إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله وقد عز من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الحق – سُبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 

وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۩ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ۩ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ۩ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ۩ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۩ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:

نُوقِن أنه كلما تقدَّمت مسيرة الإنسان واشتد عوده وأصاب حظوظاً بعيدةً من النجاح والصواب في فهم نفسه وفي إصلاحها ورم شؤونها، كلما حصل ذلكم كلما تبدى وجه الإسلام الحق، وكلما تأكَّدت وترسَّخت صدقية هذا الدين الحنيف.

من بعيد – من زمن بعيد، وإلى يوم الناس هذا – وجوهر الإنسان وحقيقته مسألة نزاع بين نظريات وآراء وتوجهات مُختلِفة، في الفكر الشرقي القديم – مثلاً – كان يُنظَر إلى هذا الإنسان في كُليته على أنه جسم وروح – كما يُقال – أو جسم ونفس، وأنه يُناظِر بتوحد أو اتحاد هذين الجانبين وهاتين الوجهتين، يُناظِر الكون حوله، أرضه – مسكنه الأول – والكون بعد، وكانوا ينظرون إلى هذا التناظر على أنه تناظر حقيقي، وليس مجازياً، فالأرض فيها الجبال والصخور، والإنسان فيه العظام، الأرض فيها البحار والمُحيطات والأنهار، والإنسان فيه الدماء في مجاريها، الأرض فيها النبت والأشجار، والإنسان فيه الشعور – جمع الشعر – المُختلِفة، وكما تسيل وتنهمر مُسطَّحات الماء تسيل الدماء أيضاً في بنية الإنسان، وكما ينبت الشجر والنبت ينبت الشعر في الإنسان، ولذلك كان يُناظَر بينهما، واقتضت هذه المُناظَرة البديعة ابتداءً أن يُحافِظ الإنسان على أكبر قدر مُمكِن بل على القدر الأقصى من اتزان البيئة واستقرارها، لم تكن هناك فكرة غزو البيئة، قهر الطبيعة، غزو الكون أو قهر الكون، لا! بل التناغم والتراسل مع الكون كله، لماذا؟ حفاظاً على الإنسان نفسه، لأنه إذا اختل نظام الكون – هكذا اعتقد الشرقيون القُدامى – سيختل نظام الإنسان أيضاً، إذا اعتل الكون سيعتل الإنسان، هذا هو المُنطلَق الشرقي!

في المُنطلَق اليوناني والذي يُشكِّل رافداً عظيماً بل هو أعظم الروافد بلا شك للحضارة الغربية المُعاصِرة لم يكن الأمر كذلك، نُظِر إلى الإنسان من زاوية مُختلِفة تماماً، نُظِر إليه على أنه كائن ثانوي مُزدوَج، والوحدة ليست متينة وليست جوهرية بين جانبيه، بين الجسم والروح أو الجسم والنفس، فهناك ما هو أعلى وهناك ما هو أدنى، هناك ما هو شريف وهناك ما هو خسيس، وبالمُصطلَح الفرنسي المُعاصِر الحداثي هناك ما هو مُقدَّس – الروح أو النفس – وهناك ما هو مُدنَّس – البدن أو الجسم، أو الجسد كما يصطلحون، وفرق كبير بينهما، على الأقل قرآنياً يُوجَد فرق، لذلك أنا حريص على أن أستخدم الجسم وليس الجسد -.

حتى لا تفوتنا هذه النُقطة سنُسرِع بالإيضاح القرآني فقط، القرآن استخدم كلمة جسد في مواضع معدودة جداً، في ثلاثة مواضع، في الأنبياء – وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ۩ -، وفي الأعراف، وفي طه، في وصف العجل الذي أخرجه السامري – فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا ۩ – لم يقل جسماً، انتبهوا! هذه هي الدقة القرآنية، عودوا إلى المُعجَمات، وسوف تجدون للأسف أن الجسم هو الجسد والجسد هو الجسم بغير تفريق، القرآن يختلف تماماً، القرآن دقيق، كلام إلهي، لو كان من كلام محمد كما يقول المُتأثِّرون للأسف بالنظريات أو ببعض النظريات الغربية لفات هذا على محمد، لأنه فات على كل العرب قبله وبعده، من المُسلِمين وغير المُسلِمين، وفات حتى على المُفسِّرين، وحتى على أصحاب المُعجَمات، كلهم فاتهم هذا إلا ما ندر للأسف الشديد.

كلمة الجسم استُخدِمت في القرآن الكريم في موضعين، قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۩، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ – أي المُنافِقين – تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۩، قال أَجْسَامُهُمْ ۩، لم يقل أجسادهم، ما الفرق إذن بين الجسم والجسد؟ الجسد هو صورة جسم، صورة جسم الإنسان أو صورة جسم الحيوان، أي تمثال، ولذلك قال وَمَا جَعَلْنَاهُمْ – أي الأنبياء – جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ۩، جُملة لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ۩ ليست نعتاً أو ليست وصفاً حقيقياً، بل هي صفة كاشفة، بمعنى أن كل جسد لا يأكل الطعام، انتبهوا! ما يُسمى جسداً فهذا من شأنه ألا يأكل الطعام، ليست صفة عادية حقيقية، كأن نقول جسد لا يأكل الطعام وجسد يأكل الطعام، غير صحيح! إنما هي صفة كاشفة، صفة كاشفة كما يقول النُحاة، أي علماء النحو.

ولذلك من شأن كل جسد ألا يأكل الطعام، فما يأكل الطعام لا يُسمى جسداً، وإنما هو الجسم، الجسم هو الذي يتناول صاحبه الطعام، لإمداده بالطاقة والغذاء المُحرِّكين، هذا هو الفرق، قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۩، هذه أجسام وليست أجساداً، صورها هي الأجساد.

ولذلك لو تفطَّن السادة المُفسِّرون – رحمة الله عليهم أجمعين – إلى هذه الدقيقة القرآنية البالغة لما وقعوا ولما تهوَّكوا في حقيقة العجل الذي أخرجه السامري – لعنة الله عليه – لبني إسرائيل، للأسف طائفة ليست بالقليلة وليست باليسيرة ذهبت إلى أنه استطاع بإذن الله فتنةً – فتنةً لهم ولنفسه والعياذ بالله – أن يخلق أو يصنع أو يصطنع لهم عجلاً حقيقياً من الذهب، وهذا غير صحيح، لماذا؟ لأنهم قالوا إن الله قال جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۩، وغرتهم كلمة خُوَارٌ ۩، لكن لو تفطَّنوا لكلمة جسد وكيف وردت في القرآن الكريم وإلى الفارق بينها وبين الجسم لما ذهبوا إلى هذا المذهب قط، ومعنى جَسَدًا ۩ أنه صورة جسم، أي تمثال، صنم أو تمثال من ذهب، لَّهُ خُوَارٌ ۩، لأنه كان مُجوَّفاً، جوَّفه في مُؤخَرته وفي مُقدَّم رأسه – في فمه -، فكان الهواء إذا دخل بطريقة مُعيَّنة فنية يخرج له صوت يُشبِه صوت خوار العجول، لكن حاشا لله أن يخلق هذا الكافر المُعثَّر كما كان يخلق عيسى بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، لا! هذا لم يحصل، لذلك وُصِف بأنه جسد، لو قال جسماً له خوار لربما صح هذا التفسير.

نعود إلى ما كنا فيه، اليونان ذهبوا إلى أن الإنسان روح أو نفس وجسم، الجسم هذا ليس له قيمة عدا قيمته الوظفية كأداة، كأداة تتصرَّف فيها النفس، أو هو بتعبير أفلاطون Plato مركب للروح أو مركب للنفس، وبتشبيههم أيضاً هو مُجرَّد لباس، لباس لحقيقة الإنسان ولجوهر الإنسان، هذه النظرية للأسف الشديد دخلت إلى الفكر الإسلامي، إلى العقيدة الإسلامية، إلى علم التفسير، وإلى علم التصوف والعرفان، وأثَّرت تأثيرات سيئة للغاية وسيئة جداً في فكرنا.

لو تعلمون هذه النظرية أصلاً تُحقِّر الإنسان، مُباشَرةً! هل تعلمون لماذا؟ لأن الإنسان – ذهب بعيداً أو ذهب قريباً، الإنسان قديماً أو حديثاً – في نهاية الأمر وفي نهاية المطاف هو نفس وجسم رُغماً عنه، أكبر النُسّاك وأشهر العُبّاد لابد أيضاً أن يكون لأبدانهم ولأجسامهم أشواق ورغائب وحاجات، ومعنى ذلك أن هذا الناسك العظيم الذي انقطع وترهبن في شعفة جبل – مثلاً – أو في صومعة بعيدة في مُنقطَع العُمران لو شاقه شيئ من أشواق الجسم أو البدن فإنه بالتالي سينظر إلى نفسه على أنه لم يتقدَّم كثيراً، وعلى أنه لا يزال حقيراً، ولا يزال صغيراً، ولا يزال مباءةً للهواجس والوساوس والشياطين، وليس كذلك! ليس كذلك إطلاقاً للأسف الشديد.

هذه النظرية أيضاً نفسها تُحقِّر للإنسان، ولذلك نحن نستطيع من منظور قرآني صرف أو محض نستطيع أن نُقرِّر فنقول كل تحقير للجسد هو في التحليل الأخير تحقير للإنسان، لأن الإنسان ليس روحاً أو ليس نفساً فقط، هو نفس وجسم، فكل تحقير للجسم هو تحقير لي كإنسان، لأنني لست روحاً وحدها، لست نفساً وحدها، أنا جسم أيضاً، فتحقير الجسم تحقير لي، كل إعلاء للروح في مُقابِل تحقير الجسم هو تحقير للإنسان، ولذلك هذه النظرية الازدواجية أو الثانوية تحقير للإنسان.

لعل بعضكم لم يسمع – مثلاً – السناد أو المُستنَد الديني الذي ظل يعمل وخاصة في العصور الوسطى بعد عصر الكشوف الجغرافية لتبرير وشرعنة وتسويغ مقبحة الرق – استرقاق البشر، استرقاق الشعوب أيضاً، أخذهم بالعنوة، أو أخذهم بالفلوس أو بالنقود -، كان هذا المُستنَد الديني ينطلق من هذه النظرية، أن هؤلاء أجسام لا تسكنها أرواح شريفة، وهكذا أمكن أن يُجزَّأ الإنسان، أمكن أن يُذرَّ الإنسان، لكن لو فهمنا أن الإنسان لا يكون إنساناً إلا وهو جسم وروح دائماً – ضربة لازب – لن يُمكِن أن يحدث هذا، فكان لابد أن يُحترَم هذا الإنسان، وليس هناك من سبيل إلى شرعنة استرقاقه واستعباده، واستعباد الجسم هو استعباد للروح، استعباد الجسم بلا شك استعباد للروح.

ولذلك هذا الجسم إذا أردنا أن نُقرِّر – وقد فعلنا نحن معشر الآدميين أو بني آدم – حقوقه وكرامته فلن نستطيع أن نفعل ذلك بمسالك فردية، لابد أن نفعله كحضارة، كثقافة، كقوانين، كشرائع، كضوابط وأعراف، وكتقاليد مُحترَمة وفاضلة، لأن الإنسان لا يستطيع أن يحمي وأن يزود عن جسمه وحده كفرد، بل تفعل ذلك ماذا؟ القوانين والشرائع، حمايةً لحرية الإنسان، وأيضاً حمايةً لفردية الإنسان.

إلى الآن للأسف لا تزال هذه النظرية السوءة أو السيئة تُلقي بظلالها على الفكر الإنساني في أسقاع المعمورة أو في كثير من أسقاع المعمورة، إذا عُدنا إلى الدين الإسلامي في بساطته بعيداً عن كل المُنتحَلات وعن كل المدخولات اليونانية أو الغنوصية أو الهندية أو الإشراقية التي أثَّرت للأسف الشديد على صفاء تفكيرنا القرآني سنجد وببساطة ومن طريق قصيرة جداً أن هذا الدين العظيم يتعامل مع الإنسان كوحدة واحدة، وببساطة ومن غير تبرير، لا يُبرِّر! أنا الآن – مثلاً – مسلكي تبريري، أُحاوِل أن أُبرِّر فلسفياً، تاريخياً، وقرآنياً، القرآن لم يصطنع هذا، لأن الله لا يحتاج إلى أن يُبرِّر هذا التبرير، الله يُشرِّع لنا، الله يُعطينا الصيغة النهائية، لا أقول الأكثر صوابيةً بل الصواب، الصيغة الصواب، هكذا بالمُطلَق!

الله تحدَّث عن الإنسان جسماً ونفساً، ببساطة على أنها مسألة مُسلَّمة، لا تحتاج إلى إعادة نقاش، لأنها مُسلَّمة، سعيك، مسالكك، أشواقك، حاجاتك، ضروراتك، وغرائزك تُؤكِّد أنك كذلك، نفس وجسم، شئت أم أبيت، ولابد للحمأ المسنون أن يشتاق إلى أصله، لابد لهذا الحمأ المسنون أن يشتاق أيضاً إلى أصله وأن يفرض رغائبه وأشواقه، ولذلك قال يَا بَنِي آدَمَ ۩، ما أحسن هذه العنونة! لم يقل يا أيها الناس أو يا أيها الإنسان أو يا آيها الذين آمنوا، وكان الأحرى بالنظر الباده الخاطئ أن يقول يا آيها الذين آمنوا، لأن الآية تتحدَّث عن صلاة، خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ۩، لكن للآية جانبها الفلسفي، وأيضاً جانبها القانوني، جانبها النظري الأكثر عُمقاً من أن يكون مُجرَّد نداء إيماني، مُجرَّد تكليف شرعي، أو تسويغ شرعي بتناول بعض المُباحات، لا! لذلك قال – وما أحسن هذه العنونة! ولنعم ما قال – يَا بَنِي آدَمَ ۩، لماذا؟ بالعود إلى أبيكم آدم ستجدون أن أصله الأصيل تراب في البداية، ثم تم بعد ذلك فيه نفخ الروح، إذن هو أصالةً كان ماذا؟ تراباً، كان طيناً، أي كان جسماً، كان جسماً قبل أن يصير إنساناً سوياً ويُنشّأ أو يَنشأ هذه النشأة الآخرة، ليكون خلقاً آخر، قال يَا بَنِي آدَمَ ۩، أي يا أيها الإنسان التام – لا أقول يا أيها الإنسان الكامل، وإنما يا أيها الإنسان التام – جسماً ونفساً أو جسماً وروحاً، أنت كما أنت، خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ۩، طبعاً هذه الزينة ليست للنفس، إنما زينة البدن، أن تلبس جيداً، أن تُصيب من الطيب والعطر، أن تأخذ من شعورك ومن زوائدك، وأن تُحسِّن من هيئتك، هذه كلها زينة البدن، خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ۩، في اليوم خمس مرات، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ۩.

خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ۩، أتينا الآن إلى غذاء النفس أو إلى غذاء الروح كما يقولون، لأن على كل حال هناك فرقاً بينهما، كان هذا موضوعاً لمُحاضَرة السبت المُنصرِم، ولا نستطيع أن نتوسَّع الآن ولا حتى أن نُلمِّح، موضوع طويل لكن جدير بأن يُعاد النظر فيه حقاً، خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ۩، مسألة النفس أو الروح، ثم عاد فقال وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ۩، في نفس النداء الذي يبدو لنا نداءً إيمانياً تكليفياً وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ۩، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ ۩، مَنْ ۩؟ هل حرَّمها الفلاسفة؟ هل حرَّمها الرُهبان؟ هل حرَّمها النُسّاك؟ هل حرَّمها الكذبة؟ هل حرَّمها المعلولون؟ هل حرَّمها الخاطئون في تفكيرهم؟ هل حرَّمها المُعتلون ربما بدنياً وبالتالي المُعتَلون عقلياً؟

كان يُقال لدى اليونان قديماً – ويُقال أرسطو Aristotle هو قائلها – العقل السليم في الجسم السليم، ونحن نقول أيضاً وعلى نفس الدرجة من التأكيد والجسم السليم في العقل السليم، فالعلاقة جدلية بينهما، هناك الآن فرع كبير جداً جداً من الطب النفسي وأيضاً الطب حتى البدني، يُسمى الطب النفسجسمي، أي السيكوسوماتيك Psychosomatic، هناك الأمراض الجسمية التي منشأها نفسي، إذا اعتل العقل، إذا اعتلت النفس – أو كما يقولون الروح – البدن بلا شك يعتل أيضاً، وهناك أمراض علاجها ليس عند الطبيب العادي، وإنما عند المُعالِج النفساني، لأنها أمراض بدنية لكن أصلها اختلال في العقل، اختلال في المِزاج، اختلال في النفس أو الروح كما يقولون، سيكوسوماتيك Psychosomatic! هذا هو وهو موجود، فكما أن العقل السليم في الجسم السليم كذلكم الجسم السليم في العقل السليم.

اليوم آخر فضيحة سمعناها كانت عن هذا السيناتور Senator الجمهوري، وطبعاً لها أسلاف أو سوالف من الفضائح، أتوا اليوم على ربما ثلاثة أو أربعة وكلها في الحزب الجمهوري، شذوذ ومسائل جنسية فاضحة، آخرها تتعلَّق برجل كبير وهو سيناتور Senator في الحزب الجمهوري، هذا حزب بوش Bush طبعاً، رجل كبير في السن – عجوز، هيئته أنه في العقد الثامن – يتحرَّش بأحدهم في دورات المياه، تورَّط واتضح أن هذا الذي تُحرِّش به كان شرطياً، رفع قضية وحدثت مشاكل، فاعترف بخطيئته، ما هذا؟ لماذا؟ لماذا هذا الاعتلال في المسلك؟ لأن الروح مُعتَلة، النفس مُعتَلة، وكذلك القيم.

لأول مرة أشعر في نفسي بخطورة الموقف، قبل أسبوع سمعت للأسف بعض ما لا يسر المرء أن يسمعه، عن بعض المُسلِمين للأسف، عن بعض العرب والمُسلِمين في هذه الديار، عن بعض المسالك المقبوحة المرذولة، التي لا يُمكِن أن يُصرَّح بها، لا يُمكِن! والعجيب أن بعض هذه المسالك مِن بعض مَن يُصلون ويؤمون المساجد، في البداية طبعاً يُصدَم الإنسان، صُدِمت بلا شك، ثم بعد ذلك حاولت أن أكون علمياً وموضوعياً، فقلت ما الذي يحصل؟ الذي يحصل أننا نعيش ضمن ثقافة أُخرى، في حضارة أُخرى، لها قيمها، لها موازينها، ولها معاييرها، ليس هذا فقط، ليست قيماً وموازين ومعايير بالمُجرَّد وبعيدة عنا، كأنها مُعلَّقة في الفضاء، بالعكس! هي قيم معيشة ومُفعَّلة أو مفعولة في الحياة، وتُلقي بظلالها علينا، وتُؤكِّد ضغطها علينا بألف أسلوب وأسلوب، كل يوم! انتبهوا إلى هذا، كل يوم! لابد أن نتسلَّح نحن بوعي حقيقي – لا أقول بالإيمان على طريقة الوعّاظ والمشايخ، بالإيمان وبتقوى الله، هذا لا يُفيد، الكلام هذا لا يُفيد، لأنه لا يُعبِّر عن أي فهم حقيقي، لا يُعطينا وصفة علمية لمُعالَجة الواقعة، لكن لابد نتسلَّح واستناداً إلى الإيمان بلا شك واستناداً إلى ديننا بوعي حقيقي – بقيمة وبتبرير أيضاً قيمنا في الحياة ونظرتنا إلى الحياة، وأهم هذه القيم بعد قيمة الإيمان بالله – تبارك وتعالى – وهي عقيدة قيمة ترتقي إلى مُستوى عقيدة، وهي الإيمان بأنفسنا، نظرة المرء إلى نفسه، ما أنا؟ ومَن أنا؟ نظرتي إلى جسمي، كما نظرتي إلى روحي ونفسي، جسمي! كيف أتعامل معه؟ ما هو هذا الجسم؟ ما كرامته؟ ما قداسته؟ ما مبلغ مقداره من التندس أو التقدس؟ لا أقول ما الذي يُباح له؟ وما الذي لا يُباح؟ لأن هذا معروف، أنا أُريد إطاراً واضحاً، أي أُريد إطاراً نظرياً فلسفياً وعقدياً، بالصيغة الدينية هو إطار عقدي حقيقي وواضح أمامك، وأقول عقدي وليس مُجرَّد فكري، لماذا؟ لأنه إن كان فكرياً فقط قد لا يجدي كثيراً، وهذا الرجل بالمُناسَبة –  السيناتور Senator هذا الجمهوري – صُدِم فيه الجمهور الأمريكي، الجمهور كله مصدوم وحزبه مصدوم، وأمره أن يتسرَّح من كل وظائفه، وعلى الفور فعل الرجل، وخرج الآن في رحلة مع زوجته، مصدومون! هل تعرفون لماذا؟ لأنه كان شهيراً بمُعاداته للمثليين طبعاً، لكن هو مثلي، القضية ليست قضية أن تُردِّد قيماً، أن تُقرِّر موضوعات وأفكار، وإنما أن تعتقد بهذه القيم، لابد أن تعتقدها، وهذه المسألة تحتاج إلى تبرير طويل، انتبه! أنا لا أُعطيك تبريراً في خُطبة، وأنت لا تُعطي نفسك تبريراً بقراءة كتاب، المسألة تحتاج إلى ما هو أعمق وإلى ما هو أبعد.

لذلك لا تستبعدوا ولا تستغربوا إن كان مِمَن يؤمون المساجد ويُصلون وينتمون إلى هذا الإطار الشريف للأسف مَن يرتكبون حماقات وقباحات وفظاعات، للأسف ربما لا تُتصوَّر لدى كثيرين منا بحمد الله، هذا يحصل! ولذلك دائماً نُؤكِّد نحن – وربما هذا الأسبوع الثالث – على قيمة الوعي، الوعي! أن تكون واعياً بكل ما تنطلق منه وإليه، تكون واعياً وعياً حقيقياً، عدا ذلك كل هذه الأشياء التقليدية والامتثالية والتظاهرية – تُظاهِر غيرك – غير مُفيدة، حتى عند الله ليست مُفيدة، صدِّقني! عند الله ليست مُفيدة، ولن نُذكِّر مرة أُخرى بحديث لا يكن أحدكم إمعة، في الخير وفي الشر ممنوع، عند الرسول ممنوع حتى في الخير، لابد أن تنطلق إلى الخير عن تبرير، لا عن إمعية، عن امتثالية، بمعنى عن وعي، النبي يتحدَّث عن الوعي، الوعي بالمسلك، الوعي بالحافز، الوعي بالدافع، والوعي بكل شيئ، وإلا لن يصلح هذا الأمر، لن يصلح أمرنا، سنتحطَّم بلا شك.

نعود إلى ما كنا فيه، إذن كل احتقار للجسم هو احتقار للإنسان، الرق كان يُبرَّر بهذه النظرية الثانوية، هذه أبدان لا تسكنها أرواح شريفة، من نفس المُنطلَق أجد أن مظلومية المرأة وأن اضطهاد وامتهان المرأة أيضاً يُمكِن أن يُبرَّر بنفس النظرية، قطعاً هو مُبرَّر بها، كيف؟ لأن المرأة ظل يُنظَر إليها وإلى وقت قريب جداً على أن روحها مُدنَّسة، وفي أحوال أُخرى أكثر بؤساً وشراسةً كان يُنظَر إليها على أنها محض جسد أو جسم بلا روح، والجسد مُحتقَر، إذن فلتُحتقَر ولتُلب فقط رغائب الرجل، لكن إن وُجِد أن هذا الفصل غير مُمكِن سيختلف الأمر، هذا غير مُمكِن، إذا أردت أن تفصل بين الإنسان الذي تراه روحاً فقط وبين جسده أنت تتكلَّم عن الجثة الميتىة، حتى هذه الجثة الميتة في الدين لها كرامتها ولها قداستها، لارتباطها على الأقل تاريخياً بالإنسان، تاريخياً! يُوجَد تاريخ قريب جداً، فكسر عظم الميت ككسره حياً، ممنوع! الجلوس حتى على قبره ممنوع، القيام للجنازة – لهذا الجسد الهامد – من السُنة، والنبي فعلها في حق جنازة يهودي، قال أليست نفساً؟ أي أليست جنازة لنفس؟ لأن الآن هذا الجسد ليس نفساً، لكن هذه جنازة لنفس، يتحدَّث عن الأصل التاريخي، هذا الجسد كان ينتمي إلى نفس أو تنتمي إليه نفس – لا ندري -.

بالنسبة لبعض المُغرِقين في تقديس الجسد طبعاً والاستغراق للجسد كانوا يرون أنهم لا يعرفون من أنفسهم إلا هذا الجسد، حكى الأشعري في المقالات عن أبي بكر الأصم – من أئمة المُعتزِلة – أنه قال أنا لا أعرف إلا الجسد، هذا الذي طول وعرض وعُمق، لا أعرف شيئاً آخر، لا تُحدِّثوني عن نفس وعن روح، كان يقول هذه النفس والروح من أعراض الجسد، من أعراض الجسم! إذا فنيَ الجسم يفنى كل شيئ وينتهي، فلابد أن يُعاد مرة أُخرى لكي يُحاسَب صاحبه، هكذا كان يرى، أقرب إلى الماديين!

الفيلسوف نيشته Nietzsche أيضاً كان يقول الآتي، وهو طبعاً مُتردِّد، في البداية في هكذا تكلَّم زرادشت Thus Spoke Zarathustra قال إني جسم وروح، هكذا يقول الطفل، لِمَ لا نقول كما يقول الأطفال؟ لكن هل هناك مَن يعقل؟ الرجل كان يتعانى ردة فعل، الآن ردة فعل مُلطَّفة، ضد إصرار الكهنوت والسلك الديني على أن الإنسان هو روح ونفس، وهذا البدن محقور، في العصور الوسيطة كان ينبغي على النُسّاك والرُهبان ورجال الدين، كان ينبغي عليهم أن يبتعدوا عن كل ما له علاقة بتنظيف البدن المُدنَّس هذا، لأسباب طبعاً، من ضمنها أن إزواءه وإضعافه يُؤدي إلى انعتاق الروح من القفص، هذا تعبير أفلاطوني، أفلاطون Plato كان يرى طبعاً هذا، وكذلك ابن سينا في عينيته وأبو حامد الغزّالي فيما يُنسَب إليه للأسف ويُؤكِّده الصوفية بغير وعي قرآني للأسف الشديد، كانوا يرون أن هذا البدن قفص للروح، وهذا غير صحيح، هذه نظرية أرسطية، هذه نظرية يونانية، غير سليمة، وغير صحيحة، المُهِم أن هناك سبب ثانياً، وهو أن مُلامَسة البدن خطيئة، لأنها قد تُورِث المُتعة، هكذا يقول الكهنوت، قد تُورِث الإنسان مُتعة، وهذه المُتعة محظورة، إنها مُتعة مُدنَّسة، لذلك لا يجوز لك أن تغتسل ولا أن تستحم حتى لا تُلامِس بدنك، فتنزلق إلى هذه المُتعة، هاجس! هاجس الكفر، هناك عبّاد الجسد وهناك ظلّام الجسد، هؤلاء الذين ظلموه.

لكن حين تورَّط نيتشه Nietzsche في ردة فعل أكثر شراسةً ذهب للقول أنت يا أخي تُحدِّثني عما تُسميه الروح، هذا العقل الكبير، فلتعلم يا أخي أن هذه الروح إنما هي مُجرَّد أداة عند ما هو أعظم وأكبر وأقدس منها، الجسد! وقال مرة ساخراً يتحدَّثون أن الجسد مركب للروح، وأنا أقول لهم الروح هي أداة بيد الجسد، هذا مُقدِّس! طبعاً قدَّس الجسد إلى هذه الدرجة.

في المنظور الإسلامي ليس الأمر كذلك، يُنظَر إلى البدن ويُنظَر إلى الروح – الآن أتحدَّث بمنظور قرآني – على أنهما مجالان يتكامل بهما ومن خلالهما الإنسان، وما هُويتك كنفس أو كإنسان إلا ضمن الحركة التواترية بين هذين المجالين، بين الروح وبين الجسم، ولابد من هذا ولابد من هذا.

هل تفطنتم إلى ما قاله الإسلام؟ مثلاً القرآن قال وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ۩، طبعاً قال في البداية يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ۩، ثم قال وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۩، أيضاً هو الذي نهى عن الإسراف في العبادة، حتى فيما يختص بمجال الروح، تنمية النفس وتكميلها عبر مجال الروح الآن، عبر سماء الروح، وليس عبر أرض الجسم، أيضاً نهى عن الإسراف في العبادة، وقال إن لبدنك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، هذا المنطق المُحمَّدي، منطق محمد – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – الداعي بما تعلمون، هو الذي كان يُواتِر دعاءه بقوله بارك لكي في سمعي وبصري واجعلهما الوارث مني، أي يود أن يموت وتبقى عيناه تعملان وأُذناه تعملان، كلها عاملة! أُذنه تسمع وعينه تُبصِر حتى حين يموت، لأنه يعلم قيمة هذه النعمة.

بالمُناسَبة الرسول – عليه السلام – بهذه الطريقة يُريد أن يُرسي دعائم ثقافة واضحة مُستقيمة، عكس ثقافتنا الكسول المُنافِقة، نحن لدينا ثقافة كسول أيضاً – وسأُوضِّح بعد لِمَ هي كسول – وفي نفس الوقت هي مُراوِغة ومُنافِقة.

في ثقافتنا آلاف الحكايا عن كرامات وعن مناقب لبعض الصلّاح والعُرفاء الذين ذهبت أعينهم من البكاء من خشية الله، تهتكت أوتارها وأعصابها، ونزفوا الدم بدل الدمع، ما هذا؟ ما هذا؟ هل ترى محمداً الذي كان يقول واجعلهما الوارث مني يُوافِق على هذا المسلك، يُحبِّذه، ويُوافِق عليه؟ مُستحيل، سيراه كفراً بنعمة الله، لماذا ثقافتنا مُراوِغة؟ نُصادِق على هذا ونقوله كمواعظ تُبكي الناس وتشوقهم وتلذ لهم قطعاً دون ربما أن يتمناها أكثرهم أو كلهم، مَن منكم يتمنى أن تتهتك عيناه وأن يُصبِح ضريراً؟ مَن؟ أو مَن منكم يتمنى أن يفقد سمعه؟ حاشا لله، نحن ندعو كما كان يدعو رسولنا، اجعلهما الوارث منا، اللهم آمين، بارك لنا في سمعنا وأبصارنا.

إن الثمانين – وبلغتها –                              قد أحوجت سمعي إلى ترجمان.

لا! لا نُريد هذا الترجمان، نُريد أن نُترجِم نحن بأنفسنا إن شاء الله، نعمة كبيرة!

ثقافتنا هي التي تجعلنا ننظر إلى البدن أو إلى الجسم على أنه ليس بتلك الأهمية، أهميته ليست كذلك، أهم شيئ المسلك الأخلاقي القيمي الروحي والعبادي، الجسد ليس مُهِماً! لكن حالما يشعر أو يستشعر الإنسان انحرافاً يسيراً في مِزاجه أو في صحته – بوجع في قلبه أو في كبده مثلاً – إلا ويُهرَع إلى الأطباء، فإن له القضية خطيرة، تفرَّغ الآن ليس للعبادة وليس للقيم، الآن تفرَّغ بالكامل للكُلية أو بالكامل للقلب أو بالكامل للأورطة أو بالكامل للتاجي أو بالكامل للكبد، بالكامل! يترك كل شيئ ويشغل نفسه ومَن حوله مِمَن يعنيهم أمره بحالته الطارئة، تليفونات واتصالات ودعوات وصلوات وقيام ليل، من أجل ماذا؟ أن يعود كبده إلى حاله أو أن تعود كُليته إلى حالتها الطبيعية، آلآن؟ إذن هذه ثقافة مُنافِقة، ثقافتنا ليست صادقة، علينا دائماً أن نعترف بما هو حق على أنه حق، حق أن هذا البدن نعمة كبيرة من الله تبارك وتعالى، نعمة علينا، ولابد أن نصونها، والقرآن – كتاب الله – أرشدنا إلى طريق صيانتها، بأحسن الطرق وأبلغ السُبل، وهو قرآن، كلام الله العُلوي!

يوحنا بن ماسويه Yuhanna ibn Masawaih – أكبر طبيب نصراني سرياني في عصره – دخل على الرشيد، فقال له علِّمني من علم الطب الذي عُلِّمت، فقال يا أمير المُؤمِنين ما ترك كتابكم لجَالِينوس Galen طباً، ولا ترك نبيكم لأبقراط Hippocrates دواءً، قال كيف؟ قال كتابكم قال يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۩، ونبيكم قال ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه… الحديث! قال بعد هذا الطب زوائد، فضول، كله عبث! وهذا صحيح، هذا هو الطب، هذه هي الصحة والطبيعة.

هل تظنون أن الله – تبارك وتعالى – خلقنا وأوجدنا وفعلاً أحوجنا يوم كنا بُسطاء وبدائيين في الحضارة – يوم كنا أطفال البشريةً – إلى أطباء وصيادلة ومُختبَرات ومزارع جراثيم وأبحاث تُكلِّف الملايير وأن نُضيِّع حياتنا في هذا؟ الأصحاء حتى يُضيِّعون أيامهم، بعضهم يقضي في اليوم ربما أربع أو خمس ساعات لكي يُوضِّب وجبة بحسب ما قال، كذا مائة جرام فيها كذا وكذا كالوري Calorie، ما هذا؟ هل خلق الله لنا أن نأكل ونشرب لكي نُوضِّب طعامنا بهذه الطريقة الغبية – Diät -؟ ثم إن الحمية هذه للأصحاء أو للمرضى؟ للمرضى، الحمية للمرضى، أنا كصحيح لا أحتاج إلى حمية، خلقني الله لكي آكل ما أشتهي بغير إسراف، كل شيئ! حتى الدهون Fats، كل شيئ الجسم يطلبه، كل أنواع البروتينات Proteins مطلوبة للجسم، لكن هذا الطب لكي يعيش ويعيش أصحابه لابد أن يُسوِّقوا الأكاذيب والأضاليل ضمن ما يُسوِّقون من حقائق طبعاً، وهم أيضاً يتعانون من التباريح والأوجاع والأمراض، انظروا إلى الأطباء، هل هم أصح الناس؟ كلا، الأطباء ليسوا أصح الناس، لا جسماً ولا عقلاً، أكثر أصحاب الحرف انتحاراً الأطباء، وتعرفون هذا، أليس كذلك؟ وهذا يُدرَّس هنا في جامعة فيينا لطلّاب الطب، في علم الطب النفسي يُدرَّس أن أكثر الاحترافيين انتحاراً هم الأطباء، إذن ليسوا أسوياء حتى عقلياً ونفسياً، مساكين! هل هؤلاء الذين سيُعطوننا شريعة صحتنا؟ لا، لا نحتاجها، سنحتاج إلى شرع الله، إلى شرع الطبيعة، أي إلى الفطرة، الطبيعة هي الفطرة، التي عبَّر عنها أحسن تعبير رسول الله وكتاب الله، إذا فعلنا هذا فسنفعل المُعجِزات حقاً.

الآن المقصود من هذه الخُطبة ما سيأتيكم الآن، قد تدهشون من العجائز هنا، أنا كنت واحداً من الذين يندهشون ويغبطون عجوزاً – كلمة عجوز تُطلَق على الذكر والأُنثى – ثمانينياً أو ثمانينيةً تمشي بغير عكاز، أنا حقيقةً أشعر بالغبطة الغامرة، حين أرى بعض العجائز النمساويات – وأدعو لهن بطول العمر بلاشك، لا أحسدهن، وإنما أغبطهن – وهن يمتطين صهوة الــ Fahrrad أو الــ Bicycle، أي الدرّاجة، وهن في الثمانين أو الخمس وثمانين، وتسوق الواحدة منهم الدرّاجة، أستغرب وأقول يا حسرة على أمي! لا تستطيع أن تمشي مائة ياردة Yard بغير أن تلهث وأن تجلس وأن تستريح وأن تستدعي ملك الموت للأسف الشديد، وهي في سن بناتها، ما الذي يحصل؟ نفس الشيئ يحدث حين أذهب إلى البنك Bank، أرى شيخاً تسعينياً – أحياناً لا يضع النظّارة كما يفعل بعضهم – يُخرِج الورقة ويكتب ويُوقِّع ويطلب ويحفظ الــ Code أو الــ Password، أي عقله معه حتى هنا، وهو يذهب أيضاً بدون عكازة، وجسمه مُتزِن، أستغرب من هذا، وهو طبعاً يمشي قليلاً قليلاً، لكن يمشي، وهو ما زال في التسعين، نغبطه! لكن ما عسانا نفعل أو كيف سيكون رد فعلنا إن سمعنا عن شيخ تسعيني يركب الدرّاجة ويركب الــ Motorrad – أي الدرّاجة النارية هذه – بسرعتها القصوى، فاتحاً قميصه على الهواء الرطب صيفاً وشتاءً دون أن يُصاب بصفقة صدرية أو نزلة – كما نقول – أبداً؟ الأكثر من هذا أنه يركض ركضاً مُمتازاً، كم؟ كم تركضون أنتم؟ أنا أُراهِن أن أكثر مَن في هذا المسجد لا يستطيع أن يركض عشرات دقائق مُتصِلة دون أن يندلع لسانه، ويظن أنه سيُصاب بذبحة، هذا يركض الساعات المُتواصِلة، يركض في الماراثون، ما رأيكم؟ شيخ في التسعين، مواليد سنة ألف وتسعمائة وثلاث عشرة، يركض في الماراثون، ويفعل هذا حول العالم، هذه ليست أكذوبة، يفعل هذا في أوروبا، في أمريكا، وفي لبنان، لأنه لبناني، الماراثون لمسافة اثني وأربعين كيلو متر، يركضه بنفس واحد دون أن يستريح، وحين يصل أبطال الماراثونات العالميون من أمريكا وغيرها يضعون عليهم البطاطين – Blankets – مُباشَرةً، أما هو فيفتح صدره للهواء، يقول له الأطباء الكبار ستموت، فيقول لهم أنتم ستمونون، ولا يموت ويبقى في أحسن صحة، ذهب إلى أعظم شركات التأمين، والتقى بعدد كبير من مُدراء هذه الشركات، وقال لهم أُريد أن أصطنع وأُريد أن أُبرِم معكم عقد تأمين بالمقلوب، أي Upside down، رأساً على عقب، قالوا كيف بالمقلوب؟ قال هذا العقد سيمتد إلى عشر سنوات إذا أردتم، وإن شئتم إلى عشرين سنة، أي يُغلَق هذا العقد لعشرين سنة، مُغلَق! في عشرين سنة إن أصابتني نزلة أو عُطاس أو إنفلونزا – Grippe – أو سُعال أو ارتفع الكوليسترول Cholesterol أو الملح أو السكر أو ضغط دم أو حدثت أي مُشكِلة فسأدفع لكم كذا وكذا، وأنا سأضع نفسي لعشرين سنة تحت إشراف مشفى تختارونه، وإذا لم أُصب حتى بإنفلونزا – Grippe – أو بسعلة أو بحساسية في الحنجرة لعشرين سنة فستدفعون لي كذا وكذا، مثلاً مائة ألف دولار، وإذا أُصِبت أنا فسأدفع لكم المبلغ، قالوا غير مُبرَّر، فكَّروا ودرسوا ثم قالوا لا، لا نُريد، والرجل قال هذا لأنه جرَّب نفسه، من أكثر من عشرين سنة لم يُصَب بهذه الأشياء، ووزنه الوزن المثالي، كما كان وهو ابن ثلاثين سنة، لم يزِد كيلو واحد ولم ينقص، وزنه ثمانية وسبعون كيلو باستمرار! مُعجِز هذا الرجل.

طبعاً جامعة من الجامعات الأمريكية العريقة في ولاية ولاية لويزيانا منحته شهادة الدكتوراة لأبحاثه، نظرياته، وأفكاره المُجرَّبة والخطيرة، وتمت دراسة كثير من هذه النظريات واتضح أنها صادقة، وهو أقامه الله مثلاً حياً على صدق هذه النظريات، الشيخ التسعيني الساخر من التسعين، كأن لسان حاله يقول:

 سني بـروحي لا بعـدّ سنيني                           فلأسخرنّ غداً من التسعين.

عمري من السبعين يركض مُسرِعاً                   والروح باقيةٌ على العشرين.

كأنه ابن عشرين سنة فعلاً، وهو يتحدَّث حتى – لا مُؤاخَذة – عن أن قواه الجنسية مُمتازة، عجيب! ما هذا الرجل؟ بعضكم سيقول ربما الشيخ لا يعرف أن هذه وراثة، تُوجَد بعض الزريعات – كما نقول زريعة – أو الشتلات على هذا النحو، وهذه شتلة وراثية، لكن هذا غير صحيح، لأن هذا الرجل من سن الأربعين حتى سن الستين من عمره كان مباءةً للمرض، وضيفاً مُمِلاً على أطباء بلده لبنان، قال لم يُوجَد مرض إلا وكابدته وعانيت منه، حتى أمراض الحنجرة – كحساسية الحنجرة – والمريء عانيت منها، المعدة كانت مُهترئة، أُصيبت بأمراض في الكبد والكُلى، كل شيئ كان مُصاباً عنده، كان يتمنى الموت، وكشف الله له عن حجاب الصحة، عن حجاب الصحة والمرض! في سن الستين بدأ، عرف أول العجائب، عجيبة ماذا؟ الحركة.

نحن قوم لا نتحرَّك، بالذات العرب للأسف، ولا نُحِب حتى رياضة الحركة، نحن قوم نُحِب الجلوس، كما قلت ثقافة كسل، نُحِب الجلوس وقزقزة اللُب واغتياب الناس والكلام الفارغ، حتى في الدين نتكلَّم كلاماً فارغاً، ونموت بعد ذلك، ونُعزي أمثالنا بقول النبي أعمار أمتي بين الستين والسبعين، على كل حال إذا كان هذا في المُتوسِّط الحسابي نحن لا نُحِب أن ندخل في هذا المُتوسِّط، النبي قال خيركم مَن طال عمره وحسن عمله، ما بال علماؤنا وخاصة المُحدِّثين من نقلة حديث رسول الله يعيشون أو يعيش كثيرٌ جداً منهم تقريباً إلى العقد التاسع والعاشر؟ علماء، حفظة كبار، ونقدة، يحفظون النصوص ويظلون يُدرِّسون ويُحفِّظون الناس إلى مماتهم، رضوان الله عليهم، ما هذا؟ هذه نعمة من الله، وكثير من العلماء الآن هكذا، انظروا الآن إلى الشيخ البوطي والشيخ القرضاوي، ما شاء الله! هناك مشايخ في العقد الثامن من أعمارهم، لكنهم يذهبون إلى زيارات ومُؤتمَرات، ويتكلَّمون بصوت جهير، أعطاهم الله الصحة والعافية، نعمة كبيرة! خيركم مَن طال عمره وحسن عمله، لكن انتبه، كيف يطول عمرك ويحسن عملك؟ من أين يكون لك العمل أصلاً إذا كنت مشغولاً بترميم بدنك وإذا كنت ضيفاً دائماً على كل الأطباء والمشافي؟ من أين؟ أنت حتى لا يصح لك أن تُصلي ركعتين بقلب، أليس كذلك؟ تقوم ولا تستطيع القيام، لا تستطيع القراءة، ولا تستطيع التفكير، أنت مُجهَد، أنت مُتعَب، صحتك مُثقَّبة، أنت مُخزَّق، من أين؟ مُستحيل! خيركم مَن طال عمره وحسن عمله، عمل حسن في مثل هذا العمر، أن يكون لك رسالة، هذا الرجل يصرخ في العالمين بنغم رسالي، يُريد لنا الصحة والعافية، بارك الله فيه، أنا أدعو له حقيقةً أن يبلغ المائة والخمسين، وهو يقول بإذن الله سأبلغها – أي المائة والخمسين – شاباً، وسأموت شاباً، هو يُراهِن على ذلك، نسأل الله أن يُعطيه ما تمنى، الرجل خطير!

في الجامعات الأمريكية قبل أن يُمنَح الدكتوراة قام بروفيسورات Professors بفحص كل أعضائه وحالته البدنية بما فيها الدماغ والقلب، والنتيجة – أنا قرأتها بالإنجليزية – كانت Supernormal، ليست Normal، إنما Supernormal، حتى دماغه كان هكذا، قالوا هذا دماغ لابن عشرين أو ثلاثين سنة، شيئ غير طبيعي، عنده ذاكرة وقوة في التفكير، ما السر؟ الآن أنا سأقفكم على السر كما وقفني هو عليه، سر بسيط جداً جداً، وصدِّقوني الآن – ما شاء الله – في الإنترنت Internet وفي المكتبة وعلى الفضائيات يُوجَد طوفان – طوفان حقيقي – من الكُتب والنشرات والنصائح والمواعظ الطبية والبرامج والوصفات، هذا شيئ ليس مُذهِلاً، وإنما هو شيئ مُحيِّر، شيئ مُحيِّر ولا يستطيع الواحد منكم أن يعرف أين الحق وأين الباطل، يقول هل آخذ بهذا أو آخذ بهذا؟ بعض الناس يقول لا، أنا عندي رياضات، مثل الــ Gymnastics، الــ Football، الــ Baseball، وما إلى ذلك، كل هذه الرياضات – هو يقول – أنا لا أذمها، ولكن أيضاً لابد أن أكشف عن محاذيرها، مثلاً لم نُفكِّر نحن لماذا يموت كثير جداً – كثير فعلاً – من لاعبي كرة القدم بالسكتة، يموتون بها! أليس كذلك؟ فضلاً عن أنهم جميعاً تقريباً يعتزلون مُبكِّرين، إذا كانت هذه رياضة مُمتازة وتُقوي الجسم فلماذا يحدث هذا؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن أسلوبها مُضِر جداً بالإنسان، طبعاً أسلوب هذه الرياضة مُضِر، كيف؟ سلوا أي طبيب وقولوا له هل جيد أيها الطبيب العالم في صحة البدن أن يركض الإنسان – مثلاً – بسرعة خمسة عشر ميلاً – مثلاً – في الساعة ثم يقف فجأة ثم يُعاوِد الركض بسرعة؟ سيقول هذا يُصيب القلب بالاضطرابات، بعد سنة الأربعين سيبدأ القلب يُعاني مُعاناة حقيقية.

سلوا الميكانيكي Mechaniker عن الآتي، قولوا لأي ميكانيكي سيارات هناك سيارة وقعت تحت يد أرعن، هناك طفل مُراهِق أرعن أخذ سيارة، وكان يفتح صباباتها على مائة وعشرين في الساعة، كان يفتحها على مائة وعشرين في الساعة ثم يقف فجأة، أي يضرب Stop ويُفرمِل فجأة، ثم يُعاوِد على المائة وثلاثين، فماذا عنها؟ سيقول بعد أشهر يسيرة هذه ستُدمَّر مُباشَرةً، فهذه الرياضة – انتبهوا – خطيرة، كرة القدم خطيرة، إذن إذا هذه خطيرة وهذا غير مُفيد فما المُفيد؟ حتى لا نُطوِّل – لأنها نظرية، لكن سنُلخِّصها بكلمات بسيطة جداً جداً، وكل ما أوصيكم به هو ما أوصانا به هذا الرجل – سنقول إنه مُصِر على أفكاره، وقال أنا مُستعِد أن أموت في سبيل هذه الأفكار، لأنها مُجرَّبة، وأنا أتحدى بها، أتحدى بها كل الأطباء وكل العالم، هو نفسه أقام من نفسه تحدياً، شيئ عجيب هذا الرجل، اسمه الدكتور محمد عليّ عز الدين بعد أن تدكتر، علماً بأنه تدكتر في سنة ألف وتسعمائة وثلاث وتسعين، وكان عمره ثمانين سنة بالضبط، أعطوه دكتوراة بسبب أفكاره هذه، أفكار الطبيعة والفطرة، وهو مُسلِم وعميق الصلة بالله حسبما بيَّنت بعض فصول كتابه، عميق الصلة بالله تبارك وتعالى.

المُهِم النظرية هكذا، تقول الطبيعة التي هي الصحة أشياء أربعة، الماء والهواء والدم والغذاء، فخُذ بحظك من هذه الأربعة الأشياء، من الماء والهواء والدم والغذاء، بالنسبة للغذاء قال – إلا أن يكون الإنسان طبعاً عليلاً – انتبهوا ودعوا الطبيعة تُدبِّر الأصحاء، سيروا مع الطبيعة والفطرة، ستُدبِّر أمور صحتكم، ودعوا الطبابة أو الطب يُدبِّر أو يُشغَل بالمرضى، مَن كان مريضاً فلابد له من استشارة الطبيب، ولابد ربما من إعادة تأهيل له، خُطوة خُطوة، هذا شيئ ثانٍ، لكن الصحيح الكسول مثلنا لا يحتاج إلى هذا، الطبيعة تقول لك أن تتناول من كل ما خُلِق لك، لا تقل لي هذا ممنوع، لحم البقر غير جيد، ولحم الخراف غير جيد، إلى آخر هذا الكلام الفارغ، كله مسموح! خلقه الله لكي تتناوله، وهذا الرجل بالمُناسَبة أكول، قال أنا معروف بأنني من الأكولين، يأكل حتى الامتلاء، يأكل كثيراً جداً خاصة في وجبة الإفطار، وليس عنده مُحرَّمات، يتناول كل شيئ حتى الدهون غير المُشبَعة والمُشبَعة، كل شيئ! لكن وزنه على ما يرام، وكل معاييره Supernormal، وهو يفعل هذا دائماً من عشرين سنة أو من ثلاثين سنة باستمرار، كل يوم يأكل كل شيئ، ماذا يفعل هذا الرجل المُعجِزة الخارق؟ خارق هذا الرجل حقيقةً، هذا خيرٌ لنا من كل ما كتب الأطباء.

يقول هناك الغذاء، ولكن ليس الغذاء وحده، الغذاء مع الماء والهواء والدم، كيف؟ عبر ناظم اسمه الحركة، لابد أن نُتوئم كل هذه الأشياء مع الحركة، أي حركة؟ في أي إطار؟ وكيف؟ سهلة جداً، كلمتان! 

نأتي الآن إلى الهواء، قال لابد من الهواء، أي هواء؟ قال هذا هواء مُلوَّث، أي الذي نستنشقه وبطريقة خاطئة، ربما لا يدري أكثرنا أننا أصلاً لا نُحسِن آلية التنفس، أكثرنا تنفسهم غير مُنتظَم وغير علمي وغير دقيق، لا نتنفس بطريقة صحيحة، المُهِم – هذه تحتاج إلى مُحاضَرة – أن التنفس الصحيح في الوقت الصحيح لابد أن يكون في وقت الفجر، قُبيل الفجر وفي وقت الفجر وبعده بقليل، حيث تكون أعلى نسبة من الأكسجين Oxygen الوليد، أي الــ O3، وهو الأوزون، أي الــ Ozone بالإنجليزية أو الــ Ozon بالألمانية، هذا هو! مُفيد جداً جداً هذا للصحة، والخلايا جوعى له وتحتاجه، وهذا يُوصَف أيضاً كعلاج للأرق، مَن تشبَّع بكمية كبيرة من هذا الوليد صباحاً مساءً ينام في عُمق وبراحة ويتغلَّب على ماذا؟ على الأرق، شيئ غريب!

ولذلك لابد أن تقوم – يقول – مع الفجر أو قبل الفجر، الحمد لله هذه سُنة مَن؟ سُنة المُصلين، قال وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ۩، النبي أوصى كثيراً بصلاة البردين، أي بصلاة وقت البردين، ما هما البردان؟ الصبح والعصر, وبالمُناسَبة حتى لا أنسى بعض الناس يقول لا، أنا لا أستطيع، أنا أعمل الليل بطوله، لا أستطيع أن أمشي على هذا البرنامج البسيط، نقول له اقلب، اجعل فجرك أو صبحك العصر، وهكذا! وهذه نصيحة مُختَصين تماماً، وتناول طعام الإفطار كما يكون طعان الإفطار وقت العصر، واقلب تماماً، طبعاً هذا ليس حلاً نهائياً، لكن هذا حل لهذه الحالات للأسف المقلوبة، مقلوبة حضارياً! الحضارة أوجدت هذه الحالات النشاز للأسف الشديد، عكست نظام الله، نظام الفطرة والطبيعة عكسته تماماً، فاقلب هذا، ولذلك الإشارة جاءت إلى البردين، فيبدو حتى أن الهواء ربما يأخذ أو يسترد بعض عافيته وخزينه في وقت الأصيل قريباً مما هو في الفجر، الله أعلم!

على كل حال تقوم، أول ما تقوم يكون إلى جانبك ماء، في البداية – طبعاً بعضهم غير مُتعوِّد – لن تستطيع أن تشرب لتراً من الماء، والصحيح – الصيغة المثالية – أن تشرب لتراً من الماء، هو يشرب لتراً من الماء في تسع ثوان، يشرب لتراً كاملاً من الماء! وأنت لابد أن تشرب لتراً من الماء على الريق، من غير أن تتناول أي شيئ، ثم تقوم ببعض حركات الــ Gymnastics الخفيفة، أي بالألعاب السويدية، طبعاً المُسلِم يفعل هذا بالوضوء، لكن هذا غير كافٍ أيضاً، تقوم ببعض الحركات، وبعد أقل من ساعة أو ساعة إلا ربع تخرج إلى الهواء الطلق، الآن لا تزال هناك بعض فحمة الليل لكنك تخرج حينها، بالعكس! هذا وقت الفجر، لكن هناك بعض الفحمة، تخرج وتُهروِل، لابد من الهرولة، هذه هي الصيغة، ماء على الريق، بعده بساعة تخرج وتُهروِل، ليس ركضاً سريعاً – لا نستطيعه – لكن هرولة، لأنها تخض الجسم، لا تقل لي هناك الــ Fahrrad وهذا الكلام الفارغ، هذا يُتعِب الرُكبتين طبعاً، ثم إنه لا يُحرِّك كل الجسم، مُستحيل! جرَّبناه ووجدنا أنه لا يُحرِّك كل الجسم، صحيح أنه يُخفِّف الجسم، لكن هذا له أيضاً أضرار جانبية، وليس عنده كل الفوائد والمزايا، الهرولة هذه تُحرِّك الإنسان من رأسه حتى قدميه، فعلاً الحركة تأتي بنتائج، خاصة إذا استمرت.

الإنسان العادي قلبه يضخ في الدقيقة من ثلاثة إلى أربعة لترات من الدم، العدّاء أو المُهروِل بعد فترة – بعد رُبع ساعة أو بعد نصف ساعة – يضخ إلى أربعين لتراً، تخيَّل! قال هذه قوة الدم الآن، الدم ليس فقط مُغذياً، بل هو مُنظِّف، يُنظِّف الجسم، يُخلِّصه من السموم، خاصة إذا عادت إلى الكبد كفاءته وإلى الكُلى أيضاً أو الكُليتين كفاءتهما، علماً بأن أكثر مَن يستفيد مِن الهرولة الجلد والكُليتان، وهذا مُفيد جداً ومطلوب، فهذا الدم يبلغ كل النواحي وكل أحناء وأنحاء الجسم، ما دق منها وما عظم، ما خفيَ منها وما ظهر، يُنظِّفها ويأخذ السموم لكي يتم التخلص منها بالطرق المُعتادة والمعروفة.

هذا الماء الذي شربته وتشبَّع به الجسم الآن لابد أيضاً أن يأخذ عفونات الجسم وسموم الجسم، وتخرج أيضاً عبر المخرج، عبر السبيل المعروفة، يقول هذا الرجل المخارج ثلاثة، وهذا معروف، لكن الناس يظنوها اثنين فقط، يظنون أن هناك السبيلين فقط، لا! ليس السبيلين فقط، هناك السبيلان وهناك مسام الجلد، وهذا مخرج مُهِم جداً للإنسان، بعض الناس لا يتعرَّق إلا في وقت الصيف والحرارة، وهذا غير صحي وغير سليم، لابد أن تتعرَّق يومياً بهذه الهرولة، ما الذي يحدث طبعاً؟ يحدث بعد رُبع ساعة أو ثُلث ساعة أو نصف ساعة أو ساعة أحياناً من الركض والهرولة أنك تنفر نفراً، العرق هذا ينفر نفراً – مثل نافورة – من كل أنحاء جسمك، الدم يسري في كل الأنحاء، وفي دورة سريعة شرسة وخطيرة، بعد ذلك تعود إلى البيت، في خلال ثلاث ساعات سترتاد بيت الراحة ثلاث مرات، ما رأيك؟ وهذا مُجرَّب، ثلاث مرات في ثلاث ساعات! وهكذا أنت تستقبل يومك وقد تخلَّصت من كل العفونات والسموم والبقايا في جسمك، الدهون ستذوب مع هذا الماء الذي شربته بطريقة طبيعية دون أن تشعر، بعد شهرين أو ثلاثة أو أربعة لن تغدو لك بطن كبيرة – أي كرش – ولا أرداف، كل هذا سينتهي، وسيعود وزنك إلى حالته الطبيعية.

طبعاً لابد أن أُشير إلى تقنيات مُهِمة، بعض الناس ربما لا يعرفها لأنه لا يُمارِسها، وهذا صعب، أنا أعرف بعض الشباب، يصل عمر أحدهم إلى ثلاثين سنة أو أربعين سنة، وربما لم يجر في حياته كلها عشر دقائق مُتواصِلة، في حياته كلها! والآن يجري – بعد أن أخذ بهذه الوصفة لعشرة أيام – خمسين دقيقة مُتواصِلة، ما رأيكم؟ وهو يستطيع أن يُواصِل، لكن لا يُريد أن يشق على نفسه، كيف استطاع؟ يجري خمسين دقيقة دون أن يلهث، دون أن يتعب، ودون أن يشعر بأي جهد، تقينات مُعيَّنة!

أول شيئ وهو مُهِم جداً النفس، الشهيق لابد أن يكون من الأنف كما تعرف والزفير من الفم، هذا معروف، ما هو أهم منه هو الآتي، دائماً كل شهيق واحد لابد أن يُقابَل منك بزفيرين، حين تُقابِل كل شهيق بزفير واحد تتعب مُباشَرةً، لا تستطيع! صعب جداً، خُذ شهيقاً واحداً وزفيرين، أي وأخرج زفيرين، إذا أخذت الشهيق مرتين أخرج ثلاثة أو أربعة من الزفير، تظل مُرتاحاً، طبعاً في البداية لابد أن تُجهَد، في أول خمس دقائق – خاصة غير المُحترِف وغير المُعتاد على الجري أو الهرولة – لابد أن تتعب ولن تستطيع المُواصَلة، لكن لا تتوقَّف وواصل، حتى لو ظننت أنك ستسقط، وهنا سيأتيك ما يُعرَف بالــ Second wind أو بالنفس الثاني، بعض الناس يسمع به ولم يُجرِّبه، كل العدّائين والمُهروِلين يُجرِّبونه يومياً، في أول خمس دقائق تشعر أنك ستموت، بعد الخمس الدقائق بثلاث دقائق فقط تشعر أنك تستطيع أن تُواصِل الهرولة لعشر ساعات مُتصِلة دون أن تعيا، وفعلاً هذا طبيعي جداً، كأنك جالس على المكتب، ومن غير أن تلهث، شيئ غريب جداً، هذا من نعمة الله، من نعمة الفطرة، اسمه النفس الثاني!

حين تفرغ من هذه الدورة الصباحية لا تقف مُباشَرةً، وإنما أنه هذه الدورة بمشي، بمشي سريع، أنهها بمشي سريع ثم خُذ في التباطؤ قليلاً قليلاً قليلاً، أي مَن ركض نصف ساعة ليمش خمس دقائق، مَن ركض ساعة كاملة ليمش عشر دقائق، عليه أن يمشي مشياً سريعاً ينتهي بالإبطاء بالإبطاء، إراحةً لعضلة القلب وللجسم، وستذهب إلى الحمام ثلاث مرات، وسترى أشياء نخجل أن نقولها، لكنها موصوفة أيضاً، وهي أشياء علمية وغريبة.

بالنسبة للأكل الأكل ثلاث مرات، ليس أربعة وليس خمسة، ثلاث مرات، أهم الوجبات الإفطار، لابد أن تكون أثقلها وأغناها، ما هو أهم من هذا أنه لا شيئ بين الوجبات، ولا حتى البذر ولا الفول السوداني، لا شيئ مُطلَقاً، ثلاث وجبات كُل ما تشاء فيها، واجعل أخفها العشاء، وأحسن شيئ أن تكون في تمام الساعة السابعة أو الثامنة، ليس في الحادية عشرة أو الثانية عشرة، وإنما في السابعة أو الثامنة، واجعلها أخف الوجبات، ولا شيئ بين الوجبات.

ماذا عن الماء إذن؟ لا ماء مع الطعام ولا قبله ولا بعده، لن نشرح لماذا، هذا موضوع طبي، لا قبله ولا بعده ولا معه، لكن قبله بكثير وبعده بكثير، ولابد أن تتعوَّد ثقافة الماء، لابد من شرب الماء الكثير، هذا مُهِم جداً للإنسان، لابد من الماء والزهورات ومثل هذه الأشياء المُفيدة.

هذه هي النظرية ببساطة، وهي نظرية مُجرَّبة وشبه إعجازية، تفعل المُستحيل، تُعيد إليك شبابك، تُخلِّصك من أمراض كثيرة، طبعاً هذه جُرِّبت، جُرِّبت على أمراض لم تجد لها دواءً، من ضمن أغرب تجريباتها أنها جرَّبها – أي هذا الدكتور – على زوجته التي أُصيبت بالتهاب في المسالك البولية حاد، وقد أخذت العلاج زُهاء أسبوعين مُتواصِلين – طبعاً هناك أنواع ومُركَّبات من الأدوية – ولم يُفِد معها ذلك، فعالجها بطريقة مُشابِهة، وخاصة بالماء، بكميات هائلة من الماء القراح النظيف، وبعد أقل من عشرة أيام لم يبق عندها شيئ، وذُهِل الأطباء، شيئ يسير! هكذا يسَّره الله – تبارك وتعالى – لنا.

نُريد الحركة، النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان صاحب حركة، حتى في سعيه لم يكن يسعى كما يسعى أحدنا، يقول أبو هُريرة كان النبي أشدنا مشياً، وكنا إذا ماشيناه نُجهِد انفسنا، وإنه لغير مُكترِث، مُتعوِّد على هذا الشيئ، علماً بأن النبي رياضي، تحدَّثنا عن الجسم في بداية الخُطبة، النبي يقدر للجسم حقه، ويقدر له قدره، يحترمه! يحترمه تماماً، النبي مُصارِع، مارس المُصارَعة، وصارع أكبر مُصارِع عربي، بدوي يُدعى رُكانة أو رِكانة، صرعه النبي، وكان رُكانة هذا صُرعة، أي رجل مشهور بصرعه للرجال، يصرع أي قوي، النبي صرعه ثلاث مرات، في تحدٍ صرعه ثلاث مرات! النبي كان يُمارِس كل الألعاب، بل كل التدريبات الحربية، وكان يُشجِّع عليها، وكان يقول مَن تعلَّم الرمي ثم تركه فليس منا، وفي رواية كان خطيئة.

لذلك أُحِب في ضوء هذا الحديث – خاصة في ضوء الرواية الثانية – أن أطرح سؤالاً، هل ننظر إلى المرض وإلى العلة والاعتلال على أنه قدر؟ نعم للأسف، وهذا خطأ، طبعاً إذا قدرنا أي شيئ – أي نظرنا إليه على أنه قدر – فسيعني هذا بالتالي ومُباشَرةً أننا نُبرئ ساحتنا ونُبرئ ذمتنا، انتهى! هذا من الله ولعله يكون خير، عندي مشاكل وما إلى ذلك، هذه من الله، وإن شاء سينتهي أمرها إلى خير، وهي كفّارة وطهر، انتبهوا! هذه ثقافة التعزية، كل إيمان لابد أن يُقدِّم إلى أصحابه ماذا؟ العزاء، أليس كذلك؟ لكن هل معنى أنه يُقدِّم إليك العزاء أنه يحثك على مُمارَسة خطيئة المرض، هل ننظر إلى المرض على أنه قدر أو – الجُزء الثاني من السؤال – على أنه خطيئة؟ المرض هل هو قدر أو خطيئة؟ أنا في نظر هذه النظريات الجديدة أُرجِّح أنه خطيئة أكثر منه قدراً، خطيئةَ! بسبب أخطائنا  وتقصيرنا وكسلنا وعدم اهتمامنا، خطأونا هو خطيئتنا، نُريد أن نمسحه بجانب القدر، لِمَ لا نتحرَّك؟ لِمَ لا نُعنى بصحتنا؟ 

النبي هو القائل لعمه العباس الآتي، حين سأله أن يُعلِّمه دعاءً يخصه به، يدعو به الله عز وجل – يُريد دعاءً خاصاً، أي يُريد شيئاً Special -، قال له يا عمي العباس سل الله العافية، تعرفون العافية، أول العافية عافية ماذا؟ الأبدان، هذه أول العافية، الناس يظنون حين نقول العافية أننا نقصد ماذا؟ عافية الأبدان، طبعاً هناك عافية العقول والأديان أيضاً وهي أهم، لكن أول ما يخطر على البال عافية البدن، النبي قال يا عمي العباس سل الله العافية، قال يا رسول الله علِّمني دعاءً، أدعو به، لم يقنع به! ما هذا؟ يُريد شيئاً خاصاً، فردد عليه نفس الجواب، فسأله الثالثة، فقال له يا عباس، يا عم النبي أو يا عم رسول الله سل الله العافية، ما سُئل الله شيئاً أحب إليه من العافية، بالعكس! الله يُبغِض أن نُصاب بالأمراض وبالأوجاع وبالتباريح كما قلنا، لأن هذا المُعتَل وهذا المريض – صدِّقوني – لا أُنس له ولا أُنس به، ودينه ضعيف المسكين، عبادته ضعيفة، وذكره ضعيف، أليس كذلك؟ إلى آخره!

أيضاً حتى لا أنسى أقول إن هذا الشيخ العجيب – الشيخ التسعيني – ينام كثيراً، وسل الشيوخ أبناء الثمانين والتسعين كم ينامون؟ يقول لك أحدهم يا ابني أنام ساعتين أو ثلاث ساعات مُفرَّقات في الليل والنهار، وهذا شأن كل الشيوخ، كشيخ الحجّاج الذي سأله، فقال أنام في المجمع وأسهر في المضجع، في المضجع يظل قاعداً، يشعر بالملل ويلطم ويشتكي، وفي المجمع بين الناس ينام المسكين، ينام ساعتين أو ثلاث ساعات الشيخ الثمانيني، الدكتور محمد عليّ عز الدين ينام إحدى عشرة ساعة، كالطفل! لأن الجسم صحيح، وكأنه ينمو، كأن الجسم لا يزال ينمو، طبعاً حتى يبلغ مائة وعشرين ومائة وخمسين سنة لابد أن ينمو باستمرار ولابد أن يستفيد، قال أنا أنام بحمد الله إحدى عشرة ساعة، ومَن أراد أن يُجرِّب – قال – فليأخذ بخُطتي، وسينام نوماً عميقاً كنوم الأطفال.

طبعاً ما سبب نوم الأطفال؟ أول شيئ النمو، حاجة البدن إليه عظيمة، والشيئ الثاني – وهذا مُهِم أيضاً – الحركة، الطفل لا يعرف أن يقعد، أليس كذلك؟ الطفل عالم من الحركة، وأنت كشيخ تسعيني أيضاً عالم من الحركة المُتواصِلة، لذلك أنت تنام كثيراً، وتكسب صحكتك وعقلك ومِزاجك السليم.

أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُفيدنا بما سمعنا، وأن يجعلنا نُمارِس هذا الشيئ، فعلاً أنا أحببت أن أجعل هذه الخُطبة حول هذا الموضوع، لأنني وجدت بُخلاً مني ولؤماً أن أكتم هذه المعلومات التي نفعني الله – تبارك وتعالى – بها، أحببت أن يشركني فيها كل إخواني وكل أحبابي وكل مَن سمع هذا، وأسأله مرةً أُخرى – عز وجل – أن يُتِم علينا وعليكم وعلى جميع المُسلِمين والمُسلِمات نعمة الصحة والعافية في أبداننا وأدياننا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                    (الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

ابتسمت حين نظرت إلى أبي طارق، وجدته كأنه حزين ويائس، قلت كأنه يُقارِن نفسه وهو في الستين من عمره – لم يُكمِل بفضل الله ربما نصف عقدها – بهذا العجوز التسعيني، يقول يا حسرتاه! فقلت له في خيالي بوسعك أن تكون – إن شاء الله – خيراً منه وأقوى منه، فابدأ واستعن بالله ولا تعجز، يقول – عليه السلام – في الحديث الذي أخرجه الإمام مُسلِم في صحيحه المُؤمِن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المُؤمِن الضعيف، طبعاً القوي في إيمانه – هذه أولية – والقوي أيضاً في بدنه.

قالت ابنة شُعيب – عليه السلام، في الأرجح أنه شُعيب – يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ۩، كيف عرفت قوته؟ عرفت قوته لأنه ساعدها بحمله الصخرة التي كانت على باب أو في فم البئر، فعرفت أنه قوي، وأُعجِبت بالقوة، والقرآن سجَّل هذا، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ۩.

نسأل الله أن يُقوّي أبداننا وأدياننا وإيماننا.

اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً.

اللهم اهدِنا واهدِ بنا، اجعلنا هُداةً مُهتدين، غير ضالين ولا مُضِلين، سلماً لأوليائك وعدواً لأعدائك، واجعلنا نخشاك حتى كأن نراك، وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك، وخِر لنا في قضائك، وبارك لنا في قدرتك، حتى لا نُحِب تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عجَّلت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، إلهنا ومولانا رب العالمين.

اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أجِرنا من عذابك يوم تبعث عبادك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(31/8/2007)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: