إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – تبارك وتعالى من قائلٍ – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ۩ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ۩ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.مين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩، ذكر السادةُ المُفسِّرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة من سورة البقرة أن الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – كانوا إذا خاطبوا الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – ربما قالوا يا رسول راعنا، أي فرِّغ سمعك لكلامنا، استمع إلينا جيداً، من قولهم راع إليه ورعاه وراعاه إذا أصاخ إليه وأحسن الإنصات والاستماع، وكانت هذه الكلمة في لغة اليهود وفي عبريتهم تعني معنىً قبيحاً، فكانوا إذا أرادوا أن يُحمِّقوا إنساناً – أن ينسبوه إلى الحمق – قالوا له راعنا، يعني يا مَن به رعونة، وقيل المعنى راعنا أي اسمع غير سامعٍ، اسمع لا أسمعك الله، اسمع وأنت أُطروش، فيها شتيمة، فلما رأوا الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – يقولون هذه اللفظة التي تعني هذا المعنى الفاحش في لغتهم فرحوا بها وسُرّوا جداً، قالوا كنا نشتم محمداً في سرنا، فالآن نُعلِن به، فكانوا ربما أتوه – عليه الصلاة وأفضل السلام – قائلين يا محمد راعنا، ويضحكون بعد ذلك بين بعضهم بعضاً في سرهم، وكان سعد بن مُعاذ – الصحابي السيد الجليل الأنصاري رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – يعلم لغة اليهود ففطن لهذه الحيلة القبيحة فقال لهم والله لا أسمعُ أحداً منكم بعد اليوم يقول هذه الكلمة لرسول الله إلا ضربت عنقه، فقالوا أولستم تقولونها؟ أنتم تقولون له راعنا، فأنزل الله – تبارك وتعالى – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ – يعني اليهود – عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩، فسدَّ عليهم الباب لئلا يجدوا سبيلاً إلى شتيمة رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام.
إذن الألفاظ حسّاسة وهى في ميدان تداولها تخضع لأمور كثيرة خارج المُعجَمية، وهذا ما تُعنى به الآن علوم التداول اللغوي عموماً، التداولية ومنها أيضاً علوم الدلالات، كل هذا أصبح يُؤخَذ في الاعتبار، النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – فيما رواه الإمام أبو داود في سُننه عن عوف بن مالك – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – قضى يوماً بين اثنين – أي بين رجلين – وبالحري يقضي لأحدهما على الآخر وهكذا جرى الأمر، فلما انصرف الذي قُضيَ عليه – أي ثبت عليه الحق، كان مُبطِلاً بمعنى ما – قال حسبي الله ونعم الوكيل، الرجل يشعر بالهضمة، يشعر بأنه ظُلِم، والنبي هو القاضي، النبي هو الحاكم، فقال له – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس، فإن غلبك أمرٌ فقل حسبي الله ونعم الوكيل، الكيس هو الحزم والاحتياط، الأخذُ بأسباب التحوط، أن تنظر في أدبار الأمور، لا تُورِد إلا وأنت تعلم كيف ستُصدِر، تُقدِّر لرجلك قبل الخطو موضعها، كل هذا هو تفسير الكيس، ومن هنا قولهم فلان حازم كيّس ينظر في أدبار الأمور، يُقدِّر لكل أمرٍ موضعه وينظر في نتائجه وعقابيله وتواليه ومُستلزَماته، وعكسه العجز، الذي يُهدِر الأسباب ولا يأخذ بأسباب الاحتياط، قال السادة العلماء شرّاح هذا الحديث الجليل – هكذا فهموا – لعل هذا الرجل الذي قُضيَ عليه ثبت عليه دينٌ – كان مديناً لأخيه – وأدّى الدين لكن من غير بينة، حين ثبت عليه الدين هناك ببينة وشهود أو كتاب، وحين أعاد الدين لم يأخذ موثقه، لم يأخذ موثقاً بإعادة الدين، لم يكن هناك شهود لكي يشهدوا على أنه أعاد الدين، فربما افترى الآخر وادّعى أن الدين قائمٌ في ذمة المدين لا يزال، والنبي بحُسن بصره وشفافيته فهم هذا، لكن قال أنا لا أستطيع إلا أن أقضي بالبينات، لابد من البينة، وأنت العاجز لأنك لم تستوثق لأمرك، عليك ألا تُهدِر الأسباب، خُذ بالأسباب وتحوَّط لنفسك، كما تحوَّط هو لنفسه وأشهد على الدين لماذا أنت لم تُشهِد على الأداء؟ فهذا عجزٌ، الله يلوم على العجز، قال له أنت المُخطيء مرتين، مرةً حين تورّط في العجز، ومرةً أُخرى حين قلت حسبي الله ونعم الوكيل، النبي مُربٍ كبير عليه الصلاة وأفضل السلام، واضح أنه ليس لنا في هذا العصر من تربيته إلا هُتامات ونُتف يسيرة جداً جداً جداً جداً، نحن بعيدون البُعد كله تقريباً عن هديه ومنهاجه في التعليم في الدين والدنيا لكننا نُكثِر فقط من سرد إسمه والصلاة عليه واقتباس أحاديثه من غير فهم ومن غير أن نُحيلها إلى ثقافة حقيقية في حياتنا، نحن العجزة، هذه أمة العجزة اليوم، لا أحسب أنه على وجه الأرض أمة أعجز من هذه الأمة، ليس فقط تتورَّط هذه الأمة بعدم أخذها بأسباب الكيس والحزم والاحتياط والتدبير وحُسن النظر والتأتي إلى كل الأمور ومعرفة الموارد والمصادر – لا ليس هكذا – بل هى تعمل بكل حيلة ووسيلة ضد مصالحها وضد وحدتها وضد أمنها وضد استقرارها، وهذا شيئ عجيب، هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أنها عملياً – ماذا أقول؟ هل أقول كافرة بتراث محمد؟ – كافرة، لا تُؤمِن بهذا التراث ولا تستفيد منه ولا تستوحيه ولا تسترشده ولا تسأله، ليس لها علاقة به على الإطلاق، وهذا الدين هو دين الكيس ودين الحزم، والمُؤمِن كيّسٌ فطن وليس عاجزاً أحمقاً غبياً يُلعَب به ويكون مُغفَّلاً ولُعبةً للأمم ولُعبة للكبار والصغار على جميع المُستويات أبداً، قال حتى هذه الكلمة لا تقلها الآن، في هذا السياق لا تقلها، وإلا حسبنا الله في كل حال، والله – تبارك وتعالى – نعم الوكيل والمُفوَّض إليه الأمر كله في كل حال، لكن ليس في هذا السياق، في هذا السياق أنت تُضلِّل نفسك وتخدع نفسك، أنت بهذه الطريقة تُعرِّض نفسك أن تُعيد هذا الخطأ ألف مرة، تأخذ بأسباب العجز ثم تقول حسبي الله ونعم الوكيل، لكن حسبي الله على عجزك، حسبي الله على حُمقك، تعلَّم هذا، النبي رفض أن تُستعمَل هذه الكلمات المُقدَّسة الجليلة في غير سياقها، كم نفعل هذا؟ نفعله بطريقة مسخرتية إن جاز التعبير، أصبحنا سُخرية لأنفسنا وللأمم كبيرها وصغيرها وجليلها وحقيرها، كم ذا وكأين من أبناء المسلمين وبنات المسلمين في الوقت الراهن انتقلوا من الإيمان إلى الإلحاد والكفر والجحود والنُكران؟ ومن الأسباب – من جُملة الأسباب الكثيرة – التي يُعرِبون عنها ويُبرِّرون بها ويُسوِّغون بها إلحادهم قولهم ألستم تدعونه من سبعين سنة – تاريخ القضية الفلسطينية – لماذا لم يُلبِكم؟ تدعونه وبالذات في مكة المُكرَّمة ليلة السابع والعشرين، ملايين ترفع الأكف ضراعةً وابتهالاً واستبذالاً واستمناحاً واستمطاراً واستنصاراً ثم أمركم من خيبة إلى ما هو أخيب ومن فشل إلى ما هو أفشل ومن سيء إلى ما هو أسوأ، ما العلة؟ هؤلاء المساكين – هدانا الله وإياكم – الذين ألحدوا وتركوا يفاع الإيمان وتهوَّروا في وهدة الكُفران والنُكران لم يعلموا لأنه تقريباً لم يُقل لهم نحن أمة تسخر بدينها وحين ندعو ونرفع الأكف في مكة وغير مكة في كل مساجد الأرض – والله وأنا على منبر رسول الله – إنما نسخر من ديننا حتى لو أرسلنا الدموع وبكينا، كل هذه الدروشة فارغة، هل تعرفون لماذا؟ لأنكم ترفعون أكفكم وتقولون اللهم انصرنا وهذا كذب، أنت تطلب النصر أم الانتصار؟ كُن دقيقاً، نوح كان برأسه ومعه فئةٌ قليلة – وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ۩ – في قومٍ كثيرٌ عددهم ومكث فيهم أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ۩، هذا كيّس كيّس كيّس، هذا من أولي العزم من الرُسل، هو من الخمسة أولي العزم، أخذ بكل أسباب الكيس، ولما أعيته الأسباب وانقطعت الحيلة وارتفع الأمل بالكُلية قال أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ۩، قال أنا لا أستطيع، أنا لا أستطيع أن أنتصر لنفسي منهم، فأنا أطلب منك يا رب بعد تسعمائة وخمسين سنة في هذا العذاب أن تنتصر لي ولمَن معي، فلبّاه الله، هل تُريدون أن ينتصر الله لكم يا أمة المليار وثمانمائة مليون أم تُريدون النصر؟ لماذا الكذب على أنفسكم وعلى السماء؟ والسماء لا يُكذَب عليها ولا تُخدَع، تقولون اللهم انصرنا وهذا جميل، النصر يكون في معركة، هل تُعارِكون؟ لماذا تكذبون؟ هذا كذب، قال اللهم انصرنا، هل تُحارِب حتى تطلب النصر يا رجل؟ انظر إلى آيات الجهاد في سبيل الله، آيات الذين قاتلوا في سبيل الله، لا يُذكَر دعاؤهم بالنصر إلا حين المُصافة، حين يلتقي الطرفان، حين إذن يرفعون أيديهم ويطلبون النصر، هذا دعاء مقبول وهذا دعاء معقول وله معنى، لكن مثل هذه الأمة – أمة المليار وثمانمائة مليون – ومثل هذا الجمع الكريم – مثلاً – من مئات أو ألوف من الناس يجلسون ويرون امرأة أو فتاة أو سيدة ضعيفة مهيضة الجناح وكسيرة الجانب يعتدي عليها مُجرِم أثيم صائل، رجل قوي بشوارب يقف عليها الغُراب وهو غُراب، فماذا يكتفون؟ طبعاً هؤلاء بالمئات، لو نفخوا عليه لطار، أليس كذلك؟ لو بصقوا عليه لأغرقوه، يرفعون أيديهم اللهم اكشف غُمتها، اللهم نفِّس كربها، اللهم انصرها يا ربي، اللهم دافع عنها وعن عِرضها، والمُجرِم لا يبرح يُبرِّحها ضرباً، ما هذه المسخرة؟ هذه مسخرة، نحن أمة المسخرة، نقول اللهم انصرنا فقط، هل تُريد أن ينصرك؟ أين القتال؟ أين المعركة؟ هل تأخذ بأسباب النصر؟ بالعكس أنت قويٌ على أخيك، قويٌ على شعبك، قويٌ على نفسك، ذليلٌ أمام عدوك وأمام خصمك، يأتينا الآن رجل مثل هذا الذي فاز بالأمس يُهدِّد العالم العربي والإسلامي، مَن هو؟ ما قيمته؟ ما ماضيه؟ كم ثقله في الميزان؟ هذا لم ير أمة تُهاب أصلاً، لم ير لا أنظمةً ولا شعوباً يُمكِن أن تبعث في نفسه شيئاً من مهابة وشيئاً من تحوط، هُنا على أنفسنا وهُنا على الناس كل الناس، نحن نستخدم اللغة بطريقة بشعة – حتى اللغة الدينية – ونكذب على الأسباب – كما قلت لكم – وعلى أنفسنا وعلى السماء والأرض، نحن نكذب، النبي لم يكن ليرضى أبداً بهذه الخُطة اللعينة، قال تبارك وتعالى في سورة القتال – سورة محمد – ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ۩، هذا الانتصار، نحن نُريد الانتصار، لو كُنا صادقين لقلنا يا ربي لا نُريد القتال، لا نُريد الدفاع، لا نُريد حتى أن نُقاطِع، لا نُريد أن نعمل كل شيئ، وانصرنا في فلسطين وغير فلسطين، وهذا كلام فارغ، هذا مُستحيل، حاشا لله، بالعكس لو كان للحكيم فينا دعوة يقول في هذه الحالة اللهم لا تنصرنا لأنك لو نصرتنا أفسدتنا، وحاشا لله أن ينصرنا، يُفسِد علينا ديننا وعقلنا ودنيانا، كل الأمم تتسبب إلا هذه الأمة تُهدِر الأسباب كل الأسباب، ثم تزعم أنها أمة التوحيد والإيمان وأمة تُقبِل على الله الرحيم الرحمن، وكما قلت تستمطره وتستنجزه وتستنصره وتستبذله وتستعطيه، وهذا كلام فارغ، السماء لا تُعطي الحمقى، ونحن أمة حمقى، يجب أن نكون واضحين.
كم نستخدم (إن شاء الله)؟ كثيراً جداً، إن شاء الله ماذا نُريد بها؟ ماذا نُريد بها في الحقيقة؟ إن شاء الله نُريد بها ألا نفعل، نُريد بها أن نُسوِّف، أنت حين تسمع هذه الكلمة من أي شخص في هذه الأمة تقريباً إلا مَن رحم ربي وقليلٌ ما هم – كثَّرهم الله – تعلم أنه ما دام قال إن شاء الله فتقريباً القاعدة أنه ينوي ألا يفعل، إن شاء الله ندرس، إن شاء الله نفعل، إن شاء الله نتصدَّق، لن يدرس، لن يفعل، ولن يتصدَّق، لماذا؟ لأن – كما قلت لكم – اللغة لا تتحدد بالمُعجَم، اللغة تتحدد بالثقافة وبالسياقات الاجتماعية وبالتنشئة الاجتماعية، ما يُعرَف بالـ Social conditioning، انتبهوا إلى أن هذه الدراسات الآن كثيرة وهناك علوم قائمة تقوم على هذا، اللغة ليست كما يعتقد السُذج من الناس مُجرَّد تعبير عن لأفكار والمشاعر والوجدانات، هى تخليقٌ للأفكار، ما رأيكم؟ العلاقة أكثر اعتمادية مما تظنون بين اللغة – بين اللفظة – وبين مسالكنا، أنا اليوم في خطابي لأول مرة في حياتي خطر لي تساؤل وهوهل يُمكِن بين مُعدَّلات الشذوذ الجنسي وبين اللغة؟ مَن كان من أبنائنا وإخواننا يدرس في هذه العلوم أنا أقترح عليه أن يعمل رسالة ماجستير في هذا الباب، العلاقة – مثلاً – بين مُعدَّلات الشذوذ الجنسي وبين اللغة، في أول مرة يخطر لي هذا، وهذا البحث العلمي سوف يكون طريفاً جيداً، كيف هذا؟ سوف أُعطيكم مُقدِّمة لهذا، هناك لغات لا تُميِّز في ضمائرها بين الذكر والأُنثى إطلاقاً مثل اللغة الفنلندية، في فنلدا التعليم رقم واحد في العالم، عندهم Hän معناها هو وهى، في العربية يُوجَد هو وهى، في العبرية يُوجَد هوْ وهيْ، هوْ بالتسكين عندهم بالعبرية تعني هو، وهيْ بالتسكين تعني هى، ويُوجَد أنا وأنتَ وأنتِ، آني يعني أنا، أتا يعني أنتَ، وآت يعني أنتِ بالعبرية، بالعربية أنا وأنتَ وأنتِ، في الفنلندية لا يُوجَد هذا الكلام، هل هذا واضح؟ هو وهى كلمة واحدة وهى Hän، وSinä تعني أنتَ أو أنتِ، حين تسمع بالفنلندي Sinä تعلم أن المقصود أنتَ أو أنتِ دون أن تعرف على وجه التحديد، العبرية لغة سامية، العبرية مثل السريانية ومثل العربية فيها أنا وأنتِ وهو وهى، في الإنجليزية الأمر وسط، اللغة الإنجليزية وسط، فيها He is وShe is، أي هو وهى، لكن فيها You are فقط، You are يعني أنتَ أو أنتِ وطبعاً تأتي حتى للجمع بمعنى أنتم، هى جاءت مُتوسِطة، إذن لدينا ثلاث مراتب، لغات لا يُوجَد في ضمائرها اهتمام بالتفريق الجنسي والتمييز الجنسي، ولغات مُتوسِطة كالإنجليزية، ولغات مُتقدِّمة في هذا الباب كاللغات السامية مثل العربية والعبرية ونظائرهما، وجد العلماء الدارسون أن هذا ينعكس في قدرة الطفل الصغير في مراحله الأولى على تمييز هويته الجندرية، أي هويته الجنسية، هل أنا ذكر أم أُنثى؟ هذا ينعكس والسبب اللغة، بمعنى ماذا؟ بمعنى أنهم وجدوا الطفل الذي يتحدَّث العبرية – التجربة كانت على العبرية، والعربية ينطبق عليها نفس الشيئ طبعاً، لكنها كانت على إسرائيليين أو يهود – يُميِّز هويته الجنسية سنة قبل نظيره الفنلندي، الفنلندي يتأخَّر سنة كاملة حتى يعرف الطفل نفسه هل هو ذكر أم أُنثى، وماذا عن الطفل الإنجليزي سواء في أيرلندا أو إسكتلندا أو الولايات المُتحِدة أو أستراليا أو كندا لأن كل هذه الدول ناطقة بالإنجليزية؟ هذا وسط، يأتي في حال وسط، يسبق قليلاً الفنلندي ولكنه يتأخَّر قليلاً عن الناطق بالعبرية، هل إلى هذه الدرجة؟ نعم إلى هذه الدرجة، إذن اللغة تُكسِبنا مهارات معرفية، معرفة الذات ومعرفة الآخر ومعرفة العالم.
كان في الخمسينيات والستينيات رائد الأناسة أو الأنثروبولوجيا – Anthropology – الفرنسي كلود ليفي ستروس Claude Lévi-Strauss – بالفرنسية يُقال ستروس لكن نحن نقول شتراوس بالعربية – يرى أن التواصل في المُجتمَع يتم عبر ثلاث قنوات، اللغة واحدة منها وهى في رأسها، التواصل عبر الكلام، ويُوجَد تواصل بتبادل المنافع من خلال الاقتصاد، هى مُقايَضة بطريقة ما في النهاية، ويُوجَد تواصل عن طريق تبادل الأشخاص، في القديم مُؤسَّسة الرق، وكذلك عن طريق التبني، وتُوجَد طبعاً مُؤسَّسة قائمة من يوم ما كانت الإنسانية تقريباً إلى الآن وهى مُؤسَّسة الزواج، أي عن طريق الزواج، تأخذ ابنتي وآخذ ابنتك، وهذا شيئ غريب لكن هذا هو، هذا تبادل الأشخاص، إذن تبادل الأشخص عن طريق مُؤسَّسات اجتماعية كالزواج والرق والتبني وما إلى ذلك، تبادل المنافع يكون عن طرق الاقتصاد Economy، وتبادل المعلومات عن طريق ماذا؟ اللغة، هذه المدرسة الانثروبولوجية الفرنسية مُمثَّلة في ستروس Strauss، لكن علماء اللسانيات من أمثال إدوارد سابير Edward Sapir وتلميذه وورف Whorf وأيضاً إلى حد بعيد جداً إميل بنفنيست Emile Benveniste وأمثال هؤلاء قالوا لا، الوسيلة الوحيدة والرئيسة اللغة، اللغة وحدها فقط، هى أهم شيئ، لا تواصل بغير اللغة، ولا معنى لأي تواصل آخر بغير التواصل اللغوي، فرضية سابير Sapir التي تُرِكَت في السبعينيات ثم بعد ذلك لقيام دلائل على صحتها تشهد لها وتُقوّيها وتعضدها عادوا إليها مرة أُخرى، وإلى الآن أصبحت فرضية قوية وتُعرَف بفرضية سايبر وورف Sapir-Whorf hypothesis، وورف Whorf هو تلميذ سابير Sapir، أي إدوارد سابير Edward Sapir، هذه تقترح أن المُعجَم – أي اللغة، الكلمات كيف تفهمها وكيف تتعاطاها؟ – يفرض عليك رؤيةً للعالم Worldview، أي The Big Picture بالإنجليزية أو Weltanschauung بالألمانية، كيف تأتي هذه الرؤية؟ قال لك من المُعجَم، سوف تقول لي وماذا عن الدين؟ الدين في النهاية لغة أو نص أيضاً، هو لغة في النهاية، هذا يأتي عن طريق اللغة، ولكي نُوضِّح هذا أكثر – والمثال الذي ضربناه قُبيل قليل كان جميلاً – نأتي بمثال آخر ضربته عالمة فرنسية في ستانفورد Stanford بأمريكا طبعاً في علم النفس المعرفي، علماً بأن هذا المبحث ينتمي ليس فقط إلى العلوم اللغوية وإنما إلى علم النفس المعرفي أيضاً، فمَن أحب أن يتوسَّع فيه فليرجع إلى علم النفس المعرفي، يختص بتمثيلات العالم ذهنياً ولغوياً كثيراً، هذا المبحث مُهِم جداً في علم النفس المعرفي، الدكتورة لورا برودزينسكي Laura Brodzinsky لاحظت مرة أن هناك أطفالاً صغاراً من بلدة في أقصى شمال أُستراليا – قارة أُستراليا – إسمها برومبو لديهم قدرات خاصة، هذه البلدة يسكن فيها السكّان الأصليون ويتحدَّثون لغة تخصهم، لغة قليلة يتكلَّم بها عدد قليل من الناس، علماً بأن الآن على ظهر البسيط أو المعمورة سبعة آلاف لغة، فالناس تلهج بسبعة آلاف لغة، قال الله وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ۩، هذا ليس للعوام وإنما لأهل العلم، هذا علم وقد أتى في تخصصات الآن، ما يختص باللغات تخصصات كثيرة ولطيفة جداً مع العلم بأنها غريبة، الإنسان البسيط يظن أن اللغة يُمكِن أن تتطابق أو الكلمات تتطابق مع الأشياء، الإنسان البدائي يظن هذا، وهذا غير صحيح، وبعضهم يظن أنها مُجرَّد مُؤشِّر حيادي، وهذا غير صحيح، لا هذا صحيح ولا هذا صحيح، العلاقة أكثر تركباً وأكثر تعقيداً، على كل حال لاحظت الدكتورة لورا Laura أن هؤلاء الأطفال الصغار حين تسألهم عن موقعهم أو عن جهة مُعيَّنة بسرعة وهم مُغمَضو الأعين يقول لك الواحد منهم هذه جهة الشمال أو هذا شمال شرقي أو هذا جنوب شرقي أو هذا شمال غربي، يقول هذا في لحظة، فقالت هذا أمرٌ عجيب، ما هذا؟ وهؤلاء أطفال بدائيون ومن أُناس بدائيين – Primitive – غير مُتحضِّرين من سكّان أُستراليا الأصليين، قالت لاحظت أنني حين أُعيد هذه التجربة في قاعة مُحاضَرات جامعة ستانفورد Stanford University على طلّاب وأساتذة مُتميِّزين وعلماء يتوفَّرون على شهادات وجوائز عالمية فإن بعضهم لئلا يُحرَج يرفض أن يُجيب، تقول لهم أغلقوا أعينكم وأشيروا إلى جهة الشمال فبعضهم يرفض، والذي يستجيب تأتي النتائج في مُعظَم الحالات مُخيِّبة، قالت مع أن بعض الأساتذة يرتادون القاعة من أربعين سنة ولكن الواحد لا يعرف الواحد منهم أين الشرق وأين الغرب وأين الشمال، فكيف إذن يُمكِن لطفل بدائي أو طفلة بدائية أن تعرف هذا؟ قالت هؤلاء البدائيون خُذهم وضعهم في أي مكان آخر لا يعرفونه – مكان يكونون مُستجِدين عليه، ضعهم في بناية أو في غُرفة مُقفَلة مثلاً – وسلهم عن الاتجاهات، في لحظة يُعطيك الواحد منهم أي اتجاه وبدقة مثل دقة البوصلة Compass، وهذا أمرٌ عجيب، قالت ما الحكاية؟ ما هذا السر؟ هل هم أذكياء ونحن أغبياء؟ هذا مُستحيل، نحن أهل الحضارة، القصة لا تتعلَّق بهذا، القصة وضح جذرها في ماذا؟ في اللغة، إذن اللغة شيئ خطير جداً، فعلاً اللغة تُشرِّط المعرفة، تُمكِّنك من معرفة في مُستوى – Level – مُعيَّن بحسب لغتك، فاللغة أخطر مما تظن، انظروا الآن إلى أحد مظاهر انحطاط العربي – ونحن ربما في أحط فترة في تاريخنا – وهو الانحطاط اللغوي، يُوجَد انحطاط لغوي مُريع مُفظِع مُخيف على جميع المُستويات، لغة المنبر، لغة الفضائيات، لغة المُدرِّس، لغة الجامعة، انحطاط لغوي مُخيف، وطبعاً الناس لا تشعر، لماذا؟ لأن الناس لا تتوفَّر – لم تعد تتوفَّر – على معرفة بقواعد اللغة لا نحواً ولا صرفاً ولا بديعاً ولا معانٍ ولا بياناً ولا مُعجَمية، ليس لهم أي علاقة بهذا، ولا يُحِبون حتى الحذلقة اللغوية، انهيار رهيب ولذلك تفكيرنا مُشوَّش، نحن أمة مُشوَّشة، اللغة مُشوَّشة والقضية خطيرة، كيف هذا إذن؟ قالت لاحظت أن سكّان هذه القرية البدائية البسيطة من الأُستراليين الأصليين لا تتوفَّر لغتهم على مُفرَدات وكلمات وألفاظ تتعلَّق بالمكان، أي بالجهات الإضافية، مثل يمين وشمال، ليس عندهم هذا الكلام، إذن ماذا؟ لغتهم تتوفَّر فقط على ألفاظ تتعاطى مع الجهات المُطلَقة، شرق وغرب وشمال وجنوب، يقولون شمال شرقي وجنوب غربي وإلى آخره، هذه هى اللغة، ولذلك الطفل حين ينشأ يُقال له أين يجلس فلان؟ شمال شرق الصحن مثلاً، أين صحن الحساء Soup؟ جنوب غرب صحن الفاكهة، هكذا هى لغتهم، وهذا أمرٌ جميل، ولذلك هذا الطفل وهو في عمر ست أو سبع سنوات عنده قدرة غير طبيعية على معرفة الاتجاه، فينمو عنده حس الاتجاه، هذا الحس – Sense – حين ينمو يبُصبِح عنده حس اتجاه غير طبيعي، إذن المسألة ليست مسألة لغة كأن نُحدِّد له في البداية الاتجاه المُطلَق ثم نقول له عبِّر عنه، لا ليس هذا، الموضوع مُعقَّد فهناك ما هو أكثر من هذا، حس الاتجاه المُطلَق عنده ينمو ويتضخَّم بفضل ماذا؟ بفضل التدريب اللغوي وبفضل المُمارَسة اللغوية، هذا أحد بوابات الإصلاح، ونحن لابد أن نقوم بعمل إصلاح لأنفسنا في خمسين ألف مسألة كما نقول فالخراب كبير، أحد بوابات وأحد عنوانات الإصلاح الإصلاح اللغوي عبر التعامل الدقيق مع الألفاظ، في نهاية المطاف الألفاظ مُعظَمها ماذا؟ مفاهيم – Concepts – أو مفهومات، وطبعاً أنت لا تستطيع أن تتعاطى مع أي شيئ – لا مع الله ولا مع نفسك ولا مع الآخرين ولا مع الكون ولا مع العالم ولا مع الطبيعة – إلا عبر ماذا؟ المفاهيم، هذا ما يحدث باستمرار، نحن نتنفس المفاهيم كما نتنفس الهواء طبعاً وهذا واضح، في كل شيئ المفاهيم حاضرة باستمرار، المفاهيم هى المهاد الذي ينطلق منه الإنسان، وتُسمى في لغة المناطقة التصوّرات، هذه هى المفاهيم Concepts، وبعد أن تتأسَّس هذه المفاهيم تأتي هناك ماذا؟ القضايا، تركيب القضية والتصديقات أو ما يُعرَف حتى بالـ Reasoning والاستنباط – Inference – والاستنتاج والتعليل وما إلى ذلك، كل هذا يأتي كبناء مُشيَّد على لبنات المفاهيم، فالبداية إذن تكون من المفاهيم، من التعامل النقدي الدقيق جداً مع المفاهيم.
النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – تعزيزاً لما سبق بيانه من قبل كان ينهى عن بعض الأسماء، فهو – مثلاً – لا يستحب لأمته أن يتسمى رجالهم بإسم حرب أو بإسم مُرة، يُمكِن أن نشرح هذا ونُعلِّل هذا النهي أو هذا الحظر بالقول – مثلاً – أن هذا الذي يتسمى بإسم حرب قد يسلك سلوكاً طيباً مُسالِماً مُتعاوِناً تشاركياً، ولو كثر هذا وتردد يُصبِح هناك تشريط ونوع من الربط بين الحرب وبين الأفعال الحسن وهذا تشريط سيء، هذا يضر بالثقافة، فالنبي كان واعياً بهذا، صلى الله عليه من مُعلِّم، هو خير مُعلِّم، وفي الحديث المشهور أنه قال للقحةٍ – ناقة ذات لبن – مَن يحلبها؟ فقام رجل، قال ما إسمك؟ قال حرب، قال اجلس، لم يُحِب هذا، كأنه عاقبه وكأنه يقول له نحن لا نتبرك بمَن يحمل هذه الأسماء، ويقولون الآن النبي الحربي والنبي الدموي، النبي يُبغِض الحرب ويُبغِض كل ما يمت إليها، الحرب كريهة وهى ذات الشوكة ولا تكون إلا ضرورةً.
إذا لم يكُن إلا الأسِنَّةُ مركباً فما حيلةُ المُضطَرِّ إلا رُكُوبُها.
فقط هذا هو المنظور النبوي والإسلامي القرآني للحرب، هى ضرورة حين تُفرَض عليك رُغماً عنك فتدفع عن نفسك، ثم قال مَن يحلبها؟ فقام آخر، قال ما إسمك؟ قال مُرة، قال اجلس، مُرة من المرار، المرار والإحباط والسآمة والملالة واليأس والقنوط كلها أشياء غير مُستحَبة، آثارها النفسية والثقافية سيئة، ثم قام ثالث فقال ما إسمك؟ قال يعيش، فقال احلب، يعيش إسم يُذكِّر بالحياة ويُذكِّر بالعيش ويُذكِّر بالنماء وبالعُمران، أهلاً وسهلاً بالنماء وبالحياة وبالعيش، هذا دين حياة، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ ۩، هذا ليس دين الذبح والقتل والتفجير والتدمير، دين هؤلاء العدميين، هؤلاء علاقتهم شديدة الوهاء وشديدة الضعف بالدين، ليس لهم علاقة حقيقية بالدين.
إذن النبي كان حريصاً جداً على تثبيت ماذا؟ المفاهيم ومُساءلة المفاهيم، عكس الحالة التي تردينا إليها الآن، الأكثر من هذا أنهم قالوا اللغة وبنية اللغة وطريقة اللغة وآليات التعبير والبيان في اللغة وآليات التركيب أصلاً تُؤثِّر على الإنسان آثاراً أبعد غوراً ومدىً مما يظن ويحسب، كيف هذا؟ ضرب العلماء المُختَصون مثلاً بلغاتٍ تميل إلى استخدام صيغ المبني للمجهول أكثر – الـ Passive وليس الـ Active – مثل الإسبانية واليابانية، اللغة اليابانية واللغة الإسبانية تميلان إلى أكثر إلى المبني للمجهول وليس المبني للمعلوم، أي المعروف فاعله، ولذلك أيضاً -هذا منطق مُتسِق – تميل أكثر إلى الأفعال اللازمة من ميلها إلى الأفعال المُتعدية، هناك أفعال لازمة لا تقتضي فاعلاً، انكسرت الزهرية، يُقال انكسرت، كأنها انكسرت من تلقائها، ليس كسر فلانٌ الزهرية، هذا فعل مُتعدٍ، انكسرت الزهرية، اللغة الإسبانية واليابانية تميلان إلى هذه الطريقة، إلى الأفعال اللازمة أكثر من المُتعدية وإلى المبني للمجهول أكثر من المبني للمعلوم، بعكس اللغات السامية وبعكس اللغة الإنجليزية، الإنجليزية هنا في هذا المعنى كالعربية، تستخدم هذا وهذا، وأكثر شيئ تستخدمه الأفعال المُتعدية والأفعال المبنية للمعلوم، أي المعلوم فاعلها، هذا يُؤثِّر على المُستوى القانوني وعلى تمثّل العالم، وهذا أمرٌ عجيب، لكن طبعاً اللغة تفعل هذا، وهناك تجربة شهيرة في ألفين وعشرة نُشِرَت للسيدة التي ذكرتها وهى لورا برودزينسكي Laura Brodzinsky مع طالبة لها، هذه تجربة لطيفة جداً أُجريَت على ثلاث مجموعات، مجموعة من الناطقين بالإنجليزية وهم في الأغلب أمريكان لأنها في ستانفورد Stanford، ومجموعة للناطقين باليابانية، ومجموعة ثالثة للناطقين بالإسبانية، وقد عُرِضَت عليهم دون أن يعلموا أنهم قيد الاختبار، كأنه من باب التسلي، فعُرِضَت عليهم مقاطع فيديو – Videos – مُصوَّرة لأشخاص يقومون بأعمال عمداً وخطأً – مرة عن طريق التعمد ومرة عن طريق الخطأ والسهو – وهى أعمال ليست جيدة، يُفرقِعون البلالين ويسكبون الكاتشاب Ketchup والسوائل والمشروبات ويكسرون البيض وما إلى ذلك، رأوا هذا وبعد ذلك خضعوا للاختبار فقيل لهم مَن الذي فعل كذا؟ مَن الذي كسر البيض؟ مَن الذي فرقَع البلالين؟ فكانت تقريباً الجوابات أو الأجوبة مُتناظِرة، الفاعل الرئيس أو الفاعل العامد أو الفاعل القاصد الكل استطاع أن يُحدِّده، الإنجليز والإسبان واليابانيون فعلوا هذا، في مرحلة ثانية الآن تم السؤال عن أفعال عرضية غير أساسية وغير مُتعمَّدة، مَن الذي فعل؟ الذين أجابوا بشكل جيد الذين يتكلَّمون اللغة الإنجليزية، قالوا فلان فعل، هذه رقابة فانتبهوا، هذه مُجتمَعات رقابة، إذن الناطقون بهذه اللغات عندهم قدرة على الرصد الدقيق باللغة، هنا اللغة وليست الإرادة أو غير هذا، اللغة تُكسِبهم هذا الحس مثلما أكسبت أولئكم الأُستراليين حس الاتجاه، اللغة هنا تُكسِبهم حس الرقابة وتعيين الأشخاص وتعيين الفاعلين ونسبة الفعل إلى فاعله بدقة، وهذا أمرٌ عجيب، أما اليابانيون والأسبان ففشلوا هنا، لم يعرفوا هذا، يعرفون أنه تم كسر البيض، لكن مَن الذي كسره؟ كأنه انكسر، هذا طبعاً ليس ضعفاً في الذاكرة، هذا تأثير اللغة ببنيتها وآلياتها، هذه اللغة تميل – كما قلنا – إلى الـ Passive أكثر من الـ Active وتميل إلى الأفعال اللازمة أكثر من الأفعال المُتعدية، اللغة تُؤثِّر على تعاطيك مع العالم وتمثّلك للعالم، إذن على المُستوى القانوني وأداء الشهادات والإدلاء بالشهادات هذا مُؤثِّر، هل أقترح – جميل أن أقترح – علينا وعلى علماء الدين وعلى الدارسين – مثلاً – إعادة النظر في موضوع الأحاديث وتدوين الأحاديث والرواية استناداً لمعيار جديد بالمرة وهو العِرق الذي ينتمي إليه الشخص وما إذا كان نشأ في مُجتمَع عربي مِن صغره أم أنه تعرَّب بعد ذلك وعنده لغة أم بمعنى أنه مُزدوَج اللغة؟ يتعاطى اللغة الفارسية – مثلاً – أو أي لغة أُخرى، ومن ثم ندرس طبائع هذه اللغة، هذه البحث سوف يكون مُعقَّداً جداً جداً جداً وفتحاً جديداً، ولكنه يحتاج طبعاً إلى أدواته، هذا أمرٌ عجيب جداً.
إخواني وأخواتي:
الأكثر من هذا بخصوص ذكري الآن للأشخاص مُزدوَجي اللغة – الذي يتكلَّم لغته الأم وهى العربية مثلاً ويتكلَّم الألمانية أو لغته الأم العربية ويتكلَّم الفرنسية مثل الإخوة المغاربة في فرنسا أو لغته الأم عربية ويتكلَّم الإنجليزية وإلى آخره، ومن المُمكِن أن تكون اللغة الأم الفرنسية ويتكلَّم العربية لأنها لغة آبائه ومن ثم أصبحت اللغة العربية لغة ثانية – أنهم قالوا أن الأشخاص مُزدَوجي اللغة حين تم اختبارهم بطرح أسئلة في قضايا مبدئية وبسيطة وسهلة وينبغي أن تكون واضحة بذاتها عليهم اعتمد الأمر على اللغة التي يتم السؤال بها، وهذا أمرٌ عجيب، هو شخصٌ واحد ينطق العربية والإنجليزية، الإنجليزية الأمريكية – American English – مثلاً، فتأتي الآن وتسأل هذا الرجل مُزدوَج اللغة سؤالاً بالعربية – مثلاً – عن خبرته في العيش في أمريكا فإنه يُعطيك جواباً وقد يكون فيه تركيز على بعض السلبيات وبعض المُؤاخَذات، تسأله السؤال ذاته بالإنجليزية فتميل الكفة لصالح المُجتمَع الأمريكي، وهذا أمرٌ عجيب، هو الشخص نفسه، ولا يُمارِس خداعاً ولا يُمارِس نفاقاً لأنه قد يكون مُجهَّلاً، أنت تُعطيه الاستبيان وتقول له لا تكتب إسمك فنحن لا نُريد الإسم حمايةً لك، قالوا دائماً سيفعل هذا، وهذا حصل مع الفلسطينيين من سكان ثمانية وأربعين مُزدوَجي اللغة، اللغة الأصلية – لغة الأم والآباء – وهى اللغة العربية وعندهم اللغة الثانية هى اللغة العبرية، حين كان يتم سؤالهم عن أشياء تتعلَّق بإسرائيل – أي بالمُستعمِر الإسرائيلي – بالعربية فإن الجوابات في مُجمَلها سلبية، تُدين وتدمغ إسرائيل كقوة احتلال، حين كان يتم توجيه السئلة ذاتها بالعبرية كانت الكفة ترجح قليلاً لصالح الإسرائيليين، وهذا أمرٌ عجيبٌ جداً، اللغة أخطر مما تظنون فانتبهوا، اللغة شيئ خطير جداً جداً، نحن نظن أننا نلعب باللغة، وفي الحقيقة بالقدر ذاته بل أزيد هى تلعب بنا، ما رأيكم؟ نحن أُلعوبة اللغة دون أن ندري، نحن نظنها مركباً نركبه ونسير به إلى أغراضنا كيفما أردنا، هذا ليس دائماً، هى تفعل هذا أكثر وبقدر أكثر، ولذلك لكي تتحوَّل ولكي تستحيل من إنسان ساذج – يُسمونه إنسان صاحب التفكير العفوي، يُوجَد أدب عند الناس الدارسين فلا يُحِبون أن يُسمونه الجاهل أو العامي أو اللطخة وما إلى ذلك، ولذا يُسمونه صاحب التفكير العفوي – إلى واعٍ يجب أن تُدرِك هذا، وطبعاً التفكير بالذات ليس مسألة فطرية، كأن يُقال بالفطرة أنا مُفكِّر وناقد وذكي، هذا غير صحيح، هذه العملية تحتاج إلى تدريب وإلى تعليم وإلى فهم، وأعتقد أن مثل هذه الخُطبة فتحت لكم منافذ جديدة، لا يُمكِن لأحد أن يقول المسألة ليست بالإرداة وإنما بالقوة سوف أُصبِح فاهماً لكل شيئ وسوف أقدر على معرفة الصح من الخطأ، لن تقدر على هذا، لابد أن تتعلَّم أشياء كثيرة، ومن ضمن هذه الأشياء أن تُسائل لغتك وأن تقف موقفاً نقدياً من لغتك ومن المفهومات التي تتوفَّر على استعمالها وهى كثيرة جداً جداً.
اضرب لكم مثالاً عن مفهوم الصداقة، علماً بأنها عندنا مجانية طبعاً، كلما ابتعد الإنسان عن كونه مُفكِّراً نقدياً أو ذا فكرٍ نقدي – أن يكون ذا فكرٍ نقديٍ – ماذ يحدث؟ الذي يحدث أنه لا يُسائل المفاهيم وتلتبس وتختلط عليه المفاهيم وتُستعمَل بغير معايير دقيقة، المفاهيم نفسها تكون للأسف غير مُحدَّدة، وهذا يُحدِث تشوشاً رهيباً ليس فقط في الفكر وإنما حتى في العلاقات بين البشر، والآن سأُعطيكم مثالاً وهو عن الصداقة، لكن قد تقول لي إذن بهذا اللحاظ وبهذا النظر وبهذا الاعتبار مُهِمةٌ جداً هى مسألة ماذا؟ الفروقات اللغوية، والعرب أساتيذ في هذا، لغتهم تُمكِّنهم من هذا وهى قادرة على هذا، اللغة العربية لا تتحدَّث عن الحُب – مثلاً – والإعجاب، وإنما تتحدَّث عن عشرين مرتبة للحُب، فما رأيكم؟ هذه لغة دقيقة جداً جداً جداً، تتحدَّث عن عشرين مرتبة للحُب، وكل هذا يدخل تحت الحُب بشكل عام لكن تُوجَد مراتب، أليس كذلك؟ هناك لغة تتحدَّث عن الحُب وعن الرغبة وعن الاستلطاف، أي ثلاثة أو أربعة ألفاظ والسلام عليكم، لكن اللغة العربية أدق من هذا، ولذلك مثل الإمام الجليل أبي هلال العسكري صنَّف كتاباً رائداً إسمه الفروق اللغوية، قطعاً يُوجَد فرق بين الخوف والخشية، أليس كذلك؟ يُوجَد فرق طبعاً، وهذا بالذات على طريقة مَن يُنكِر الترادف في العربية، لابد من وجود فرق بين الخوف والخشية وبينهما أيضاً وبين الفزع وبين الرعب وبين الروع، أليس كذلك؟ يُقال راعه، وهو مُرتاع، وهو مرعوب، وهو مُفزَّع، وهو خائف، وهو خاشٍ، إذن ما الفرق؟ لابد أن ترجع لكي تعرف هذه الأشياء الدقيقة جداً جداً، حين تستعملها – إذا استعملتها – استعمالاً يُؤذِن بوعيك بهذه الفروق الدقيقة هذا يجعلك أكثر تحكماً حتى في مشاعرك وفي ردات فعلك، ما رأيك؟ هذا يجعلك أكثر تحكماً في تلقيك للآخر، الآخر الحدث والآخر السلوك من الشخص أيضاً، وتعرف كيف تتفاعل مع القدر ومع قدرك ومع المُصيبة ومع النجاح ومع أي شيئ، إذا كنت مُفكِّراً لغوياً نقدياً وتروز وتزن المُصطلَحات والمفهومات بدقة أنت تكون أكثر تحكماً وأكثر سيطرةً على ردات فعلك وعلى موقفك ومن ثم تصوغ موقفك بدقة.
انظروا الآن كاختبار بسيط إلى أننا نستعمل مُصطلَح الصداقة، وطبعاً سوف تقول لي هناك فرق كبير في المُصطلَحات، هناك الصداقة وهناك الأخوة – الأخوة في الدم والأخوة في الله – وهناك المعرفة والزمالة والجيرة، أليس كذلك؟ وكل لفظة تُوجَد على درجات فيجب أن نُفرِّق، سوف تقول لي أنا – والله – مُنيت بخيبات كثيرة من أصدقائي، وأنا سوف أقول لك كمُفكِّر نقدي لغوي الآن هل كانوا أصدقاءك حقاً؟ هل عدّوك صديقاً؟ هل عددتهم أنت أصدقاء؟ سوف تقول لي هم طبعاً أصدقاء، هؤلاء أصدقاء الروح، لكنني سوف أقول هذا الكلام – كلام الشوارع – لا يسوغ هنا، كُن دقيقاً، سوف تقول لي كيف أُسائل مفهوم الصداقة؟ هذه عملية سهلة، هناك معايير كثيرة من ضمنها هل حدث ويحدث أنك أحياناً تغتاب صديقك؟ سوف تقول لي هذا يحدث والله، ومن ثم سوف أقول لك هذا يُؤذِن من أول الخط أنه ليس صديقك، الصديق لا يغتاب صديقه فانتبه، الصديق لا يغتاب صديقه ويغضب جداً ولا يسمح لأي أحد أن يغتاب صديقه، سوف تقول لي نحن نفعل هذا كثيراً، نحن نغتابهم وننم عليهم وأحياناً نغشهم في الكلام وإذا استنصحني أنصح له بشيئ أعلم أنه سيُفشِله، ولذا سوف أقول لك أن مُشكِلتك كلها ليس في هذا اللؤم والخبث النفسي الذي عندك فقط بل أن المُشكِلة أيضاً في هذا التشوش اللغوي، ثم تزعم أن لك أصدقاء، أنت ليس لك أصدقاء، أنت حتى الآن ليس لك أصدقاء، لكن هؤلاء شبه أعداء تضع عليهم مُلصَق – Label – الصداقة، وهنا قد تقول لي هذا يعني أن الكارثة أكبر بكثير إذا تطرَّق الأمر إلى الحديث عن الأُخوة، يُقال لك هذا أخي في الله، هل هو أخوك في الله فعلاً؟ اسكت يا رجل، ولذلك حين جاء أحدهم إلى أبي هريرة وقال له يا أبا هريرة – والله – إني لأُحِبك في الله وأنت أخي في الله، تعجَّب كيف يتحدَّث عن الحُب في الله، الحُب في الله شيئ كبير جداً جداً، والنبي حدَّثنا عن يوم القيامة قائلاً عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجالٌ – اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنك، اللهم اجعلنا منهم في هذه الساعة المُبارَكة – يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين، ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنزلهم أو بمنزلتهم من الله يوم القيامة، باختصار مَن هم يا رسول الله؟ رجالٌ تحابوا في الله تبارك وتعالى، هؤلاء إخوة في الله، هذه هى الأُخوة في الله، لكن هذا يحدث بشكل مجاني، الصداقة مجانية عندنا فيُقول الواحد منا هذا صديقي وهذا أخي في الله وهذا زوجي وهذه زوجتي وهذ أستاذي وهذا شيخي وهذا مُعلِّمي مجانياً، وهذا كله كلام فارغ، هذا كله كذب، هذا كله تشوّش مفاهيمي فقط، لكن الأمر أخطر من هذا كثيراً، إذن هم إخوة في الله، فلما جاء شخص وزعم أنه يُحِب أبا هريرة وأنه أخوه في الله أراد أبو هريرة أن يُلفِته – هذا تلميذ الرسول والنبي علَّمه أشياء – فقال له يا رجل هل تسخو نفسك – هل تسمح أنت بهذا وتتساهل في هذا؟ – متى احتجت أن أمد يدي في جيبك آخذ ما أشاء دون أن أسألك؟ فقال له لا والله، أنا ما وصلت لهذه الدرجة، قال له فلست بأخٍ، اذهب وسم هذا بأي شيئ آخر، قل لي – مثلاً – أنا أستلطفك يا أبا هريرة، أنا مُعجَب بك وبعلمك وبفصاحتك، لكن لا تقل لي أخ في الله، هل تعرف لماذا؟ لأن الأخ في الدم يفعل هذا ويفعل ما هو أكثر، وأخوك في الدم قد يموت من أجلك وقد تموت من أجله، عادي أن تموت وأن تُقاتِل حتى الرمق الأخير دون أخيك، تقول هذا أخي، لكن هذا أخ في الله، هذه مسألة كبيرة جداً أيضاً، هذا ليس لعباً وليس كلاماً، ومن ثم سوف تقول لي هذا يعني أن كل حياتنا مُشوَّشة وكلها دعاوى عريضة، وهذا صحيح طبعاً، هذه كلها دعاوى عريضة، وطبِّق مثل هذا على سائر هذه المفاهيم مفهوماً مفهوماً لكي تكون في وضوح.
إذا تسنى لك أن تُسائل المفاهيم وأن تحفر تحتها – هذا البحث الأركيولوجي – تماماً بهذه الطريقة أنت تنجو من أن تكون ضحيةً للتشريط الاجتماعي، فما رأيك؟ المُجتمَع يُشرِّط أشياء كثيرة، أي أنه يربط أشياء بأشياء ويرهن أشياء بأشياء ثم يُعطيك الأشياء ناجزة وأنت تبلعها، أي تبلع هذه الأشياء ومن ثم تكون ضحية للمُجتمَع، ولذلك يُمكِن أحياناً حين يُريد المجتمع وتفرط وتدق ساعة الحقيقة الاجتماعية كما يُقال – هذه الساعة تدق مُناديةً بقتلك لجارك أو بقتلك لأخيك أو بقتلك لابن بلدك على خلفية مُختلِفة – أن تفعل، أنت سوف تفعل هذا، هل تعرف لماذا؟ أيضاً البداية هى لأنك لم تكن تتعامل مع المفهومات بحس نقدي، أنت كنت ضحية التشريط المُجتمَعي، المُفكِّرون لا يفعلون، يحفرون تحت كل مفهوم وتحت كل لفظ وتحت كل مُصطلَح، لا يُحِبون أن يكونوا ضحايا لهذا التشريط المُجتمَعي، هل فهمتم؟ هذا هو، ولذلك كلمة أو فرضية سابير Sapir – أي إدوارد سابير Edward Sapir – واقتراحه الأساسي – هذا جوهر نظرية سابير Sapir – أن المُعجَم يقترح عليك رؤيةً للعالم، للعالم كله بكل جنباته الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعاطفية والفكرية والفلسفية، المُعجَم يفعل هذا، فاللغة خطيرة جداً، والأكثر من هذا أن المُختَصين يُحدِّثوننا عن الشعوب الناطقة بالإنجليزية مثلاً – وقد ذكرناهم اليوم ومعروف ما هى الشعوب الناطقة بالإنجليزية – بمعنى أنهم يتشاركون في نهاية المطاف المتح من والعزو إلى والاستناد على وإلى مجموعة ألفاظ مُكوَّدة – Codified كما يُسمونها – مُقننة مثلما فعل مُعجَم أكسفورد Oxford للغة الإنجليزية، هذا أعظم مُعجَم إنجليزي على الإطلاق، وطبعاً هناك معاجم أُخرى لكن هذا مُعجَم كبير يقع في زُهاء خمسة وعشرين مُجلَّداً، أول ما طُبِعَ في ألف وتسعمائة وثماني طُبِعَ منه مُجلَّدان، والآن وصل تقريباً إلى أربعة وعشرين أو خمسة وعشرين مُجلَّداً، هو دقيق جداً جداً جداً لكن هناك خلافات أيضاً لأنه يُنصِّب نفسه الوصي على اللغة الإنجليزية، كأنه يقول نحن الأوصياء، أنا الذي أتكلَّم وأقول لك ماذا يعني هذا اللفظ وما معنى هذا المفهوم، فمُعجَم أكسفورد Oxford للغة الإنجليزية مشهور، كل هذه الألفاظ الآن يتشاركها الناطقون بالإنجليزية على أساس أنها مُكوَّدة – Codified – في هذا المُعجَم، هى مُقنَّنة ومذكور بدقة بميزان الذهب ما معنى هذا وما معنى، لكن هذا غير كافٍ، ما رأيك؟ هذا غير كافٍ، ولذلك تقع انقطاعات أيضاً وانكسارات في التواصل بين أيرلندي وأمريكي وبين أيرلندي وبريطاني وبين أيرلندي وإسكتلندي وبين إسكتلدني وأمريكي وبين أمريكي وأُسترالي، لكن أنتم أصحاب اللغة وأصحاب أكسفورد Oxford، هل تعرف السبب؟ المسألة تتعدى إلى التنشئة الاجتماعية وهذا قد ذكرناه، ولذلك الآن سوف نأتي بمثلاً بسيطاً جداً جداً جداً وهو مُؤثِّر في حياتنا أصلاً، وهو عن مُصطلَح الحرية Liberty أو Freiheit، للأسف خطيئة بعض المُفكِّرين العرب والمُسلِمين أن الواحد منهم يأتي وينقل المُصطلَحات كأنها مُصطلَحات كونية، وهى ليست كونية، مَن قال لك أنها كونية؟ هل تعرف أن علماء اللسانيات واللغويات وجَّهوا النقد للمنطق الأرسطي Formal logic؟ هنا قد تقول لي هذا منطق كوني، هذا منطق ليس كوني وهو مُجرَّد قوالب، ومن ثم قالوا هذا غير صحيح، نحن من منظورنا اللغوي الدقيق النقدي وجدنا أن المنطق الأرسطي الذي ظنه وتوَّهمه أرسطو Aristoteles – أرسطوطاليس – منطقاً كونياً للبشرية كلها بغض النظر عن أعراقها ولغاتها وأديانها وأفكارها هو منطق قوالب معيارية، المنطق الأرسطي كان منطقاً لسانياً، أرسطو Aristoteles حين تمثَّل الحقائق والوقائع والعالم والأشياء تمثَّلها رُغماً عنه خاضعاً لـ ومُنطلِقاً من لسانه اليوناني، هذا هو اللسان، ونحن قلنا البداية من ما هى الفرضية، اللسان يقترح عليك رؤية للوجود، ومن ثم المسألة أصبحت مُعقَّدة جداً جداً جداً، وعلى ذكر أرسطو Aristoteles الآن والمنطق وكونية المنطق ومحلية المنطق الأرسطي انظروا إلى العبقرية الإسلامية، أبو حيان التوحيدي في المُقابَسات عنده مُحاوَرة مشهورة جداً جداً عن النحو العربي والمنطق الأرسطي، يخلص أحد أطرافها إلى أن منطق أرسطو Aristoteles هو شيئ أشبه بنحو لغته، ونحن عندنا منطق آخر تُعطينا إياه لغتنا العربية، وهذا أمرٌ عجيب، هل هذا يعني أن أبا حيان التوحيدي والمسلمين فهموا هذا قبل وورف Whorf وسابير Sapir وكل هؤلاء الجماعة في القرن العشرين؟ نعم فهموا هذا قبلهم، فهموا هذا قبل هؤلاء جميعاً، ولذلك لا تحتقروا تراثكم ولا تُعظِّموا كل شيئ أتى من عند الآخر لأنه فقط آخر وآخري، لكن كُونوا نقديين أيضاً ووزِّنوا كل شيئ بقيمته الذاتية، وزِّنوا كل شيئ ورزوه بقيمته الذاتية.
خطر لي الآن وأنا أتكلَّم شيئٌ لطيف قد يكون من الخير أيضاً أن أذكره، ومن المُمكِن أن يُذكِّرني ويُسألني البعض قائلاً أنت قلت أن مسألة الشذوذ الجنسي والمثلية الجنسية لها علاقتها باللغة، وهذا صحيح طبعاً، نحن قلنا أن الطفل الفنلندي يتأخَّر سنة كاملة عن الطفل العربي والعبري في تحديد هويته الجنسية – أي هل هو ذكر أم أُنثى – هذا سوف يُؤثِّر في المدى المُتوسِط والبعيد على موضوع اختيار هويته مسلكياً أيضاً وروحياً ومعنوياً، لماذا؟ لأنه تأسَّس وفق اللغة ليُدرِك ويعي أن الفرق غير موجود، في البداية الفرق غير موجود، ومن ثم الذكر كالأنثى، هل فهمتم؟ ثم بعد ذلك الحقائق فرضت نفسها، وبالتالي يختلف هذا عن طفل مُنذ البداية تأسَّس سريعاً على أن الذكر غير الأُنثى، وبالتالي تختلف الهويات الجندرية والأدوار، هذه فرضيتي وهى تحتاج إلى بحث، يُوجَد شيئ قريب من هذا وهو مُصطلَح العم، أي Onkel بالألمانية أو Uncle بالإنجليزية، وهنا قد تقول لي ما المُراد بـ Uncle؟ علماً بأنني قبل أيام قرأت خطأ في الترجمة بخصوص هذا الموضوع، وعلى كل حال حين تقول لي Uncle فهذا لا يعني العم في اللغة العربية بالضرورة، لأنه قد يعني الخال، فكلمة Uncle نحن نُترجِمها بالعم أو بالخال، لا يُوجَد شيئ في الألمانية أو الإنجليزية ولغات أُخرى كثيرة إسمه عم وخال، يُوجَد Uncle فقط، لكن في اللغة العربية والعبرية واللغة الصينية الأمر مُختلِف، يُوجَد عم من جهة الأب ويُوجَد عم من جهة الأم، أي الخال في اللغة العربية، في الصين – الصينيون – يُسمونه عم من جهة الأب وعم من جهة الأم، لكن نحن نقول عمٌ وخال، في القرآن الكريم أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ ۩، مُهِم جداً هذا، لماذا؟ واقعياً – في القرآن عندنا وفي الدين – وقانونياً بخصوص أحكام المواريث يترتَّب عليه فرق، أليس كذلك؟ ثم أن العم وابن العم عصابات، لكن الخال وابن الخال موالٍ وليسوا عصابات، أليس كذلك؟ لها علاقة في تقسيم التركة، قبل ذلك على المُستوى الوراثي – بطريقة وراثية Genetical – أليس هناك فرق بين العم والخال؟ طبعاً يُوجَد فرق وراثياً، على مُستوى الجينات – Genes – يُوجَد فرق من جهة الأب ومن جهة الأم، أليس كذلك؟ الأم قد تكون أصلاً من قبيلة أُخرى بل من عرق آخر تماماً، عربي تزوَّج نمساوية مثلاً، لكن عمه أخو أبيه وهما أبناء رجل واحد وهو الجد، يُوجَد واقعياً فرق، هل هذا بدوره يُمكِن أن تكون له انعاكسات مسلكية سواء في التعامل الجنسي أو غيره؟ طبعاً، إلى هذه الدرجة اللغة مُراوِغة واللغة أيضاً حسّاسة وخطيرة، ما رأيك؟ هى ليست مُجرَّد مُؤشِّرات فقط تُؤشِّر على الحقائق السابقة، علماً بأنني ذكرت هذا، وهنا قد تقول لي الآن وضح لي أن اللغة ليست مُجرَّد مُؤشَّر، إذا قلت لي أن اللغة مُؤشِّر مثل مُؤشِّر الأستاذ – الخشبة – الذي يقول هذه برتقالة وهذه شمسٌ وهذا نبيٌ وهذا كتابٌ فهذا غير صحيح، أصلاً الذي جعل هذا الشيئ ما هو إلى حدٍ بعيد أيضاً اللغة لأن عندها مُدخَلية في هذا، أليس كذلك؟ فعندما تقول This is my uncle فإن هذه مسألة خطيرة، نحن لا نقول هذا، نحن نقول هذا عمي وهذا خالي، ويختلف الموضوع كثيراً جداً عندما أقول هذا عمي وهذا خالي، اللغة التي سمحت بهذا التمييز وانبنت عليه فروقات، اللغة الإنجليزية لم تسمح بهذا التمييز، ولذلك أنت لا ترى العالم فقط بعيني رأسك، بالعكس رؤيتك للعالم بعيني رأسك بعيداً عن اللغة ومنطق اللغة الكامن فيها تقريباً لا تكاد تُغني شيئاً، ما رأيك؟ أنت تخيَّل نفسك ترى العالم وليس عندك مفهومات، ليس عندك أن هذا مفهوم مدفع – مثلاً – أو ميكروفون – Microphone – أو كرسي أو منبر أو كاميرا – Camera – أو سقف أو أرض أو سجادة، ليس عندك أي شيئ من هذا ومن غيره، كيف سوف تُدرِك العالم؟ سوف تُدرِكه قريباً أو تقريباً كشيئ مُتداخِل يُوشِك أن يكون مزيجاً يصعب جداً تمييز أشيائه فعلاً، ولذلك اللغات خطيرة، هناك لغة إسمها لغة البيراها، وهى لغة في الأمازون، هناك قبائل في الأمازون تتكلَّم لغة إسمها البيراها، لغة البيراها ليس فيها الأرقام، ما رأيكم؟ لا يُوجَد فيها واحد واثنان وثلاث وأربعة وخمسة وستة، فيها فقط بعضٌ وكثير، يُقال هذا أخذ بعض التفاح وهذا أخذ كثير من التفاح مثلاً، هذا هو فقط، وهنا سوف تقول لي هذه لها عقابيل قانونية واقتصادية أكثر مما نظن، وهذا صحيح طبعاً، هذا يعني أن القانون هناك والاقتصاد لابد أن يُعاد صوغه وبالأحرى أصلاً تم ذلك، من المُؤكَّد أن عندهم قانون قد تمت صياغته وعلم اقتصاد خاص بهم في التعاطي والتقايض آخذٌ في اعتباره هذه الحقيقة، أنه لا يُوجَد واحد واثنان وثلاثة وأربعة وأن الواحد عنده نصف وربع وثلث وما إلى ذلك، في علم الميراث الإسلامي يُوجَد الثلث والربع والخمس، كيف سوف تُعلِّم البراها علم الميراث؟ كيف سوف يقرأون القرآن الكريم؟ هذه تحديات إزاء الدعوة الإسلامية حين تُصبِح دعوة عالمية، هذه مُشكِلة كبيرة، هذه هى اللغة، عندهم بعض وكل وانتهى الأمر، وطبعاً الفاصل بين البعض والكل لا ندري كيف سيكون في لغتهم، يبدو أنه يكون بالحس المُشترَك وبنوع من الحدس فيُقال هذا أخذ كثير وهذا أخذ البعض، مسموح له أن يأخذ البعض، بالذي دفعه أخذ بعض التفاح وهذا مسموح، لكن هذا أخذ الكثير وهذا تجاوز للحد، لكن أين الحد؟ كما قلنا المسألة حدسية أو تواطؤ بحس مُشترَك وبحكم سليم، هذه هى اللغة، إذن فعلاً اللغة منفذ كبير وحسّاس للتعاطي مع العالم، ولذلك لابد أن نقف – كما قلت لكم – وقفة دقيقة ومُتأنية لكي نُحاسِب ونُسائل ونُعيد مُساءلة المفاهيم، ضربت مثالاً بالحرية، إذن هل مفهوم الحرية هو مفهوم يُطلَق بإزاء شيئ مُحدَّد كوني؟ بالمرة غير صحيح إطلاقاً، ما يعده هنا الأجنبي حرية أنت تعده في ثقافتك وبحسب نشأتك المُجتمَعية عدواناً أو تعده فسقاً وعصياناً أو تعده تحللاً، ومن هنا أيضاً في ميدان التداول اللغوي ضرورة التدقيق مثلما نُدقِّق في العملة، ألسنا نقوم بعمل كشف للعملة؟ تخيَّل أنت في ميدان التداول النقدي أن يُسمَح بمُعامَلة لورقة من ذوات فئة المائة مثلاً مُعامَلة ورقة من ذوات العشرة والعكس صحيح، كيف سوف يكون العالم التبادلي؟ مقلوباً رأساً على عقب، سوف يكون مُشوَّشاً – Confused – بالكامل، هذا يحدث الآن في لغتنا، علماً بأنه يحدث طبعاً في كل المُجتمَعات إلا لدى المُفكِّرين النقديين الدقيقين، فلابد أن تُحاسَب كل كلمة وتُعطى وزنها بدقة في ميدان التداول اللغوي مثل النقود في ميدان التداول النقدي المالي، وإلا الأمر ينجر عنه نتائج كثيرة – كما قلت – قد تكون غير ملحوظة في الآن لكن حقاً هى واقعة في كل آن شئنا أم أبينا.
في الغرب – كما تعلمون – وخاصة الغرب الأمريكي قبل عقود – قبل خمسين أو ستين سنة – يقولون Gay، سوف تقول أعوذ بالله كيف تقول هذه الكلمة على منبر رسول الله؟ هذه الكلمة الإنجليزية كانت لطيفة وتعني سعيد، مثل Gay guy، أي شخص سعيد، لكن جاءوا هم بخبث وأخذوا هذه الكلمة التي عندها دلالة عامة وواسعة وخصَّصوها بماذا؟ بالمثليين، أصبحوا يُسمونهم الـ Gays، أليس كذلك؟ هذا التخصيص مرصود ومُراد ومقصود، والذي فعل هذا لأول مرة كان مُتعاطِفاً بلا شك ومُتحمِّساً للجنسية المثلية ولذلك اختار أن يضع يافطة هذا اللفظ الذي هو في حد ذاته لفظٌ ذو إيحاء طيب يُسعِد الناس – أن تكون سعيداً وتطلب السعادة – على معنى آخر، فأن يُسمي الجنسي المثلي بالسعيد هذا شيئ خطير، لكن حتى هذه لم تُفلِت من مُلاحَظة رسول الله، ما رأيك؟ مُنذ البداية قال ليأتين زمانٌ على أُمتي يشربون فيه الخمر يُسمونها بغير إسمها، صلى الله على رسول الله، هو يعلم أنه ما دامت إسمها الخمر سوف تكون مُنفِّرة، لأنك تقرأ في كتابك يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۩، أليس كذلك؟ فإذن أنت تنفر، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۩، فإذن أنت تنفر، لكن حين يُقال مشروبات روحية تقول جميل، هذه مشروبات روحية تُنعِش الروح، ولك أن تتخيَّل هذا، لكن النبي عرف هذا وحذَّرنا، قال إياكم وهذا الخلط وهذا العبث بالمفاهيم والألفاظ، كونوا دقيقيين في ميدان التداول اللغوي، لذلك نُريد حرّاس بوابة، حرّاس البوابة ليسوا علماء مُعجَميين يعرف الواحد منهم المُعجَم ويحفظه وإنما هم علماء مُعجَميون يعرفون اللغة تماماً وأكثر من هذا هم سوسيولوجيون وأخلاقيون وعلماء دارسون للمُجتمَع وتشريطات المُجتمَع والثقافة وما يتعلَّق بها وللأفكار والمذاهب والأيدولوجيات، نُريد هؤلاء حرّاس بوابة.
يُوجَد مُصطلَح الجهاد، الأمة الإسلامية تشهد من نحو ثلاثين سنة حرفاً مقصوداً لهذا المُصطلِح لكي ينتهي في نهاية المطاف – وتقريباً شبه المُهِمة نجزت ربما بنسبة سبعين في المائة أو أكثر – إلى أن يُصبِح مُصطلَحاً مُتوحِّشاً، أليس كذلك؟ مُصطلَح مُتوحِّش قاسٍ – Cruel – كريه، بعد ذلك يغدو المسلم يستحي أن يتحدَّث عن جهاد، لكن كيف تستحي من شيئ القرآن الكريم ذكره في عشرات المواضع ورتَّب عليه رضوان الله تبارك وتعالى – وبره وعطاءه وفضله؟ هذا الجهاد، قال الله وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ۩، ضُحِكَ علينا، تم حرف المُصطلَح، كان ينبغي أن نكون مُتقيِظين مُنذ البداية ولا نسمح بهذا العبث ونقول لا، نحن حرّاس هنا ولن نسمح بهذا العبث مُطلَقاً، ليس هذا الجهاد، أنتم تكذبون، ونقوم بعمل مُناظَرات محلية وعالمية على مُستوى العالم، لأن هذا كذب، نقول للواحد منهم أنت تكذب، ليس هذا الجهاد، الجهاد قرآنياً هو كذا وكذا وكذا، لماذا تكذب أنت؟ لو فعلنا هذا لأسكتناهم ولتراجعوا، لكن للأسف الشديد هذا لم يحدث، بالعكس هناك مُنظَّمات إسلامية عالمية قَبِلَت بماذا؟ ليس تحييد مُصطلَح الجهاد بل رفعه من التداول، ما رأيكم؟ وارجعوا وانظروا في هذا، مُنظَّمات إسلامية عالمية تُمثِّل الشعوب والحكومات – الحكومات العربية والإسلامية – للأسف الشديد فعلت هذا، ما هذا اللعب؟ كيف يُلعَب علينا؟ وفي نفس الوقت تُمرَّر لنا مُصطلَحات كارثية ومُخيفة جداً جداً جداً، أحياناً ترفع أسساً مُهِمة من أسس الأخلاق أو أسس الدين.
سأختم بهذه المُلاحَظة لأن الموضوع طويل ومُتداخِل، اليوم مَن ذا يُخطيء مُلاحَظة أن هناك مَن يُريد – مثلاً – أن يُمرِّر حربه الشعواء على الإيمان؟ الإيمان بالله – تبارك وتعالى – والإيمان بالغيب، نحن لسنا مُؤمِنين فقط بالله كغيب، الله غيب الغيوب، نحن نُؤمِن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، هذا الإيمان الاصطلاحي وليس الإيمان بالله على أنه موجود، ليس هذا فقط، هذا أهم شيئ في الإيمان ورأس الإيمان ولكن هناك عناصر أُخرى، هذا الإيمان الاصطلاحي، لا تكن مُؤمِناً بغير استيفاء هذه العناصر واستكمالها، لكن تحت مُصطلَح العقلانية أو التنوير يُراد ضرب أُسس الإيمان، وهذا أمرٌ عجيب، فإذا شخص – مثلاً – تحدَّث في مُحاضَرة أو كتب دراسة أو مقالة عن إيمانه – مثلاً – بالملائكة أو بعالم الجن أو بعالم الآخرة مُباشَرةً نبذوه ولو من وراء وراء بأنه غير عقلاني، فيُقال هو لا عقلاني ظلامي غيبي وخُرافي، ما هذا؟ مَن قال لك هذا؟ ومَن الذي أعطاك الحق أصلاً أن تتسلَّط على مُصطلَح عقل وعقلانية وتجعله بحيث يعني هذا الشيئ؟ مَن سمح لك بهذا؟ فلسفياً هذا غير مُمكِن أصلاً لك، ما رأيك؟ علمياً أصلاً غير مُمكِن، أي لا علمياً ولا فلسفياً، وأنت لا تفهم الفلسفة ولا العلم، أنت تكذب على الاثنين جميعاً فضلاً عن أن تفهم الدين ومع ذلك تفعل هذا، وطبعاً نافش ريشك وجناحيك وتسعد بنفسك لأنك عقلاني ومُتنوِّر إزاء الظلاميين الغيبيين الخُرافيين، هذه لُعبة مُصطلَحات تافهة، تحتاج المسألة إلى تفكيك وحفر ومُساءلة نقدية لكي يأخذ كل أحد حجمه ودوره، قال تبارك وتعالى وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ – تفصيل وتصريف، لماذا إذن؟ – وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ۩، لكي نعرف مَن الناصح ومَن الغاش ومَن الأمين ومَن الخوَّان، يا إخواني كم من مصائب تم تمريرها علينا وعلى هذه الأمة وعلى البشر عموماً عبر المُصطلَحات، مصائب كُبرى، يُمِّرر لك خيانة بإسم ماذا مثلاً؟ بإسم الواقعية السياسية، وهى خيانة، هذه خيانة، لماذا؟ هذه ليست واقعية سياسية، الواقعية السياسية – مثلاً – تقول أنا الآن مُدرِك لحجمي وقدري وفعلي وأثري، لا أستطيع أن أُطالِب إلا بهذا من حقي، لكن حقي ينتهي إلى هذا الحد، لن أتنازل عنه نظرياً، عملياً أنا أتنازل فأقبل بهذا الجزء، هذا يجوز هنا، هذه هى الواقعية السياسية، لكن التنازل النظري لا يُقبَل، بالأمس أنا شعرت بالعار حقيقةً من كثير من العرب والمُسلِمين حين رأيت مُفكِّرين وإعلاميين وناشطين حقوقيين عالميين غير مُسلِمين يُدافِعون عن قضايانا بمنطق بسيط مُباشِر مُفحِم – منطق مُفحِم تماماً – في الوقت الذي أرى فيه بعض المُسلِمين وبعض العرب يُبرِّر ويُسوِّغ تنازله عن جُملة حقه بإسم السياسة والواقعية السياسية، هذه جريمة خيانة، أنت تُمرِّر الخيانة عبر المُصطلَح، وللأسف المُصطلَحات تنجح دائماً أو في مُعظَم الأوقات في أن تخدعنا، ولذلك – كما قلنا عودٌ على بدء – لابد من مُساءلة نقدية للمفهومات وللألفاظ وللمُصطلَحات حتى لا نكون ضحايا الاستعمال الغاش والاستعمال المقصود الملغوم وأيضاً لئلا نكون – كما قلنا – للتشريط المُجتمَعي فنكون عبيد المُجتمَع، النبي قال لا يكن أحدكم إمعة، اليوم لو سألت علماء اللسان وعلماء السوسيولوجيا – Sociology – وقلت لأحدهم الإمعة عندك ما إسمه؟ فإنه سوف يقول لك هذا Conformist، علماً بأن كلمة Conformist من Confirmation، هذا هو الإمعة، الترجمة الدقيقة لإنسان Conformist هى الإمعة، ما معنى الإمعة؟ أنا مع الناس، أنا مثلكم في ما تُريدون، هل أنتم ترون هذا؟ أنا أرى مثلكم، علماً بأنك بدون أن تقول حين تستعمل مُعجَم المُجتمَع المُشرَّط إجتماعياً بطريقة معروفة طبعاً لمَن يرصدها فإنك تكون إمعة، ما رأيك؟ لابد من أن تعود وتُسائل كل شيئ في حياتك، وهنا قد تقول لي هذه مُهِمة مُرهِقة، نعم هى مُهِمة مُرهِقة وهى مُهِمة مُمتَدة Extended، أنا أقول لك تبدأها اليوم وتنتهي حين تموت لأنها لا تنتهي، لكن هذا يُكسِبك وعياً زائداً، أنا أجمل شيئ أراه حقيقةً هو الوعي، أجمل شيئ في الإنسان – ليس شرطاً أن يكون أنفس شيئ لكنه جميل جداً جداً جداً وتشعر معه حقيقةً بجوهر إنسانيتك – الوعي، علماً بأن البشرية اليوم يبدو أنها تنحدر سرعة، هى تنحدر وهذا واضح، من تغيير مُستوى القيادات التي تقود العالم واضح أن البشرية تأفل، هى في حالة أفول – Decline – بصراحة، حالة أفول رهيب في هذه البشرية، وطبعاً قد يجر هذا إلى كوارث رهيبة، وقد يجر إلى حرب عالمية نووية، نقول قد لكن نسأل الله ألا يكون هذا أبداً، لكن قد يحصل هذا، وصدِّقوني حين يحصل هذا سوف تأتي أجيال وتقول ضريبةٌ باهظة دفعتها البشرية ثمناً لماذا؟ للجهالة، هذا هو الجهل فقط، لأننا كنا جُهلاء فضُحِكَ علينا، لم نتعلَّم بالطريقة الصحيحة، لم نُعلَّم في الجامعات حتى وليس في المدارس فحسب بل في الجامعات ولم نُدرَّب على التفكير النقدي وعلى مُساءلة كل شيئ وعلى كذا وكذا، لم نُعلَّم فدفعنا ضريبة رهيبة حين قادنا حفنة من المصلحيين النهّازين المُجرِمين من قتلة ليس البشر بل قتلة البشرية، قتلة الإنسان من حيث هو إنسان، أعتقد هذا يفتح لنا طاقة لكي نفهم تسويغ الله – تبارك وتعالى – لاستخلافه آدم في الأرض مع أن الملائكة موجودة وتُسبِّح بحمد الله وتُقدِّس، قال لهم لا، الحكاية لا تتعلَّق بالتسبيح والتقديس، هذا هو الدرس البليغ وهو رقم واحد لأمة محمد وهى أكثر أمة تتحدَّث عن الدين، تتحدَّث عن الدين باستمرار، أكثر شيئ تتحدَّث عنه هو الدين، أكثر أمة تتحدَّث عن الدين وتُحاوِل أن تُبرِّر كل مواقفها وأفعالها وردود أفعالها بالدين هى هذه الأمة، لذا هذه الأمة يجب أن تفهم قبل غيرها لأنها أمة القرآن وأمة سورة البقرة وأمة قصة آدم في سورة البقرة بالذات أن ليس المُهِم في القضية – أي ليس المُهِم في قضية أن تكون خليفة في الأرض وشاهد على نفسك وشاهد على التاريخ البشري وشاهد على الواقع الإنساني – أن تكون مُسبِّحاً ومُقدِّساً، الملائكة تفعل هذا أحسن منك، القضية أن تكون عالماً بالأسماء، وهذه هى خُطبة اليوم، أي أن تكون عالماً بماذا؟ أن تكون عالماً بالأسماء، ما هى الأسماء؟ مُعظَم الأسماء أسماء مفاهيم – Concepts – ومُصطلَحات – Terms – ومفهومات، قال الله وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ۩، هذا هو الشرط، هذا المُسوِّغ الأكبر لاستخلافنا، لذلك مَن أحب أن يدّعي أنه أولى بهذا العنوان وهذا الشرف الباذخ العالي الماجد – أن يكون خليفة لله في عالمه وفي كونه وفي أرضه – يجب أن يكون الأكثر وعياً وعلماً ويقظة، كل هذا لا قيمة له بغير الحس النقدي، العلم ليس مُجرَّد تجميع معلومات – مُهِم جداً تجميع المعلومات – وليس مُجرَّد أن تعرف لكن أيضاً أن تُسلِّط أضواء هادية نافذة غائرة على ما تعرف لكي تُميِّز، والتمييز يبدأ مفهومياً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً برحمتك يا أرحم الراحمين، اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن تعوليت، لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرَّجته ولا كرباً إلا نفَّسته ولا ميتاً إلا رحمته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا رددته ولا أسيراً إلا أطلقته ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه برحمتك يا أرحم الراحمين.
اغفر لنا ولوالدينا، ارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالإحسان إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩ ، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (11/11/2016)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقات 5

اترك رد

  • مند الصباح و أنا في سفر لم أستطع العودة نسيت كل ما جاء في الخطبة لا أتذكر عما كانت تتحدث ….لأنها ابتلعتني بالكلية …. التصقت بأرضي كان الجو باردا و الأبواب مفتحة انقطعت الأصوات إلا صوت الريح الباردة تداعب عضامي جلست لساعات أستقبل دمعات مترددة فوق خد شاحب متخشب غادرته الحياة بنضرات عجوزة اتجه بصري إلى أعماق عالم غوير و بعيد قديم … ..أحب السفر و لا أحب العودة، لكن انتهى النهار و انتهت طاقتي و بدأت تتوف الدماء في عروقي لآسترجع وعيي و أجد دماغي فارغا بالكلية، توزعت عبر الزمن إنها الثانية صباحا سأحاول النوم على دقات قلبي المنهك .

  • شكرا لأنكم أطلقتم سراح التعليقات
    أشكرك شيخ عدنان جدا لأن كلامك هو الوحيد الذي ينسجم مع مسار أفكاري و خيالي و توقعاتي و جنوني أيضا و هذا لأنه كلام مبارك و رباني، لغتك عالمية لا تحتاج ترجمة لكن تحتاج إلى جدية و عمل حقيقي و وقفة مستقيمة، نحن أمة مجنونة ليس في عدم تناسقها و ترابطها ببعضها فقظ بل بذهاب ععقول أفرادها و هذه حقيقة، أشكرك لأنك تسقينا بأمطار الخير لتنبتنا من جديد و تعيد الحياة إلى تربة أرضنا المسمومة، أدعو الله أن يملأك بحبه و رعايته و حفظه ….. هذه الخطبة كانت بالنسبة لي مكوكا سأتمتع بالسفر عليه إلى عوالم شتى رغم أن وقتي هذه الأيام ضيق الا أنني أسافر و أنا أعمل … أحببت هذه الخطبة جدا جدا …. شكرا لك شيخنا

  • موضوع معقد و كبير جدا و من الصعب الخوض فيه لكن يا شيخ عدنان و الله العظيم….. تذكرت اليوم طه حسين و دمعت عيناي، نحن جيل ضائع رغم أننا نملك حظوظا كثيرة ك وسائل التواصل الاجتماعية … أنا هنا أكتب تعليقي على موقع عالم من أكبر علماء الأرض و ربما يقرأ تعليقي و يتواصل مع أفكاري … مع هذا نحن لا نثمر، و أنا أسمع لطه حسين أخدني الحنين و الشوق إلى الحقيقة و الأصالة، كم نحن مزيفون …. يملؤنا الضجيج و الفراغ خطابه يشعرك مباشرة بحجمك و قيمتك الحقيقية …. فعلا الله هو من يصنع الرجال، أشكرك (شيخي) على تناول الموضوع لقد فتح أمامي منافذ كثيرة كنت بحاجة اليها ….. في حقيقة الأمر لا أعتبرك لا شيخا و لامعلما لأني بعيدة عن طلب العلم ععموما لكن كصاحب مفاتيح أستعير من كلامك في كل مرة مفتاحا أفتح به أقفال عقدي المتراكمة فوق بعضها … هههه في أحد الأيام حلمت و كأني تلميذة في صفك رغم أنني شعرت بالطمئنينة في الحلم عندما استيقضت كذت أبكي من الفزع … لا أحب و لم أحب أن أكون تلميذة يوما … شيء مرعب الكابوس الأعظم … إنا لله و إنا إليه راجعون هذه هي الجملة الوحيدة التي تبقيني حية بين العباد كبشر . موضوعك هذا أثر فيا كثيرا رغم أنه ليس موضوعا عاطفيا .. شكرا لأنك تفتح لنا مجال التعليق و التعبير من الصعب أن تتحدث و يسمعك الآخرون لأن لغة الناس أضحت متشابهة و الكل يتكلم و لا أحد ينصت ….. وفقك الله شيخنا و حفظك .

  • يبدو أن الموقع يعاني من مشاكل تقنية أولا في كثير من الأحيان يكون غير متوفر بالكلية و خصوصا في الأسبوع الفارط و غالبا ما يصعب الدخول أما من ناحية تنضيم الموقع فهي غير عملية بالمرة …. و هناك مشكل التعليقات التي تستغرق يومين أو أكثر لتنشر على الصفحة بعد إرسالها و منها ما لا ينشر كٱخر تعليق لي و هناك صفحاة تطير بالكلية مثال خطبة مقام الصديقين كنت قد كتبت تعليقا في الموضوع الجزء الأول و خطبة أخرى و حلقة من حلقات رمضان أتمنى أن يكون المشكل تقني فحسب … لا يجب أن تبقى هذه المشاكل التقنية في موقع الدكتور عدنان إبراهيم تقديرا لعلمه …… لن أعتذر إن لم تكن تعليقاتي في المستوى المطلوب أنا حرة لأنه حسب اعتقادي لم تكن تحوي أي خلل بالأدب أو غيره بل كانت تحكي خطابا أعيه تماما و أتعمده غالبا لا أعبر كإنسان لأعجب الآخر بل لأضع أصبعي على الداء الذي أعتقد أن الكلمات التي من الله بها على العلماء لم تخلق الى لتعين على تسطير المكتوم و الغير المنطوق و يبدو الغير المفهوم …. … لكل لغته … لا زالت اللغة لم تتنفس بل للأسف إنها تختنق مع آختناق الحرية …… الطفل عندما يتعلم اللغة لا ينطق في الوهلة الأولى بشكل صحيح يتهجى و يخطئ الى أن يتكلم جملة جملة … نحن العرب لن نتكلم أبدا هذا ما يبدو لي اعاقة مبكرة …. التشاؤم جميل جدا و التفاؤل أبله أعور مخادع … القبح جميل .

%d مدونون معجبون بهذه: