إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ۩ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ۩ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ۩ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۩ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ۩ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ۩ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ۩، إخواني وأخواتي:
مِن المُسلِمين أناسٌ مُشاكِسون في خصومةٍ مُستمِرةٍ مُمتَدةٍ مع العالمين مُسلِمين وغير مُسلِمين، وإن مهمة تفكيك هؤلاء معرفياً ونفسياً أبعد ما تكون عن الترف وألصق وأدنى ما تكون ضرورة حرجة وملحة وذلك أن خصومة هؤلاء مع أهل الملة والدين تُنذِر إن هى استمرت وامتدت بتمزيق الأمة وتشظيتها كما تفعل حالياً والأسوأ من هذا بزوي الدين واضمحلاله، يزوي هذا الدين يوماً فيوماً ويضمحل يوماً فيوماً كما هو حاصل من أسف شديد، أما خصومتهم مع العالمين – مع كل الناس من غير المُسلِمين – فهى تُنذِر بما هو أخطر وأكرث وأدهى إن هى استمرت وامتدت واستفحلت وذلكم أن هذا الفريق من الناس أي من المُسلِمين إنما يُعامِل الآخرين على أنهم نوع آخر غير النوع البشري، كأنهم هم البشر، هم الآدميون وحدهم أما الآخرون تقريباً نوع آخر غير النوع البشري، لا حُرمة له، لا عصمة له، لا كرامة له، ولا اعتراف بما أسدى ويسدي للبشرية من أياد بيضاء، لا يعترفون بشئ، هذا هو الأخطر والأدهى والأكرث، لماذا؟ في نهاية المطاف نحن قلة، نحن لسنا شطر العالم ولا ثلاثة أرباع العالم، كثيرون بلا شك لكننا لسنا الأكثر في مُواجَهة العالم، العالم بكل أديانه وبكل مُعتقَداته ومُنتحَلاته ومِلله بلا شك يتفوق علينا عدداً، هذه الطريقة أحبتي في الله إن استمرت واستفحلت ستجعل الآخرين أمام خيار وحيد، ستضطرهم إلى تبني هذا الخيار، وهو أن يُعامِلوا هؤلاء كنوع آخر من البشر، أُحِب أن أقول يعاملوا هؤلاء ولا أُحِب أن أقول يعاملونا في نهاية المطاف، هل لديهم لياقة وترف أيضاً أن يُفرِّقوا بيننا؟ وأنا شرطت في هذه النذارة أن تمتد هذه الطريقة وتستفحل وهى لن تمتد وليست تستفحل إلا بسكوت أولي الفكر والذكر، إلا بسكوت الأيقاظ البصراء الألباء إما جبناً وخوفاً وإما مصلحةً ومُوازة ومُوازَنة بين حسابات كثيرة يعقدونها وإما لا أدري لماذا، حين يسكت هؤلاء سيمتد هذا التيار ويستفحل يوماً فيوماً، وهو نسبياً الآن يفعل، للأسف الشديد الخيار الوحيد أمام الآخرين سنكون نحن الذين صنعناه وخلقناه واضطررناهم إليه أن يُعامِلونا بالتالي كنوع آخر من البشر، نحن نوعٌ آخر، نحن لسنا بشراً إذن، تُعامِلوننا على أننا لسنا بشراً وتنتهكون منا كل معصوم وكل محظور ومُحرَّم، إذن لن يبقى أمامنا إلا هذا الخيار، أن نعاملكم على أنكم نوعٌ آخر، تماماً كما تشاهدون في أفلام الخيال العلمي Science fiction، نوع آخر مثل الـ Aliens، كائنات آتية من الفضاء كالمريخ أو من حيث لا أعرف ولا أدري، طبعاً تتوحد البشرية دائماً أمام هذا الخطر الداهم، يبدو أننا أردنا أن نجعل أنفسنا هؤلاء الـ Aliens، لسنا من البشر أو نحتكر هذه البشرية لأنفسنا ونحرم الآخرين منها كأنهم ليسوا بشراً، لا قداسة لحياتهم، لا قداسة لأي شيئ مُقدَّس فيهم دون أي مُشكِلة، في نهاية المطاف – كما قلت لكم وأُذكِّر للمرة الثالثة – سيُضطرون أن يأخذوا هذا الخيار، مَن الخاسر؟ مَن الرابح؟ البقية عندكم، حالة كارثية، شيئ مُخيف، مَن لا يرى الموضوع من هذه الزاوية وبهذا المنظور أعتقد من غير تبجح هو لا يرى أصلاً أو غير مُبالٍ، للأسف أكثرنا غير مُبالٍ، صدقوني أكثرنا غير مُبالٍ، لا يهمه الأمر بما أنه هو بخير، هو يعيش ويستمر فما عليه من الأمة ومستقبل الأمة وما عليه من الدين ومستقبل الدين وإن فاه ورطن ولكن بغير هذا، سكوته ولامُبالاته تُؤكِّد أنه يصدر عن مثل هذا المنطق العدمي بل المنطق التخريبي الكوارثي والعياذ بالله، لذلك أحبتي في الله حقيقٌ وجديرٌ بنا أن نُبديء ونُعيد في تفكيك هذه المنظومة المعرفية وهذا النظام النفسي السيكولوجي لهؤلاء الذي يعمل في كلا الميدانين في خصومة المُسلِمين وفي خصومة العالمين من غير المُسلِمين .
اليوم فقط سنبدأ بالنقطة الأولى وسنُفكِّك مُستنَداً واحداً من مُستنَدات هؤلاء في خصومتهم مع المُسلِمين، مُستنَداتهم بالعشرات إن لم تكن بالمئات لكن المُستنَدات الرئيسة محصورة، قد تكون فعلاً بالعشرات لأنني لم أحصرها إلى الآن ولم أُحاول لكن لا يبعد أن تكون فقط بالعشرات، ربما تكون عشرين أو ثلاثين مُستنَداً فالله أعلم، في رأس هذه المُستنَدات التي تُغذِّي النزعة الانغلاقية والنزعة الحصرية لهؤلاء – كما قلت لكم هم يُعامِلون الآخرين على أننا شيئ وأنتم شيئ آخر، نحن خلق والآخرون خلق آخر، نزعة انغلاقية ونزعة حصرية، ليس بخصوص المعنى البشري الإنساني بل بخصوص أيضاً الدين والانتساب إلى السماء والأجدرية بالآخرة وبالجنة، فقط لهم، لهم وحدهم وليس لأحد سواهم، نزعة حصرية بشكل مُؤذٍ ومُستفِز – مثل هاته النصوص، إما بذاتها حين لا تصح ولا تثبت، وإما بسوء فهمها وتأويلها حين تصح وتثبت، أعني – هذا مستند اليوم – حديث افتراق الأمة: وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، على نيف وسبعين فرقة، على بضع وسبعين فرقة أو قال مِلة، كلها في النار إلا واحدة.
حديث خطير، معنى خطير جداً من أكبر ما يُؤسِّس وما يُغذِّي هذه الانغلاقية والحصرية، وكل حصرية انغلاقية، ليس ثمة حصرية مُنفتِحة، كل حصرية من حيث هى ومن حيث أتت هى انغلاقية، هذا الحديث لن نخوض كثيراً في تخريجه، موجود في كتب الحديث المُختلِفة، لكن باختصار هذا الحديث مرويٌ عن أكثر من صاحب رضيَ الله تعالى عنهم، مرويٌ من حديث عمر وعليّ وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وابن عمرو ومُعاوية وأبي الدرداء وأبي أُمامة وأبي سعيد وأنس بن مالك وأبي هريرة وعوف بن مالك وغيرهم وغيرهم، حديث مرويٌ عن أكثر من صاحب، صحيح لم يُخرِّجه أحد من الشيخين – لا البخاري ولا مُسلِم – لكن أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، والحديث فيه كلام، ولن نذكر أيضاً روايات هذا الحديث، له طرق وألفاظ مُختلِفة كثيرة، لكن المدار والمركز على هذا الجزء وعلى هذا القدر التالي، أن بني اسرائيل – وهو لفظ من ألفاظ هذه الأحاديث – قد افترقت أو افترقوا على إحدى وسبعين فرقة أو – لا ندري النبي قال هذا أو الراوي شك – ثنتين أو اثنتين وسبعين فرقة – هكذا بنو اسرائيل يهوداً ونصارى على إحدي وسبعين أو ثنتين أو اثنتين وسبعين فرقة – كلها في النار إلا واحدة، على كل حال هذا مفهوم من الحديث لكن لم يُصرَّح به، انتبهوا إلى أنه لم يُصرَّح به، سيُصرَّح بخصوص أمة محمد، هناك روايات أن اليهود افترقت على إحدي وسبعين فرقة والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة أو بضع وسبعين فرقة أو نيف وسبعين فرقة، إلى الآن الخطب ليس جليلاً، الخطب يسير، كون الأمم المِلية تفترق هذه سنة من سنن الله، ما بعث الله – تبارك وتعالى – نبياً ثم غبرت الدهور على أمته وهم وحدة واحدة، يختلفون في دينهم أصولاً وهذا هو الأسوأ وفروعاً ولا بأس، يختلفون بلا شك، وأمة محمد ليست بدعا من الأمم كما أن رسولها ليس بدعا من الرسل – قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ ۩ – ولذلك تختلف، طبيعي أن تختلف، لا يُنكِر هذا القدر أحد عاقل، هذا القدر من المتن لا يُمكِن أن يبعث على التشكيك في الحديث، هذه سُنة، ولذلك نحن نُوافِق على الأقل من حيث المعنى والآن لا نشتغل بالأسانيد على أحاديث أن هذه الأمة ستأخذ مأخذ الأمم المِلية قبلها، ستأخذ مأخذ بني اسرائيل حذو النعل بالنعل، حذو القذة بالقذة، علماً بأن الحذو هو التقدير، يُقال فلان يحتذي بفلان، ما معنى يحتذي به؟ يحذو حذوه يعني يمشي مشيته ويصنع صنيعه، تماماً يُقلِّده، حذو النعل هو تقديره، النعل نعلان، الإنسان يمشي في نعلين وليس في نعل واحدة، حين تُقطَع النعل إنما تُقطَع وتُقدَّر على أختها، هذا حذو النعل بالنعل، أي معنى المُطابَقة، والقذة : هى الريشة التي تكون في مُؤخَرة السهم أو مُؤخَّرة السهم، أي النبل، يقولون سهم مريش، وطبعاً هو لا يطير أصلاً ولا يستقر إلا بهذا الريش الذي يكون مقطوعاً بمُوازاة بعضه البعض وعلى قد بعضه البعض ، الريشة الواحدة قذة، القذة تكون مثل القذة في طولها تماماً، هذا معنى حذوك القذة بالقذة أو حذو القذة بالقذة، على كل حال هذه ناحية لغوية، لا نُشكِّك في هذا، أكيد نُؤمِن بهذا، وهذه أمراض الدين، النبي هنا يلفت – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – إلى سُنة من سُنن المِلل، ما هى؟ هذه السُنة تقول أن أمراض الأديان وعلل المُتدينين واحدة، ثمة مُسانَخة، ثمة مُجانَسة، ما من مرض يصيب اليهود أو النصارى من ناحية روحية دينية إلا ويُصاب المُسلِمون بمثله، النبي قال هذا، هذه سُنة، هذا اللفت إلى هذه السُنة وإلى هذا المعنى بالذات يُخفِّف من شعور المُسلِمين بالحصرية أو من شأنه وينبغي له أن يُخفِّف من شعورنا بالحصرية، أي بالاستثنائية، أننا مستثنون وكأننا غير شِكل كما يُقال، لسنا غير شِكل، نحن لسنا غير شِكل تماماً، نحن مثلهم من هذه الحثيثة طبعاً، من هذه الحيثية مثلهم حيث تعرض لنا الأدواء والعلل والأمراض والمشاكل كما عرضت لهم، أحبارهم ورهبانهم أكلوا بالنص المُقدَّس أموال الناس، أحبارنا ورهباننا يفعلون الشيئ مثله، الذين يقدون الفتاوى قداً بحسب المطلوب، حين يُطلَب منهم أن يقدوا فتوى تُمزِّق الأمة يقدونها من غير أن يطرف لهم جفن، هذا مطلوب، ولي الأمر يطلب هذا، ولي الأمر طلب أن أُكفِّر سأُكفِّر، طلب أن أُخرِج فريقاً من الناس من المِلة سأُخرِجهم ولا در درهم، ما المُشكِلة؟ هناك أموال تُدفع أو أذى يُدفع، لا تُوجَد مُشكِلة عندهم ومن ثم يفعلون هذا، طبيعي لأن هذه أمراض الأديان، الكهنوت وطبقة رجال الدين والمُتكلِّمون بإسم الدين إلا ما رحم ربي طبعاً لأن هناك استثناءات منيرة ومضيئة – اللهم اجعلنا من هذه الاستثناءات – دائماً يتحالفون مع السُلطة كما يتحالفون مع المال عبر التاريخ، هذه سُنة أيضاً.
من أمراض الأديان أنه بتطاول الأدهار وتتابع العصور بل بتطاول الزمن على الفرد في عمر فرد تقسو القلوب، فتجد الحبر أو الراهب أو القس أو الشيخ بعد عشرين أو ثلاثين سنة – والعياذ بالله – عسا وقسا وأصبح جافاً، قلبه أصبح جافاً، سلوكه فيه غِلظة وفيه قسوة وفيه استغلال وفيه انتهازية، هذا أمرٌ عجيب رغم أنه بدأ بداية مُوفَّقة، قال الله وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ – أي من قبلكم – فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۩، هذه قسوة القلوب، والقرآن يُحذِّر الصحابة ولكم أن تتخيِّلوا هذا – في قرآن مكي من هذه العاقبة، أي أن تقسو قلوبهم، على أن رسول الله – صلوات الله وتسليماته عليه – بين ظهرانيهم، هذا مرض يعتري رجال الدين، لذلك على الإنسان دائماً أن يُدرِك قول الله وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ۩، ولا تفرحوا فتقولوا هذا يعترض رجال الدين لأنه يعتريكم أيضاً، يعتري أي مُسلِم وأي مُسلِمة، هذا أمر عادي، وخاصة الذين يرتداون المساجد والكلام والدين والدعوة بعد فترة مُعيَّنة – والعياذ بالله – يُصبِحون من أسوأ عباد الله، الذي يهتدي من قريب وأتى بالأمس من الخمارة يكون أفضل منهم، يكون عنده دموع وعنده خشية، وهو مُستعِد أن يدفع أي شيئ ويتبرَّع، يتبرَّع بروحه وبدمه وبماله وبكل شيئ، يتوب ويعترف بتقصيره، يُوجَد حياء هنا الآن، وهذا الذي يستقبله لكي يدله على الله دجّال كبير في ثوب راهب، هذه أمراض الأديان، القرآن يُحذِّر منها والنبي يلفت إليها حتى نتعلَّم، نحن لا نُشكِّك في هذا القدر من الحديث، طبيعي أن نختلف وطبيعي أن نتفرَّق، لكن أن يكون النبي ذكر أرقاماً مثل على إحدى وسبعين وثنتين وسبعين وإحدى ثلاث وسبعين في القلب منه شيئ، وهو موضع للتأمل والنظر والمُراجَعة، هل تعرفون لماذا؟ طبعاً هناك مُغامَرة أن النبي يذكر الفرق التي انتهى إليها أهل الكتاب، لأن النبي يعلم وهو أذكى العالمين أن أهل الكتاب لم ينتهوا وسيمتدون ويستمرون، القرآن مُصرِّح بأن النصارى – مثلاً – موجودون إلى يوم القيامة، اليهود – مثلاً – موجودون إلى يوم القيامة، قال الله وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۩، في حق اليهود هذا موجود، إذن هم موجودون، لن يفنوا ولن يتفانوا، اليهود موجودون، والنصارى أيضاً كذلك، قال الله وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ – الخطاب لمَن؟ لعيسى – فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۩، هناك نصارى إلى يوم القيامة، لا تحلم بيوم ليس فيه يهود وليس فيه نصارى وإنما فيه مُسلِمون فقط، هذا غير صحيح، قرآنياً هذا كذب، تحتج ببعض المرويات والأخبار لكي تضحك على نفسك، القرآن يُكذِّب هذا، قال الله إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۩، هذه سُنة إلهية، فمحالٌ أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يذكر ما انتهى إليه النصارى من فرق مثلاً ويذكر أنها ثنتان وسبعون فرقة، هل تعرفون البروتستانت Protestant اليوم فقط في الولايات المتحدة الأمريكية كم فرقة؟ البروتستانت Protestant وحدهم ألف فرقة، على الأقل هناك ألف فرقة، يختلفون فيما بين بعضهم البعض وكلهم بروتستانت Protestant، اترك الكاثوليك Catholic واترك المُوحِّدين وتارك من الأرثوذوكس Orthodox وفرق هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء، فمِن أين أنه النصارى اثنتان وسبعون فرقة؟ هذا غير دقيق، والحال كذلك في حق اليهود، هذا في القلب منه شيئ كما قلت، والله اعلم بالحق، ثم أن أمة محمد تنتهي إلى ثلاث وسبعين فرقة هو أمر لا يصح لا شمالاً ولا يميناً، إن أخذت بالتجزئة وتفريق المُفرَق كما يُقال وتجزئة المُجزَأ والمُعتزِلة كم فرقة والخوارج كم فرقة واعتبرتهم فرقاً كثيرة فإن فرق الأمة المُحمَّدية أكثر من هذا، هى أكثر من هذا بكثير، ما رأيك؟ وإن أخذت بأصول الفرق وجعلت الخوارج فرقة والمُعتزِلة فرقة وجعلت في الشيعة ثلاث أربع فرقة رئيسة مثل الإمامية والزيدية والإسماعيلية وفي أهل السنة تقول أشاعرة وماتريدية وفقهاء الحديث – أي ثلاث فرق – فإن هذا مستحيل، لا نبلغ عشرين فرقة، بالكاد نصل إلى بضع عشرة فرقة، وهنا قد يقول أحدهم ينبغي أن نتظر والخير – إن شاء الله – سيأتي، أي خير؟ سنتفرَّق فيما بعد إن شاء الله، أي أننا على وعد بهذا،وطبعاً الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه قد فوقنا أهل الكتاب مرتين، مرةً في التفرق فأربينا عليهم، هكذا يقول الحديث، أي حديث محمد، محمد – عليه السلام – الذي على قلبه نزل القرآن، وسوف نرى ماذا يقول القرآن عن أمة محمد، يقول كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩، ويقول أيضاً وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۩، نحن سنُؤدي الشهادة يوم القيامة على الأمم، لن نكون أردأ منهم ولا أكثر تفرقة منهم، هذا شيئ عجيب، نحن الأمة المُصطفاه، هذه آية المقام، قال الله ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، الله اصطفانا بالكتاب، أي بالقرآن الكريم في رأي الجماهير، فالكتاب و القرآن في رأي جماهير السادة المُفسِّرين – فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ – وسنُفصِّل هذا في وقته – وَمِنهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ۩، يدخلها السابق والمُقتصِد والظالم لنفسه، وأينا لم يظلم نفسه بالتقصير في بعض المفروضات وبارتكاب بعض المُنكَرات والمُحرَّمات، أينا؟ قال الله لا تُوجَد مُشكِلة لكن أنتم أمة التوحيد وأمة الاصطفاء في نهاية المطاف، العبرة بماذا؟ العبرة بالتصديق والإذعان، افهموا هذا بالله عليكم، العبرة بالتصديق والإذعان، نحن أمة مُوحِّدة، أمة لا إله إلا الله – اللهم أحينا عليها وأمتنا عليها ولقنا إياها عند الموت ويوم الحشر والبعث والسؤال. اللهم آمين – طبعاً، نحن أمة “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، هذا هو الأساس والمُعتمَد والمُعتقَد، هذا هو المحور والمركز والمدار، هذا قطب الرحى، لماذا؟ لماذا هو قطب الرحى؟ ليس من عندي وهذا ليس كلام تهويم وعواطف، قال الله فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ ۩ لَا يَصْلَاهَا – انظروا إلى صيغة الحصر يا إخواني، هذا نفي واستثناء، لا يدخل جهنم إلا – إِلَّا الْأَشْقَى ۩ الَّذِي كَذَّبَ – نحن مُصدِّقون بفضل الله، نحن أمة لا إله إلا الله، والله يقشعر البدن من كتاب الله وأُقسِم بالله على هذا، ما أجمل كتاب الله، وما أرحم وما أعظم هذا الكتاب، هو واضح وعنده خُطة واضحة بعيداً عن هذه النصوص التي لا أدري مَن ألَّفها ومَن سبكها ومَن وضعها ومَن زاد فيها ومَن أدرج ومَن نفص، شيئ عجيب، مزَّقت الامة، دمَّرت ضميرها، دمَّرت حسها، دمَّرت عقلها ومنهجها في التفكير، شيئ عجيب هذه النصوص، القرآن واضح قال لك – وَتَوَلَّىٰ ۩، نحن لم نُكذِّب بفضل الله، أمة محمد لم تُكذِّب، أمة محمد هى أمة الشهادتين، أليس كذلك؟ القرآن يقول – اجمع الآن هذه الآية الكريمة بضميمة آية فاطر – ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ – نحن المُصطَفون والله المُصطفي – فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ۩، من الأمة المُصطَفاة، وهذا ظاهر الآية فانتبهوا، وهذا عليه أيضاً جمهور المُفسِّرين وإن كان بعضهم قال بغير هذا، قال الظالم لنفسه هو الكافر أو المنافق، وهذا أمرٌ عجيب لكنهم قالوا هذا غير داخل، أي أنه ليس في الأمة المُصطفاة، وهذا أمرٌ عجيب، قالوا المُقتصَد من أصحاب الميمنة، قالوا السابق بالخيرات هذا هو المُقرَب، قال الله وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ۩ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ۩ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ۩ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۩ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۩، فسَّروا هذا بهذا، وهذا غير دقيق، ليس لأنها ثلاثة ينبغي أن تُفسَّر بثلاثة، سياق الآية وما تُوحي به يختلف تماماً، قال الله ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ۩، بدأ يُقَسِّم، قال لك من هؤلاء المُصطَفين ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ۩، وحتى لا تتهوكوا باختصار على حسب أصح الأقوال الظالم لنفسه هو الذي يدور مع الكتاب مرة ويُخالِفه مرة، يخضع لشرع الله ويعمل بشرع الله مرة فيحرص على الواجبات المفروضات وينتهي عن المُنكرَات المُحرَّمات، ومرات يُضيِّع بعض المفروضات ويتورَّط يتقحَّم ورطات المُحرَمات، أكثر المُسلِمين يفعلون هذا، أليس كذلك؟ أكثر المُسلِمين يفعلون هذا، مَن مِن المسلمين لا يكذب ولا يغتاب ولا ينم؟ بل منهم مَن يزني ومنهم مَن يشرب الخمر ،ولسنا نقول أنه كافر، أعوذ بالله، حاشا لله لسنا خوارج، لا نُكفِّر مَن شرب الخمر وهو مُقِرٌ بحرمتها، هذا عاصٍ، هذا مُسلِم أو مُؤمِن عاصٍ مُذنِب، أليس كذلك؟ وباب التوبة مفتوح أمامه، التوبة مبسوطة له ولنظرائه، التوبة مبسوطة له ولأمثاله، هذه هى التوبة، التوبة لمَن؟ لمن عصى وقصَّر، الله قال هذا من الأمة المُصطَفاة، قال وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ۩، الاقتصاد أصله التوسط، في أصل الوضع اللغوي هذا اللفظ وُضِعَ على هذا المعنى، أي له، معنى ماذا؟ التوسط، المُقتصِد مُتوسِّط، لا هو سابق ولا هو ظالم، بمعنى ماذا؟ أنه يلتزم خُطة القصد، فيأتي الواجبات المفروضات، وينتهي وينزع عن المُحرَّمات والمُنكرَات، ولكنه يُقصِّر في كثير من المُستحَبات، وربما لا يفعل مُستحَبات إلا قليلاً، ويأتي بعض أو كثيراً من المكروهات، ليست مُحرَّمات قطعية وإنما مكروهات، هذا مُقتصِد، هل فهمتم؟ يفعل الواجبات، يترك المُحرَّمات، المُستحَبات غير موجودة إلا قليلاً، المكروهات موجودة إلا قليلاً وأحياناً يتركها، هذا مُقتصِد، قال الله وَمِنْهُمْ سَابِقٌ – اللهم اجعلنا من السابقين – بِالْخَيْرَاتِ ۩، انظروا إلى القرآن الكريم، انظروا إلى العظمة، قالوا هذا تأليف محمد، هؤلاء أغبياء لا يعرفون اللغة، لم يتذوقوا جمال القرآن، لم يتلوه ويفكروا فيه بالقلوب وبالأرواح الطاهرة النظيفة، يُفكِّرون بعقول مُخبَّلة ونفوس مُدنَّسة بالإثم والفواحش – والعياذ بالله – والكبر والعنجهية والإعراض والجحود والادّعاء والانتفاخ والانتفاج والمزاعم، يُحِبون أن يزعموا أنهم غير شِكل، كأنهم أذكى منا وكأننا كمُتدينين أغبياء لا نفهم شيئاً ولا نعرف شيئاً، نحن مُصابَون بالهبل ولا نعرف شيئاً رغم أننا قضينا حياتنا في العلم والفكر والفلسفة والأدب، طيلة حياتنا نفعل هذا ومع ذلك نحن لا نفهم، لكن هم يفهمون ما شاء الله، فقسوا اليوم من البيضة ومع ذلك يفهمون كل شيئ ويقولون القرآن مُجرَّد كلام فارغ، هذا غير صحيح، فيه شيئ عجيب، قال الله وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ۩، لماذا؟ لماذا قيَّد السبق بالخيرات بهذه المأذونية الإلهية؟ إشارةً إلى عزة الرتبة وصعوبة مأخذها، الله يقول صعبٌ إلا على مَن سهَّله الله له وعليه، صعبٌ أن يُبلَغ او تُبلَغ رتبة السبق، قال هذا صعب جداً، لذلك قال بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، ما معنى بِإِذْنِ اللَّهِ ۩؟ بتيسير الله وتوفيقه وعونه، لولا ما كان ويكون من تيسير الله وعونه وإسعاده وإلطافه – اللهم أعنا ويسر لنا ووفقنا بحق لا إله إلا الله، محمد رسول الله – ما سبق منكم أحد، ما هو السبق؟المُسارَعة إلى الخيرات، يُسارِع دائماً إلى الخير، في أي باب خير لا يتأخَّر، هذا تعدّى مسألة أنه يأتي المفروضات وينتهي عن المُحرًمات، تعدّى هذا بمراحل، هذا يستكثر من المحاب، من محاب الطاعات يستكثر، قال الله ولا يزال يتقرَّب إلي بالنوافل عبدي حتى أحبه، هذا من أحباب الله، اللهم اجعلنا من أحبابك، هذا يستكثر من محاب الله صوماً وصلاةً وصدقةً وعلماً وأدباً وإرشاداً ونصحً للمِلة والبشر أجمعين، أينما وُجِدَت المحاب يستكثر ولا يتأخر، ثم أنه نفس مُطمئنة – يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةَ ۩ – لأنه يطمئن بالخير ويجزع من الشر الإثم والضر أبداً لا يطمئن إلا بالخير وإلا بالشيئ الطيب، إذا وجد اثنين مُتخاصِمين مُباشَرةً يفزع إلى المُصالَحة بينهما ويكذب وينمي خيراً من هذا إلى هذا ومن هذا إلى هذا ولا يطمئن إلا إلى هذا، يُصالِح بين الزوج وزوجه وبين الأخ وأخيه وبين الأب وابنه، هذه نفس مُطمئنة، لا تطمئن إلا بالخير، لا تهفو إلى الشر ولا تُحِبه ولا ترتاح إليه أبداً، اللهم اجعلنا على هذا النعت وهذا الوصف يا رب العالمين، قال الله هذه رتبة عزيزة صعبة المأخذ إلا بعوني وتيسيري، قال بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۩، أنا أقول لكم قوله الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۩ عم الثلاثة الأصناف، لقوله ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۩ جَنَّاتُ عَدْنٍ ۩، هذا بدل، ما هو هذا الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۩؟ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ۩، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ۩، علماً بأن في الحج وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ۩، النبي فسَّرها في حديث يُنسب إليه أن الذين قالوا هذا القيل – وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ۩ – هم الظلمة، الذين ظلموا أنفسهم فتلافاهم الله، يقول النبي ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي وبالتفريط في الطاعات فتلافاهم الله، هؤلاء يكونون على طول المحشر كما قال، يُحشَرون حشراً طويلاً، ثم تلافاهم الله برحمته فأدخلهم الجنة، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – وهم الذين يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ۩ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ۩، اللهم اجعلنا من أهل فضلك وكرمك وكرامتك في الدارين يا رب العالمين، يا خير مسؤول، يا أكرم مأمول، يا مَن لا يخيب داعيه، يا رب العالمين .
يا إخواني قال الله لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ۩ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ۩، إذن نحن ينبغي أن نُقِر وأن نؤمن أيضاً بالقدر المُشترَك بين نصوص نبوية شريفة كثيرة تقول إن أهل “لا إله إلا الله، محمد رسول الله” هم أهل نجاة بإذن الله تعالى، يسبق سؤال أو يسبق عذاب وإلى آخره لكن في نهاية المطاف هؤلاء أهل النجاة، وحين إذ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ۩ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ۩، قطعاً لابد أن يُحمَل الصلي هنا على التخليد، يصلاها مُخلَداً فيها لأنه مُكذِّب، أما الذي لم يُكذِّب فإن اتفق بعدل الله ومن وراء العدل فضل الله – اجعلنا من أهل فضلك – أن يدخلها دخلها غير مُؤبَّد ولا مُخلَّد، أليس كذلك؟ طبعاً لأنه لم يُكذِّب، ضرورة حمل الصلي هنا على الصلي المُؤبَّد المُخلَّد بظاهر اللغة، والله تبارك وتعالى أعلم، إذن نعود ونقول الحديث – كما قلت لكم – فيه مباحث وفيه مواضع للنظر ومن هنا أحبتي في الله الخطر الأكبر في هذا الحديث – مُستنَد الحصرية والانغلاقية ومُستنَد تكفير الأمة ومُخاصَمة العالمين هو الزيادة التي في آخره، أما أن الامة تفترق هذا شيئ طبيعي جداً، وقد افترقت ولا تزال مُفترِقة وتتفرَّق، هذا شيئ طبيعي، لكنها أمة توحيد – أمة لا إله إلا الله – على ما فيها من افتراق ومن اختلاف وحتى من احتراب وسفك دماء، إلا أنها أمة مُوحِّدة، بالأمس الأزهر يقول نحن نرفض أن نكفر داعش على أنهم أحياناً يتورَّطون في تكفير بعض المُسلِمين، نقول للأزهر سلم لسانك، صحت فعالك، أي والله، هذه الوسطية الإسلامية، حتى مَن كفَّرنا لا نُكفِّره، مَن استحل منا ما حرَّم الله لا نستحل منه ما حرَّم الله، هذا هو العدل، لأن هذا دين تُكيِّف أهواءك معه ولا يتكيف بأهوائك حتى لا يُصبِح ألعوبة بيد من جد وهزل وصدق وكذب، هذا هو الحق، لا نُكفِّر أبداً، نحن أمة التوحيد، نحن أمة لا إله إلا الله، ننتقد ونشجب ونُنكِر ونُصحِح ونُفكِّك ونُحلِّل ونرد وننصح لكن لا نُكفِّر، ما علاقة التكفير؟ هذا موضوع آخر تماماً ، ملف مسدود – بإذن الله تبارك وتعالى – إلا بحقه، وما أدنى حقه وما أصغره وما أنزره وما أنحفه، أعني هذا التكفير.
هذه الزيادة هى الزيادة الخطيرة التي شكَّك فيها وردها وحذر منها غير واحد من الأكابر الأماثل، الإمام أبا محمد بن حزم رحمة الله تعالى عليه رد الحديث جملةً، رده كله، ساقه في مساق واحد مع حديث القدرية والمُرجئة مجوس هذه الأمة، قال وذكروا حديثًاً آخر وهو تفترق أمتي كلها في النار إلا واحدة، قال وهذان الخبران لا يصحان من جهة السند، أبو محمد بن حزم في الفِصَل في المِلَلْ والأهواء والنِّحَل قال هذان الخبران – خبر القدرية والمُرجئة مجوس الأمة وخبر تفترق أمتي وكلها في النار – لا يصحان من جهة السند، لا هذا ولا هذا، قال لا يصحان من جهة السند، وما هذا حاله لا يُقبل من الأخبار عند من يقبل الآحاد، فكيف مَن لا يقبل الآحاد أصلاً؟ ابن حزم يقول هذا، قال أكثر الأمة تقبل أحاديث الآحاد، لكن حديث آحاد كهذا مطعون السند غير مقبول، فكيف بالذي لا يقبل الآحاد أصلاً ويشترط شروط أخرى في الحديث لكي يكون مقبولاً؟ قال هذا الحديث طبعاً مرفوض، لا يُنظر فيه ولا يُعبأ به ولا يُوقَف عنده، يُرَد بلا امتراء وبلا تردد، هذا ابن حزم رحمة الله تعالى عليه، لكن أكثر العلماء قبلوا الحديث وردوا الزيادة التي في آخره، قبلوا أن تفترق الامة حتى على ثلاثة وسبعين وسكتوا عن العدد لكن لم يقبلوا جملة كلها في النار إلا واحدة، ابن تيمية – رحمة الله تعالى عليه – ماذا قال؟ قال الذين استندوا إلى هذا الحديث في تكفير كل الفرق إلا فرقة واحدة خالفوا كتاب الله وسُنة رسوله وإجماع الصحابة واجماع الأربعة وغير الأربعة، وقد صدق، قال هذا كذب، كذب على الكتاب والسُنة والصحابة واجماع الأئمة، لا يُمكِن أن يُقال هذه الفرق كلها كافرة وتُخلَد في النار، قال هذا كذب، غير صحيح بالمرة، ليس معنى أنها افترقت أنهم كفار، قال تفترق كما الآن هى مُفترِقة ولكن هم يظلون مُوحِّدين، وهذا لا يُجدي كثيراً فالحديث فيه مُشكِلات أخرى كبيرة، ما هى؟ هذا الحديث يتناقض ليس فقط مع آيات خيرية الامة ووسطية الأمة وإنما يتناقض أيضاً مع أحاديث نبوية كثيرة، هناك أحاديث نبوية كثيرة تُؤكِّد أن هذه الأمة أكثر أهل الجنة، النبي كان يرجو أن نكون شطر أهل الجنة أو ثلاثة أرباع أهل الجن مع أنه قال وأنتم يومئذ – هذ الأمة – في الأمة – في سائر الأمم – كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض، لذلك قال الشيخ الإمام المصلح المُجدِد صالح بن مهدي المقبلي – صاحب العلم الشامخ – فكيف يتماشى؟ قال كيف تتماشى هذه الأحاديث التي تقول نحن أكثر أهل الجنة مع حديث يقول اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة من ثلاث وسبعين فرقة؟ قال ما هذا؟ كم يدخل الجنة إذن من هؤلاء، من أمة محمد يدخل كم؟ واحد على ثلاث وسبعين، قريب من واحد في المائة تقريباً إذا أخذنا بمُساواة الفرق عدداً وهذا غير مفهوم طبعاً من الحديث، لكن هذا افتراض للتبسيط، ولذلك منهم مَن رد هذه الزيادة، قالوا هذه الزيادة كذب، النبي لم يقل هذا الكلام، النبي لم يقل كلها في النار إلا واحدة، النبي قال تفترقون وهذا وارد، في الحديث الآخر وهو مخرَّج في الصحيح – ذاك الحديث كما قلنا ليس في أحد من الصحيحين لكن هذا الحديث مُخرَّج في الصحيح – أن النبي سأل ربه ثلاثاً فأعطاه أثنتين ومنعه الثالثة، سأله ألا يهلك أمته بسَنَةٍ – أي بالجذب وبالمحل وبالقحط – فأعطاه الله، قال لا تُوجَد مُشكِلة، إني أنا الله وأني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرد وقد أعطيتك لأمتك أماناً ألا أهلكهم بالسَنَةٍ، أي بسَنَةٍ عامة مثل مجيء الجفاف، لن يموتون جوعاً، لن تموت أمة محمد من الجوع، قد تقول لي هم جوعى اليوم، لكنهم – والله – جوعانون يمشون على أرض من ذهب وحسبنا الله ونعم الوكيل، أين ثروات الأمة؟ أين أموال الأمة؟ جوع العرب وجوع المُسلِمين يمشي على أرض من ذهب، وأنتم تعرفون هذا جيداً وحسبنا الله ونعم الوكيل، الشئ الثاني هو أنه سأل الله – تبارك وتعالى – ألا يُسلِّط عليهم عدواً خارجياً من غير أنفسهم فيستأصل شأفتهم وأعطاه الله ذلك، هذه أمة محمد فانتبهوا، لو تكالب عليها من بأقطار الأرض لن تفنى، وقد فعلوا ونحن لا ننسى الصليبيات، أوروبا كلها تكالبت على هذه الأمة إلا قليلاً ولم تفن هذه الأمة وذهب الصليبيون وذهب الصليبيات وذهبت مماليكهم والأمة هى الأمة بفضل الله وتزيد عدداً على الأقل، لن تهلك على يد عدو خارجي، ومَن حاول هذا يُحاوِل المُستحيل، هذا مُستحيل، بقيَ الشيئ الثالث، وهو أن النبي سأل ربه ألا يُفرِّق هذه الأمة وألا يلبسهم شيعاً.
إخواني وأخواتي:
هذا الحديث مِن العلماء مَن رده جُملةً كالإمام بن حزم – رحمة الله تعالى عليه – وطعن فيه من حيث الإسناد، طبعاً حقيقةً الأسانيد المختلفة لهذا الحديث ولروايات هذا الحديث ولطرق هذا الحديث فعلاً مُعظَمها لا تخلو من مغامز، في بعضها – مثلاً – محمد بن عمرو الليثي، صحيح هو من رجال الشيخين لكن لم يرو له أحد من الشيخين مُفرَداً، إنما روى له مقروناً، ولذلك الإمام الشمس الذهبي – رحمة الله تعالى عليه – قال محمد بن عمرو الليثي لا يُقبَل وحده، ولذلك لم يُرو له إلا مقروناً بغيره في الصحيحين والله أعلم، في بعضها الوليد بن مُسلِم، وتدليسه معروف، تدليس الوليد بن مسلم معروف للعلماء، في بعضها عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم الأفريقيُّ، وهو ضعيف، وهكذا في بعضها وبعضها، ضعفاء كثيرون في السند، في بعض أسانيدها وفي بعض طرق هذه الأحاديث مجاهيل، أكثر من مجهول في طريق واحد، فابن حزم يدري ماذا يخرج على سن قلمه رحمة الله تعالى عليه، لكن مُعظَم العلماء لهم وِجهة أخرى، ما هى؟ هذا الحديث مقبول من حيث الأصل – من حيث أصله – ومردود من حيث الزيادة في آخره، أي كلها في النار إلا واحدة، وطبعاً اختلفوا ما هى هذه الواحدة؟ مَن هى هذه الواحدة؟ أهل السنة قالوا هى الجماعة، هذا حديث مُعاوية بن أبي سفيان، قال الجماعة، لعله عام الجماعة، جماعته وأمثاله لكن الله أعلم، قد يكون في المسألة مُدخَلية للسياسة، السياسة دائماً تُشَم رائحتها النتنة في هذه الأشياء، هناك حديث يروونه وربما طبعاً يكذبونه عن أن يزيداً الرقاشي سأل أنس بن مالك صاحب رسول الله – رضيَ الله عن أنس وأرضاه وصلى الله على محمد وآل محمد – وقال له ما الجماعة؟ أو مَن الجماعة؟ أنتم توصون بالجماعة، قال مع أمرائكم، مع أمرائكم، الجماعة هى الأمراء، دخلنا في السياسة، قال له كَن مع الدولة، هذه هى الجماعة، إنها السياسة إذن، هذا حديث سياسي يبعد جداً أن يكون أنس قاله وإنما نُسب إليه، إخوتنا الإمامية الشيعة الاثنا عشرية يقولون الفرقة الناجية نحن، شيعة أهل البيت، وليس كل شيعة أهل البيت، لماذا؟ لأن أهل البيت لهم شيع كثيرة، أليس كذلك ؟ شيع كثيرة تعرفون بعضها وربما لا نعرف أكثرها، قالوا شيعة خاصة من الشيع، ويروي الأمام الكليني في الكافي عن أبي جعفر وهو الإمام محمد الباقر عليهم السلام – أنه قال عن آبائه طبعاً عن رسول الله أو عن أمير المؤمنين – لأن حديثه حديث آباءه، حديث جده أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وحديث عليّ هو حديث رسول الله، لا يُوجَد فرق لأن هكذا هى القاعدة لدى الإخوة الإمامية – افترقت بنو اسرائيل بعد موسى على إحدى وسبعين فرقة الناجية واحدة وسائرها في النار، وافترقت النصارى بعد عيسى عليه السلام على ثنتين وسبعين فرقة الناجية واحدة وإحدى وسبعون في النار، وافترقت – أي حتى بصيغة الماضي، وهذا بعيد جداً جداً وغير صحيح، إلى زمن الباقر لم يكن الأمر كذلك، وطبعاً هذا كذب، هذا كله كذب، كذب على الأئمة وكذب على الرسول وكذب على الإمام عليّ، هذا كذب، هكذا هم يكذبون، هذه الامة تكذب على نبيهاللأسف الشديد – هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، منها ثلاث عشرة فرقة يعتقدون ولايتنا ومحبتنا – أي شيعة أهل البيت – الناجية منها واحدة وكلها مع سائر الفرق في النار، ستون فرقة ليسوا من شيعة أهل البيت في النار، وأهل البيت ثلاث عشرة فرقة تُشايعهم وتتولى وتعتقد محبتهم وولايتهم ثنتى عشرة فرقة منها في النار، وواحدة في الجنة، الله أعلم مَن الذي خط هذا الحديث وسبكه وطبعه لكي يأتي على القد تماماً، أي على قد فرقته، العجيب أن بعض المُعتزِلة كما قرأت يروون هذا الحديث قائلين والفرقة الناجية هى المُعتزِلة، هذا لعب والعياذ بالله، هذا تفصيل لدين جديد لأنهم يلعبون، ومن هنا قال الإمام المُجدِّد محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني الصنعاني – صاحب الكتاب الماتع العظيم والموسوعة الفذة العواصم والقواصم رحمة الله تعالى عليه – في حديث الافتراق احذر من هذه الزيادة ، أي زيادة؟ كلها في النار إلا واحدة، قال احذر من هذه الزيادة فإنها زيادةٌ فاسدة ولا يبعد أن تكون من دسيس الملاحدة، رجل مُلحِد زنديق دسها لكي يُدمِّر هذه الأمة ويُحطِّم هذه الأمة ومن ثم تتولَّد في هذه الأمة أمثال هاته العتاهات والالتياثات التي يُظن حملتها وأصحابها أنهم أحق بالله من دون سائر الناس كل الناس، مُسلِمهم وطبعاً فضلاً عن غير مُسلِمهم للأسف، قال من المُمكِن أن يكون وضعها الزنادقة والملاحدة، كما قلت لكم الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه قد بذذنا وسبقنا وأربينا على بني اسرائيل في خصلتين، أننا أكثر تفرقاً منهم، إحدى وسبعون واثنتان وسبعون لكن نحن والحمد لله تفرَّقنا على ثلاث وسبعين، نحن تفرَّقنا أكثر، نحن أمتنا مُمزَّقة أكثر، وهذا كلام غير صحيح كما قلت لكم، تذكَّروا عبرة البروتستانت Protestant في أمريكا، هذا غير صحيح بالمرة، بالعكس أنا أقول لكم هذه الأمة أكثر أمة الآن بفضل الله وكرمه ومنحته الهائلة مُوحِّدة، تأتي إلى الزيدي أو إلى الإمامي أو إلى الإباضي أو إلى السُني – أياً كان هذا السُني – وتجد أن الكل يقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله، آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ونحن أهل الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج، فكفى، كفى لا نريد مزيداً، تباً لعقائدكم الزائدة التي أضفتموها إلى دين الله، نحن لا نُريدها، هذا يكفي وهذا كتاب الله، والحمد لله الأمة كلها على هذا، أليس كذلك؟ هذا يكفي، هذه نعمةٌ جزيلة ومنحةٌ عظيمة خطيرة بفضل الله – تبارك وتعالى – من السماء خُصَّت بها هذه الامة المرحومة والحمد لله رب العالمين، على كل حال الإمام محمد بن علي الشوكاني حذَّر من هذه الزيادة قال هذه الزيادة لم تصح لا مرفوعة ولا موقوفة، هذا كذب على الرسول وكذب على الصحابة، هذه الزيادة غير موجودة، يبقى كما قلت لكم أن أصل الحديث ليس فيه أي خطر عظيم، طبيعي أن الأمة تفترق، لكن الخطر إلى حدٍ ما في التعداد وأننا أربينا على كذا وكذا، وهنا قد يقول لي أحدكم بماذا أربينا أيضاً على بني اسرائيل؟ أربينا عليهم في دخول النار، كلنا في النار إلا واحدة، نحن سنكون أكثر أهل النار ما شاء الله، نحن أقل أهل الجنة، وهذا تكذيب للمُصطفى المعصوم الصادق المُصدَّق الذي قال أنتم أكثر أهل الجنة بإذن الله تبارك وتعالى، لأننا لم نُكَذِّب ولم نتولَّى ولذلك لن نصلاها – إن شاء الله تعالى – على الأقل صلي التأبيد والخلود، نحن أهل الجنة، نحن أهل لا إله إلا الله، قال النبي إني لا أخاف على أمتي الشرك بعدي، أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره، قال الله كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ۩، هذه أمة التوحيد، أي أمة على وجه الأرض الآن تُوحِّد الله حقاً وتقول لا إله إلا الله؟ محمد ليس إلهاً مع الله ولا إلهاً إلى جانب الله ولا وزيراً لله ولا مُعيناً لله، محمد عبد الله ورسوله، عبدٌ مثلي مثلك، شرفه أنه أعبد لله مني ومنك، هو أكثر عبودية لله وأكثر عبادة لله، أليس كذلك؟ ما هذا الدين العظيم؟ ما هذا الدين الجميل؟ هذا دين جميل وعظيم ورحيم بفضل الله تبارك وتعالى، لنا الفخر والله العظيم، نسأل الله أن نعيش وأن نموت على هذا الدين وعلى هذا التوحيد.
لا تُشكِّكون في صلوحية ديننا وفي رحمنيته وفي تجميعه لأمته أيضاً وفي سعة صدره، هذا الدين واسع الصدر، هو يحتضن أبناءه كل أبنائه، أنا سأقول لكم هذا – إن شاء الله – في خُطب ربما قادمة ليست فقط عن سعة صدر هذا الدين لأبنائه بل عن سعة صدر هذا الدين للعالمين، كيف يسع العالمين وكيف يُمكِن أن يقود الفهم في الآيات القرآنية بسهولة – بخُطوات مُتتالية سريعة – إلى أن مُعظَم خلق الله – بإذن الله تعالى داخلون في رحمة الله وفي النجاة – إن شاء الله – ويدخلون الجنة يوم القيامة، ما رأيكم؟ هذا ينطبق على مُعظَم خلق الله، وسوف نرى قرآنياً كيف هذا، هذا هو الدين، فكيف يُصبِح مُعظَم أمة محمد في النار؟ أي دين هذا؟ ولله در الشاعر الذي قال:
أي دين ترك الناس طريقاً وطريقاً وأحال المنهج اللاحب سبعين فريقاً؟
يتسائل مستنكراً يقول أي دين ترك الناس طريقاً وطريقاً وسيَّر المنهج اللاحب -الواضح المُتضح والمُنوَر – سبعين فريقاً؟ ومع ذلك يُقال هذا هو الدين وهذا الحديث مقبول فقطع الله لسانك، لكن هذا غير صحيح، هذه الزيادة لا نقبلها، هذه الزيادة لسنا نقبلها، وبحمد الله بمُجرَّد رد هذه الزيادة ينقطع مادة شر كثير، المادة – أصل الجرثومة – تنقطع وتموت ومن ثم يموت كل شيئ بإذن الله تعالى، هذا المُستنَد لم يعد يُغذِّي الحصرية والانغلاقية واللعنات التي نعيش فيها بإذن الله.
بعض العلماء قَبِلَ حتى هذه الزيادة وتأوَّلها وبهذا أختم، كيف تأوَّلها؟ قالوا كلها في النار إلا واحدة بمعنى ماذا؟ هذه الواحدة المُستثناة – هذه المِلة أو هذه الفرقة أو هذه الجماعة أو هذا السواد الأعظم، علماً بأن كل هذا وردت به نصوص في استثنائه في كونه مُستثنى، قيل مِلة وفرقة وجماعة وسواد أعظم وإلى آخره، هذا المُستثنى أياً كان أو أياً يكون اختلف فيه اللفظ واختلفت المنطوقات واتحدت المدلولات كما يُقال – أو هذه الفرقة قالوا مُوزَّعة في الفرق كلها، وأشار إلى هذا العلامة المقبلي – صالح المهدي المقبلي رحمة الله عليه – وقال الفرقة الناجية أو المِلة الناجية أو الجماعة الناجية ليست جماعة واحدة مُنحازة إلى جهة وحدها ومُتميِّزة، قال لا هذا غير صحيح، هى مُفرَّقة في الثلاث والسبعين فرقة، وهم صالحو كل فرقة، هذا إذا قبلنا بالزيادة وأردنا لها تأويلاً، ففي الشيعة تجد أُناساً صالحين وكذلك في الإباضية وفي الخوارج وفي أهل السنة وفي الزيدية إلى آخره، في كل الفرق تجد أناساً صالحين طيبين ورعين، هؤلاء أتقياء من أهل الله ولا يريدون إلا وجه الله ولذا هؤلاء جميعاً هم الفرقة الناجية وهى التي تدخل الجنة، لكن هذا غير كافٍ، هل تعرفون لماذا؟ لأن إلى الآن لم ننفصل من شُبهة مُعارَضة وعدم تماشي هذا الحديث بهذه الزيادة مع الأحاديث التي تُنبئ أن أمة محمد أكثر أهل الجنة، فصالحوا كل فرقة إذا ضُمَّ بعضهم إلى بعض وجُعِلوا في سماطٍ واحد كم يكونون؟ نسبة بسيطة، ومن هنا تأويلٌ آخر كما قلنا، ماذا قيل؟ قيل أن الفرق الضالة والمُبتدِعة إنما يُقصد بها وبالهالك منها الخاصة، أي العلماء والأئمة الذين يُولِّدون أفكار الضلال وأفكار الطغيان، القادة الذين يقدمون قومهم، القادة والرادة إلى الضلال والبدعة، أما العوام في كل فرقة فالعوام شأنهم السلامة – بإذن الله تعالى – من حيث الأصل والنجاة ولا تثريب عليهم وهم مُستثنَون من الابتداع، لا تقل حتى أن العامي يُعَد مُبتدِعاً، هذا المسكين يتبع العلماء ولا يعرف شيئاً، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ۩، إذا جاءك شخص أجنبي أو شخص مُلحِد وقال لك ائتني بالآيات المُريحة في كتاب الله – هناك آيات مُريحة مثل آيات الرحمة عموماً -إياك أن تتخطى الآية التي في مطلعها لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ۩، من أوسع الآيات صدراً في كتاب الله وتنشرح بها – والله – صدور المُؤمِنين، هذا شيئ عجيب، الله قال لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ۩، بعض الناس يُقصِّر، لكن المُقصِّر ليس كالجاني المُتجرِّي، قَصَّر ومن ثم له حساب يسير ربما وربما مغفرة، لكن بعض الناس قاصر وليس مُقصِّراً، هو قاصر لأن عقله وعلمه لا يُسعِفانه، هذا المسكين لا يفهم شيئاً، مثل الطبّاخ أو الكنّاس أو أي شخص بسيط بل وحتى المُهندِس الكبير أو حتى عالم الفضاء لأنه لا يعرف اللغة والبديع والمعاني والنحو والتصريف والأصول وإلى آخره، لا يعرف كل هذه القصص، بماذا تُكلِّف عالم فضاء في قضايا دينية نصوصية لا يعرف فيها شيئاً وليس له أي علاقة بها؟ هذا قاصر، ذاك مُقصِّر وهذا قاصر عن بلغو الغاية ودرك البُغية، هل يغفر الله له أو لا يغفر له؟ الله قال لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ۩،الله أعطاه في وسعه علم الفضاء أو الهندسة أو الجراحة أو التاريخ أو الجغرافيا ولم يُعطِه علم الدين، فقالوا هنا يقتصر الابتداع والتوعد بالعذاب على مَن؟ على العلماء والأئمة، وأنا أقول لك أيضاً هؤلاء ليسوا معمومين مشمولين بالوعيد والتثريب، هل تعرف لماذا؟ لأن أكثرهم متأول مُجتهِد وبنص حديث رسول الله وبنص الآية التي في مطلعها لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ۩ والآية التي في مطلعها لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۩ لهم أجرٌ واحد وإن أخطأوا، أليس كذلك؟ ولا نقول لمَن اخطأ إنك ضال مُضِل، بل نقول له إنك مُجتهِد إن كان من أهل الاجتهاد، والمفروض أنه عالم وإمام، ومن ثم نقول له بل أنت مُجتهِدٌ مأجور.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
______________________________________________________________________________
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدِنا وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، واختم لنا بخير خاتمة واكفنا ما أهمنا من أمر دنيانا وأمر أخرانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (12/12/2014)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: