إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ۩ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ۩ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الإخوات الفاضلات: ما أنكبُ ما نُكِبَت هذه الأمة؟!
ما أفتك العلل التي أصابت جسم هذه الأمة؟!
ما هى أعظم المصائب والبلايا التي حاقت بنا؟!

قد يُجيبُ مُجيب بأنه الفساد الخُلقي والتحلّل المسلكي، وقد يرى آخر أن ذلكم يتمثَّل في الفقرِ والأميةِ والجهل، بينما يرى ثالث أنه يتمظهر في التراجع العسكري وتراجع القوة والمنعة لدى الأمة، وفي الحقيقة كل هذه مظاهر وأعراض للداء الأعظم وللمُصيبةِ الأكبر، بل لأنكب النكبات وأفتك العلل، فالعلة التي حين تُوجَد فإنها تُفرِز كل هذه المظاهر ولابد قريباً أو بعيداً هى الاستبداد السياسي.

الاستبداد السياسي الذي يتحالف مع الفساد الأخلاقي والتحلّل والتفكّك الإجتماعي والظلم والفقر والجهل والأمية وبيع الأمة وإرخاص قضاياها، بيع أعراض الأمة ومُقدَّسات الأمة وتراث الأمة وتاريخ الأمة ودين الأمة، فكل هذا يُصبِح معروضاً للبيع لأن الأمة تُصبِح في ظل هذا الاستبداد المُخيِّم عبارة عن قُطعان كقطعان المعز والغنم، بل أن قطعان المعز والغنم أكرم منها وأعظم أهميةً لدى مَن يبيع ويشتري منها، فيُصبِح المليون منا لا يُساوون شيئاً، هم صراصير أو فئران يُمكِن أن يُحشروا ويُمكِن أن يُجوَّعوا ويُمكِن أن يُذبَحوا بالسكاكين أيضاً أو رمياً بالرصاص تماماً كما يُحاصَر ويُجوَّع الآن شعبنا العربي الأبي المسلم المُجاهِد الصابر في غزة جبَّار المُتوسِّط والسبب هو الاستبداد السياسي، حيث أن هناك جماعة قعدوا على صدر هذه الأمة لكن الأمة لم تُفلِح إزاءهم بشيئٍ مما تعاطته أو احتالت به فوقع الاستبداد السياسي، ومنها تتصل الحلقات ومن ثم سأتلو نفس الآيات التي تقول وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ۩ لأن مُرادي الأول وشاهدي فيها هو أن مُجرَّد الركون إلى الظلمة توعّد الله عليه بمسيس جهنم – والعياذ بالله -، فأن تُحِبهم بقلبك يعني أنك راكنٌ إليهم  ومن ثم جهنم أمامك أو من ورائك إن شئت، وهكذا القرآن واضح جداً جداً جداً، وإن كنت لا تُحِبهم ولكن تعمل لأجلهم وتبطش بأمرهم ورسمهم بل وتضرب أقرب الناس إليك خدمةً لهم فلتُبشِر بجهنم كلها لك وليس بالمسيس فقط، وإنما جهنم كلها في انتظارك بإذن الله تعالى، فيجب علينا أن نفهم هذا جيداً لأن منطق أنني عبدٌ مأمور لا ينفع تماماً في ظُلمات الاستبداد ولا ينفع في نور الشرع ومن ثم لا يُجدي ولا يصلح لدى رب العالمين البتة وهو القائل كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ۩، فإذا ضربت أو قتلت انتهى كل شيئ ولا تقل لي أنا مأمور فليس في الإسلام عبدٌ مأمور، نحن مأمورون لله – تبارك وتعالى – وبشرع الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعةُ في المعروف، ولكن هذا المنطق الذي تُصادِقون عليه جميعاً لا يعرفه أذناب السُلطة وعُمّالها ومُوظّفوها مِن أعلى رأس إلى أحقر رأس فيهم لأنهم رؤوس قُطعان أيضاً، معز وشياه لا قيمة لها بغض النظر أكانوا ساسة أم شهداء زور – أعني علماء دين – أم غير ذلك، كلهم قُطعان، أي قطيع حقيقي لأن القرآن يقول إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ۩، فالجُندي سيكون مع الفرعون وستكون جهنم بعد الغرق من أمامهم ومن هنا قال كَانُوا خَاطِئِينَ ۩، فالقرآن حين يُؤكِّد الآن ذكر الجُندي بقوله وَجُنُودَهُمَا ۩ فإنه يُؤكِّد ما هو مُؤكَّد بذاته، فهذا مُؤكَّد بذاته ولا يُمكِن أن يُستراب فيه، لكن هذا المنطق الذي تُصادِقون عليه يوم خيَّم الاستبداد السياسي على هذه الأمة هو أول وأعظم ما نُكِبَت به أمتنا، وهكذا إذن تتواصل حلقاتُ حديثنا عن الحسين – عليه السلام – وعن كربلاء وعن بني أُمية وبني العباس والظلم والاستبداد في الحُكم الذي لا يزال مُتصِلاً، إذن الحسين يُذبَح كل يوم ولا يزال سيف السُلطان وسيف الفرعون وذهب المُترَفين وزور علماء الدين يتآمر على الحسين ويتآمر على غزة وغير غزة حيث الفتاوى المُعلَّبة والرصاص الحي والأموال الداعمة، أي أن الشيئ نفسه يتكرَّر مرة أُخرى، فلا يزال هذا مُتواصِلاً، هذا المنطق من تلكم الحقبة المُظلِمة في تاريخنا والتي بدأت مع مُعاوية بن أبي سُفيان الذي يُدافَع عنه على أنه صحابي ورضيَ الله عنه لا يزال مُمتَداً وعلينا أن نفهم هذا، فيبدو أن علينا أن نخلق عقولاً جديداً لنا لأنه لم تعد لنا عقول من علمائنا ومشائخنا ومُؤرِّخينا الذين ضلَّلونا ولا يزالون يُمعِنون في تضليلنا.

عمر بن الخطاب – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – فاروق الإسلام ومُلهَمه كان يصرخ وهو يُنزَع ويُحتضَر ويجود بأنفاسه الطاهرة في وجه الذي همس إليه بأن يُوّلي ابنه عبد الله من ورائه، ومَن مثل عبد الله؟!

فيقول عمر بن الخطاب لهذا الرجل “والله ما الله أردت”، أي أنك رجل مُرائيٍ ومُداهِن وتُريد أن تُنافِقني، ثم يستتلى قائلاً “بحسب آل الخطاب ما لقوا منها”، أي كفى أن يكون ابتُليَ بها عمر بن الخطاب، عمر الذي لم يبع ذرة من تراب الأمة بل وسَّع رقيعها ووسَّع مداها، عمر الذي لم يظلم أحداً ساعةً من زمان، عمر الذي هدَّده المجوسي أبو لؤلؤة – لعائن الله مُتتابِعة عليه – بأن يُقتَل ويُغتال كما فسَّر له ذلك عليّ حين قال له “العبد يتهدَّدك يا أمير المُؤمِنين” ولكن عمر لا يأخذ بالظنة ولا بالتُهمة وترك الرجل حُراً طليقاً ليفتك به بعد أيامٍ معدودات، هذا هو عمر، ولكن مُعاوية الذي لا يُشكِّل بأي معنى إلا في ذهنية علماء السُنة امتداداً لعمر – أنا سُني ولا أدري كيف يُشكِّل مُعاوية امتداداً لعمر في ذهنية بعض علمائنا باسم السُنة، فوالله العظيم هذه المُعادَلة يبدو أنها من الدرجة الخامسة عشرة أو حتى الخمسمائة ومن ثم أنا لا أستطيع أن أفكها – شرخ الأمة ومزَّق وحدتها حين قاتل عليّاً بدعوى قميص عثمان ودم عثمان، وهذه كذبة لا تجوز إلا على الأغبياء الحمقى حتى وإن كانوا من كبار علماء الدين، لأنه لم يأخذ بثأر عثمان بعد ذلك ولم يُطالِب به، هذا كذبٌ وقاح، هو فقط شقَّ الأمة ومزَّقها ولذلك لما قيل للتابعي الجليل الأحنف ابن قيس “مُعاويةُ حليم” قال “ليس حليماً مَن قاتل عليّاً وسف الحق”، كأنه يقول لمَن يُحدِّثه أنه يتحدَّث عن حلم لا يعرفه فهو يهرف بما لا يعرف، فكيف يُقال عنه أنه كان حليماً؟!

ليس حليماً مَن قتل راهب أصحاب محمد حُجر بن عدي لأن الرجل يمتلك لساناً يُنكِر به أحياناً الظلم الواقع على الأمة ومع ذلك قُتِل الرجل صبراً، يقول أبو العرب التميمي “ولما وصل نبأ مصرعه عبد الله بن عمر أرسل جفونه وقام عليه النحيب”، 

أي أن ابن عمر جعل ينتحب، أيُقتَل حُجر بن عدي؟!

لأنهم يعرفون مَن هو حُجر، وطبعاً الآن جماهير الأمة لا تكاد تسمع بالحُجر، فلا يعرفون شيئاً عن حُجر بن عدي، ولكن يعرفون مُعاوية رضيَ الله عنه وأرضاه ثم يشتكون من ظلم حُكّامهم اليوم، فمسيرة الظلم مُتواصِلة إلى اليوم، وعلينا أن نفهم هذا جيداً، علينا أن نتطهَّر أولاً من هذه اللوثات الفكرية ومن هذا السرطان بإسم التاريخ والعلم والدين والشرع والسُنة، علينا أن نتطهَّر من هذا السرطان ثم بعد ذلك نبدأ نُنقّي واقعنا بعد أن نكون نقّينا أدمغتنا، ولكن بعض الناس يظن أننا نحتاج إلى فرصة وإلى منبر لنتكلَّم، كلا هذا آخر ما نحتاج إليه لأن آخر ما سُلِبنا من حقوقنا حق أن نتكلَّم وأن نفوه وأن نقول وأن نحكي وأن ننطق وأن نروي، هذا آخر الحقوق التي سُلِبَت منا، لكن لقد سُلِبنا أولاً حق أن نسمع وحق أن نرى وحق أن نحس ونتحسَّس وحق أن نأل ، وبعد أن سُلِبنا هذا كله سُلِبنا بالتالي حق الكلام بطريقة أوتوماتيكية لأن مَن لا يرى ولا يسمع ولا يحس ولا يفهم لا يتكلَّم، وإلا يتكلَّم بماذا؟!

لا يتكلَّم، وإن تكلَّم بعد أن سكت دهراً فسيتكلَّم كفراً فهو شخص غبي ومن ثم سيقول لي “اليزيد رضيَ الله عنه وأرضاه، مُعاوية قدَّس الله سره الكريم، خامس الخلفاء الراشدين”، علماً بأن بعضهم قال هذا فعلاً، فهذا الشخص لا يحس ولا يرى ولا يفهم ولا يقرأ ولا يعرف شيئاً.

مُعاوية شقَّ العصا – عصا الطاعة – على أمير المُؤمِنين عليّ ومزَّق الأمة، وذهب عشرات الآلاف من الصحابة والتابعين قتلى وصرعى في حروبه، أي في حروب مُعاوية التي وقعت بإسم عثمان ثم بعد ذلك أراد أن يُشعِل نار حربٍ عُظمى على الأمة مع الحسن بن عليّ لأن الحسن بايعته الأمة أيضاً ماعدا أهل الشام لم يُبايعوه، حتى كان الحسن هو الذي تراجع حقناً لدماء الأمة، ولكن مُعاوية يفعلها مرة ثانية ثم يأتي التخلّص من الحسن بالسُم لتخل الطريق ليزيد، والآن مُعاوية للمرة الثالثةً – لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ۩ – يحمل الأمة على أن تُبايع لابنه الفاسق الزنديق اللعين – لعائن الله عليه إلى يوم الدين – الذي سُئل عنه شيخ الحنابلة وشيخ الإسلام وحافظ الإسلام الإمام الجليل أبو الفرج بن الجوزي وهو على منبره ماذا تقول في يزيد؟!
هل يجوز أن يُلعَن – كما ألعنه الآن، لعنة الله تعالى عليه بل على مَن أحبه وواطاءه على ما فعل بأهلِ بيت رسول الله وبحرم رسول الله وبمكة حرم الله، لعنة الله عليهم أجمعين من عند آخرهم – يزيد؟!

فقال الفقيه الأصولي والأديب والمُفسِّر والمُؤرِّخ  وصاحب المُنتظَم الذي يعرف التاريخ بتفاصيله أبو الفرج بن الجوزي: ما تقولون في رجلٍ وُلّيَ أمور المسلمين ثلاث سنين فقتل الحسين وأهل بيته في السنة الأولى ونهب وانتهك مدينة رسول الله ثم انتهك حُرمة بيت الله وقُذِفَت الكعبة بالمنجانيقات؟!

قالوا “ملعون”، قال “فالعنوه”، هذا هو يزيد، يزيد في ثلاث سنين قتل أهل بيت رسول الله وقطَّع رؤوسهم وفي مُقدَّمهم الحسين أبو عبد الله وانتهب مدينة رسول الله وأباحها بالقتلة المردة من جُنده الوحوش والذئاب ثم بعد ذلك فعل مثل هذا بالكعبة حتى احترقت الكعبة وضُرِبت بالمنجانيق في حربه مع عبد الله بن الزبير، هذا هو يزيد وهذا تراثه، ومن هنا قالوا لابن الجوزي أن مَن يفعل هذه الأفاعيل “ملعون” فقال لهم “فالعنوه”، ثم قال واصفاً ما جرى وهو على منبره “فأخذ بعض القوم أحذيتهم  – هؤلاء هم مَن يدّعون أنهم على سُنة السلف، فأصبحت سُنة السلف نترضّى على مُعاوية ويزيد – وخرجوا”، فقال ابن الجوزي أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ۩، كأنه يقول لهم حتى أنتم ملاعين مثل يزيد، هذا هو ابن الجوزي الحنبلي، وعليكم أن تنتبهوا لهذا لأنه ليس من الشيعة في شيئ، فهذا ليس حديثاً شيعياً ولكن هذا حديث أهل السُنة من العلماء القوّالين بالحق، وهذه هى البداية ثم سوف ترون إلى أي مدى ذهبت الزاوية في انفراجها!

روى الإمام الطبراني في الصغير والكبير والإمام إسحاق بن راهوية في مُسنَده والإمام أحمد بن منيع ورجال أحمد ثقات عن مُعاذ بن جبل أنه قال: قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – ألا إن السُلطانَ والكتاب – وفي رواية السُلطانَ والقرآن – سيفترقان، ألا فلا تُفارِقوا الكتاب.

وصدقت يا سيدي يا رسول الله، لأن القرآن والسُلطان سيفترقان، فسيُصبِح السُلطان أو الملك أو الخليفة أو أمير المُؤمِنين في جهة، وسيُصبِح كتاب الله ومبادؤه وأهدافه وغاياته ومُثله في جهةٍ أخرى بعيدة تماماً، ومن هنا قال لنا الرسول “ألا فلا تُفارِقوا الكتاب”، أي دوروا مع الكتاب حيث يدور، فاللهم اجعلنا من الدوّارين مع الكتاب حيث يدور، لا مع السلاطين الآكلين على كل الموائد والمُنتفِعين في كل العصور والأحقاب والأزمات!

ثم يقول في تتمة الحديث “ألا أنه سيكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم”، قالوا: فما نصنع يا رسول الله؟!

قال “كما صنع أصحاب عيسى – عليه السلام – حُمِلوا على الخُشب ونُشِروا بالمناشير، ألا فموتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياةٍ في معصية الله”، إذن ليس الحسين هو الذي يتكلَّم وإنما جد الحسين، هذا هو محمد  وهذا منطق محمد، ولكن منطق “اصبر عليه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك” يعلم الله أنه كذب وإن دُسَّ في الصحاح، محمد لا يقول هذا وأصحابه الصادقون الأوفياء لم يقولوا هذا أبداً ودائماً، وإن خاف بعضهم كانوا يقولون العكس ويُنسَب إليهم العكس بل العكوس حتى أصبح أمر هذه الأمة المنكوس بإسم الكذب على رسول الله، فتُجربة التاريخ تُؤكِّد أن هذا كذب، أربعة عشر قرناً من ظلام الاستبداد السياسي المُخيِّم تُؤكِّد أن هذا كذب، والنبي نصح للأمة ولم يغش الأمة ولكن هذا غش، فأين ذهب بنا هذا الغش؟!

إلى ما ترون، لا دُنيا ولا آخرة، وعلينا أن ننتبه إلى هذا، فالناس هنا في الغرب تعيش بلا دين إلهي حقيقي وبلا إسلام ولكنها تعيش ولها دُنيا، ونحن هنا نعيش في الغرب ولنا دُنيا حقيقةً فنحن آمنون مُطمئنون آكلون شاربون نائمون، فلا يُزعِجنا ولا يُخوِّفنا لا مُخابَرات ولا شُرطي ولا دركي  ولا رئيس ولا مرؤوس ولا أحد، وهذا شيئ عجيب، فمَن يعمل يتموَّل ومَن لا يعمل تكفله الدولة ويعيش مُعزَّزاً مُكرَّماً فلا يمد يده إلى أحد، وهذا شيئ غريب، ولكن انظروا كيف تعيش القُطعان – قطعان البشر- في بلادنا، أي في بلاد العرب والإسلام و بلاد لا إله إلا الله، محمد رسول الله، حيث لا دُنيا ولا آخرة.
أما عمر بن الخطاب فينام تحت شجرة بمُرقَّعة بست عشرة رقعة فيلتحف السماء ويفترش الأرض في ظهيرة يوم صائف، وتعرفون تتمة القصة !

أحمد الناصر أحد خلفاء العباسيين وفي الحقيقة هو خليفة لمُعاوية – هذا الخط خط مُعاوية، هذا الخط الملعون النكد أنكد خط في تاريخنا وأنكد ما فُعِل بنا وأنكب ما نُكِبنا، هذا الاستبداد السياسي الذي خطه وشرعه مُعاوية الملك وليس الخليفة ابن أبي سُفيان بن حرب بن عبد شمس أنكب ما نُكِبنا به – لا نام تحت شجرة ولا نام حتى في قصره أمام الناس، فلا يكاد يراه أحد حيث نُصِحَ إليه وفق الأدبيات الفارسية والهلنستية أن يتخفَّى ما استطاع عن عيون الناس حتى يظن الناس أن فيه ما هو فوق البشري، كالآلهة تغيب بذواتها وتحضر بسُلطتها، فالسُلطة حاضرة والشخص غائب مثل آلهة، هؤلاء كانوا نوعاً من أنواع الآلهة الكاذبة، وهكذا كان يفعل ملوك آشور ومن بعدهم ملوك الميديين فلا يكادون يظهرون، وهذا من سُخف تاريخ هذه الأمة المنكوبة، وأنتم ستعجبون مما سأقول لكم من تاريخ وستضحكون الآن على أنفسكم وعلى تاريخكم وستحزنون أيضاً، لأن بعض الناس يُحاوِل فقط أن يُحسِّن دائماً صورة هذا التاريخ وهذا غير صحيح من كل وجه، فالصورة فيها طبعاً ما هو حسن ولكن الجانب السياسي ليس بالحسن فيها إلا ما رحم الله وقليلٌ هذه الجوانب المُستثناة، بل قليلة جداً، إذن الحاكم هذا المُسمى بأحمد الناصر كان يستخفي من عيون الناس حتى ما يكاد يراه أحد، ولكن يتفق مرةً وهو في طريقه إلى سامراء أن يُضطَّر إلى النزول ليتبوَّل – أكرمكم الله وأعزكم وأعزكن – ويتسامع الناس بهذا،ويمضي الموكب فيُقيم الناس مشهداً وقبة يُسمّى مشهد البولة، ما رأيكم؟!

هل هذه أمة محمد الذي قيل له وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ  ۩ وأمة عمر بن الخطاب وأمة  الصدّيق الذي قال لأمته في أول خُطبة له وليت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوّموني؟!

علماً بأن هذا التقويم كان من الممكن أن يصل إلى التقويم ولو بحد السيف، فهكذا  قيل لعمر “لقوّمناك بحد سيوفنا”، كأنهم يقولون له عليك أن تنتبه إلى أنك مُجرَّد خادم لدينا، وهكذا كان أبو بكر ينظر إلى نفسه، فيرى نفسه كما تراه أمته خادم الأمة وليس رب الأمة وليس أحمد الناصر صاحب مشهد البولة، قدَّس الله سر البولة. أستغفر الله العظيم.

اقرأوا التاريخ واقرأوا كتبكم واقرأوا تراثنا المُخزي المليء بالوثنية السياسية، فهذه وثنية وشرك سياسي حقيقي، درج علماؤنا من أهل السُنة على أن يقولوا ما قاله الشاعر ابن هانئ الأندلسي ذو النزعة الفاطمية الشيعية وهو يُخاطِب المُعز لدين الله:

ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ                            فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّار

أستغفر الله، لابد أن نستغفر الله من هذا، هذا شركُ فعلاً حقيقي، علماً بأن (ما) هنا في قوله(ما شئتَ) تعني الذي، أي الذي شئت، لأن (ما) هنا موصولة وليست نافية.

ولكن في الأدبيات السُنية أيضاً نرى ابن نبيه وهو سُنيٌ عباسي – ليس ابن هانئ ذا النزعة الفاطمية وإنما  ابن نبيه السُني العباسي-  يُخاطِب أمير المُؤمِنين العباسي صاحب مشهد البولة – قدَّس الله سره – أحمد الناصر قائلاً:

بغداد كَعْبَتُنَا وأَحْمَدُ أَحْمَدُ                       حُجُّوا إِلَى تلك المواقِفِ واسْجُدُوا 

هذا هو شعرنا وهذه هى أدبياتنا السياسية المليئة بالشرك السياسي، وهكذا انفرجت الزاوية حتى تروا ما كان يحدث، ولكن هذا يحتاج إلى درس طويل.

قوله (بغداد كَعْبَتُنَا) يعني أننا تنازلنا عن القبلة الآن، فلم تعد قبلتنا هى مكة – أستغفر الله العظيم – بغداد، فبغداد أولى من مكة أن تكون هى القبلة، أما قوله (وأَحْمَدُ أَحْمَدُ)فأحمد الأولى إسم علم  يُقصَد به أحمد الناصر، أما أحمد الثانية فصيغة تفضيل، فأحمد أحمد أو أحق بالحمد مِن مَن يا زنديق السُنة؟!

فيبدو أنه يُريد أن يقول أن أحمد الناصر أحق من رسول الله بالحمد.

هذا الكلام خرج من سُني زنديق في خليفة سُني أيضاً وهو أحمد الناصر وذلك حين قال:

بغداد كَعْبَتُنَا وأَحْمَدُ أَحْمَدُ                       حُجُّوا إِلَى تلك المواقِفِ واسْجُدُوا 

أستغفر الله العظيم، وهذا شيئ طبيعي ووارد طبعاً في أمة تُنشيء مشهد البولة، فلماذا لا تحج وتسجد لأمثال أحمد الناصر؟!

لقد تعلَّمت السجود لغير الله بحذاقة ولا تزال على أيدي مشائخ – أستغفر الله – أمة محمد، أو بالأحرى على أيدي حاخامات أمة محمد من الشيخ الفلاني والمُفتي العلاني، فحاخامات أمة محمد هم شهداء الزور في هذه الأمة، سمّوهم شهداء الزور لأن من العيب أن يُقال علماء الدين، وبالتالي نحن لا نُريد هذا العلم إذن، إذا كان هذا علم دين لا نُريده لأننا نُريد علماً آخر، هؤلاء هم شهداء الزور ولسنا من دينهم في شيئ، لسنا من علمهم في شيئ وليسوا منا، ليسو منا هؤلاء السِفلة بل سِفلة السِفلة كما قال ابن المُبارَك لما سُئل عن السِفلة فقال عنهم “الذين يبيعون آخرتهم بدنياهم”، أي يشترون الدنيا ويبيعون الآخرة، فسُئل: فهل أسفل منهم؟!

قال “نعم، الذين يبيعون آخرتهم بدُنيا غيرهم”، الله أكبر، فهل هناك مَن يبيعون آخرتهم بدُنيا غيرهم؟!

نعم، فمن أجل أن يرضى وينام قرير العين جذلاناً مسروراً الحاكم يُفتي له الواحد منها بما يُريد، يقد له الفتاوى ويُفصِّلها على مقاسه وعلى مقاس جرائمه وعلى مقاس كبائره وعلى مقاس خياناته للأمة، فكل هذه الفتاوى هى فتاوى مقدودة!

نعود إلى ما قاله ابن نبيه في أحمد الناصر:

بغداد كَعْبَتُنَا وأَحْمَدُ أَحْمَدُ                         حُجُّوا إِلَى تلك المواقِفِ واسْجُدُوا 

ألا بُعداً لمُنتظِرٍ سواه وقد بدت                           فيه العلائم التي لا تُجحَدُ 

أي أنه يقول “أن هذا هو المهدي ولعنة الله على كل مهديٍ غيره، أي غير صاحب مشهد البولة”، فهذا هو معنى (ألا بُعداً لمُنتظِر سواه)، فهذا الرجل يسخر حتى من سُنة رسول الله ومن الأحاديث ومن عقائد الناس وعقائد المسلمين !

ومعنى (وقد تبدت فيه العلائم التي لا تُجحَد) أي أن العلامات الدالة على أنه المهدي واضحة ومُبيَّنة، فهذا هو المهدي وهو أفضل من نبيكم وبغداده أفضل من قبلتكم.

إذن لا تتحدَّثوا عن ابن هانئ فقط وتقولون أنه قال ما قال لأنه فاطمي ذو نزعة شيعية، فهذا أيضاً سُني ذو نزعة عباسية، وهذا كل يندرج تحت الوثنية السياسية، ولذلك عمر -رضوان الله عن عمر وعلى عهد عمر – لم تُحارِبه الأنظمة الديكتاتورية القمعية العربية المُعاصِرة فقط  بل حاربته الأنظمة من أشكالها من أيام بني أُمية, ابن كثير في البداية والنهاية – وذكرت لكم هذا أكثر من مرة – يذكر عن عبد الملك بن مروان أصدر أمراً رسمياً أميرياً حكومياً بمنع الخُطباء والوعّاظ والقصّاص من ذكر مآثر عمر، ومن هنا علينا أن ننتبه أن الحدث عن عمر كان ممنوعاً من قديم، لأن الحديث عن العدل يُهيِّج في النفوس حُب العدل، ولا عدل الآن،  فالحديث ليس عن العدل ومن ثم أدبيات القرآن والسُنة وعمر وأبي بكر انتهت، ونحن الآن مع أدبيات جديدة ابن المُقفَّع والجَهْشَيَاري وعبد الحميد وهى أدبيات أنو شروان وأدبيات الفرس والعهد الهلنستي.

ابن المُقفَّع رغم الوثنية السياسية التي مارسها إلا أن هذا لم يُجده ومات مُقطَّعً إرباً إرباً طُعمةً للتنور، فهذا الرجل كان مُنافِقاً كبيراً وهو الذي كان يكتب رسالة الصحابة –  ليس أصحاب محمد، وإنما صحابة الخليفة أبو جعفر المنصور – ويُهديها للمنصور بعد أن يصب فيها جم غضبه على الفقهاء وعلى العقلية الفقهية التي تُعلِّم الناس أنه لا طاعة في المعصية، لأن لا طاعة في المعصية وإنما الطاعة في المعروف، ولكنه قال أن هذا كلاماً فارغاً، ونحن نقول له بدورنا “هذا كلام محمد يا زنديق، هذا كلام مُعلِّم العالمين يا أحول، يا أعور، يا مثبور”، ولكنه ادّعى عكس ذلك قائلاً “أن مَن أمرك بطاعة من عوام الناس فأنت تُطيعه وإذا أمرك بمعصية فأنت تعصيه، فإذن أنت سوَّيت بين الخليفة وبين عوام الناس، لكن الخليفة يُطاع بالمُطلَق في الحق وفي الباطل، ففي كل شيئ لابد أن يُطاع سواء كان ضد الله وضد الرسول أو على الضد أو ضداً على الله والرسول – وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ۩ – والشرع والشارع، لابد وأن يُطاع”.

الوزير ابن الفرات هو أحد وزراء العباسيين الذي صرَّح وأفصح دون أن يُجمجِم عن عقلية السُلطة المسلمة، فعليكم أن تنتبهوا دون أن تتزنّدَقوا إلى أهمية هذه السُلطة الإسلامية الأُموية والعباسية والتي لابد أن تُحترَم، فهذه هى حضارتنا وهؤلاء هم أمراء المُؤمِنين فينا وأولياء أمرنا، فصرَّح الرجل بذاك الشروط التي يشترطها في مَن يُريد أن يُوّليهم العمل في الخلافة إسلامية، فقال ” أُريد رجلاً لا يُؤمِن بالله واليوم الآخر  – والله العظيم قال هذا واقرأوا التاريخ، ابن الفرات قال مَن نُعيطه العمل لابد وأن يكون رجلاً لا يعرف الله ولا الحق ولا الآخرة – أُنفِذه في بعض أعمالي، فإن بلغ فيها ما رسمت أبلغتُ في الإحسان إليه وأظهرتُ عليه نعمتي وأغنيته”، فلعنة الله عليك وعلى نعمتك، لعنة الله على دُنيا تعظم وتنتفش في معصية الله وتُورِث لعنة الأبد وظلمة جهنم في قعرها، لعنة الله عليها وعلى مَن أحبها فنحن لا نُريدها، لكن هذا هو ابن الفرات وهذا هو المنطق الجديد الخاص به وبابن المُقفَّع، علماً بأن من المُرجَّح أن ابن المُقفَّع هو الذي ترجَم التاج في أخلاق الملوك وليس الجاحظ، لأن الجاحظ ضد هذه السياسات حقيقةً، الجاحظ ضد كل هذا التفكير وبالتالي مُستحيل أن يفعل هذا لأنه كان مُعتزِلياً والمُعتزِلة ضد هذا الظلم، فكذب عليهم أن يُقال أنهم يرضون بهذا، لكن المُرجَّح هو أن ابن المُقفَّع هو الذي ترجَم التاج في أخلاق الملوك فهو كتاب مليء بالأخلاق الفارسية، أي أن هذه كلها أدبيات فارسية، علماً بأن أول مَن أدخل الأدبيات الأعجمية في سياسة الناس وإيالتهم مُعاوية بن أبي سُفيان ومن ثم طبَّقها، لكن عمر احتج عليه فاعتذر هو بالضرورة والمصلحة وأشياء أُخرى، وكأن عمر لم يظن أن الأمر سيذهب وسيؤول إلى ما آل إليه، فهذه كارثة حقيقية ونكبة كُبرى في تاريخنا!

يقول هذا الكتاب “وإن استطاع الملك أن ينفرد من دون الناس بالماءِ والهواءِ لا يشرك أحداً فيهما فليفعل، فإن البهاءَ والعز والأُبهة في التفرّد”، كأنه يقول لهذا الملك “احتز كل النعم، احتز أقوات الناس و حريات الناس وألسنة الناس وأرزاقهم وعقائدهم وضمائرهم والماء والهواء، فكل هذا لك”، وطبعاً هذا تألَه زائف فهو يُريد للواحد منهم أن يُصبِح إلهاً يتحكَّم في المصائر، فأين هذا من عمر الذي يقول لو أن بغلة بشاطيء الفرات عثرت لظننت أن عمر يُؤاخَذ بها ويُسئل عنها لم لم تُعبِّد لها الطريق؟!

الله أكبر يا أخي، هذه هى خلافتنا نحن وهذا هو أمير المُؤمِنين فينا وولي أمرنا، مثل هذا يكون ولي أمرنا وليس مثل عبد الملك الذي قال “مَن قال لي اتق الله ضربت عنقه”، فضلاً عن أنه طوى المُصحَف في أول خلافته وقال له “سلامٌ عليك، لا ألقاك إلى يوم القيامة”، لكن عمر كان يسب وينتهر مَن يُوصيه بتولية ابنه، أما أبو جعفر المنصور فيشتري الخلافة ومُلكنا ورقابنا وأرزاقنا بأرزاقنا وبأموالنا وبأموال الأمة لابنه محمد المهدي، فكان ولي العهد هو موسى بن عيسى عم المنصور ومع ذلك أمره بالتنازل لصالح ابنه بالتهديد والوعيد طبعاً وبالترغيب، فيقول له عليك أن تتنازل وعليك أن تقوم الآن خطيباً في الناس وتقول لهم أنا بمحض إرداتي تنازلت للمنصور عن الخلافة، أي تنازلت عن ولاية العهد مُقابِل عشرة آلاف ألف، أي عشرة ملايين، أي أنهم كانوا يعبثونا بأموال رهيبة جداً في حين أن بعض الناس كان يعيش الشهر كله بخمسة دنانير، أما هذا فيُعطى عشرة ملايين من أموالنا كما يحدث الآن تماماً، فالشباب بلا عمل وارتفع سن الزواج، فيصلون إلى سن الأربعين دون أن يتزوَّجوا، ومن ثم يفعلون الفواحش، فينتشر اللواط والشذوذ والسحاق في النساء وكل المشاكل التي تُستهلَك شبوبيتهم وحياتهم، لأن المليارات وُضِعَت في بنوك أمريكا وسويسرا والغرب عن طريق السرّاق واللصوص الكبار في كل الدول العربية بلا استثناء،  وفعلاً باعه الأمة بعد أن قال له أنه سيُعطيه عشرة آلاف ألف وأن له ألف ألف لابنه فلان ولفلان من أولاده ولفلان من أولاده ولفلان من أولاده، فحين نقول “خلافة” فإنها تكون خلافة على القُطعان، فالأمة كانت من قُطعان وبالتالي كانت الخلافة تُباع وتُشترى، ثم لا يتحدَّث بعض الناس إلا عن مأثرة المهدي العظيمة في مُحارَبته للزنادقة ولكنهم لم يتساءلوا: كيف أتى المهدي هذا إلى الحكم؟!

مَن هو المهدي؟!

هذا المهدي الذي يُقال أنه حارب الزنادقة هو نفسه الذي كاد يُطوِّح برأس القاضي العلَّامة الفقيه المسكين شريك بن عبد الله – رحمة الله عليه –  برؤيا رآها – علماً بأنني حدَّثتكم قبل أسابيع بهذا – فقال له “رأيتك في المنام ثم سألت فقالوا أن هذا يُظهِر لك مودة ويُبطِن لك عِداءً، ومن ثم أُريد أن أتخلَّص منك الآن”، فقال له: إذا كنت أنت – ما شاء الله – مثل يوسف والمُؤوَّل مثل يعقوب فاقطع رأسي، أبالمنامات تُقتَل الناس؟! 

فقال له “اخرج من عندي”، هؤلاء كانوا مجانين يا إخواني!

وأعتقد أن هذا الآن يفتح لنا كوةً أو رَّوْزَنَةً أو نافذة لجواب عن سؤال كبير يُؤرِّق العربي الآن، فالعرب أصبحوا مُؤرَّقين إلى حد الجنون وإلى حد الحيرة وإلى حد التخبّط ، فنحن أصبحنا كالمجانين نتخبَّط ولا نعرف شيئاً، وانتظروا الأسوأ الذي لم نره بعد، وأنا قلت لكم من على هذا المنبر من قبل والله الذي لا إله إلا هو – أُقسِم بالله – أنني لا أستبعد على هؤلاء أن ينتهي بهم الأمر أن يُريحوا اليهود منا فنُقتَل بسكاكينهم ونُضرَب برصاصهم، فهذا ليس بعيداً عليهم، ولكن المسألة مسألة شروط وظروف، فهل تسمح الأمور أو لا تسمح؟!

وليست مسألة أنهم يرعوون عن هذا أو يتعاظمهم هذا الفعل، هم لا يتعاظمهم شيئ، ولكن لماذا؟!

وأنا سأُجيبكم عن هذا بأن هناك أمران رئيسان مُهِمان، الأمر الأول هو أن الطاغية – علماً بأنني لا أتحدَّث عن طُغاة العرب والمسلمين بل عن كل الطُغاة في كل الأمم وفي كل التواريخ، فالطاغية هذا مُجرَّد كائن وليس إنساناً، ليس من بني آدم، وإنما هو كائن مخلوق وممسوخ لأنه لم يعد إنساناً، هو شيئ مُختلِف تماماً – مرجعيته هواه، قال الله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ۩، فهذا الطاغية لا يعترف لا بإله ولا برسول ولا بشرع ولا بدين، ومن هنا لما أنكر عُبادة بن الصامت على مُعاوية تعاطيه بالربا في الصرف – يبيع الدرهم بدرهمين – وقال له أن هذا حرام رد عليه مُعاوية قائلاً “أنا لا أرى به بأساً”، أي أن أراه عادياً، علماً بأن هذا أخرجه مسلم، فهو ليس من أكاذيب التاريخ بل هو في صحيح مسلم، فقال عُبادة الصامت: مَن يعذرني مِن مُعاوية أُحدِّثه عن رسول الله ويقول لي لا أرى به بأساً؟!

ثم استتلى قائلاً “والله لا كلَّمته أبداً”، أي أن هذا الصحابي غضب وجُنَّ جنونه من مُعاوية لأنه يُحِل لنفسه ما حرَّمه الرسول ويقول أنه يراه أمراً عادياً، ولذلك أيضاً كان مُعاوية يُتاجِر بالخمور ويُتاجِر بأصنام بوذا Buddha، وهذه الأشياء لأول مرة تسمعونها ومن ثم تستغربون منها على الرغم من أن أسانيدها صحيحة وحسنة، وهذا شيئ يُجنِّن لكن هذا بالنسبة لمُعاوية يُعَد شيئاً طبيعياً وعادياً لأن هذا كله لا يُساوي شيئاً إزاء قتل اِمْرِئٍ مسلم واحد، فأن يتاجر بالخمور وغيرها وهو خليفة يُعَد أمراً بسيطاً بالنسبة لقتل رجل مثل حُجر، فأن يقتل حُجراً هذه مُصيبة المصائب، أن يقتل الحجّاج بن يوسف ثلاثة آلاف في يومٍ واحد من أنصار ثورة القرّاء العبّاد إلا فئة يسيرة منهم تصل إلى عشرة أو عشرين  – الله أعلم بعدد مَن تم استثناؤهم – مُصيبة أيضاً، فهل سمعتم بمثل هذه المجزرة؟!
هذه صبرة وشتيلة لبني أُمية، هذا شيئ يُجنِّن ولا يُصدَق، وبالتالي هذا تاريخ مُظلِم وأسود، في حين أن النبي يقول “والذي نفسي بيده لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على دم اِمْرِئٍ مسلم لكبهم الله في النار”، وهذا النبي وليس الحجّاج ومع ذلك تُؤلَف الآن رسائل وكتب في تبييض صحيفته ويُقال عنه “قائد عظيم من قوّاد المسلمين”، فلا عظَّم الله أجركم ولا شكر ما كتبتم، هانت علينا أنفسنا وهانت الحريات على الرغم من أن الحياة لا قيمة لها بغير حرية، الدين والدُنيا لا يُساوون شيئاً بغير حرية الإنسان، لأن الإنسان يغدو مسخاً، الإنسان بلا حرية هو حيوان، هو بهيمة وليس إنساناً، ولكن هؤلاء سرقوا منا أعز ما وهبنا الله وهى حرياتنا، فحتى الحيوانات تُعطي كل شيئ ولا تُعطي حريتها ولكن الإنسان تعوَّد أن يُعطي حريته، وهذا ما سارت عليه هذه الأمة المسكينة التي تُباع وتُشترى!

الطاغية إذن مرجعيته ذاته وهواه ومصلحته ولذته وما يراه، فلا تُحدِّثه عن إله ولا عن يوم آخر ولا عن مُثل ولا عن أخلاق ولا عن فلسفات، ولذلك الطاغية لا أمان له، فلا يُمكِن أن يأمنه أقرب الناس إليه، ومن هنا حدَّثنا التاريخ عن طُغاة قتلوا آباءهم وقتلوا أبناءهم وقتلوا زوجاتهم وقتلوا معشوقاتهم وقتلوا أقرب الناس إليهم من أودائهم وأصدقائهم وخِلصانهم، فهم يقتلون أقرب الناس إليهم لأنهم كائنات مُشوَّهة  حقيقةً كائنات، إذن هذا هو السبب الثاني، فالطاغية – والعياذ بالله – بسبب الطُغيان تُمسَخ طبيعته وبشريته وآدميته ويُصبِح كائناً آخر أو مخلوقاً آخراً غير ما تظنون، فأنت قد تظن أنه مازال إنساناً وأنه من المُمكِن أن تأتيه من باب كذا وكذا، وهذا مُستحيل لأنك أمام شيئ غير مفهوم، أمام شيئ  فاسد وممسوخ، علماً بأن أكبر ضحية للطُغيان هو الطاغية نفسه – صدِّقوني – لأنه فقد بشريته، وبالتالي أنت في نظري أمام كائن مزيجٌ من وحشية وإبليسية، فهو وحش كاسر مُخيف مُمتزِجاً مع إبليس – والعياذ بالله – في شخص إسمه الطاغية، الطاغية الذي نظر مرة إلى جيد  زوجته الجميلة الذي كان كأنه عنق فضة، فأعجبه جيدها ولكن لم يخطر بباله أن يُحليه بحلية ثمينة – مثلاً – بل قال لها “انظري إلى هذا الجيد الجميل المُستقيم كأنه فضة”، فقالت “نعم”، فقال “يُقطَع بإشارة واحدة مني”، هكذا يُفكِّر بتلك النزغات الشيطانية الوحشية، علماً بأن هؤلاء الطواغيت فعلوا مثل هاته الأشياء أكثر من مرة!

نيرون Nero أمة قتلت أباه لكي تُمكِّنه من السُلطة، فجاء هو إلى معشوقته التي كان لا يستطيع أن يعيش بدونها فقتلها ثم انتهى به الأمر أن قتل أمه، هكذا هم الطُغاة، ومثل هؤلاء في تاريخنا – علماً بأنني حدَّثتكم ذات مرة عنهم – كثيرون أيضاً، فتقتل الواحدة منهن ابنها من أجل ابن آخر، ويقتل الواحد منهم أباه من أجل أن يأخذ شيئاً من الدنيا مثل عباس الصفوي وغيره كُثر، وهكذا هو الطاغية إذن، فهل تُريد من هذا الطاغية أن يرحم فلاناً وفلاناً من الناس وأن يرحمك ويرحمني ويرحم غزة وأهل غزة؟!

هذا مُستحيل، لأن الطُغاة ليس عندهم هذا المنطق مُطلَقاً، ولذلك نكبة النكبات ومُصيبة المصائب أن هؤلاء يجثمون على صدورنا، ومن هنا – كما قلت لكم – الأسوأ لم يأت بعدُ، فهذا ما أشعر به تماماً، وطبعاً واضح تماماً مما يحصل أن هناك حرباً على الأبواب، ولكن هذه المرة الجيش الصهيوني الرعديد الجبان لا يستطيع أن يدخلها وأهل غزة عندهم كوب ماء ورغيف خبز، لأن جيش البامبرز Pampers يخاف –  تذكَّروا أنهم كان يلبسون البامبرز Pampers في حرب غزة – جداً جداً ويحتاج إلى كميات أكبر من البامبرز Pampers، فهو جيش جبان ومع ذلك نجد أن مثل هؤلاء يُذِلون الأمة ويُهدِّدون ثلاثمائة مليون عربي ومليار ونصف مليار مسلم، فأُفٍ لنا وتُف، أُف لهذه الأمة من القُطعان، ولذلك هم يشترطون قبل الدخول في الحرب أنه لابد من تجويع الشعب الفلسطيني، والذي يملك تجوّيعهم حقيقةً الآن هو النظام في مصر، ولنكن واضحين على الرغم من أنني لست دبلوماسياً ولست سياسياً ولا أُحِب ولا أُريد أن أكون كذلك طبعاً، ومن هنا بعض الناس قد ينظر إلىّ على أنني هذا الرجل مُتحمِّس الذي يفقد أعصابه دائماً، وهذا غير صحيح فأنا لا أفقد أعصابي ولكنني لم أفقد ضميري وعليكم أن تفهموا هذا جيداً، فأنا مُستعِد أن أفقد كل شيئ وأُحِب منكم أن تكونوا هكذا، فأنت يجب أن تكون مسؤولاً أمام نفسك وأمام الله – تبارك وتعالى – أيضاً  ومن ثم تقول لنفسك دائماً ” أنا مُستعِد في اللحظة المُناسِبة أن أفقد كل شيئ وأن أتنازل عن كل شيئ، لكن ولائي لله ولأمتي ولديني ولضميري لن أفقده”، وهكذا يجب أن نكون واضحين، فلماذا نُجمجِم ونُردِّد ونكذب ونتحاذق؟!

والله العظيم الموت أقرب إلى كل واحدٍ منا من شراك نعله، والله العظيم الساعةُ والقيامة أقرب إلينا مما نظن، أنا أُقسِم بالله العظيم على هذا، والله العظيم كأنني أراها غداً أو بعد غد، أُقسِم بالله أراها كحقيقة وليس كحلم، فأنا أعلم أننا هكذا سننام ونستيقظ بين يدي الله وسيكون أعظم مهرجان يشفي الله فيه صدور المُؤمِنين، أُقسِم بالله أننا سوف نرى فيه الأعاجيب على مُستوى شهداء الزور وعلماء الدين وحكّام الخيانة والجماهير الرعديدة الخاطئة والجُنود المُرتزَقة الذين همّ أحدهم في بطنه وفرجه وحيلته حد سيفه أو فوهة بُندقيته لا أكثر ولا أقل، وسوف ترون ماذا يحصل إذن، وهذا شيئ عجيب، فاللهم اجعلنا منهم استثناءً ولا تجعلنا على طريقهم بل اجعلنا على طريق محمد وأصحاب محمد وآل محمد وأهل الحق.

أما بالنسبة لهذه الفتاوى المُفصَّلة المقدودة التي أثارت غضب بعض الناس فلا أكتمكم حديثاً أنني لم أقرأها ولم أسمعها بل سمعت عنها ولكنني لم أجدني مدفوعاً أن أفتح صفحة في الإنترنت Internet وأقرأ هذه الفتاوى لأنني لا أُريدها، فهذه الفتاوى هى بمثابة إمعان في الإذلال للدين ولرجال الدين، ومن ثم علينا أن ننتبه إلى أن هؤلاء هم رجال الكهنوت الإسلامي – الإكليروس Clergy – لأنهم ليسوا علماء دين بل شهداء زور وكهنوت إسلامي، أي الإكليريك  Acrylic.

ورحمة الله على المُفكِّر العظيم والشجاع والطاهر القلب واليد واللسان مُصطفى محمود ورضيَ الله عنه وأرضاه الذي مات مقهوراً وهو رجل العلم والإيمان الذي لم يكن مُتحمِّساً مثلي أو مثل بعضكم، فهو رجل العلم والإيمان والفكر الهاديء والنظرة الهادئة الرصينة، ولكن هل تعرفون لماذا مات هذا الرجل؟!

هل تعرفون ما هو السبب الذي دمَّره معنوياً ونفسياً فانسحب من العالم كله؟!

قُصاصة مكتوبة بقلم المُستشار أُسامة الباز – الشخص الذي لا يستطيع أن يُقيمه لسانه بكلمتين على السواء – وجَّهها إلى الجهة الإعلامية التي يكتب فيها مُصطفى محمود مقالاته الأسبوعية، والمعنى أن هذا الرجل مغضوب عليه من إسرائيل، فكانوا يحتجون عليه وعلى مقالاته وعلى برامجه، والمفروض أن لا يُسمَح لهم بمثل هذا الاحتجاج وأن يُقال أن هذه بلد حُر – لو كانت حُرة – ولديها صحافة حُرة ومن ثم لا نستطيع أن نُقلِّم أظفار ولا أن نقطع لسان ولا أن نكسر قلم صحفي  يكتب أي شيئ في حين أنكم تذبحون الناس، لكن هذا صحفي ومُفكِّر كبير وعالم – رحمة الله عليه – ومن هنا الفورين أفيرز Foreign Affairs  نعته وأبَّنته عند وفاته في حين لم يُؤبِّنه أكثر المسلمين لأنه كان جسراً حقيقياً بين الشرق والغرب هذا الرجل، فهذا الرجل كان داعية إلى العلم وإلى الفكر والفلسفة والتنوّر والإسلام المُعتدِل المُتسامِح الجميل، وفعلاً مُنِعَ الرجل بل والأدهى من ذلك مُنِعَ برنامجه العلم والإيمان في مصر، ولم نكن نعرف أنه كان يخوض في كل حلقاته السابقة من برنامج العلم والإيمان معركة مع الأزهر وشيخ الأزهر وهذا شيئ عجيب، فما دخل الأزهر في هذا؟!

في كل حلقة لابد من مقص الرقيب، فيُقال له هذا ممنوع وهذا يجوز وهذا لا يجوز، ويذهب المسكين يُقابِل هؤلاء لساعات طويلة فيُقال له نتنازل لك عن هذا الجزء في مُقابِل أنت تتنازل عن هذه الجزئية – أي أنها مسألة مُساوَمات – وبالتالي نترك لك شيئاً وأنت تترك لنا أشياء، فما هذا؟!

هذا كهنوت بإسم الأزهر، وبالتالي أنا اكتشفت أننا نعيش الآن في العصور الوُسطى الأوروبية، فتعس الأزهر وتعس مثل هذه الطريقة الكهنوتية، فمَن أنتم حتى تُراقِبوا مثل مُصطفى محمود؟!

هل تستطيعون أن تُراقِبوا مثله يا جهلة؟!

أنتم جهلة وهذا مُثقَّف يعرف الفن والفلسفة والتاريخ والأدب والفلك والفيزياء والكيمياء، هذا مُثقَّف كبير جداً ومن ثم عليكم أن تتركوه لأنه رجل مسلم يُحِب أمته ولذلك أغضب إسرائيل، لكن ما الذي يُغضِبكم منه؟!

ذهب الرجل واعتزل الناس وأُصيب بتدهور في خلايا دماغه حتى لقيَ الله غير مأسوف عليه منهم، وحتى في يوم دفنه لم يأت أحد من رجالات الدولة على الإطلاق، علماً بأن مُصطفى محمود من أروع ما أنتجت مصر  فرحمة الله عليه، ولكن لماذا يُفعَل به هذا؟!

لأن مثل هذه الأسود  يُراد لها أن تُصبِح بُغاثاً، فكما يُقال  إنَّ البُغاثَ بأرضنا يَسْتَنْسِرُ،
فكيف يحدث هذا؟!

ويحكِ يا مصر لأن الذي يحصل يُعَد شيئاً غريباً جداً جداً جداً، ولكن هذا هو الطُغيان وهذا هو منطق الطُغيان، ولذلك إذا سألتم الآن عن سبب التحلّل الأخلاقي والمسلكي والتفسّخ والتفكّك الاجتماعيين والتدهّور والفقر والجهل والأُمية والمظالم والتظالم والتهارج فأنا سأقول لكم أن السبب في هذا كله واحد وهو الطُغيان السياسي والاستبداد السياسي، ومن ثم لا حل لهاته المشاكل ولن تتغيَّر الأوضاع في ظله، ولكن أنا سأقول كلمة لوجه الله – تبارك وتعالى – وهى أن الذي أراه وأحدس به أنه يُراد بمصر – والله العظيم – أمرٌ عظيمٌ جداً، فعليكم أن تنتبهوا لهذا وقولوا أن عدنان الغلبان قال هذا، يُراد لمصر الآن أن تُضرَب وربما حتى أن تُحتَل ليحصلوا على الجائزة الكبرى كما يقولون دائماً، علماً بأنهم لم يكفوا يوماً في إسرائيل وأمريكا عن قولهم أن مصر هى الجائزة الكُبرى، فهم إلى الآن لم يقطعوا طمعهم حيث قال نابلبيون Napoleon سابقاً “مَن يملك مصر يملك العالم”، أي أن مَن يمتلك مصر لن يمتلك فقط إيران أو الصين أو غير ذلك بل سيمتلك العالم وسيغيِّر جيوبوليتيك Géopolitique العالم كله، فهم لا يُريدون أي واسطة كصغير من الصغار وإنما يُريدون هم أن يملكوا مصر بأنفسهم، ولذلك الذي أراه وأخاف جداً جداً جداً منه أكثر من خوفي من الجدار الفولاذي هذا الذي سيعقبه حرب وذبح في الفلسطينيين في غزة أننا  سنفقد مصر – كنانة الإسلام – وشعب مصر العظيم، ومن ثم عليكم أن تفهموا المغزى جيداً حيث أنه يُراد لمصر الآن أن تُعزَل معنوياً ورمزياً عن مُحيطها العربي والإسلامي، يُراد لمصر أن تُلعَن وتُرجم بالحجارة، والآن خرج بعض السُفهاء والأغبياء يسبون مصر حكومةً وشعباً وهذا لا يجوز، الشعب المصري شعب معروف ومواقفه معروفة حتى ولو قلتم أنه لا يملك أن يفعل شيئاً الآن فهو مثله مثل بقية الشعوب التي  ترزح تحت حكّامها أيضاً والتي لو كانت في جوار فلسطين وغزة لفعلت أكثر مما فعلت مصر، ولنكن واضحين في هذا، فماذا يفعل شعبنا الفلسطيني المهضوم في الضفة – ضفة عباس – اليوم؟!

لم يفعل شيئاً، وأنا أقول هذا لأنني أُحِب أن أكون مُنصِفاً ولا أُحِب أن أكون خطيباً مُهوِّماً لأن عقليتي عقلية علمية، فنحن لم نفعل شيئاً لعباس وجماعته ولشرطة إسرائيل، فماذا يملك شعب مصر العظيم أن يفعل؟!

السجون ملأى وغاصة عن آخرها بالمصريين المُناضِلين، فمصر فيها رجال يتكلَّمون في التلفزيون Television – والله العظيم – بما لا يملك حتى أن يتكلَّم بمثله فلسطيني في غزة، وانظروا إلى قناة الجزيرة مُباشِر لتروا هؤلاء الرجال الأشاوس الميامين، فهو شعب عظيم بلا شك، ولكن يُراد لمصر أن تُعزَل معنوياً بقضية كرة القدم أمس وأن تُعزَل معنوياً بقضية الفولاذ المسكوب أو المصبوب اليوم، فيُلعَن الشعب المصري ويُكرَه ومن ثم يُعزَل ويتبرَّأ منه العرب والمسلمون، وبالتالي حين تأتي ساعة ذبحه وضربه لا يجد مَن يرثي له، فعلينا أن ننتبه إلى هذا لأن هذا هو أكثر ما أخاف منه واُخوِّف به والله العظيم، أنا خائف جداً على بُكرة مصر – على غد مصر – من هذه اللعبة التي يضح منها مَن هو الضالع في عزل مصر، وبالتالي نحن نخاف على مصر في غد وغد القريب، وطبعاً لن أُحدِّثكم حديثاُ إخبارياً إعلامياً عن شُريان الحياة ثلاثة وماذا فُعِل بها فأنتم سمعتم ورأيتم كل شيئ، ولكن فقط أبكاني أن يقول المُناضِل الكريم العظيم الأبي الذي أخجلنا من أنفسنا كعرب ومسلمين  جورج غالاويGeorge Galloway – الذي أسأل له بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا أن يختم له بخير خاتمة أن هذا لا يجوز وأنهم مُذنِبون وآثمون، فلم يفعلون هذا؟!

أبكاني حين قال هذا وقلت أن هذا الرجل يتحدَّث بمنطق روحي وديني، ولكنه يتحدَّث لأُناس لا يخشون في الدنيار عاراً ولا في الآخرة ناراً، وهذا هو الذي قاله أبو بكر الطرطوشي قديماً نقلاً عن أحد مشائخة الذي حدَّثه بأن وجيهاً من وجهاء البلد أسرَّ له قائلاً “السُلطان أرادني على تطليق زوجتي، فلما أبيت قال لي بعض رجال السُلطان خُذ الأمر مُقبِلاً  – أي خُذه من قصيره أحسن لك وطلِّق امرأتك لأن السُلطان يُريدها لرجل من رجاله، ولكم أن تتخيَّلوا هذا الاستبداد السياسي – فإن السُلطان رجلٌ لا يخشى في الدُنيا عاراً ولا في الآخرة ناراً”، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المُرسَلين سيدنا محمد بن عبد الله الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

عباد الله:

ارغبوا إلى الله – تبارك وتعالى – أن يرفع الغُمة عن هذه الأمة، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعل السُفهاء منا وارفع مقتك وغضبك عنا.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: