إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى من قائلٍ – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :

 وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ۩ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ۩  وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ۩  قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ۩ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ۩  إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ۩  وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ۩  وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ۩  الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۩ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ۩ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ۩ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ۩ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ۩ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ۩ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ۩ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ۩ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ۩ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ۩  بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ۩ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ۩  بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ۩  فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ۩ 

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
بالحري – إخواني وأخواتي – أننا لن نخرج عن حدث اللحظة وعن مفصل التاريخ، عن ثوراتنا المُستمِرة المُبارَكة إلى أن تبلغ غايتها – بإذن الله وحوله – ولكن ما دخل سورة البروج في هذا الحديث المُتصِل عن الثورات المُتصِلة؟ مدخلية هذه السورة في راهنية الحدث تبرز من أكثر من زاوية، فهذه السورة تتحدَّث عن شراسة الاستبداد وعن وحشية الطُغيان الذي يبلغ إلى حد صهر الناس بحرقهم أحياءً، ليس بصليهم وإنما بحرقهم وصهرهم وتذويبهم في حُفر مُعَدّة خصوصاً لهذا الغرض المُتوحِّش، ولكن في الوقت نفسه السورة تُذكِّرنا بأن الشدة والقهر والغلبة لرب العالمين، وهذا الكون محكوم فهو ليس كوناً هملاً ولا سُداً ولا سائباً، إنه كونٌ مُدبَّر له ربٌ يُدبِّر أمره ويُسيِّر شأنه ويُصرِّف أحواله، ليس حبله مُرسَلاً على غاربه كما يظن الطُغاة والملاحدة، والعجيب أن السورة تُختتم بخاتمة لافتة تُشكِّل حين تُتلى أو يُستمَع إليها متلوةً ما يُوشِك أن يكون قطعاً مع سياق السورة العام، قال الله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ۩ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ۩، فما علاقة هذا التذييل وهذه الخاتمة المُفاجئة واللافتة بمُفاجئيتها بسياق السورة العام؟ إنها علاقة أكثر من عميقة وأكثر من واعية وأكثر من مُلهِمة ومُوحية، كأنها تقول الأيام دول والدهر قُلّب، يومٌ لك ويومٌ عليك، يومٌ نُساء ويُومٌ نُسَر، ولكن في التحرير الأخير وفي نهاية المطاف مَن كان يحتاز التصور السليم والرؤية الصحيحة الرشيدة فالغلبة معه، وهذه الرؤية المضمونة لمَن تناغم وتراسل مع كتاب الله في مقاصده العاليات وغاياته المُبارَكات الطيبات، قال الله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ۩ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ۩، فالكتاب محفوظ والقرآن لا تطاله يد التغيير والتبديل، علينا أن نمتح رؤيتنا منه وبالذات الرؤية السياسة لأن السورة تتحدَّث عن صراع بين طُغاة وبين مَن استعبدوهم واستذلوهم وحرَّقوهم بنيران الأخاديد، فالسورة تقول عليكم أن تعودوا أبداً إلى هذه الرؤية، مهما احتفظتم بالرؤية أنتم منصورون، مهما احتفظتم بالرؤية الرشيدة أنتم في طريق الرشد سائرون وفي طريق الظفر وإلى غاية النصر هادفون بإذن الله تبارك وتعالى، ولذلك جديرٌ بنا وبهذه الأمة المرحومة المُبارَكة والمُبتلاة والمحرومة – فهى مرحومة ومحرومة – أن نُعيد طرح سؤال ما هو حظ الرشد من رؤيتنا أو في رؤيتنا السياسية وفي فكرنا السياسي الشرعي عبر العصور؟ للأسف يُؤسِفني أن أُقرِّر مع دارسين كثر ومع علماء ونابهين ومُفكِّرين أوفياء وأيقاظ وأُمناء على مقاصد الرسالة ومصالح الأمة أن حظ رؤيتنا السياسية من الرشادِ ضئيلٌ جداً، فالرؤية التي انتهت إلى أسوأ أحوالها وأزرى تمثلاتها في عجاج من الفتاوى المُتلاطِمة التي تتجارى إلى غاية واحدة تقول التظاهرات ضد النظام حرام والخروج المُسلَّح طبعاً حرامان بل ثلاثة أو ثلاثة ملايين حرام وليس حراماً واحداً، ممنوع الخروج المُسلَّح، حمل السلاح ضد النظام ممنوع منعاً أشد من العدوان على حُرمات الدين والناس ومصالح الأمة، لأنها مصالح الحكّام ومصالح أولياء النعمة ومصالح الأوثان التي خلقناها ونطّوَف بها صباح مساء، فالخروج المُسلَّح لا يجوز بتة، والتظاهر مُحرَّم فكيف الخروج المُسلَّح؟ أليس هناك من وسط غائب؟ 

لكن ماذا عن النقد والكتابة في الصحافة وفي الإنترنت Internet والكلام على المنابر؟ نحن نتحدَّث وننتقد وننتصف لأنفسنا قليلاً ولكرامتنا المُهدَرة ومصالحنا المُضيَّعة وحرياتنا المُعتقَلة, قالوا فتنة نائمة، لعن الله مَن أيقظها، كيف تتكلَّم؟ أنت تُوقِظ الفتنة فأنت ملعون، ويبقى شيئٌ واحد مُباحاً هو القهر والذل والاستبداد، هذا المُباح، أستغفر الله بل هو الواجب اللازم المُستمِر من أربعة عشر قرناً، القهر والاستبداد والذل والخنوع والاستخزاء هو الواجب الأكبر وليس فقط المُباح، هناك رؤية شرعية وسنأنتيكم بالأدلة، سنرصف لكم الأدلة من الكتاب والسُنة، وطبعاً العجيب أنهم سيصدموننا، سيصدمون المُغفَّلين فينا، وحتى بعض العلماء مُغفَّلون، هناك علماء ومشائخ وعمائم مُغفَّلون حقيقةً، مُغفَّلون فلا وعي فكرياً لديهم ولا فهم سياسياً عندهم، يستطيع الواحد منهم أن يُفتي في الحيض والبيض والنفاس بشكل عادي لكن حين يتكلَّم في شأن الأمة والسياسة وإدارة الشأن العام نجد أن لا شأن له  وأنه لا يفهم شيئاً، ونحن رأينا قيادات سياسة عربية كُبرى كعمر سليمان لا يُفرِّقون بين الدولة والحكومة، وهذا عار على هذه الأمة، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، فقد سيَّسوا كل شيئ والتهموا كل شيئ وليس لديهم الحد الأدنى الذي يُمكِّنهم مِن أن يُميِّزوا بين الدولة والحكومة، هم يُطابِقون بين الدولة والحكومة، والحكومة هم فهم الدولة، والدولة كل شيئ فهم كل شيئ، والشعب مُغيَّب، وهذا شيئ عجيب، فهل تُريد من شيخ مُعمَّم أن يُفرِّق؟ هذا مُستحيل لأنه لا يعرف، الذين عركوا السياسة ومارسوها ومضغوها لا يُفرِّقون، على الأقل بعضهم، فكيف تُريد من شيخ يُدرِّس الحيض والبيض والنفاس أن يُفرِّق؟ لا وعي سياسياً عنده ولكنه يُعطي نفسه صلاحية ورُخصة أن يُفتي في السياسة، وطبعاً دائماً ودائماً أبداً لصالح النظام، أي لصالح السُلطان وليس لصالح الشعب المُهان، فباستمرار كان الوضع تقريباً كذلك ولكن ازداد بؤساً وقتامة وحراجة.

في البدايات الأولى يقول الحافظ الكبير أمير المُؤمِنين ابن حجر العسقلاني – رحمة الله تعالى عليه – في تهذيب التهذيب “وكان السيفُ مذهباً للسلفِ خلا”، فما معنى ذلك؟ ابن حجر يُقرِّر الحقيقة التاريخية لا ضمن مُدوَنة في التاريخ وإنما ضمن مُدوَنة في الجرح والتعديل وفي الرجال ويقول مذهب السيف كان مذهباً للسلف، لكن ما معنى أن السيف كان مذهباً؟ أي الخروج المُسلَّح، فالخروج المُسلَّح على الحاكم الظالم كان هو نفس الأمة وكان هو رد فعلها الطبيعي ضد أي ظلم صارخ، فهم كانوا يخرجون ويموتون بالمئات وبالألوف، وأئمة كبار جداً فليس فقط أئمة أهل البيت بل وأئمة من خارج أهل البيت ومن العامة كما يُقال، فهو قال هذا مذهب السلف وللكن هذا خلا وغبر وانتهى، لندفن هذا المذهب ولنتظاهر بأن الحق وبأن الرأي الصحيح الرجيح عبر العصور هو حُرمة السيف وحُرمة الخروج المُسلَّح على الحكّام، فاتركوا الحكّام ليفعلوا ما يُريدون، وهذا أمر غريب، فإذن هل مذهب السيف كان مذهب السلف؟ نعم، ومَن يقرأ التاريخ لا يُمكِن أن يعود إلا بهذه النتيجة، وهى أن السيف كان مذهب السلف، فهناك عشرات الثورات المُسلَّحة، واقرأ مقالات الإسلاميين واختلاف المُصلين لإمام أهل السُنة والجماع أبي الحسن الأشعري وسوف تقع على عشرات الثورات في أقل من سبعين أو ثمانين سنة، حيث تُوجَد عشرات الثورات وقيل بناحية كذا خرج فلان وبناحيه كذا وبكورة كذاو ببلاد كذا خرج كذا وكذا، فهذا يحدث باستمرار، خروج مُسلَّح وثورات والذبح شغَّال، وبعد ذلك لشراسة النظام الحاكم اختلف الوضع، فهو نظام إسلامي – كما يُقال – أموي أو عباسي، فهو نظام إسلامي وهم يُصلون على الأقل، وصدام حسين كان بيصلي، وكانوا يحجون أيضاً، وزين العابدين كان يحج ويعتمر ويكشف عن إبطه ويتصوَّر صور مُكبَّرة بالألون، أي أن نفس الشيئ يحدث طبعاً، ولو سُمِح لبيريز Peres أن يحج سيحج لكي يضحك علينا، وقد فعلها نابليون Napoleon، وهم يتحدَّثون عن هم نابليون Napoleon أن يُسلِم لكن هذا ليس هم بل أن نابليون Napoleon أعلن إسلامه في مصر وتزوَّج بنت شيخ مشائخ الطرق الصوفية العلَّامة البكري – محمد البكري أو محمد توفيق البكري رحمة الله عليه – صاحب صهاريج  اللؤلؤ، وأنا قرأت كتابه وأنا صغير ولم أكن أعرف أنه نسيب نابليون Napoleon، فأنا قرأت كتب البكري في التصوف والأدب وأنا صغير  في الإعدادية، وبعد ذلك صُدِمت أن محمد توفيق البكري شيخ مشائخ الطرق الصوفية هو نسيب نابليون Napoleon، فقد أخذ ابنته – أي تزوَّج ابنته – وادّعى نابليون Napoleon أنه مسلم ولبس العمامة، وفي الفاتيكان Vatican حين تظاهر بأنه كاثوليكي وأمر الدين كان لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد قال أنا كاثوليكي ولكن أضحك على الطاليان، وهو في الفاتيكان Vatican صرَّح قائلاً مصر تُساوي عندي عمامة فقط، فأنا أضحك عليهم بعمامة وادّعي أنني مسلم وأتعمَّم وانتهى الأمر، ولذلك أنا أقول لكم لو سُمِح لنتنياهو Netanyahu أو باراك Barack أو بيريز  Peres أن يحج لحج البيت اليوم واضطبع ورمل وكشف عن ذراعه لكي يضحك على أمة يبدو أنها قرَّرت ألا يُضحَك عليها بعد اليوم، انتبهوا فقد كان يُضحَك عليها أربعة عشر قرناً أو يُضحَك على أكثرها أو حتى على بعضها حتى لا نُبالِغ، وعلى كل حال قرَّرت هذه الأمة ألا يُضحَك عليها، لن تُصبِح مضحكة بعد اليوم، لن نُصبِح مضحكة لا لحاكم ولا لمُستعمِر ولا لكهنوت ديني، فالكهنوت الديني لن نسمح له أن يضحك علينا بإسم الدين، بإسم الكتاب والسُنة والبخاري ومسلم وأخرجه فلان وأدخله فلان، أخرجه من باب الزيف وأدخله في عقل الغفلة، فنحن لا نُريد هذا ولن نسمح بهذا بعد اليوم.
فأقول لكم أن تحت وطاة وشراسة وتوحّش النظام الإسلامي القائم تراجع النفس الثوري بل تراجع نفس المُعارَضة بل تراجعت الحدود الدُنيا من حرية النقد بالكلام فقط، فكله تراجع وهذا شيئ مُخيف، وطبعاً لأن الخُطبة اليوم ليست تاريخية على نحو الخُطبة السابقة فقط سأجتزيء ببرهان واحد، اقرأوا تاريخ العرب، اقرأوا جواد عليّ – رحمة الله عليه – مُفصَّل تاريخ العرب قبل الإسلام، لا تجدون العرب تجاسروا أو تجارأوا يوماً على ضرب كعبتهم، هذا مُستحيل، أما أبرهة الأشرم فكان عميلاً للحبشة – هذا عميل الحبشة في اليمن طبعاً – ليس أكثر، ولكن العرب أنفسهم مُستحيل أن يفعلوا هذا، لم يتجاسروا يوماً على أن يُهدِروا حُرمة الكعبة وحُرمة البيت، ولكن فعلها الأمويون مرتين، ضربوها بالمنجنيق وبالحجارة وبالنار وأحرقوها وعلَّقوا المُصحَف الشريف على الكعبة، وتحديداً الوليد الأموي هو الذي علَّقه على الكعبة وضربه بالسهام وقال إذا سألك ربك قل له مزقني الوليد، ومع ذلك – كما  أقول لكم دائماً – نتحدَّث عن النظام إسلامي ونقول رضيَ الله عنهم وأرضاهم، فرضيَ الله عن بني أمية ومن بعدهم عن بني العباس ذبحة الأمويين وقتلة بني أمية أيضاً، رضيَ الله عن الجميع، رضيَ الله عن ظالم وعن ظالم وليس عن ظالم ومظلوم، ورضيَ الله عن كل ظالم إلى يوم الناس هذا، فما هذا؟ تراجع النفس الثوري، والأمة – كما نقول بالعامية – ضُبِعَت، فقد تلقَّت جرعة زائدة – Overdose – من الترويع ومن الخوف وشُلَّت قدرتها تماماً مثل أي حيوان يتلقّى جرعة زائدة من الخوف يُشل بالكامل ويبقى مُستعِداً فقط للذبح، وهذا أمر معروف، وكذلك حتى في المُجتمَع البشري هناك جرعة زائدة من الذبح والتقتيل فلم يُراعوا حُرمة لأحد، أيام بني العباس سمع السفّاح – أبو العباس وهو إسم على مُسمى – بثورة أو انتفاضة أو هبةبالموصل  في شمال العراق فبعث أخاه يحيى وقال له اسكتهم، أي اذهب وأدِّبهم، فجاء الرجل ومعه في جيشه أربعة آلاف من المُرتزِقة – غير الجيش نفسه النظامي – الزنج – هؤلاء مُرتزَقة بأتون بالمال – وبدأوا يُعمِلون السيف في الناس، الكبير والصغير والذكر والأنثى والأحمر والأصفر والأبيض والأسود، قتلوا ألوف الناس في ساعات ثم أن يحيى هذا أخو أبي العباس السفّاح قال للمُرتزِقة ما لا يُصدَّق، وسوف تقول لي أن قصة المُرتزِقة مثل قصة القذَّافي نفسها فهى مُتكرِّرة، وهذا صحيح طبعاً، فالقذَّافي فصل جديد في الكتاب الملعون، كتاب العار والشنار الذي إسمه السياسة في عالم المسلمين، فنُقطة ضعفنا بل نُقطة عارنا هى السياسة، حضارة عربية إسلامية مجيدة أبدعت وأدهشت وأعطت وأغنت وأخصبت وأثرت في ميدان العلم والثقافة والعمران ولكنها أخجلت وأزرت بنفسها وبأهلها في نُقطة السياسة، وقد كتب لي أحدهم بكل غفلة لأنه غير مُثقَّف ولا يقرأ ولا يتعلَّم وإنما فقط يُحسِن أن يتكلَّم –  بعض الناس يُحسِن أن يتكلَّم ولكن دون فهم، فمَن لا فهم له عليه أن يفهم ثم يتكلَّم – قائلاً أليس في تاريخنا شيئ مُشرِّف لتتحدَّث عنه؟ فقلت له تقريباً باستثناء السياسة تاريخنا كله فصول مُشرِّفة، ولكن أنت لا تفهم تارخك، وماذا تفهم أنت من تاريخك؟ هل تعرف أنت علومنا؟ هل تعرف آدابنا؟ هل تعرف لغاتنا؟ هل تعرف ماذا قدَّمنا؟ أنت لا تعرف شيئاً، وهناك مَن يعرف لكن أنت لا تعرف، فأنت  لم تقرأ شيئاً وتقول لي النُقاط المُضيئة، ففي الجوانب الحضارية والعلمية والثقافية والروحية أبدعنا، والحضارة فعلاً ترفع ألف رأس وليس رأساً واحداً، ولكن في الجانب السياسي أزرينا بأنفسنا، فنُقطة عارنا – كما أسمُميها – وليس ضعفنا فقط وإنما  نُقطة ضعنا وعارنا السياسة معاً في تاريخ الإسلام وإلى اليوم من أيام بني أمية وإلى اليوم، وهناك استثناءات مُضيئة وبسيطة جداً جداً جداً ولكنها للأسف الشديد في بحر التاريخ الإسلامي، المُهِم هو يحيى هذا أباحهم النساء المسلمات العربيات الشريفات وبعضهن هاشميات ولكم أن تتخيَّلوا هذا، وبدأ الاغتصاب بالفعل، وتم اغتصاب ألوف النساء من الزنج المُرتزَقة وضجَّ الناس بالبكاء، ودخلوا على الناس في البيوت وكانوا يقتلون الطفل الصغير الرضيع قبل أمه وأبيه، وهذا شيئ عجيب لا يُصدَّق، فلماذا إذن؟ من أحل أن  مُلك أبي العباس السفّاح يتمهَّد ويتقرَّر ويتأكَّد كحقيقة إلهية غير قابلة للزوال، وهذه وثنية طبعاً، فهذه هى وثنية هؤلاء الطُغاة الأوثان الأصنام، وضجَّت امرأةٌ هامشية عربية أصيلة فقدت عقلها وعزب عنها حلمها – كما يُقال – فجاءت إلى يحيى في الطريق وأخذت بلجام فرسه كالمجنونة – والعملية انتحارية طبعاً – وقالت له مَن أنت؟ ألا تستحيي؟ ألست من بني هاشم؟ فقلت ألست ابن عم محمد رسول الله؟ أما يندى جبينك للمسلمات العربيات الهاشميات يُغتصَبن من الزنج؟ مَن أنت؟ فتحرَّكت فيه النخوة، وطبعاً هناك نزوات كثيرة واقرأوا تاريخ الطُغاة، ليس فقط الطُغاة الإسلاميين أو العرب وإنما كل الطُغاة في العالم، فانظروا إليهم ولتصرّفاتهم وأفكارهم وأفعالهم وردود أفعالهم النزوية – نسبة إلى النزوة – وعطاؤهم ومنعهم وعقابهم وعفوهم الذي هو  كله نزوات.

يُعطي ويمنع لا جوداً ولا كرماً           ولكنها هنات من وساوسه.

أي إذا خطر له أن يُعطي فإنه يُعطي، وإذا خطر له أن يمنع وأن يُجوِّع الشعب فإنه يفعل، وإذا يخطر له أن يعفو فإنه يعفو جللا، وإذا خطر له يُعاقِب عاقب ظلماً وخبلاً، فما هذا؟ هذا يعني الطُغيان، فالطُغيان نزويٌ بطبيعته، ولذلك هو مجنون، فالطُغيان مجنون مثل القذَّافي الذي لا ضابط له.

قبل ساعة من صدور قرار مجلس الأمن يقول كعيم – كمعه الله، فهو إسمه كعيم والمفروض إسمه لكن أنا أقول المكموع أو كميع، كعمه الله تبارك وتعالى  – هذا القرار السخيف لا يسوى المداد الذي سيُكتَب به، ثم يصدر القرار ونحن نُريد أن نرى العنتريات الفارغة كالتي عندك  يا لقذَّافي أنت وابنك سيف الإسلام، سيف الذل والمهانة،وأنا لم أصدِّق نفسي، فأنا سهرت لم أنم وأريد أن أعرف كيف تجري الأحداث، وعلى كل جال هو قال سنتعامل بكل إيجابية مع القرار في كل تفاصيله، وبدأ الحديث عن امتثال، وهذا ليس امتثإ ، هذا اسمه الانصياع، أي الانصياع القذَّافي والاستخزاء القذَّافي، فالواحد منهم يُريد أن يُقبِّل الحذاء – الصرماية كما نقول – الأممية بل ويُري أن يُقبِّل حذاء الأمم المُتحدة من تحت حتى يبقى في الكرسي، علماً بأنه هدَّدت أنها آخر ليلة بني غازي، وهناك ألفاظ جديدة الآن، فزنجة زنجة سمعناها في اليوتيوب YouTube وهىذه الكلمة حلوة كثيراً، ويُوجَد ما  أحلى منها مثل حائط حائط ودولاب دولاب وخزانة خزانة –  Schrank Schrank – علماً بأنني لا أمزح ، ولو كنت أمزح أرجو ان أقول حقاً، فهذه مُضحِكات مُبكيات وضحكٌ كالبكاء كما يُقال فاعذرونا، وهنا أنا لا أمزح وإنما أنا جاد تمام الجد، فحين يُبحَث عن هذا الجُرذ المُسمى القذَّافي يجب أن يُبحَث في المكان الصحيح، علماً بأنه هو الجُرذ، هو سمى الليبيين جُرذان لأنه هو الذي يعيش كالجُرذان، وكلها مخابيء وأنفاق تحت الأرض، فهذا معروف وقد رأينا هذا، لذا هو يتحدَّث من وحي شخصيته المريضة المُهشَّمة المُحطَّمة، لأنه كتلة العُقد التي من الصعب جداً تفكيكها إلا على رب العالمين، والله لا يستطيع أكبر مُحلِّل أن يُعالِجه أو أن يُعطيه حاجة، رب العالمين وحده يستطيع أن يعرف ما هذه السراديب العجيبة في هذه النفس الخبيثة التمساحية المُتوحِّشة الأركيولوجية، فهو مُستحاثة بشرية من عهد التماسيح البائدة الأولى والديناصورات والماموثات، هذا هو القذَّافي، وأقول بكل جد أن ساعة القذافي قرَّبت إن شاء الله، علماً بأن الغرب لا يلعب، نحن لسنا فرحين بهذا لكنه لا يلعب، ويوم قال أوباما Obama على القذَّافي أن يذهب  قبل عشرين يوم كان يعني ما يقول، فهو قال له عليه أن تذهب وإن لم ينصع سوف يُؤدَّب، لكن أوباما Obama قال Step BY Step، أي خُطوة خُطوة ولكنه سوف يُؤدَّب، كأنه يقول له لكي نعلّمك لما نقول لك اذهب ينبغي أن تذهب لأننا لا نلعب ولذا سوف نُعلِّمك الأدب، فهم سوف يأدِّبونه بإذن الله تعالى، وربنا سوف يمكر فيه غرروه وجنونه وهوسه المُنفلِت، فهو رجل مُنفلِت ولا يُوجَد حد يقف عنده هذا الرجل.

يوم يُبحَث عن هذا الجُرَذ – في الحقيقة إسمه جُرَذ وليس جُرْذاً وهو فأر المُختبَر – فأنني أقول لمَن سيبحث عنه – إن شاء الله – من الثوّار والمُناضِلين الأحرار ابحثوا عنه في الدولايب وفي الجدران، فهو حين يقول  “حيط حيط”  فهذا يعني أنه يختبيء في حيطان –  Walls – طبعاً، علماً بأنه غبي جداً، فهو من أغبى عباد الله، ولا تقل لي أنه داهية، هو غبي – مجنون غبي – وابنه أغبى منه، فابنه قال طز Tuz في العرب وطز Tuz في جامعتهم، وفي ثاني يوم أصدروا قرارهم ضده، فهل أنت تلعب السياسة كثيراً وتعرف السياسة ما هى؟  هل يُوجَد مثل هذا الكلام في السياسة؟ أنت تقول طز Tuz فيهم لكن هم طزطزوك، علماً بأن هذه الكلمة ليست عيباً، فالطز Tuz هو الملح Salts، وهناك مَن يعتقد أنها كلمة تركية، لكن الطز Tuz هو الملح، ففي  أيام الحكومة العثمانية كانوا يقفون -أي يُوقِّفون لأن هذا فعل مُتعدٍ ولازم، فوقف الشيئ ووقفه أي أوقفه، فأفصح من أن تقول لي أوقف هو أن تقول لي وقف، ووقف الرجل الدابة أي وقَّفها، ووقف الشرطي السيارة أي وقَّفها، فلا تقل أوقفها وإنما قل وقفها لأنها أحسن – القوافل ويسألون أصحابها – مثل الجمارك – ماذا عندكم؟ فأصحاب قوافل الملح كانوا يقولون طز Tuz، فيقولون له امشوا، لأن الملح  ليس عليه جمارك، فهو مادة تافهة وليست ذات قيمة، هو ليس ذهباً وليس فضةً، ولذا حين يقولون طز Tuz يُقال لهم امشوا، فبقيت  في وعي العرب أن طز Tuz تعني الشيئ التافه، فالشيئ الذي لا يُوقَف عنده ولا يأبَه به نقول له طز  Tuz، ومن هنا أيضاً يُقال ملِّح بالعامية، وإلى اليوم في ليبيا يقولون ملِّح أو اذهب ملِّح، بمعنى أن أمرك تافه وشأنك أقل من أن يؤبَه به، فكلمة ملِّح أخذوها من طز Tuz، فمن المُمكِن أنهم شعروا بالخجل من كلمة طز Tuz فقالوا ملِّح، والليبيون عندهم حس أدبي، وطبعاً  هم بدو ولذا يستحون من الأمور فلم يقولوا طز Tuz، وكلمة طز Tuz أيضاً لها علاقات بأمور ليست حسنة في الوحي العربي سيمانتيكياً أو دلالياً، فمن المُمكِن أن تدل على شيئ غير حسن، وعلى كل حال نرجع ونقول أين قاموس الطز اليوم يا سيف الإسلام؟ أين يا قذَّافي؟ قال لك سنُطبِّق وسننصاع بالكامل، فما هذا الذل؟ وقلت لأحدهم هذا – والله العظيم – موقف مُقزِّز، شعرت بالتقزز فعلاً، فأنا مُتقزِّز من القذَّافي ومن نظامه ومن ابنه، هذا شيئ مُقزِّز يا أخي، اجعل لك شخصية واجعل لك موقفاً واجعل لك كلمة.

يقول غيَّرنا خُطة تدمير بني غازي، وكأنهم هم الذين غيَّروا وليس مجلس الأمن، فهو يقول غيَّرنا الخُطة لأننا سوف نحاصرها فقط ولن ندخلها، وهذا شيئ سخيف جداً جداً جداً، لكن هذا هو ثمن الطُغيان.

نعود إلى ما كنا فيه، فهذا الرجل النزوائي أو النزوي  – يحيى العباسي – أخذته الحمية لأنه مجنون مثل القذَّافي فدعا بهؤلاء الزنج المُرتزِقة وهم أربعة آلاف وقال لهم تعالوا لكي تأخذوا الإنعامات والكرامات، لأنهم مثل مُرتزِقة اليوم، فالقذافي يُعطي ألف دولار في اليوم الواحد، وعلى كل حال قال لهم تعالوا وخذوا أموالكم، فجَّمعهم جميعاً – الأربعة آلاف – ثم أبادهم من عند آخرهم، سلَّط عليهم جيش من عشرة أو من عشرين رجل وقال لهم اذبحوهم كلهم فقد هتكوا أعراض المسلمات الهاشميات بنات عمي، ولكن بأمر مَن يا ملعون فعلوا هذا؟ بأمرك أنت لعنة الله تعالى عليك، فهذا جنون، كله جنون في جنون، وهذا فصل بائخ وخائب جداً من فصول الحكم الإسلامي في العهد العباسي التأسيسي من أول يوم، فطبعاً تحت هذه الورطات وتحت هذا الإجرام وتحت هذا الاستشراس وهذا التوحّش – كما قلت لكم هناك جرعة زائدة من الرعب أصابت العقل وشلَّته فصار في تراجع – قالوا لا نُريد أي فتن ولا أي مشاكل ولا علاقة لنا بالسيف، فنحن لا نُريد شق عصا الطاعة ولا نُريد الخروج على السُلطان، كله ممنوع ثم بعد ذلك أصبح مَن يفعل هذا ملعوناً، فنحن لا نُريد، لا نُريد، لا نُريد. 

والتجارب الخائبة للمُعارَضة أو لبعض أجنحة المُعارَضة كالخوارج كانت سيئة، وهذه التجربة خائبة، فالخوارج من يومهم كانوا خائبين لا لأنهم مُعارِضون فأنا أحترم الخوارج كمُعارَضة، أحترم مُعارَضة الخوارج لبني أمية ومُعارَضة الخوارج لبني العباس وأقرأ شعرهم وأدبهم، ويُوجَد أدب كامل للخوارج كقطري بن الفجاءة الذي قال

اقول لها وقد طارت شعاعا                     من الشعار ويحكي لا تراعي.

ترى اللي كاتبه ربي بياتي               ولو ما أسعى للحظي جاش ساعي.

فاقرأوا القطري وانظروا إلى هذا الشاعر الفذ النبيل، واقرأوا لأبي حمزة الشاري، هذا الخطيب العجيب الزاهد الناسك، فطبعاً كمواقف دينية تقوائية تُوجَد مواقف جيدة، لكن كمضمون سياسي لمُعارَضتهم يُوجَد فشل وخيبة، فلماذا؟ سنُحلِّل هذا، لأنهم أرادوا ذبح المريض ليُنقِذوه، مَن المريض؟ الأمة والشعب المظلوم المهضوم المسكين، فهم استباحوا الشعب نفسه، كأنهم يقولون أن الذي ليس معانا هو ضدنا وسوف نذبحكم اكما نذبح الحكّام وجيوش الحكّام، وهذا لا يصح يا خوارج، لكن بدأ الذبح في الناس والتكفير في الناس وذهبوا إلى ذبح العوام، فما هذا يا أخي؟ هذا لا يجوز، ولذلك علينا أن نتعلَّم وأن نستخلص درساً بالغاً ومُؤثِّراً من هذا، فما هو؟ في ظل ظلام وظلمات الفساد السياسي والخطر مَن يذهب وحده إلى ميدان السياسة دون الشعب – يذهب وحده كما تفعل كثير من أجنحة المُعارَضة عبر التاريخ للأسف الشديد – مُرشَّح أن يصير أحد رجلين، إما أن يكون ذيلاً للنظام القائم فيُبرِّر له ويعتذر عنه ويحرق له البخاخير – هناك الكثير من المُعارَضة أصبحوا كذلك في نهاية الأمر لذا هذا أمر عادي أن يحصل – وإما  أن يعود مُحبَطاً يائساً فيلعن السياسة وما اشتُقَ منها كما فعل محمد عبده حين قال لعنة الله على السياسة وساس ويسوس وسائساً ومسوساً، أي السياسة وما اشتُقَ منها شأنٌ ملعون، لكن هو ليس شأناً ملعوناً ولا تستطيع أن تتخلى عنها، أنت محكوم بها رغماً عنك ومن ثم لا تستطيع أن تتخلى عنها، فتخليك عن السياسة سياسة ولكنها خائنة وفاشلة، وهذا ما يجب أن ننتبه إليه للأسف.

نفس هذا الموقف الثاني الذي يلعن السياسة – موقف الاحباط واليأس والشعور بالخيبة والفشل الذريع والانجراح – هو نفسه موقف يتنكَّر للشعب ويُلحِق به اللعنات أيضاً والتباب، فيُقال الشعب أحقر من أن يُحدِث فرقاً، ويُقال أيضاً ماذا يستطيع أن يفعل الشعب؟ هو لا يستطيع أن يُحدِث أي فرق، هذا شعب حقير وهذه أمة ميتة وأمة مُخدَّرة، ثم يبدأ هذا المُتحدِّث يسب الأمة، وهذا غير صحيح، فالخطأ خطأك أنت، لأنك بأنانيتك ونرجسيتك وانتفاخك الفارغ ظننت أنك تستطيع أن تُحدِث فرقاً إذا ذهبت إلى السياسة وحدك، وأنت  لا تستطيع أن تفعل هذا، والذي فعلته الثورات المُبارَكة في ألفين وأحد عشر كان فيه الشعب هو الذي ذهب، ومَن ذهب فقد ذهب بالشعب ومع الشعب، فأحدثنا فرقاً سريعاً عجزنا عنه على مدى أربعة عشر قرن، لكننا أحدثناه بسرعة في أسابيع وفي أيام، فهذا هو الدرس البليغ الذي علينا أن نتعلَّمه وأن نتعلَّمه جيداً بعيداً عن نرجسيتنا كمُثقَّفين وكمُعارَضة وأصحاب موقف وكلام، وأحياناً يكون بعضه كلاماً فارغاً، لكن هذا أحياناً وليس في كل الأحايين، وعلى كل حال هذا هو الدرس البليغ، وهو أن نذهب مع الشعب وبالشعب، فهذه هى السياسة التي نحتاجها، وطبعاً بلا شك اليوم أصبحت مُمكِنة أكثر مما كانت عبر الأعصار الخالية بفضل وسائل الاتصال طبعاً، وأنا لا أتخيَّل أن ثورة سلمية كان يُمكِن أن تنجح في العصور الوسطى الإسلامية ولا حتى الأوروبية، هذا مُستحيل، الثورة السلمية كانت لا تنجح وإنما تُذبَح في مكانها ولا أحد يسمع بها، فيُذبَح مئات الألوف ولا أحد يسمع بهم إطلاقاً، لكن اليوم الثورة السلمية هى الأكثر قرباً من إمكانية النجاح من الثورة المُسلَّحة، لأن العصر اختلف، ولذلك علينا أن نقرأ – علماً بأنني أتحدَّث بالذات مع السلفيين أو الماضويين الذين يرون في الماضي بما هو مرجعية – لأن الماضي لا يُمكِن أن يكون مرجعية بما هو يا أخي، هناك أشياء كثيرة تتغيَّر، وعليك أن ترصد وأن تُلاحِق هذه المُتغيِّرات وأن تضعها بحسب وزنها النوعي في المُعادَلة، لأنها تُحدِث اختلافات ليست طفيفة أحياناً وإنما اختلافات كُبرى دراماتيكية ولذا يجب أن ننتبه، فالماضي بما هو ليس مرجعية مُطلَقة يا أخي، نعم يُستلهَم ويُستوحى ويُستشار ولكن لا يُعتمَد كمرجعية بقده وقديده، وقد خطر لي الآن وأنا أتكلَّم معكم مثال سريع وهو أن بعض الذين يُبرِّرون ويعتذرون عن مُعاوية بن أبي سُفيان يقولون لك كيف يا أخي هذا؟ كيف تنتقدون رجلاً ولّاه عمر بن الخطاب وولّاه عثمان بن عفان؟ هل أنتم أحسن من عمر وأفقه من عمر وأذكى من عمر؟ عمر ولّاه وانتهى الأمر، لكن ما دخل هذا في هذا؟ لو افترضنا أن الرجل حين ولاه عمر- وهذا الفرض صحيح – كان رجلاً مُستقيماً ويخاف أن يخرج كثيراً عن طاعة الله لأن هذا عمر يا حبيبي، فهو ليس عنده لحى مُمشَطة كما يُقال، عمر لا يُجامِل نفسه في الحق، ولذا كان مُعاوية ما شاء الله يلزم الحد رغماً عنه، لكنأيام مُعاوية اختلف الوضع ثم اختلف الوضع دراماتيكياً بعد ذلك، كشف عن قناعه أو كشف قناعه وكشف عن وجهه السافر القبيح، فاختلفت الحالة مثلاً، علماً بأن هذا لا يُقنِعهم وهم يُجادِلونك، فنرجع يا سيدي للدليل النصي الخاص بكم الذي يقول عمر ولّاه وعثمان ولّاه، فما معنى هذا؟ هذا ليس له أي دلالة، أخطأ عمر يا سيدي، أنا أستطيع أن أفترض لو أن عمر كان عنده نظر أبعد وكان أعمق في فهم البشر ونفسياتهم كان من المفروض أن يستبعد مُعاوية، لكن  عمر ليس إلهاً وليس نبياً يُوحى إليه.

انتبهوا الآن وسوف تُصدَمون بحقيقة تعرفونها وأنتم صغار، وأعتقد كلنا ونحن صغار قرأنا في درس الدين – الدروس الباهتة الخالية من المعنى – حديث ابن اللتبية، فنحن درسنا حديث ابن اللتبية في المنهج المصري ونحن صغار في الصف الخامس الإبتدائي، فالنبي بعثه عاملاً له –  ولّاه ولاية  – مُصدِّقاً – يأتي بالصدقات ومثل هذه الأشياء – فذهب الرجل وبعد ذلك رجع وقال هذا لكم وهذا أُهديَ إلينا، فغضب النبي جداً وقال له نحن ما ولّيناك على هذا، ما بال الرجل منكم نبعثه فيعود يقول هذا لكم وهذا أُهديَ إلينا؟ وإلى آخر الحديث، وذكر النبي أن كل شيئ تأخذه وتتغوَّله من مال الأمة ستُسأل عنه يوم القيامة من شاةٍ أو بعير أو بقرة أو أي شيئ، فسوف يأتي وتُحمَّله على عنقك، فإذن اتضح أن المُوظَف كان خائناً، والنبي هو الذي اختاره، فما المُشكِلة؟ النبي لا يُوحى إليه في كل شيئ، وفي الأشياء التي لا يُوحى إليه فيها هو عُرضة للخطأ، وهذا الموضوع كان محسوماً في وعي الصحابة وأنتم تعرفون هذا، كان محسوماً جداً ولذلك كانوا يُسارِعون ويقولون يا رسول الله هذا أمرٌ أمرك الله به أم هو الرأي والحرب والخدعة والمكيدة؟ قإذا قال أمرُ الله يمضون إلى أمر الله وإذا قال لهم رأيي يقولون له لأ فالرأي مُختلِف، وأنتم تعرفون هذه القصة التي جرت في مسألة غطفان بعد قريظة، وفي مسألة بدر قبلها وفي مسألة الحديبية، فهناك أشياء كثيرة تدل على أنهم كانوا يسألونه، وقد سأله السعدان في مسألة ثمار المدينة، سأله السعدان وقالا هذا وحي من الله أم رأيك؟ وذلك حين قالا يا رسول الله أمرٌ تحبه فتصنعه أم شيء أمرك الله به لا بد من العمل به أم شيء تصنعه لنا؟ فقال بل شيئ أصنعه لكم، فقالا لا نُريد، لا نُعطيهم إلا السيف، أي أننا لسنا مع رأيك يا رسول الله، فقال لهم أنتم وما اخترتم، إذن هذا هو الرسول،ورسول الله لم يتكيء ولم يستند يوماً إلى رصيده الملآن – رصيد الوحي – فيقول لهم أنا نبي يُوحى إلىّ ويأتيني خبر السماء وأنا نديم وجليس جبريل سفير السماء ولذلك عليكم أن تُطيعوني في صغير الأمر قبل كبيره من غير مُرادة ولا مُحاجة، لم يقل النبي هذا يوماً أبداً ولو لمرة واحدة، وإنما قال لهم صحيح أن عندكم الحق، ففي الوحي لا أنا ولا أنتم على صواب دائماً، أنا أصلاً لا أملك من أمري شيئ، قال الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ۩، فالله قال له لا يُمكِن حتى أن تدعي عليهم بما تُحِب، فحتى دعاؤك غير مقبول الله فلا تدع عليهم، فما هذا القرآن؟ اقراوا القرآن جيداً، قال الله  بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ۩ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ۩، وخذوا رؤيتكم من القرآن وليس من الطبراني وابن تيمية والجويني والغزالي مع احترامنا لهم في كل ما قالوا لأنهم ليسوا أنبياء معصومين، هم عندهم رؤية بشرية تُصيب وتُخطيء وهذا شيئ طبيعي هذا، وهذا محمد – صلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم إلى أبد الآبدين – أيضاً، فالمسألة كانت محسومة في وعي الصحابة، وقالو الوحي شيئ واجتهادك الشخصي يا رسول الله مع علمنا بوفور عقلك وشدة حرصك وعظم شفقتك علينا – قالوا نحن نعلم هذا ولكن لك رأيك ولنا آراؤنا – شيئ آخر، الله أكبر يا أخي، ما هذه التربية؟ ما هذا الجيل العجيب؟ ما هذا الجيل العظيم؟ ولذلك لم يخطر على بال أبي بكر ساعة من نهار بل لحظة من دهر أن يجعل ابنه خليفة من بعده،لا محمد ولا عبد الله ولا عبد الرحمن ولا غير هؤلاء أبداً، فهو لم يخطر على باله أن يفعل هذا مع أحد من أولاده، وسيدنا عمر كان عنده نفس الشيئ، ولما واحد قال له أن عبد الله بن عمر أحق بالخلافة من بعده قال له أنت ما قلتها لله، أي أنه يقول له أنت رجل كذَّاب وتُريد أن تلعب هنا وهناك، فأنت لم تقل هذه الكلمة لله، وإلا كيف اجعل ابني خليفة من بعدي؟ هذا مُستحيل ولن يحصل.

الإمام عليّ – عليه السلام – لما استُشهِد حين ضربه الملعون ابن ملجم قالوا له اجعل ابنك الحسين أو ابنك الحسن – أبو محمد – خليفة من بعدك فقال لهم أنتم أبصر،لا آمركم ولا أنهاكم، أي أن هذا شأنكم أنتم، فكيف أوصي وأقول ابني يُصبِح وريثاً؟ لكن نحن لدينا عليّ عبد الله صالح، فهذا ليس الإمام عليّ وإنما هو عليّ عبد الله صالح، وكذلك يُوجَد حسني مُبارَك، فهو ليس الإمام عليّ، فضلاً عن وجود القذَّافي،  قذَّافي الدم والنار والبطل المُجاهِد المجنون المهبول الذي قال زنجة زنجة ودولاب دولاب وحائط وحائط، فهؤلاء ليسوا كالإمام عليّ بن أبي طالب، هؤلاء يختلفون عنه ولذلك هم يضعون أولادهم طبعاً في المنصب، فعليّ لم يضع ابنه لأنه عليّ، فهو عليّ بن أبي طالب، وهذا شيئ لا يُصدَّق وشيئ لا ينسلك في الدماغ، وعلى كل حال هو قال لهم أنتم أبصر، لا آمركم ولا أنهاكم، فأبو بكركان يعلم هذا هو وعمر، أما عثمان فلم يكن عنده أي ولد كبير يستحق وعليه العين لكي يُعطيه مثل هذا لأنهم  كانوا ضعاف الشخصية وما إلى ذلك، وكذلك الإمام عليّ يعرف أن الأمة لن ترضى بهذا، فسوف تحدث – والله – مقاتل ومذابح، فكيف تضع ابنك في السُلطة؟ على أي أساس تفل هذا؟ فهذه أمة واعية، أمة رأت أن لها رأياً بإزاء مَن؟ بإزاء آراء محمد رسول الله، وقالوا له عندك آراء وعندنا آراء، عندك شخصية وعندنا شخصية، عندك مواقف وتقديرات وعندنا مواقف وتقديرات يا محمد، وهذه عظمة يا أخي، لكن كل هذا انتهى مع مُعاوية وأصبح تحت التراب، ومن ثم لا يرفع أحد رأساً.

روى البخاري في صحيحه – علماً بان من المُمكِن أن نكون قد ذكرناها في الخُطبة السابقة لأنني أصبحت أنسى – ما حدث لما قام يتكلَّم مُعاوية عن يزيد وما إلى ذلك وقال لهم مَن لم يُعجِبه كلام  ابني يزيد – يزيد  القرود والفهود والكلاب والنسانيس – وطبعاً يزيد الملعون مات بسبب قرد، عضه قرد فمات، أي مات ميتة قردية، عاش قرداً ومات ميتة قردية بفضل الله، الله يخيبه البعيد ويخيب مَن أحبه ويُحشره معاه – فليُطلِع لنا قرنه – هيا فليرفع رأسه لكي نراه وهو يتكلَّم – فلنحن أحق بهذا الأمر منه ومن أبيه، فهل أنت بهذا عن سيدنا عمر يا مُعاوية؟ علماً بأن هذا في البخاري، وعبد الله بن عمر كان يجلس فقال حبيب بن مسلمة لعبد الله أجبه يا عبد الله، أي أنه غص علينا بهذه الكلمة فقُم وجاوبه لأنه يقصدك أنت، فمُعاوية يقول أنا أحسن حتى من عمر، فمُعاوية هذا أبو يزيد، وعمر أبو عبد الله بن عمر، وعليّ أبو الحسن والحسين، وأبو بكر أبو محمد بن أبي بكر، وقد تقول لي مَن محمد هذا؟ هذا كان الساعد اليمين للإمام عليّ في حروبه وكان الوالي له على مصر، لكن كيف مات؟ قتله مُعاوية ووضعه في جلد حمار وأحرقه، واقرأ التاريخ طبعاً لكي تعرف هذا، اعرف تاريخك واعرف ماذا فعل مُعاوية في ابن سيدنا أبو بكر الصديق لأنه كان ضده مع الإمام عليّ، فقد وضعه في جلد حمار ثم أحرقه، أي أنه مات حرقاً بالنار لأن الأمر لم يقتصر على قطع رؤوس، فهذا مُعاوية أبو يزيد، فقد عرفناك من ابنك، ففي بعض الأحيان يُعرَف الواحد من أبيه وأحياناً يُعرَف من ابنه، فهذا الأب وهذا الابن، فما شاء الله على الأب وعلى الابن، فهذا هو يزيد بن مُعاوية قاتل الحسين وحارق مدينة رسول الله والكعبة، وعلى كل حال قال حبيب بن مسلمة لعبد الله بن عمر أجبه يا عبد الله، قال فحللت حبوتي – كان مُحتبياً – ووالله لقد هممت أن أقول له أحقُ بهذا الأمر يا مُعاوية مَن قاتلك وأباك على الإسلام، أي مُنذ متى أسلمت أنت وأبوك؟ يوم الفتح يا حبيبي تحت حر السيف، فأنت وأبوك من الطُلقاء الذين قال فيهم رسول الله اذهبوا فأنتم الطلقاء، فمَن الذي قاتلك طول حياته؟ أبي عمر بن الخطاب هو الذي قاتلك، لذا هو أحق منك ومن أبيك، قال فخشيت أن أقول كلمة – هذا في البخاري حتى لا تقل لي من أين أتيت به، هذا في صحيح البخاري – تسفك الدم وتُفرِّق الجمع ويُحمَل عني غير ما قلت، أي أن يكذبوا علىّ من خلال مثل هذه الحرب الدعائية الإعلامية كأن يُقال أن  ابن عمر قال كذا وكذا وهم لم يقل ما قالوا، وهذا كله من أجل أن تفعل بنو أمية فتنة، وإلى اليوم يقوم الحكام بعمل فتنة مثل القذَّافي الذي يقول أن الثوّار يقومون باغتصاب النسوان وهم يُكرِهون الناس على هذا، ثم يقول قال الله إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ ۩،وتعلَّمت – والله – بالأمس درساً لأول مرة أتعلَّمه في حياتي، حيث اتضح أن هناك شخصية لصحابي جليل إسمه ياسر بن عمَّار وليس عمَّاراً بن يسار، إنما ياسر بن عمَّار وظل يقول ابن عمَّار وابن عمَّار، والله أنزل أسباب نزول جديدة في ابن عمَّار الذي لم يُخلَق، ولا يُوجَد أصلاً رجل إسمه ياسر بن عمَّار لكننا تعلَّمنا درساً كبيراً، فهم كتبوا له المعلومة لكن الغبي لم يستطع حفظها، فاذهب واحفظ أولاً، على مَن تضحك أنت؟ والآن بدأ يتكلَّم بإسم ولم يرغب في أن يقول رسول الله – والله العظيم – بسبب الحقد والكراهية، فهو قال عمَّار بن ياسر – عفواً ياسر بن عمَّار كما قال لأنني لا أستطيع أن أُغلط لكن هو لا يُحسِن إلا الغلط ويُبلَع له الزلط – سب محمداً وقال له اعدل يا محمد، فلعنة الله عليك ولا حمد الله لك عاقبة، لا حمد الله لك ولمَن والاك عاقبة يا ملعون، هو مستكبر أن يقول رسول الله لأنه يُبغِضه ويكرهه، أربعون سنة وهو يكره الرسول ويتكلَّم عليه، وقد قال ما محمد هذا؟ هذا راعي غنم عند خديجة، أستغفر الله العظيم، وهل تعرف ماذا قال ذات مرة أيضاً للشعب الليبي؟ قال – وهذا مكتوب ومُسجَّل في خطاباته – أنت حر أيها الليبي، لك أن تتبع التوراة أو الإنجيل أو كونفوشيوس أو القرآن أو الكتاب الأخضر، أستغفر الله العظيم، فهو يُوحي للناس كما يُوحي رب العالمين إلى الرسل، فما هذا يا أخي؟ هذا غير معقول، ولذا اتضح أن عندنا  هذا الصحابي الجديد، فاكتبوه – إن شاء الله – وألحقوه بكتاب ابن عبد البر وبكتاب ابن حجر، لأنه صحابي جديد وهذه ترجمة جديدة، وذلك في سنة ثمانية آلاف وثلاثمائة وبضع سنوات، فهذا جديد ولم نكن نعرفه مع العلم أن الله أنزل فيه قرآن.

 انظر إلى الوعي والثقافة يا أخي، فهم عندهم ثقافة عجيبة، تماماً مثل وزير الثقافة المصري – شوف مصر تعلِّم الدنيا – الذي في يوم من الأيام قال المذاهب الإسلامية مُتسامِحة يا جماعة لكن أبو حنبة في مذهبه مُتشدِّد قليلاً، فالناس كلهم تساءلوا أين الإمام أبو حنبة هذا؟ لو أبو عنبة كان من المُمكِن أن نفهم، لكن مَن أبو حنبة؟ هو يقصد أحمد بن حنبل لكنها سُجِّلَت في رأسه أبو حنبة، فقال الإمام أبو حنبة، وهو وزير ثقافة في مصر التي تعلِّم الدنيا كلها الثقافة، والحمد لله مصر الآن عاد ميزانها إلى سوائه، فلما يقف رئيس أعظم دولة في العالم – باراك أوباما Barack Obama المُثقَّف الهارفاردي ويقول أرجو أن نُبدِّل في مناهج التعليم حتى يصير أطفال أمريكا كأطفال مصر فهذا – والله – يرفع الرأس، أُقسِم بالله هذا الكلام رفع رأسي أنا كعربي، كأنه يقول أين نحن منهم؟ نحن نُعتبَر صفراً إذا قسنا حالنا بمصر، الطفل الأمريكي طفل ضائع والشاب الأمريكي شاب تافه، لكن انظروا  إلى شباب مصر وإلى أطفال مصر، فغيِّروا وبدِّلوا مناهج تعليمكم التعيسة هذه حتى يصير أطفال أمريكا مثل أطفال مصر، ولك أن تتخيَّل هذا، وهو شيئ لا  يُصدَّق!

 بيرلسكوني Berlusconi سيء الذكر وصاحب المُغامَرات الجنسية التي يقوم بها كل يوم، فهو تعيس وبائس ولكنه حكى كلمة حق وقال ما الذي يحدث في مصر؟ لا يحدث في مصر شيئٌ جديد، مصر تصنع التاريخ كالعادة، وهذه كلمة عظيمة، فهو قال أن مصر تصنع التاريخ طوال حياتها، فغير العادي وغير المفهوم هو ما حدث في فترة مُبارَك والسادات وعبد الناصر وأمثالهم، فهذه الفترة كانت غير عادية وكانت مُجرَّد استثناء، فلماذا إذن؟ لأن عبد الناصر وضع  لنا السُم في أدمغتنا وقال أننا غير راشدين وغير مُهيَّأين وغير جاهزين للديمقراطية، وهذا جيد ما شاء الله يا عبد الناصر لكن هناك سؤال يطرح نفسه وهو هل أنت الوحيد الاستثناء – Exception – المُهيَّأ لأن تحكم أربعين أو خمسين مليون من البشر؟ من أين أتيت بهذه التهيئة وهذا الوعي وهذه الاستثنائية الفاقعة وأنت فلاح ابن فلاح وأنت حتى عسكري لأن ليس عندك شهادة جامعية ولم تُؤلِّف كتاباً مثل بقية الناس ولا تعرف كيف تتكلَّم؟ علماً بأنني أستغرب من الذين يسمونه خطيباً، أُقسِم بالله من صغري أستغرب من هذا، وأول خطاب سمعت لعبد الناصر خطاباً قلت هل هذا يُسمونه خطيباً؟خطيب ماذا؟ هذا كلام فارغ يُضحَك به علينا لكن أنا لا أُحِب أن يضحك علىّ أي أحد،
فالصوت ليس كصوت الخطباء، يقول خلقت فيكم العزة والكرامة بصوت ليس كصوت الرجال، ليس هكذا تكون الرجولة وليس هكذا يكون الخطاب، ومع ذلك يُقال هذا خطيب، خطيب ماذا يا أخي؟ فضلاً عن أن كل كلامه كان مليئاً بالأخطاء النحوية والصرفية، فهو لا يستطيع أن يتكلَّم بالعربية الفصحى ومع ذلك يتفصحَن ويأتي كل كلامه بطريقة غالطة، ورغم هذا يُقال أنه خطيب، لكن هذا ليس خطيباً، هذا كلام فارغ يضحكون عليكم به، فهم يضحكون علينا طوال حياتنا وهذا شيئ يُجنِّن، ومن المفروض أن يكون عندنا عقول لا تقبل الزيف والكذب، فتنفيه ولو كل العالم أجمع عليه وتقول هذا زيف، فهو يقول أننا  غير مُهيَّأين  للديمقراطية وهذه الأكذوبة  مُستمِرة إلى اليوم، حيث يُقال أن  الشعوب العربية هى شعوب طفلة، فهى غير راشدة وقاصرة ولذا تحتاج إلى مَن يُدير أمرها كما تُدار شؤون الطفل الصغير، وهذا أمر عجيب، ولذلك منطق عبد الناصر والطُغاة إلى اليوم وآخرهم القذَّافي – وإن شاء الله يكون آخر واحد هو وصالح ومَن هم على شاكلتهم – ما هو؟ منطقهم يقول لا عليكم، نحن نُفكِّر عنكم ونتصرَّف عنكم ونُسالِم عنكم ونُحارِب بكم فتموتون ونحيا، في الحرب سوف تحاربون وتموتون، لأننا لن نُحارب عنكم طبعاً لا نحن ولا أولادنا، ولكننا سوف نُسالِم عنكم، سوف نُعطي الغاز لإسرائيل بالمجان عنكم، ونجعلكم تصفون في طوابير الخبز وتموتون ويطحن بعكم بعضاً، فنحن سوف نفعل هذا، أما إسرائيل ستأخذ الغاز شبه مجاني ونحن سوف ندفع ثلثي الفرق في السعر، أو بالأحرى سوف يدفعه الشعب المصري وسوف يُطحَن في طوابير الخبز – هذا شيئ لا يُصدَّق – طبعاً، لكن عندما تحدث أي حرب سوف نُحارِب بكم ولن نُحارِب عنكم فتموتون ونحيا ونبقى، فأي منطق هذا يا أخي؟

وإذا تكون كَريهةٌ أُدعى لها                        وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدعى جُنْدَبُ.

هذا منطق العرب الذين يقولون:

وإذا تكون كَريهةٌ أُدعى لها                        وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدعى جُنْدَبُ.

فهم يقولون لنا تعالوا وحاربوا فالوطن مُهدَّد بالانقسام ويجب أن نُحافِظ على وحدة التراب، لكن مَن الذي يُهدِّد التراب الليبي؟ مَن الذي هدَّد بتقسيمه؟ علماً بأن الخطر –  ونسأل الله اللطف – أصبح أشد، ونحن لا نكتفي بالحظر الجوي، لابد من ضربات مُركّزة وعنيفة تسحق كل معاقل القذَّافي والموالين له في سبها وفي سرت القرضابية وفي العزيزية وفي كل مكان، ويُترَك المجال بعد ذلك للثوّار البواسل المجدة الباذخين الأبطال، فقد أذهلونا فعلاً، والله العظيم يا شعب يا ليبي لقد أذهلتنا، فلك المجد كل المجد، أُقسِم بالله على هذا، فما هذا الليبي يا أخي؟ ما هذه البطولة؟ وأقول بكامل المرارة والفخر للذين استهزأوا بالثورات في تونس وبالذات في مصر وقالوا ثورة رقّاصين وثورة طبّالين وثورة حفلات زار أننا لن ندافع عن مصر، فمصر تُدافِع عن نفسها والحدث يُدافِع عن نفسه، ولكن نسيَ طبعاً مئات العيون التي قُلِعَت ومئات الشهداء، ووالله لو فُرِضَ على المصريين ما فُرِضَ على الليبيين ما كعوا ولا تراجعوا ولأعطوا الشهداء بالملايين أيضاً وأنا واثق من هذا وأُقسِم بالله عليه، ولكن الله لطف بهم، قسماً بالله  لطف بهذا الشعب المسكين فعلاً، فالشعب ظُلِم كثيراً والله انتقم له ولطف به، فهذا لطف إلهي، أما الشعب الليبي فقد أراد – ما شاء الله – أن يرد على هؤلاء المُتهوِكين والشامتين الغاضبين بكل صراحة من تحرّر الأمة ومجدها اليوم، فهم غضبوا لأنهم لا يُريدون هذا، ولا أعرف ما الذي سيحدث ولكننا سنُحاوِل أن نُقدِّم تحليلاً سيكولوجياً سريعاً الآن، فهم غاضبون ولذا يستهزأون، لكن جاء الشعب الليبي العظيم الماجد الباذخ رفيع القامة ليرد على هؤلاء الساخرين ولكي يسخر منهم ويقول لهم أن الثورة ليست نُزهة، أن تذهب إلى ثورة ليس معناها أنك تذهب إلى نٌزهة Picnic، فالذهاب إلى الثورة يعني ضمن ما تعني الثورة الموت والتكسير والتحطيم والعذابات وفقد الأطراف وفقد الأبناء والبنات والزوجات والأزواج زتهديم البيوت والحرق والانصهار، هذه هى الثورة فهى ليست لعباً، فكيف تسخر من الثورة وتدّعي أنك أعلم من الشعوب وتتندَّر بها؟ تندَّر على خيانتك وعلى خبالتك وعلى خيبتك.

مَن هم الذين  يرون أنفسهم مدفوعين وملزوزين لفهم الطُغيان؟ أي مَن هم الذين يروا أنهم غير قادرين على فهم منطق الطغيان؟ مَن هم هؤلاء؟ الأحرار، وأنا أرى أن الأحرار بالذات هم أكثر الناس الذين لا يستطيعون أن يستوعبوا ولا أن يفهموا فضلاً عن أن يتفهموا موقف الطاغية وعقلية الطاغية ونفسية الطاغية، ونحن دائماً نُحاوِل أن نفهم ما ليس من صنفنا وما ليس من طبيعتنا، ولذلك أقدر الناس على فهم الطاغية مَن؟ الطُغاة، فالطاغية الذي يكون مثل الطاغية الآخر هو أقدر البشر على أن يفهم الطُغاة، ولكن رجل الحرية الحر الماجد الباذخ لا يستطيع أن يفهم المسكين، وفي بعض الأحيان يموت بالكمد من إحباطه، فكيف يحدث هذا؟ لأنه حر وبالتالي لا يُمكِن أن يفهم هذه العقلية وهذه النفسية، أما الذي يرى أنه قادر على أن يفهم ويتفهم هذا – انتبهوا لأنه درس مُهِم – ويقول لماذا غضبتم؟ لماذا تموتون؟ لماذا تُؤلِّبون الناس؟ لماذا تصرخ يا عدنان أنت وأمثالك على المنابر وعلى غيرها؟ ما الذي يحصل؟ هؤلاء هم الذين يتسانخون ويتجانسون –  من نفس السنخ – مع الطُغاة وهم طُغاة مع وقف التنفيذ إن لم يكونوا الآن أدوات وأحذية وهراوات بيد الطُغاة، أي أزلاماً وأذناباً لهم، ولذلك هؤلاء يقتربون ويقتربون حتى يتماهوا مع الطاغية والطغيان تماماً، فهم طُغاة نائمون كما يقولون إرهابي نائم Sleeper، فهم طُغاة نائمون وطُغاة مع موقف التنفيذ، وهؤلاء هم مدد الطُغيان والعياذ بالله، والدرس المُهِم الآن هو أن بإزاء الطُغيان لا تُوجَد حالة ثالثة، إما أنك مع الطُغيان أو ضد الطُغيان، فإذا قلت لي لا يا أخي لأنني  لست مع ولست ضد سوف أقول لك هذا كذب، أنت تكذب على نفسك وتكذب علينا،وكل مَن يقول لست ضد الطُغيان هو مع الطُغيان، فلماذا إذن؟ لأن طبيعة الطُغيان ليست طبيعة سلبية – Passiv أو Aktiv – لأنه ينتشر بشكل سرطاني تشععي انشطاري، فالطُغيان كالسرطان يأكل كل ما حوله ولا يُبقي ولا يذر لأن الطُغيان كالنار، فشرارة واحدة من النار من المُمكِن أن تحرق مدينة فيينا كلها لو ترِكت، وهذا أمر عادي، وإذا نظرت بعد عشرين فلن تجد شيئاً باقياً  في فيينا، وهذا كله بسبب شرارة واحدة، وكذلك فرد واحد يحكم في مائة مليون من المُمكِن أن يذبحهم كلهم وأن يُحيل حياتهم جحيماً – أُقسِم بالله – مُستمِراً، فقد يُوجَد ثمانون مليوناً أو مائة مليون وهو واحد لكنه مثل الشرارة فإذا تُرِك سوف يُدمِّر كل شيئ، لأن هذه طبيعة الطُغيان، لأنهت مثل طبيعة النار ومثل طبيعة السرطان، فلا يُوجَد رجل عاقل أو عنده مسكة – كما يُقال – يتمسَّك بها من عقل يقول هذه النار بدأت تلتهم منزلي وقد التهمت الباب الخارجي لكن لا علاقة لي بها، أنا لست ضدها ولكنني لست معها أيضاً، أنا لن أُزكيها ولكنني لن أُحاوِل إطفاءها لأنني لست معها، هذا لا يُمكِن أن يُقال، وهذه عما قريب بعد ساعة أو ساعتين سوف تأكل أولادك وأهلك وفي نهاية المطاف سوف تأكلك ضمن ما تأكل، وهكذا الطُغيان أيضاً، فلا تقل لي ليس لي علاقة لأنني مُحايد Neutral، فأنت كذَّاب وأنت طاغية لأن بسكوتك تخدم الطُغيان وتُعطيه جوازاً للعبور وتقول له امش ومُر بسلام  فلا علاقة لي بك، كأنك تقول احترق أيها الشعب، أيها الطُغيان أحرق  الباقي وائت على البقية المُتبقية، وهذه جريمة طبعاً، ولذلك هؤلاء لن يُغفَر لهم بين يدي رب العالمين ولن تغفر لهم الشعوب هذا إن غفرت لهم ضمائرهم إذا عندهم بقية ضمائر، فلن يغفر لهم الله هذا.

الغرب يتبجَّج علينا الآن ويُقال طبعاً لنا أنتم مساكين وأنتم قروسطيون، فأنتم تعيشون بعقلية القرون الوسطى  – Middle Ages أو Mittelalters –  لكن نحن نعيش بعقلية ومزاج الأعصار والعصور الحديثة Modern، لكن كيف هذا؟ يقولون لنا أنتم تنتمون إلى نموذج إسمه نموذج الواجبات – وهذا صحيح هذا – وبالتالي كل عقليتكم تدور على ما الذي ينبغي علىّ أن أفعله؟ ما الشيئ اللازم القيام به؟ ما الواجب علىّ تجاه الله وتجاه النبي وتجاه أمتي وتجاه الحاكم وتجاه أسرتي وتجاه زوجتي وتجاه زوجي وتجاه أولادي وتجاه المُجتمَع؟ لكن أين حقوقك؟ هذه طبيعة العصور الوسطى، وفعلاً النموذج السائد –  Paradigm أو Paradigma – وقتها كان نموذج الواجبات مع القليل من الحقوق، لكن هذه الحقوق كانت قليلة، لكن اليوم في العصر الحديث يُوجَد نموذج – Paradigm – مُختلِف، وهو أن تأتي الحقوق أولاً ثم بعد ذلك تأتي الواجبات، ومن ثم يُقال لنا أنتم مُتخلِّفون، لكن أنا أقول لهم بالعكس نحن لدينا بحس الرؤية الإسلامية القرآنية نموذج – Paradigm – مُخيف وعجيب جداً جداً جداً، أكثر ما تفخرون وتتمجَّدون بتوصيفه على أنه حقوق لكم – أكثره حقيقة- في المنظور الإسلامي المحض الصرف هو واجبات وليس مُجرَّد حقوق، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، فهو بمثابة واجبات لدينا، لكن كيف هذا؟ وما الفرق؟ الحق قابل للإسقاط  – هذه  قاعدة في القانون وقاعدة في الفقه أيضاً عندنا، فهى قاعدة مُشترَكة بين القانون الوضعي وبين الفقه الإسلامي – والساقط لا يعود، فإذا كانت المُعارَضة حقاً لك قد تقول نعم من حقي أن أُعارِض السُلطة الظالمة لكنني لن أُعارِضها لأنني لا أُريد أن أتسبب فيوجع رأسي، وهذا ما يحصل عندهم، لكن عندنا في الإسلام ليس الأمر كذلك يا حبيبي، فعندنا من الواجب عليك أن تُعارِض السُلطة الظالمة، والحديث الذي ذكرته لكم يُؤكِّد هذا، وكنت أرغب في أن أُعاوِد التذكير به لأنه يعجبني كثيراً، فهذا هو قول محمد والأحاديث الدالة عليه كثيرة، بل هى سلسلة أحاديث كاملة،  ولكن هذا حديث الطبراني في الصغير وفي الكبير وهو حديث مُعاذ حيث قال عليه الصلاة وأفضل السلام خُذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه – لا تسكت عن كلمة الحق من أجل المال والراتب الشهري فهذا ممنوع – ولستم بتاركيه تمنعكم الحاجة والفقر، ألا أن رحى الإسلام دائرة ألا فدوروا معها، ألا أن الكتاب والسُلطان سيفترقان – مع مُعاوية – ألا فدوروا مع الكتاب – أي كُن مع الكتاب، وهو القرآن المجيد الذي هو فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ۩ فلن تضيع ولن تنتهي إلى أخدود تُحرَق فيه أنت وأمتك، لذا دُر مع الكتاب المحفوظ المجيد -، ألا أنه سيكون عليكم أمراء – انتبهوا فهؤلاء مثل القذَّافي وزين العابدين ومُبارَك وفلان وعلان ومُعاوية طبعاً وكل البقية – يقضون لأنفسهم ما لايقضون لكم – أي حلالٌ لهم وحرام عليكم وهكذا – إن أطعتموهم أضلوكم – على جهنم – وان عصيتموهم قتلوكم, فإذا أطعته سوف تذهب  – والله العظيم – على مع جهنم معه، وأنا أقول لك وأضمن لكم وأُقسِم بالله العظيم – قسماً بالله الذي لا إله إلا هو – وأنا على منبر رسول الله أن لن ينفع هؤلاء الذين يفتون للظلمة قتلة الشعوب وقتلة الأطفال والنساء وهتكة الأعراض – والله العظيم لن ينفعهم – لا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا لحى ولا بكاء ولا صلاة تراويح وما إلى ذلك وهم من أعوان الظلمة لأن الله قضى بأنهم سيحشرون معهم يوم القيامة، فإن كنت كذلك ستُحشَر معهم، والنبي قال ثلاثٌ أُقسِم بالله عليهن،  ونحن نقول ما كنت محوجاً أن تُقسِم يا أصدق عباد الله، لكنه قال أنا أُريد أن أقسم مثلما أقسمت أنا الآن من أجل الهُبل والمُغفَّلين والمُستحمَرين –  حشاكم وحشاكن – لكي يفهموا ولكي لا يُستغفَلوا، وهذا معنى أنه قال أُقسِم بالله عليهن، ثم قال وما تولى رجلٌ قوماً إلا حشره الله معهم يوم القيامة، فإذا قلت أنا من أولياء القذَّافي وأُدافِع عنه وقلت كذا وكذا لكنك تُصلي وتصوم وتُعطي فسوف يُقال لك من الجيد أنك تُصلي وتصوم والله لا يُضيع  أجر مَن أحسن عملاً لكنك ستُحشَر مع القذَّافي وستُدخل مُدخَله يوم القيامة طبعاً، قال الله  يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ۩، وقال أيضاً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ۩، أي أهم تعمدوا الخطيئة ولم يُخطئوا هكذا عفوا، ولذا قال  خَاطِئِينَ ۩، فأنت تفهم ماذا تفعل ومن ثم لن تنفعك لا الصلاة ولا الصوم ولا أن تقول امرأتي مُحجَّبة – بل اجعلها ترتدي النقاب وأيضاً لن  ينفعك والله العظيم ولن ينفعها إذا رضيت بك – فهذا كله كلام فارغ،  واسمع كلام محمد – عليه الصلاة والسلام – العجيب يا أخي، فهذا هو الثائر الأكبر في التاريخ، لا تقل لي روسو Rousseau ولا مونتسكيو Montesquieu ولا جيفرسون Jefferson ولا كل هؤلاء، هذا كله كلام فارغ، لكن هذا محمد يا حبيبي، أُقسِم بالله أنه مُعلِّم الثوّار ومُلهِم الشعوب عبر العصور من ورائه، قال  إن أطعتموهم أضلوكم – سوف تذهبون على جهنم معهم –  وإن عصيتموهم قتلوكم، أي أنهم سوف يذبحونكم، فالنبي قال أنه يعرف بالوحي وأنهم سوف يذبحونكم لأنهم قتلة ومُجرِمون، فقالوا فما نصنع يا رسول الله؟ أي ماذا نفعل في هذه البلية؟ ماذا نصنع؟ قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم، نُشِروا بالمناشير وُحمِلوا على الخُشب – أي الصُلبان، فهم صُلِبوا وهم أحياء ولكم أن تتخيَّلوا هذا، وهذا يعني أنهم لم يكعوا ولم ينكصوا ولم يتردَّدوا، والذي نفسي بيده – قال انتبهوا واسمعوا، فحتى لو نشروكوا وحتى لو صلَّبوكوا لا ترجعوا، وأنتم الشهداء – لموتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياة في معصية الله، محمد يتحدَّث هنا فلا تقل لي وإن ضرب ظهرك أو وإن جلد ظهرك وأخذ مالك وتقول لي أن المُتحدِّث هو محمد، لا ليس محمداً، هذا كذب، هذا مُحدِّث بني أمية يتحدَّث، حتى وإن كان في مسلم وفي البخاري، فهذا – والله العظيم – لا يعنيني، هل تعرفون لماذا؟ أُريد أن أختم بهذه الكلمة المنهجية لأنها مُهِمة جداً في علم الحديث وفي علم نقد المتن الذي يتحدَّث فيه بعض العلماء لكن الحديث ليس مُستفيضاً جداً للأسف الشديد، ولابد فيه من بعج وبسط ومد، فلازم على علماء الحديث ودارسي الحديث أن يضعوا بنداً جديداً ضمن بنود نقد المتن الحديثي في نقد الأسانيد، فمن المُمكِن أن يكون السند بنسبة مائة في المائة صحيحاً والمتن يكون تالفاً بنسبة مائة في المائة، وهناك أمثلة على هذا لكن الوقت يضيق عندها، فقد يكون السند صحيحاً لكن المتن يكون بنسبة مائة في المائة غير صحيح، ولذا يجب أن تنتبه لأن هذا يحصل، فلا تقل لي عندي السند وهو سند صحيح ومن رجال الشيخين، فهذا لا يعنيني، يجب أن أنظر إلى المتن يا حبيبي، فهذا المتن قد يخالف الله ويخالف القرآن مُخالَفة صريحة ويخالف ثوابت القرآن الكريم أو يخالف سُنن التاريخ والاجتماع أو يخالف تجربة التاريخ وهذا بند جديد أُريد أن أقوله، فمن غير المعقول أن محمداً – عليه السلام – يُشرِّع شيئاً ويُقرِّر شيئاً لكن يُبرّهِن التاريخ عبر أربعة عشر قرن في كل مرة أنه غلط، ومع ذلك تقول لي هذا حديث صحيح وأُريد أن آخذ به، فهل أنت أهبل؟ ألم يكن كافياً لأربعة عشر قرناً أن تُفهِمك أنه غير صحيح؟يا أخي ببساطة ارجع وقل هذا الحديث موضوع حتى ولو كان في ألف بخاري، من المُؤكَّد أنه كذب، فمحمد لا يقول مثل هذا الكلام، فضلاً عن أن القرآن لم يقله ولذا من الصعب أن يقوله محمد، فلو نجح كلام محمد – عليه السلام – المنسوب إليه سوف نقول هذا صحيح لكنه فشل على مدى أربعة عشر قرناً، ولذلك على المشائخ اليوم الذين يقولون سُلطان غشوم ولا فتنة تدوم والفتنة نائمة ومثل هذا الكلام الفارغ أن يتراجعوا، فالحرية عندهم فتنة والاستبداد أمان ما شاء الله، لكن الحرية فتنة، في حين أن أعظم فتنة هى الاستبداد، وعلى هؤلاء أن يفتحوا أعينهم جيداً، وهناك نصيحة – والله العظيم – من أخ صغير صغير لهم أقول لهم فيها افتحوا أعينكم جيداً، الشعوب لا تنتظركم، شعب تونس وشعب مصر وشعب ليبيا – والله العظيم – لم يثر بفتوى ولم ينتظر فتاوى ولم يسمعى فتاوى الموالي هنا وهناك، هل هم استمعوا إلى هذا؟ هم ثاروا فهل  تعرفون لماذ؟ لأن هذه الفتاوى بالذات لا تصلح لسببين، فهى تُخالِف التاريخ – تُخالِف تجارب التاريخ كلها الإسلامية وغير الإسلامية – أولاً وتُخالِف الطبيعة ثانياً، لكن ما المقصود بالطبيعة؟ الطبيعة البشرية، فالله خلق الإنسان حراً لا يرضى بالاستعباد أبداً، ولابد أن تأتيه لحظة يتبرَّد كما قال روسو Rousseau مرة، فقد قال أن الله خلق العقل حراً، ولو أراد أن يكون مُستعبَداً ما استطاع، فهو بطبيعته حر، من المُمكِن أن يعطيك كلاماً كذباً لكنه في نهاية المطاف سوف يقول لك كلامك كله غلط وأنا غير مُقتنِع بكل كلامك، وكذلك الإنسان في داخله طبيعته حرة، فأنتم بهذه الفتاوى التالفة البايخة فعلاً والباهتة تُخالِفون طبيعة البشر وتُخالِفون حقائق ووقائع التاريخ، تخلوا عن هذا المنظار البائس – هذا أفضل لكم – حتى تحترمكم الشعوب إن بقيَ لكم نزرٌ من احترام الشعوب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

مُحزِن ومُؤسِف أن يصل الحال بهذه الأمة أن علماءها الكبار وأئمتها يُعيِّرونها بالعدل والإنصاف عند الكفّار، ابن تيمية في القرن الثامن الهجري يقول الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة المُؤمِنة إذا كانت جائرة، فكان يُعيِّر المسلمين بأحوال العدل عند الكفّار في وقته وهذا شيئ مُؤلِم جداً جداً جداً، أما محمد عبده في القرن التاسع عشر لما زار أوروبا قال وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، وفي بلادي وجدت مسلمين بلا إسلام، أي أننا مُسلِمون بالإسم، وإلا أين الإسلام؟ الإسلام في أوروبا، وهذا شيئ مُحيِّر!

عبد الرحمن الجبرتي صاحب عجائب الآثار ومُؤرِّخ الثورة الفرنسية ومُؤرِّخ مصر في تلك الحقبة كان يتحدَّث بمرارة عن وقائع العدل والإنصاف في بعض القضايا التي رُفِعَت إلى المحاكم الفرنسية المُستعمِرة ولكن في ظل ما استقر في عقله وذهنه من وقائع الظلم السافر الفادح في العهد المملوكي الذي كان يجثم على صدور المصريين وفيهم الجبرتي – ظلم رهيب – رأى أن الفرنسيين أعدل، فهم أكثر عدلاً وهم مُستعمِرون، واليوم يحدث نفس الشيئ، لكنني أقول للشعب الليبي لا تأس يا شعبي، يا أحبابنا ويا أبطالنا لا تأسوا ولا تحزنوا لأنكم طلبتم النُصرة والمعونة من الغرب ومن مجلس الأمن وأنا أطلب هذا أيضاً وأُبارِكه والله العظيم، هل تعرفون لماذا؟ الوضع مُختلِف – مع كل احترامي لكل وجهات النظر بالله العظيم – الآن، فحتى حين تتحدَّث عن ثورة الفيتناميين وعن اثنين وثمانين – بيروت اثنين وثمانين – وعن غزة ألفين وثمانية وألفين وتسعة وعن جنوب لبنان تموز ألفين وستة وعن وعن فإن الوضع – والله العظيم – يظل مُختلِفاً، فأنا مع لعني لإسرائيل إلى أبد الآبدين وهي عدوي الأكبر والأول أقول أن من المُمكِن أن يُوجَد في نهاية المطاف حد مُعيَّن تقف عنده إسرائيل وهذا لبقايا صورتها في العالم، لكن في حالتكم مع القذَّافي أنتم مع رجل – بالله العظيم – لا يعرف حداً يقف عنده، والشعب الليبي لم يطلب النُصرة إلا وقد تقرَّر لديه وتأكَّد بألف بُرهان أن الرجل لا يمتنع فعلاً من قتل آخر طفل ليبي في آخر زنجة زنجة ودولاب دولاب لكي يبقى في الكرسي، فهو حالة شاذة  – Abnormal – وغير مسبوقة أبداً في التاريخ إلا في حالة نيرون Nero الذي أحرق روما وجلس يستمع إلى الموسيقى على حريقها وشوائها، ولذلك نطلب النُصرة من أمريكا وأستراليا  وفرنسا وأوروبا ومن كل أحد ليذهب هذا الجحيم لأننا لن نرى أسوأ منه.

اللهم أبدلنا خيراً منه، اللهم أدل عليه الدولة، اللهم أدل دولته وثل عرشه، اللهم اهتك ستره وافتح قبره واجعله للعالمين عبرة بحقك وقوتك يا قوي، يا مجيد، يا ذا الجبروت، يا ذا المُلك الذي لا يُضام والعزة التي لا تُرام، يا رب العالمين، اللهم أحصه  ومَن معه ومَن شايعه ومالآه علينا عدداً، اللهم ودمِّرهم بدداً ولا تُغادِر منهم أحداً، اللهم ارحم شعبنا وإخوتنا وعبادك المُوحِّدين في ليبيا يا رب العالمين، اللهم ارحم ضعفهم، اللهم انصرهم على مَن عاداهم، اللهم ارحم شهداءهم وأعل مقامهم في عليين، اللهم آس جراح جرحاهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم وارحم شعوبنا جميعاً وأمتنا وإخواننا وأبرم لهم أمر رشدٍ تُعِزّ فيه أولياءك وتُذِلّ فيه أنوف أعدائك برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

 (19/3/2011)
http://fb.me/Dr.IbrahimAdnan

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: