إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب ، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ۩ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۩ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ۩ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ۩ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ۩ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ۩ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ۩ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ۩ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ۩ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
يُلِّحُ علىّ إخوانٌ أحبة في مُناسّباتٍ مُتكرِّرة أن أُوضِّح موقفي في قضايا عدة كقضية النسخ في كتاب الله – تبارك وتعالى – وقضية رجم الزناة المُحصَنين وقضية ميراث البنات أو ميراث النساء، القضايا التي بدر مني كلامٌ فيها أيضاً في مُناسَباتٍ سابقة ولكن لا على جهة التفصيل والتبيان وإنما على جهة الإلماع والإيجاز، ونبدأ اليوم بقضية الناسخ والمنسوخ في كتاب الله – تبارك وتعالى – على أنني سلف مني كلام فيها، كلامٌ في خُطبة جمعة وكلامٌ في مُحاضَرات، ولكن يبدو أنه للأسف لا يُتاح أو لم يُتَح على الشبكة العنكبوتية، ومن هنا التكرار والإلحاح في الكلام في القضية من جديد
النسخ في كتاب الله – تبارك وتعالى – وكما سترون في آخر هذه الخُطبة ليس لي فيه شيئ، لست بدعاً في هذا الأمر، لست بدعاً برأيي في هذه القضية، وإنما هى آراء ولا أود أن أقول مُعتبرة حتى لا أتحيَّز أو أجنح أو أحيد، وإنما هى آراء لعلماء أجلاء في القديم والحديث نعرضها كما هى، كوني ارتحتُ إلى رأيٍ من هذه الآراء فهذا اختياري، ولكلٍ أن يرتاح ويجنح إلى ما ارتاحت له نفسه واطمأن به قلبه، أولاً ما معنى النسخ؟ باختصار وأستميح الله – تبارك وتعالى – واستمنحه العون والتسديد والإرشاد كيما أنجح في لم أطراف أو جمع أطراف الموضوع وتقريبه وتيسيره وهو نِعم المُستعان سبحانه وتعالى، ما هو النسخ لمَن ليس لديه فكرة مبدأية عن هذا الموضوع؟ النسخ بعبارة عامية إلغاء لحكم شرعي عن طريق الشارع نفسه، لا يملك النسخ أحدٌ إلا الشارع، الله تبارك وتعالى – وهو الشارع الحقيقي أو الرسول وهو شارعٌ مجازاً أو شارعٌ بالتفويض على كل حال، هذا هو، بعبارة الأصوليين النسخ هو رفعُ حُكمٍ شرعيٍ بدليلٍ شرعيٍ مُتأخِّر، لابد أن يكون الناسخ مُتأخِّراً عن المنسوخ، فإذا قال الله – تبارك وتعالى – افعل ثم قال بعد ذلك لا تفعل فهذا نسخٌ، وإذا قال لا تفعل ثم أباح فقال لك أن تفعل أو افعل فهذا نسخٌ أيضاً، وبديهٌ أن النسخ مبدئياً لا يكون في الأخبار، لأن النسخ إذا كان في الخبر سوف يعني أن المسألة فيها تفاصيل كثيرة، ولكن لا نُحِب أن نُصدِّعكم بها، ولكن المشهور لدى العلماء بإيجاز أن النسخ لا مُدخَليةَ له في الأخبار، لأن الأخبار هى ما يحتمل الصدق والكذب، فإذا كانت عن الشارع لم تحتمل إلا الصدق، فإذا نُسِخَت فقد بطلت ولزم من هذا أن تكون كاذبة، والكذب مُستحيل على الشارع الحكيم، والقول به إلحادٌ وكفرٌ وخلعٌ للربقة وخروجٌ من الملة، فنسأل الله حُسن الثبات والتثبيت. اللهم آمين.
إذن هذا هو النسخ بعبارة وجيزة، المسألة الثانية هى هل من دليلٍ قطعيٍ على وقوع النسخ في كتاب الله؟ نحن طبعاً لن نمط ولن نبسط المسألة حتى نتكلَّم عن النسخ في السُنة أيضاً، اليوم نحصر حديثنا ونقصره على النسخ في كتاب الله تبارك وتعالى، فهل من دليلٍ قطعيٍ في الكتاب أو السُنة على وقوع النسخ في كتاب الله؟ غير موجود دليل قطعي لا في الكتاب ولا في السُنة، الموجود ظواهر فقط، والظواهر – كما تعلمون أو يعلم بعضكم وبعضكن – قابلة للتأويل ولكنها ليست نصوصاً، فلا تقل لي إن قوله تعالى مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ۩ نص في النسخ، هذا غير صحيح، هذا ظاهر في النسخ وليس نسخاً والظاهر يقبل التأويل، ما معنى الظاهر؟ يعني معنىً قد يترجَّح بنسبة ستين أو سبعين أو ثمانين في المائة لكن المعنى الآخر المرجوح قد يصح وقد يُسار إليه باجتهادِ مُجتهِدٍ، إذن ليس في كتاب الله ولا سُنة رسوله دليلٌ على وقوع النسخ، وهنا قد يقول لي أحدكم كيف وقد تلوت علينا صدر الخُطبة وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ – تفتري – بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ۩؟ فهذا صريحٌ ونصٌ في النسخ، لكن هذا غير صحيح، هذا ليس صريحاً ولا نصاً في النسخ، هذه الآية هى الواحدة بعد المائة من سورة النحل، وفي الآية السادسة بعد المائة من سورة البقرة أيضاً مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، لكن ليست هذه نصاً وليست هذه نصاً، ونبدأ بآية النحل، لماذا؟ لأن النحل مكية والبقرة مدنية، أي أنها سابقة فنبدأ بآية النحل، للأسف المشهور لدى العلماء والمشهور لدى العامة الآن والمُثقَّفين والمُفكِّرين المسلمين والإسلاميين أن هذه الآية نزلت على سبب، ما هو السبب؟ السبب أن كفار قريش ومكة كانوا يسخرون من رسول الله – وحاشاه صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – ويقولون محمد يعبث بأصحابه ويُحِل لهم اليوم شيئاً ثم يُحرِّمه من غد ويُحرِّم عليهم اليوم شيئاً ثم يُحِله من غد، وهذا كلام ساقط لأول درجة من درجات الاعتبار والنقاش، هذا كلام فارغ على أن مُفسِّرين كباراً ضمَّنوه كتبهم في التفسير، هو كلام لا معنى له ولا يُمكِن أن يصح، لماذا؟ لأن السورة مكية والآية مكية بالاتفاق، ومكة لم تكن مجالاً وفضاءً للتشريع، أوجدونا تشريعاً واحداً في مكة نُسِخَ في مكة، انتبهوا فمَن كان يدعي دعوى عليه أن يأتي بالبينة، لأن:
والدَّعاوى ما لم تُقيمُوا عليها بيناتٍ أبناؤها أدعياءُ.
نُصبِح نحن أدعياء أيضاً وأصحاب دعاوى فارغة باطلة، لا يُوجَد تشريعٌ واحد – إن وُجِد وزعم زاعم أنه وُجِد فنقول له أوجدناه، أوجدنا هذا التشريع – في مكة لشيئٍ في أمرٍ من الأمور ثم نُسِخَ في مكة حتى يحمل كفار مكة على أن يسخروا من رسول الله وحاشاه، أين هذا التشريع؟ هذا غير صحيح، التشريعات أصلاً في مكة كانت منزورة جداً جداً جداً، فأن يُقال الآية نزلت على هذه الخلفية هذا كلام غير صحيح، على أن – وهذا للحق لابد أن نسرده ونذكره – مُعظم المُفسِّرين عبر العصور ذهبوا إلى أن آية النحل ليست في نسخ القرآن بعضه لبعض أبداً، وإنما ذهبوا إلى أنها في نسخ الشرائع، فشريعة محمد نسخت أشياء وأموراً من شريعة عيسى أو موسى، وطبعاً عيسى يكاد ألا يكون له شريعة، لأنه لم يأت لينقض شريعة موسى المعروفة بالناموس، قال ما جئت لأنقض الناموس وإنما جئتُ لأُقيم الناموس، والناموس هو شريعة موسى، هذا معنى الناموس، أي شريعة موسى، عليهم جميعاً وعلى آل كلٍ الصلوات والتسليمات، فمُعظم المُفسِّرين أن آية النحل في نسخ الشرائع، أي ما نُسِخَ من الشرائع السالفة بشرع محمد، هذا لا إشكال فيه وهذا نُوافِق عليه، أن شرع محمد جاء ناسخاً لأشياء في الشرائع السابقة هذا طبيعي ومعقول ومقبول ويقع، فالشرائع الإلهية ينسخ بعضها بعض ما في بعض، وهذا مقبول، إذن حتى عند مُعظم المُفسِّرين هذه الآية ليست نصاً في نسخ القرآن بعضه لبعض، أي أن القرآن ينسخ بعضه بعضاً ويُقال هناك آيات منسوخة، إذن سقط الاستدلال بها، وهنا قد يقول لي أحدكم ما المعنى إذن؟ الله يقول وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۩، انظر إلى عظمة القرآن الكريم، قال بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۩، هل تعرفون لماذا؟ لأن كفار قريش لا علم لهم بالكتب السماوية وبالدساتير الإلهية ولذلك نسبهم إلى عدم العلم، لو كانوا اليهود أو النصارى – واليهود بالذات في المدينة – ما قال لَا يَعْلَمُونَ ۩، فالقرآن دقيق ومُعجِز، وعلى كل حال ما معنى هذه الآية؟ الآية في كتاب الله – كما قلنا غير مرة – تُطلَق بإزاء الآية التدوينية – أي الآية القرآنية التشريعية المتلوة بإزاء الآية التدوينية – وتُطلَق بإزاء الآية التكوينية، قال الله وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ۩، وقال أيضاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ ۩، الشمس آية والنهار آية وكذلك النجومُ والبرقُ والرعدُ والجبالُ والشجرُ وخلق الدواب وخِلقة الإنسان، فكل هذه آيات، وهذا فرعٌ من الآيات التكوينية خارج عن منهاجها، ما هو منهاج الآيات التكوينية؟ الاضطراد على سنن واحد، إذا كُسِرَ واختل هذا الاضطراد لنبيٍ كانت آية نبي، مُعجِزةً لنبي، معاجز الأنبياء تُسمَّى آيات، وهذا في كتاب الله في عشرات المواضع، الله يُسمي معاجز – أي مُعجِزات – وخوارق الأنبياء الكونية آيات، لذلك الكتاب الكريم طافحٌ مملوءٌ من اقتراح كفار العرب – كفار مكة بالذات وقريش – على رسول الله أن يأتي بآية، دائماً يقولون له نُريد آية، وهنا قد يقول لي أحدكم كيف يُريدون آية والقرآن ينزل؟ لا يُريدون آيات تدوينية وإنما يُريدون آيات تكوينية، كأن يصعد في السماء، أن يشق لهم الأرض، أن تكون له جنة من نخيل وأعناب، أن ينزل الله معه من السماء كتابٍ يقرأه بعد إذ صعد في السماء، وأمثال هاته الأشياء المذكورة في سورة الإسراء وفي غيرها من السور الكريمات المُبارَكات، فهذه آية إذن، تقول الآية الكريمة وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا ۩، فصالح يقول لقومه هَٰذِهِ نَاقَةُ ۩، ما معنى آية؟ مُعجِزة، عيسى آتى بالآيات الكثيرات المُبهِرات المُعجِبات وقال إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۩، لأنه يُنبِّئهم بما يأكلون وما يدخرون، فقال هذه آية، وقال أيضاً أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۩، فإذن قال هذه آية، أي مُعجِزة، لأن الآية تُسمَّى مُعجِزة.
ما علينا أن نُطيل النفَس للأسف ولكن الغرض مرض، نقرأ لشيخ أزهري فاضل على أن موقفه من الناسخ والمنسوخ مُمتاز جداً كالموقف الذي يُمكِن أن يُبارَك وأن يُمرَّر – لا بأس – وهو الشيخ عليّ حسن العريض – رحمة الله تعالى عليه – مُدير الوعظ بالأزهر سابقاً في السبعينيات، في رسالته وأطروحته العلمية فتح المنان في نواسخ القرآن قال الآية تُطلَق على الآية التدوينية، ومَن زعم أنها تُطلَق غير هذا فكذا وكذا، شيئ غريب جداً جداً أن يقول هذا شيخ أزهري في رسالة علمية، لا أدري كيف أُجيز على هذا، القرآن طافح في عشرات الآيات بعكس هذا، وهذا معروف جداً عند كل علماء العقيدة والكلام، فالمعاجز النبوية تُسمَّى آيات، وكتاب الله طافح بهذا، بالعكس هناك ضابطة لا أُحِب أن أذكرها الآن، لكن لعلي – إن شاء الله – أذكر هذا في خُطبة لنعلم كيف نُميِّز بين الآية التكوينية والآية التدوينية بضوابط من كتاب الله من أحسن ومن أعجب ما يكون، وهذا كله يُهدَر إذا زعمنا أن الآية لا تُطلَق إلا بإزاء الآية التدوينية، وهو غلطٌ غلطٌ غلط، تُطلَق بإزاء التدوينية وبإزاء التكوينية، قال الله فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ ۩ مَن بُعِثَ بها؟ موسى، الله – عز وجل – أعطاه تسع آيات، وقال فِي تِسْعِ آيَاتٍ۩، إذن هذه آيات أيضاً، فلا نُطوِّل بهذا.
إذن قال الله وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم تفسيرك هنا ضعيف، لماذا؟ لأن الله قال وَإِذَا بَدَّلْنَـا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَـا يُنَزِّلُ ۩، إذن هى الآيات التدوينية، لكن هذا غير صحيح، الله – عز وجل – يُنزِّل الآيات التدوينية والآيات التكوينية من الخوارق والمُعجِزات، قال تعالى إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ ۩، وذلك في أول الشعراء، فهذه الآية تدوينية أم تكوينية؟ تكوينية معاجزية خوارقية عجائبية، هذا هو إذن، وأيضاً لها نظائر في كتاب الله تُؤكِّد أن الآيات المعاجزية تتنزل أيضاً من عند الله، وهذا لا يُعكِّر على تفسيرنا لآية النحل، قال الله وَإِذَا بَدَّلْنَـا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۩، يعني جواباً عما كانوا يقترحونه على رسول الله أن يأتيهم بآية كما جاء بها السابقون المُرسَلون الذاهبون، فالله يقول لا، أنا حرٌ هنا، وليس لأحد أن يقترح علىّ، هذا ليس من صلاحيات البشر، يقولون لماذا لم يُؤت محمد آية مثلما أوتى موسى؟ تقول الآية الكريمة لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ۚ ۩، أي ائت بها، لكن النبي يقول لا، لا أستطيع أن آتي بها من عند نفسي ومن لدن نفسي، الآيات عند الله تبارك وتعالى، ولكن الآيات والنُذر لا تُغني هؤلاء شيئاً، لأنهم مردوا على الجحود والكنود والكفران والعصيان والعياذ بالله تبارك وتعالى فنسأله السلامة.
إذن قال الله وَإِذَا بَدَّلْنَـا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۩، آتينا محمداً آية وهى القرآن الكريم، وهنا قد يقول لي أحدكم هل آية محمد القرآن؟ نعم باتفاق الأمة تقريباً، كل الأمة تعلم أن مُعجِزة محمد وآية محمد هى القرآن الكريم، والله يُشير من طرفٍ خفي ويقول هذه الآية أجدى على البشر وأنفع للناس من الآيات الخوارقية العجائبية، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وآله واصحابه وسلم تسليماً كثيراً ما من نبيٍ من الأنبياء قبلي إلا أُوتي من الآيات – الآيات التدوينية أم التكوينية؟ التكوينية – ما مثله آمن عليه البشر – أي الخوارق مثل خارقة العصا واليد لموسى، قال الله وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ ۩، فالعصا آية وهذه أيضاً آية – وإنما كان الذي أُوتيته وحياً – يقول آيتي أنا هى وحي، يعني ماذا؟ القرآن الكريم، ويا له من آية، أعظم به من آية لمَن تدبَّرها ولمَن وعاها ولمَن تعبَّد الله بتدبر ما فيها، اللهم أعطنا ذلك ووفِّر حظنا منه برحمتك يا أرحم الراحمين ولطفك الخفي – أوحاه الله إلىّ وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة، وإن شاء الله هو كذلك، إذن الآية التي أُعطيها محمد بدلاً من آيات موسى وعيسى ونظرائهم من الأنبياء – عليهم صلوات الله وتسليماته أجمعين – هى القرآن الكريم، وهى أجدى على الدنيا، أجدى على الدنيا في السلم والحرب وفي الاجتماع والانفراد وللذكر والأنثى وفي كل زمان وفي كل صقعٍ وآن، هى أجدى طبعاً، فالقرآن هذا أنشأ حضارة، بالأمس يسألني أحدهم ويقول لي هذه العلوم التي نُفسِّر بها كتاب الله كيف نشأت؟ فقلت له في ظل دوحة القرآن الكريم، حتى تعلموا عظم منة ويد القرآن على هذه الأمة وعلى علومها، لولا القرآن ما عرفنا النحو والصرف والبيان والبديع والمعاني وسائر علوم التنزيل، ولكن هذه العلوم بالذات الأدبية واللغوية نشأت في ظلال دوحة القرآن المُكرَّمة، فخلَّد القرآن لغتنا، خلَّد القرآن هذه اللغة وأعزَّ أمتها بها لأنها أصبحت لغة حضارة، وفي يوم من الأيام هذه اللغة كانت هى لغة التواصل الحضاري عبر العالم، وهذا موضوع آخر حتى لا نستطرد كعادتنا فنعود إلى موضوعنا، إذن قال الله وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ۩، أي قالوا هذا الذي أتيتنا به لا نُؤمِن به، هذا مُجرَّد افتراء أنت افتريته من عندك، نُريد آية كونية، ثم يضطرد السياق – يمشي السياق ويتواصل السياق – ويرد عليهم، ومن السياق نعلم أنهم لم يحتجوا في قضية ناسخ ومنسوخ، هذا غير صحيح، وإنما احتجوا على القرآن كله ولم يقنعوا به آية، أرادوا مُعجِزة خارقة كونية، وهذا ما يُعطيه السياق.
نأتي الآن إلى الآية السادسة بعد المائة من سورة البقرة، قال الله مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، وهذا نفس الشيئ، الآية المنسوخة هى آية موسى أو آية عيسى أو آية صالح وإلى آخرة، هذه نُسِخَت فلم يُؤتها أو لم يُؤت مثلها محمد، وإنما أُوتيَ آيةً هى خيرٌ منها، القرآن العظيم خير الآيات، ولو قرأت السياق بتدبرلأعانك السياق إلى الجنوج إلى هذا التفسير والمعنى، يقول مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ ۩، لماذا نُنسيها؟ لتطاول العهد بها، هذه المُعجِزة قبل ألفين سنة أو قبل ثلاثة آلاف سنة أو قبل سبعمائة سنة والناس طبعاً نسوها، قال الله مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ – أي مُعجِزة كونية وليس آية تشريعية – أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ ۩، هل قال ألم تعلم أن الله عليم حكيم؟ لم يقل هذا أبداً، إذن ماذا قال؟ لو المسألة في الآيات التدوينية التشريعية لناسب أن تكون الفاصلة أو التذييل ألم تعلم أن الله عليمٌ حيكم، عليم لأنه يعلم ماذا يُشرِّع ومتى يُشرِّع ومتى ينسخ شرعه وإلى ماذا وإلى أهون وإلى أدنى وإلى آخره، لكن الله لم يقل ألم تعلم أن الله عليمٌ حكيم، فإذن ماذا قال؟ قال أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، لأن المطلوب آية خوارقية، والله يقول لهم نحن لا نستجيب لمُقترَحاتكم ليس عن عجز وليس عن ضعف، بالعكس أنا على كل شيئٍ قدير، وأستطيع أن أُوتي صفوتي وخيرتي من خلقي أعظم من كل ما أُوتيه الأنبياء والرسل من قبله من الآيات الخوارقية، ولكن لا أُريد هذا، أنتم لا تقترحون علينا، انتهى الأمر، هذا مُفتتَح عهد جديد لابد أن تجنح فيه البشرية إلى مُناشَدة العقل وإلى توقير العقل، لا فقط إلى مُعطيات الحس والخوارق الحسية، وهذا ما حدث بفضل الله تبارك وتعالى، قال الله مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ۩ أَمْ تُرِيدُونَ -السياق Context مُهِم جداً – أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۗ ۩، مبلغ علمنا أن موسى لم يُسأل يوماً أن يأتيهم بآية تدوينية، بالعكس بنو إسرائيل لم يُحِبوا التدويني ولم يُحِبوا التكاليف افعل ولا تفعل، الله رفع الطور فوقهم وقال لهم خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ۩، لكنهم لا يُحِبون أن يأخذوا به، فهل يستزيدون منه؟ هذا مُستحيل طبعاً، ولم يقل بهذا مُفسِّر، إذن ما الذي سُئِلَه موسى؟ ما الذي سأله بني إسرائيل من موسى؟ أنتم تعلمون هذا وهو في كتاب الله، سألوه أشياء كثيرة هى كلها مسائل خوارقية ومسائل عجائبية، أي معاجز، قال الله أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۗ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ۩، فهذا واضح جداً جداً، بنو إسرائيل ماذا سألوا عيسى؟ سألوه مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۩ فيها طبيخ وعسل وأباهير وأبازير وأسماك وما إلى ذلك، وهذا شيئ غريب جداً يا أخي، قالوا من السماء تنزل، تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا ۩، هكذا دعوا الله – تبارك وتعالى – في محضر عيسى الذي اقترحوا عليه هذا، إذن قالوا وَآيَةً ۩، ماذا طلبوا؟ طلبوا هذه الآية، آية طبيخ ونفيخ، آية للبطون، أين هم من آية العقول؟ كتاب الله المُعجِزة الخالدة، إذن نحن نتدرَّج منهجياً، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا – والله – أمرٌ عجب، ليس بدعاً أن نقول هذا الكلام، هذا الكلام مُتقَن ومُحكَم وقوي، وهنا قد يقول لي آخر هذا غريب جداً فمنهجياً يُوجَد اختلال في المسألة، لماذا؟ لأن كتاب الله – تبارك وتعالى – كما أطبقت الأمة من عند آخرها، هذا لا يختلف فيه مُؤمِنان صادقا الإيمان – مُتواتِرٌ من أوله حتى آخر حرف فيه، أليس كذلك؟ هو مُتواتِر قطعي الثبوت ونجزم على غيبه – نجزم على غيب القرآن – وعلى أنه من عند الله، فنحن نُؤمِن بهذا تماماً كما نُؤمِن بالله، وهذا المُتواتِر قطعي الثبوت، فكيف يُسار إلى نسخ بعض ما فيه؟ والداهية التي ما لها من واهية يُوجَد حتى نسخ للخط والرسم، آيات وُجِدَت واختفت بالكامل، هى غير موجودة الآن ولا تُتلى، ليس فقط نسخ الأحكام فيبقى الخط والرسم ولا يُعمَل بالحكم ويُبطَل الحكم بل حتى الرسم والخط يُنسَخان، وهذا شيئ غريب جداً، بماذا؟ كيف يُنسَخ هذا المُتواتِر؟ لابد أن يُشترَط في ناسخه أن يكون مثله مُتواتِراً، ولابد أن يُشترَط في الخبر عن وقوع النسخ بين مُتواتِرين أن يكون مثلهما مُتواتِراً، وإلا لا يُمكِن أن أرفع المُتواتِر بظني، كأن أقول أنا – والله – عندي خبر يقولون فيه قال الرسول وقال ابن عباس هذا منسوخ، هذا لا يُمكِن، ما معنى قالوا؟ هذا كلام آحاد، كيف أرفع به كتاب الله؟ كيف أرفع به حكم الله المُتعبَّد به؟ الأمة كلها مُتعبَّدة بهذا الحكم القطعي الثبوت وإن كان ظني الدلالة، فهل أرفع هذا الحكم أو أرفع حتى المتلو نفسه مع حكمه أو مع بقاء حكمة أو من غير حكمه – هناك ثلاثة أقسام – بخبر آحاد؟ يُوجَد اختلال منهجي هنا، ولكن قبل أن أُوضِّح هذا لكم بعبارة أفصح وأوضح – إن شاء الله وبعون الله – قد يقول قائل وماذا عن رسول الله يا رجل؟ ألم يقل هذه الآية نسختها هذه؟ لم يقل هذا أبداً فاطمئنوا، لا يوجد في سُنة المُصطفى المقبولة الصحيحة والحسنة حديث واحد عن هذا، وتحدوا بهذا العالمين، اذهبوا وتحدوا وبصدر واسع قولوا نحن تحدى العالمين، أوجدونا حديثاً واحداً صح عن رسول الله أو حتى حسن يقول فيه الرسول الآية الفلانية نسختها الآية العلانية، باستثناء حديث واحد رواه أبو الحسن الدراقطني وأبو بكر البيهقي عن عليّ – عليه السلام – مرفوعاً قال صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – وهذا معنى مرفوعاً، أي عن النبي عليه السلام – نسخت الزكاة – أي آية الزكاة – كل صدقة ونسخ غسل الجنابة كل غسل ونسخ صوم رمضان كل صوم ونسخت الأضحية كل ذبح، واضح أن قوله نسخ ونسخ ليس عليه جلالة النبوة ولا طلاوة كلام صاحب الرسالة – أفصح مَن نطق بالضاد – وواضح أنه مُنزَّل على اصطلاحٍ حادث، يُقال هذا نسخ هذا باصطلاحٍ حادث، وعلى كل حال حتى نكفيكم مؤونة البحث والتأويل نقول أن الحديث هذا فيه كذَّاب، ولم يرد من طريق غير هذا الكذَّاب، فالحديث كذب موضوع باتفاق المُحدِّثين، فيه المُسيِّب أو المُسيَّب بن شريك، قال علماء الجرح والتعديل أجمعوا على تركه لأنه كذَّاب يصنع الأحاديث، وواضح أن هذا من صناعة يديه، هو مَن يقول هذا نسخ هذا، غير هذا الحديث الكذب لا يُوجَد عندنا أي حديث لا صحيح ولا حسن يقول فيه النبي – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – الآية الكذائية نسختها الآية الكذائية، هذا غير موجود، فالأحاديث عن هذا الموضوع غير موجودة، والقرآن الكريم ليس فيه آية واحدة – نص – في وقوع النسخ، فإذن لماذا قلنا بالنسخ؟ لماذا قال به الصحابة؟ هل قال به الصحابة؟ نعم، الصحابة قالوا وقالوا وخاصة ابن عباس، قالوا هذه الآية نسخت هذه وهذه الآية نسخت هذه، ولكن انتبهوا إلى الآتي، مُهِم جداً أن نُنبِّه على ما نبَّه عليه الأئمة، ومن أحسن هؤلاء الأئمة تنبيهاً الإمام ابن القيم الجوزية – رحمة الله تعالى عليه – في الإعلام – إعلام المُوقعين عن رب العالمين – ويتلوه أبو إسحاق الشاطبي في المُوافَقات وفي المُتأخِّرين من أهالي القرن الثالث عشر الهجري يُوجَد أحمد بن عبد الرحيم – شاه ولي الله الدهلوي – في الفوز الكبير في أصول التفسير، هؤلاء الثلاثة أحسن مَن نبَّهوا على هذا وبالذات الشاطبي حقيقةً، الشاطبي أتى ببضعٍ وعشرين قضية وواقعة نسخ قال فيها الصحابة هذا نسخ هذا وهذا منسوخ بهذا ولكن في مُعظمها على الإطلاق استخدموا النسخ بإزاء معناه اللغوي، طبعاً النسخ لغةً له أربعة معاني لا نُطوِّل بذكرها، ولكنهم استخدموه بمعنى شيئ يُزيل شيئاً، الإزالة في المكان أو في الزمان أو في الأحوال وإلى آخره، وعلى كل حال هو شيئ يُزيل شيئاً، يُقال نسخت الشمس الظل، بالمعنى اللغوي ما معنى هذا؟ بمعنى أن الصحابة أتوا إلى آية خُصَّت بآية أخرى فلم يقولوا عموم هذه خصَّه ما في هذه أو هذه خصَّت عموم هذه، وإنما قالوا هذه نسخت هذه، لكن هل النسخ هنا اصطلاحي أم لغوي؟ لغوي وليس عندنا مُشكِلة مع هذا، القرآن فيه عمومات وفيه مُخصَّصات، والتخصيص يقع بالمُخصَّصات الخمسة، يقع بالشرط ويقع بالصفة ويقع بالغاية ويقع ببدل البعض ويقع بالاستثناء، هذه المُخصَّصات الخمسة في علم أصول الفقه، وكل هذا وارد في كتاب الله سبحانه وتعالى، فهل إذا وقع التخصيص بأحد هذه المُخصَّصات الخمس نقول نسخ أم نقول تخصيص؟ الصحابة قالوا نسخ لأن هذه اصطلاحات، لا مُشاحَة في الاصطلاح ولا تضييق في الاصطلاح، لكن علينا أن نفهم اصطلاح الصحابة – رضوان الله عليهم – وألا نغلط عليهم ونُنزِّل كلامهم على مذاهبنا واصطلاحاتنا في تعريف النسخ، كأن يقول أحدهم الصحابة أثبتوا النسخ فكيف تُنكِره؟ نقول له أي نسخ؟ النسخ بمعنى التخصيص العام نحن نُثبِته، وهو في كتاب الله كثير جداً جداً جداً هذا، حتى غامر بعضهم – ويُوجَد خطأ هنا – فقال ما من عموم في كتاب الله إلآ خُصَّ، إلا عمومات يسيرة نحو قوله أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ ونحو قوله وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۩ فالكليات الإلهية هذه لا يدخلها تخصيص، لكن فيه نقاش أيضاً، حتى هذا فيه نقاش لجهات مُعقَّدة قليلاً، على كل حال الصحابة استخدموه بهذا المعنى، تقييد المُطلَق – لدينا مُطلَق وهناك ما يُقيِّده – الصحابة ماذا سموه؟ نسخاً، الله – عز وجل – حين أباح لأحرار المُؤمِنين أن يتزوَّجوا إماء المُؤمِنات – أي الإماء المُؤِمنات وليس الحرائر، لأن هذا يرق الولد ومن ثم هذا أمر غير – ماذا قال؟ قال الله – عز وجل – وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا – القدرة المادية ضعيفة، هذا معنى الطول هنا – أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ – ما معنى الإحصان هنا؟ الحرية، أي الحرائر هنا فانتبهوا، لأن الإحصان يُطلَق بإزاء ثلاثة معاني أيضاً، وهنا بمعنى الحرية – فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ۩، ثم قال في نفس الآية الخامسة والعشرون من سورة النساء ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، قالوا هذه نسخت الآية، كيف نسخت الآية؟ هذا أمرٌ عجيب، هل فهمتم نسخاً أنتم أم أن الآية كلها تتجارى إلى تقرير غاية واحدة وتأكيد معناً واحد مُتضِّح وواضح؟ الله يقول مَن ليس عنده قدرة مادية ويخشى الوقوع في الفاحشة عموماً ففي هذه الحالة لا بأس أن أُرخِّص له أن ينكح الإماء المُؤمِنات، أي بشرط أن تكون مُؤمِنة فانتبهوا، وهنا قد يقول لي أحدكم كيف هذا وهو جائز؟ لا يا أخي، هذا ليس التسري، كأن تشتري إماء وما إلى ذلك، والآن طبعاً قد يقول أحدهم يُحدِّثنا عن الإماء عدنان إبراهيم، لقد جنَّنوني، الواحد منهم يأخذ أي كلمة ويتحدَّث عنها وكأنك تُقِر بها الآن، وهذه طريقة عجيبة في الفهم، فنسأل الله أن يُعطينا عقلاً وفهماً، أنا أتحدَّث عن الشيئ كما هو ولكن كل شيئ له حكمه، وعلى كل حال ليس هذا المقصود، فإذن الموضوع ليس عن أن تشتري أمة وتتسرى بها، فهذا جائز بلا خلاف، وإنما المقصود أن تنكحها بعقد شرعي وتُعطيها مهراً، وهذا الذي يرق الولد، وهذه مُشكِلة ثانية، فهذا غير التسري، غير الدخول بالإماء أو التسري بالإماء، هذا إسمه نكاح وزواج كما تتزوج الحرة، والله – تبارك وتعالى – قيَّد حِل نكاحهن – أي الإماء – بقيد خشية العنت، أي الخوف من الوقوع في العنت، هذا معنى قوله خشية العنت، قال الله ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۩، ماذا جعله الصحابة؟ من باب الناسخ والمنسوخ، قالوا هذا نسخ هذا، لكن هنا أطلقوا النسخ بإزاء أي معنى؟ بإزاء التقييد، أي تقييد المُطلَق، فسمَّوا تقييد المُطلَق نسخاً، ولا بأس في هذا، لا مُشاحَة في الاصطلاح، ولكن ليس هو النسخ الشرعي وهو إبطال العمل – إنهاء العمل – بحكم شرعي مرةً وإلى الأبد، هذا غير التخصيص، وهنا قد يقول لي أحدكم أنت تحدَّثت عن التخصيص والنسخ فما الفرق؟ فرق كبير جداً جداً جداً، حين أقول لك أعط الذين في المسجد – هذه من ألفاظ العموم – كلهم، ثم أقول لك بعد ذلك إلا فلاناً، فهل هذا نسخ أم تخصيص؟ تخصيص، وهو تخصيص بماذا؟ بالاستثناء، ويُوجَد – كما قلنا – تخصيص بالصفة ويُوجَد تخصيص بالشرط ويَوجَد تخصيص ببدل البعض ويُوجَد تخصيص بالغاية مثل حتى كذا وإلى كذا وإلى أن كذا وكذا، فهذا تخصيص بالغاية، والتخصيص ليس نسخاً، لماذا؟ طبعاً الفروق بين التخصيص والنسخ قريب من عشرين فرقاً، مَن أحب أن يقف عليها كلها – وجيد أن يقف عليها دارس الأصول – فليعد إلى الإمام الزركشي في البحر المُحيط في أصول الفقه، ذكر زُهاء عشرين فرقاً بين النسخ والتخصيص، ولكن أنا أعطيكم فرقاً واحداً يُناسِب مقام خُطبة جمعة، النسخُ تبديل، كان حلالاً صار حراماً، أي تبدَّل بالكامل، أما التخصيصُ تقليل، كأن أقول أعط الذين في المسجد إلا فلاناً وفلاناً تخصيص، هل قلَّ عددهم أم لم يقل؟ قلَّ اثنان، هذا هو، فالتخصيصُ تقليل والنسخُ تبديل، هذا من أهم الأشياء لكن تُوجَد طبعاً فروق كثيرة جداً – كما قلنا – تصل إلى زُهاء عشرين فرقاً، كتاب الله فيه تخصيص للعام، والصحابة سمَّوه نسخاً، قال الله – تعالى – في آخر الشعراء وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۩ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۩ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ۩ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ۩، ماذا قال ابن عباس؟ قال فنسخ مِن ذلك ما شاء، قال هذه نسخت هذه في الآية نفسها، كيف يكون نسخاً؟ هذا ليس نسخاً وإنما هو تخصيص، خصَّ من هؤلاء الشعراء المذمومين مَن ذكرهم بهذه النعوت والأوصاف، الشعراء المُؤمِنون الذين يذكرون الله وينتصرون من بعد ظلم وما إلى ذلك ليس عليهم أي شيئ، ما عليهم من بأس، لكن ابن عباس سمَّاه نسخاً، هذا النسخ هو نسخ الأصوليين بمعنى رفع حكم شرعي بدليل شرعي مُتأخِّر أم نسخ اللغة بمعنى النسخ اللغوي؟ نسخ اللغة، هذا نقول به وليس عندنا مُشكِلة في هذا، هل فهمتم؟ هذا نقول به، ليس لدينا أي مُشكِلة، لكن ليس هو محل النزاع فلا نُطوِّل بهذا، الإمام الشاطبي أوعب في هذا الموضوع – رحمة الله تعالى عليه – في المُوافَقات حيث أتى – كما قلت لكم – ببضعٍ وعشرين قضية من هذا الباب، عودوا إليه لكي تستفيدوا استفادة جمة وتعلموا كيف قال الصحابة هذا نسخ وهذا بيان وهذا ليس نسخاً وما إلى ذلك، هناك أشياء فيها بيان، قالوا هذا نسخ هذا، وهو بيان طبعاً، وكذلك مع الاستثناء، اليوم تلونا من سورة النحل، قال تبارك وتعالى إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩ هذه آية طبعاً، وبعد ذلك – بعدها بثلاث آيات – في الآية المائة وعشرة في النحل – قال الله تعالى – ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ۩، قال فاستثنى من ذلك ونسخ، لكنه يقول لك هو استثنى ونسخ، أي أن هذا النسخ هو نسخ استثناء، لكن هذا ليس نسخاً اصطلاحياً، ولذا هذا نقبله وليس عندنا أي مُشكِلة معه.
الوقت ضيق لكن ماذا عن مذاهب العلماء في النسخ والناسخ والمنسوخ وهذا الكلام في كتاب الله؟ أنا أقول لكم أننا نستطيع أن نُميِّز ثلاثة مذاهب للسادة العلماء عبر العصور في هذه القضية المُهِمة الحساسة، المذهب الأول مذهب المولعين بالنسخ، الذين أثبتوه وأُولِعوا به عشقاً وحباً واستُهيموا به، يقولون لك هذا نسخ هذا وهذا نسخ هذا، وهذا شيئ غريب جداً، حتى – فيما يُقال ولكن لم نقف على هذا – بُلِغ بالآيات المنسوخات من كتاب الله خمسمائة آية، وهذا شيئ كثير جداً جداً جداً، خمسمائة آية يُبطَل العمل بأحكامها في كتاب الله ثم يُوصَف هذا الكتاب من قبل ومن بعد بأنه كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ۩ وبأنه كتاب لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۩، لقد أُبطِلَ العمل بخمسمائة آية، هذا غير معقول، هذا كثير جداً جداً جداً، يُوجَد شيئ غير عادي هنا وغير طبيعي للأسف، نحن نُنكِر هذا النزوع وهذا الإندلاع وهذا الهيام والولاع بكثرة إدعاء النسخ، هناك أشياء مُعظمها على الإطلاق لا مجال ولا مساغ للقول بالنسخ فيها وسوف نرى كيف هذا، وعلى كل حال هذا المذهب الأول، المذهب الثاني مذهب الذين وافقوا على وقوع النسخ في الكتاب والسُنة طبعاً لكنهم قلَّلوا ولم يُسرِفوا واقتصدوا، من أمثالهم الجلال السيوطي – رحمة الله تعالى عليه – في الاتقان في علوم القرآن، قال هؤلاء الناس اندلعوا كثيراً في الحقيقة، وهو عنده منظومة شعرية ذكرها في الاتقان، باختصار قال أن الآيات المنسوخات يصل عددها إلى إحدى وعشرين آية ثم بعد ذلك استثنى آيتين ثم أضاف آية، أي في النهاية قال عشرون آية، قال الآيات التي دخلها نسخ – آيات منسوخة الحكم – عشرون آية فقط، هذا مَن؟ الجلال السيوطي وهو مُقتصِد جداً، من مائتين وسبع وأربعين عند ابن الجوزي أو خمسمائة عند مَن ذكروا – لم نقف على واحد قال خمسمائة لكن هم ذكروا هذا، أكثر شيئ وقفنا عليه أبو الفرج بن الجوزي حيث قال بوجود مائتين وسبع وأربعين آية – لعشرين آية يُعَد أمراً مُمتازاً جيداً، هذا الإمام السيوطي إذن، في القرن العشرين الشيخ العلَّامة محمد عبد العظيم الزرقاني صاحب الكتاب الماتع حقيقةً الذي ننصح به لمَن ابتدأ في علوم القرآن لكييقرأ الكتاب كبداية لأنه مُمتاز جداً وهو كتاب مناهل العرفان في علوم القرآن، وكم ذا لمصر وعلماء مصر والأمة – والله – من أيادٍ حقيقةً، كم جمَّلوا العلوم وقرَّبوها وحسَّنوها، فتح الله على علماء مصر حقيقةً وشكر الله لعلماء الأمة جميعاً لكن هؤلاء لهم مزية خاصة حقيقةً في كل عصر، إذن اقرأوا مناهل العرفان، كم قال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني؟ قال سبع آيات، المنسوخات فقط سبع آيات، لم يُوافِق حتى السيوطي، وأجاب عما ادّعى السيوطي فيه المنسوخية، قال هذا غير منسوخ، هذا له طريق آخر وله سبيل آخر، إذن هو أجاب عن هذا.
الدكتور العلَّامة الكبير مصطفى زيد صاحب أوفى رسالة في علم الناسخ والمنسوخ – في نواسخ القرآن الكريم – عبر العصور، أعظم كتاب كُتِب في هذا الموضوع رسالة الدكتوراة للعلَّامة الأزهري الكبير مصطفى زيد شكر الله صنيعه، إسم الرسالة النسخ في القرآن الكريم، قال ست آيات فقط، لم يقل سبع آيات وإنما قال ست آيات، قال ست آيات لم أجد لهن تأويلا فلابد أن نعترف بأن النسخ دخلها، لكن نحن اليوم – إن شاء الله وهذا أهم ما في الخُطبة – سنُثبِت لكم أن هاته الآيات الست أيضاً مُحكَمات وغير منسوخات، وبهذا يثبت أن القرآن كله – بفضل الله – كتابُ مُحكَم لم يطرقه نسخٌ، لذلك لاَ رَيْبَ فِيهِ ۩، ليس فيه شيئ يدعو إلى الريب أبداً فانتبهوا، ابن حزم – العلَّامة الكبير ابن حزم الظاهري رحمة الله عليه – في كتابه الفصل في الأهواء والملل والنحل حين كان يُناقِش اليهود ماذا قال له يهودي؟ قال له أنت بتحتج علينا بتحريف كتابنا – الكتاب المُقدَّس التوراة أو كتاب حتى النصارى – في حين أن كتابكم أيضاً لم ينج من التحاريف، هو مُحرَّف، فقال له أين هذا؟ قال له الشيعة يدّعون هذا، وللأسف الشيعة فعلاً يدّعون هذا، مُعظم علماء الشيعة يدّعون أن التحريف وقع في كتاب الله، لكن مُعظم أهل السُنة والجماعة من عند آخرهم يُوافِقون الشيعة في بعض هذا ويدّعون أن التحريف وقع في كتاب الله وخاصة حين يتحدَّثون عن نسخ التلاوة، أي عن شيئ ما عاد موجوداً في كتاب الله وارتفع، ثم ماذا؟ المُصيبة أن بعضه ارتفع ليس في أيام النبي وإنما بعد وفاة النبي، الله أكبر، هذا يعني أن طرقه الباطل، سفيان الثوري يقول يقول بلغنا – يا إمامنا، يا أبا سعيد – أن الصحابة في معركة مُسيلمة -معركة اليمامة، سماها في يوم مُسيلمة، أي أن يعني المعركة مع مُسيلمة، وهذا في أيام غزوات العرب – مات منهم خلقٌ كثير، فسقط أو ذهب من القرآن حروف، أي ضاع شيئ من القرآن، ماذا قال العلَّامة المُحدِّث الفقيه الأصولي والمُفسِّر الجليل عبد الله بن الصديق الغماري – قدَّس الله سره ورضوان الله عليه – في كُتيبه الماتع الجليل على صغره ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة؟ قال لا يُوجَد شيئ إسمه نسخ التلاوة، هذا كلام فارغ، وقد ألَّف رسالة من أجود ما يكون فأنصح أيضاً بقرائتها والرجوع إليها، قال وأقول لسفيان الثوري غفر الله لك كيف ساغ عليك هذا الكلام؟لعل الذي بلَّغك إياه شيطان تمثَّل لك في شكل إنسان أو يهودي ادّعى الإيمان، أي أن هذا لا يقوله أي مسلم، لا يُقال بعد وفاة رسول الله في حروب الردة ضاع قرآن منا، كيف هذا يا أخي؟ هل القرآن محفوظ عند أُناس مُحدَّدين فقط أم الألوف كانوا يحفظونه؟ ألوف الأمة من الصغار والكبار، النساء في البيوت كنا يحفظنه، لو مات كل رجال المسلمين في يوم مُسيلمة فالنساء يحفظن، أليس كذلك؟ هناك نساء حوافظ لكتاب الله، ثم قال العلَّامة الغماري – رضوان الله عليه – كيف ساغ عليك هذا الكلام والله – تبارك وتعالى – يقول إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩؟ على كل حال هذا إن صح عن سفيان، وللأسف الشديد رواه عبد الرزاق في المُصنَّف لكن في البخاري ينسبونه إلى عمر، ولكن نعود إلى هذا، فقط نُحصي المذاهب ونعود إلى هذا لكي نُعطيكم فكرة عنه.
إذن العلماء الذين قلَّلوا مثل مُصطفى زيد، قال ست آيات، العلَّامة المُجتهِد الكبير خاصة في الفكر صبحي الصالح – الشهيد السُني الكبير رحمة الله تعالى عليه – في مباحث في علوم القرآن قال عشر آيات منسوخات والباقي مُحكَم، عشر آيات فقط،العلَّامة الدكتور محمد سعد جلال الأزهري – كان يُدرِّس بالأزهر وهو عالم كبير ومُجتهِد وجريء، له آراء جريئة جداً جداً يُخالِف فيها الإجماع ويُخالِف فيها الأمة – قال أربع آيات، المنسوخ أربع آيات فقط، والشيخ عليّ حسن العريض في فتح المنان في نسخ القرآن – رسالة الماجيستير له وهو عالم أزهري ومُدير وعظ بالأوقاف المصرية – قال خمس آيات، فهؤلاء لا بأس معهم لكن إن ثبت لنا أن هاته الست أو الخمس أو الأربعة أيضاً مُحكَمة فهذا اللِّبَأ وابن طاب، هذا أحسن وأحسن، وإن شاء الله يثبت لنا هذا بعد قليل، سنُثبِت لكم هذا – إن شاء الله – في الخُطبة الثانية، نعود إلى قضية نسخ التلاوة، هم طبعاً تحدَّثوا عن أنواع النسخ، قالوا هناك ثلاثة أنواع، أولاً ما نُسِخَت تلاوته وحكمه، وهذه كارثة وداهية – كما قلت – ما لها من واهية، أي أن القرآن نفسه كان مرسوماً أو محفوظاً في الصدور أو في السطور ثم ارتفع بالكامل بعدما كان موجوداً، لكنه انتهى والحكم الخاص به أيضاً ضاع، ويُوجَد شيئ أعجب منه، حيث قالوا هناك ما نُسِخَت تلاوته وحكمه باقٍ وهذا ثانياً، لكن كيف هذا يا رجل؟ يا رجل الحكم – افعل ولا تفعل وهذا حلال وهذا حرام وإلى آخره – يحتاج دليلاً والدليل هو المتلو، وأنت تقول أن المتلو نُسِخَ وذهب ولم يعد موجوداً، فإذن كيف عرفت الحكم؟ هذا شيئ غريب يا أخي، ومع ذلك يُقال لك هذا ما قاله العلماء، هم علماء ونحن بشر وعندنا عقول بصراحة ونُريد أن نُفكِّر تفكيراً منطقياً، علماً بأنني لم أُكمِل الحديث عن ابن حزم، ابن حزم قال له اليهودي أن الشيعة يقولون هذا، فرد عليه ابن حزم في هذا الموضوع وقال له هذا غير صحيح،
لكن ابن حزم لم يقل له أن السُنة أيضاً يقولون هذا وأن اليهودي يجهل هذا، فليس الشيعة وحدهم مَن يقولون بهذا، السُنة عندهم نسخ التلاوة، ونسخ التلاوة يعني التحريف لأنهم يقولون هناك آيات نزلت ثم ذهبت، وسأقف بكم على بعض الأمثلة التي تُثير الإنسان وتستفزه حقيقةً وتُسيء إلى كتاب الله، كيف لا تُسيء إلى المُؤمِنين بكتاب الله تبارك وتعالى؟ ولكن ما الجلالة؟ ما المُصيبة؟ أنها في البخاري ومسلم فممنوع أن تتكلَّم، هل إذا كان في البخاري أن كتاب الله حُرِّفَ سوف تقبل بهذا؟ يقول لك نعم سوف أقبل لأنه في البخاري، يا رجل البخاري كله على بعضه أحاديث آحاد، ائتني بحديث مُتواتِر، هذا قليل وخاصة اللفظي، المُتواتِر اللفظي ابن الصلاح قال حديث واحد، وهو من كذب عليَّ متعمداً، فقط حديث واحد، غيره كله آحاد أو مُتواتِر معنوياً، اشتُهِر أو استُفيض أو استفاض معنوياً، لكن مُعظم الأحاديث على الإطلاق آحاد، فهل أنت بحديث آحاد وأحياناً ينفرد به راوٍ واحد تُريد أن تنسخ كتاب الله المُتواتِر؟ والقرآنية لا تثبت إلا بالتواتر، لكي تقول لي هذا قرآن نزل ونُسِخَ وارتفع بحديث آحاد فهذا يعني أنك أثبت القرآنية بحديث الآحاد، وأثبت ارتفاع القرآن بحديث آحاد، وهذا تخليط وتخبيط بصراحة، كتاب الله لا يثبت أصلاً إلا بالتواتر، ائتني بأحاديث مُتواتِرة تقول أن هذه الآية نزلت، إذا كانت مُتواتِرة سوف نُصدِّقها، لكن ليس عندنا أحاديث مُتواتِرة، كلها أحاديث آحاد لا معنى لها، عند التحقيق فعلاً لا معنى لها وسوف نرى هذا، فقالوا لك نُسِخَت التلاوة ولكن بقيَ الحكم، والقسم الثالث وهو الأهون حقيقةً ولكن هذا الذي بالغ فيه بعضٌ واقتصد فيه ولم يُسرِف بعضٌ آخر، ما هو؟ ما نُسِخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا ثالثاً، تبقى الآية مرسومة في كتاب الله مخطوطة ونتلوها فنتعبَّد الله بتلاوة حروفها لكن لا نتعبَّد الله بالنزول على حكمها، لماذا؟ لأن حكمها أصبح من المبُطَّل ومن المُنتهي العمل به، منسوخ مرة وإلى الأبد، ما عاد أحد يعمل بها، وهذا هو معناها، وهذا هو القسم الثالث، وسوف نرى ما هى معنى آيات قرآنية نُسِخَت جُملاً، أي التلاوة مع الحكم، مثَّلوا لها بحديث عائشة في صحيح مسلم قالت أم المُؤمِنين – رضوان الله تعالى عليها – كان فيما أُنزِلَ من القرآن الكريم عشر رضعات مُشبِعات يُحرِّمن فنُسِخن بخمسٍ معلومات – انظروا إلى المُصيبة، ليست مُصيبة عائشة، حاشاها طبعاً، أنا يقيني عائشة لا قالت هذا ولا تدري بها، هذا مما وُضِع، وهنا قد يقول لي أحدهم كيف تقول هذا؟ هل وُضِعَ في مسلم؟ لكن أنا ليس لي علاقة لا بمسلم ولا بالبخاري، أنا لي علاقة بكتاب الله، اذهبوا وفتشوا عن مشاكلكم، هذا كتاب الله فلا تلعبوا يا أخي، والآن يُطرِّقون طريقاً للشك في قلوب المسلمين، يُوجَد شخص إسمه الحدَّاد وهو نصراني كبير مُبشِّر بالمسلمين ألَّف كتاباً كله عن قضية النسخ، وأنكر أن القرآن كان مُتواتِراً وأتى بهذه الأحاديث، وهذه حين تُتلى على أولادنا وبناتنا طبعاً يتطرَّق الريب والشُبهة إلى قلوبهم، يُعلِّموننا أنه مُتواتِر لكن تفضل هذه الأحاديث، لكنه غير محفوظ فهناك أشياء ارتفعت وهناك أشياء ذهبت وما إلى ذلك، وهذا غير معقول، قال الله وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩، وانتهى كل شيئ، ليس لأحد بعد كلام الله كلام، لا تقل لي فلان أو علان أو الأمة، لا يُوجَد هذا الكلام أبداً، وهذا ما ندين الله – تبارك وتعالى – به، فهذا ما تقوله أم المُؤمِنين فيما يُنسَب إليها، لكن أنا أُبرِّئها من هذا قطعاً، حاشاها – فتُوفي رسول الله وهن مما يُتلى من كتاب الله، انظروا إلى هذه المُصيبة وإلى التكلفات التي تُقال، قالوا تُوفي تعني أوشكت وفاته أو قُبيل وفاته، يا رجل ما هذا التعبير العربي؟ تقول لك مات الرسول وهذ الآيات – خمس رضعات مُشبِعات يُحرِّمن – كنَّ في كتاب الله وكان الناس يتلونهن أو يتلونها – يُمكِن أن نُقدِّس آيات الله ونقول يتلونهن، هذا مُمكِن لكن القاعدة هى يتلونها، أي يتلون هذه الآيات – لكن هل هذا مُمكِن؟ إذن مَن الذي نسخها بعد وفاة رسول الله؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ ما هذا؟ أين هذا؟ هذا غير موجود، وعلى كل حال هذا ليس مذهب الجمهور، فما رأيكم؟ مذهب الجمهور أن ليست الخمس رضعات هن مَن بيحرِّمن، يُوجَد أُناس قالوا بأقل من هذا، إذن هذا عند الجمهور لا يُعمَل به، وطبعاً بحسب نص حديث عائشة في مسلم منسوخ التلاوة أيضاً، فهذا مثل على منسوخ التلاوة والحكم، وهناك أمثلة على منسوخ التلاوة مع بقاء الحكم، وهى أمثلة لها العجب، كالذي في صحيح البخاري عن سيدنا الفاروق عمر – رضوان الله تعالى عنهم أجمعين – حيث قال لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت هذه الآية في كتاب الله، هل تقدر على أن تكتب آية؟ ما هى؟ هل عندك آية والناس لا يعرفونها؟ هل حفَّاظ كتاب الله – حوافظ كتاب الله – لا يعرفون هذه الآية؟ قال نعم، هذه آية الرجم، والخُطبة القادمة – إن شاء الله – سوف تكون عن الرجم، وهذه سوف تكون مُصيبة نوعاً ما، لأنها عن الرجم، هل يُوجَد رجم في دين الله أم لا يُوجَد رجم؟ سوف نرى هذا لأن هذه المسألة حرجة جداً، لكننا سوف نرى هذا بالأدلة إن شاء الله، ماذا قال عمر؟ قال والشيخة والشيخة، وقبل أن نُكمِل عرفنا من البداية أنها كذب، هل تعرف لماذا؟ لأن الله قال الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ۩، قدَّم المرأة، لكن هنا قال الشيخ والشيخة، فالذي وضعها لا يعرف ما الذي يخرج من رأسه، لكن عمر ليس له أي علاقة بها ولم يسمع بها في حياته، هذه وُضِعَت بعد ذلك، قالوا والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، هل يُوجَد في كتاب الله لفظة البتة؟ هذه البتة لم أرها البتة في كتاب الله، هذه غير موجودة البتة في كتاب الله، صيغة البتة وبتاتاً عربية فصحى لكنها ليست في كتاب الله، لم يقل الله ولو مرة واحدة البتة، قالوا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم، قال الفاروق فيما يُنسَب إليه لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت هذه الآية في كتاب الله، يا عمر هل هذه عندك أنت وحدك فقط؟ أين تاهت عنها الأمة؟ هذه تتعلَّق بإزهاق نفوس ورجم ناس وقتل ناس، كيف لا يعرفها إلا عمر؟ ما هذه القصة؟ هذا حديث آحاد، وقالوا هذه آية الرجم، رجم ماذا يا جماعة؟ ما هذا الحديث؟ واضحة الأمور في كتاب الله تبارك وتعالى، في حديث ابن مسعود عن الآية التي تقول فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ۩، قال مُتتابِعات، فنُسِخَت مُتتابِعات وبقيَ حكمه، شرط فيها التتابع في صيام الثلاثة أو الثلاثة الأيام، شرطٌ فيها التتابع لكن اللفظة نُسِخَت، يا رجل لو أنزلها الله ما نسخها، لماذا؟ ثم أنها مشروطة وحكمها موجود، ونحن – كما قلنا – عندنا حكم ونُريد دليلاً على الحكم، كيف تنسخ الدليل؟ بماذا أعرف؟ وكيف هى نُسِخَت ونُسِخَت تلاوتها وأنتم تقولونها الآن؟ انظروا إلى الكذب وإلى التناقض، وهذا حتى مثل حديث عمر، عمر حافظها ووصلت لنا فإذن هذا قرآن هل نُعيد كتابته؟ هذا غير معقول، أنس بن مالك – وهذا أيضاً في الصحيح – يقول نزلت سورة، وهذه السورة كانت طويلة، في طول براءة، وارتفعت وظل منها آية نتحفَّظها، نسيناها كلها – ذهبت السورة كلها وضاعت من عقولنا ومن كل شيئ – وبقيت آية، وماذا عن الكتابة؟ كانت تُكتَب، ألَّفوا أحاديث فعلاً لها العجب، قالوت حتى المكتوبات حيت استيقظوا في الصباح وجدوها قد مُحيَت كلها، عالم مُعجِزات، عالم خوارق، عالم سحري، نحن نعيش في عالم سحري، وهذا كلام فارغ، لكن هذا يُناسِب العقول القروسطية، هم يُحِبون هذه الأمور، كأن يُقال هذا كاتب في لخفة وهذا كاتب في عسيب وهذا كاتب في رق أو جلد وحين استيقظنا في الصباح وجدنا كل ما كُتِبَ قد مُحيَ، وهو مُحيَ أيضاً من الرؤوس، وأنا سوف أقول لك – وهنا سوف تقول لي لك الويلات يا عدنان – والله لو حدث هذا ما عرفناه، هل تعرفون لماذا؟ بالعقل لو فعلاً كان موجود في الصدور وعلى الألسنة كان متلواً ومكتوباً في اللخاف وما إلى ذلك وارتفع كله من الصدور والسطور وكل شيئ والله ما عرفه واحد ولا رواه واحد، أليس كذلك؟ عن أي سورة تتحدَّث وأنت تقول أنك نسيت كل شيئ، انتبهوا واستخدموا دائماً العقل، يُقال عني عقلاني، طبعاً لازم أكون عقلاني وليس جهلاني، وإلا سوف نتورَّط ونُورِّط معنا كتاب الله نفسه، إذا هذا حدث لن يعرفه أحد، هذا مثل فرضية بوانكاريه Poincaré، انظروا إلى ذكاء هنري بوانكاريه Henri Poincaré العالم الرياضياتي الفرنسي العظيم، ماذا قال؟ قال هنري بوانكاريه Jules Henri Poincaré إذا استيقظنا ذات صباح فوجدنا كل شيئ في عالمنا تضاعف ألف ضعف – ترى منخارك تضاعف ألف ضعف ويدك نفس الشيئ ورموش عينيك والشمس والقمر وكل شيئ تضاعف ألف ضعف، ماذا يقول بوانكاريه Poincaré – سوف يستحيل على أكبر رياضياتي وعلى أكبر فيلسوف ذكي أن يعرف أن هذا حدث، أليس كذلك؟ لأن الكل حدث مع بعضه في نفس الوقت، فيستحيل أن يعرف هذا، أليس كذلك؟ كذلك إذا هذا كله ارتفع من كل شيئ كيف عرفناه؟ كيف روينا هذه الواقعة؟ لا يستطيع أحد أن يعرفها، هذا انتهى وذهب، إذا سألتني هل من المُمكِن أن يحدث هذا الشيئ بالعقل؟ بالعقل مُمكِن، لكن غير المُمكِن أن تروي لي إياه وتقول لي حصل معي، سوف أقول لك أنك تكذب هنا، أي أنهم يكذبون على الصحابي طبعاً لأن الصحابي لا يُمكِن أن يكذب، هؤلاء يكذبون على أصحاب رسول الله، إِنَّا لِلّهِ ۩.
قالوا نفس الشيئ مع سورة الأحزاب لأنها كانت في حجم سورة البقرة، اعمل بينهن مُقارَنة وسوف يتضح أن منسوخ تقريباً يصل إلى زُهاء مائتين وثلاث عشرة آية، مائتان وثلاث عشرة ذهبوا مرة في مرة واحدة، ولك أن تتخيَّل هذا، سورة الأحزاب كانت في مثل طول سورة البقرة ثم ذهب كل هذا، الله عمل لها اختزال -Reduction – فاختُزِلَت وبقيت السورة التي نعرفها، إذن ما مقدار المنسوخ؟ زُهاء ثلاث عشرة ومائتي آية، كل هذا ذهب، وهذا كلام فارغ وهو كلام كثير، وعائشة تتحدَّث عن آيات كانت موجودة ومكتوبة وضاعت بالكامل، وطبعاً هم ينسبون إليها هذا، أم المُؤمِنين حاشاها أن تقول هذا، فانتبهوا دائماً إلى أنهم ينسبون إليها، أين هذا يا أم المُؤمِنين؟ قالت أكلتها الداجن، كانت في ورقة وتحت السرير وبعد ذلك النبي تُوفي واشتغلنا بوفاته فجاءت الداجن – العنزة مثلاً أو ما شابه – وأكلتها، فضاعت الآية، لكن كيف هذا؟ وكيف عرفتِ؟ أنتِ تحفظين الآية فإذن اكتبيها مرة ثانية، قالت أكلتها الداجن، وهل القرآن محفوظ في السطور؟ أهم شيئ أنه في الصدور، هو إسمه القرآن، القرآن موجود في الصدور، فاكتبيها إذن وقومي بإملائها علينا، لكنها قالها ذهبت الآية وضاعت، وهذا الكلام لا يستقيم يا جماعة، والله الذي لا إله إلا هو حين اقرأ هذا الكلام حتى وإن كان في الصحاح – والله – يغلب علىّ أن أقول الله أكبر، ما هذا المكر الذي مُكِر بهذه الأمة؟ مَن الذين دسوا هذه الأشياء وكيف نجحوا في دسها على الأمة؟ والله العظيم فعلوا هذا تشكيكاً لنا في كتابنا، لأن الكتاب الله أعجزهم بفضل الله عز وجل، هل تعرف ما إسم هذا؟ هذا إسمه الإعجازالتاريخي والمصداقية التاريخية – Historical Credibility – والموثوقية التاريخية، القرآن من ألف وأربعمائة وثلاثين سنة وأكثر – قريب من ألف وأربعمائة وخمسين سنة – قال في الحجر وهى مكية إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩، أُقسِم بعزة جل الله – لا إله إلا هو – لو لم يكن هذا الكلام كلام الله لحُرِّف القرآن، أليس كذلك؟ من الطبيعي أن يُحرَّف من ألف وأربعمائة سنة، لو لم يكن كلام الله لحُرِّف بخمسين طريقة، لكن لم يقدر أي أحد أن يُحرِّفه إلى اليوم، وهو وكما هو بفضل الله عز وجل ويُتلى من أوله إلى آخره، هل تعرفون لماذا؟ لأنه الله قال نحن جرَّبنا اليهود والنصارى واستحفظناهم على الكتاب فلم يحفظوه ومن ثم هذه المرة لن نجرَّبكم، والحمد لله أنه لم يُجرِّبنا، ينقدون علينا – علىّ وعليكَ وعليها – أننا نُنكِر النسخ، عزَّ عليهم أن القرآن ليس فيه أشياء باطلة، يُريد الواحد منهم وجود النسخ ويفرح به، هل أنت تُحِب هذا الشيئ؟ هل أنت فرح بهذا؟ هل أنت مُستمتِع بأن القرآن فيه أحكام أُبطِلَت؟ هل أنت فرح بهذا وغاضب من عدنان ومن غير عدنان لأنهم قالوا لا نسخ في كتاب الله؟ لماذا؟ وهنا قد يقول لي أحدكم أنت قلت لا يُوجَد نسخ فمَن الذين سبقوك في هذا الموضوع يا عدنان أم أن هذا من بدعك ومن أوابدك؟ لا والله، مِن أول مَن قال بهذا العلَّامة المُعتزِلي والمُفسِّر الشهير أبو مسلم، طبعاً وصفه الشوكاني بأنه جاهل، قال هذا جاهل بشرع الله، لكنه ليس جاهلاً، هذا غير صحيح، والحمد لله قد وصلنا بعض كلام أبي مسلم، وأبو مسلم بحر، هو إسم على مُسمَّى، بحر من بحور العلم والتفسير وعلَّامة كبير، ليس لأنه أنكر النسخ يا شوكاني تقول هذا، والشوكاني علَّامة كبير لكن اعتقادنا أنه دون الإمام الأصفهاني بمراحل، حتى الفخر الرازي حين أورد حُجج – عودوا إلى الفخر الرازي في التفسير الكبير – أبي مسلم – العلَّامة المُعتزلي محمد بن بحر الأصفهاني، هو من علماء المسلمين وهو مُفسِّر كبير – أنكر وقوع النسخ في كتاب الله، قال يُوجَد تخصيص ويُوجَد تقييد ويُوجَد تفسير ويُوجَد تبيين وإلى آخره أما نسخ بمعنى إبطال نهائي أبدي فهذا غير موجود، كتاب الله يجل عن هذا، وأتى بحجج يُمكِن أن تقفوا عليها حين تقرأون للفخر الرازي، والمُعلَم من مذهب الفخر الرازي – وهو ومذهب الأشاعرة والشافعية وما إلى ذلك – يُفيد وجود نسخ، لكن هو جنح إلى كلام أبي مسلم الأصفهاني واستروح إليه كثيراً واستحسنه وأعرب عن هذا، هذه حُجج قوية ومن أقوى ما يكون، فلا تقل هو جاهل بشرع الله يا شوكاني، كيف يكون جاهلاً؟ هل أبو مسلم جاهل؟ إذن نحن مَن صرنا العلماء، فأبو مسلم ليس جاهلاً، من المُعاصِرين علماء كبار حقيقةً وغير مغموزين في اعتقادهم وحبهم للإسلام والقرآن مثل مُفتي مصر العلَّامة الإمام محمد عبده، قال لا يُوجَد نسخ، كتاب الله مُحكَم كله ولا يُوجَد فيه نسخ، الشيخ العلَّامة مُؤرِّخ التشريع والأصولي والأديب محمد الخضري بك كتب فصلاً في كتابه أصول الفقه من أجمل ومن أجود ما يكون في علم الناسخ والمنسوخ، فعودوا إليه لأنه كتاب مُمتاز وهذا الفصل مُمتاز، محمد الخضري قال كتاب الله ليس فيه ناسخ ومنسوخ، كله مُحكَم، لا تُوجَد آية واحدة منسوخة، عندنا محمد الغزالي شيخ الدعاة – رحمة الله تعالى عليه – في القرن العشرين، هل تعرفون الشيخ الغزالي؟ الغزالي – ما شاء الله تعالى عليه – الغزالي قال لا تُوجَد آية في كتاب الله منسوخة، وعنده كلام من أجمل ما يكون في كتابه نظرات في القرآن، البحَّاثة والعالم الكبير عبد المتعال الجبري عنده حوالي خمسة أو ستة كتب كلها تقول لا نسخ في كتاب الله، مثل كتاب النسخ في الشريعة الإسلامية كما أفهمه، وقد أتى بالأدلة في هذه الكتب كبيرة، الرجل كتب مئات الصحائف، علماً بأن عبد المتعال الجبري هو علّامة مصري، لكن – كما قلت لكم – أحسن هذه الكتب كتب مصطفى زيد، والرجل أوشك أن يُنكِر كل شيئ ولكنه أثبت منسوخية ست آيات فقط، مفتي مصر إلى وقتٍ قريب العلَّامة الأصولي والفقيه الكبير عليّ جمعة – حفظه الله – يُنكِر وقوع النسخ في كتاب الله، وعنده كتاب – أعتقد الطبعة الأولى في ألفين واثنين لأنه غير قديم – إسمه النسخ عند الأصوليين، حين تقرأه تقول عدنان يكذب علينا لأنه يُحدِّثك عن النسخ وأدلته ويقول هذا الكلام في الكتب لكن في النهاية يقول لك رأيي أنه لا يُوجَد نسخ في كتاب الله، لا نسخ تلاوة ولا نسخ حكم، كتاب الله كله مُحكَم، وطبعاً لم يُنوِّر رأيه بأن يُجيب عن الآيات التي قيل إنهن منسوخات أو إنها منسوخة، لم يفعل هذا وهو طبعاً يستطيع ذلك، وهذا موجود في الكتب، وغيره سبقه به وإليه بفضل الله، لكنه قال أنا رأيي لا يُوجَد نسخ، العلَّامة الأزهري أحمد حجازي السقا عنده كتاب إسمه لا نسخ في القرآن، والكتاب من حوالي مائتين وأربعين صفحة، قال لا يُوجَد في كتاب الله نسخ وأتى بالأدلة، وهو كتاب كامل عن هذا الموضوع، إذن علماء كبار ثقات أنكروا وقوع النسخ في كتاب الله، قالوا كله مُحكَم، ولكن يظل التحدي أن نُثبِت الإحكام، وطبعاً ليس
عندنا الوقت الكافي لكي نتكلَّم عن عشرين آية، لكن أنا عملت هذا في مُحاضَرة، تكلَّمت عن عشرين آية ذكرها السيوطي وأثبت أنهن مُحكَمات غير منسوخات، فهذا يحتاج إلى مُحاضَرة بطولها، وقد يقول أحدكم قل لنا ما الست الآيات يا عدنان التي قلت أنهن عند هؤلاء المُقتصِدين غير المُسرِفين منسوخات وهن غير منسوخات، أي مُحكَمات، كيف تُجيب عنهن؟ أو كيف أُجيب – تواضعاً – عنهن؟ هذا في الخُطبة الثانية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
لن نتلوا حتى الآيات بسبب الوقت للأسف وقد وعدتكم ألا أُطوِّل اليوم، لكن الآية الأولى في سورة الأنفال، قال الله – تبارك وتعالى – يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ۩ ثم قال بعد ذلك الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ۩، فأنزلهم ورخَّص لهم من وجوب أو تحتيم أن يصمد وأن يصبر المُقاتِل المُؤمِن أو المُسلِم لعشرة أمثاله أو لعشرة أضعافه، أي واحد لعشرة، المائة لابد أن يقفوا وممنوع أن ينهزموا و حرام أن ينهمزموا أمام عشرة أضعافهم، ماذا عن عشرين ضعفاً؟ يُرخَّص لهم في أن يولوهم الأدبار لأنهم سيُستأصَلون، ولكن ممنوع من العشرة، قال الله الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ۩، إلى ماذا أنزلهم؟ إلى الضعفين فقط، مائة تصمد لمائتين وألف يصمدون لألفين، قال الله فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ۩، الشيخ مصطفى زيد والشيخ العريض وكل هؤلاء المُقتصِدين قالوا من الواضح أن هذا ناسخ ومنسوخ، لكن هذا غير صحيح، هذا ليس ناسخاً ولا منسوخاً، وليس نحن مَن قال هذا، وإنما قال هذا عدد من العلماء الكبار الذين ألَّفوا في الناسخ والمنسوخ وفي علوم القرآن، العلَّامة الحنبلي الكبير الزركشي في كتابه الموسوعي البرهان في علوم القرآن قال هذا غلط، هذا ليس ناسخاً ومنسوخاً، هذا من قبيل المُنسى، باختصار أقول لكم تأخير البيان إلى وقت الحاجة وإلى الوقت المُناسِب لهذا البيان، وأقول لكم باختصار بعبارة عامية بسيطة ما الذي حصل هنا؟ الذي حصل أن الله فرض في الآية الأولى على المُؤمِنين أن يصبروا لعشرة أضعافهم في حال القوة، إذا كانوا أقوياء ويأنسون من أنفسهم هذه القوة إذن يجب أن يصمدوا لعشرة أضعافهم، وهذه يُسمونها العزيمة، ويُقابِل العزيمة ماذا في الأسباب الوضعية أو في الأحكام الوضعية؟ يُقابِلها الرُخصة، هنا يُوجَد ضعف، والصيام فيه صيام وبعد ذلك يُوجَد الشخص المُسافِر والشخص المريض، قال تفطر ثم تقضي بعد ذلك، وفي السفر الأربع ركعات تكون ركعتين، أليس كذلك؟ هذه العزيمة وهذه الرُخصة، الأربع عزيمة وهى الأصل، أما الرُخصة ركعتان، فنفس الشيئ يحدث هنا، في حال ضعف المُؤمِنون وآنسوا من أنفسهم تطرق الضعف لهم ما الذي يحدث؟ الحكم نزل فيصمد الواحد أمام اثنين، وهذا ليس من الناسخ والمنسوخ، يقول العلَّامة المُجدِّد والمُفسِّر محمد رشيد رضا هذا معنى الآيات الصحيح، وهذا صحيح، قال وهل فتح المسلمون الأوائل ممالك كسرى وقيصر إلا بهذه العزيمة؟ هذا حدث طبعاً، في الحروب المسلمين كانوا بيصمدوا لعشرة أضعافهم وأحياناً أكثر من عشرة اضعافهم، لم يقولوا هذا الحكم نُسِخَ وسوف يصمد الواحد لاثنين، ماذا لو أنا أقدر على أن أُواجِه ثلاثة؟ قالوا هذا نُسِخَ، كيف نُسِخَ؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ هذه رُخصة أم عزيمة؟ إذا كنت قادراً خُذ بالعزيمة، إذا لم تقدر عندك الرُخصة، لكن أدنى شيئ – ممنوع أن تنزل عنه لأنه حرام – أن تهرب في القتال من ضعفيك، هذا حرام، يجب على المُسلِم أن يصمد لضعفيه، ممنوع وحرام ألا يفعل، وطبعاً ممنوع أن تهرب من الواحد وهذا من باب أولى، لكن مع ثلاثة الأضعاف من المُمكِن أن تهرب، ماذا لو كان عندي عزيمة أصمد لثلاثين ضعفاً؟ أهلاً وسهلاً، ليس عندنا مُشكِلة، هل فهمتم؟ أين الناسخ والمنسوخ؟ لا يُوجَد عندنا ناسخ ومنسوخ، وهذه هى الآية الأولى وقد انتهينا منها، إذن هذا مُحكَم بفضل الله، هذه عزمية وهذه رُخصة، اسأل أي أصولي هل الرُخصة تُناقِض العزيمة؟ وسوف يقول لك أنها لا تُناقِضها، أنت مُقيم وصحيح وتصوم، وأنت مُقيم ومريض أو مُسافِر صحيح أو مريض وتفطر إذا أردت لأن هذا ترخُص، فلا تُوجَد أي مُناقَضة، هذه عزيمة وهذه رُخصة، وهذه يُعمَل بها وهذه يُعمَل بها، هذه يُعمَل بها في حال القوة، وهذه يُسار إليها في حال الضعف، الحمد لله الآية ليست منسوخة وقد انتهينا منها، علماً بأن العلَّامة مصطفى زيد ادّعى أن الكاتبين في النسخ اتفقوا جميعاً على منسوخية هذه الآيات الست، وهذا خطأ طبعاً، لقد أخطأ في مواضع، لم يتفقوا على الست، وفي النهاية سوف تجد أن في كل آية هناك مَن قال بمُحكَميتها، فلم يعد عندنا اتفاق بالمرة حتى الآن على آية واحدة أطبقت الأمة على أنها منسوخة، هل فهمتم؟ خذوا هذه كقاعدة، أي ما مِن آية قيل فيها أنها منسوخة إلا وُجِدَ من العلماء والأئمة مَن قالوا أنها مُحكَمة وأثبتوا مُحكَميتها بفضل الله عز وجل، فإذن تنتهي قضية النسخ، لا يُوجَد نسخ بالمعنى الاصطلاحي، الآية الثانية آية تقديم الصدقات بين يدي مُناجاة رسول الله ،قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ ۩، ثم قال الله في نفس الآية فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا – الفاصلة – فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩ ماذا تفهم من قول الله في آخر الآية فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩؟ هذا الأمر لم يكن أمراً حتماً وإنما كان على الندب، وبه قال الحافظ العماد بن كثير، قال هذا على الندب ولا يُراد به وجوب أن تُقدِّم كذا وكذا، ثم ماذا قال الله بعد ذلك؟ قال أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ۩، قالوا هذه نسخت هذه، لكن لا يُوجَد ناسخ ومنسوخ، هل تعرفون ما قصة المُناجاة هذه باختصار؟ الله – تبارك وتعالى – شرع وأمر أمر ندباً على الأرجح بتقديم صدجقة قبل أن يُناجي الصحابي رسول الله، هم كانوا يتحدَّثون في أذنه على مدارالأربع والعشرين ساعة بعضهم، علماً بأن بعضهم كان يفعل هذا وليس كلهم، الصحابة الكبار يستحيل أن يفعلوا هذا، الصحابة الكبار لم يكونوا ليملأوا عيونهم من رسول الله، دائماً لا ينظرون إليه، ولذلك الأحاديث الصحيحة في وصف رسول الله – عن طوله وعرضه ولونه – من الذي رواها؟ صغار الصحابة سناً، الصحابة كلهم – ما شاء الله – كبار لكن المُراد صغارهم سناً لأنهم كانوا ينظرون إليه، أما الكبار فلا ينظرون بسبب الهيبة، فمَن الذي كان يتحدَّث في أذن الرسول كثيراً ويقول امرأتي وعمتي وطلقت وعملت وكذا وكذا؟ المُنافِقون والرعاع والأعراب، ثم ماذا بعد؟ لا يُعجِبهم بعد كل هذا، وحين يخرجون من عنده ماذا يقولون؟ هُوَ أُذُنٌ ۩، على مدار الأربع والعشرين ساعة يُناجونه، قال الله وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۩، قال الله طف الصاع فلابد أن نقطع دابر هؤلاء البطَّالين الذين يُناجونه تبطلاً، الواحد منهم لا عنده قضية ولا يُحِب أن يتعلَّم، فقط يأتي لكي يُضيِّع الوقت ويتفلسف ويدّعي أن عنده علاقة خاصة بالنبي ويقول أنه نجاه بينه وبينه ووشوش له، لكن الله قال هذا ينبغي أن يُنهى، يُنهي بطالة مَن؟ يُنهي بطالة المُتبطِّلين من المُنافِقين وضعفاء الإيمان والأعراب الأجلاف، قال لا مُشكِلة إذا أحببت أن تُناجي النبي، ناجه لكن قبل أن تذهب لمُناجاته ينبغي أن تتصدَّق بصدقة، تصدَّق ولو بحبة أو بجزء من سدس من الدرهم، فلم يفعل هذا أحدهم وتوقَّفوا عن هذا، إذن الله – تبارك وتعالى – شرع هذا لماذا؟ لأجل قصد ولأجل غاية، فلما تحقَّقت الغاية انتهى كل شيئ، إذن لا يُوجَد ناسخ ومنسوخ، الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن – رحمة الله عليه – ماذا قال؟ قال أصلاً لا يُوجَد ناسخ ومنسوخ هنا، أنكر هذا مع أنه مُبالِغ في النسخ ويقول أن هناك آيات كثيرة منسوخة، لكنه قال هنا لا يُوجَد ناسخ ومنسوخ، هل تعرفون لماذا؟ لأنه لا يُتصوَّر وقوع النسخ قبل التمكن من العمل، وليس عندنا أي نص يقول أن الصحابة عملوا بهذه الآية، وماذا عن حديث الإمام عليّ الذي أخرجه الحاكم؟ قال ضعيف، لم يصح أن الإمام عليّ تصدَّق بصدقة ثم ناجى النبي، حاشا الإمام عليّ – عليه السلام – أن يكون فعل هذا، إذا قلت عنه هذا فأنت أسأت إليه، الإمام عليّ لم يكن يُثقِل على النبي بمُناجاته بين الناس، لم يكن يفعل هذا أبداً، ونحن نعرف مَن الذي كان يفعل هذا، إذن هذا ليس من قبيل الناسخ والمنسوخ ، هذا من قبيل ما شُرِعَ لأجل قصدٍ، فلما تحقَّق القصد ارتفع كل شيئ، ومن ثم ليس عندنا مُشكِلة وانتهى الأمر، فلا يُوجَد نسخ هنا.
بقى لدينا أربع آيات، خُذوا فيهن قاعدة وهى أن الأربع الآيات التي سأتلوها عليكم الآن هن من قبيل التدرج، منهاج الشرع هنا هو منهاج التدرج في التشريع، الأمر ليس له علاقة بالناسخ ومنسوخ، في الأول سنترك آية النحل لأن في الحقيقة هذه ليس لها علاقة حقيقية، لكن عندنا آية الخمر، قال الله يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۩، هل هنا يُوجَد حكم إباحة للخمر؟ لا يُوجَد أبداً، هل الله قال الخمر حلال؟ الإمام القرافي – رحمة الله عليه – قال لا يُوجَد في كتاب الله آية واحدة تدل أو يُفهَم منه – هذا لمَن يفهم كيف يُخرِج المدلولات والمعاني – أن الخمر أحلها الله، هذا كذب على الله، حاشا لله أن يُحِل هذا الخبث، وإنما الآية فيها إرهاص بتحريمه، أليس كذلك؟ قال الله وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۩، لكنه لم يقل لهم هذه حرام فاتركوها ومن ثم بعض الصحابة ظلوا يشربون منها، ليس عندنا أي مُشكِلة، لكن لا تقل يُوجَد تحليل ثم أنه حرَّمها بعد ذلك، هذا غير موجود، هذا تدرج في التشريع، هل تعرفون ما هو الفرق بين الناسخ والمنسوخ وبين التدرج؟ النسخ – كما قلنا – إبطال، أي شيئ يُبطِل شيئاً لأنه يتعارض معه حقيقةً، لكن التدرج ليس فيه مُعارَضة، التدرج تدرج، كإنسان يُريد أن يصل بطفلٍ صغير أو بأعمى إلى غاية فيُدرِّجه محطة محطة حتى يبلغ به المحطة الأخيرة، أليس كذلك؟ هنا لا يُوجَد شيئ نسخ شيئاً وإنما يُوجَد شيئ أسلم إلى شيئ والقصد المحطة الأخيرة، هذا الفرق بين التدريج في الأحكام وبين النسخ في الأحكام، في الآية الثانية قال لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ ۩، فحرَّم عليهم تعاطي الخمير تحريماً جزئياً في أوقات الصلوات، ظل عندهم ربما وقت واحد فقط وهو من بعد العشاء إلى الصباح، فمَن أحب أن يسكر من المُمكِن أن يسكر لأن الأوقات فيما عدا هذا مُتقارِبة، ثم قال في آية المائدة إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩، هذه جزمت التحريم وقطعت بالتحريم، فهل هذا تدرج أم نسخ؟ تدرج، وأوجدناكم الفرق الآن بالمثال البسيط بين التدرج وبين النسخ، فانتيهنا إذن من هذه الآية أيضاً.
الآية التي بعد ذلك هى آية الصوم، قال الله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۩، ما لها؟ قالوا هذه منسوخة، لقد نُسِخَ منها شيئ، ما هو المنسوخ؟ قالوا هذه تُفهِم أننا مُلزَمون بكيفية الصيام التي كان يتعاطاها مَن قبلنا من الأمم، وفي صيام الأمم البائدة المُتصرِّمة أنهم كانوا لا يأتون نساءهم في الليل، ثم نسخها الله عندنا بقوله أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۩، لكن هذا ليس ناسخاً ومنسوخاً، أولاً هذا المعنى الذي ذكرته لم يتفق عليه العلماء ولا المُفسِّرون، وأنا أقول لكم هذا من باب التدريج في إبداء الأحكام، الله أوجب علينا الصوم كما صام الآخرون، أي أن الصيام واجب علينا فصوموا، وأما ما يتعلق بتعاطي هذه الشهوة وهذا المُباح فالله لم يذكر حكمه هنا خصوصاً وذكره في آية تالية، ما دخل هذا بالناسخ والمنسوخ؟ هذا تدريج، من باب حتى تأخير البيان إلى وقت الحاجة، ولكن يُشكِل عليها آثار، قالوا عمر عمل كذا وكذا وأتوا بقصص يُألِّفوها لكي تلتئم معهم قصة الناسخ والمنسوخ، لكن هذا غير صحيح، القرآن بظاهره لا يُوجَد فيه هذا، ماذا عندنا أيضاً من التدريج؟ ما قيل عن الزواني أو الزناة، قال الله وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ۩ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ۩، قالوا هذا نُسِخَ أيضاً بحد الزنا المذكور في القرآن وفي السُنة، وهذه الآيات فيها كلام طويل لكن أنا سأقول لكم فقط ما عندي أما الذي يُريد الكلام الطويل عليه أن يرجع إلى الكتب، بكلمة واحدة أقول لا يُوجَد ناسخ ومنسوخ هنا أبداً، هل تعرفون لماذا؟ باختصار آية النور الجليلة هى فعلاً في الزنا الذي يقع بين رجل وامرأة مُحصَنين أو غير مُحصَنين – أعزبين – أيضاً، وماذا عن آيتي النساء؟ أنا أقول لكم باختصار ما ترجَّح عندي والأدلة كثيرة عليها، الآية الأولى في السحاق – الليسبية Lesbian – لأن الله يقول وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ۩، حتى هنا بيان الإسم الموصول جاء إشارة، قال هذه الفاحشة تدور بين نساء، لماذا قال مِن نِّسَآئِكُمْ ۩؟ وبعد ذلك قابل الإسم الموصول اللاَّتِي ۩ في الآية التالية بقوله وَاللَّذَانَ ۩، إذن هذه واضحة، هذا يعني أن آية وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا ۩ في السدومية وفي اللواط، فالآية الأولى في السحاق والآية الثانية في اللواط، والعلماء -سبحان الله – تكلَّفوا تكلفات عجيبة واختلفوا وظنوا أن الآيتين كلتيهما في الزنا، وقالوا ما حكم الزنا وماذا كان وهذا نُسِخ وما إلى ذلك، لكن هذا غير صحيح، لأن الحكم ثابت، هذا رأيي الذي انتهيت إليه، وطبعاً قال به بعض العلماء، أنا فاجأني أن الشيخ عليّ جمعة قال هذا، علماً بأنني ذكرت هذا الكلام في مُحاضَرة قبل خمس سنوات بفضل الله، لكن عليّ جمعة في كتابه هذا الذي لم أقرأه إلا هذه الفترة ذكر هذا من غير أن يأتي بأدلة وبنقاش، قال الآية الأولى في السحاق والآية الثانية في اللواط، وهذا صحيح وهو ما نرتاح إليه، وبهذا يُصبِح عندنا في كتاب الله حكم الزنا وحكم السحاق وحكم اللواط، إذن انتهينا من هذا وبقيت على ما أعتقد آية واحدة، فما هى؟آية المزمل، قال الله يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ۩ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ۩ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ۩ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ۩، قالوا هذه الآيات منسوخة بما في آخر السورة حيث قال الله فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۩، لكن أنا أقول لكم هذا الأمر ليس واضحاً بتاتاً، ليس واضحاً من مطلع سورة المزمل أن الرسول وأصحابه فُرِض عليهم قيام الليل بل من مطلع السورة واضح أن هذا مفروض على النبي، قال الله يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ۩ ولم يقل له ومَن معك، لكن الصحابة كانوا يُسعِدونه استكثاراً من الأجر واستطابةً للطيب الخير ففعلوا هذا، والقرآن خفَّف عنهم، قال الله عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩ إذن هذا تخفيف، فلا تقل لي أنه كان فرضاً عليهم، والعجيب – وأختم بهذا – أن العلماء قالوا أول المزمل منسوخ بآخرها وآخرها منسوخ بفرضية الصلوات الخمس، فعاد الناسخُ منسوخاً كما قالوا قول الله لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩ منسوخ بقوله فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ۩ وهى الآية الخامسة من التوبة المعروفة بآية السيف، وآية السيف منسوخة بالآية التاسعة والعشرين التي تقول حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ ۩ وهى آية الجزية، فعاد الناسخُ منسوخاً، وهذا كله كلام فارغ، هل تعلمون لماذا؟ لأن الآية الخامسة في المُشرِكين والآية التاسعة والعشرون في أهل الكتاب، أي الموضوعان مُختلِفان، فكيف يُنسَخ ما ورد في المُشرِكين بشيئ ورد في أهل الكتاب؟ هذا شيئ غريب جداً جداً، وهذا ما منَّ الله – تبارك وتعالى – ويسَّر به.
نسأل الله – عز وجل – أن يُعلِّمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علَّمنا وأن يزيدنا فقهاً وعلماً ورشداً، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

انتهت الخُطبة بحمد الله

فيينا 10/5/2013

 

 

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليقات 5

اترك رد

  • إن الناسخ والمنسوخ له ثقله في القرآن حيث أنزل الله النسخ في مجال محدد وبهدف محدد. أما الهدف منه فهو النهي عن حب الشهوات تدريجياً. والسبب في النهي عنها تدريجياً هو ادمان الرجال لها في زمن الجاهلية وهو زمن عبادة الأصنام والفساد والفوضى لعدم وجود قانون يحكمهم وينظم حياتهم. وقد أدى ذلك إلى التعدي على حقوق الضعفاء من النساء والأطفال واليتامى والعبيد. فقد كان الرجال في ذلك الزمان يتفاخرون بالتكاثر من المال والبنين والنساء حتى كانوا يتزوجون بأكبر عدد ممكن من النساء لينتسبوا للقبائل المعروفه ويكثر عدد أبنائهم وهكذا.
    فالله قد تدرج في تنزيل حكم النهي عما أدمنه الرجال من حب الشهوات التي سماها صبحي الصالح بالعادات الشعورية التي يشعر فيها المرء بالمتعة. وذلك في قوله: (رأينا أن الوحي لم يفاجئ المؤمنين بالتشريع، بل نزل نجوماً على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، يتدرج مع الأحداث والوقائع، وأن هذا التدرج تناول العادات الشعورية والتقاليد الاجتماعية)
    فأنزل الله الحكم أول الأمر إباحة مؤقتة مقيدة بشرط صعب استيفاؤه مع الإباحة. وذلك ليعلم الناس أن الشرط يتعارض مع الاباحة كتعارض شرب الخمر مع الصلاة وآدائها بالطريقة الصحيحة. فصاروا يستفتون الرسول صلى الله عليه وسلم في الحكم المطلوب، هل شرب الخمر حلال أم حرام فتنزل الآيات موضحة لهم أن في الخمر منافع للناس ولكن فيها إثم وهو ذهاب عقل الإنسان وعدم مقدرته على القيام بما أوكل إليه. وفي نهاية الأمر ينزل الله النهي عن شرب الحمر وينسخ حكم الاباحة الأول بعد أن يتم علاج الناس من الادمان تدريجياً. فلو نهوا من أول مرة لما استطاعوا تركها لما ورد في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: :(إن أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندعو الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنى أبداً).
    وبنفس الطريقة أبيح أكل الربا بشرط عدم مضاعفته وتدرجت الآيات موضحة قبح أكل الربا
    وتضاربه مع الصدقات.
    لذا تم النهي عن بعض حب الشهوات المذكوره في الآية 14 آل عمران في آيات منسوخة تدريجياً وهي الزواج من أكثر من امرأة (وهو أمر لم يعلمه الناس بعد) ونهى عن أكل مال اليتيم وعن أكل الربا بالاضافة إلى النهي عن شرب الخمر ولعب الميسر.
    أما المنسي من الآيات فهو لحكمة وذلك بناءً على قوله تعالى:{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ}{إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ} 6-7 الأعلى
    فأنساه الله اختباراً للناس لتمييز المؤمنين بأن محمداً فعلاً رسولاً من الله، من المنافقين الذين لا يؤمنون به لعلم الله بما يجول بخواطرهم (إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) فالمؤمنون حقاً هم الذين صدقوه وعملوا بحكم المنسوخ كفرض مهما كان في القرآن أو كان في السنة. أما المنافقون فهم الذين اعترضوا على ذلك ولم يؤمنوا به. وقد كان محدوداً أيضاً في موضوعين فقط والله أعلم من قبل ومن بعد

  • مواصلة للهدف من المنسي: من أهداف المنسي توكيد مقدرة الله على نسخ رسم آيات والاتيان بمثلها أو بأحسن منها حيث تحدى الله الكفار أن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن. ففي الوقت الذي لم يستطع الكفار أن يأتوا بمثله يستطيع الله أن ينسخ ما يعدل سورة كاملة ويأتي بمثل آياتها أو بأحسن منها والله أعلم

  • أدلة الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة وأثار الصحابة

     1.قال الله تعالى : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٍ) البقرة / 106 .

     2.قوله تعالى : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) النحل/ 101

     3.قول الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب} الرعد39

     4.قوله تعالى(سنقرئك فلا تنسى الا ماشاء الله. الاعلى6

     5.ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﺑﻦ ﺃﺑﺰﻯ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﻗﺎﻝ: (ﺻﻠﻰ ﺑﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – اﻟﻔﺠﺮ، ﻭﺗﺮﻙ ﺁﻳﺔ، ﻓﺠﺎء ﺃﺑﻲ ﻭﻗﺪ ﻓﺎﺗﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻼﺓ. ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺼﺮﻑ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻧﺴﺨﺖ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺃﻭ ﺃﻧﺴﻴﺘﻬﺎ؟ ﻗﺎﻝ: ﻻ ﺑﻞ ﺃﻧﺴﻴﺘﻬﺎ) رواه ﺃﺣﻤﺪ وابن خزيمة وصححه الألباني 

     6.روى مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: ” كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ” . قال النووي رحمه الله : ” مَعْنَاهُ : أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا ، حَتَى إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ، فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى ” . انتهى من “شرح النووي على مسلم” (10/ 29) .

     7.روى مسلم عن أبو العلاء بن الشخير قال :” كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينسخ حديثه بعضه بعضا كما ينسخ القرآن بعضه بعضا.

     8. عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال :” نزلت آية المتعه ـ يعني متعة الحج ـ في كتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج “.رواه مسلم

     9.عن ابي عبد الرحمن السُّلمي، قال: مرَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – على قاصٍّ يقصّ، فقال: “أتعرفُ الناسخَ والمنسوخ”؟ قال: لا. قال: “هلكتَ وأهلكتَ”. رواه البيهقي في “السنن الكبرى” (10/ 117) وأحمد قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه لكتاب “العلم” لأبي خيثمة (ص 31): “إسناده صحيح على شرط الشيخين”

     10.عن أبي جرير قال: سئل حذيفة رضي الله عنه عن شيء فقال: (إنما يفتي أحد ثلاثة من عرف الناسخ والمنسوخ قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر أو سلطان فلا يجد من ذلك بدا، أو رجل متكلف). رواه الدارمي وعبد الرزاق في مصنفه الناسخ والمنسوخ لابن حزم:5] رواه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (ص2214).

    11.
    عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -، أنه قرأ هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} حتى بلغ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 282 – 283]، فقال: “هذه نَسَخَتْ ما قبلها”.حسن. أخرجه ابن ماجه (2365) والبخاري في “التاريخ الكبير” (1/ 232) وابن جرير الطبري في “تفسيره” (6/ 50/ 6337 – شاكر) وابن المنذر في “تفسيره” (1/ 68/ 74) والبيهقى في “السنن” (10/ 145).

    مثال للنسخ  11. روى مسلم عَنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كنت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا).وهذا إسناد حسن، وحسّنه الشيخ الألباني في “صحيح سنن ابن ماجه” (2/ 43/ 1915 – المكتب الإسلامي).

  • إن النسخ والناسخ والمنسوخ عبارةٌ عن مزبلة تبعث على الغثيان والتقيؤ والإستفراغ من هول ما ورد في هذه المزبلة وما حوته من مُفتريات واكاذيب. وهي كارثةً بل هي جريمة بحق الله وتجرأ على كلامه الخاتم المُحكم الحكيم ..واتهام لله بالبداء واتهام كتابه بالتحريف والنقص… وتهم ومسبات وشتائم لله ولرسوله لا حصر لها اعتمدت على أحاديث وروايات وقُصاصات مكذوبة بعد تركهم لكتاب الله وما فيه مما يدحض القول بالنسخ.. وهي الوجه القبيح الأول للوجه الآخر وهو القراءات فكلاهما وجهان لقبحٍ واحد يتهم كتاب الله بالتحريف والعبث….ويدعون بأنهُ ثابت في الكتاب والسُنة والأُمة مُجمعةٌ عليه وما صدقوا بادعاءهم هذا..ويكفيهم كذباً وافتراءً على الله أن نوعهم الأول من النسخ تلاشت فريتهم فيه مما يُقارب من 600 آية إلى 6 آيات…وال 6 آيات لا نسخ فيها ولا إتفاق بينهم عليها….. فالذي يفتري على الله بهذا الكم الهائل من الآيات بأنها منسوخة ويأتي هو ومن قال بقوله ليقول بعدم وجود النسخ في ذلك الكم الذي قالوا عنهُ…هو تخبط وجريمة بحد ذاتها…فقولهم ولو فقط بآية واحدة ويتبين كذبهم فهذا إفتراء على كتاب الله هذا في نوعهم الأول…فكيف هي جريمتهم في نوعي النسخ الآخرين بأتهام كتاب الله بالتحريف وعدم تكفل الله بحفظه لقرءانه …وعن قولهم بوجود قرءان في غير قرءان الله….عن عدم وجود آيات بل حتى سور كالحفد والخلع.وسورة تعدل براءة…مع أن تخصيص العام وتقييد المُطلق وما شابه ذلك ليس بنسخ….ومن عجيب ما أوجده النساخ هو قفزهم علي سًنة رسول الله…حتى تجرؤا على الله أشد الجرأة بقولهم إن السُنة تنسخ القرءان…أي كلام رسول الله ينسخ كلام الله .
    ولا رد عليهم إلا رد الله بأن الله ذكر كلمة (آية) في 79 موضع من كتابه الكريم…ما عنى ولا بواحدةٍ منها قط….آية قرءانية….أو آية كتابية من كُتب الأولين سواء للتوراة أو للإنجيل أو للزبور….بل عنى آية مُعجزية كونية دلالية بيانية…كنسخ القبلة…ونسخ إنشقاق البحر لسيدنا موسى بإنشقاق القمر لرسول الله..ووردت كلمة (آيتين) مرة واحدة هُما آيتي الليل والنهار…وكلمة(آيتك) وردت مرتين عن زكريا كُلها عنى الله بها آية مُعجزية….إلخ….ومن بين تلك الآيات ما جعلوه دليلهم على وجود النسخ….ما ننسخ من آية…سورة البقرة 106…وإذا بدلنا آية مكان آية.سورة النحل 101…ما قصد الله إلا الآيات المُعجزية … فهل الله يقصد في هاتين الآيتين آية كتابية بينما في 77 آية كلامه واضح وضوح الشمس بأنه يتكلم عن آية بيانية مُعجزية…وكذبوا وصدق الله…ففي ال 79 آية ما تكلم الله إلا عن آية كونية…وبالتالي فبطل إستلالهم وبار سعيهم ومسعاهم في الإنتقاص من وحي الله.

  • كلام فيه كثير من الحشو و الاستطراد و الاقتطاعات و هذا الأسلوب مريب و لا يعطيك مصداقية ذي من جهة
    من جهة أخرى تطرفك لجهة دون جهة أخرى لا يبيض وجهك امام المتلقي…
    اتساءل ليش بتقول على علي عليه السلام و ليس رضي الله عنه و بما انه ثبت بتواتر الروايات انه من السابقون الاولون و اهل الرضوان
    و شكرا

%d مدونون معجبون بهذه: