إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاء بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۩ هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ۩ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ۩ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۩ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ۩ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۩ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۩ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۩، وسبيل الله – سُبحانه وتعالى – هو الجهاد في سبيله، لا شك. على أن عموم هذا اللفظ الشريف وهذا المُركَّب الكريم يحتمل جداً أن يدخل فيه كل مَن كان في طاعة الله – تبارك وتعالى – وقضى، لقيَ حتفه. كأولئكم الشهداء الكرماء، الذين قضوا مظلومين ركعّاً ساجدين في بيت من بيوت الله في الجُمعة الزهراء، في هذا اليوم الكريم. تركوا بيعهم وبيوتهم ومعاشهم، وأتوا مُلبين نداء الله – تبارك وتعالى -، وَذَرُوا الْبَيْعَ ۩، لتحصدهم يد الإرهاب الجبانة المُجرِمة، الجبانة المُجرَمة!

إخواني وأخواتي:

أول ما ينبغي أن نُؤكِّد عليه ونلفت إليه: لا مساغ ولا مُبرِّر لعدم إدانة هذه الجريمة النكراء، بصوت واضح وضرس قاطع، ونعتها بالإرهابية. هذا هو الإرهاب في أكثر صوره تجرداً وعُرياً، الإرهاب العاري! أن يُقتَل الآمنون الركّع الساجدون في بيت من بيوت الله، في بيت عبادة لله – تبارك وتعالى -، حتماً لم يكونوا يأتمرون بإخوانهم في الوطن، حتماً لم يكونوا يُبيِّتون نيةً للقتل والعدوان على الآخرين، أبداً! بدليل أنهم كانوا مُسالِمين حين دهمهم الإرهابي المُجرِم الجبان، هو ليس أكثر من وحش جبان، وحش لماذا؟ سنقول بُعيد قليل، وحش! وكل إرهابي وحش، مُسلِماً كان أم غير مُسلِم، كل مَن لا يُجنِّب المدنيين ويجعل هدفه المدنيين من المُسلِمين وغير المُسلِمين على سواء وبلا فرق هو وحش وجبان، ويُمكِن – هذا يُمكِن – أن يتبرهن ويتأيد جنونه وشعوره العظامي، أي شعوره بالعظمة، لأن هؤلاء الأشخاص يتردد بعض الناس حولهم، ويُوزِّعون نعوت الاضطراب والاختلال والجنون هنا وهناك انتقائياً، عموماً الإعلام للأسف العالمي إن كان الإرهابي مُسلِماً، لم يتطرَّق البتة إلى قضية الاختلال والنفسانية والاضطراب والجنون، هذا المُعجَم مُقفَل. إن كان غير مُسلِم، تجد كثيرين – ولا أقول الكل، لأن الله يُحِب الإنصاف – يفعلون العكس، وفي هذه الحالة أيضاً – بفضل الله تبارك وتعالى – لم نسمع هذا المُصطلَح، أنه مُختَل ومُضطرِب ومجنون، لم يُقل هذا، على أنني أؤكِّد لكم أن كل إرهابي مُختل، مُسلِماً وغير مُسلِم، مُستحيل ألا يكون مجنوناً ذلك الذي يأتي إلى المدنيين الأبرياء العُزل ليحصد أرواحهم ونفوسهم بجُبن ما فوقه وما قبله ولا بعده جُبن.

كل جبان رعديد، كل جبان رعديد وكل كسر رجل وكل عُشر رجل يستطيع بمدفع رشّاش أو بآلة نارية أن يحصد أرواح الآحاد والعشرات، أبداً! سهلة جداً، سهلة تماماً، هو ليس إلا جباناً، ليس إلا شخصاً جباناً رعديداً، كسر رجل، وهو وحش، في كل الأحوال وحش، لماذا؟ لأن الوحش هو الذي يعتدي على أطفال ونساء وشيوخ وشباب أبرياء مُسالِمين، لعلهم أشد منه إنكاراً ولعناً للإرهاب ومَن حرَّكه ومَن خطَّطه ومَن يُغذيه ومَن يدفعه، يُسالِمون أكثر منك أيها العنصري البغيض المُجرِم الوحش المُنفلِت الذي نُزِعت إنسانيته، فلا عقل ولا ضمير. ما ذنب هذا الطفل، ابن ثلاث سنوات، الصومالي الذي حُصدت روحه؟ ثلاث سنوات، ضحايا! خمسون ضحية، خمسون شهيداً ارتقوا إلى ربهم – إن شاء الله تعالى – وإلى فراديسه العُلا، تراوحت أسنانهم بين السنوات الثلاث الأولى أو بين ثلاث سنوات وبين سبع وسبعين سنة، ما ذنب ابن ثلاث سنوات؟ بأي ذنب قُتِلت هذه النفس؟ وماذا عن هذا الشيخ الواهن المُتهدِّم؟ كما تقول العامة (رجل في الدنيا ورجل في القبر)، ابن سبع وسبعين سنة، ما ذنبه هذا المسكين؟ وماذا عن الذين كانوا على كراسي مُدولبة؟ هؤلاء لا يستطيعون الحراك، جاءوا يعبدون ربهم مُسالِمين وادعين، ما ذنبهم؟ لماذا قتلت هؤلاء؟

سيقول لك لأن المُسلِمين كذا وكذا، لأن الأجانب كذا وكذا، لأن المُهاجِرين كذا وكذا، لأن المُسلِمين فعلوا في البلد الفلاني كذا وكذا. هل هؤلاء هم الذين فعلوا؟ لو كانوا هم الذين فعلوا، لكان لنا كلام آخر. لو كان هؤلاء الأطفال والشيوخ الركّع والعجزة الواهنون والشباب الأبرياء المُسالِمون، لو كان هؤلاء المُسالِمون هم الذين قتلوا وفجَّروا هنا وهناك، لكان لنا قول آخر. قصاص عادل و(البادي أظلم)، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ۩، قتلت قتلة قتلوا، شيء آخر! لكنك قتلت أبرياء كما قلت، ليس لعلهم، بل واضح أنهم أولى منك بالدعوة إلى السلام وإلى الأُخوة والتفاهم، أكثر منك إنسانية، لم يكونوا مُعتدين.

والدليل؛ لو كانوا مُعتدين أو يُبيِّتون أو عندهم نوايا عدوانية من أي نوع أو جنس أو صنف، لوجد بينهم على الأقل خمسة من الإرهابيين، أكيد بين خمسمائة مُصلٍ – هذا المسجد (مسجد النور، مسجد الشهداء) كان فيه خمسمائة مُصلٍ – سيُوجَد خمسة، لن يعدم على الأقل من خمسمائة وعلى طريقة الإعلام المُغرِض الذي يُشيطن الإسلام والمُسلِمين، خمسة، لن يعدم خمسمائة خمسة! ولن نقول العُشر، أي خمسين. هذا الإعلام يُريد أن يُفهِم الناس أن كل المُسلِمين تقريباً إرهابيون. ما هذا العبط؟ ما هذا الإجرام؟ ما هذه الخسة – الخسة في حق الإنسانية نفسها -؟ ما هذا التآمر على الإنسانية؟

إخواني وأخواتي:

قولوا وكرِّروا: المُسلِمون ليسوا أقلية في العالم، ليسوا مائة مليون، ليسوا حتى مائتي مليون، ليسوا حتى ألف مليون. المُسلِمون مليار وثمانمائة مليون. لو وُجدت فيهم نسبة بسيطة – نسبة خمسة في المائة أو أربعة في المائة – من الإرهابيين، والله لاستحال العالم كله جحيماً لا يُطاق، قسماً بالله لما بقيت هذه الأرض، هذه الساكنة، هذه المعمورة، يوماً واحداً في سلام، لنزفت من كل جهاتها، لأنهم موجودون في جميع أنحاء العالم، في شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وهذا واضح! لو كان لهؤلاء الأخساء الذين يُحرِّضون على الأبرياء والمُسالِمين شيء من عقل، شيء من إنصاف، شيء من حس العدالة وحس الشرف والنزاهة، لقالوا من الواضح أن المُسلِمين تقريباً وفق هذا المعيار أكثر الأمم سلاميةً. ولا سيما أن المُسلِمين حول العالم هم أكثر الذين يدفعون ثمن الإرهاب المحلي والإقليمي والعالمي، والخارطة أينما وُجدت جنسية أو دولة أو أمة مُسلِمة تنزف بدمائهم، لن أذكر الدول، فهذا معروف، في كل مكان هم الضحايا رقم واحد، الضحية رقم واحد للإرهاب وذيول الإرهاب في العالم. ولو كانت هذه الأمة التي تعد ملياراً وثمانمائة مليون نسمة أمة تعشق الإرهاب أو عندها ميل أو نزوع إلى الإرهاب، والله الذي لا إله إلا هو لما أمن أحد على وجه هذه الأرض، لاستحالت الدنيا جحيماً لا يُطاق، كنت ستسمع في كل خمس دقائق عن عملية، الحمد لله ليست هذه هي الحالة، ليست هذه هي الحالة!

إذن نعود مرة أُخرى، ونقول الإرهاب من أيٍ وقع وعلى أي يد دهم، هو خسة ووحشية ونزع لإنسانية مَن يفعله ومَن يرضى به ومَن يُحرِّض عليه ومَن يُبرِّر له. ومَن يُبرِّر له! وقد وجدنا من المُسلِمين أنفسهم مَن يُريد أن يُبرِّر بطريقة أو بأُخرى، ويزعمون أنهم مُفكِّرون، وأنهم كتّاب، وأنهم ذوو عقل ورأي وحجى. لست بالحكم التُرضى حكومته. نقول لهؤلاء الأنذال:

ما أنت بالحكم التُرضى حكومته                 ولا الأصيل ذي الرأي والجدل. 

ليس أمثالكم! أنتم أقل من أن تحكموا في هذه القضايا. وسأعود إلى هذه النُقطة بُعيد قليل.

تعرفون لماذا كان الإرهاب توحشاً حقيقياً ونزعاً لإنسانية مَن يفعله يا إخواني وأخواتي؟ واضح جداً، السؤال لا يحتاج إلى جواب، لأنه لا ذنب لهؤلاء. لماذا قتلت الأطفال؟ لماذا قتلت النساء؟ لماذا قتلت الشيوخ والعجزة والعجائز؟ لماذا قتلت أُناساً ليس لديك أي بُرهان أنهم مُتورِّطون أو أنهم ينوون أن يتورَّطوا؟ ليس لديك أي بُرهان أنهم تورَّطوا في أعمال إرهابية أو ينوون أن يتورَّطوا! مُسالِمون وادعون، لا يُشكِّلون خطراً في هذه الجزيرة السعيدة الهانئة، المعروفة بسعادتها وهدوئها واستقرارها. وعلى فكرة هي المُصابة أيضاً، نيوزيلندا أُصيبت وكُرِثت، ورد فعل الشعب – الآن سنعرض له بسرعة – والحكومة من أروع ما يكون، من أروع ما يكون ومن أجمل ما يكون والله! فهم أعربوا عن آيات من آيات الإنسانية، أي هؤلاء. هل تُريدون أكثر من أم القاتل المُجرِم الجبان (هذا الإرهابي) التي تبرَّأت من عمله وبكت بحُرقة؟ وقالت لا أستطيع أن أُشاهِد، مُؤلِم جداً. ثم استتلت قائلةً الآتي، وهنا العظمة، هنا عظمة الإنسان، سُبحان الله! إنسان يُخلِّف وحشاً، هي إنسان حقيقي، هي إنسان حقيقي وخلَّفت وحشاً، وحشاً! لا عقل ولا ضمير، لا عقل ولا ضمير! قالت أعلم ما يستحقه، يستحق عقوبة الإعدام، ويصعب علىّ أن أقول هذا. لأنه ابنها، قالت هو من العائلة، ابني! ولكن هذا ما يستحقه، يستحق أن يُعدَم ابني. قالت، هل تُريدون عظمة أكثر من هذا؟ عظمة حقيقية – بفضل الله تبارك وتعالى -.

انظروا إلى المكر الشيطاني الإبليسي، الذي يدور في العالم وحول العالم. أنا أقول لكم أنا مُطمئن جداً، هذه المجزرة الرهيبة، التي ارتقى فيها هؤلاء الشهداء السعداء، طيَّرت وأرسلت لنا رسائل كثيرة، صححت حتى بعض الأوهام وبعض الأفكار عند كثيرين منا. بفضل الله يبدو أن البشرية في مجموعها واعية راشدة، البشرية لم تنزلق. وأنا أتحدَّث هنا عن العالم الغربي بالذات، واضح أنه في مجموعه وفي كثرته الكاثرة لم ينزلق إلى هذه الخُطة الشيطانية، التي تُريد أن تُنهِك العالم وتستنزف العالم. ولا بد أن أكون أميناً معكم ومع ضميري، وأقول بين قوسين (وتكون ضحيتها الأولى العالم الإسلامي)، المُسلِمون! انتبهوا، الأمر هذا من أجل المُسلِمين، من أجل تدفيع المُسلِمين أبهظ الأكلاف والأثمان، من دولهم، من شعوبهم، من جغرافيتهم، من دينهم، ومن وجودهم، لكن – بفضل الله تبارك وتعالى – رأينا بعد المجزرة الإرهابية المُروِّعة مُعظَم التعليقات في العالم الغربي تستنكر هذا وتشجب وتلعن وتُطالِب، شيء من أروع ما يكون – بفضل الله تبارك وتعالى -.

طبعاً سوف تجد هنا وهناك – في كل مكان، في كل مكان – مَن يتشمت. يوم ضربات الحادي عشر من سبتمبر، وأيضاً قضى ألوف من الناس، أبرياء وادعون مُسالِمون مساكين، لا علاقة لهم بكل هذا الجنون المُنفلِت، حتى أن منهم مَن ألقى بنفسه من فوق الطابق الستين والسبعين، مساكين! شيء غريب ومُؤلِم جداً، رأينا بعض المُسلِمين يتشمتون، وبعضهم يرقصون ويُغنون، وبعضهم يُطلِقون الشعارات. تباً لهم، تباً لهؤلاء الذين فقدوا إنسانيتهم، تظن أنك تحمل شعار الإسلام أو اسم الإسلام، أنك إنسان بهذا؟ لا. لا! إنسانيتك تتبرهن بالذات عند هذه المسائل، هؤلاء الناس – بفضل الله – يبدو أنهم في مُعظَمهم برهنوا إنسانيتهم، لعنوا الفاعل ولعنوا الفعلة، لم يقبلوا بهذا وبكوا بحُرقة على ضحايا المُسلِمين، ولم يقولوا هؤلاء مُسلِمون. لم يُصدِّقوا هذه النغمة الإعلامية اللعينة، التي الله وحده أعلم بمَن وراءها وبالمصالح، لكن المصالح معلومة لنا، لله ثم لنا، معلومة لنا أكيد، أي المصالح، لكننا لا نعرف ماهية الذين يقفون وراء هذه الحرب الإعلامية القذرة التي تُحرِّض على المُسلِمين في كل مكان.

على فكرة المُسلِمون للأسف الشديد منهم – منهم أيضاً – هؤلاء الوحوش الكاسرة، الذين ضربوا هنا وهناك؛ في نيويورك، وفي لندن، وفي مدريد، وفي باريس – طبعاً أكثر من مرة -، في كل مكان يَضربون! ولكن انتبهوا، أيضاً المُسلِمون يُضربون في كل العواصم التي ذكرت والتي لم أذكر، كل سنة وكل فترة يُضرَبون، والتغطية الإعلامية – بصراحة، لكي أكون أيضاً مُنصِفاً – باهتة، التغطية الإعلامية في الغرب هنا باهتة، حين يُعتدى على مُسلِمين، يقضي ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو واحد، تكون التغطية باهتة. ولكم أن تتساءلوا؛ لو غُطيت هذه العدوانات وهذه الاعتداءات على المُسلِمين في كل مكان هنا في الغرب بحجمها وعددها وأيضاً بالنبرة والصيغة التي تُغطى بها العدوانات على غير المُسلِمين، كيف كان سيكون الأمر؟ أول نتيجة ستتراجع الإسلاموفوبيا Islamophobia، لا! لن يكون هناك الإسلاموفوبيا Islamophobia، لن يكون هناك خوف من المُسلِمين والإسلام، وإنما سيكون هناك خوف على المُسلِمين، أي لِمَ؟ لِمَ هؤلاء المساكين الوادعون المُسالِمون، لِمَ يدفعون الأثمان هذه من دمائهم ومن حياتهم وحياة أبنائهم وأقربائهم وأودائهم؟ لكن هذا لا يحدث للأسف الشديد.

لكن – بفضل الله – في عصر النت Net والسوشيال ميديا Social Media أيضاً الأمر لم يبق وقفاً على الإعلام القديم، على الإعلام القديم التقليدي! الأمر اختلف، ورأينا جميعاً هذا الطفل الذي يُدعى كونولي Connolly؛ ويل كونولي Will Connolly، وهو ليس طفلاً، شاب هو في الحقيقة، معذرةً له، وأنا أحترمه، له كل احترامي وتقديري. هذا الذي كسر البيضة على الرأس العنصرية، على رأس سينتور Senator، أنينغ Anning هذا العنصري البغيض، الذي جاء يُمثِّل ويكذب، ولكن حتى هذا الفتى الرائع الكريم النبيل لم يُصدِّق هذا الكذب والافتعال والتمثيل، أي أنه استنكر المذبحة، استنكر المجزرة، ولكن – هذا معنى الكلام، حصيلة الكلام – السبب الأصلي المُسلِمون أنفسهم، المُسلِمون هم السبب فيما انجر وفيما جرى عليهم. كسرها على رأسه، وتعلمون أنه الآن سيتعرَّض لمُحاكَمة، أي هذا الشاب. كتب مُباشَرةً – بعد أن قُبِض عليه وكذا كتب هذا – أنا فخور بما فعلت، لأنني اطمئننت على إنسانيتي. يا سلام، ما أروعك! مرة أُخرى أُحيي هذا الشاب الجميل، أُقسِم بالله أنني أُحيي هذا الشاب الجميل النبيل الأبيض، الأبيض! يتبرأ من مبادئ القاتل المُتوحِّش المسجون الآن، الأبيض! الذي يزعم أنه يُقاتِل من أجل البيض وفي سبيل مُستقبَلهم. كذّاب! أنت عنصري بغيض ووحش، لا عقل لك ولا ضمير. 

وحتى النزعات البيضاء العنصرية الفاشلة هذه لا تُوحِّدهم، لا تُوحِّد هؤلاء المجانين، لا تُوحِّد هؤلاء المُختلين، أبيض على أي طريقة؟ لا يُوجَد أبيض عام، يُوجَد أبيض نوردي، يتعصَّبون للعرق النوردي! الإسكندنافيون، الألمان، السويس، الإنجليز: مرحباً، أنتم بيض. لكن ماذا تفعل إذن مع الطليان؟ لا، لا يدخلون. ماذا تفعل مع الروس والسلاف عموماً والمجريين واليوغسلاف ومَن مثلهم؟ لا، لا يدخلون. ماذا تفعل مع الإسبان والبُرتغاليين؟ لا يدخلون. ما شاء الله! أليسوا بيضاءً؟ وأليسوا في أوروبا؟ لا، لا يدخلون. تعصب للنوردية! وليس هذا فحسب، وهناك تعصب للعرق الأبيض النوردي الذي يُواطئنا على جنونا وعلى إنسانيتنا المنزوعة، بدليل أنهم يُعادون الأحزاب وكل أتباع ومُؤيدي هذه الأحزاب، وهم بالملايين، الذين لا يُؤمِنون بهذا الجنون العنصري وبهذه العصبية العرقية البغيضة، التي ما ولدت لنا إلا النازية وهتلر Hitler والهولوكوست Holocaust وذبح الشعوب وذبح أوروبا نفسها وإنهاكها، وإنهاكها! يذبحونهم أيضاً.

خلوا على ذُكر منهم مذبحة النرويج، هذه حصلت في النرويج، في عام ألفين وتسعة عشر. أعتقد كان هناك شخص اسمه أندرس بهرنغ بريفيك Anders Behring Breivik، هذا الشاب المُجرِم المُتوحِّش أيضاً، مثل وحش أستراليا في نيلوزيلندا، العقلية نفسها! لكن الضحايا لم يكونوا مُسلِمين، كانوا نرويجيين بيضاً نورديين، أصل النورديين! دخل عليهم بعد أن فجَّر قنبلته في أوسلو العاصمة، وذهب ضحيتها ثمانية، وكان يستهدف رئيس الحكومة، لأنه من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فيُعادي طبعاً النزعات اليمينية والشعبوية والقومية والعنصرية المُتطرِّفة، ثمانية! جاء إلى هناك وأخبرهم بالآتي، والمساكين كانوا بالمئات، بين أربعة عشر وخمسة وعشرين، شباب وأطفال صغار كلهم، وهم نرويجيون، وواحدة عراقية كانت هناك، وهي نرويجية طبعاً، مولودة هناك، ولكن كلهم نرويجيون أصليون بيض بياض الثلج، زرق العيون وخضرها، وقال لهم الآتي، وطبعاً جاء الجبان – الجبان جاء هكذا – بالمدفع الرشّاش، ومُتخفياً في زي شُرطي، تذكَّروا هذا، لا بد أن تتذكروا، هذا مُهِم حتى نُفكِّر صحيحاً، انتبهوا! أنا لم آت هنا لكي أُفرِّغ عن انفعالات، التفريغ عن الانفعالات بالطريقة الصحيحة موجود على اليوتيوب YouTube، وبالطريقة الخاطئة التي جئت هنا لأُحذِّر منها موجود، يُقال الغرب الصليبي والصليبية والإرهاب المسيحي والمُسلِمون يُذبَحون. انتبهوا واحذروا هذا المنطق، أُقسِم بعزة الذي لا إله إلا هو وأنا في بيت من بيوت الله – الله بريء مني إن كنت غير صادق فيما أقول وفيما أُعرِب عنه وفي قسمي هذا – أن أكثر ما يُحِبه هؤلاء القتلة ومَن وراءهم من أصحاب المكر الكوني هو بالضبط أن تكون هكذا ردة الفعل منا، أن هذه حرب كونية وحرب على الإسلام وحرب صليبية. وبعد ذلك ماذا؟ انتقام، انتقموا. هذا الذي يُريدونه. وللأسف – أقول هذا بين قوسين – (هذا الذي بدأ يحصل الاثنين الماضي في أوترخت بهولندا)، هولندا بلد التسامح، علَّمت العالم وعلَّمت أوروبا هنا التسامح، احتضنت كل المُضطهدين من المُفكِّرين والفلاسفة، والمُسلِمون هانئون ووادعون، لماذا يا أيها المُسلِم تفعل ما فعلت؟ مُسلِم تركي، شاب مجنون إرهابي قذر ووحش مُنفلِت، مثل وحش نيوزيلندا ومثل وحش النرويج، وحوش! كلهم وحوش، أُقسِم بالله، لا فرق، لا يعنيني هذا، والله لو كان حتى من الدوحة النبوية، سأقول له أنت وحش وقذر، أنت إرهابي. لماذا؟ يُطلِق النار على ركّاب في المترو Metro، يقتل ثلاثة ويُصيب – لا أدري العدد بالضبط – سبعة أو ثمانية. لماذا أيها الوحش؟ ولو كان عنده مدفع رشّاش، لقتل عشرين أو ثلاثين. لماذا؟ هؤلاء أبرياء، وأنا مُتأكِّد هؤلاء مُعظَمهم كما رأينا – كما قلنا مُعظَمهم – بكوا على الضحايا ولعنوا الفاعل، تقتلهم؟ ما شاء الله عليك، ما شاء الله! يُريد أن يُرضي الله! لا رضيَ الله عنك ولا عمَن أدخل في عقلك هذا الإرهاب المُتوحِّش. نفس الشيء!

فأنا – تذكَّروا هذا القسم – أُقسِم لكم بعزة الذي لا إله إلا هو، في عزته وجلاله، وأقول هؤلاء الذين يمكرون ويُخطِّطون لهذا الشر العالمي – وبين قوسين أقول هذا – (الذي ضحيته الأولى المُسلِمون)، لا يُريدون أكثر من هذا، يُريدون هذا، أن يُقال لا بد من الانتقام، وانتقموا ودافعوا. ورأينا مشايخ لديهم هذا المنطق، ووالله لا أُحِب أن أقول هذا، لكن – الحمد لله – أنا من عادتي لا أذكر اسماً، ولا أُحِب حتى أن أُشير ولو بغير اسم، يُؤذيني هذا، لكن أحياناً لا بد أن تكون واضحاً قليلاً حتى تصل الرسالة، ترى مشايخ ولحىً لديهم هذا المنطق، عداء أبدي بين الإسلام والنصرانية، بين الإسلام والصليب، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى ۩، ويلك يا كذا، سيأتيك الانتقام يا نيوزيلندا. نيوزيلندا؟ تُريد أن تنتقم من البلد الذي أُصيب بهذه؟ 

رئيسة الوزراء في نفس الساعة كانت هناك في الموقع، التقت بالمُسلِمين مرتين، وتضع على رأسها ماذا؟ السواد. وتبكي وتُقبِّل وتُعانِق، وقالت لا بد أن نُعيد النظر في قانون الأسلحة، الآن – أمس الخميس – انتهى هذا الأمر، يُمنَع حيازة الأسلحة الأتوماتيكية ونصف الأوتوماتيكية، ويُمنَع بيع المخازن للأسلحة الكبيرة. والموضوع طبعاً سيُعرَض على البرلمان في أول أبريل – أي شهر أربعة -، ولكن اتُخذت من الآن تدابير لمنع بيع الذخيرة والأسلحة. القوم جادون، القوم مُصابون، أُصيبوا في نمط حياتهم، في تسامحهم، في بلدهم الهانئ.

وليس هذا فحسب، انظر إلى الآتي؛ يوم السبت تأتي الشُرطة إلى مسجد النور المنكوب والسعيد – إن شاء الله – بضحايه – رضوان الله عليهم، وأعلى الله مقاماتهم في عليين، في الفراديس العُلا مع محمد وآل محمد – وتضع حواجز، أي الشُرطة، وتحمي الحاضرين، ويأتي الناس من كل أطراف وأصقاع نيوزيلندا، باكين خاشعين مصدومين، يضعون الشموع والورود (أطواق الورود)، ويكتبون الرسائل. هناك رسالة – والله – كلما قرأتها بكيت، أُقسِم بالله! لا أستطيع إلا أن أبكي. من جُملة واحدة، وهي: آسف لأنكم لم تكونوا آمنين هنا، قلوبنا حزينة لخسارتكم. شيء في مُنتهى الروعة وفي مُنتهى الإنسانية، كتب هذا نيوزيلندي مسيحي في الأرجح، أو مسيحية نيوزيلندية! آسف لأنكم – تُخاطِب الضحايا، تُخاطِب الأرواح الطاهرة التي عرجت إلى باريها – لم تكونوا آمنين هنا – أنتم جئتم من أصقاع الأرض تطلبون الأمان، تطلبون الأمان وللأسف لم تجدوه، اغتالتكم يد الإرهاب المُتوحِّش الجبانة – قلوبنا حزينة لخسارتكم. روعة! روعة إنسانية – والله العظيم -، هكذا هو على فكرة، إذا أردت أن تطمئن.

ونعود إلى الشاب كونولي Connolly، ويل كونولي Will Connolly قال أنا فخور بما فعلت، لأنني اطمئننت على إنسانيتي. وسأقول لكم كل الذين يقولون لكم المُسلِمون إرهابيون (كل هؤلاء) كذّابون وعقولهم فارغة مثل السيناتور أنينغ Senator Anning، قال الذي كسرت البيضة على رأسه. هذا الكذّاب، صاحب العقل الفارغ! كذّابون وفارغون. وهذا توصيف بريء جداً من هذا الشاب البريء الجميل، الإنسان! الإنسان الحقيقي. في الحقيقة ليست الرؤوس فارغة، الرؤوس مليئة، لكن بالشر والمكر الإبليسي والدهاء. هناك أزمات، وسنعود للتحليل، هناك أزمات بنيوية حقيقية في الغرب، موجودة! لا يُنكِرها أحد، فقط تعرفون مَن الذي يُنكِرها؟ مَن يجهلها من مُتفلسِفة المُسلِمين والعرب، من الكتّاب والإصلاحيين ومَن لا أدري مِمَن يدّعون أنهم كذا وكذا. ودائماً مُقارَبتهم ثقافوية، دائماً ثقافوية! الذي حصل هكذا كان ردة فعل على الإرهاب الإسلامي، والكرة في ملعب المُسلِمين، المُسلِمون لا بد أن نُعيد النظر في تراثهم وفي كتابهم وسُنة نبيهم وفي فقههم وفي كل شيء لديهم. ما شاء الله! والله لا تجد مُفكِّراً أو مُستشرِقاً أو أكاديمياً مُحترَماً في الغرب كله يصدر عن هذه المُقارَبة المفضوحة علمياً والمفضوحة أكاديمياً، إلا أصحاب الأجندات السياسية والأيديولوجية، الذين يقفون مدداً، مدداً من وراء هذه الشعبوية وهذه النزعات العنصرية والإسلاموفوبيا Islamophobia، من أمثال برنارد لويس Bernard Lewis الهالك، ومن أمثال دانيال بايبس Daniel Pipes، ومن أمثال المُستشرِق الفرنسي جيل كيبل Gilles Kepel، ومن أمثال هؤلاء، هؤلاء! أما فيما عدا هذا، فلا تجد فيلسوفاً غربياً أو مُفكِّراً أو سوسيولوجياً أو مُؤرِّخاً ينتحر علمياً، لكي يقول المسألة ثقافية. لا يُوجَد هذا، لا يُوجَد! الهبل هذا غير موجود، هذا فقط عند المُسلِمين الذين يتزلفون إليهم، يُحِب الواحد منهم أن يتزلف إلى الغرب ويدّعي أنه مُفكِّر؛ أنا عدو للإسلام، ما زلت أحمل الاسم، لأنني خائف على نفسي، ولكن أنا عدو لهذا الدين، وعدو لنبيه وتراثه وأمته، وخُذوا من عندي هذه التحليلات، الكرة في ملعبنا والعيب منا، وفقط! وأنتم أبرياء. ما هذا؟ ما الغباء هذا؟ سخافة عجيبة، الغرب تُوجَد عنده مُشكِلات بنيوية حقيقية، كل علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة والاستراتيجية يعترفون بها، مُشكِلات حقيقية، حقيقية! يُراد لنا – ونحن في بعض المرات ببلاهة ننساق إلى هذا – أن نُدفَّع الثمن، أن نكون قُرباناً. هل فهمتم يا إخواني؟ أن نكون قُرباناً، أن نكون ذريعة. هل تعرفون لماذا؟ لكي يستمر العشرة في المائة الذين يحتازون تسعين في المائة من الثروات والخيرات المُتوافِرة في مشوارهم، يحتازون ويأخذون، والشعوب مُنهَكة، ليس عندها شيء! ولذلك المُستهدَف هنا الطبقة المُتوسِّطة، وهي الأكبر، دائماً تُستهدَف بالإعلام والقصف الإعلامي، ويُقال لها: المُسلِمون… المُسلِمون… المُهاجِرون… الأجانب… الزينوفوبيا Xenophobia … الإسلاموفوبيا Islamophobia… الـ… باستمرار، باستمرار!

نعود إلى المُجرِم المُتوحِّش أندرس بهرنغ بريفيك Anders Behring Breivik – هذا في النرويج -، قال لهم وقد تخفى في زي شُرطي أنا شُرطي جئت لحمايتكم، أرجوكم اجتمعوا هنا. لمَن؟ للنرويجيين، البيض، زرق العيون وخضرها. لم يكونوا مُسلِمين! لكي تعرفوا ما معنى العنصرية، وعلى فكرة التعصبات والاتجاهات التعصبية والاتجاهات العنصرية طبعاً وغيرها، تأكل نفسها كالنار، مثلما حدث ويحدث في العالم الإسلامي. إذا لم تكن على طريقتهم وتُفرِغ عن منطقهم وعن ضيق أُفقهم وعن مُخطَّطاتهم، فأنت كافر زنديق وحلال الدم. ويقتلونكم ويُفجِّرون فيك المساجد. هذا حصل ويحصل باستمرار! وتُقتَل على الهوية، ورأينا كيف كانت المذبحة التي قامت في اليمن من عدة سنوات، في مُستشفى! مُستشفى قُتِل وذُبِح كل مَن فيه، قنابل ورصاص، شيء غير معقول، على الهوية! هذا الشيء نفسه، الشيء نفسه مع بريفيك Breivik هذا، هذا المُجرِم النرويجي، المعطوب المُختَل، الوحش المُنفلِت! فقال لهم تجمَّعوا حتى أُحدِّثكم عن قنبلة أوسلو وما الذي حصل في أوسلو. فتجمَّعوا المساكين، يقول أحد الناجين – وكان أحد الناجين رجل أيضاً في البرلمان – شيء عجيب، كان يُطلِق النار عليهم من مسافة قريبة جداً. قال مثل النازيين في الهولوكوست Holocaust، عندما تم إعدام الناس من مسافة قريبة هكذا، على بُعد متر ونصف ومتر ومترين. قال وبكل هدوء، ويقتل قتلاً مُمنهجاً، ثم يركل قتلاه برجله، لكي يطمئن أنهم قضوا، أي ماتوا، وإلا يُدفِّف عليهم، يُطلِق عليهم مرة ثانية الرصاص. قتل ثمانية وستين شخصاً، وهؤلاء غير الإصابات التي بالعشرات، هناك ثمانية وستون، قتلهم هذا المُجرِم.

هذا لم يقتل مُسلِمين، قتل أهله، قتل عرقه، قتل لحمه ودمه وتراثه. لماذا؟ لأنه مُتعصِّب مجنون، إرهابي مجنون. هذا هو الإرهاب! لذلك يا إخواني وأخواتي، عوداً على بدء – أعود إلى أول خُطبتي – ما حصل في نيلوزيلندا مع إخواننا وأخواتنا الشهداء – رضوان الله على أرواحهم الطاهرة – إرهابٌ، لا يُقبَل ولا يسوغ أقل من هذا التوصيف، الإرهاب لا دين له، ولا جغرافيا له، ولا قومية له، ولا عرق له. ليس من اختصاص المُسلِمين كما يُريد أن يُفهِمنا الإعلام – الذي أقول بين قوسين عنه – (الإرهابي)، لأن الإعلام الذي يفعل هذا هو يُغذي الإرهاب ويُريد الإرهاب.

الإسلاموفوبيا Islamophobia كيف تنمو؟ الخواف من الإسلام هذا كيف ينمو؟ بعمليات إرهابية. أليس كذلك؟ يقوم بها بعض المحسوبين على الإسلام. تزداد، ينتقم منها بعمليات جديدة، تزداد. دائرة ملعونة، دائرة ملعونة! ولذلك كل مَن يُغذي الإسلاموفوبيا Islamophobia كمَن يُغذي الإرهاب طبعاً. لكي تقف هذه الدائرة – مثل الدائرة الكهربائية، لا بد أن تقف، فلا تعود مُتصِلة، لا تعود مُغلَقة -، لا بد أن يتوقَّف هذا العبث بوعي الناس وأدمغة الناس وهذا الكذب من منابر الإعلام في الغرب بالذات وجعل كل الذنب على المُسلِمين وأن… وأن… وأن… ويجب أن تُقال للناس الحقيقة، وطبعاً حين تكون هناك ملفات سرية كبيرة وأعمال استخباراتية خطيرة تكشف مَن الذي يقفون خلف هذا الإرهاب الإسلامي ومَن الذي صنعوه ومَن الذين موَّلوه ومَن الذين يمدونه وما هي مُخططاتهم، لا بد أن يُقال هذا للناس أيضاً، وليس على أنه شغل إسلامي هكذا وشغل مُسلِمين، لا! لا بد أن تُقال الحقيقة كاملة وعارية ومُجرَّدة أيضاً، ومرة أُخرى ولا بد أن يُقال للناس كل ما يُعانيه المُسلِمون أيضاً من هجمات ومن نكبات ومن ويلات على أنفسهم وعلى أهلهم وعلى مساجدهم ومقراتهم، بالمئات! عمليات بالمئات، ولكن تُتناول على استحياء ومرور الكرام، وكأنه لا يحصل شيء. لا! لا بد أن يُوضَع كل شيء في نصابه؛ حتى نفهم، حتى يفهم الناس ما الذي يجري، إلى أين يُراد بنا جميعاً كسكان الكوكب أن نذهب؟ يجب أن نكون أذكى من هذا، والمسألة لا تحتاج إلى عبقرية لكي تفهم، والله الأمور واضحة، أُقسِم بالله! لكن فقط تُلجَم انفعالات الوجدان بأحكام العقل، برصانة العقل، وتتعب قليلاً، تقرأ وتُطالِع وتستفيد وتتعلَّم، وليس أن تظن أنك كامل المعرفة وأنك فقط جاهز لإعطاء الأحكام وتعليم الدين ما الحق وما الباطل. لا! اذهب واقرأ كثيراً، تعلَّم كثيراً، افهم بالضبط، انبش، وتحت القواعد أيضاً، ليس إلى القواعد، وتحت القواعد، لكي تفهم ما الذي يجري.

هناك الرائعة – لا أستطيع أن أصفها إلا بهذا – كارن أرمسترونغ Karen Armstrong الأمريكية، الكاتبة التي كتبت على الأقل كتابين عن رسول الله، هناك كتاب محمد، وهو كتاب كبير، كتبت كتاباً كبيراً! ثم كتبت نُسخة مُصغَرة منه، بعنوان محمد رسول لكل زمان. شيء عجيب! العنوان نفسه مُستفِز للعصبيات وللحصريات وللآفاق الضيقة. لكل زمان؟ نعم، لكل زمان. تقول محمد لم يستنفذ أغراضه. رسالة الكتاب؛ محمد في دينه وفي شرعه وفي سُنته وسيرته ما تحتاجه البشرية اليوم لتتعلَّم منه. مضى زمن طويل على كلمة جورج برنارد شو George Bernard Shaw، لا! هذه كارن أرمسترونغ Karen Armstrong، كتبت مُتألِّمة، ولكن بنزاهة فاقعة ساطعة، تقول الإعلام الغربي يُشدِّد ويُصِر على أن يُشيع وهماً لدى المُتلقين – أي الناس في الغرب هنا -، على أن العنف والتعصب والتطرف ميزة حصرية للمُسلِمين والإسلام. قالت هذا باطل تماماً، غير صحيح. قالت كل الأديان وكل الأيديولوجيات فيها المُعتدِلون وفيها المُتعصِّبون، وأما بالنسبة للعنف والتعصب الإسلامي، فهو الذي جاء آخر التعصبات. عجيب! هذه دارسة، ومُفكِّرة كبيرة، كبيرة جداً، علّامة. قالت ثمة تعصب وتطرف وعنف مسيحي ويهودي وهندوسي وبوذي. وقالت وحتى كونفوشيوسي. كلها موجودة، وقد درستها، وعندها مُجلَّدين عن هذا الموضوع على الأقل، هناك مُجلَّدان كبيران، زُهاء ألف صفحة، دراسة من أدق ما يكون! قالت والذي لا يعرفه الناس – طبعاً أقول  بين قوسين (أكيد هنا في الغرب، فمُعظَم الناس لا يعرفون هذا، بسبب الإعلام، الإعلام! أسوأ شيء أن تكون أذناً للإعلام، وتويتر Twitter وفيسبوك Facebook أيضاً، وكل هذه الأشياء، وتسمع كل شيء، لا! كوّن شخصيتك، لا بد وأن يكون لديك استقلال في الشخصية، ابحث وحدك، اقرأ وحدك، حاول أن تفهم، واجعل الحقيقة هدفك وغايتك، أن تفهم، مهما كانت مُرة، مهما كانت تقطع مع أحلامك وآمالك ورغائبك وتوقعاتك ومحبوباتك، لا! هي هكذا، اعترف، وإلا لن ينفع هذا) أن أول عنف وتعصب ديني في القرن العشرين برز من المسيحين. قالت وليس من كل المذكورين! وهناك العنف اليهودي. بالنسبة للأديان التوحيدية الثلاثة، قالت الأول كان المسيحي، ثم اليهودي، ثم – آخر عنف وتعصب – جاء الإسلامي. قالت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. طبعاً واضح مع صعود الإسلام الأصولي والإسلام السياسي. وهذا صحيح، هذا صحيح! ورأينا جماعات الجهاد، التي تُجاهِد في المُسلِمين وفي بلاد المُسلِمين، وجماعات التكفير وجماعات الـ… للأسف الشديد، للأسف بُلينا بهذا. قالت آخر شيء جاء، جاء مُتأخِّراً جداً هذا. الآن يُراد أن يُقال هذا – ما شاء الله – ماركة مُسجَّلة للمُسلِمين فقط، العنف والإرهاب فقط هذا للمُسلِمين، نحن برآء جميلون أنقياء. لا! غير صحيح. قالت، امرأة جميلة، تفكير سليم وسديد.

استمعتم إلى رئيس وزراء كندا الرائع، هذا ولا أروع! ما أحلاكِ يا كندا! وما أحلى النظام السياسي الذي أفرز مثل رئيس الحكومة هذا! شيء عجيب، أعني ترودو Trudeau. تكلَّم الرجل بكلمات قوية في ربع ساعة، دمغ بشكل واضح، وحظيَ بتصفيق حار من كل الحضور في حكومته، دمغ الساسة – لم يدمغ حتى الإعلام وكذا، وإنما الساسة والرؤوس – بأمرين ولأمرين، الذين يكتفون بالتعاطف والمُواساة، يتعاطف مع المُسلِمين، ويقول لا وكذا وكذا. قال هذا غير كافٍ. التعاطف مقبول ومطلوب، لكن هذا أول الفعل، وأين الأفعال؟ قال، نُريد أفعالاً حقيقية، وعلى المُستوى السياسي، نُريد فاعلية سياسية تُلجِم هذا الإرهاب وهذا العدوان على الآمنين والمُهاجِرين واللاجئين والمُسلِمين بالذات. وهو يعرفهم من قُرب، أي ترودو Trudeau الرائع هذا، وزارهم في مساجدهم واستمع قرآنهم وبكى، وأكيد المقطع هذا الكل رآه، ملايين! تأثَّر بالقرآن، وطبعاً كان يُتلى القرآن وتُترجَم له معانيه، أنا مُتأكِّد لعله تأثَّر بما سمع، ولعله تأثَّر أيضاً بما يُشاع، أي هل هذا هو الدين الذي يُقال إنه وإنه وإنه؟ أهكذا؟ 

قبل يومين جاءني مقطع وشيَّرته – أي قمت بعمل Share – عن نجمة أعتقد إنها إسبانية – على ما أذكر -، رائعة! رائعة هذه النجمة، هذه أدانت النضال الفلسطيني ضد المُستعمِرين ومُحتلي الأرض غير الشرعيين، بالشرعة الدولية. قالت لا. وبعد ذلك اقتربت واتضحت لها الصورة، اعتدلت الصورة، ورأت مَن هو الجلّاد ومَن هو الضحية، مَن هو المُعتدي ومَن هو المُستباح والمُعتدى عليه. قالت لم أُسامِح نفسي، قرأت كثيراً، درست كثيراً. وهي الآن تُدافِع عن قضية ومظلومية الشعب الفلسطيني، قال لها مَن يُجري اللقاء وهل رضيت عن نفسك؟ استعبرت، نزلت دموعها، قالت ليس كُلياً. ليس كُلياً! يا الله، يا الله. أُقسِم بالله يا إخواني يحتقر أحدنا نفسه أمام هؤلاء الناس الرائعين، إياكم ومنطق أن الصليبيين والمسيحيين كذا وكذا. يا رجل هؤلاء فيهم أُناس أشرف منا، أُقسِم بالله! أشرف منا وأعرق في الإنسانية منا، وطبعاً يدفعون أكلافاً باهظةً، يفقدون أعمالهم ووظائفهم، وهم عشرات! ويستهدفهم الإعلام طبعاً بآلته الجبّارة هذه، يُدمِّرهم ويُحطِّمهم، ولا يعنيهم! يعنيهم أن يكونوا مُتصالِحين مع ضمائرهم. كيف أظلم أنا شعباً مظلوماً؟ وكيف جعلته ظالماً وهو المظلوم؟ هو الذي يُسجَن أبناؤه، هو المُقطَّعة أرجلهم وأطرافهم، هو الذي قدَّم ضحايا بمئات الألوف! الشعب الفلسطيني قدَّم مئات ألوف الضحايا، مئات ألوف؟ نعم. ليس خمسين ألفاً وليس مائة ألف وليس مائتي ألف. أكثر من مائتين وخمسين ألفا، على الأقل هذا، عبر سبعين سنة. وأولاده ونساؤه وغلمانه في السجون، والظالم والمُعتدي في الخارج. لم تُسامِح نفسها، تُبشِّر بالقضية وبالمظلومية، وقالت ليس كُلياً. أي لم أُسامِح نفسي بالكُلية. رائعون! هؤلاء الرائعون في كل مكان، كثَّر الله هؤلاء الرائعين. وكما قلت لكم يُطمئننا جداً أن هؤلاء هم الأغلبية، ولا زالوا موجودين. هذا شيء جميل!

اللعبة الشيطانية والماكينة الشيطانية تُريد أن تقلب الوضع، بحيث يغدو هؤلاء أقلية، ويغدو الذين يُصدِّقون أكاذيب الإسلاموفوبيا Islamophobia وأكاذيب الإعلام الأكثرية. ما أقصر سبيل لهذا؟ قولوا لي. واضح جداً! أن ينتقم المُسلِمون من الأبرياء، أنا – بين قوسين أقولها وعندي الشجاعة أنا أقولها وقلتها قبل ذلك وحُقق معي في تحقيق رسمي فيما قُلت؛ لأن هذا يقطع المُساءلة، وأجبت عن نفسي بحُجة واحدة قطعت جهيزة كل مُجادِل – قلت لهم (لأن جورج بوش الصغير George Bush Jr. – الابن نفسه – هو الذي قال هذا، قال لو أنا بلدي مُحتل، أنا سأكون في المُقاوَمة)، أن تُقاوِم المُحتل وتُقاوِم الغازي وتُقاوم مَن جاءك بجيوشه المُدججة الجرارة إلى بلادك الآمنة المُسالِمة لكي يجتاحك باسم أنه يُريد ويُريد، هذا من حقك، وهو في الشرعة الدولية. قله ولا تخف ولا تتردد، اليوم من المُسلِمين ومن العرب مَن يخاف أن يقول هذا إرهابي، هذا الأسترالي إرهابي.

يا سيدي رئيس الحكومة هناك، رئيس الوزراء الأسترالي، في أول ساعة قال إرهابي ومُجرِم عنيف ويميني مُتطرِّف. هو قالها، إرهابي – قال – ومُجرِم عنيف ويميني مُتطرِّف. ثلاثة نعوت، ألصقها به. ونحن إعلامنا – سُبحان الله – لا يقول هذا، لذلك من هذا الموقع أيضاً أُحِب أن أُعرِب عن ضميري، أُعرِب عن الشُكر للأمير الوليد بن طلال، في لقائه الأخير أيضاً كان غاضباً، وقال لماذا؟ لماذا يتردد إعلامنا في نعت ما حصل بالإرهاب؟ قال إرهاب، لا بد أن نقولها بالفم الملآن. لا! هخذا ليس إرهاباً، أي هذه أعمال عنيفة، عدوان، العدوان على المسجدين. عدوان؟ يا رجل هذا إرهاب، هذا هو الإرهاب.

ولذلك يا إخواني وأخواتي، للمرة الثانية، وعوداً على بدء، أقول نحن ندين الإرهاب، نلعنه، ندمغه، بغير لكن. لسنا من أبناء لكن، نحن لسنا من أبناء لكن، نحن من أبناء إن، نحن إنيون، إن! إن ما حصل هو إرهاب مُتجرِّد عارٍ ووحشية مُنفلِتة، نزعت إنسانية الإنسان، فتركته لا ضمير ولا عقل. نقول هذا حين يقع من إرهابي نيوزيلندا، ومن إرهابي أوترخت – وقع يوم الاثنين منه، وهو المُسلِم التركي -، ومن أي إرهابي. جنبوا المدنيين! ادّعوا أنها قضية غير مفهومة، للأسف! دول عُظمى، وبالذات اليو إس أيه USA، هي التي تقف إلى الآن دون وضع تعريف حقيقي مُتوافَق عليه عالمياً للإرهاب. عرِّفوا لنا الإرهاب يا رجل. لا! هكذا نحن فقط نُلصِق، ولا نُريد أن نُعرِّفه. كيف؟ كيف؟ ما هو الإرهاب؟ على الأقل ينبغي أن يُتوافَق بلا تردد وبلا جمجمة على أن تدفيع المدنيين الأبرياء المساكين – ليس لهم أي علاقة بكل ما يحدث – الثمن واستخدامهم كورقة ضغط في سياسة محلية أو إقليمية أو دولية إرهاب، إرهاب!

يا جماعة، سوف يقول لي أحدكم يا أخي أنت تتكلَّم وتصيح، المُسلِمون يفعلون هذا. يا رجل وما أدراك؟ فهل المُسلِمون إن فعلوا هذا، يكون هذا هو الإسلام؟ الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – منع قتل مَن لا يُقاتِل، وقلنا هذا حتى انقطع نفسنا، أُقسِم بالله! قلناه في عشرات المرات. رسول الله دينه، قرآنه، سُنته، سيرته حظرت ومنعت وحالت دون قتل مَن لا يُقاتِل. والعجيب في هذا الإسلام العظيم – يا أخي على رأسي من فوق هذا الدين، أُقسِم بالله! اللهم أحينا وأمتنا على هذا الإسلام، ما رأيت أعظم من هذا الشرع ومن هذا الدين يا أخي! دين حقيقي، دين! هذا دين رباني حقيقي – أنه قال لك حتى الذي يكون في ساحة المعركة، لا بد أن تعدل معه. 

وحسبما فهمنا نحن الإسلام – ونحن نقرأه، والحمد لله، ولسنا من أصحاب الهوى، أي من سقط المتاع، نحن قضينا ونقضي حياتنا في القراءة والعلم وفهم هذا الدين، بفضل الله تبارك وتعالى، وهذا هو مشروع حياتنا أصلاً، فهذا حسبما فهمنا بالنصوص وبالأدلة عن الإسلام – لا يُجيز لك حرباً عدوانيةً بمعنى العدوان الابتدائي. مُستحيل! ولكن الحرب الدفاعية وما في معنى الدفاع بطريقة أرجحية، طبعاً بطريقة أرجحية! والقانون الدولي يُجيز هذا، أي حين تعلم أن جارك الذي يتربص بك بلغ به التربص أنه أخذ أهبته واحتشد ولم يبق إلا أن يدهمك، هنا تقول لا، أتغدى به قبل أن يتعشى بي. ولا تقل لي هذا عدوان. هذه حرب، هذه حرب استباقية، وواضحة الآن. أما العدوان – العدوان الحقيقي – فلا. هناك شخص كاف ومُسالِم، أأذهب وأدهمه، ثم تقول لي هذا جهاد طلب؟ هذا كلام فارغ – والله -، الله بريء من هذا ورسوله، كذب هذا على الدين، والقرآن واضح في هذا.

ومع ذلك – مع ذلك – حين يُعتدى عليك وتُضطَر إلى أن تدفع عن نفسك وتدخل المعركة وتكون في ساحة المعركة، قال لك النبي المُحمَّد المُحمَّد – صلوات ربي وتسليماته عليه – إياك أن تقتل امرأةً أو طفلاً أو تقتل عسيفاً. ومَن هو العسيف؟ وقلناها مائة مرة، العسيف هو شخص أتى لكي يُؤدي خدمات لوجستية، يحمل الماء، يحمل الأسلحة، يحمل الخيم، يحمل الدواء، يحمل الغذاء. أي هذا عنصر أساسي! قال لك ممنوع قتله، ولا تقتلوا عسيفاً. يا حبيبي، ويا حبيب العالمين، يا حبيب رب العالمين، يا مُعلِّم الناس الخير، يا رسول السلام والإسلام. هذا عُنصر أساسي في الحرب! قال لك ممنوع، هذا ممنوع، أنت فقط تُقاتِل وتقتل مَن يرفع السلاح. هذا ديننا، والآن أتوا لكي يُعلِّمونا حقوق الإنسان، أي هؤلاء العنصريون طبعاً، مثل هذا المُجرِم. لا يُمكِن أبداً التعلم منه.

جنبوا المدنيين، كل عدوان على المدنيين – أياً كان هؤلاء المدنيون، مُسلِمين، يهوداً، مسيحيين، بوذيين، كونفوشيوسيين، من أي عرق، من أي دين، ومن أي ثقافة – ممنوع، المدني مدني، وهو بُنيان ربه، وهو النفس المعصومة، التي عصمها شرع الله، بل شرائع الله – تبارك وتعالى -، ولا تُستباح إلا بحقها. مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ ۩، عدا ذلك هذا هو الإرهاب اللعين، هذا هو الإرهاب. ونقولها – كما قلت – على طريقة إن، وليس على طريقة لكن. أي نأسف لمجزرة المُسلِمين، نأسف للعدوان عليهم، ولكن ألم يأن الآوان أن يُراجع المُسلِمون دينهم وثقافتهم و…؟ يا أخي تباً لك، تباً لك ومرة أُخرى لست بالحكم التُرضى حكومته، تباً لك، ما هذا المنطق؟ أنت هنا على فكرة مُتواطئ مع الإرهابيين، تعرف مَن الذي قال هذا؟ جاستن ترودو Justin Trudeau، رئيس وزراء كندا، الشاب الرائع هذا، هذا الإنسان الرائع، مثال للإنسان هذا في أجمل صوره.

دمغ – كما قلت لكم – الساسة، بما فيهم الساسة الكنديين، بأمرين ولأمرين. الأمر الأول؛ قال يكتفون بالتعاطف والإنكار. قال لا يكفي. أنت سياسي، أنت لست واحداً مثلنا هكذا، أي عاجز الحيلة، وبالأحرى لا يُوجَد أحد عاجز، ها أنا لست عاجزاً، أتكلَّم، وأنت لست عاجزاً، يُمكِن أن تكتب في الفيس Face أو في توتير Twitter،   تعمل وتُوضِّح، تبحث وتدرس، لا أحد عاجز – انتبهوا إلى هذا – على فكرة، لا أحد عاجز، ولا أحد أيضاً عنده العُذر لأن يقول لم أفهم. لم تفهم؟ تُريد أن تفهم؟ يجب أن تفهم. إذا قلت لا أُريد، فأنت مُجرَّم الآن، بطريقة ما أنت مُتواطئ في الجريمة بهذا المعنى، هو هذا!

قال لا يكفي. الشيء الآخر؛ وقال منهم – هكذا منهم، بمعنى الكلام – مَن يُمكِن أن يُنعَت بأنه مُتواطئ مع الإرهابيين. مع الإرهاب! يتحدَّث عن مَن؟ عن أصحاب الخطاب القومجي والشعبوي والعنصري والعرقي ومَن ينشرون الإسلاموفوبيا Islamophobia والزينوفوبيا Xenophobia ويتحدَّثون اللاجئين والمُهاجِرين. قال لا. قال هؤلاء مُتواطئون مع الإرهاب. وحظيَ بتصفيق حار، وفعلاً أنت مُتواطئ، مُتواطئ! فمثل هذا أنينغ Anning الذي جاء وأراد أن يُلبِسنا الطاقية، نحن! نحن قدَّمنا خمسين ضحية ونحن أيضاً المُجرِمين. أقل شيء أن كُسِرت بيضة على رأسه العفنة، المليئة بالشر، وليس بالخير كما قال الفتى الجميل، وانظروا طبعاً إلى جمال الإنسان، جمال البشر الذين ما زلوا عندهم قدر كبير من الإنسانية، ماذا حصل حين قال – وما شاء الله عليه – هذا؟ حصل الآتي، وهنا يُوجَد سؤال كبير، أغلق تويتر Twitter له صفحته، لماذا؟ ما التويتر Twitter هذا؟ ومَن يقف وراءه؟ لماذا تُغلِق صفحته؟ الولد ضد العنصرية، وضد تبرير قتل الأبرياء في المساجد، وكسر بيضة، كم كُسِر بيض! أكثر من الدماء التي سالت، يُكسَر البيض باستمرار على الرؤوس العفنة للساسة المُختلين، أي في كل مكان يُكسَر بيض، لماذا أغلقتم له صفحته؟ تويتر Twitter أغلقها مُباشَرةً، ما الذي حصل؟ ارتفع عدد المُتابِعين له في إنستجرام Instagram إلى نصف مليون في خلال يومين، شعوب واعية، يُوجَد وعي! أتسكرونها له؟ نحن كلنا معه. وبعد ذلك رأينا تظاهرات ورأينا شعارات ورأينا لافتات، كلنا فتى البيضة، أي الــ Egg Boy، كلنا Egg Boy، كلنا ماذا؟ كونولي Connolly، ويل كونولي Will Connolly، كلنا. عجيب! شيء جميل.

وبعد ذلك اتصلت جهات مُعيَّنة، قالوا أوصونا بالولد، الشاب الرائع هذا، نُريد أن نُعطيه تذاكر مجانية مدى الحياة إلى ميامي، حتى يأتي ويحضر الأحفال (الحفلات) الموسيقية والفنية، وبعد ذلك فُتِح له كونتو Konto – أي حساب – تبرع أيضاً في يومين، أكثر من خمسين ألف يورو، وسوف يزيد. انظروا كيف يدعمون البشر، هم دعموا أنفسهم على فكرة، ودعموا ضميرهم، أنه هذا الآن ضميرنا المُتكلِّم، هذا الضمير الذي يتكلَّم بالنيابة عنه لا بد أن نحوطه، وأن نُقوّيه، وأن نُعزّزه، وأن نُطمئنه، على أنك في السكة الصحيح، في المنهج الصحيح، ونحن مثلك. رائعون – والله العظيم -، نحترمهم جميعاً، رائعون! ونتعلَّم منهم، ونتعلَّم منهم، ونتعلَّم منهم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخُطبة الثانية 

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

نُقطتان سريعتان، والأولى أقصر من الثانية، آلان باديو Alain Badiou، أكبر وجه تقريباً فلسفي فرنسي الآن، آلان باديو Alain Badiou! اقرأوا لآلان باديو Alain Badiou، مَن يعرف الفرنسية، فليقرأ بها، ومَن لم يعرفها، فليقرأ بالإنجليزية أو بالمُترجمات، شيء عجيب! هذا – كما قلت لكم – بُرهان على عار العُربان والمُسلِمين الذين يُريدون أن نال منا باستمرار وأن ندفع الثمن مرتين باستمرار. اقرأوا كيف حاضر عقيب أحداث باريس، شارلي إيبدو Charlie Hebdo بالذات، أي التي يعتبرونها حادي عشر من سبتمبر فرنسي مُصغَّر، هذه! مع أن الفرق كبير، ولكن هذا لاعتبارات مُعيَّنة، مع أن الأحداث التي بعدها في الجنوب وفي العاصمة أكثر ترويعاً منها، وتعرفونها، أحداث الملعب وما إلى ذلك، ومع ذلك هذه – قالوا – الحادي عشر من سبتمبر المُصغَّرة. وانظروا إلى التحليل الرائع، الرجل هذا حين أقرأ له أقول سُبحان الله، هل أستطاع أن يُكمِل مُحاضَرته؟ أكمل مُحاضَرته وصُفِّق له ونُوقش باحترام وطُبعت المُحاضَرة وتُرجِمت للُغات. تعرف، هذا لو كان في أقوام من المُنفلِتة عقولهم وقلوبهم، لرجموه بالحجارة، لقتلوه في مكانه. 

الرجل يقول لك السبب الحقيقي لكل ما يحصل أزمتنا نحن الغربيين، وهي أزمة هيكلية بنيوية اقتصادية، ونُريد بطريقة ما أن نُلبِّس القُبعة للمُسلِمين. تحليل عميق، فيلسوف! وهو رجل رياضياتي، هو أصلاً Mathematiker، أي رياضياتي، وعنده فلسفة مبنية على الرياضيات، شيء مُذهل، عقل جبار مُخيف، ما شاء الله! وطبعاً ذو نزعة يسارية، نعم! نزعته يسارية، وهو ليس يمينا طبعاً، مُحترَم جداً.

واقرأوا للمُحترَم الآخر، السوسيولوجي والمُؤرِّخ إيمانويل تود Emmanuel Todd، شيء عجيب! إيمانويل تود Emmanuel Todd الذي تكلَّم عن نهاية الإمبراطورية الأمريكية في كتاب كامل، وقال وتكلَّم أيضاً عن شارلي إيبدو Charlie Hebdo في كتابه الشهير الذي تُرجِم للُغات كثيرة أيضاً مَن هو شارلي Charlie؟ شارلي إيبدو Charlie Hebdo، نفس الطريقة ونفس المُقارَبة المُركَّبة، مُقارَبة مُركَّبة تتغيا تلمس الحقيقة، مس الحقيقة، وليست المُقارَبة الثقافوية التي تتحدث عن التراث الإسلامي والفقه الإسلامي، ونرى أُناساً يتكلَّمون بلا انقطاع عن مُشكِلة التراث الإسلامي والفقه الإسلامي والنبي والسيرة والسُنة والقرآن وآيات القتال وآيات الجهاد، وهم لا يفقهون شيئاً. والله لو كان هؤلاء يتكلَّمون بشكل صحيح حين أسمعهم – يعرف الواحد منهم أين الفاعل والمفعول وأين المنصوب على التمييز وعلى الحالية والاشتغال -، لاطمئننت على الأقل إلى أنهم أمناء على العربية، لكن لا يُوجَد هذا، انس، انس! لا قرآن، لا لُغة، لا كلام، ويدّعي أنه مُفكِّر كبير، وأتى لكي يُعلِّمنا ديننا، والعيب كله في ديننا، والعيب كله في قرآننا وسُنتنا وفينا، نحن كلنا عيب! على طريقة – كما قلت لكم – برنارد لويس Bernard Lewis، برنارد لويس Bernard Lewis قال لك العيب في المُسلِمين هكذا، طالما هم على دينهم، ففيهم عيب لن ينصلح. الله أكبر يا رجل! وهل لا يُوجَد أمل في أن تُصلحهم؟ قال لك لا، بدينهم هكذا لا يُمكِن. أي كأنه يقول ماذا؟ إما أن تزيلوهم مع دينهم أو تزيلوا دينهم. ما هذا؟ أهذا مُفكِّر؟ أهذا مُفكِّر؟ أهذا إنسان؟ هذا رجل يخدم أيديولوجيات، يخدم سياسات هيمنية، ما بعد استعمارية، استعمارية جديدة. 

انتهينا من النُقطة هذه، هؤلاء فقط – كما قلت لكم – بُرهان على عار هؤلاء، هؤلاء بُرهان على شرف الإنسان الغربي، وعلى عار هؤلاء المُتمسلمين والمُتعربنين، كأنهم يشمتون بنا، بالمُسلِمين، سُبحان الله! وبالإسلام وبالأمة المُسلِمة وبالأمة العربية، شيء غريب، غير مفهوم يا إخواني!

النُقطة الثانية وأختم بها، المشاهد المُؤثِّرة في المجزرة المُروِّعة كثيرة جداً، من أكثرها تأثيراً يا إخواني اللقاء الذي تابعناه أيضاً في وسائل التواصل المُختلِفة ووسائل الإعلام مع المُسلِم البنجالي – من بنجلاديش – فريد أحمد، مَد الله في عُمره، وأخلف عليه خيراً في مُصيبته الزوجة الحسنة حسنة، اسمها حسنة وهي حسنة، حسنة الدين والسلوك، رائعة عظيمة، يبدو أنها كانت امرأة عظيمة وقضت عظيمة، استُشهِدت عظيمة.

يقول أنا رجل مُتزوِّج، ولدي من زوجتي بنت وحيدة – هذه الأسرة -، أتينا إلى نيوزيلندا في التسعينيات من القرن المُنصرِم (القرن العشرين)، ومريض على كُرسي مُدولب – كان هذا في كرسي مُدولب -. رأيت زوجتي تصيح في قسم النساء، لإخراج النساء والأطفال، والرصاص طبعاً مُنهمِر على الجميع بغير تمييز، بغير تمييز! 

وأقول بين قوسين (لا يحق لنا ولا يجوز أن يُقال لنا لماذا لم يُدافِعوا عن أنفسهم؟ لماذا لم يُلق خمسة أو ستة بأنفسهم عليه؟ وما أدراك أن هذا لم يحصل؟ لماذا نظلم الشُهداء مرتين أيضاً؟ مَن قال لك إنه لم يحدث؟ مَن قال لك هذا؟ وأنا أعتقد أن المُسلِم شجاع، حقيقةً المُسلِم شجاع، وبالذات هذا المُسلِم لم يكن في خمّارة، الحمد لله، هنيئاَ لهم، لم يُقتَلوا في خمّارة، لم يُقتَلوا في بار Bar، لم يُقتَلوا في مرقص. قُتِلوا في بيت الله، في اليوم الأزهر المُبارَك (الجُمعة)، بعد أن قضوا صلاتهم – بفضل الله تبارك وتعالى -، تقبَّل الله، تقبَّلهم الله وهم في أعلى عليين، المُسلِم شجاع، لا يخاف الموت، وإذا جاء الموت، يقول له مرحباً. الموت تُحفِة المُؤمِن. لا يخاف من الموت، مَن قال لك إنه لم يفعل هذا عشرات منهم؟ بدليل – أنا أقول لكم بدليل – أن هذا الجبان الحقير لم يبث بشكل حي. وقال لك هذا بث حي! في البث الذي رأيناه – وكلنا قبل أن يُرفَع رأينا هذا – هم كانوا مُمددين في الأرض، وواحد فقط رأيناه قتله، راغ منه، والآخرون مقتولون أصلاً، عاد إليهم ليُدفِّف عليهم، إذن فكيف قتلتهم؟ وأين القتل بالضبط حين وقع؟ أين؟ غير مُصوَّر هذا، لأنهم ربما قاوموه، وانهالوا عليه آحاداً وربما بالعشرات، وهو يقتل طبعاً، هذا الذي حصل، فلا تشمتوا بإخوانكم، لا تقولوا هذا، لكن على كل حال في مثل هذه الحالات – أنا أقول لكم – سيكون أعظم مَن استُشهِد شهادةً هو مَن تصدى لمثل هذا المُجرِم المُتوحِّش، لكي يمنع عن إخوانه وأخواته، فارتقى شهيداً. أعظم الشهداء هذا، أكيد أعظمهم عند الله شهادةً، أكيد! لكن قضاء الله غالب كما يُقال، نافذ! قضاء الله نافذ، وبفضل حتى الأفغاني المُهاجِر الذي تصدى له ربما لم تتم المذبحة، اللعين كان قد ذهب، لكي يأتي بــ Magazines أو خزانات جديدة، حتى يُكمِل جريمته، فتصدى له الأفغاني في القصة المعروفة هذه، فلاذ بالفرار في عربته ومعه آخرون، اللعين الجبان، الجبان! هذا جبان، مُتعصِّب عرقي جبان).

المُهِم، نعود إلى فريد أحمد – كما قلت – ونختم به، قال سمعت زوجتي تصيح لإخراج النساء والصبيان، وهي تعلم أني في كرسي مُدولب، جاءت بعد أن أسعفت الكثيرين وساعدت في تهريب الكثيرين – بفضل الله تبارك وتعالى -، المسجد فيه خمسمائة، خمسمائة! قال جاءت لكي تطمئن علىّ؛ لأنني مُعاق، عاجز! فباغتها الملعون بالرصاص. قال ماتت وهي تُسعِف الناس – رحمة الله عليها -. مُتأثِّر! بنت أربع وأربعين سنة، وهو ابن تسع وخمسين سنة. قالوا إذن ما رسالتك التي تُوجهها؟ قال بكل صدق أقول لفلان – أنا لا أُريد أن أقول اسمه، لا أذكره، لا أُحِب أن أذكر اسمه، أعرف اسمه ولن أذكر اسمه، والله! حتى لا يتنجس فمي من هذا الوحش، هذا وحش جبان، وحش حقير! ومع ذلك قال هذا، انظروا! أنا غيري المُصاب، وأُفرِغ عن هذا المنطق، ووصفت هذا الجبان بما وصفته، لكن لم يقل هذا فريد أحمد، المُسلِم الذي قُتِلت زوجته وقُتِل إخوانه (إخوانه في الله) أمام عينيه، وكان بينه وبين الموت ربما لُحيظة – لا أحمل لك ضغينة، أنا أُحِبك كأخي في الإنسانية، ولا أُحِب ما فعلت؛ لأن ما فعلته كان خطأً. يا الله! يا الله! عظمة.

الآن سننتظر، نُريد أن نرى إعلام الإسلاموفوبيا Islamophobia في الغرب طبعاً، في الغرب عموماً، وليس الغربيين! الغربيون – كما قلت – رائعون، الشعوب الغربية رائعة، في مجموعها رائعة، الشعوب نفسها! إياكم أن تُخدعوا بغير هذا، وصدِّقوني؛ إياكم أن تكونوا ضحايا لخطاب الإسلاموفوبيا Islamophobia هنا في الغرب والإعلام الذي يختزل الحقيقة، وإياكم أن تكونوا ضحايا لبعض الأصوات المُسلِمة وبعض المشايخ الذين يُفهِمونكم أنه يُوجَد صراع أبدي، ويقولون وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ ۩، وهؤلاء صليبيون. إياك، إياك! في الحالتين أن تخدم مَن؟ الإرهابيين والعنصريين. كُن أذكى من هذا، مُعظَم هذه الشعوب – بفضل الله – معنا، إخوة في الإنسانية، ويبكون لمُصابنا، وينبغي نحن أيضاً أن نبكي لمصائبهم أينما ضُرِبوا – انتبهوا -، على يد مُسلِمين وغير مُسلِمين، وأن نتعاطف مثل هذا التعاطف، لكي نُبرهِن إنسانيتنا، كما برهن مَن؟ الرائع ويل كونولي Will Connolly إنسانيته. فلا تُصدِّقوا.

ولكن سننتظر إعلام الإسلاموفوبيا Islamophobia في الغرب هنا، هل يُظهِّر هذه المُقابَلة مع فريد أحمد؟ هل يُقال هذا هو المُسلِم المُتسامِح؟ أيقونة التسامح، يا رجل دم امرأتك لم يبرد، لم يبرد، لم تُدفَن، اليوم الدفن! وعلى فكرة اليوم نيوزيلندا كلها في حداد، والأذان ترفعه بشكل علني، يُرفَع اليوم أذان الجُمعة في كل الإذاعات وفي التلفزيون النيوزيلندي، رائع جداً، رائع جداً! والآن أفهمني، وكما قلت مرة أُخرى أعرني عقلك، لصالح مَن يُقال وانتظري يا نيوزيلندا، الانتقام آتيك آتيك، لا محالة؟ ما هذا؟ ما هذا؟
(ملحوظة هامة) أشار الدكتور عدنان إبراهيم إلى عقله، ثم قال هذا كلام له خبيء، افهموا، بالله كونوا إذكياء يا إخواني، أُقسِم بالله عليكم. 

صل الله عليك يا سيدي. أطلت عليكم، سامحوني، وسأُنهي الآن. صل الله عليك يا سيدي يا رسول الله، يا مَن قلت حين عددت أصناف أهل النار الضعيف (المُتضعِّف) الذي لا زبر له، الذين هم فيكم خول وأتباع، قال هؤلاء من أهل النار. أنا لم أر في حياتي بصراحة لا فيلسوفاً ولا مُصلِحاً ولا لاهوتياً ولا مُفكِّراً روحياً يتكلَّم بهذا المنطق الذي جاوز كل الأزمان، هل فهمتم ورأيتم؟ كلام هام، وعلى فكرة قل أن تسمعوه، وأنا شرحته قبل سنوات، ولكن بصراحة أنا شخصياً لم أسمعه مرة على منبر، ربما هذا موجود، أكيد – إن شاء الله -، ولكن لم أسمعه، شيء غريب! حديث أعجب من العجب، النبي يقول لك من أهل النار كل جواظ، عُتل، مُستكبِر، وكذا، ومن أهل النار أيضاً المُخادِع الذي لا يُصبِح ولا يُمسي إلا وهو يُخادِعك عن أهلك – طبعاً يُريد أن ينال من أهلك، من زوجتك ومن بناتك -، وعن مالك وعن نفسك، والعياذ بالله لا أمان له، مثل الذيب الكاسر، ومنهم أيضاً – يقول رسول الله – الضعيف هذا، الضعيف المُتضعِّف، الذين هم فيكم خول وتبع، لا زبر لهم. ما معناها؟ قال لا تُوجَد عقول عندهم، حين تقول للواحد منهم اذهب يذهب، وحين تقول له تعال يأتي، على جهنم – النبي قال -، يا الله! يا رسول الله أنت تتحدَّث عن فئة من المُذلين المُهانين الضعفاء؟ قال نعم، ولذلك هم أهل جهنم، الله ما خلق لك هذا العقل وهذا الدماغ لكي يُقال لك اذهب فتذهب وتعال فتأتي، وتستجيب لكل شيء؛ لأنك سمعته من شيخ أو من مُتدين أو من واحد يقول إنه صحفي، أو مُفكِّر، أو ليبرالي، أو ما لا أدري، أياً كانوا! تظل تُردِّد كالببغاء، على جهنم – النبي قال -، لأن هكذا الدنيا تصير الدنيا كجهنم. 

ويل للعالم، ويل للمعمورة إذا تغلَّبت أصوات الحمقى وأصوات الأشرار على أصوات الحكماء وأصوات الأخيار. إياك يا مُسلِم، إياكِ يا مُسلِمة أن تكون من هذين الفريقين، أو واحداً من هذين الفريقين. إياك! استخدم عقلك، والله لا عُذر لك عند الله، قد تقول لي سمعت شيوخاً يقولون هذا! استخدم عقلك يا رجل، وكما قلت واقرأ وافهم واستقل بشخصيتك قدر ما تستطيع، وأكيد لن تُصب الحقيقة من أول مرة، وستُصيبها وستغلط، نعم! مأجور، في كلتا حالتيك أنت مأجور – إن شاء الله تعالى -، لكن استقل، لا تكن مِمَن يُقال له اذهب فيذهب وتعال فيأتي، ولا تقل هم قالوا لي وهم أفهموني وهم حشدوني، قالوا لي انتقم وفجِّر نفسك واقتل وافعل. على جهنم – النبي قال لك -، على جهنم! وعنده أحاديث كثيرة النبي بالمعنى ذاته، أحاديث كثيرة! على جهنم – قال -، قال والذي نفسي بيده لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً. قال لماذا هذا؟ قال لأن النبي قال أطيعوا الأمير، والأمير قال لهم ادخلوا في جهنم. الله والنبي قال أطيعوا العلماء والمشايخ والأمراء، وقالوا لنا اقتلوا الأبرياء. على جهنم! هل فهمتم؟

استردوا دينكم، الأمر أكبر خطورة من أن يتعلَّق بحياة المُسلِمين فقط، حتى بدينهم، بوجودهم الديني والروحي، استردوا دينكم بالوعي الحقيقي وبالإنسانية الحقة، وبهذا المعنى سيكون في المُستقبَل مكانة عظيمة للإسلام – بإذن الله تبارك وتعالى -، وهذا الذي يجري حالياً. وفريد أحمد – طيَّب الله ذكره، وطَّب الله كلماته – أيقونة جديدة، نتمنى من الإعلام الغربي… عسى ولعل! نتمنى أن يُصوِّره كأيقونة للتسامح الإسلامي، وقال لك هذا مُسلِم، قُتِلت زوجته وقُتِل إخوانه، ويقول للمُجرِم – يقول له هذا – أنت أخي في الإنسانية، بصدق لا أحمل لك أي ضغينة، أُحِبك كإنسان، وأكره ما فعلت، لأن ما فعلت يا أخي خطأ. قال له خطأ هذا. شيء روعة!

اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجة لنا من حوائج الدنيا لنا فيها صلاح ولك فيها رضا إلا أعنت على قضائها بمنّك وفضلك يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك ونبتهل إليك، نسألك بك، بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا الكريمة، أن تُعلي مقام إخواننا الشهداء في هذه البلاد وفي كل بلاد الله، وأن تحشرهم مع نبيهم وحبيبهم محمد – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – في أعلى فراديس الخُلد.

اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه يا رب العالمين. جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا.

اللهم لا تجعل مُصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا 22/3/2019

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: