إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل ثناؤه – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۩ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ۩ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ۩ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ۩ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

روى الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري – رضيَ الله تعالى عنه – في تفسيره بسنده، إلى أبي أُمامة الباهلي، صاحب رسول الله – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، أن ثعلبة بن حاطب، وكان من أصحاب رسول الله، من الأنصار، أتى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله -، فقال له يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً. يطلب الغنى، فقال له – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – ويحك يا ثعلبة، قليل تُؤدي شُكره خيرٌ من كثير لا تُطيقه. أما ترضى أن تكون مثل نبي الله؟ يعني نفسه الشريفة – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله -. يقول أما ترضى أن تكون مثلي؟ أما ترضى أن تكون مثل نبي الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً -؟ فوالذي نفسي بيده لو شئت – لو أردت، لو اخترت، لو شئت – لسارت معي الجبال ذهباً وفضةً.

وقد عُرِض عليه هذا في الحديث الصحيح، عرضه عليه جبريل، إن شئت يا محمد سارت معك الجبال ذهباً وفضةً، فكنت أغنى الناس، وإن شئت، عشت الحياة العادية. يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فأومأ إلىّ جبريل بجناحه أن تواضع. جبريل لقَّنه، قال له لا تختر الأولى، لا تُريدها، أنت لا تحتاجها. أومأ إليه بجناحه أن تواضع. قال فقلت بل أجوع يوماً فأذكرك، وأشبع يوماً فأشكرك. فاختار ما هو أزكى وأوقى وأبقى – صلوات ربي وتسليماته عليه -.

أما ترضى يا ثعلبة أن تكون مثل نبي الله؟ فوالذي نفسي بيده لو شئت لسارت معي الجبال ذهباً وفضةً. قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً، فوالذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً، لأُعطين كل ذي حق حقه. يُقسِم! قال أنا عندي هذه النية وأُقسِم عليها.

فدعا له – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وهو مُستجاب الدعوة. رجل فقير صعلوك، لا شيئ عنده، بدعوة واحدة، سيصير من أغنى الناس، والنبي يعلم أنه إن دعا، لُبيَ، وهو يعلم أن النبي إن دعا له، غنيَ. قال اللهم ارزق ثعلبة مالاً. مالاً! أي مالاً كثيراً.

يقول أبو أُمامة – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – فاتخذ غنماً. اشترى شويهات هكذا، اشترى عدداً من الغنم. فجعلت تتناتج، وتكثر كالدود. بركة عجيبة! العشرة تصير مائة، المائة تصير الألف، والألف تصير عشرة آلاف! تتناتج، وتتكاثر كالدود. يقول أبو أُمامة الباهلي. قال حتى ضاقت عنها المدينة – مكانه في المدينة ضاق عنها -، فخرج خارج المدينة، نزل وادياً. لكي يتسع المكان لكل هذا الطرش، لكل هذا المال الكثير. فتنحى خارج المدينة قليلاً، أي ثعلبة بن حاطب الأنصاري، وجعل يُصلي الظهر والعصر جماعة. يُصلي في الجماعة ولا يُصلي سواهما، أي جماعةً. البقية يُصليها في ماله، غير مُتفرِّغ! يكفيه هذا، اثنتان تكفيان – يقول -، والثلاث نُصليهن في المال وكذا، شُغلنا بالمال!

وهي لا تزال تتكاثر كالدود، حتى جعل لا يُصلي جماعة إلا الجُمعة. ترك! في بعض الروايات عند غير الطبري – أعتقد هذا عند الطبراني، فقد راجعته من سنوات بعيدة – كان يُلقَّب بحمامة المسجد، لأنه كان مُحافِظاً على الخمس الصلوات جماعةً خلف رسول الله. الآن حتى الجماعات (كل الجماعات) لم يعد يُصليها، إلا الجُمعة، وهي تتكاثر كالدود، حتى ودع – أي ترك – الجُمعة.

والجُمعة في الصحيح مَن تركها ثلاث مرار مُتتابِعات – من غير عُذر طبعاً، هذا إن كان من غير عُذر -، طبع الله على قلبه. من الكبائر! ترك الجُمعة من غير عُذر من الكبائر، وهذا فيه تفاصيل طبعاً.

على كل حال ترك الجُمعة، وجعل يتلقى الرُكبان، يسألهم عن رسول الله وعن المدينة وعن الصحابة، ويقول لهم ماذا صار؟ وماذا حدث؟ انقطع! انقطع من رسول الله ومن أصحاب رسول الله. يتندس الأخبار من الرُكبان، يسألهم!

ثم إن رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه – سأل، ما فعل ثعلبة؟ تذكره، افتقده! مرت فترة طويلة ولم يره، ما فعل ثعلبة؟ فأخبروه بخبره، يا رسول الله كثر ماله كالدود، وما عاد يُصلي الآن معنا، هو يُصلي وحده، مُنفرِداً! حتى الجُمعة لا يُصليها خلفك. ويح ثعلبة. يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – ويح ثعلبة.

ثم إن الله – تبارك وتعالى – أنزل على نبيه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ۩… فرض الزكاوات. ثم أنزل عليه فروض الصدقة، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ۩… والآيات هذه كلها، وحتى آيات المقام، من سورة براءة، أو التوبة.

فأرسل – عليه الصلاة وأفضل السلام – رجلين مُصدِّقين. والمُصدِّق هو جامع الصدقات، جامع الزكاوات يُسمى مُصدِّقاً. أرسل رجلين من أصحابه مُصدِّقين: رجلاً من سُليم – أي من بني سُليم، سُلمي -، ورجلاً من جُهينة – جُهني -. وكتب لهما كيف يجمعان الزكاة، وهي الصدقة المفروضة. أي من كل أربعين شاةً – مثلاً – شاة، وهكذا! علمهم كيف تكون فروض النصاب وما الحق الواجب في كل نصاب. وأمرهما أن يمرا على ثعلبة. ثعلبة في البال والخاطر، وماله كثير، وحلف يميناً، وأشهد الله ورسوله. سوف نرى! اللهم لا تمحننا، وإذا امتحنتنا، فثبتنا ولا تُخيبنا يا رب العالمين. والله الأمر جد يا إخواني، وهو أمر خطير، الأمر جد والأمر خطير! نعوذ بالله من الغرور، نعوذ بالله من الأوهام، نعوذ بالله من الأحلام ومن الكذب على النفس، قبل الكذب على الخلق.

فمرا عليه، وأقرأه كتاب رسول الله. قالا له هذا كتاب من رسول الله، ها هو، وفيه فروض كتاب للزكاوات، وهذه الأنصباء وهذه الحقوق المفروضة، هذه هي، اقرأ. فألقى نظرة، قال ما هذا؟ هذه جزية. تخيَّل! هكذا يُقال لفرض الله في كتابه. قال هذه جزية أو أخت الجزية. إن لم تكن جزية، فهي شبيهة جداً بالجزية. تخيَّل! لا إله إلا الله، هذه جزية أو أخت الجزية. لا أدري ما هذا. قال أنا ما عندي علم بهذه الأمور بصراحة. أمور عجيبة – قال – هذه وثقيلة. لا إله إلا الله، لا إله إلا الله!

العامة يقولون (ما بتهونش إلا على الفقير). وفعلاً تجد الفقراء أكرم الناس وأجود الناس، والأغنياء جداً منهم – أقول منهم طبعاً وليس كلهم – مَن هو كزاز بخيل مسيك، لا يبض بقطرة. شيئ غريب! قال ما أدري ما هذا. ما هذا؟ هذا أمر الله يا رجل، وهذان رسولا رسول الله.

قال ما أدري ما هذا، انطلقا. أكملا الشغل، قال لهما اذهبا وأكملا شغلكما مع الناس الآخرين. ثم عودا إلىّ لأرى رأيي. أي سوف أُفكِّر، سوف أرى كيفية هذا، سوف أضرب أخماسي في أسداسي، ثم سوف أُقرِّر بعد ذلك، فاذهبا، اذهبا!

فانطلقا إلى سُلمي – إلى رجل من بني سُليم -، وهو علم أنهما آتيان، يأخذان الصدقة. فعمد إلى أحسن أسنان إبله، أين أحسن قعود؟ أين أحسن جزور؟ أخذ الأفضل والأفضل، فعزلها. يُقدِّمها صدقة. هذه الصدقة المطلوبة، شيئ يقشعر له البدن! نسأل الله التوفيق. اللهم وفِّقنا، ولا تخذلنا، ولا تُسقِطنا من عينك يا رب العالمين. توفيق! توفيق إلهي، نحتاج إلى التوفيق من رب العالمين. هذا مُوفَّق مسعود. أحسن ما عنده أخذه وقدَّمه.

فلما أتيا، استقبلهما بها. بأحسن ما عنده! قالا لا، لا، ما نطلب هذا، ولا نأخذ منك هذا. والنبي قال لا تأخذوا الرديء، ولا تأخذوا الشريف – أي أحسن شيئ -، الوسط. خُذا من أموال الناس – انظر إلى أي درجة بلغت الحكمة والرحمة بالناس – الوسط. لا تُعط لله ولرسوله وللفقراء أردأ المال، ولا تأخذ من الناس أيضاً أحسن مالهم، فتوجعهم. لا! هذا قدَّم أحسن ماله طواعيةً وسماحاً، طواعيةً وسماحاً! عن طيب نفس. قال خذوه، طيبةً به نفسي، وإنه لي ومن ومالي. فأخذاه منه – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -.

ولما فرغ من عملهما، وقد ذهبا إلى هذا وهذا وهذا، عادا إلى ثعلبة. فقال أروني. مرة أُخرى! لا يُصدِّق، قال أروني. ما الكتاب هذا؟ ما المطلوب؟ من كل أربعين شاةً شاةً! أي هل هذا كثير؟ اثنان ونصف في المائة، من كل أربعين نأخذ واحداً، هذا اثنان ونصف في المائة، وهذا قليل جداً، جداً قليل! عند النصارى الزكاة خمسة وعشرون في المائة، أي الخُمس، والغنائم فيها خمسة وعشرون في المائة.

فقال ما هذه إلا جزية – يُكرِّر كلامه – أو أخت الجزية، انطلقا. اذهبا! لن أُعطيكما شيئاً الآن، اذهبا وسوف ننظر كيف هذا. فأقبلا إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فلما رآهما قبل أن يتكلَّما بادرهما، ويح ثعلبة، ويح ثعلبة. ثم جعل يدعو للسُلمي، اللهم بارك، اللهم أعط، اللهم ثمِّر، اللهم أخلِف على السُلمي. نبي! النبي يُوحى إليه يا أخي، يرى ما لا نرى، ويعرف ما لا نعرف، لا إله إلا الله! وهذه من آياته طبعاً، يُريها لأصحابه دائماً، من أجل ماذا؟ أن يتعزز الإيمان. يرونها!

فأخبراه بخبر ثعلبة، قالا حدث معه ما قصصته عليكم، كذا وكذا وكذا وكذا. قال ويح ثعلبة، ويح ثعلبة. وأنزل الله – تبارك وتعالى – ما تلوته عليكم، وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ۩، يقول والله لئن آتاني الله مالاً، لأصدقن، اللام مُوطئة للقسم، هذه اللام هي المُوطئة للقسم! والخبر أثبت هذا، وهو أقسم، أقسم أمام رسول الله، بين يدي رسول الله، لَئِنْ ۩، هذه اللام مُوطئة للقسم، والله، لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ۩، وهذه اللام واقعة في جواب القسم، أي الثانية، لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۩  فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ ۩ فَأَعْقَبَهُمْ ۩، أي الله، الفاعل هو الله، فَأَعْقَبَهُمْ ۩، أي الله – عز وجل -، نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ ۩، قر واستقر وثبت ورسخ، أي النفاق، انتهى! لا يُغادِر هذا القلب، وتوبة مثل هذا الذي أُعقب نفاقاً لا يزول غير مقبولة، لأنه كذّاب، مُنافِق كذّاب، كذّاب! لن يتوب، محروم من التوبة، من أجل الناس ومن أجل ألا يُقال نزل فيه القرآن وقال فيه الرسول، كذب! والله قال هذا، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ۩ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ۩. الله هنا يُعرِّض، يقول أنا كنت عالماً قبل أن أرزقه أنه كذّاب، وأنه حين عاهدني وأقسم باسمي الجليل كذّاب. فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۩.

الله يعلم صدق العبد وكذب العبد في نيته، والعبد لا يعلم أحياناً! أكثر ما يكذب العبد – اللهم لا تجعلنا منهم – إنما يكذب على نفسه، يغر نفسه! يغر نفسه بنفسه ومن نفسه، يقول والله كذا وكذا. يكذب!

هذه الخُطبة على فكرة لم تأت لكي نقص هذه الحكاية، والتي قد يفرح بها بعض المغروين، يقول الحمد لله كذا وكذا. ماذا تقصد بقولك الحمد لله؟ الله أعلم، يُوشك أن يكون كثيرون منا على هذه الصفة ونحن لا ندري، انتبه! لا تفرح وتضحك، لا تقل ما هذا الصحابي الذي فعل ما قلت وأصبح من المُنافِقين؟ لا! القضية أخطر مما تظن طبعاً.

وهذه الخُطبة معقودة لهذا الموضوع بالذات ولهذا السؤال، سنطرح سؤالاً، نُريد ضابطاً، نُريد معياراً نعرف به، هل نحن صادقون في نوايانا وعزائمنا أم كاذبون؟ هذا موضوع الخُطبة اليوم. بصراحة نُريد أن نُواجِه أنفسنا في المرآة، كفى غروراً، لا نُريد أن نغر أنفسنا، لا نُريد أن نكون موهومين مُشتبهين، نعيش في الوهم والحلم والكذب! نُريد شيئاً كاليقين، لكي نكون على ثقة من أنفسنا، والموت يخطف خطفاً، يُمكِن لأي منا أن يموت في لحظة، كيف تلقى الله؟ كيف تلقى الله؟ وبماذا تلقى الله؟ وهذا ليس فيه لعب، ستلقى وجه الله، وستُفاجأ بالحقائق، بكل الحقائق!

الدعاوى والأوهام والأحلام والكلام والإسعاد – تُسعدِني بكلمة وأُسعِدك بكلمة، تمدحني وتكذب علىّ وأكذب عليك ونتزين – سنتركه في الدنيا، كل هذا في الدنيا، سنتركه في الدنيا وراءنا! الكذب على بعضنا البعض سنتركه في الدنيا، يا أخي ما شاء الله عليك، وجهك مُنير، والله أنت – ما شاء الله – كذا وكذا، وأنا أحسبك من الصالحين. كله سنتركه، كله – كل الكلام الفارغ هذا – يبقى في الدنيا. عند الله لا يُوجَد اللعب هذا كله، تُوجَد الحقائق.

فلا نُريد يا إخواني أن نُفاجأ بهذه الحقائق وأن نهلك، ولا يهلك على الله إلا هالك. القضية خطيرة، خطيرة جداً! الله يُعرِّض بحاله، يقول كذّاب، هو كان كذّاباً من لحظته الأولى، لم يكن صادق النية. وموضوع النية يا إخواني أخطر مما نظن، وهناك الحديث المشهور الذي نتحفظه جميعاً مُذ كنا صبياناً، أخرجه البخاري ومُسلِم وأصحاب السُنن ومالك في الموطأ وأحمد في المُسند، لم يبق ديوان عظيم من دواوين السُنة والأخبار إلا أخرج هذا الحديث كما قال العلماء، حديث أبي حفص، عمر. إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى… الحديث المعروف جداً، والمُشتهِر في آخره، وإن كان عزيزاً في أوله. كما قال ابن دقيق العيد. القولة المشهورة!

على كل حال هذا الحديث بصدده قال شيخ الإسلام الإمام الجليل أبو محمد بن أبي جمرة – شيخ المالكية والرجل الصالح، العلّامة الكبير والفقيه الجليل، شارح البخاري، هذا ابن أبي جمرة، رضوان الله عليه وقدَّس الله سره الكريم – لوددت ألو كان من الفقهاء مَن ينقطعون إلى الجلوس في المساجد، مجالس العلم، يُعلِّمون الناس النية. لا شُغل لهم إلا هذا! لا يتحدَّثون في فقه الطهارة وفقه الوضوء وما إلى ذلك، الحديث في النية دائماً، تعليم الناس النية وتصحيح النيات وسبر النيات وامتحان النيات وما يتعلَّق بالنيات، في كل الأبواب!

قال – رضوان الله عليه – لأن أكثر الناس لم يؤتوا إلا من الجهل بهذا الموضوع. قال هم لا يفهمون قضية النية. النية شيئ خطير جداً جداً جداً جداً، يُمكِن أن تُدمِّرك تماماً عند الله، ويُمكِن أن ترفعك منازل لا تخطر على بالك. بالنية الصالحة يُمكِن أن تُبعَث يوم القيامة وتجد في كتابك – اللهم اجعلنا منهم بحقك وقدسك ونورك الذي ملأ أركان عرشك يا رب العالمين، يُمكِن أن تجد هذا بعون الله في كتابك – أجر – أي أن تجد أجر – أنك زوَّجت مليون مُسلِم. عجيب! زوَّجت مليوناً؟ كيف هذا؟ الزيجة تُكلِّف من خمسة آلاف يورو على الأقل إلى عشرة آلاف، هذه مليون، إذن هل أنفقت ملياراً؟ فمن أين لي هذا؟ وأنا لم يكن عندي حتى مائة ألف ولا حتى عشرة آلاف. مكتوب! فلان الفلاني زوَّج مليون عازباً وعازبة. فلان الفلاني تصدَّق بخمسة ملايير من الدولارات طعاماً وثياباً وشراباً على المحاويج والمُعتازين. فلان الفلاني فعل كذا وكذا. كيف هذا؟ هل هذا مُمكِن؟ هذا مُمكِن، مُمكِن! الطريق الأوسع والأسهل – بإذن الله -: النية.

والعكس صحيح، حججت في الدنيا عشر حجات، واعتمرت ثلاثين عُمرة، وكله صفر صفر صفر، كله صفر! يا ربي هناك عشر حجات وكذا وكذا. قال لك هذا لا أجر عليه، كله غير مقبول، كله لم يُقبَل، ليس لوجهي، لم تعمله لوجهي، وأنا قلت لك في كتابي أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۩، و: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ۩. والنبي فسَّرها لك وقال لك هذا لا ينفع، فلماذا تصرَّفت وكأنك لم تسمع؟ ولماذا عشت طيلة حياتك في الرياء والتسميع والكذب؟ كل هذا غير مقبول عندي.

يُحكى عن أحد ملوك الإسلام – أحد سلاطين المُسلِمين، رحمة الله عليه، وغفر الله لنا وله -، أنه أمر ذات مرة ببناء مسجد عظيم، من أعظم ما بُنيَ من المساجد، في رقعة كبيرة من الأرض، وقال لا يشركني فيه أحد. أي لا يُشارِكني في النفقة على هذا أحد، هذا من حر مالي. قال لا يشركني فيه أحد. وجعلوا يبنون هذا المسجد، حتى إذا ناهزوا اتمامه وقع الآتي.

وهناك طبعاً لوحة رخامية كبيرة، مكتوب عليها هذا المسجد الفلاني بناه على نفقته الملك الصالح، بقية السلف الصالحين… إلى آخر كذا وكذا، وتعرفون الألقاب التي عند المُسلِمين، فلان الفلاني – رضيَ الله عنه، وأبقى الله ملكه وعزه -، وكل هذا الكلام الذي تعرفونه!

فرأى في المنام – رحمة الله عليه – كأن اسمه مُحي من هذه الرخامة، ووُضع اسم امرأة. قرأ الاسم وهو لا يعرفه، هذه امرأة و هو لا يعرفها. فاستيقظ مزعوجاً مُشوشاً، وأمر رجاله أن يتفقدوا الأمر، فقالوا لا، الاسم موجود. فقال الحمد لله، أضغاث أحلام.

في الليلة التالية عاودته الرؤيا نفسها، اسمه ممحو وموجود اسم المرأة. فاستيقظ مُشوَّشاً وعلم أن في الأمر شيئاً، فأمر بالبحث عن هذه المرأة، مَن المرأة هذه؟ قال، ابحثوا عن هذا الاسم.

سألوا وبعثوا مَن يُنادي، فإذا بها امرأة غير معروفة، امرأة عادية من عوام النساء، لا هي عالمة ولا مُحدِّثة ولا حافظة ولا مُفسِّرة ولا مُقرئة، امرأة عادية طيبة، من عوام النساء. فأرسل في أثرها، فجاءت المسكينة مذعورة، هذا الملك! قال له يا أمة الله بعثت لك في خير، لا تُراعي، لا تُراعي، بعثت لك في خير، هل ساهمت بشيئ ولو يسير في بناء المسجد؟ قالت كيف يا سيدي وقد منعت الناس أن يشركوك؟ أنا أعصيك؟ لا والله، ما ساهمت. قال لها لا، بلى. قالت لا والله، يا سيدي ما دفعت شيئاً، ولا درهماً. قال فكري. ألح عليها بالسؤال، قال فكري، لابد أن تكوني فعلت شيئاً. قالت إلا شيئاً واحداً، لكن لا علاقة له بما تقول. قال ما هو؟ قالت رأيت حصاناً من الأحصنة التي يُحمَل عليها اللبن الذي يُبنى به مسجدك يا سيدي، وكان عطشاً، تعباً، فعمدت إلى دلو، فملأته بالماء، وسقيته – أي الحصان -.

فبكى الملك، وقال لا إله إلا الله، يا أمة الله، أنتِ فعلت هذا لله مُخلِصةً، فكُتب لك الأجر عند الله. أي كأنك أنتِ مَن بنيت هذا المسجد، لك أجر فيه! وأنا فعلته رآء الناس، فمُحِق أجري. فهم! وضع رخامة ومكتوب عليها بناه فلان الفلاني، وقال لا ينبغي لأحد غيري أن يُساهِم. لماذا؟ ليس لله هذا، ليس لله، فضاع عليك الأجر وانتهيت.

القصص في هذا الباب كثيرة جداً، من المُمتع أن يقف الإنسان عليها، لكن الوقت يضيق عنها كثيراً، وهي كثيرة! وبعضها ثابت، وبعضها مُعاصِر ومعيش. شيئ عجب، النية شيئ عجب يا إخواني، النية شيئ عجب!

بالنية يُمكِن أن يُبعَث إنسان مُسالِم لم يسفك دماً قاتلاً، ويدخل جهنم. نوى وأحب وعزم على أن يقتل، ولكنه لم يتمكن من ذلك ولم يلحق. قاتل! وفي الصحيح إذا التقى المُسلِمان بسيفيهما – حديث أبي بكرة، نُفيع بن الحارث الثقفي، الصحابي الجليل، رضوان الله عليه -، فالقاتل والمقتول في النار. قيل يا رسول الله، هذا القاتل – أي فهمنا الأمر، هذا قاتل، قتل أخاه -، فما بال المقتول؟ قال إنه كان حريصاً على قتل صاحبه.

ولذلك في الحديث المُخرَّج في الصحاح، وفي غيرها، من حديث ابن عباس ومن حديث أبي هُريرة، إن الله – تبارك وتعالى – كتب الحسنات… ثم بيَّن ذلك، فقال فمَن هم بحسنة فلم يعملها، كُتبت له حسنة كاملة. فإن هو هم بها فعملها، كُتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف – في رواية سبعين، وفي رواية سبعمائة -، إلى أضعاف كثيرة. ومَن هم بسيئة فلم يعملها… في رواية لم تُكتب عليه، وفي راوية كُتبت له حسنة. وسوف نرى موضع كتابة الحسنة بترك السيئة، أي موضع هذا؟ هذا ليس في كل موضع طبعاً، لابد أن نبحث في موضع كتب الحسنة بترك السيئة، أي موضع هو؟ فإن هو عملها، كُتبت عليه سيئة واحدة. لا إله إلا الله، ما أرحم الله! والله ما أرحم الله يا إخواني! لا تُوجَد رحمة بعد ذلك. أبواب التفضل والرحمة الإلهية والفسح في طريق الجنة أكثر من أن يتوهمها الإنسان.

إذا هممت بالحسنة، فلم تفعلها – أي حيل بينك وبينها، لم تجد الوسيلة، لم تستطع، لأي سبب من الأسباب -، تُكتب لك حسنة كاملة. أما إذا عملتها، وصدَّقت النية بالعمل، تُضاعَف لك. مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ۩. والله دائماً يقول هذا، دائماً! السيئة بالسيئة، والحسنة دائماً – أقل الحسنات – بعشر أمثالها، الحسنة بعشر أمثالها! وبعد ذلك العشرة تُضاعَف إلى سبعين وإلى سبعمائة، وإلى أضعاف كثيرة، الله وحده عليم بها، أين ينتهي التضعيف؟ لا يعلم هذا إلا الله، أجود الأجودين، لا إله إلا الله! أما السيئات، فشأنها ما قلته. مَن هم بسيئة، فلم يعملها، لم تُكتب عليه، وفي راوية كُتبت له حسنة.

وخلونا نبحث بسرعة في هذا، لأن هذا ليس موضوعنا، ولكنه مُهِم جداً يا إخواني. ليس كل مَن ترك السيئة، تُكتَب له حسنة، أو على الأقل لا يُؤاخذ بالسيئة. بالعكس! مُحقِّقو علماء المُسلِمين عبر العصور على أن الله يُؤاخذ بعمل القلب. وقبل قليل قلنا إنه كان حريصاً على قتل صاحبه. هذا هو! هذا هو طبعاً، قد تقول لي كيف هذا؟ هل الأحاديث تتناقض؟ لا تتناقض، الفهم هو المُتناقِض. كلٌ يُحمَل على حالة، هذا يُحمَل على حالة وهذا يُحمَل على حالة.

ورحمة الله على إمامنا، إمام الدنيا، أبي حامد الغزّالي – قدَّس الله سره -، ماذا قال حين قدَّم بالمُقدّمة المنطقية لكتابه العظيم المُستصفى في أصول الفقه؟ وهو أحد العُمد الأربعة في هذا العلم! عُمد عبد الجبّار، والمُعتمد لأبي الحُسين البصري وهو تَلميذه، والبُرهان للجويني، وتَلميذه أبو حامد الغزّالي له المُستصفى. أربعة كُتاب! هذه خُلاصة علم أصول الفقه، أعظم ما أُلِّف في هذا العلم على الإطلاق. قدَّم بمُقدّمة أكثر من عُشر الكتاب، مُقدّمة منطقية! وقال كلمته التي سارت مسار المثل أو مسير المثل، قال ومَن لم يعلم – مَن لم يعلم هذا العلم، أي علم المنطق – ولم يُحكِمه، لا ثقة بعلمه. حتى في الشرعيات! لأن استنباطه سيصير غالطاً، واعتراضاته ستكون غالطة، وهو لا يعرف، لا يعرف هذا المسكين، ويقول لك لا، هي تتناقض، الأحاديث تتناقض. وهو لا يفهم، لا يفهم مبادئ المنطق، ولكنه يأتي لكي يتنسب التناقض إلى الأحاديث، وهو لا يعرف شيئاً. فالغزّالي قال لك اذهب وتعلَّم أولاً، تعلَّم كيف تُفكِّر وكيف تجعل مُخك لا يقبل الخطأ. فتعلّم المنطق! عُشر الكتاب، بل أكثر من عُشر الكتاب، في المنطق، وهو في أصول الفقه، فرحمة الله عليه. أنا في رأيي هو أحسن بهذا، أحسن بهذا وإن لم يُتابِعه عليه الأكثرون، نعم!

ونعود إلى ما كنا فيه. وهناك مَن يقول لك القرآن يتناقض أيضاً. ما هذا؟ تفضَّل طبعاً. ومَن يك ذا فهم مريض أو ذهن مريض – وهي فم مريض -، يجد مُرّا به الماءُ الزلالا.

ومن يك ذا فم مُرّ مريض                                  يجد مُرّا به الماءُ الزلالا.

وكم من عائب قول صحيح                                 وآفته من الفهم السّقيم!

هو فهمه غالط! فهذا – أي التناقض – غير موجود، هذا يُحمَل على حالة وهذا يُحمَل على حالة، وسوف نرى!

هناك حديث أبي كبشة الأنماري، وأنا أُحِب هذا الحديث من عشرات السنين، أُحِبه! أُحِب أن أسمعه، وأُحِب أن أُذكِّر به وأن أذكره، جميل! وعليه – سُبحان الله – طلاوة النبوة وأنوار الرسالة ومجد العلم الشرعي. حديث الإمام أحمد، والإمام الترمذي، وقال حسن صحيح، وابن ماجة، عن أبي كبشة الأنماري – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – يقول ثلاثٌ أُقسِم بالله عليهن، وأُحدِّثكم حديثاً فاحفظوه. انظر إلى هذا، انظر كيف أتت المُقدِّمة، انظر إلى الاستهلال، استهلال عجيب! فكأنه يقول لك افتح أُذنيك جيداً وأصخ إلىّ، أصخ إلىّ وأعقل عني ما أُلقيه إليك. الموضوع مُهِم – يقول – ويستأهل ويستحق. سأُحدِّثكم بثلاثة أشياء، أُقسِم بالله عليهم. يا الله! يا رسول الله لا تُقسِم، قولك الحق والصدق. قال لا. هذا من أجل ماذا؟ ألا ترتابوا. وأُحدِّثكم حديثاً – غير الثلاث – فاحفظوه. احفظوه جيداً – قال – وخلوه عندكم إطاراً للحياة.

ما الثلاث يا رسول الله؟ ما نقص مال عبد من صدقة. الله! يُقسِم النبي، يُقسِم! والله الأمة تحتاج هذا، لأن كثيراً من المُسلِمين أو الكثيرين من المُسلِمين لا يُعطون، لا يتصدَّقون، وبعضهم لا يُخرِج الزكاة. يقول هذا سوف يُنقِص المال. ويحسبها! مسكين أنت، نبيك – إن كنت تُؤمِن به حقاً – أقسم لك بالله، قال لك لا ينقص. بل تزيده تزيده تزيده. في حديث آخر قال لك بل تزيده. سيزيد – بعون الله تعالى -. لا! غير قادر، لأن لا يُوجَد إيمان، الإيمان ضعيف ومزعزع، يحسب على الله، ويُريد من الله أن يُعطيه بغير حساب، كيف؟ لا يستويان! أنت تحسب على الله، وتُريد من الله أن يُعطيك بغير حساب في الدنيا والآخرة؟ أنت إلى أين ذاهب؟ هداني الله وإياك.

فقال ماذا؟ ما نقص مال عبد من صدقة. ثم قال وما ظُلم عبد مظلمة فصبر عليها، إلا زاده الله بها عزاً. وكما أقول دائماً لا تخل الدنيا فقط محكمة وقضاء. لا تقل قال لي وقلت له وحكى كذا. يا رجل سامح، اصبر، تجاوز، اصفح. الدنيا ليس فيها وقت للخصومات، تُخاصِم كل مَن هب ودب وكل مَن تكلَّم بكلمة؟ اترك الناس، خلهم، سامحهم الله، غفر الله لهم، خلهم. لا يُوجَد وقت للخصومات، اصبر! قال إلا زاده إلا بها عزاً. هم ظلموك، لكي يضعوك، فأبى الله إلا ماذا؟ أن يرفعك. والنبي قال لك أُقسِم بالله عليها. وهذا صحيح، والله مَن جرَّبها يعلم كم هي صحيحة!

والثالثة والأخيرة: وما فتح عبد باب مسألة، إلا فتح الله عليه به باب فقر. الله! العفة، الرسول يُعلِّمنا العفة، كُن عفيفاً، لا تبذل ماء وجهك، لا تسأل أحداً شيئاً، سل الله – عز وجل -، وإن كان الذي تسأله عنده الدنيا بحذافيرها، لا تسأله شيئا، استعف. مَن يستعف، يعِفه الله. النبي يُعلِّمنا العفة، قال لك حين تفتح باب مسألة، يزيد فقرك. يزيد فقرك! حين تفتح هذا، يزيد فقرك. إن تفتح باب مسألة، يزِد فقرك. الله!

إذن وماذا بعد؟ قال وأُحدِّثكم حديثاً فاحفظوه، إنما الدنيا لأربعة نفر… ما الحديث الجميل هذا؟ يا أخي ما أجمل هذه العبارات! وما أجمل هذا الكلام! ووالله يقشعر البدن، لا إله إلا الله، شيئ جميل. جزاك الله عنا يا رسول الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وخير ما جزى رسولاً في رسالته، إلى أبد الآبدين.

قال إنما الدنيا لأربعة نفر… وما أحلى، وما أعذب هذه الكلمات! رجلٍ – على البدل، لأربعة نفر، رجلٍ – آتاه الله مالاً وآتاه علماً، فهو يعمل بعلمه في ماله، يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أن لله عليه فيه حقاً، فهذا بأكرم المنازل، بأشرف المنازل! هذه أرفع منزلة. استخدم العلم في العطاء وفي عمل الخير، يمهد للآخرة، ليس كمَن يجمع ويمنع ثم يجمع ويمنع! أين أنت أيها الجمّاع المنّاع من هذا الكلام؟ أين أنت من قوله – تعالى – وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۩؟
وأعلم أنني سأصدمكم، كما أنا مصدوم من سنين، هذه الآية تصدم – والله -، وتحتاج إلى خُطبة، لكي نُخفِّف قليلاً أثر الصدمة. وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۩. الله! والله مُخيفة.

(على فكرة – وأقول هذا بين قوسين، وأنا على منبر رسول الله – هذه الآية أقل آية تسمعونها من الأئمة والعلماء على المنابر، لأنها صادمة ومؤذية، تُؤذي الكل، العلماء والجهلاء والفقراء والبخلاء).

الآية بظاهرها تقول يسألونك ماذا عليهم من النفقة؟ قال الزائد، كل ما زاد يُنفق. نعم! يا الله، شيئ مُخيف. الْعَفْوَ ۩. و: الْعَفْوَ ۩ هو الزائد، يُقال ما أعفت السباع. تأتي دابة أو يأتي سبع إلى حوض لكي يشرب، ما شربه فقد شربه، وما تركه فهو ماذا؟ فهو العفو. هذا اسمه العفو، الزائد!

قال لك عندك مال. جيد! صرفت منه وعملت أشياء وبنيت منزلاً، وعندك كل شيئ! لديك سيارة وبيت وتأكل وتشرب، وليس عليك أي ديون، وكل شيئ على ما يُرام، وتُوجَد عندك زيادات، فأنفق. قال لك هذا، يا الله! شيئ مُخيف، أليس كذلك؟ هذا شيئ مُختلِف، وهم لا يدفعون الزكاة، فكيف سيُنفِق الواحد منهم الْعَفْوَ ۩؟ وهذا قرآن، فانتبه! قُلِ الْعَفْوَ ۩، وهذا معنى الْعَفْوَ ۩، شيئ مُخيف، لكن لا علينا من هذا الآن، سنأتي إلى هذا – إن شاء الله – في خُطبة أُخرى.

ونعود، قال ماذا؟ هذا أشرف بالمنازل. ثم قال ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول لو أن الله – تبارك وتعالى – آتاني مالاً، لفعلت فيه كما يفعل فلان… بعون الله تعالى أنا هذا، سأتصدَّق وأُعطي وأبني وأكفل اليتامى وكذا، الشيئ نفسه! قال فهو بنيته، وهما في الأجر سواء. لا إله إلا الله، أرأيت؟ قال الأجر نفسه. يا الله! بالنية؟ قال لك بالنية. أي يوم القيامة يُبعَث هذا الفقير المسكين، وهذا الغني العالم الطيب – بخصوص النفقة بالذات في الأموال -، وأجرهما سواء، الأجر سواء! هذا عنده عشرة جوجل Google حسنة وهذا عنده عشرة جوجل Google حسنة، هذا في باب الإنفاق! يا ربي من أين هذا وأنا لم أُنفِق؟ أنا فقير، مسكين، (غلبان). أنا لم تجب حتى علىّ الزكاة!

هناك أُناس يعيشون ويموتون، ولم تجب الزكاة على الواحد منهم. هناك شيوخ إسلام عاشوا وماتوا، ولم يستطيعوا أن يحجوا بيت الله، مثل أبي إسحاق الشيرازي، ومَن هو الشيرازي؟ عودوا – بالله عليكم – إلى ترجمته في كُتب الرجال، وخاصة في طبقات ابن السُبكي، لكي تبكوا على أنفسنا وعلى علمائنا وعلينا، والله! انظروا مَن هو الشيرازي، انظروا إلى أي درجة وصل علمه وزُهده وجلالته، الملوك كانت تخضع له، الملوك! إذا دخل بلداً، تنقلب عاليها واطيها. تتعطَّل – قال لك – المحال والدكاكين والمساجد. هذا الشيرازي، الشيرازي! شيخ الأمة، عالم الأمة، وولي الأمة. كان شيئاً رهيباً، وكان فقيراً، عاش ومات في ثوب واحد لا يكاد يستر عورته. يجلس في مجلسه، إذا جاءه مَن حقه الإكرام، يقوم له نصف قومة، حتى لا تظهر عورته. لم يحج بيت الله، والملوك تخضع له، وترغب في أن تنفذ له أي شيئ يُريد، ولكنه لم يقبل منهم فلساً واحداً لكي يحج بيت الله.

وفي الحنفية أبو عبد الله الدامغاني – قدَّس الله سره -، جلالته بين الأحناف مثل الشيرازي في الشافعية، والآخر كان من الزُهد بمكانة عظيمة، ولم يحج بيت الله. شيئ عجيب! وهذا من العفة – كما قلنا -، العفة! لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ ۩، فلا يبتز الواحد منهم أموال تَلاميذه وأموال مُريديه، لا يُوجَد كل الكذب هذا باسم الدين، لا يُوجَد! أهل الدين الحقيقيون لا يبتزون الناس ولا يرزأون الناس في أموالهم، إذا عندهم، فإنهم يُعطون. ولكن لا يأخذون.

نعود أيها الإخوة، فقال ماذا إذن؟ وهما في الأجر سواء. ولكي نُنوِّر هذا المقام الجميل يا إخواني نقول إن الإمام أبا حامد الغزّالي يذكر في إحيائه – قدَّس الله سره – أن رجلاً من بني إسرائيل في مجاعة – كانت هناك مجاعة، وكان هناك فقر شديد – مر بكثبان رمل – أي جبال صغيرة من الرمل -، فقال في نفسه لو أن الله – تبارك وتعالى – جعلها مالاً، لجعلتها طعاماً في بطون الفقراء. يا ليت كل هذا الكثبان تحوَّل إلى ذهب وفضلة، لكي أشتري به طعاماً، أُعطيه للفقراء وللناس المساكين. قال هذا في نفسه، في نفسه! وبصدق، كان صادقاً.

فأوحى الله إلى نبيه، يا فلان قل لعبدي الصالح فلان قد صدَّقك الله – إن تصدق الله، يُصدِّقك الله -، وشكر حُسن نيتك، وكُتب لك أجرها مالاً، جعلته طعاماً في بطون الفقراء. لك – قال له – هذا. من الآن اطمئن، هذا في كتاب حسناتك.

وهذا موضوع الخُطبة اليوم، كيف؟ أُريد هذا، تُريد هذا، يُريد هذا، وكلنا نُريد هذا. أكيد! كل مُسلِم صالح – إن شاء الله، اللهم اجعلنا من الصالحين، نحن ومَن يسمع – يُريد هذا. يا رب أُريد هذا! وسوف نرى طبعاً كيف هذا، وهذا موضوع الخُطبة على فكرة، أي كل ما قلته يُمكِن أن تجده في الكُتب، ولكن الشيئ الذي نُريد أن نقوله – وإن شاء الله يكون فيه حق وتكون فيه فائدة – هو هذا، هذا مفتاح وضابط خطير – وإن شاء الله يكون حقاً وصدقاً – قوي، وأعتقد أنه شغّال، يشتغل هذا الضابط، وسوف نرى هذا، سوف نرى!

إذن بالنية، انظر إلى هذا، بالنية كُتب له كل شيئ، بالنية كُتب لهذا الرجل ما ذكرت. قال ورجل آتاه الله مالاً ولم يُؤته علماً… أي جاهل، ونعوذ بالله من الجهل، نعوذ بالله من الجهل! قال سهل بن عبد الله التستري ما عُصيَ الله بشيئ أقبح وشرٌ من الجهل. قيل له فهل شرٌ من الجهل؟ أي هل هناك شيئ لا يزال ألعن من الجهل؟ قال نعم، الجهل بالجهل. طبعاً! وهذه مُصيبة أكثر العوام اليوم، يظن أحدهم أنه فاهم وسيد العارفين، وهو جاهل، ويتكلَّم في التفسير وفي السُنة وفي الدين، ويُحلِّل ويُحرِّم، ويسب هذا من العلماء وينزل في عِرض هذا، ويقول هذا أعلم وهذا أجهل، وهو لا يعرف رأسه من رجليه، والله العظيم! ائت له بآية وقله أعربها، سوف يقول لك كيف أعرب؟ إعراب ماذا؟ وهل أنا أعرف الإعراب؟ فلماذا تتكلَّم في العلم يا رجل وتفتي وتسب العلماء وتفعل كذا وكذا؟ هل أنت مجنون؟

وهذا الجنون على فكرة أصبح حالة، عمت الأمة اليوم تقريباً، ولم ينج منها إلا الأقلون، لم ينج منها إلا الأقلون! وتقدر على أن تقول الأقلين أيضاً، لأن الكلام ليس مُثبتاً، الكلام ليس ماذا؟ ليس مُثبتاً. منفي! حتى لا يقول لك أحدهم نعم، هذا مُستثنى، وهو رفع المُستثنى. وهذا من الجهل أيضاً، ينتقدون وهم لا يفهمون الأُسس، وهذه مُصيبة يا إخواني!

إذن الجهل، وشرٌ من الجهل ما هو؟ الجهل بالجهل. يُسمونه الجهل المُركَّب. هو جاهل ويظن أنه عالم، هو يظن أنه فاهم وقادر على أن يتكلَّم، وهذه مُصيبة كبيرة! وسوف نرى الجهل، هذا جاهل، عنده ماله ولكنه جاهل، قال فهو يخبط في ماله غير هدى، لا يتقي فيه الله، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم أن لله فيه عليه حقاً. الله! فهذا بشر المنازل. هذه مُصيبة، هذا بكل درهم معه يهوي في جهنم، في جهنم، في جهنم. هوي في جهنم، هوي! هوي في جهنم، مع كل درهم، وهذه مُصيبة، مُصيبة!

ورجل لم يؤته الله علماً ولا مالاً… بالمرة! (ماسح) هذا المسكين، لا يُوجَد مال ولا يُوجَد علم. فهو يقول لو أن الله آتاني مالاً، لفعلت مثل فلان. فلان يذهب ويطلب الحرام ويعمل كذا وكذا وعنده الأشياء المُحرَّمة، وأنا كنت سأعمل مثله، وهو يستكبر على الناس ويضرب ويظلم وكذا، وأنا كنت سأعمل مثله. قال فهو بنيته، وهما في الوزر سواء. الله! شيئ خطير، أليس كذلك؟ شيئ خطير.

وأُريد أن أختم فقط بشيئ، والموضوع طويل، والأدلة والشواهد فيه كثيرة من كتاب الله وسُنة رسوله، والموضوع جميل وطيب ومُبارَك، ولكن الوقت يا إخواني يُدرِكنا، والدنيا صيف، ولا نُريد أن نشق عليكم – إن شاء الله تعالى -.

هناك سؤالان فقط، السؤال الأول متى يُكتَب للمُؤمِن الذي هم بسيئة فتركها، متى يُكتَب له بالترك حسنة، ومتى تُكتَب عليه سيئة؟ أي كأنه عملها، وإن لم يعملها، أليس كذلك؟ لأن هناك أحاديث تقول لك هذه مكتوبة عليه، وهو سيُبعَث قاتلاً. أليس كذلك؟ وهذا ما قلناه، وهما في الوزر سواء، وهو ليس عنده مال، ليس عنده مال! قال لك الشيئ نفسه، هذا عنده جوجل Google سيئة وهذا المسكين عنده جوجل Google سيئة. أنت فعلت وفعلت. أنا لم أفعل! قال لك لا، فعلت، بالنية، كنت تُحِب أن تفعل، ولكنك لم تستطع. لا إله إلا الله، مُصيبة وورطة كبيرة! متى؟

بكل بساطة حتى لا تنسوا الجواب وبسهولة نقول يا إخواني هناك مراتب، المراتب التي يُمكِن أنه تُنسَب إلى النية – إلى هذه الكيفية الداخلية – كثيرة، المشهور منها الهاجس، فإذا قويَ، صار ماذا؟ صار خاطراً. إذا قويَ الخاطر، صار حديث النفس. إذا استحكم حديث النفس، صار هماً. إذا قويَ الهم، صار عزماً. هذا الفرق، هذا هو الفرق!

بفضل الله المُحقِّقون من أمة محمد المُبارَكين – باركني الله وإياكم جميعاً وسائر هذه الأمة المُبارَكة – قالوا لا يُؤاخذ الله بالهواجس. والهواجس كثيرة! النفس تهجس بالإلحاد، بالكفر، بالفواحش، وبأشياء كثيرة. الشيطان والنفس الغبية هذه! ولكن هذه هواجس، لا تحزن، استغفر الله وامض، لا! لا تقف ولا تقل أنا سيئ – أي هذا البعيد -، أنا مُنافِق، أنا كذّاب، أنا كذا. لا! الهواجس هذه سريعة، الهواجس!

كما أنه لا يُؤاخذ – تبارك وتعالى – بالخواطر. وهي أقوى من الهواجس، لا! ولا بحديث النفس. إن الله – في الصحيح – تجاوز عن أمتي – أو لي عن أمتي – ما حدَّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تكلم. ما دام لم يتكلَّم به ولم يُحله عملاً، فالأمر مُنتهٍ، والله تجاوز له عنه. إذن حديث النفس أيضاً – ما حدَّثت به أنفسها – معفو عنه – بفضل الله تبارك وتعالى -. إذن الهواجس، الخواطر، وحديث النفس.

الهم معفو عنه أو غير معفو؟ بنص الحديث الذي سقت طرفاً منه عليكم اليوم أو بالأحرى سقته كله معفو عنه. مَن هم بحسنة… ومَن هم بسيئة… قال إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك فقال مَن هم بحسنة… ومَن هم بسيئة… بالنص! الهم معفو عنه – بحمد الله -، لكن إن تجاوزنا قنطرة الهم، وصرنا إلى براح ويفاع العزم والتصميم، فستكون هنا المُصيبة، اختلفوا، وكبار المُحقِّقين وعامة علماء السلف – كما قال القاضي عياض، صاحب الشفا – على أنه مُؤاخذ به.

إذن حديث إنه كان حريصاً على قتل صاحبه، يُحمَل على ماذا؟ على ما فوق الهم، وهو ماذا؟ العزم. عنده عزم وتصميم، ولو أنه لم يُقتَل وأمكنته الفُرصة، لقتل صاحبه. الله يعلم هذا، وهو لا يحتاج إلى ضابط مثلنا، أعوذ بالله، نعوذ بالله من زلات اللسان. هذا مُؤاخذ به، بل قال أبو الفرج بن الجوزي – واعظ الإسلام في عصره، وشيخ الإسلام، رحمة الله عليه – اتفقوا على أن الله – تبارك وتعالى – يُؤاخذ بأعمال القلوب. عمل للقلب! يبدو أن حاصل كلامه وكلام أمثاله من السادة العلماء الأفاضل، أن المراتب السابقة لا تُعد من الأعمال، أي التي يُؤاخذ بها، أعمال القلوب! عمل القلب – وهو الذي اسمه عمل هكذا – هو ماذا؟ العزم والتصميم. قال بدليل أنهم قالوا مَن هم بقطع الصلاة، لم تبطل صلاته. ومَن صمَّم على قطعها، بطلت قبل أن يقطعها.

واحد كان يُصلي هكذا، ولكنه قال أُريد أن أتوقف عن الصلاة، أُريد أن أُسلِّم ثم أخرج لكي أعمل شيئا ما. إن صمَّم، فصلاته باطلة وإن لم يُسلِّم، انتهى! بطلت وهو فيها، لأنه صمَّم، لكن حديث النفس والخطور وحتى الهم لا تُقطَع به الصلاة. كلام معقول! وبه تلتئم ماذا؟ الشواهد.

وهذا أيضاً داخل في ماذا؟ في مدول قوله لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۩. حاشا لله أن يُؤاخذنا بالهواجس والخواطر وحديث النفس وحتى الهم، ولكنه يُؤاخذنا بماذا؟ بالإصرار والعزم.

ماذا يبقى بعد الإصرار والعزم؟ التنفيذ. انتهى! كل شيئ موجود، خُطة كاملة! مثل خُطة مُهندس. وهل تعرفون ما معنى وجود الهاجس والخاطر وحديث النفس والهم؟ معنى هذا أن هناك Plan غير مُكتمِل، أي هذه لا تزال خربشات، هناك مهندس جالس يخربش، ولكنه لم يعمل شيئاً إلى الآن. الإصرار والعزم Plan كامل، أو Blueprint، أي هذا Blueprint كامل، انتهى! ولم يبق إلا ماذا؟ أن نُخرجه من القوة إلى الفعل. ابن! انتهى كل شيئ. هذا نُؤاخذ به، هل هذا واضح يا إخواني؟ هذا تحقيق جميل وجيد من السادة العلماء – رضوان الله عليهم -.

ولذلك انتبهوا، هناك شخص خرج وماله في جيبه إلى خمّارة، ليسكر – والعياذ بالله -، أي ليرتكب أم الخبائث، أنا أحكي هذا وإن شاء الله لنا خُطبة – قد تكون المُقبِلة – عن موضوع التدين المقلوب. نعم! الأمة اليوم – أو كثير من الأمة، رحمنا الله، بالعلم والتحقيق – قلبت الدين وعكسته على هواها. الشيئ الذي يُحِبونه، يجعلونه بسيطاً وعادياً، يقول لك أحدهم هذا بسيط، هذا كأس صغير، هذا كذا. عادي! حتى وجدت أن الفواحش في السنوات الأخيرة أصبحت سهلة على الناس، عشنا نحن طفولتنا والفواحش كانت شيئاً رهيباً، وما زالت شيئاً رهيباً في نفوسنا، الزنا شيئ مُخيف، الزنا واللواط وكذا أشياء مُخيفة ومُرعِبة، واليوم نرى أن هذا أصبح عادياً، أي في هذا الجيل الطالع، يُقال هذه صداقة، هذه Girlfriend، هذا Boyfriend، وهذا لا يهم، وأستغفر الله. شيئ رهيب يا جماعة، والله – تبارك وتعالى – ماذا قال؟ هذا فقط لكي تعرفوا خطورة الأمر، الله – تبارك وتعالى – حين ذكر وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۩ ماذا قال؟ الله قال وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۩، هذا أعظم الذنوب، إطلاقاً! وبعد ذلك هناك ماذا؟ أعظم الذنوب بعد الشرك فعلاً. وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۩، والثالث؟ وَلَا يَزْنُونَ ۩. وهم يظنون أن الزنا لعبة، وساخة ودنس، أي تتوسخ فيه إلى ما شاء الله وأنت لا تدري، روحك تذهب كلها وتضل يا مسكين، وأنت تظن أنه لعبة، أي الزنا، الزنا والعلاقات المُحرَّمة، شيئ مُخيف هذا ومُرعِب، لا تلعب بهذا بالمرة. ولكن هناك مَن يتساهلون، وهم مُتأثِّرون بالغرب وبالشرق وبهذا الكلام الفارغ الذي يرونه، لا! ضاع الدين بالطريقة هذه، انتبه إلى نفسك.

فالمُهِم هو ذاهب لكي يسكر – هذه أم الخبائث -، ومعه المال، وهو فرح بهذا، ولكنه وجد أن الخمّارة (مسكرة)، أي مُغلَقة، إذن تُكتب عليه سيئة واحدة، طبعاً! هذه تُكتَب، لأن هذا ماذا؟ شرع في العمل.

ولذلك نقل الحافظ ابن حجر عن إمامنا أبي عبد الشافعي – رضوان الله عليه، وقدَّس الله سره العزيز – ما سأذكره لكم، الإمام الشافعي قال الآتي عن الهم، ولم يقل العزم، لم يُفرِّق هذا التفريق الخاص بنا، فهذا شيئ مُتأخِّر، أي قال الهم، والأحاديث محمولة على ماذا؟ على الذي شرع في العمل. عنده هم اتصل به عمل، ها هو، نوى أن يسكر وخرج إلى الخمّارة، هو لم يصل إلى الخمر حتى الآن، أي انتهى، اتصل به ماذا؟ عمل. أما إذا لم يتصل به عمل، فلا. وهذا عليه نظر أيضاً، فيه نظر! لأن عامة المُحقِّقين قالوا والتصميم بحد ذاته فيه كتابة السيئة. وطبعاً قد يكون وجيهاً، وقد يكون هو الصحيح، ولكن أيضاَ فيه نظر، لأن – كما قلت – عامة المُحقِّقين قالوا لك لا، العزم والتصميم بحد ذاته فيه كتابة السيئة – والعياذ بالله -. أي من غير أن يتصل عمل، كما شرط إمامنا الشافعي، ولعل له حُجة، وهو الإمام الشافعي، أي هذا ليس أي كلام، هذا الجبل، جبل العلم.

على كل حال هذا هو إذن يا إخواني، إذا ترك السيئة لله، وليس عجزاً عنها، أي الخمّارة مُغلَقة، قال لك رجعنا، ولم نسكر. لماذا لم تسكر؟ ليس لله، وليس لأنك تذكرت، وليس لأنك انتعشت أبداً، أبداً! لأنك عجزت.

قال الإمام أبو سُليمان حمد الخطابي – الإمام أبو سُليمان حمد الخطابي شيخ أهل السُنة والجماعة في عصره، وشيخ الشافعية أيضاً، قال رحمة الله عليه الآتي – ولا يُقال للتارك تاركاً، إلا إن ترك عن قدرة. كلام جميل! أما مَن لم يستطع ولم يقدر، فلا يُقال تارك. أليس كذلك؟ أي هذا الآن ذهب لكي يسكر، ولكنه وجد الخمّارة مُغلَقة ورجع، فهل يُقال ترك؟ أبداً، أبداً لا يُقال. إنما يُقال هذا تارك لمَن كان قادراً أن يفعل ولم يفعل. ولماذا لم يفعل؟ خشية الله. خشية الله.

ولذلك في صحيح مُسلِم يقول الله – تبارك وتعالى – فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جراي. أي من جرائي، أي لأجلي. تركها لأجلي، وليس عجزاً عنها.

هذا مفهوم، بقيَ السؤال الثاني، إن شاء الله نُجيب عنه في جُملة أو جُملتين في الخُطبة الثانية، وهو ومتى وكيف وما هو الضابط الذي نعرف به أن نيتنا في فعل الخير صادقة؟ ما ضابط معرفة أن نيتنا في فعل الخير صادقة؟ أنا – والله – أُريد، وأنت تُريد، وهي تُريد، وكلنا نُريد أن يُكَتب لنا أجور ماذا؟ كفالة الأيتام، وكفالة العلماء وطلّاب العلم والأرامل والمساكين، وتعليم الناس، وبناء المُستشفيات والمدارس والجامعات والمعاهد، وكل أفعال الخير – بإذن الله تعالى -، في مُسلِمين وفي غير مُسلِمين، مِمَن يحتاجون، نُريد هذا ونُحِبه، نُحِب، مليارات الحسنات! كيف نعرف أننا صادقون في هذه النية، لكي يُكتَب لنا هذا الأجر – بإذن الله تعالى -؟ هذا موضوع السؤال في الخُطبة الثانية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخُطبة الثانية

الحمد لله، له الحمد الأتم والثناء الحسن، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

هب أن رجلاً ادّعى الكرم، قال لك أنا من الكرماء – والحمد لله -، وعندي نية في الكرم، ونفسي من أسخى النفوس – بفضل الله تبارك وتعالى -، ولا يتحصَّل في يدي شيئ إلا سخوت به – إن شاء الله تعالى -. ومر به فقراء مُعدمون، جوعى مُتهالِكون، وهو يأكل من أطايب الطعام وفاخره، مما يكفي لعشرين وثلاثين وأربعين، فلم يدعهم، لم يدعهم وظل يأكل وهو يراهم، لكنه ادّعى أنه لا يراهم.

فهل هذا صادق النية أو كاذب النية؟ واضح أنه كذّاب، شيخ الكذّابين في النوايا. أليس كذلك؟ وكلامه كله هذا دعاوى، دعاوى! مُجرَّد دعاوى، وحتى كلام نفسه وحديث نفسه في الداخل – أي أنا كريم إن شاء الله، وأُعطي، ولو الله وسع على، سأوسع على عباد الله – مُجرَّد كذب، كذّاب! مثله كمثل ذلك اللطيف الظريف الذي مر بقوم بُخل – مر بقوم بُخل، أي بُخلاء – وهم يأكلون، فقال السلام على معشر البُخلاء والرحمة؟ قالوا والله ما نحن ببُخلاء. قال كذّبوني ولو بلُقمة. جيد، قبلنا، فكذِّبوني! أي واحد منا غلطان، إما أنا وإما أنتم، فكذِّبوني ولو بلُقمة، قولوا تفضَّل خُذ اللقمة هذه، ومن ثم سوف تصيرون صادقين. نعم! ولكنهم لم يُكذِّبوه ولو بلُقمة.

أنا لا أُريد أن أتظارف معكم، ولكن أقول لكم هذا مفتاح الجواب، ولن تنسوه بعون الله، لن تنسوا الجواب إذا تذكرتم هذه الطُرفة أبداً، ما حييتم – بإذن الله -. كذِّبوني ولو بلُقمة!

الضابط  بسهولة – وهذا يفضحنا، والله يفضحنا، وأنا أول المفضوحين قدام نفسي، يفضحنا كلنا هذا الضابط – كالآتي، هذا هو الضابط! تُريد أن يكتب الله لك أنك تبرعت بمليار دولار، تقول لو عندي – والله – خمسة مليارات، كنت سأتبرع بمليار، أكيد! أي هذه عشرون في المائة، سأتبرع به، هذا أكيد! وربما تقول سأتبرع بما هو أكثر – بعون الله -. وربما تقول لك نفسك الكذّابة والله ستتبرع بأربعة مليارات. فتقول سأخلي عندي ملياراً، هذه ألف مليون. وأنت تعرف كيف يدخل الإنسان في الهبل وفي الهجس وفي هذا الكلام الفارغ المُتعلِّق بأحلام اليقظة.

سوف ترى نفسك الآن، وتعرف كم أنت صادق وكم أنت مُخادِع ومغرور عن نفسك، بسهولة. قال لك الضابط ليس موجوداً في الغيب، موجود في الحس والشهادة الآن، وهو بين يديك. ما هو؟ كذِّب نفسك أو صدِّق نفسك بما أوتيت، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۩، أنت لا تزال تنتظر أن يُعطيك الله المليارات، وأنت عندك الألوف الزائدة يا حبيبي، أنت تأكل وتشرب وتنام وتركب، وعندك الألوف، ولو كانت تبلغ عشرة آلاف زائدة، أليس كذلك؟ أرني كم ستُخرِج منها.

سوف تخجل، سوف تُخبئ رأسك في (عبك) هكذا، وسوف تقول ما هذه الفضيحة؟ نعم، هذا هو طبعاً، أرني هذا، أنت عندك الألوف! فكيف تقول هذا؟

ولذلك – والله أعلم – ضابط هذه المسألة هو هذا، أنك تطمئن على صدقك وترى أنك – إن شاء الله – من الصادقين في نيتك، بقدر ما تفعل فيما أوتيت وخولت. عندك مائة زائدة، وستتصدَّق – بفضل الله – بخُمسها، ولو صارت ألفاً، سوف تتصدَّق أيضاً بماذا؟ بخُمسها، أي بمئتين. ولو صارت عشرة آلاف، سوف تتصدَّق بماذا؟ بألفين. ولو صارت مائة ألف، سوف تتصدَّق بماذا؟ بمائتين وخمسين. ولو صارت مليوناً، سوف تتصدَّق بماذا؟ بمائتي ألف. ولو صارت ملياراً، سوف تتصدَّق بماذا؟ بمائتي مليون. أنت عندك هذا، أنت عوّدت نفسك – الحمد لله – على هذا، وأريت الله هذا من نفسك. أي أنا ما زاد في مالي – بفضل الله -، نفسي تسخو بخُمسه. والخُمس ليس قليلاً، أليس كذلك؟ وهناك أُناس يسخون بما هو أكثر من ذلك، هناك أُناس يسخون بالثُلث، هناك أُناس يسخون بالنصف، هناك أُناس – هذا كان قديماً، والآن هناك أُناس على هذا النحو، ولكنهم قلة قليلة، والله أعلم بعددهم، الله أعلم كم واحد منهم في مليار وثمانمائة مليون مُسلِم؟ الله أعلم. ولكنهم موجودون – يسخو ويتصدَّق الواحد منهم بالعفو كله، بكل الزائد، ثم يرجع إلى البداية من أول وجديد، هؤلاء قلة، قلة قلة قلة قلة! والله نستحي أن نقول اللهم اجعلنا منهم، لأن من المُمكِن حتى أن يُكذِّبنا الله، لا نقدر، هذه مسألة صعبة جداً، فدعونا لا نقول هذا، خلونا مُتواضِعين في النوايا، الخُمس جيد، وكذلك السُدس والسُبع. لكن هناك مَن بالكاد يدفع الاثنين والنصف في المائة، وهو لا يُريد أن يُخرِجها، حين نُقارن الاثنين والنصف في المائة بعشرين في مائة، نجد أن هناك فرقاً يصل إلى عشرة أضعاف تقريباً، فهذه صعبة، والرُبع خمسة وعشرون في المائة، هذا الرُبع.

فالآن كيف سيُصدِّقك الله؟ وكيف ستُصدِّق نفسك أنت يا مسكين؟ وكيف تغر نفسك؟ أي كيف تقول لو عندك مليار، سوف تُعطي مائتين وخمسين – أي الرُبع -؟ والله؟ أنت تُعطي من العشرة الآلاف التي عندك الآن الرُبع؟ هل أعطيت هذا؟ لم تُعط، ولم تفعلها مرة في حياتك. تكذب إذن، والله لا يُكذَب عليه ولا يُخادَع، وانتبه! إذا أعطاك الله ما طلبت، فربما دهورك. والله العظيم! وهذا ما قاله النبي لثعلبة، النبي كان يقرأ هذا، والنبي عنده الفراسة الربانية يا أخي، يا ثعلبة – قال له – ويحك، قليلٌ تُؤدي شُكره خيرٌ من كثير لا تُطيقه. يُوجَد امتحان صعب على فكرة.

قد يقول لي أحدكم لا، أنت قصرت يا رجل. وهذا صحيح، أعلم أنني مُقصِّر، ولكن أين قصَّرت؟ يسهل هذا على نفس الفقير، وأنت قلت في أول الخُطبة (ما بتهونش إلا على الفقير). وفعلاً هذا صحيح. يسهل على مَن عنده مائة أن يُعطي خمسة وعشرين، ومَن عنده ألف أن يُعطي مائتين وخمسين، ومَن عنده عشرة آلاف أن يُعطي ألفين وخمسمائة، يسهل! لكن مَن يصير عنده مائة ألف يصعب عليه أن يعطي خمسة وعشرين ألفاً، ومَن عنده مليون يصعب عليه أكثر أن يُعطي ماذا؟ مائتين وخمسين ألف. ومَن عنده مليار هل يُعطي مائتين وخمسين مليوناً؟ أين حصلت هذه؟ فلا تقس هذا الصغير الذي تهون عليه على مَن عنده الكثير، فالامتحان لا يزال موجوداً، والله أعلم بالسرائر، ويعلم السر والنجوى.

نسأل الله بحق – لا إله إلا هو – وبجلاله وقدسه، أن يُصحِّح نياتنا، وأن يُنعِم علينا بنيات صادقة مُمحَّضة مُتشحِّرة لجلاله ولوجهه – لا إله إلا هو -، حتى يُبلِّغنا بذلك منازل الصدّيقين ومنازل المُنفِقين ومنازل السابقين الأولين، اللهم آمين.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً. اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما جنينا على أنفسنا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت، وأنت على كل شيئ قدير.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المُنكَرات، وحُب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنا إليك غير مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اغفر لنا ولوالدينا، وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

حقِّق بالزيادة آمالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات أعمالنا، ولا تتوفنا إلا وقد رضيت عنا أتم الرضا يا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا 28/6/2019

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: