتاليك Tiktaalik، فسمكة التيكتاليك Tiktaalik هى التي أسعد العلماء الحظُ بأن عثروا عليها كاملةً تامة، فهى أحفورة تامة بحمد الله تبارك وتعالى، وقد تحدَّثنا عن قصة اكتشافها وعن مُميزاتها على يد العالم طبعاً الأمريكي نيل شوبين Neil Shubin هو وفريقه البحثي، وذكرنا أن نيل شوبين Neil Shubin ألَّف كتاباً كاملاً عن هذه القضية وطبعاً وتوسع فيه وهو كتاب سمكتك الداخلية Your Inner Fish، وهو كتاب لطيف ومُبسَّط وواضح لذا يُمكِن أن يعود إليه مَن شاء.

التيكتاليك Tiktaalik
التيكتاليك Tiktaalik

في هذه الحلقة سوف نتحدَّث عن موضوعٍ آخر قريب وهو تطور الطيور من الزواحف، وتطور الطيور طبعاً تحدَّثنا عنه قُبيل قليل وقلنا أن الطيور تطوَّرت من الزواحف بعد أن تطوَّرت الثدييات من الزواحف، وهذا لا يعني البتة أن الطيور تطوَّرت من الثدييات، لا علاقة بين هذا وذاك أبداً، فهناك جد مُشترَك زاحفي خرج منه فرع – Branch – وتطور إلى ثدييات قبل مائتين وخمسين مليون سنة، وأيضاً من الزواحف فرع – Branch – آخر قبل مائتين مليون سنة أفلح في أن يتطوَّر إلى طيور، إذن جد أول طير سيكون ماذا؟ سيكون كائناً زاحفاً، لكن ما هو الزاحف؟هل هو نوع من الديناصور مثلاً؟ هو كذلك، وطبعاً سوف يبدأ رجال الدين أو المُعروفون بالخلقويين أو التكونيين – Creationists – الذين يقولون بالخلق المُستقِل أو بالتكوين المُستقِّل أو الخاص – Special Creation – ضربةً واحدة بإراد بعض الاعتراضات، فهم سوف يقولون “لو جاز وساغ في العقل العلمي أن يتطوَّر الطير من الزواحف فمعنى هذا الوقوع في مُعضِلة تفسيرية لايملك التطوريون الجواب عنها”، لكن ما هى هذه المُعضِلة؟ يقولون “طبعاً التطور وفق مبادئه لا يُمكِن أن يتم بضربة واحدة ولا بضربتين ولا بعشر ضربات مُتوالية، وإنما يتم في زمانية طويلة جداً عبر مُراكَمة تغيرات طفيفة، فإذن في الإبان – أي في المرحلة الوسيطة بين هذه الحلقة وبين هذه الحلقة – سيكون لدينا مُراكَمة لأشياء كثيرة لا فائدة منها لأنها غير مُفيدة، والسؤال الآن لماذا رُكِمَت؟ لماذا انتخبها أو انتقاها الانتقاء الطبيعي أصلاً وهى غير مُفيدة وفرضية التطور أن الانتخاب الطبيعي لا يستبقي إلا ما كان له أفضلية بقائية؟” ومعنى أفضلية بقائية أن الزاحف – مثلاً – لكي يتطور إلى طير سوف نفترض أن في البداية أنه سوف تظهر له بوادر ريش، وهذا ليس ريشاً حقيقياً وليس ريشاً تاماً مُجوَف القصبات مثلاً، وأيضاً مُختلِف في عرضه، فالريش لابد أن يكون غير مُتماثِل، وريش كل الطيور غير مُتماثِل من الجانبين، مثل جناح الطائرة غير مُتماثِل من الجانبين، فلو كان مُتماثِل تماماً لا يُساعِد على الطيران، إذن سيظهر بوادر ريش لكن ما عساها أن تُفيد هذه البوادر؟ ولماذا يستبقيها الانتخاب الطبيعي؟ وهذا الاعتراض في بدايته أو في بادئ الرأي يبدو أنه بلا شك اعتراض ذكي وعلمي وفي محله، فلماذا يستبقي الانتخاب الطبيعي هذه البوادر وهى غير مُفيدة؟ ونحن أشارنا إلى هذا الاعتراض تقريباً أكثر من مرة

woodland-feathersوأيضاً أشارنا إلى الجواب، لكن هنا موضوعه العتيد، لأن حديثنا الآن عن تطور الزواحف إلى طيور، فالريش هنا هو – Feathers – أهم شيئ في الموضوع، وطبعاً علماء التطور يُجيبون ويقولون “لا بأس، فهذا ليس شرطاً، حيث يُمكِن أن يُفيد هذا الشئ البدائي الذي ليس بريش كامل في شيئ ليس هو الطيران وليس هو التحليق والعوم في الهواء، وإنما شيئ في طريقه إلى تهيئة الكائن لكي يطير في يوم من الأيام ولو بعد عشرات ملايين السنين، مثل ما يُعرَّف – مثلاً – بالـ Gliding”، لكن ما هو الـ Gliding؟ هو الانزلاق أو التزلق الهوائي، فلدينا الآن على وجه البسيطة أنواع كثيرة من السناجب الطائرة ولكن ليس لها ريش، وهناك ما هو أعجب من هذا، وهو حيوان الكولوجو، فحيوان الكولوجو يعيش في جنوب شرق آسيا ويوجد منه فقط نوعان يُشكِّلان فصيلة كاملة، أي أن هناك فصيلة كاملة ورُتبة كاملة فقط من نوعين فقط، وهذا شيئ نادر في علم الأحياء، فهناك فصيلة كلبيات الرأس والرتبة – Order – أُدميات الأجنحة الأجنحة، أي جلديات الأجنحة، فالجناح يكون جلدياً كالخُفاش، الذي نُسميه بالعامية الخَفَاش، لكن يجب أن يُقال الخُفاش بالفُصحى، أي بضم الخاء، فالخُفاش جناحه لحمي وليس فيه ريش، لكنه يطير به حقيقةً، والكولوجو لا يطير لكنه ينزلق انزلاقاً يجعله قريباً جداً من أن يطير، وربما بعد ملايين السنين أو أقل من هذا سيتمكن الكولوجو من أن يطير، ويُمكِن أن تدخل طبعاً على اليوتيوب YouTube وتكتب كلمة كولوجو وسوف يأتيك عنه كل شيئ، فهذا من رأسه إلى مُؤخرته عنده مثل الجناح الجلدي من أول البدن إلى آخر البدن، وهذا يُساعِده على الانزلاق، فهذا باللغة العادية طيران شراعي، أي أنه يطير شراعياً، فينزلق هذا الكولوجو من علو كبير يصل إلى مسافة مائة وخمسة وثلاثين متراً في الهواء، وكأنه يطير فعلاً لكنه انزلاق Gliding، ولا يفقد إلا تقريباً فقط اثني عشر متراً في الارتفاع، فإذا افترضنا أنه يطير من مسافة مائتي متر من فوق – أي على علو مائتي متر – فإنه يبقى مُنزلِقاً في الهواء مسافة مائة وخمسة وثلاثين متراً، ويفقد فقط اثني عشر متراً، أي أنه يطير من علو مائتي متر، وينزل على مائة وخمسة وثلاثين فقط، وهذا شيئ عجيب، فكأنه يطير وهو ليس عنده أجنحة وإنما عنده – كما قلنا – شيئ أشبه بالجناح اللحمي للخُفاش من أول بدنه إلى آخره، ولذلك إذا قرأنا في علم الأحياء والتطور سوف نجد مَن يقول الكولوجية أو الظاهرة الكولوجية، نسبة إلى هذا الحيوان المُسمى بالكولوجو، فهكذا هى الكولوجية.

%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a7%d8%ac%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d8%a6%d8%b1%d8%a9-2وكذلك السناجب الطائرة تقوم بشيئ مُشابِه لهذا، فهى تعوم مُنزلِقةً في الهواء وتطير شراعياً بأجنحة ليس فيها ريش حقيقي، فهى ليس فيها ريش كريش الطيور، وهذه النماذج الحية والموجودة على كوكبنا إلى اليوم التي ندرسها ونرقبها ونُلاحِظها ونُصوِرها تُؤكِد أن أي خُطوة على سبيل التطور يُمكِن أن تكون مُفيدة بطريقةٍ ما، فلا لا تجعل تفكيرك محصوراً فقط في نموذج الطيران التام فتقول أن التطور إذا لم يُساعِد باستبقاء صفة مُعينة على الطيران التام فما فائدة هذه الصفة، فهذا غير صحيح، لأنه من المُمكِن أن أن تُفيد هذه الأشياء، والأمثلة على هذا كثيرة جداً، وهذا ليس فقط في الطيران وإنما في كل الصفات الأخرى، وعلى كل حال علماء التطور يقولون أن هذا ما حصل، فالذي حصل هو أنه تم استبقاء هذه الأشياء وتم مُراكَمة بعضها فوق بعض، وبالفعل بعد ذلك انتهت إلى أن نُشاهِد الطيور لأول مرة، وطبعاً الآن السجل الأحفوري يُقدِّم لنا معياراً للتصديق ومعياراً للتكذيب وللتخطئة طبعاً، فهل يُمكِن أن نجد أحفورةً لطائر – حتى ولو كان طائراً بدائياً – كالأركيوبتركس Archaeopteryx – مثلاً – ويكون موجوداً تحت أول زاحف؟ هذا مُستحيل، فدائماً تجد المُتحجِرات أو الأحفورات – Fossils – التي تنتمي إلى الزواحف في الطبقات الأدنى دائماً، وبعد ذلك ستجد أحفورات للثدييات، وبعد الثدييات ستجد أحفورات للطيور، وهذا من أقوى الأدلة على كل حال، لذلك علينا أن نُخفِف تقريباً من الضجة والضوضاء التي نُديرها دائماً على موضوع الحلقات المفقودة وأين الحلقة المفقودة وأننا نُريد حلقات مفقودة سلسلة مُتدرِّجة تُفسِّر لنا كيف تم التطور،فليس من السهل الوقوع دائماً على هذه الحلقات المفقودة أو الحلقات الوسيطة أو الأشكال الوسيطة، لكن هذا الذي ذكرته للتو من أقوى البراهين على وقوع التطور، فلم دائماً يأتي ترتيب هذه المُتحجِرات تماماً وفق ما تتوقع نظرية التطور وليس العكس؟ يقول علماء التطور أن قبل مائتي مليون سنة ظهر لدينا نوع خاص من الديناصورات وهى

 ثيروبودس Theropods
ثيروبودس Theropods

الديناصورات التي تمشي على قدمين وتتحرَّك على قدمين وتُسمى ثيروبودس Theropods، علماً بأن بعضهم ترجمها ترجمة حرفية وقال أنها تمشي على اثنتين، فالتيترادبوس Tetrapods هى التي تمشي على أربع ولذلك هى رباعية الأطراف، لكن الثيروبودس Theropods ثنائية الأطراف، فالثيروبودس Theropods تأتي في مُقابِل التيترادبوس Tetrapods رباعية الأطراف، ولا تُوجَد كائنات ثلاثية الأطراف طبعاً، فالكائنات إما ثنائية الأطراف وإما رباعية الأطراف Theropods and Tetrapods، وعلى كل حال هى تُسمى الديناصورات الرشيقة، والديناصورات الرشيقة هى ديناصورات لاحمة.

قبل مائتي مليون سنة أو منذ سبعين مليون سنة نجد في السجل الأحفوري مُتحجِرات للطيور الحديثة التي نعرفها، والآن على علماء التطور أن يقفونا على حلقات وسيطة بين الثيروبودس Theropods وبين الطيور الحديثة، لأن الفرضية تقول أن هذه الطيور نشأت من الزواحف، والديناصور زاحف – يُعتبَر من الكائنات الزاحفة – طبعاً، فأين يُمكِن أن نجد هذه الحلقات الانتقالية أو الوسيطة Transitional Links؟ يجب أن نقع عليها في المدى الزمني بين مائتين مليون سنة سلفت وسبعين مليون سنة سلفت، أي قبل مائة وخمسين ومائة وثلاثين ومائة وأربعين مليون سنة وهكذا، ففي هذه الفترة يجب أن نجد هذه الحلقات، ومُستحيل طبعاً أن تكون قبل مائتين وعشرين مليون، هذا مُستحيل لأن السلف لابد أن يكون هذا، وهذه الطيور من سبعين مليون سنة وليست قبل ستين مليون سنة فتكون أحفاد الطيور لكن نحن نُريد الأسلاف، إذن لابد أن يكون المُنتصَف، وهكذا دائماً يشتغل علماء التطور، فهم يُحدِدون جانبين أو طرفين ثم يبحثون في النطاق المُتوسِط، وحين يصح هذا تكون الفرضية صحيحة، ودائماً تشتغل بهذه الطريقة، لكن ما هى هذه الحلقة الوسيطة أو الانتقالية؟ هل هى

الأركيوبتركس Archaeopteryx
الأركيوبتركس Archaeopteryx

الأركيوبتركس Archaeopteryx الذي اكتُشِفَ طبعاً – كما قلت لكم – بعد أن نشر تشارلز داروين Charles Darwin كتابه حول أصل الأنواع بزُهاء سنة أو سنتين؟ فهو اكتُشِفَ في محجر في ألمانيا في سنة ألف وثمانمائة وستين، ويبدو أن الخبر والتحقيق العلمي والكتابات حول هذا الطائر المُنقرِض أو الجانح العتيق – لأن أركيو Archaeo تعني عتيق أو قديم جداً بالأغريقية القديمة، وبتركس Opteryx تعني جناح أو طائر، فتُترجَم إما بالطائر وإما بالجناح، ولذلك هذه الكلمة معناها الطائر العتيق أو الطائر القديم، أو الجناح العتيق أو الجناح القديم، فهذا هو معنى الأركيوبتركس Archaeopteryx – هام، فهل هو هذا الذي اكتُشِفَ – كما قلنا – واحتفى به كثيراً العالم الإنجليزي الشهير وهو مُدير المتحف الطبيعي في لندن ريتشارد أوين Richard Owen؟ علماً بأن ريتشارد أوين Richard Owen هو العدو اللَدود لداروين Darwin وللتطور، ولكنه احتفى به كثيراً، مع أن هذا الطائر يأتي على عكس أفكاره، وطبعاً أوين Owen صنفه خطأً – كما ذكرت في حلقات سابقة – ولم يهتم بأشياء مُعينة فيه، لكن هل هو هذا؟ ومتى عاش هذا الطائر أو الجناح العتيق؟ قبل مائة وخمسة وأربعين مليون سنة، وهذا يعني أنه عاش في النطاق السليم، لأننا قلنا أننا نبحث بين مائتين وبين سبعين مليون سلفت، وهو قبل مائة وخمسة وأربعين مليون سنة، وطبعاً قد يقول أحدهم – علماً بأنني لا أُعيد الكلام لكنني فقد أُنبِه لأن من المُمكِن أن يسمع بعض الناس بعض الحلقات ولا يسمع كل السلسلة – من أين لكم هذه الأرقام؟كيف تقولون عن شيئ أنه كان في مليون أو مائتين وخمسين مليون أو ثلاثمائة وسبعين مليون؟ وهو طبعاً يقول هذا لأن ليس عنده خبرة وليس عنده تمرس في هذا الشأن ومن ثم يقول ما هذا الكلام؟ هل أنتم تضربون بالودع أم يُوحى إليكم أم تتنزل عليكم من السماء هذه المعلومات؟ من أين تعرفون هذا؟ لكن طبعاً هناك طرائق وتقنيات علمية دقيقة جداً وتزداد دقتها عقداً فعقداً، فكل فترة زمنية تُصبِح هذه الوسائل دقيقة أكثر من قبل، فهناك أساليب كثيرة لتحديد عمر الأشياء وعمر المُتحجِرات وهى أساليب علمية دقيقة جداً، وأعتقد أن ليس من الخير لأهل الفكر ولأهل الدين أن يُشكِّكوا فيها كما يفعل النصارى في أمريكا بالذات، فهم يُشكِّكون فيها كثيراً، والتشكيك فيها لا يتم إلا بضرب القانون الطبيعي وقانون الاتساق في الطبيعة، فمثلاً تحلل المواد المُشِعة يتم وفق قانون معروف تماماً في علم الطبيعة وعلم الفيزياء أو الكيمياء الطبيعية، فهو معروف ولكنهم يُشكِّكون في هذا، ويقولون ما الذي يضمن لنا؟ قد يكون هذا التحلل كان يجري قبل ألوف السنين بوتيرة أخرى، وهذا طبعاً كلام فارغ، فلا يُمكِن أن تُشكِّك في قوانين طبيعية ثابتة عتيدة من أجل أن تُطوِّع حقائق العلم للفهوم الدينية ولأن كتابك المُقدَّس يقول عمر الحياة لا يزيد مثلاً – على عشرة آلاف سنة، لكن العلم يتحدَّث عن عشرات ملايين ومئات ملايين السنين، فطبعاً سوف تقع في حيص بيص ولن تجد مناصاً إلا أن تُشكِّك في مبدأ اتساقية – Parity – وتماثلية قوانين الطبيعة، وهذا خطأ كبير وانتحار علمي، وفي نهاية المطاف لن يقنع بهذا إلا أتباعك من أهل الدين وأهل الفكر الديني، أما المسار العلمي والمسيرة العلمية فستمضي لا تلوي على شيئ ولا تنظر إليك، وستسقط أنت ويستمر العلم، وهذا الذي يحدث، فإن كان ثمة شيئ ينبغي أن يُنجَز فهو إعادة قراءة النص الديني بما يجعله مُتوائماً مع الحقائق العلمية، وأنا الآن لا أتحدَّث عن التطور بالذات وأرجو أيضاً أن يفهم الإخوة والأخوات الأعزاء أنني إلى الآن – كما قلت لكم – أتقمص دور مُؤيد التطور والمُؤمِن بالتطور، فأنا أُريد أن أتقمص هذا الدور تماماً كأنني تطوري صميم وأن أُعلِن وأعرض أيضاً بكل النزاهة وبكل الحيدة العلمية أدلة وبراهين ودلائل التطوريين، فلذلك لا يجب أن يستعجل بعض الناس ويبدأ يتكلم ويقول إذا أنت تطوري كيف تقول في كتاب الله كذا كذا وماذا تقول في آدم وكل هذا الكلام الفارغ، فهذا أسلوب غير علمي وغير صحيح، ونحن إلى الآن نتقمص هذا الدور تماماً وبنوع أحياناً من المُغالاة حتى لا نُتهَم بأننا حرّفنا النظرية وأننا أيضاً لنا غرض فنذكرها بطريقة مُعينة ونعرض لها بأدلة منقوصة ومبتورة حتى نتمكن بعد ذلك من القضاء عليها بضربات يسيرة، فنحن لا نفعل هذا أبداً، ولكن نحن نفعل العكس تماماً بفضل الله تبارك وتعالى، ومبتغانا وهدفنا هو معرفة الحقيقة، لكن هل تعرفون لماذا؟ لأن – كما قلت لكم – يُمكِن لنا أن نخدع أنفسنا في كنائسنا وفي مساجدنا وفي كُنسنا – Synagogues – ونُصدِّق أنفسنا، لكن العلم لن يُصدِّقنا، والعالم لن يُصدِّقنا بعد ذلك، أبناؤنا وبناتنا لن يُصدِّقونا حين يقفون على الأدلة والمُؤيِدات وحين يقرأونها بموضوعية، فسنخسر في نهاية المطاف ويخسر ديننا، لأننا كذبنا على العالم بإسم هذا الدين وكذبنا على هذا الدين، ولذلك نحن نفعل العكس تماماً، فنحن نُريد أن نعرف الحقيقة، وسننحاز إلى الحقيقة دائماً، وفي نهاية المطاف الحقيقة من عند الله، تقول الآية الكريمة وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۩، فلا يُمكِن لله أن يرضى للبشر وأن يرضى لمن يعبدونه بأن ينحازوا إلى الباطل، لكن قد يقول لي أحدكم أن هذه مسائل علمية وليست مسائل دينية بحتة وبالتالي الحق فيها والباطل أمر غير واضح، وهذا غير صحيح، بل بالعكس الله – تبارك وتعالى – يدلك على نفسه بخلقه بنفس الطريقة وبنفس القوة – لن أقول أكثر ولكن على الأقل بنفس الطريقة وبنفس القوة – التي يدلك فيها على نفسه – تبارك وتعالى – عبر وحيه، وإذا أردنا أن نكون مُنصِفين وموضوعيين أكثر يجب أن نقول أن العكس ما يحصل، فدلالة العوالم والخلق على الله – تبارك وتعالى – أقوى وأكبر من دلالة الكلام المُوحى،وذلك لأسباب كثيرة فكِّروا فيها، ولكن في نهاية المطاف اللاهوت الوحياني في الكتاب المُقدَّس وفي القرآن وفي غيرهما سيكون ضئيل القيمة وضعيف الحُجية جداً بغير اللاهوت الطبيعي وبغير اللاهوت العلمي، ودلالة الآيات المتلوة ستكون ضعيفة وباهتة جداً بغير دلالة الآيات الكونية ودلالة عالم الخلق عليه تبارك وتعالى، فلماذا نحن نستهين بعالم الخلق هذا ونستهين بالعلوم التي تدرسه وتسبر أغواره ونضرب عنها ليتاً ونضرب عنها كشحاً ونكذب عليها لكي نُنقِذ اللاهوت الوحياني؟ هذا خطأ كبير جداً، والمُحاوَلات الذكية المطلوبة هنا هى أن نُزاوِج بين اللاهوتين، أي بين هذا وهذا، فالأمر تماماً كما يقول علماؤنا الأذكياء “الله – تبارك وتعالى – هو خالق الكون وهو مُوحي الكتاب، فهذا فعله وهذا قوله”، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ۩، فلا ينبغي أن يتناقض قوله مع فعله، وإلا مَن الذي خلق؟ الله، مَن الذي قال وأوحى؟ الله، وبالتالي ينبغي أن يتآزرا وأن يتعاضدا، لا أن يتشاكسا ولا أن يتضاربا، ولذلك تقول الآية الكريمات تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ۩ وتقول آية كريمة أُخرى تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ۩، إذن تبارك الذي خلق وأبدع، وتبارك الذي أوحى – لا إله إلا هو – ونبّه، وتقول الآية الكريمة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ۩ وهناك آية كريمة أيضاً تقول الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ۩، فإذن له الحمد لأنه خلق العالم، وله الحمد لأنه أوحى الكتاب، وتبارك – لا إله إلا هو – لأنه خلق العالم، وتبارك – لا إله إلا هو – لأنه أوحى الكتاب، فهذا هو القرآن وهذا هو مطلع الآيات الذي يُعطينا هذه الفلسفة وهذا الفكر، فعلينا أن نُفكٍّر على هذا النحو، وأنا سأكون واضحاً مع نفسي ومعكم وأقول أنني أعلم أن التحديات كبيرة وصعبة، وبالذات لفكر ديني غير مُتمرِّس بالمنطق العلم ومُتجاهِل له تقريباً وزاهد فيه وضعيف عن استيعابه، فالفكر الديني سهل، والمقصود بالفكر الديني هنا أن إي إنسان مُجتهِد عنده ذاكرة وذكاء سوف يكفيه أربع أو خمس سنين لكي يتعلم علوم الدين ويُصبِح فيها أستاذاً كبيراً جداً إذا كان ذكياً ومُجتهِداً، فأنت يُمكِنك أن تقرأ كل يوم سبعَ عشرة أو ثمان عشرة ساعة لأربع أو خمس سنين من كتب الفقه والأصول وأصول الحديث والحديث والعقيدة والتفسير وعلوم الآلة، فهذا يكفيك طبعاً، لكن هذه العلوم الكونية والطبيعية والحيوية هى علوم كثيرة جداً جداً، فهى بالعشرات بل بالمئات، ولا ينتهي مددها، ولا يزال يعب عبابها كل يوم باكتشافات وتجارب ونظريات وفرضيات جديدة، فهذا شيئ مُعقَّد جداً جداً وكبير وهائل كالمُحيطات، فأكيد طبعاً لما يأتي عالم دين مُتواضِع بسيط – للأسف – وقد أخطأ في المُقدِمة فإنه سوف يُخطيء في المسار والنتيجة، فهو ظن نفسه لأنه يتكلم في الدين أنه يتكلم بلسان الله وأنه يتوفر تقريباً على علم إلهي ولذلك أعطى نفسه صلوحية أن يتكلم في كل شيئ تقريباً، فهو يُفتي لك في علم الأحياء والفيزياء والكيمياء والكوزمولوجي Cosmology وهو لا يعرف شيئاً في هذه الأشياء ولا يعرف حتى أي شيئ عن مبادئ هذه العلوم، فلماذا إذن؟ هل تفعل هذا فقط لأنك عالم دين؟ فما معنى أن تكون عالم دين؟ هل أنت تتكلَّم بإسم الله؟ هل عندك علم الله في هذه الأشياء لأنك تقرأ القرآن أو التوراة أو الإنجيل؟ هذا كلام فارغ وهذه أخدوعة كبيرة، ولذلك يجب أن نحترم أقدارنا وأن نعرف أقدارنا، فلا نتكلم في ما لا نُحسِن ومن ثم يجب أن نقول لسنا من المُتكلِّفين، فإذا قيل لأحدنا هل أنت مع التطور؟ وهو لا يعرفه يجب أن يقول “لا أعرف ما هو التطور أصلاً ولا أفهم التطور وبالتالي لن أتكلَّم فيه، فمن المُمكِن أن أتكلم في الحيض والنفاس ونواقض الوضوء والصوم والزكاة والجهاد، هذا أقول له أهلاً وسهلاً، لكن هذه الأشياء لا أفهمها ولم أسمع بها ولا أفهم عنها”، ومن ثم سنقول له أنت إنسان مُحترَم، لكن أن تبدأ تتكلم وتُفتي وتُكفِّر وتُزندِّق وتُثرِّب وتُنكِر هذا يُعَد شيئاً مُضحِكاً تماماً، كذلك الشيخ – وياله من شيخ، فهو ليس مُجرَد شيخ عادي وإنما هو شيخ مُؤسَسة كُبرى إسلامية، ولن أذكر إسمه حتى لا أوذي أحداً، ورحمة الله عليه لأنه أفضى إلى ما عمل لأنه تُوفيَ – الذي كان يُستفتى مرة في لندن قبل أقل من عقدين عن الاستنساخ فقال “وماله؟ حلو الاستنساخ” وهو لا يفهم ما الاستنساخ، ففي محطة الـ MBC كان يُحدِّثه المذيع عن الاستنساخ فقال له “هذا شيئ عادي، نحن عندنا في الريف وما إلى ذلك نُطعِّم التفاح – مثلاً – بكذا فيخرج لنا العجور، وبالتالي لا مُشكِلة، فهذا هو الاستنساخ ولذا هو جائز”، وهذا شيئ مُضحِك، فهو قال هذا وهو ليس شيخاً عادياً وإنما هو شيخ يُمثِّل مؤسَّسة هامة، فهو كان على رأس مُؤسَسة دينية كُبرى، وهذا موجود على اليوتيوب YouTube إلى اليوم ويُمثِّل فضيحة بجلاجل، فهذا عيب أن يُقال، كان عليك أن يقول له “في الحقيقةً أنا سمعت بهذا الموضوع، فقد صك أذني كما صك آذان العالمين، لكنني في الحقيقة لم يتوفر لي الوقت والفرصة لكي أسأل عنه ولكي أقرأ عنه أي شيئ، فأنا لا أعرف أي شيئ عن الاستنساخ”، وطبعاً لكي يكون مُحترَماً ووقوراً ممنوع أن يقول له “اشرح لي الاستنساخ وأنا سوف أفتيك”، فلا يُمكِن أن تأتي الفتوى في خمس دقائق، يجب أن يقرأ الاستنساخ في أيام وأسابيع وربما أشهر ويُفكِّر فيه أياماً وأسابيعاً وربما أشهراً أيضاً ثم يتكلَّم بعد ذلك، وهذا حد أدنى من الجدية ومن المسئولية أمام الله ثم أمام الأجيال و أمام العالم، فنسأل الله أن يُعرِّفنا بأقدار نفوسنا.

الأركيوبتركس Archaeopteryx
الأركيوبتركس Archaeopteryx

إذن نعود إلى الجناح العتيق أو الطائر العتيق المُسمى بالأركيوبتركس Archaeopteryx، فهذا الطائر كما تعلمون وقد حدثتكم عنه مرة باختصار له ذيل عظمي طويل،و كون هذا الذيل عظمياً فهذا يُلحِقه بالزواحف، وله منقار – Beak – أيضاً، وكونه يتوفر على منقار – Beak – فهذا يُلحِقه بالطيور، لكن هذا المنقار – Beak – فيه أسنان، أي منقار مُسنَّن Toothed Beak، وكون هذا المنقار فيه أسنان، فهذه الأسنان ستُلحِقه مرة أخرى بالزواحف، أي أنه سوف يرجع زاحفاً ولكن له جناحان، وهذا الريش – Feathers – الذي في الجناحين غير مُتماثِل الأطراف، وهذا يُؤكِد أنه يُؤهِله للطيران، لأن الريش الغير المُتماثِل في عرضه هو ريش مُؤهِل للطيران، وهذا يُلحِقه بالطيور، لكن هل طار؟ إلى الآن العلماء لا يُجزِمون هل كان هذا يطير أو لا يطير، ولكنهم يُرجِّحون أنه كان يطير، فلماذا إذن؟ لأن عنده هذا الريش العريض – Large Feathers – غير المُتماثِل، وهذا يُرجِّح أنه كان يطير، لكنه طبعاً كان طيراناً بدائياً وعبيطاً، وليس طيراناً سلساً وجميلاً، فهى مُجرَّد مُحاوَلات للطيران بطريقة بدائية عبيطة كما يقول العلماء، ولكن أيضاً في آخر الجناحين المريشين – أي بهما ريش – مخالب، فالأحفورة تُوضِّح هذا، وهذا شيئ – سبحان الله – غريب، كيف يُمكِن أن يكون في آخر الريش هذه المخالب؟ هل رأيتم طيلة حياتكم طائراً عنده مخالب؟ هذا لا يُوجَد طبعاً، فإما جناحان وإما مخالب، لكن هذا عنده مخالب في آخر جناحيه أو في طرفي جناحيه، وهذا يُلحِقه مرة أخرى بالزواحف، فيُصبِح زاحفاً بسبب هذه المخالب، وهذا شيئ غريب جداً، لكننا سنجد بعد ذلك أن هذه الالمخالب مفصولة الأصابع، وهذه المخالب المفصولة تُلحِقه بالزواحف، لأن الطيور أطرافها مُلتئمة وليست مفصولة، ولذا هذا يُلحِقه من هذه الناحية أيضاً مرة أخرى بالزواحف، فإذن هل هو في نهاية المطاف زاحفٌ أكثر منه طيراً أم طيرٌ أكثر منه زاحفاً؟ هو زاحفٌ أكثر منه طيراً، ولذلك الجناح العتيق أو الطائر العتيق في نهاية المطاف هو ديِنَاصوري أو ديّنَاصوري، وهو أقرب أن يكون زاحفاً منه إلى أن يكون طائراً، لكن – كما قلت لكم – العلماء يُرجِّحون أنه كان يطير هذا الطيران البدائي غير السلس وغير الجميل، وعلى كل حال في ألف وثمانمائة وستين اكتُشِفَ الطائر العتيق وتوقف كل شيئ، ولكن نحن عندنا مائتان مليون وسبعون مليون، فهل لا يُوجَد إلا هذه الأحفورة فقط؟ لم يُوفَق العلماء إلى اكتشاف مُتحجِرات أو أحفورات جديدة أخرى وبقيَ الأمر على هذا النحو من سنة ألف وثمانمائة وستين إلى ألف وتسعمائة وسبعين، في الحقيقة في أواسط السبعينيات، أي بعد أربعة وستين وخمسة وستين، فسال السيل، وهذا شيئ جميل جداً، فبعد زُهاء مائة سنة وأزيد بقليل ببضع سنين سال سيل المُكتشَفات، وبدأنا نرى في الصحف وفي التلفزيون Television الكثير من الأخبار، فضلاً عن الأخبار الموجودة في المجلات العلمية المُحكَّمة وغير المُحكَّمة، وهى أخبار كثيرة جداً عن حلقات وسيطة رائعة أروع من الطائر العتيق أو الجناح العتيق، ومع ذلك بعض الناس حتى الآن لا يتذكر إلا الطائر العتيق رغم وجود مُكتشَفات كثيرة قبل حوالي خمسين سنة وخاصة في الصين، لذلك يُذكَر في إسمها أو في أسماء بعضها كلمة تدل على الصين مثل Sino، الصين، فكلمة Sino إشارة إلى الصين China، ولذلك يقولون – مثلاً – Sinornithosaurus، وعلى كل حال هناك مُكتشَفات لحلقات انتقالية بين هذه الزواحف الديناصورية وبين الطيور الحديثة التي نعرفها – كما قلت لكم – في أواسط السبعينيات، لكن كيف هذا؟ في الصين رواسب بُحيرية – رواسب تنتمي إلى بُحيرات ماء عذبة – كثيرة، فوجدوا مجموعة من الأحفورات للديناصورات الرشيقة،أي للثيروبودس Theropods كما قلنا، فالثيروبودس Theropods هى الديناصورات ثنائية القدم أو الديناصورات الرشيقة، وبعض هذه الديناصورات الرشيقة ثنائية الأطراف كان عليها ريش ولها بنية ريشية صغيرة جداً، صحيح ليس ريشاً كبيراً لكن الجسم كان مُغطَى بريش وليس بحراشف وليس بجلد عادي، والجلد موجود طبعاً لكن هذا الجلد عليه بنية ريشية، وهذا شيئ غريب وجميل أن يكتشف العلماء هذا، فواضح أن هذه حلقة انتقالية، فنحن لم نجد الجلد المُحرشَف للديناصور لكننا لاحظنا هذا الريش، والانتخاب الطبيعي استبقى هذا التطور، وهذا الريش يُغطي – كما قلت لكم – الجسم كله، وإحدى هذه المُكتشَفات إسمها صعب قليلاً، فإسمها هو Sinornithosaurus millenii، فقط اكتب هذا في اليوتيوب YouTube وسوف ترى طبعاً نماذج تمثيلية ومرسومة وأشكالاً كثيرة في مقاطع فيديو Video، وسوف ترى فعلاً كيف أن هذا الديناصور وجسده مُغطىً بالريش الصغير من فوق إلى أسفل، علماً بأن Sinornithosaurus millenii معناها السحلية أو العَظَاءَةَ – Lizard – الصينية، ولكن هل كانت هذه السحلية الصينية قادرة على الطيران؟ مُستحيل طبعاً، لأن بنية السحلية الصينية

كانت ريشية صغيرة، وهذا الريش الصغير لا يُساعِد على الطيران بأي حال من الأحوال، لكن واضح أنها كانت حلقة على الطريق. طبعاً أصابعه وذيله العظمي الطويل ووجود أسنان عنده وكل هذه الأمور من الأشياء التي تُؤكِد أنه لم يكن طائراً، لكن فيه صفة وحيدة على الأقل من صفات الطائر.

الميكرورابتر جاي Microraptor Gui
الميكرورابتر جاي Microraptor Gui

لدينا الآن الميكرورابتر جاي Microraptor Gui، والميكرورابتر جاي Microraptor Gui هو ديناصور رباعي الأجنحة وليس ثنائي الأجنحة، وقد وجدوا مُتحجِرته ووجدوا أن له أجنحة رباعية، وهذا يُذكِّرنا مرة أخرى بمبادئ النظرية التركيبية التطورية الحديثة التي سردتها عليكم وهى عشرة مبادئ، فليس من شرط التطور دائماً أن يكون من الأبسط إلى الأعقد، وأحياناً التطور يرتد فيكون من الأعقد إلى الأبسط، وهذا واضح طبعاً،فهذا الميكرورابتر جاي Microraptor Gui أو الديناصور رباعي الأجنحة كان رباعياً لكنه سيتطور بعد ذلك إلى طائر ثنائي الأجنحة، إذن من أربعة إلى إلى اثنين، أي من مُعقَّد إلى بسيط، فهذا مُمكِن وهذا يحصل في التطور، علماً بأن هذا طوله تقريباً ثلاثين بوصة، وثلاثون ضرب اثنين ونصف ستُساوي تقريباً خمسة وسبعين سنتيمتراً، فهذا هو طول هذا الديناصور رباعي الأجنحة إذن، وله ذراعان وله رجلان مريشتان تماماً، فرجلا هذا الكائن عليهما ريش كامل، لكن هل كان يطير إذن بهذه الطريقة؟ لم يكن يطير، ولكنه ربما كان يستعملهما في الانزلاق الهوائي – Gliding – كما شرحت لكم.
بعد ذلك عُثِرَ في بُحيرة في الصين على مُتحجِرة لديناصور صغير نائم – مُتحجِرة لكائن كان نائماً – ورأسه تحت تحت ذراعه، وكأن هذا الذراع أشبه بالجناح المطوي، لكنه كان ذراعاً وليس جناحاً، وكان نائماً تماماً كما تنام الطيور، فالطيور تنام هكذا مثله وتضع رأسها تحت جناحها، وهيئة النوم هذه غير مُتوفِرة في أي ديناصور عادي، فالديناصور لا ينام بهذه الطريقة، لكن هذا الديناصور يبدو أنه هلك وتحجر وهو نائم، وكان رأسه تحت ذراعه، والذراع شكلها مثل شكل جناح يُغطي الرأس، وهذه خُطوات كلها عن كيف تُصبِح الديناصورات تُصبِح طيوراً في يوم من الأيام، وهذا شيئ جميل، وقد أُعطيَ هذا الديناصور إسماً طبعاً يعني التنين النائم باللغة الصينية وهو إسم Mei long، فهم أسموه Mei long وهذا يعني باللغة الصينية التنين النائم لأنه ينام – كما قلنا – بطريقة الطيور.
بعد ذلك عُثِرَ على مُتحجِرة لتنين رشيق – أي ثيروبود Theropod أيضاً – ولكنه كان لأنثى، وهذه الأنثى المُتحجِرة كانت تقبع في عشها الذي يحتوي على ثنتين وعشرين بيضة، علماً بأن بيوض الديناصور مُنتشِرة في العالم طبعاً، وقبل أقل من سنة في الشيشان وجدوا عدداً هائلاً من بيوض الديناصورلكن للأسف لم يهتم الشيشان بهذا بالمرة، وأنا زرتهم وسألتهم فقالوا هذا أمرغير مُهِم وهذا لا يعنينا لا في كثير ولا في قليل، وللأسف كان عدداً هائلاً من بيوض الديناصورات، لكن الجديد هنا هو أن هذه الديناصورة الأنثى كانت تُمارِس سلوكاً رعائياً يُشبِه سلوك الطيور، فهى ترقد – أي تُمارِس الرقود – طبعاً على بيوضها الثنيتن والعشرين بيضة تماماً كما يفعل الطير، لكن الديناصور لم يكن يفعل هكذا، فإذن هذه خطوة جديدة أيضاً لكي تتحول الديناصورات إلى طيور، وهذا شيئ عجيب ومُثير جداً، فكل هذه المُتحجِرات التي وُجِدَت في رواسب بُحيرية في الصين ترقى زمنياً إلى فترة قُدِّرت بين مائة وخمسة وثلاثين ومائة وعشرة ملايين سنة مضت، إذن في النطاق المطلوب تماماً، فالنطاق المطلوب يكون بين مائتين مليون وبين سبعين مليون سنة، ولكن المُشكِلة الآن هى أننا قلنا أن عمر الجناح العتيق – الأركيوبتركس Archaeopteryx – مائة وخمسة وأربعين مليون سنة، إذن يستحيل أن تكون كل هذه المُتحجِرات التي ضربنا أمثلة لبعضها أو لأهمها أسلافاً للطائر العتيق، فهذا مُستحيل، وليس بالضرورة أن يكون هو سلفاً لها وهى خلفاً له، ومن هنا يُرجِّح علماء التطور أن الجناح العتيق مع هذه الأنواع من الديناصورات التي تُوشِك أن تُصبِح طيوراً كلها قرابات وأولاد عمومة – Cousins – يجمعها جميعاً إذن سلفٌ مُشترَك، فإذن الآن العلماء – أي علماء التطور – أصبحوا إزاء تحدٍ جديد، وهو العثور على ديناصور مريش – أي ظهر له بنية ريشية أو ريش في بعض أنحاء بدنه – ويكون أقدم من الطائر العتيق أو من الجناح العتيق، وذلك – كما قلنا – لكي يصلح أن يكون سلفاً له ولقراباته، فهذا تحدٍ جديد واجه العلماء، لكن على كل حال لاحظ العلماء أننا كلما تقدمنا في الزمن – المقصود بالتقدم الآن أي كلما اقتربنا من لحظة الحاضر وليس كلما تأخرنا – نجد أن الذيل الزاحفي الطويل يتقلص ويُصبِح طوله أقل – والزواحف ذيلها طويل كالديناصور بخلاف الطيور – من ذي قبل، وكذلك الأسنان سوف تختفي بعد أن تُصبِح أصغر فأصغر، وهذه مُلاحَظات مُهِمة، والأصابع – كما قلت لكم – في الطيور مُندمِجة طبعاً ومعروف كيف يكون شكلها، وفي الزواحف تكون مُفرَّقة، لكن هنا الأصابع سوف تأخذ في الاقتراب لكي تندمج بحسب الأحفورات أو المُتحجِرات، أما عظمة الصدر العريضة في الطير فهى مُهِمة جداً بالنسبة له، لكن لماذا؟ لكي يتثبت عليها العضلات – عضلات الأجنحة – الخاصة به، فكل الطيور عندها عظمة صدر – Sternum – عريضة، فهذه العظمة سوف تبدأ في أن تعرض – أي تأخذ في الاستعراض – أكثر مع الزمن كلما اقتربنا من لحظة الحاضر، فواضح بهذه المُلاحَظات أن هناك مساراً تطورياً ما.

للأسف أدركنا الوقت، وعلى كل حال كنا سنطرح سؤالاً يقول ما فائدة هذا الريش البدائي إذن لهذه الديناصورات الرشيقة؟ وكنا سنعرض عليكم سيناريوهين – Two Scenarios – ذكرهما العلماء – علماء التطور – يشرحان أو يقترحان شرحاً لكيف تمت علمية التطور وهل تمت بالنزول من أعلى إلى أسفل – أي بالانزلاق من الجو إلى الأرض – أم تمت بمُحاوَلة مُغادَرة الأرض، لكن هذا ما سنشرحه – إن شاء الله – في الحلقة القادمة، فإلى أن ألقاكم أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

(تمت المُحاضَرة بحمد الله)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: