إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

عباد الله: 

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.

ثم أما بعد/

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/

يقول الله جل ثناؤه في كتابه الكريم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا * إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلالاً بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا *

صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.

إخواني وأخواتي/

رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ *، أي أرسلنا رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا *. من أجل أن يقطع الله معاذير الخلق وتعللاتهم أرسل الأنبياء والرُسل في كل أمة، وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ *. من أجل ألا يقوم أحدهم يوم القيامة، وقد باء بإثم ووزر كفره – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، فيعتل بين يدي الله تبارك وتعالى؛ أي رب، ما جاءني من نذير، وما أرسلت إلي من رسول. الله قال هذا ساقط، ولن يكون. ولذلك أعذر من نفسه، وعلى ما في صحيح البُخاري من قوله – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما أحد العُذر أحب إليه من الله تبارك وتعالى. ولذلك أرسل الرُسل! أرسل الرُسل، وأنزل الكُتب! لأنه يُحب الإعذار، لا إله إلا هو! يُحب أن يُعذر من نفسه المُقدسة، لا إله إلا هو! يُحب ألا يُبقي لأحد عُذرا عليه، لا إله إلا هو!

هذا أصل اتفقت عليه أفراق وطوائف الملة من عند آخرها، إلا الباطنية! هؤلاء الذين يُسقطون الظواهر، ويستحلون المُحرمات، ولا يُمكن أن تُعافصهم من طريق ولا بسبيل. هؤلاء ليسوا أصلا من هذه الأمة! ليسوا أصلا من هذه الأمة! الذين يُبطلون الظواهر، ويضعون محلها وبدلها ما شاءوا وما شاءت لهم أهواؤهم وأبالستهم من معان هرطوقية وكفرية وشركية – والعياذ بالله تبارك وتعالى -! باستثناء هؤلاء، جميع أفراق وطوائف هذه الأمة المرحومة، تسالمت على تقرير هذا المعنى، وهو نص كتاب الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة، في آيات كثيرة! ربما نجلتب أو نسعد باستدعاء شيء منها بُعيد قليل – إن شاء الله تعالى -.

أيها الإخوة والأخوات/

لا نزال في رحمة الله تبارك وتعالى، قد يعن أو يثور سؤال لمُتسائل؛ هل كل هذا من أجل قضية جواز أو عدم جواز الترحم على مسيحي أو يهودي مات، وكان من أهل الخير فيما نعلم وفيما يبدو؟ لا طبعا، ليس هذا من أجل هذه القضية. وهذه القضية لمَن أنصف واقتصد أهون من أن يُخاض فيها على مدار أسابيع وأيام، أهون من أن يُخاض فيها على مدار أسابيع وأيام وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ  *! لكن الأمر – أيها الإخوة – أجل وأثقل في الميزان مما يُتصور! ليس هذا الأمر، الأمر أثقل بكثير وأخطر! الأمر – أيها الإخوة -؛ الصورة المُعتقدية لله تبارك وتعالى عند أهل الملة، عند الموحدين. هذه الصورة لم تبق بمنجاة من التساؤل، ولا أُريد أن أقول التشغيب والاشتباه والتشكيك، إنما في الحد الأدنى من التساؤل، في هذا العصر، الذي انفتح فيه العالم على بعضه البعض.

بعض الناس يُريد أن يتعامى عن هذه الحقيقة، يُريد أن يُفتي وأن يتعلم وأن يُعلم – أيها الإخوة – وأن يستدعي ما في الكُتب القديمة وغير القديمة، كأنه لا يزال يعيش في القرن العاشر الهجري أو حتى الثالث عشر الهجري! العالم اختلف كثيرا، لم تعد حتى الإيرادات والأسئلة والاشتباهات والالتباسات عينها كما كانت قبل قرون. لا بُد، لا أقول أن نخضع، لكن لا بُد أن نستجيب – أيها الإخوة -، لما يُمليه أو لما يطرحه العصر من تساؤلات، وأن نُجيب على نحو تشعر الفطرة السليمة القويمة أنه مُرض، أنه مُطمئن. وسأضرب مثالا بسيطا؛ لكي أدخل في موضوعي، فالموضوع طويل جدا!

لو جاء ابنك، الذي تربى في هذا العصر – نحن الآن نعيش في أوروبا هنا، -، لو جاء ابنك أو ابنتك، وسألك؛ أي أبت، أو أي أمي، لقد استمعت أو وقفت على بعض التقريرات الدينية، من علماء قدماء أو مُحدثين أو مُعاصرين. يقول هذا التقرير أو تقول هذه التقريرات إن الكافر الجاهل، غير الجاحد، وغير المُعاند، محجوج، وليس معذورا، وهو مُخلد في نار جهنم. أنا مُتأكد، مُجرد أنت أن تسمع هذا القول، سيقشعر بدنك! تقول لي كافر غير مُعاند، وجاهل، أو غافل المسكين! سيدخل جهنم خالدا مُخلدا فيها؟ أي حاله حال الكافر الجاحد، الذي استبان له الحق بدليله، وقامت عليه الحُجة الرسالية، وانقطع عُذره وتلاشى؟ للأسف سيُقال لك هذا مذهب جماهير المسلمين، بالذات أهل السُنة والجماعة! تقريبا كل أهل السُنة والجماعة هذا مذهبهم! من ماتريدية، ومن أشاعرة! عن الكافر – أيها الإخوة – الذي عاش ومات في الكفر، لا عن عناد، لم يتبين له الحق بالدليل، إنما عن جهل، عن غفلة، لم يُحصل العلم الكافي الذي يُوجب له اليقين بصحة الدين! هو هذا بالضبط، هذا محل النزاع. جماهير أهل السُنة، قالوا هذا، بل حكوا فيه الإجماع! 

ولما جاء المُعتزلي، الأديب الشهير، واسع الدائرة، الجاحظ؛ أبو عمرو عثمان بن بحر الجاحظ، المُتوفى سنة خمس وخمسين ومئتين، معروف! صاحب البيان والتبيّن، والمعروف بالبيان والتبيين، والحيوان، وغيرها من الكُتب! واسع الدائرة! وهو كان من المُعتزلة، وفرقة تُسمى بالجاحظية تنتسب إليه! قال تبعا لأستاذه ثمامة بن أشرس، وانسياقا مع قواعد قعدها في باب المعرفة، في الإبستمولوجيا – إن جاز التعبير – بلُغة العصر؛ إن المعارف – أيها الإخوة – ضرورية، إن المعارف ضرورية وليست اختيارية أو كسبية. طبعا نظرية باطلة، إبستمولوجيا باطلة، لكن يسعد بها الآن الجبريون والحتميون، خاصة – أيها الإخوة – من علماء الأعصاب الملاحدة في العصر الحديث، الذين يؤكدون أيضا أن المعارف وأن الاستدلالات جبرية اضطرارية وليست اختيارية. هذا سبق إليه ثمامة بن أشرس وأبو عمرو الجاحظ على كل حال. فوقف أهل السُنة والجماعة، وللإنصاف؛ والمعُتزلة أيضا! طائفته الكبيرة؛ المُعتزلة! وفي رأسهم العلّامة الكبير عبد الجبار الهمداني – رحمة الله تعالى عليه -! ردوا عليه! إلا أن المُعتزلة ترفقوا به، واعتبروه أتى بمُكابرة! مُكابرة للضرورات، سواء شرعية أو عقلية. أما أهل السُنة، فمنهم مَن تعدى وتأدى به الأمر إلى تكفيره، وصرح بتكفيره. ما الذي أتى به الرجل؟ 

الرجل قال البشر نوعان، أو الكفار نوعان؛ كافر عالم، فهذا محجوج. عالم! فهم وأدرك، قامت عليه الحُجة، أيقن، انثلج صدره بأن هذا هو الحق! لكنه جحد أو عاند! هل فرق بين الجحود والعناد؟ طبعا. الكفر كما تعلمون أربعة أقسام، منها كفر الجحود، وكفر العناد! وهناك كفر النفاق – أيها الإخوة -! كفر الجحود ما هو؟ كفر الجحود كالذي في قوله وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ *. الجحد أو الجحود هو أن يؤمن قلبه، ويُنكر لسانه. وهذا جاحد! أما المُعاند، فهو الذي يُؤمن قلبه، ويُقر بلسانه! بقلبه يُدرك أن هذا هو الحق، وبلسانه يقول نعم، أشهد أن هذا هو الحق، ولكن لا أُريد أن أعترف، ولا أُريد أن أنضوي، ولا أُريد أن أُذعن وأبخع لهذا الدين! هذا مُعاند – والعياذ بالله -. واضح أنه تقريبا شر درجة أو دركة من الجاحد، أكثر لجاجا، أكثر لجاجا وأكثر إصرارا! لكنهما كافران بإجماع الأمة؛ الجاحد كافر، والمُعاند كافر.

الجاحظ يقول الكافر إما أن يكون عالما، فهذا محجوج. لماذا؟ لأنه إن ظل على كفره، مع علمه، مع ما قام به ولديه من العلم، فهو إما جاحد، وإما مُعاند، وكلاهما في النار. وهذا كلام لا غُبار عليه! لكن يقول الجاحظ وهناك كافر غير عالم، لم يقم لديه وبه من العلم ما يفهم وما يوقن معه أن هذا هو الحق. يقول عندي أنه يُرجى له العفو، من أهل النجاة. قاموا عليه قومة رجل واحد! كأنه أتى بكفر! طبعا لنكن صادقين، مبدئيا لا أعتقد أن الرجل أتى مُكفرا ولا أتى بشيء عظيم ولا شيء مُخيف، بل يبدو أنه أتى بما هو أسعد به بالحق. هذا أقرب إلى الحق، وأقرب إلى عدل الله تبارك وتعالى. فما بالنا، ما بال الأشاعرة والماتريدية، ما بال أهل السُنة والجماعة، صرنا في هذه المسألة كالوعيدية؟ كأننا من الوعيدية! على أن المُعتزلة وهم من العدلية، ذهبوا مذهبا قريبا منا للأسف الشديد، واعتبروا الرجل مُكابرا! لماذا؟ سنرى طبعا، هذا ليس موضوعا عقليا أو فلسفيا أبدا! له جنبة عقلية، أكيد! لكن هذا موضوع نصي شرعي.

بماذا احتجوا؟ احتجوا بأشياء في كتاب الله تبارك وتعالى، حقيق أن نقف عليها، واحتجوا بأشياء من تصرفات رسول الله، في موقفه من الذين كفروا به من أهل الكتاب خصوصا – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله -. فالمسألة حساسة وحرجة، ينبغي أن نتفهمها بتؤدة شيئا فشيئا، ونسأل الله أن يُلهمنا رُشدنا، وأن يُعيذنا من شر نفوسنا، وأن يفتح علينا بالحق الذي يرضاه تبارك وتعالى، إنه خير الفاتحين.

فكما قلت لكم تأدى الأمر بجماعة منهم إلى أن يُصرحوا بتكفير الرجل. قالوا كافر، خارج عن الملة. عجيب! أي رمى بالربقة! كأبي الحسن الصفار الحنفي، وكالقاضي العلّامة العظيم الإمام أبي بكر الباقلاني، شيخ أهل السُنة في وقته – رضوان الله عليه -! بل هذا منطوق أيضا ابن قدامة، في اختصاره لمُستصفى الغزّالي، أعني روضة الناظر وجُنة المُناظر، لكن حكم على القول بأنه كفر، لم يُصرح بأن أبا عثمان كافر، كما فعل غيره، قال وهذا كفر. قريب من هذا ابن حزم. وغيرهم كثير، لا أُريد أن أُطوّل بهذا، لكن هذا موجود كله ومزبور في الكُتب المطبوعة التي وصلتنا.

السؤال الآن طبعا لماذا أسوق هذا؟ لأن مثل ما عليه الجمهور – أيها الإخوة -، بل ما عليه الجمهور، بلا شك يُدفع به جُملة وتفاريق في وجه مَن يُخالفه، ونحن منهم. يُقال هذا يُخالف الجمهور، يُخالف جمهورا. ستقول لي هذا جمهور أهل السُنة والجماعة، ما بال الآخرين؟ لا، الآخرون ليسوا على مذهب كمذهبنا تماما، لا أُريد أن أُفصّل! مثلا الإخوة الشيعة الإمامية بين بين، ومنهم علماء وأئمة في القديم والحديث، صرحوا بأن هؤلاء معذورون، داخلون في الرحمة! لكن نحن أهلَ السُنة والجماعة – منصوبة على الاختصاص؛ نحن أهلَ السُنة والجماعة، أيها الإخوة – للأسف الشديد حُكي لدينا الإجماع؛ إجماعنا! على أننا نجعل هذا الكافر، غير المُعاند، الكافر الجاهل، غير معذور. بمعنى – أُبسّط المسألة – أننا لا نُقر بالجهل عُذرا في كفر الكافرين. ستقول لي ومسألة العُذر بالجهل التي صُنفت فيها مُصنفات بحيالها، وخاصة في العصر الحديث؟ لا، هذه في حق المليين، في حق المُحمديين، في حق المسلمين. مسألة العُذر بالجهل، وهل يُعذر بالجهل أو لا يُعذر، فيمَن حقق التوحيد، فيمَن حقق التوحيد ودخل في هذا الدين، ثم بعد ذلك عرض ما يُشوش على توحيده، واختُلف فيه، وأتى بمُكفر أو نحو ذلك – أيها الإخوة -، هنا مسألة العُذر بالجهل! أما غير المسلمين، فأهل السُنة والجماعة، لا يعذرون فيها بالجهل! 

لكن انتبهوا، المسألة دقيقة وحرجة، كيف لا يعذرون فيها بالجهل؟ لا يعذرون فيها بالجهل في حق مَن كان في نطاق زمني ومكاني – أيها الإخوة – وصلت إليه الرسالة. انتبهوا؛ لأنهم قالوا هذا. ستقول لي هذا يتناقض مع تقرير أهل السُنة والجماعة، وتقرير غيرهم، أن مَن لم تبلغه الرسالة أصلا، يُرجى أن يكون مشمولا برحمة الله، واختلفوا فيها على كل حال؟ نعم، هذا موضوع آخر. هذا موضوع آخر، محل النزاع في كافر عاش بين المسلمين أو قريبا منهم، وسمع بالإسلام، لكن لم ينته سماعه وتعلمه حتى ما تعلم عن الإسلام ومن الإسلام إلى يقين وعلم بأن هذا هو الذين الحق، لسبب أو لآخر! طبعا يُسمى الجهل. لماذا؟ لأن العلماء يقولون لو حصل لديه العلم الحقيقي، لعلم أن هذا هو الحق، إذن هو جاهل، لا عُذر له بجهله. هذا تحرير المسألة – أيها الإخوة – بميزان دقيق، كميزان الذهب، وهذا بالضبط هو محل النزاع، الدائرة الضيقة جدا للموضوع. هذا هو محل النزاع في أضيق صوره، هو هذا! وإلا نكون افترينا على أهل السُنة والجماعة أيضا، ونكون خلطنا بين المسائل، فتشوش الفهم علينا. هو هذا! لكن ليت شعري! بماذا احتجوا؟ 

قالوا ضرورات. قالوا الجاحظ مُكابر. حتى المُعتزلة قالوا كابر الضرورات. احتجوا أول ما احتجوا بالآتي! وهذا أقوى حُججهم على الإطلاق! وكلهم قرر هذه الحُجج، لا أُريد أن أُطوّل بذكر الأئمة الذين ذكروا هذه الحُجج! طبعا واضح – أيها الإخوة – في علم العقيدة، كعلم التفسير، كعلم اللُغة، كعلم الفقه، كل يأخذ من كل. تجد نفس الكلام في ثلاثين مرجعا، نفس الكلام على كل حال! ولذلك كم تمنيت، ولا أزال أتمنى، أن يُعاد صوغ العلوم العربية والإسلامية! وهي تراث عظيم وكريم وكبير، له وعليه، وإن كان الذي له أكثر بكثير من الذي عليه، للإنصاف! لكن لا بُد أن يُعاد صوغها اختزاليا وتحريريا، بحيث عوض أن يُضيع الإنسان ربما ثلاثين سنة، وهو يدور ويتنقل بين هاته المُصنفات، بين هذه البحور، غابات المؤلفات، أن يكون أمامه، في مكتبته مثلا، أن يكون أمامه زُهاء مثلا خمسين مُجلدا، هذا كل علوم الإسلام، وكل علوم اللُغة أيضا المُرتبطة بعلوم الإسلام، انتهى كل شيء! من تفسير وفقه وأصول وعقيدة وحديث، كله! كلها! خمسون مُجلدا! كل شيء! مسألة مثل هذه، تذهب إليها في المكان أو في المظنة المُختصة بها – أيها الإخوة -، فتقرأ فيها مثلا سبعين، إلى مئة، إلى مئتي صفحة تقريبا، كل ما هُنالك موجود هنا بشكل مُكثف، مع إحالات بالطريقة الأكاديمية الغربية، إحالات بأرقام! يُذكر اسم المرجع والمُصنف بأرقام فقط. هذا يُغنينا عن أن ننقل من هنا ونستشهد من هنا، والكلام نفسه يُعاد، يُعاد تدويره! الكلام نفسه! ستستغربون! 

ولذلك تعجب أن بعض الباحثين وبعض العلماء يُطيل النفس في الرد على أحد هؤلاء العلماء! لماذا أطلت النفس في الرد على هذا؟ هل هو الذي قرر هذا التقرير؟ ليس هو. لا أُريد أن أُمثّل حتى لا أغمز قناة بعض الدكاترة وبعض الأكاديميين الإسلاميين. ليس هو! هو نقل تقريرات مَن قبله. أي يتكلمون عن أبي الحسن الآمُدي أو الآمِدي – رحمة الله تعالى عليه -، صاحب أبكار الأفكار والإحكام في أصول الأحكام، يتكلمون! لماذا ترد على الآمدي؟ الغزّالي قرر قبله هذا، وهو صاحب المُستصفى! والفخر الرازي قبله بزُهاء أربع وعشرين سنة، قرر مثل تقرير الآمدي، وهناك أشياء لم يذكرها الآمدي! في كتابين؛ في المحصول، وفي نهاية العقول على وجازة. أحسن مَن قرر هذه المسألة قبل هؤلاء مثلا أبو حامد الغزّالي، في المُستصفى، في أصول الفقه! والكتاب في أصول الفقه، وليس في أصول الدين. لماذا؟ ما موضع هذه المسألة من أصول الفقه؟ في كتاب الاجتهاد، عند الكلام على الاجتهاد، وهل يتعدد الصواب في الاجتهاد، في الفروعيات أو الفرعيات، وفي الأصوليات، في الدين؟ فهنا، هذا موضع المسألة من كتاب الاجتهاد أيضا، في المُستصفى. من أحسن التقريرات وأوسعها كلام أبي حامد، ومَن جاء بعده عالة عليه، عالة عليه! ولم يكادوا يُضيفون شيئا تقريبا! على أن بعضهم أسلفنا كلمة. الفخر الرازي مثلا، وهذا من أذكياء البشر، ومن أذكياء علماء هذه الأمة – رضوان الله عليهم أجمعين – قال كلمة هكذا، كما يُقال من وراء وراء، تُشعرك كأنه غير مرتاح لهذه التقريرات. 

حتى أنه في نهاية العقول، وهو أيضا كتاب كالمحصول في أصول الفقه، في المُجلد الأخير الرابع، ذكر – أيها الإخوة – هذا، وسكت، لم يُعلق! لكن قال إن أهل السُنة، إن جماعته، إن الجمهور، ادّعوا. قال ادّعوا. وهذه؛ لفظة الادّعاء، قالها مرتين: في المحصول، وفي نهاية العقول. كأنه لا يُسلم ادّعاء الإجماع في هذه المسألة. أي إجماع؟ كيف تتحدثون عن إجماع في هذه المسألة؟ فعلا فيها إجماع؟ قال ادّعوا الإجماع وكذا! إذن هل رد على شُبهات هؤلاء الذين قالوا بأنه يُرجى له النجاة مثلا، يُرجى العفو عنه؟ لم يرد، على غير عادته، كأنه استثمنها! كأنه استثمنها! لكن هيبة الخروج عما عليه الجماهير، وهيبة الوقوع في في كبيرة خرق الإجماع، ربما منعته أن يخطو خُطوة إلى الإمام، فيُصرح بما انطوت عليه جوانحه، بما قر في ضميره، فسكت الإمام!

جاء بعده مَن هو تقريبا امتداد له؛ القاضي البيضاوي – رحمة الله تعالى عليه -، صاحب التفسير المشهور جدا، وعليه حواش كثيرة، وصاحب الكتاب الذي قال فيه التاج السُبكي تقريبا إنه أفضل متن في العقيدة؛ في العقيدة الأشعرية! وهو طوالع الأنظار. هذا كتاب صغير، زُهاء مئتي صفحة فقط، في العقيدة، مُركز! قالوا كتاب متين مُحكم. البيضاوي أول مَن صرح من أهل السُنة والجماعة، أشاعرة وماتريدية، بأن الكافر الجاهل، غير المُعاند، غير الجاحد، يُرجى له العفو. ذكر هذا في أقل من سطر! قامت الدنيا ولم تقعد! خرق الإجماع، خرج على الإجماع! والرجل لم يكتب إلا سطرا! لعله ينفث، لعله يُبرئ به ذمته أمام الله وأمامنا نحن الآن في القرن الخامس عشر وأمام الأمة وأمام ذمة العلم والتحقيق. ما تركوه، ما تركوه وأطالوا النفس وأعادوها جذعة، ولم يأتوا بجديد. والرجل مُحقق كبير ومتين! لماذا قال هذا؟ يقول لك أنا غير مُقتنع بما ادّعوا فيه الإجماع، غير مُقتنع بمذهب جماعتي من أهل السُنة والجماعة في هذه المسألة، يا أخي يُرجى له العفو، كيف؟ رجل غير مُجاحد – يجوز -، غير مُناكر، غير مُصر على بينة وعلم حقيقي يُوجب له الإيمان! فلماذا لا يُرجى له العفو عند الله تبارك وتعالى؟ البيضاوي فقط، تخيلوا! البيضاوي. علي كل حال ولا نُريد أن نُطوّل.

لكن في رأس ما احتجوا به الآتي! وانتبهوا طبعا، هذا مُهم جدا جدا؛ لأن هذا سيُلقى في وجهك وفي وجهي وفي وجه كل مَن يخوض في هذه المسائل، وللأسف خاصة من أنصاف العلماء وكسور العلماء ومُدّعي العلم، فضلا عن العامة، وويلي! ما أضيع الدليل بين يدي العامة! ما أضيع البُرهان على ألسنة العامة! رحم الله امرأ عرف قدر نفسه. المفروض أن العامي لا يخوض هذه المخاضات، ولا يقترب منها أصلا. اترك هذا لأهله، فلست ابن بجدتها، ولا فارس من فرسان حلبتها، ادرج! لكن لا، سُبحان الله العظيم! هذا من علامات الساعة كما صح في أحاديث – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

قالوا هناك الآيات التي تُعطي بظواهرها الآتي! طبعا قد يدّعون فيها النصية! ليست نصا في الموضوع، لا من قريب ولا من بعيد. وهذا لا أزال أقوله، أقوله من عشرين سنة، ولا أزال أقوله! من أكبر أسباب اختلاف العلماء – أيها الإخوة – واشتدادهم بعضهم على بعض ادّعاء النصية فيما ليس نصا، وادّعاء القطعية فيما ليس قطعيا، فضلا عن ادّعاء وحكاية الإجماعات. هذا شيء عظيم فظيع في الأمة! إجماعات! أجمعوا! أجمعوا ماذا يا أخي؟ تجد الإمام القرافي يحكي الآتي! وهذا الرجل من أكثر مَن يُحترم، إمام علم، علّامة، كان من أذكياء البشر، الإمام القرافي، الشهاب القرافي! وهو صاحب الفروق! أي ذهنه – سُبحان الله – يثقب اللؤلؤ كما يقول علماؤنا، ولا يقبل الخطأ. إذا قرأت الفروق، تعلم مدى ذكاء هذا الرجل! على أنه في أحد كُتبه يحكي الإجماع على الإكراه على الدين! الله أكبر يا أخي! شيء لا يكاد يُصدق! يُقال لك هل أنت أذكى من القرافي؟ هل أنت **.. هذه طريقة العوام، وأشباه العوام، ولا أقول أكثر من هذا. هل أنت أعلم؟ يا أخي القرافي حكى هذا، حكى أنه يُكره على الدين! يجب أن يُكره على الدين! عجيب! أي نُقاتل الناس، وإن لم يستجيبوا نقتلهم، حتى يدخلوا في الإسلام! هل هذا دين محمد يا أيها الشهاب العظيم – رضوان الله عليك -؟ والله لا نقبل هذا منك، لا نقبل.

مُلا علي القاري، المُتوفى في أول القرن الحادي عشر، أربع عشرة وألف للهجرة! مُلا علي القاري الحنفي الماتريدي، يحكي إجماعهم على أن والدي النبي في النار! يا رجل، أنت في القرن الحادي عشر، من أين لك حكاية الإجماع – رضيَ الله عنك -؟ شيء مُحزن! يا رجل، علماء كُثر قبلك قضوا لهم بالنجاة، حكموا لهم بالنجاة! منهم الحافظ السيوطي. وهو يعلم ما كتب السيوطي، ووقف على رسائله، والعجيب أنه قال بقول السيوطي في كتاب آخر له! قال والأصح أنهم في الجنة، وأن الله أحياهما لرسول الله، فأسلما، وأنهما في الجنة. قال هذا الأصح. مُلا علي القاري! وفي كتابه هذا يقول إجماع. أدلة معتقد أبي حنيفة في أبوي الرسول، كتابه، رسالته الشهيرة هذه! إجماع! 

فلا يهولنكم حقيقة، لا يهولن طالب علم أو عالما يبتغي وجه الله، حكايات الإجماع، حكايات الجماهير، حكايات القطعيات، المعلوم من الدين بالضرورة! في كل شيء معلوم من الدين بالضرورة، هذا قطعي، هذا أصل! من أين لكم هذا؟ لا تهولوا، ناقشوا الحُجج، ناقشوا المسائل، بتؤدة وبما يُرضي الله تبارك وتعالى، من غير مُهادنة ماذا؟ الجماهير والأكثرية. يجب أن ندور مع الدليل حيث دار.

إذن في رأس أدلتهم الآيات الكثيرة نسبيا التي تُفيد بظواهرها – هي ظواهر، ليس أكثر من ذلك – أن الله تبارك وتعالى لم يُقم من ظنون الكافرين في أنفسهم ومن حُسبانهم أنفسهم على خير وعلى هُدى وعلى استقامة، لم يُقم من ذلكم عُذرا لهم يوم القيامة، وأوجب عليهم النار، بل الخلود في النار. مثل ماذا؟ مثل قوله تبارك وتعالى ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ *، وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ *، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ *. عدم شعورك، عدم علمك، ظنك، حُسبانك، أنك على خير، وأنك مُهتد، وأنك مُستقيم، على هُدى مُستقيم، لن يُفيدك يوم القيامة. للكفار! وبعدها؛ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ *. ومثل هذه الآيات. 

سُبحان الله! تجد الكل يسوق هذه الآيات، بدءا من الإمام ابن جرير الطبري، شيخ المُفسرين! ولعله أول مَن ساق هذه الآيات، وادّعى فيها أنها من أوضح الدليل! بتعبيره؛ قال أوضح دليل على أن الظن والحُسبان وما يظنونه في أنفسهم ليس حُجة لهم عند الله تبارك وتعالى، وأن الحُجة قاطعة لهم، قائمة عليهم، وأن عُذرهم مرفوع ومقطوع، ليس لهم عُذر. تكلم كثيرا الإمام، شيخ المُفسرين، بهذا المعنى! وفي أثره سار مَن جاء بعده! أبو منصور الماتريدي، في تفسير القرآن، تأويلات القرآن الكريم، وهو إمام الماتريدية! حكى الشيء نفسه. بعض النُحاة، كأبي القاسم الزجاج، حكى الشيء نفسه. 

لكن ليست شعري! بالله مُجرد وقفة مُتأنية بسيطة عند هذه الآيات، تُفهم أنها لا تُعطي ما ذهبوا إليه، بكل بساطة! لا تُعطي ما ذهبوا إليه، فضلا – وسأقول كيف – عن أنها بظواهرها تتعارض مع آيات أُخر، تؤكد – لن أقول بنصها أيضا، حتى لا يُقال نعم، هنا نص وهنا ظاهر؟ بظواهرها يا سيدي، على أنها أقوى فيما يبدو ويظهر – أن الله تبارك وتعالى ما أوجب عذابهم وإنزالهم جهنم – نعوذ بالله منها ومن حال أهلها وداخليها وعمارها وقطانها -، ما أوجب ذلك، إلا بعد ماذا؟ إلا بعد التبين، ووضوح المحجة، وقيام الحُجة، وانقطاع العُذر. آيات كثيرة! لماذا سكتم عنها؟ لماذا تمسكتم بهذه الآيات بالذات، وقلتم لا عُذر لهم؟ أليس هذا مما عُلّمناه وتعلمونه الناس، أنه من قبيل المُشكل؟ 

فالسادة الحنفية حين ذهبوا – حياهم الله وبياهم، وهم أدق في هذا الباب من الجمهور، من الشافعية والمالكية، حقيقة – ينظرون في مدى الخفاء الذي قد يطرأ ويعرض للفظ أو للكلام، رتبوه أربع رُتب؛ الخفي، ثم بعد ذلك المُشكل، ثم المُجمَل، ثم المُتشابه. ما هو المُشكل؟ ما نحن فيه هو من المُشكل! هذا من المُشكل؛ لأن مثار الإشكال أمور ثلاثة! منها الاشتراك، مثل لفظ القروء، مُشترك بين الحيضة والطُهر. لفظ العين، مُشترك بين الذهب والعين الجارية والعين الباصرة والجاسوس، إلى آخره! هذا من أسباب الإشكال، ومعروف كيف يُرفع! لا يُرفع بالنص عليه، يُرفع بالتأمل العقلي، وليس بالنص النقلي، كما قرر الأصوليون. المثار الثاني للإشكال؛ تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز، مثل لفظة الناس، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ *، هل تعم كل الناس على أصل وضعها؛ لأن الناس لفظ عام، أم يُراد بها خصوص المُشركين، خصوص أهل مكة، مُشركي العرب؟ كما قلنا في الخُطبة السابقة الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ *، واضح أنها يُراد بها الخصوص، تردد اللفظ بين حقيقته ومجازه، بين الحقيقة والمجاز! ومعروف سُبل الرفع، هذا المثار الثاني للإشكال. 

المثار الثالث للإشكال، وهو ما نحن فيه اليوم؛ أن تُوجد آيات تُفيد بظواهرها معنى، يتعارض مع معنى مُفاد بظواهر آيات أُخر. واضح! فالآن إما يُصار إلى أن هذا مُطلق وهذا قيّده، التأويل! ما يُسمى بالتأويل، أو أن هذا عام وهذا خصصه، فإن كان في أمر تكليفي وليس في أمر خبري، فقد يُصار إلى النسخ. أمور الدين والاعتقاد، هذه أخبار، لا يدخلها النسخ. إن كان في أمر تكليفي، على أنكم تعلمون؛ لسنا من النسخ، لسنا منه! لكن نُقرر لكم كلام السادة العلماء – حياهم الله وبياهم -، إن كان في أمر فرعي، عملي، ليس في أمر نظري علمي، عقدي، خبري، فربما أيضا إذا عُرف السابق من اللاحق، أن يُصار إلى النسخ، وهكذا يُرفع إشكال المُشكل. 

هذا علم أصول الفقه، ستقول لي هذا شيء دقيق؟ ليس دقيقا! هذا فخار لهذه الأمة. طبعا هذه الرسالة قد تكون رسالة لمَن يدّعون التنوير والعلمنة والتجديد والإصلاح، على أنهم يسبون الأمة وأئمتها وأفراقها وعلمها وعلومها! وهذا عقوق لا يليق…ماذا أقول لكم؟ بإنسان يحترم نفسه، ليس بمُسلم يدّعي الحرص والصدق في حُب دينه وأمته، لا يليق بإنسان حتى يحترم نفسه. عقوق، عقوق عظيم! أن تسب أمة مهدت من الطرق والمناهج والعلوم، والله ما يرفع الرأس. علم أصول الفقه بالذات علم حُق لهذه الأمة أن ترفع رأسها بها إلى يوم الدين، آية من آيات الله! يعلم هذا طبعا مَن؟ مَن عافص ومَن كابد – أيها الإخوة – مسائل التأويل وال Hermeneutics وتأويل النص الديني وهذه القصة الكبيرة في الغرب. انظر إنتاج المسلمين أولا، ماذا فعلوا، شيء مُذهل! هل هو Perfect تام؟ لا طبعا. قابل للنقد؟ طبعا. لا يُوجد شيء بشري، إلا وهو يعتوره النقص والضعف والمُؤاخذات، هذا شيء طبيعي! لكن حقيق كما قلت بالبررة، لا بالعققة، أن يُكملوا ما بدأ الأوائل، لا أن يُهيلوا عليه التراب.

وهكذا يُرفع إشكال المُشكل! إذن ما نحن فيه، ليس من قبيل القطعي. لا أُحب أن أقول أكثر من هذا! ليس من قبيل القطعي، ليس من قبيل الضروري، ليس مما ينبغي أن يُوضع تحت أصل من أصول الاعتقاد، غير صحيح! هذا موضع مثار اختلاف ومظنة اجتهاد وهو من المُشكل، وهو من المُشكل وفيه اجتهادات! اجتهد الجاحظ وثمامة، اجتهد الشيعة، اجتهد حتى بعض الفرق الأُخرى ولهم رأي آخر، اجتهد بعض علماء العصر، لن أذكر اسمه، عالم كبير، وفقيه جليل، المسكين قال – قال مثل هؤلاء – يُرجى لهم العفو. فكفروه، وأنزلوا كُتيبا – لا إله إلا الله! هدانا الله وإياهم – في تكفيره. وضعوا اسمه على طرة الكتاب، أنه كافر! عالم، قضى حياته في خدمة العلم والفقه والدين، كافر! كافر، أما أنتم، فعلماء. وعيال، عيال! الذين يضعون هذه المُصنفات عيال، في الثلاثين من أعمارهم. وهذا العالم في العقد التاسع أو العاشر حتى من عمره طبعا. كافر! حياته كلها في العلم، عالم أزهري كبير، علّامة! كافر! لا إله إلا الله! نسأل الله أن يرحمنا من الغرور والعُجب والتنطع والتشبع بما لم نُعط.

الآن ستقول لي أين يا أخي أن هذه الآيات لا تُعطي ما ذهبوا إليه؟ واضح جدا أنها لا تُعطي ما ذهبوا إليه. هذه الآيات توصّف، توصّف حالتهم العقلية الإدراكية النفسية، أنهم يظنون أنهم على حق، أنهم على خير، أنهم على حق وأنهم على خير! يظنون! لكن لِمَ صاروا إلى ما صاروا إليه؟ لِمَ كفروا واعتصموا بعروة الكفر، غير الوثقى، بل الأوهى؟ لِمَ؟ لأسباب كثيرة، ذكرها القرآن الكريم. وهنا تبرز لك والله – ولا أتألى على الله كذبا – نظرية قرآنية، في المُدركات الإيمانية الملية، وما يُقابلها من كفريات وشركيات وجحديات، شيء عجب! أُقسم بالله العظيم! شيء عجب! سبق علوم الأعصاب الإدراكية في عصرنا هذا، كما ألمعت في الخُطبة السابقة! سبقها! بمعنى ماذا؟ وأنا ألمعت إلى نُقطة واحدة، لا أدري في الخُطبة أو بعد الخُطبة، اعذروني.

الإنسان يا إخواني إذا بان له الحق، لأول وهلة، ثم بعد ذلك هو اختار ألا يخضع لما انثلج به صدره، واطمأن به وإليه قلبه، ماذا يحدث؟ قلبه اطمأن، أنه هذا حق! صدره انثلج وانشرح، أنه هذا حق! لكن ويلي! لو صرحت بأنه الحق وأردت لزومه، ما الذي يحصل؟ أفقد عزوتي، أفقد أهلي، سأستثيرهم علي، ربما خلعوني، فأصبحت خليعا في الطائفة أو القبيلة أو القرية أو المدينة أو الأمة القليلة التي أنا منها، ربما خلعوني، فأصبحت كخلعاء الجاهلية، خلعاء الجاهلية! ربما ذبحوني. وهذا يحدث! ربما ذبحوني. وعلى فكرة، هذا الذي أُريده، بكل تواضع أُريد أن نكون صادقين مع الحقائق والوقائع، والواقع أيضا مصدر ثري من المصادر التي تلفت إلى الحقائق وتقييم الحقائق.

بالله عليكم، هل سهل أو يسير الآن أن ينتقل شيعي من مذهبه إلى مذهب سُني؟ من أصعب ما يكون! من أصعب ما يكون! هل سهل أن ينتقل سني لكي يتشيع؟ من أصعب ما يكون! وحرب شعواء! ربما لو كفر، لكان أحسن له. عند بعض المسلمين، لو ألحد – يوجد عندنا ملاحدة -، لن تقوم عليه حرب كما لو تشيع مثلا، أو شيعي تسنن، كما لو تسنن! لأن القضية قضية…أي ماذا أقول لكم؟ قضية مذاهب وطوائف وأشياء لها علاقة بأشياء أُخرى كثيرة، وأنتم تفهمون قصدي! لكن يُلحد، يخرج من الدين كله، أهون قليلا هذا عندهم، أو على الأقل عند بعضهم. فلِمَ نتخيل أن الأمر سهل دائما، بمُجرد أن تقتنع بالدليل، فأنت ستبخع للدليل؟ مَن يقول هذا؟ مَن يقول هذا؟ 

اليوم على فكرة، أنا سأذكر كلاما كثيرا، في الخُطبة وبعد الخُطبة. هذا الكلام حين تكلمت في هاته الموضوعات قبل سنوات، نهد بعضهم، وقام يرد على الفقير، مُتهما إياه في دينه وفي عقده، ولم يأت بعلم، لم يأت بتحقيق، أتى بشيء يُضحك الصبيان والثكلى ويُبكي الموتى، فرددت عليه بمقطع بسيط بعد الجُمعة، بسهولة هكذا! فعاد بعدها بفترة، وعمل مقاطع ضمنها كلامي الثاني، كأنه يعلمه ويُقرره! من غير أن يعتذر، ومن غير أن يقول ظلمنا الرجل وفجرنا في حقه وبغينا عليه، أبدا، أبدا! نوع من عدم تقوى الله تبارك وتعالى. أي لا يخضعون للدليل، ولا يُحبون الدليل، ولا يُريدون أن يجعلوا الدليل قائدهم ورائدهم.

اليوم على فكرة، اليوم قد نذكر لكم مذهب الإمام عُبيد بن الحسن العنبري – رحمة الله تعالى عليه -. هذا العنبري على فكرة، أنا أقول لكم ربما مهد لثمامة بن أشرس وللجاحظ! لماذا؟ لأن العنبري معروف في كل كُتب الأصول، الأصلين، أنه كان يُصوّب كل مُجتهد في الأصول، في الديانات! إذا اجتهدت في الدين، أين أداك اجتهادك، فأنت مُصيب. بعض العلماء، كالفخر الرازي، قال لا، هو ليس يقصد إلى أنه مُصيب بمعنى مُطابقة الحق والعلم، إنما بمعنى إبراء العُهدة والذمة، أنه ليس آثما عند الله، وإلا فالحق واحد لا يتعدد. تأويل من الرازي! أما أبو حامد الغزّالي، فذكر في المُستصفى، كما ذكر مَن سبق الغزّالي، أن العنبري يُريد لا، أنه مُصيب مُصيب عند الله. شيء أشبه بالسفسطة، أليس كذلك؟ غير معقول في القضايا الخبرية العلمية! 

فمثلا نأخذ قضية بسيطة، ليست من أصول الدين، من فروع الأصول هذه، ليست من أصول الأصول! هل يُرى الله يوم القيامة – بالأعين طبعا – أو لا يُرى؟ كل فرق المسلمين تقريبا بلا استثناء: لا يُرى، باستثناء أهل السُنة والجماعة. أهل السُنة قالوا يُرى. الزيدية، الإمامية، المُعتزلة، الخوارج، الإباضية، الإسماعيلية، كلهم: لا يُرى، لا يُرى، لا يُرى. نحن فقط قلنا يُرى. اختلاف! كل الفرق ما عدا أهل السُنة نفوا أن الله يُرى. قالوا هو أجل وأعظم وأكثر إطلاقا – لا إله إلا هو – من أن يُرى، لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ *. لن أخوض فيها. على كل حال، لكن في حقيقة الأمر، في الواقع، ما هو الحق في هذه المسألة؟ الاثنان أو أحد الأمرين؟ لا، أحد الأمرين طبعا، لا يُمكن! الحق عند الله إما أنه يُرى، وإما أنه لا يُرى. لكن لا يكون هذا حقا، وهذا حقا! هذا سفسطة، هذا يُفضي بنا إلى السفسطة. تعدد الحقائق بهذا المعنى سفسطة.

ستقول لي ومَن العنبري هذا؟ ربما دعوت عليه! وربما تقول فعلا هو المُمهد لثمامة وللجاحظ! طبعا! وقول الجاحظ وثمامة على فكرة أهون من قول العنبري. العنبري لم يكن فاسقا أو كافرا أو مُبتدعا، كان من أئمة المسلمين، كان قاضي المسلمين في البصرة أيام المهدي العباسي، أحد الذين أخرج لهم الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه. تعرفون البُخاري ومسلم؟ مسلم خرّج للعنبري في صحيحه. وثقه أبو داود، قال فقيه. وكان قاضيا! ورجل في ذروة الزُهد والتقوى لله عز وجل. 

هناك قصة جميلة – هذا للعلم، نستفيد منها – كنا نسمعها، في الحقيقة هي للعنبري. يروي عن نفسه – رضوان الله عليه -، يقول استفقت من نومي ذات ليلة، وكان لدي جارية من أحب الناس إلي. جارية طيبة تقية. هي عجمية وأسلمت، وجميلة تقية عابدة. فاستفقت، فلم أجدها إلى جانبي – كانت تنام إلى جانبه -، فتفقدتها، فإذا هي قائمة تُصلي في ظلام الليل. قال سمعتها تقول اللهم إني أسألك بحُبك لي، إلا ما فعلت لي أو بي كذا وكذا وكذا. قال فلما فرغت، قلت لها يا فلانة، لو قلت اللهم إني أسألك بحُبي لك! أي أنتِ تُحبينه، وهذه القضية تعلمينها، لكن هل تعلمين أنه يُحبك؟ أسألك بحُبك لي! أي ما هذه الغطرسة والدلال على الله؟ قالت له يا بطال! لا إله إلا الله! وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ *، اللهم اهدنا. انظر، جارية عجمية، كأن عندها سر المعرفة بالله عز وجل، أكثر من إمام من أئمة المسلمين، قاضي البصرة، عُبيد الله العنبري – رضوان الله عنهما جميعا -. قالت له يا بطال، لو لم يكن يُحبني، لما أتى بي من الشرك إلى التوحيد. أنا كنت مُشركة، عجمية مُشركة! ويا بطال لو لم يكن يُحبني، لما أيقظ عيني وتركك نائما. فقلت لها لا إله إلا الله. هو المسكين! الله أكبر! هذا جواب كبير، جواب لا يصدر إلا من عارف بالله عز وجل، عرفني الله وإياكم وإياكن به، ودلنا عليه دلالة العارفين به. 

فقال له يا فلانة، أنتِ حرة لوجه الله. أرأيتم الرجل الصالح؟ رجل صالح العنبري. قال لك زنديق، أراد أن يُدخل الكفار النار! والله كانوا أفضل منا، كانوا أكثر تسامحا، أكثر سعة، أكثر مرونة منا، على أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، الخامس عشر الهجري. عندنا تنطع يا أخي، وعندنا تشدد، وعندنا جمود، وعندنا شيء عجيب، نحن اليوم! طبعا وأنا لا أستغرب هذا، لغلبه الجهل. هم كانوا أذكى منا مليون مرة، وأتقى – والله العظيم -، وأصدق منا، بما لا يعلمه إلا الله. أصلح الله حالنا فقط، أنا أقول أصلحنا الله وأصلح أحوالنا في هذا العصر العجيب! قال عصر الإسلام! والكل – ما شاء الله – يتكلم! 

فهذا الرجل قال لها أنتِ حرة لوجه الله. قالت له عفا الله عنك، أفقدتني أن أكون ذات أجرين. لا إله إلا الله! ما أذكى هذه الجارية! أي إلى ماذا تُشير؟ تُشير إلى الحديث الصحيح، المُخرج في الصحيحين وغيرهما، من حديث أبي موسى الأشعري؛ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين! وكان ثالثهم – ذكر ثالثهم النبي، عليه السلام وآله -: وعبد – طبعا يدخل فيه ماذا؟ الأمة أيضا، نفس الشيء! معروف هذا في أصول الفقه – أحسن فيما بينه وبين الله، وأحسن فيما بينه وبين مواليه. فقالت له أنا كنت جارية مُطيعة لك! هذه حالتي مع الله، ومعك كسيد كنت مُطيعة وطيبة وبارة، فكان لي أجران – إن شاء الله -. أنت الآن حررتني، بقيَ لي أجر واحد؛ الإحسان فيما بيني وبين الله. هذا العنبري! 

على فكرة، هناك عبد الرحمن بن مهدي. عبد الرحمن بن مهدي أستاذ أحمد والبُخاري، إمام جليل، ومعروفة وقائعه مع الإمام أيضا حتى الشافعي. عبد الرحمن بن مهدي – رضوان الله عليه – كان تلميذ العنبري، تلميذه! وابن مهدي شيخ الإسلام على فكرة، ابن مهدي شيخ الإسلام وشيخ المُحدثين! يروي، يقول كنت مع أستاذي الشيخ عُبيد الله بن حسن العنبري، في تشييع جنازة، فجلسنا على شفير القبر، فسألته في مسألة، فأجاب، فقلت له غفر الله لك، ليس كذلك! ثم نبهته، فقال إذن أعود إلى الحق وأنا راغم، إذن أعود إلى الحق وأنا راغم! لأن أكون ذنبا في الحق، خير من أن أكون رأسا في الباطل. هذا العنبري، رجل صادق وصالح، وإذا ظهر له الحق على لسان تلميذ من تلاميذه، عاد إليه مُرغّما أنفه! يقول وأنا راغم. وانظر الكلمة العظيمة! ولأن أكون ذنبا في الحق، خير من أن أكون رأسا في الباطل. 

هذا العنبري! لم يتناولوه، سكتوا عليه؛ لأنه سُني، وقاضي البصرة، ويروي له مسلم! لكن الجاحظ، نُريد أن نلعن الأب الستين والسبعين له؛ لأنه مُعتزلي! ائت به، كفره! لماذا يا أخي؟ مقالة العنبري أخطر من مقالة الجاحظ. أليس كذلك؟ صوّب كل مُجتهد في الأصول، العنبري! كل مُجتهد في الأصول، في الدين، في العقيدة. تخيل! هذا العنبري. سكتوا عليه، هناك مُجاملات، هناك أشياء! علينا أن نتقي الله حقا في هذه المسائل.

نعود، إذن الآيات الكريمة – إخوتي وأخواتي -؛ وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم *، إلى آخره! لَّا يَشْعُرُونَ *، لَّا يَعْلَمُونَ *، لَّا يَشْعُرُونَ *، إلى آخره! كلها تصف حالة، حالة واضحة. أنا قلت علم الأعصاب الآن أفهمنا الآتي عن الإنسان إذا ظهر له الحق، وانثلج به، واطمأن به، ولكنه بعد ذلك أعاد حساباته؛ ماذا مع الوظيفة؟ ما الذي سيحصل؟ ماذا مع السُمعة؟ هذه كلمة العنبري! على فكرة، تخيل اليوم مثلا؛ إمام – أبدأ بجماعتي – سُني، عالم سُني كبير، يظهر له الحق! وأقول لك لا تُوجد طائفة تحتاز الحق في كل المسائل، انس! هذا كلام المهوسين، وأغلب أن يكون كلام مجانين. أي عند الشيعة يُوجد حق وباطل، ليست كل مسائل الشيعة باطل. عند السُنة يُوجد حق وباطل، الإباضية…المُعتزلة…حتى الخوارج، يُوجد عندهم حق وباطل. الذي يقول لك لا، أنا كل ما عندي حق! نقول له أنت مجنون، مبروك عليك الشهادة. والله العظيم! لا يقول هذا إلا مجنون، مغلوب على عقله. لا تُوجد طائفة احتازت الحق من جميع جوانبه. وهذا اعترف به أئمة الإسلام الكبار، أئمة الإسلام الكبار اعترفوا بهذا وقرروه بكل إنصاف! لكن بعد ذلك كل إنسان وما اطمأن إليه قلبه، وصدقه مع نفسه في اجتهاده وما تأداه إليه نظره، مسألة أُخرى على كل حال.

إذن لو أن إماما سُنيا كبيرا، جاء وقال يا جماعة اتقوا الله، وأنا أولكم – إن شاء الله -، إخواننا الشيعة في المسألة الفلانية – وقد كنا نُضللهم، وبعضنا يُكفرهم – الحق معهم، وهم أسعد بالحق بدليله منا! ما الذي سيحصل؟ سيفقد مشيخته، لن يُصبح شيخ الإسلام، لن يبقى شيخ الإسلام، سيصير شيخ المُتزندقين، شيخ المُبتدعين، وتنهال عليه اللعنات. وطبعا العصر هذا – ما شاء الله – أسهل شيء فيه أنه باع نفسه، واشترى نفسه، ودفعوا له! طريقة العوام، لا علينا! ونفس الشيء لو أن مرجعا شيعيا، فعل هذا. على فكرة، هناك المرجع السيد كمال الحيدري – بارك الله فيه، وبارك في عُمره -، هذا الرجل قام بمُراجعات كثيرة في المذهب الشيعي، وخرج بنتائج في مُنتهى الجراءة والشجاعة. بصراحة لا يُوجد مرجع سُني الآن، أي يصح أن يُسمى مرجعا، قام بمثل هذه المُراجعات لما عليه أهل السُنة، وصدمنا ببعض الأشياء التي لا نُريد ولا نُحب! لم يحصل، بهذا الحجم.

هذا الرجل – بارك الله فيه – فعل هذا. طبعا انظروا الآن كيف يُكفر الشيخ الحيدري، وكيف يُزندق، وكيف أنه لا يستحق المرجعية أصلا، وكيف أنه كذا! من الشيعة طبعا، ليس من السُنة، من الشيعة! سباب وإقذاع! تعصب! موجود عند الجميع هذا! لكن – سُبحان الله – فقط هم الأئمة، وهم الذين لهم حالة خاصة مع الله وموقف خاص من الحقائق ومن الأدلة، وعندهم قدر كبير من الصدق وخشية الله تبارك وتعالى، هم الذين لا يُبالون، إن بالوا، إلا بماذا؟ إلا بما يكون لهم عند الله تبارك وتعالى. أما العامة والناس والمصالح والمعنويات والماديات، فلا، لا يُقدمونها على رضا الله. اللهم اجعلنا منهم، واسلك بنا سبيلهم. والقضية خطيرة، أخطر مما نتخيل يا إخواني، أخطر مما نتخيل!

المُهم، إذا لم تخضع للحق، لأول مرة، وأعدت حساباتك، وسألت عن الوظيفة، وسألت عن اللقب، وسألت عن وضعي مع زوجتي وأولادي، ووضعي في العائلة؛ عائلة آل فلان، ووضعي في بلدي، ووضعي بين أهلي وجماعتي، وقلت لا، الأحسن أن أبقى كما أنا، وأن أدّعي أنني لم أقتنع! تعرف ما الذي سيحصل قرآنيا، وعلميا أعصابيا – أي نيورولوجيا -؟ بعد فترة، قد تطول أو تقصر، ستبدأ ترى أن ما رأيته لأول الأمر بالدليل حقا وصدقا، ليس كذلك، هو باطل، وغير صحيح، وغير مُقنع، بدليل كذا وكذا! والأمور كلها تختلط عليك! علم الأعصاب يُثبت هذا، ما رأيك؟ التصوير الرنيني المغناطيسي للدماغ يُثبت هذا! ال MRI يُثبت هذا! خُضنا في هذا، وتعلمون هذا. ومَن يقرأ أي مُقرر في هذا الباب، يعلم! في الكُتب المؤلفة في آخر ثلاثين سنة، العلمية!

القرآن الكريم حكى الشيء نفسه، قال وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ *، حالة اختلاط، حالة تشوش، حالة ضياع فكري وجداني! لماذا يا رب؟ لماذا؟ أنت حريص على أن تُهلكهم؟ قال لا، لأنهم كذبة، ولأنهم خانوا الحقيقة من أول يوم. وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *. الله أكبر! أُقسم بالله العظيم ما كان لأحد أن يفهم هذه الآية فهما حقيقيا، بهذا العُمق، قبل أن يكشف علم الأعصاب عن هذه الحقيقة المُذهلة. شيء مُذهل! وقال لك القرآن ليس من عند الله! إي والله إنه لمن عند الله، بل إنه والله لمن عند الله. وهذا لا يُمكن أن يكون كلام بشر.

فإذن هذا حال الكفار يا إخواني! تراه الآن مُعجبا بنفسه، مُصدقا لنفسه، ظانا إياها على حق، حاسبا إياها على نجاة. جميل، جميل، جميل! ليست هذه البداية، ليست هذه البداية! وليس هذا السبب، وليس بهذا عُد غير معذور وكذا، لا! السبب أنه حين حصل الثلج وبرد اليقين، وأدرك الحقيقة، جحدها وناكرها وأدار ظهره لها وأعرض. انتهى، انتهى! بعد ذلك الذي يأتي توالي وعواقب موقفه هذا الإدراكي، ليس دينيا فقط، عصبيا! ماذا نعمل؟ علم الأعصاب يا أخي هذا! هذا يحدث مع الكافر ومع المسلم وفي قضية دينية وفي قضية فكرية واجتماعية وعقلية، أيا كانت! في كل القضايا يحصل هذا. القرآن كشف النقاب! ولذلك قضايا الحق قضايا خطيرة جدا جدا. هل تعلم أي النقاط أخطر في قضية الابتلاء بالحق والباطل؟ أول الأمر. حين يظهر لك الموضوع أول الأمر، وترى الأدلة، وترى كل البينات، وتُوقن، لكنك تؤثر، إيثارا لمصلحتك، وطلبا لمنفعتك، أن تتجاهل وتجحد وتُعرض، انتهيت! إلا أن يشاء الله ربي شيئا، انتهيت! القرآن غاص بمثل هذا التوصيف الدقيق، توصيف رباني هذا! أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *.

لا أُريد أن أُطيل عليكم أكثر، سنُكمل – إن شاء الله تعالى – بعد الصلاة؛ لأن الموضوع ما زلنا في أوائله، لكن – إن شاء الله – نُكمل بتكثيف وتركيز. أسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا وإياكم وكل مَن طلب الهداية صادقا من قلبه، يعلمه الله تبارك وتعالى، إلى ما فيه رضا الله، في هذا الباب، وفي كل باب، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، فيا فوز المُستغفرين!

 

الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا.

إخوتي وأخواتي/

يعودون، فيقولون والقرآن أيضا غاص بالآيات التي تؤكد أن الأتباع مصيرهم مصير متبوعيهم، وأن الأذناب مآلهم مآل رؤوسهم، وأن مَن تابع السادات والكُبراء في كفرهم وعلى كفرهم، لم يشفع له يوم القيامة أنه كان مُستضعفا وأنه كان ذنبا أو كان ذيلا وأنه إنما قلد وسار فيما سار فيه غيره. القرآن يُقرر هذا، أنهم في جهنم – والعياذ بالله -، أبدا. فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ  *. يقولون يا رب هم أضلونا! قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ *. بعد ذلك ماذا؟ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا *، المتبوع! السادات والكُبراء، مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا *، إذن وما مصير الأتباع؛ الَّذِينَ اتَّبَعُوا *؟ في جهنم، مع الَّذِينَ اتُّبِعُوا *. القرآن يقول هذا. قالوا أرأيت يا عدنان إبراهيم؟ القرآن واضح! وأنت تأتي توسّع في باب الأعذار! توسّع، توسّع، توسّع! كما قال ابن سينا واستوسع رحمة الله. استوسع! أنت تستوسع الآن، تُبالغ! لا، لا يجوز أن تُبالغ أكثر مما حدد القرآن. القرآن قال الأتباع مع المتبوعين. وَرَأَوُا الْعَذَابَ *، لا يُمكن! وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ *، كله! كله في جهنم – والعياذ بالله -، في جهنم.

لكن – لا إله إلا الله – مرة أُخرى؛ وبعد ذلك ماذا؟ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ *. مَن؟ المُضلِين. وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ *؛ المُضلَين. الضال ومَن أضل، الضال الغاوي ومَن أغوى، غاو ومغو، وغاو بإغواء الأول! كلهم في جهنم. الله قال لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ *. انظر القرآن حتى دقيق، قال وَمِنْ أَوْزَارِ *، وَمِنْ أَوْزَارِ * الأتباع، ليس كل أوزار الأتباع، انظر! عدل! لأن هذا رب عادل، لا إله إلا هو! بقدر ما تسببوا في إضلالهم! ثم يتحاملون جميعا الوزر، على أن هؤلاء لهم وزرهم الكامل، وهؤلاء أيضا يحملون وزرهم كاملا، ويتحاملان – كلاهما؛ الفريقان أو الشخصان – القدر المُشترك. القرآن عجيب! وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ *، وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ  *، أَثْقَالَهُمْ * هم، وأثقال الذين أضلوهم أيضا بغير علم. يقول لك واضح. القرآن قال هذا واضح. 

نعم واضح، واضح، واضح. وهو في عين وضوحه، يؤكد لك أن هذا المُقلد الذنب الذيل التابع، إنما اتبع وقلد، بعد أن تبين له الهُدى، وقامت عليه الحُجة، وجاءه الهُدى، وجاءه الذكر. لماذا جعلنا القرآن عضين؟ نؤمن ببعضه ونسكت – لا أقول نكفر، أعوذ بالله، أُعيذ الأمة من أن تكفر بكتابها، لكن نسكت – عن بعضه الآخر الذي لا يخدمنا في الحجاج وفي الاستدلال! هل يجوز؟ نحن نُريد الحقيقة. هذه الحقيقة في الأخير – صدقوني – لا تخدم أن الناس تبقى في الكفر، كما يتراقع بعضهم، إطلاقا! أعوذ بالله، ولا تخدم كذا وكذا، إنما تخدم شيئا واحدا؛ تقرير عدالة الله ورحمة الله، بطريقة تشعر الفطرة المُستقيمة، غير المُلوثة، الطهور، أن هذا ما يليق بالجناب الأقدس، لا إله إلا هو! يقول لك هذا هو، هذا عدل، نعم، أهلا وسهلا! لكن التعصبات والتزمتات التي دون ذلك، قد يتطرق من خلالها وبسببها، الشك وربما أكثر من الشك، إلى النفوس اللينة البسيطة، وخاصة من الناشئة. 

ولذلك أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ *، يقول المُستكبرون المتبوعون للمُستضعفين أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ  *، لكنه الإجرام! أنتم كنتم مُجرمين، أنتم تركتم الحقيقة. ولذلك حتى هو – الضال هذا – ماذا يقول؟ ماذا يقول؟ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ *. مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ۙ *، و: جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ *، القرآن غاص وطافح بتقرير هذا المعنى، ولذلك لا عُذر للتابع والذيل والذنب والمُقلد – أيها الإخوة -، لماذا؟ لا عُذر؛ لأنه قامت عليه الحُجة، وتبين له الهُدى، وجاءته البينات، وجاءه الذكر. بل إن مُجرد كلمة أَضَلَّنِي *، وأضلونا؛ إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا *! مُجرد كلمة أضلونا، بالله عليكم ألا تشي برأسها، بمُجردها، بأن الحق كان مُستبينا، وبأن المحجة كانت واضحة لائحة؟ طبعا! ولذلك أضلك عنها. لو لم تكن المحجة واضحة – أي الطريق -، والمهيع – ما شاء الله – وسيعا بينا مُضيئا بيضاء، ليلها كنهارها، هل يُقال أضلني؟ عن ماذا أضلك؟ عما لم تفهمه؟ عما لم ينثلج صدرك به؟ أضلك عن الحقيقة الناصعة. هذه اللفظة وحدها – أيها الإخوة – كافية للجواب عن مثل هذه الاستدلالات.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وفقها ورشدا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تُضلنا بعد إذ هديتنا، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ *. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اهد شبابنا وشوابنا، كبارنا وصغارنا، عالمنا وجاهلنا، برحمتك يا أرحم الراحمين، واجمعنا على الهُدى. اللهم اجمعنا على الهُدى المُستقيم، واجعلنا من دُعاة الهُدى، هُداة مُهتدين، غير ضالين ولا مُضلين، سلما لأوليائك، وعدوا لأعدائك، نُحب بحُبك مَن أحبك، ونُعادي بعداوتك مَن خالفك. اللهم ارزقنا حُبك، وحُب مَن أحبك، وحُب العمل الذي يُقربنا إلى حُبك. 

اللهم ما رزقتنا مما نُحب، فاجعله قوة لنا فيما تُحب، وما زويت عنا مما نُحب، فاجعله فراغا لنا فيما تُحب. اللهم وأمتنا على حُبك، يا رب العالمين، واجزنا به الفراديس العُلا من جنات النعيم، رُفقة محمد – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا -، وسائر النبين والمُرسلين، والعُرفاء والصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله/

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، وأقم الصلاة.

(27/5/2022)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: