إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

 

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 

يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا ۩ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ۩ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.

أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الكريمات:

أخرج الإمام الترمذي في جامعه وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ عن أم المُؤمِنين أم سلمة – رضيَ الله تعالى عنهن وأرضاهن أجمعين -، قالت لما نزلت هذه الآية  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ۩ – وهي في الواقع شطر آية، هي الشطر الأخير من هذه الآية من سورة الأحزاب – دعا النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – بفاطمة وبالحسن والحُسين والإمام عليّ – عليهم السلام أجمعين، ورضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم -، فجلَّل عليهم بكسائه – أي جلَّلهم، يُقال جلَّله وجلَّل عليه، فجلَّل عليهم بكسائه، ولذلك يُعرَف هذا الحديث الجليل بحديث الكساء -، وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، فأذهِب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً، آمين.

فاطمة والحسن والحُسين والإمام عليّ – عليهم السلام أجمعين -، إنهم أهل بيت رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وهم عين هؤلاء الآل المُكرَّمين، هم عينهم، هم النبعة المُكرَّمة والمحتد الماجد، الذين قال فيهم النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنا سلم لمَن سالمهم، وحرب لمَن حاربهم، قال أنا سلم لمَن سالمهم، وحرب لمَن حاربهم، حُبهم علامة الإيمان، بُغضهم علامة النفاق، لا ريب!

لا يُبغِض أحداً أو واحداً من أهل البيت هؤلاء أو ذراريهم المُبارَكين الصالحين إلا مُنافِق – والعياذ بالله -، فكيف بمَن يقتلهم، ويسفك دماءهم، ويتسوَّر على حُرمتهم، ولا يرعى لله ولا لرسول الله فيهم إلاً ولا ذمةً؟ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ۩.

هؤلاء أهل بيت رسول الله، الذين أنزل الله فيهم هذه الآية، والذين أنزل فيهم أيضاً آية المُباهَلة، آية عجيبة، جاء وفد نصارى نجران – جماعة من الأساقفة – إلى النبي، جماعة من الأساقفة اختُلِف في عدتهم جاءوا إلى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وأطالوا جداله في هذه المسألة، قالوا يا محمد أتزعم أن عيسى عبد الله؟ قال نعم، هو عبد الله ورسوله، قالوا ينبغي له ما هو فوق ذلك، هو أكثر من أن يكون عبداً، هو أعظم من عبد، فجادلوه وأكثروا جداله، حتى ورد في بعض الأخبار أنه قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – وددت لو أن بيني وبينهم ناراً، أي بينه وبين نصارى نجران، لكثرة وشدة ما جادلوه – صلوات ربي وتسليماته عليه -.

المُهِم بعد ذلك نوى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن يُلاعِنهم، أن يُباهِلهم باللعنة، وهذا معنى قوله – تبارك وتعالى – فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ۩، الابتهال هو الدعاء، أي ثم ندعو، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ۩، والعياذ بالله، فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ۩.

ولذلك – أيها الإخوة والأخوات – أبى هؤلاء أن يُباهِلوا رسول الله، حتى قال أحدهم لبقية الجماعة من هؤلاء الأساقفة والله الذي لا إله إلا هو لو أننا باهلناه وإنه لنبي لما أفلح واحد منا ولا عقبه، لن نُفلِح لا نحن ولا ذُرياتنا.

وفي صحيح البخاري قال حبر الأمة ابن عباس – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين ، قال لو أن نصارى نجران باهلوا رسول الله ورجعوا لما وجدوا لا أهلاً ولا مالاً ولا ولداً، لأهلك الله جميع ما لهم مُباشَرةً، وهذا معنى فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ۩، شطر الآية الكريمة.

المُهِم، ولذلك النبي دعا مَن – أيها الإخوة والأخوات -؟ دعا فاطمة – عليها السلام -، والحسنين – عليهما السلام -، والإمام عليّاً – عليه السلام -، طبعاً أُسارِع لأقول ما سجَّله فقهاؤنا وعلماؤنا، نقل الحافظ العلّامة الفقيه ابن حجر الهيتمي في الصواعق عن الفخر الرازي – والفخر ذكر هذا في تفسيره  – الآتي، قال أهل بيت رسول الله – عليهم السلام أجمعين والرضوان والرحمات – لهم خصائص، يشتركون فيها مع رسول الله، الخاصة الأولى الصلاة عليه وعليهم في الصلاة، نقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ولا نجمع إليهم لا الصحابة ولا غيرهم، خاصة بمحمد وبآله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، هذه من خواص أهل البيت – عليهم السلام أجمعين -، والسلام عليهم، نقول فاطمة – عليها السلام -، عليّ – عليه السلام -، زين العابدين – عليه السلام -.

ولذلك لا ترون الإمام البخاري في صحيحه يذكر الحسن أو الحُسين أو فاطمة إلا سلَّم عليهم، يقول فاطمة – عليها السلام -، باب ما ورد في فضائل فاطمة – عليها السلام -، الحُسين – عليه السلام -، وهكذا! السلام عليهم من خصائصهم، سلام الله عليهم أجمعين.

وتحريم الصدقة، فالصدقة لا تحل لهم، كما لا تحل لرسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، والمحبة، تجب محبة رسول الله، وهي من علائم الإيمان، وتجب محبة أهل بيته، وهي من علائم الإيمان، ولذلك لا يُبغِضهم مُؤمِن، لا يُبغِضهم إلا مُنافِق، وقد قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ستة لعنتهم، ولعنهم كل نبي مُجاب الدعوة، وذكر منهم الآتي، قال والمُستحِل من عترتي – أهلي أو أهل بيتي – ما حرَّم الله، فلعنة الله عليه – النبي يقول – على لساني وعلى لسان كل نبي مُجاب الدعوة – والعياذ بالله -، نسأل الله التثبيت، وحُسن الختام، والتوفيق إلى المراضي، والتباعد والتجانف عن المساخط، اللهم آمين.

المُهِم وقد روى الإمام الترمذي أن النبي دعا بهؤلاء، بفاطمة وبالحسنين وبعليّ – عليهم السلام أجمعين والرضوان والرحمات -، دعا بهم، إذن هؤلاء هم الذين يُريد النبي أن يُباهِل بهم، وهم الذين قصدهم الله بقوله فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ۩، حتى رُويَ عن جابر بن عبد الله – رضيَ الله عنه وأرضاه – أنه قال فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ۩، قال أبناؤه – عليه الصلاة وأفضل السلام – الحسن والحُسين، وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ۩، قال نساؤه فاطمة، من نسائه، وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ۩، قال هو وعليّ، فجعل عليّاً كنفسه، الله أكبر! جعل عليّاً كنفسه، هذا في تفسير الصحابي الجليل – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -.

في بعض الآثار أو الأخبار أن نصارى نجران لما رأوا هذه الوجوه – محمداً وآله، عليهم السلام أجمعين – قالوا خاب وخسر مَن باهل هؤلاء، مُستحيل! ما هذه الوجوه؟ ما هذه الأنوار؟ ما هذه الطلعة الرحمانية؟ ما هذا البهاء العُلوي؟ فاطمة والحسنان وعليّ، وفوق ذلك رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، اللهم اجمعنا بهم في الآخرة، هم الذين قال فيهم رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – أحبوا الله لما يغذوكم به – وفي رواية من نعمه -، وأحبوني بحُبكم لله، وأحبوا أهل بيتي بحُبكم لي، قال الترمذي حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، هذا صحيح الإسناد.

هم الذين قال فيهم رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – يا عليّ، يا فاطمة، أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحُسين يوم القيامة في موقف واحد، على نفس العتبة، في نفس المكان، الله أكبر! أين الذين ظلموهم؟ أين الذين سبوهم؟ أين الذين قتّلوهم؟ أين الذين تعبدوا الله بلعنتهم؟ اللهم احشرنا مع هؤلاء، وإنا نبرأ إليك مِن كل مَن عاداهم ومِن كل مَن تديَّن ببُغضهم – والعياذ بالله -، في عتبة واحدة، في مقام واحد، وفي موقف واحد!

حديث اليوم ليس عن أهل البيت عامة، وما أحلى الحديث عن هؤلاء! إنهم قدوة وأُسىً، إنهم قدوة وأُسىً لكل مُقتدٍ ولكل مُؤتسٍ ولكل طالب خير وعرف ماجد، ولكن أخص اليوم السيدة البتول الزهراء، سيدة العالمين، سيدة نساء أهل الجنة، فاطمة بنت رسول الله – عليها الصلاة وأفضل السلام، وسلام الله عليها -.

لابد أن نتحدَّث عنها، وهذا الحديث يستفيد منه الجميع، الرجال والنساء، ولكن فائدة الأخوات النساء منه أعظم، لأننا حين نعرف مَن هي فاطمة أو نعرف بعض ما اتسمت واختُصت به فاطمة نعرف معنى القدوة، مَن هي التي ينبغي أن تكون قدوةً لبناتنا، لزوجاتنا، لأخواتنا، لأمهاتنا، لكل امرأة مُسلِمة، لكل فتاة مُسلِمة؟ هذه هي القدوة، لا غيرها، عليها السلام، هي وأمثالها من أمهات المُؤمِنين وبنات النبي، سلام الله عليهن أجمعين.

فاطمة بنت محمد – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، بنت خديجة، زهراء قريش أيضاً، خديجة سيدة نساء العالمين أيضاً، سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء عالمها، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فيما أخرجه الشيخان البخاري ومُسلِم – أي في الصحيحين – كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع، مريم بنت عمران – عليها السلام -، وآسيا امرأة فرعون، وهي بنت مُزاحِم – عليها السلام -، الله أكبر! زوجة فرعون، وخديجة بنت خويلد – عليها السلام -، وفاطمة بنت محمد – عليها الصلاة وأفضل السلام -، فقط هؤلاء هن الكوامل، لا يكمل من النساء غيرهن، وفضل عائشة على سائر النساء – أي بعد هؤلاء، فهن أفضل، كل واحدة منهن أفضل من عائشة بلا شك، لكن عائشة لها فضل على سائر النساء، والسائر هو البقية، ومنه السؤر، ما يبقى بعد طعاب وشراب – كفضل الثريد على سائر الطعام.

إذن هي سيدة نساء العالمين، وأمها سيدة نساء العالمين، أحب زوجات رسول الله إلى قلبه خديجة بنت خويلد، ورد في الصحيحين من حديث أبي هُريرة – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان جالساً في بيت خديجة بعد النبوة، فأقبل جبريل – عليه السلام -، نزل جبريل وأقبلت خديجة وفي يدها صحفة فيها طعام، فقال جبريل يا أخي يا محمد، هذه خديجة أقبلت، وفي يدها شيئ من طعام، وإن الله – تبارك وتعالى – أرسلني لأُقرؤك السلام، وأقول لك إن الله – تبارك وتعالى – يقرأ السلام على خديجة، وسلِّم عليها مني، ويُبشِّرها الله – تبارك وتعالى – ببيت – وفي رواية بقصر – في الجنة من قصب، قال بقصر في الجنة من قصب، من لؤلؤ مُجوَّف، لا صخب فيه ولا نصب، الله أكبر! هذا هو المجد، هذا هو الكمال، إنها سيدة نساء العالمين، خديجة – عليها السلام، ورضيَ الله تعالى عنها وأرضاها -.

ولدت فاطمة – عليها السلام – قبل النبوة بخمس سنين، أي كان رسول الله ابن خمس وثلاثين، كان ابن خمس وثلاثين سنة – عليه الصلاة وأفضل السلام – لأنه استنبأ أو نُبيء على رأس الأربعين – صلوات ربي وتسليماته عليه -، وكانت قريش تبني البيت، وأما زوجها – بعلها أبو الحسنين، عليه السلام – الإمام عليّ فُولِد قبلها بلا شك.

وفي الحديث أن العباس – عم النبي، عليه الصلاة وأفضل السلام، وهو أيضاً عم الإمام عليّ، أخو أبيه أبي طالب – دخل على فاطمة وعليّ – عليهما السلام – وهما يتجادلان، أينا أكبر؟ هي تقول أنا أكبر، وهو يقول لا، أنا أكبر، فقال يا أبا الحسن لقد وُلِدت قبل أن تبني قريش البيت بسنين كثيرة، بضع سنين! وأما بُنيتي فاطمة – يقول عن فاطمة عليها السلام – فُولِدت حين كانت قريش تبني البيت، وذلكم كما نعرف من سيرة المُصطفى – عليه الصلاة وأفضل السلام – قبل النبوءة بخمس سنين، في هذه السنة وُلِدت – عليها السلام -.

لماذ سُميت فاطمة؟ النبي نفسه – عليه الصلاة وأفضل السلام – سألها يوماً، قال تدرين يا ابنتي لماذا سُميت فاطمة؟ قال الإمام عليّ وكان حاضراً لماذا سُميت يا رسول الله فاطمة؟ قال لأن الله فطمها وذُريتها عن نار جهنم، الله أكبر! لأن الله فطمها وذُريتها عن نار جهنم، من الفِطام، وفِطام الصبي، مفطومة – بإذن الله -، كيف لا تُفطَم وهي سيدة نساء أهل الجنة؟ هي سيدة نساء أهل الجنة – عليها السلام -، فلذلك سُميت فاطمة.

أيها الإخوة والأخوات:

كانت فاطمة بضعةً وشُجنةً من رسول الله، كما قال هو، بأبي وأمي ونفسي والعالمين هو – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كانت بضعةً منه، قطعةً منه، جُزءاً منه، شُجنةً، رحماً مُشرَّكةً، كانت شُجنةً وبضعةً من رسول الله، أشبه الخلق برسول الله، هي أشبه الخلق برسول الله!

في الحديث الذي خرَّجاه في الصحيحين – حديث مُسارة النبي لها في مرض موته، عليه الصلاة وأفضل السلام – تقول أمنا عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – كنا أزواجَ – أي نحن، منصوبة على الاختصاص – النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – عنده، تعني في مرضه الذي تُوفيَ فيه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، لم يُغادِر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، ما تُخطئ مِشيتها مِشية رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، حتى في مِشيتها، كأنها الرسول يمشي، تماماً! قطعة منه – عليها الصلاة وأفضل السلام -، وهي أحب خلق الله إلى قلبه وإلى نفسه وإلى روحه، فأقبلت تمشي، تقول ما تُخطئ مِشيتها مِشية رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، حتى جاءت، فرحَّب بها، قال أهلاً ومرحباً بابنتي، ثم أقعدها عن يمينه، أو قالت عن يساره، والحديث سيأتي – إن شاء الله – في حنايا الخُطبة – بإذن الله تعالى -.

تقول عائشة أيضاً – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – ما رأيت أحداً أشبه سمتاً وهدياً ودلاً – وهذه الثلاثة مُترادِفة، السمت هو الهدي، الهدي هو الدل، الدل هو السمت، نفس الشيئ! وهي سلوك الإنسان، مظهره، مِشيته، رزانته، حلمه، وطريقته في السلوك، هذا هو الهدي، هذا هو السمت، هذا هو الدل، ثلاثة مُترادِفة، وهي تقول ما رأيت أحداً أشبه برسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام في هديه وسمته ودله – من فاطمة بنت رسول الله – عليها السلام، وعلى رسول الله الصلوات والتسليمات -، تُشبِه رسول الله في كل شيئ!

وفي حديث آخر قالت أمنا عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – ما سمعت أصدق لهجةً – أي ما سمعت أحداً أصدق لهجةً – من فاطمة بنت رسول الله ألا أن يكون الذي ولدها، أي رسول الله، وإلا هي أصدق خلق الله بعد رسول الله لهجةً، امرأة كاملة، كاملة! لا تعرف – كما يُقال – لا اللف ولا الدوران ولا التورية ولا الكلام الذي يُراد به أكثر من معنى، صادقة وكلامها واضح جداً، ظاهرها على باطنها، وهذه من علامات الصدق، اللهم اجعلنا من الصادقين – عليها السلام، وعلى آل بيت رسول الله أجمعين -، فهي كانت أشبه الخلق برسول الله، ومن هنا كانت أحب الخلق إلى قلبه، كانت أحب الخلق إلى قلبه! يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها، ينبسط لانبساطها، أو يُبسَط – يُقال بُسِطَ – لفرحها ولسعادتها – عليها الصلاة وأفضل السلام -.

سُئلت عائشة أم المُؤمِنين – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها، وهي جديرة بقول الحق والشهادة به -، سألها سائل، قال لها مَن كان أحب الناس إلى رسول الله؟ قالت فاطمة، قال السائل – وكان رجلاً، جاء مع عمته، يزور أم المُؤمِنين ويتعلَّم – ومِن الرجال؟ قالت زوجها، زوجها أحب الرجال إلى رسول الله، تقول عائشة – رضيَ الله عنها وأرضاها – ما علمته إلا صوّاماً قوّاماً، وفي رواية عند غير الترمذي قالت عائشة جديراً بقول الحق، صوّاماً قوّاماً جديراً بقول الحق.

بعض العلماء والمُحدِّثين حمل هذا الحديث على أنه – عليه السلام، أي الإمام عليّ – هو أحب أهل بيت رسول الله، أي من أهل بيته، وكان أخاه في الدنيا وفي الجنة، هو أخو رسول الله في الدارين، وسيأتي هذا في حديث تزويجه – عليه الصلاة وأفضل السلام – عليّاً بفاطمة، يُسميه أخي، كان أخاه، وهو أخوه في الدنيا، وهو أخوه معه في الجنة – عليهما السلام -.

وفي حديث بُريدة عن أبيه أيضاً أنه قال كانت فاطمة أحب الخلق إلى رسول الله، من النساء، وكان عليّ أحب الرجال إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فهذا يُحمَل – والله أعلم – على أهل بيته، أحب الرجال إلى رسول الله من أهل بيته، والله أعلم.

نبأ تزويجها، كيف تزوَّجت من الإمام عليّ؟ ما القصة؟ الآتي هو النصاب المشهور والصحيح، لأنه في هذا الباب دس بعض الكذبة وبعض المُتهوِّكين أساطير وخُرافات ما أنزل الله بها من سُلطان، لكن النصاب المشهور لدى المُحدِّثين والعلماء الثقات – إن شاء الله تبارك وتعالى – كما يلي.

جاء أبو بكر الصدّيق – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – يخطب فاطمة – عليها السلام – إلى أبيها رسول الله، يُقال خطب إليه ابنته أو أخته أو هكذا، يخطب إليه ابنته فاطمة، وكان طبعاً مُزوَّجاً، ولكن رجاء المُصاهَرة مع رسول الله، لأنه قد تقدَّم منه – عليه الصلاة وأفضل السلام – قوله فكل نسب وسبب وصهر مُنقطِع يوم القيامة إلا ما كان من نسبي وسببي وصهري – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فطبعاً هنا الإنسان الذي يبغي لنفسه الخير يشرف ويكون حريصاً جداً على أن يُصهِر إلى آل بيت رسول الله، ومن هنا تزوَّج الإمام الحسن – ابن رسول الله، ابن عليّ – كما يُقال – والله أعلم – بأكثر من مائتي وأربعين امرأةً، والإمام عليّ كان ينهى الناس عن أن يُزوِّجوه، يقول لا تُزوِّجوه، فإنه مزواج مذواق مطلاق، يقولون وإن كان، وإن كان! يُريدون النسب، يُريدون شرف المُصاهَرة إلى آل بيت رسول الله، نُزوِّجه، يتزوَّج أسبوعاً ويُطلِّق، لا بأس، المُهِم أنه حدث هناك ارتباط ومُصاهَرة، وربما يُولِدها أيضاً بعد ذُريته، وهذا شرف كبير، وهذا – والله – من حرصهم على دينهم ومن فهمهم، فأين هذا الآن من قول بعض المُنحَلين؟ أي الذين انحلت ربقة الإيمان في قلوبهم ومن أعناقهم – والعياذ بالله -، وقالوا قولاً يحسبونه هيّناً وهو عند الله العظيم، حتى لقد فاهت بعض المتعوسات الشقيات من نسائنا بقولها والله لو كان… والعياذ بالله، تذكر رسول الله، ما ترضى بالتعدد، ألا سخط الله عليها وسوَّد الله وجهها في الدنيا والآخرة، هذا من الجهل، هذا قول مَن لا يُبالي ربه ولا رسوله ومَن لا يُبالي دينه بالةً، أما مَن أراد الله ورسوله والدار الآخرة فله منطق مُختلِف، له منطق مُختلِف وله مبدأ مُختلِف في النظر إلى هذه الأمور.

على كلٍ فأراد أبو بكر أن يتزوَّجها، فقال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنتظر بها القضاء، حتى يقضي الله في الأمر، أي رده بأسلوب لبق ولائق، فجاء عمر وخطبها إلى رسول الله، فقال أنتظر بها القضاء، فحث الأنصار وفي رواية أبو بكر وعمر أيضاً، حثوا جميعاً الإمام عليّاً على أن يخطبها إلى رسول الله، وأيضاً إحدى إماء الإمام عليّ قالت له اذهب إلى رسول الله، واطلب إليه فاطمة، يُزوِّجك – إن شاء الله -، قال ما عندي شيئ أتزوَّج به، أنا رجل فقير مُعدِم، ليس عندي شيئ، قالت اذهب إليه، إن ذهبت إليه زوَّجك، قال الإمام عليّ – عليه السلام – فما زالت تُرجيني – قال فما زالت تُرجيني، تُعطيني الأمل – حتى ذهبت، فلما دخلت على رسول الله وكانت له هيبة أُفحِمت، أي أُسكِت، لم أستطع أن أتكلَّم، هيبة رسول الله! مع أنه أخوه، أي الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وهو منه بالمكانة التي يعلم ويُوقِن، ولكن هيبة النبوة وهيبة الرسالة، على صاحبها الصلوات والتسليمات.

قال وكانت له هيبة فأُفحِمت، أي أُسكِت، فقال ما جاء بك يا ابن أبي طالب؟ فسكت، قال جئت تخبط إلىّ فاطمة؟ طبعاً هو نبي! قلت نعم يا رسول الله، قال وما معك ما تستحلها به؟ بِمَ تستحل ابنتي؟ أي المهر والصداق، فقلت يا رسول الله والله ما معي من شيئ، فقال أين درعك التي سلَّحتكها؟ أنا أعطيتك درعاً سلاحاً لك، أين هي؟ قلت يا رسول الله والله إنها لحُطمية، والحُطمية هي العريضة الثقيلة، أي لا تُسوى، لا تُباع بمال كثير، وقيل نسبة إلى بني حطمة من العرب، وهي من أردأ الدروع، ومن هنا قال الإمام عليّ مُقلِّلاً ثمنها والله إنها لحُطمية، لا تأتي بأربعمائة درهم يا رسول الله، قال بِعها، زوَّجتك بها، أي بهذه الدرع التي سلَحتكها، أعطيتك إياها سلاحاً.

فباعها الإمام عليّ بأربعمائة درهم، وقال له النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – الآتي، انظروا إلى الملحظ الجمالي وإلى التربية العالية، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – له اجعل ثلثين في الطيب وثُلثاً في المتاع، جعل ثلثي الجهاز في العطر وفي الطيب، النبي كان يعشق وكان يُحِب الطيب، حُبِّب إلىّ من دنياكم الطيب والنساء، وجُعِلت قُرة عيني في الصلاة، قال اجعل ثلثين في الطيب وثُلثاً في المتاع، وهكذا كان.

وقال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – له يا عليّ لا تُحدِث شيئاً حتى آتيك، أي إذا زُفت إليك وأُدخِلت عليك ابنتي فلا تُحدِث شيئاً، لا تمسها، حتى آتيك، فلما استأذن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – عليهما وجده قد انتحى ناحية وهي في ناحية، فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – قد علمت أنك تهاب الله ورسوله، أنت وقّاف عند الأمر، قلت لك لا تُحدِث فلم تُحدِث، يهاب! يُوقِّر أمر الله، يُوقِّر أمر رسول الله، الله أكبر، الله أكبر، ما بالنا نحن إذن لا نُوقِّر لا أمر الله ولا أمر رسول الله ولا نلوي على شيئ ونحن نجتر في حبل المعاصي؟! وهذا هو الإمام عليّ، وهو أخو رسول الله، وختنه الآن، لكنه يقف عند كل أمر، كبيراً كان أو صغيراً – عليه السلام -، بهذا بلغوا ما بلغوه.

قال قد علمتك تهاب الله ورسوله، ثم دعا بماء، فجاءت به أم أيمن، وتعرفون أم أيمن، بركة حاضنة رسول الله – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها -، كان يقول لها يا أمي بعد أمي، ويُكرِمها، وظل الصحابة – حتى أبو بكر وعمر – يُكرِمونها، إلى أن تُوفيت – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها -، وفاءً لرسول الله، وكرامةً لرسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، قالت فمج فيه ومسَّك فيه بيده، ثم نضح منه على رأس الإمام عليّ وعلى صدره وعلى كتفيه، وفعل مثل ذلك بابنته فاطمة، ثم رفع يديه ودعا، قال اللهم بارك فيها وبارك عليهما وبارك لهما في ذُريتهما، اللهم آمين.

يقول أنس في رواية والله لقد خرج منهما النسل الكثير المُبارَك، أبرك نسل خلقه الله، نسل محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام -، أهل بيت النبوة، خرج الكثير المُبارَك من أبي الحسن ومن فاطمة – عليهما السلام -.

النبي رأى حين دخل في تلكم الليلة، رأى أسماء بنت عُميس، فقال أسماء بنت عُميس؟ أنتِ موجودة هنا؟ قالت قلت نعم يا رسول الله، قال جئتِ لتهتمي بشأن بنت رسول الله؟ أي لتُعلِّميها وما إلى ذلك؟ قالت قلت نعم يا رسول الله، قالت فرفع يديه – الله أكبر، ما أوفاه! وفاء، وفاء على كل معروف، جاءت مُهتَمة بابنته فرفع يديه – ودعا لي، تقول دعا لي بدعوات هي أوثق عملي عندي، أوثق عمل في حياتي ليس حجي ولا عُمرتي ولا صلاتي ولا صدقتي ولا صيامي، هي دعوة رسول الله لي، الله أكبر، هذا يدل على عُمق الفهم عند هذه السيدة الجليلة، أي أسماء بنت عُميس، زوجة جعفر الطيّار، ولما استُشهِد تزوَّجها أبو بكر الصدّيق، ولما مات أيضاً الصدّيق شهيداً – أي أبو بكر الصدّيق، وهو مات شهيداً من أثر العقرب التي لسعته، هكذا قال العلماء، فكتب الله له الشهادة أيضاً – تزوَّجها الإمام عليّ، وذلكم طبعاً بعد وفاة السيدة فاطمة، لأن الصدّيق تُوفيَ بعدها بمُدة، فهكذا! وفاء رسول الله، دعا لها.

في بعض الأخبار أيضاً والسير لما ألقى الأشقياء الجحدة الكفّار من القرشيين على رسول الله السلا وفعلوا به ما فعلوا، وجاءت فاطمة تُنافِح عن أبيها وتسبهم وتلعنهم، ضربها أبو جهل – لعنة الله تعالى عليه -، فجاء أبو سُفيان – رحمة الله تعالى عليها – ومسح عنها الدم، وأخذها معه، فقال النبي اللهم لا تنسها لأبي سُفيان، فما مات أبو سُفيان حتى أسلم – رضيَ الله عنه -، اللهم لا تنسها لأبي سُفيان، لأنه هكذا فعل بابنتي ومسح عنها، اللهم لا تنس له هذه الفعلة، وفاء على أدنى معروف.

فهذا ما كان من قصة زواجهما – عليه السلام -، ما كان جهاز فاطمة؟ ما كان جهاز فاطمة بنت رسول الله؟ الآن بعض أولياء الأمور – بعض الآباء والإخوة والأجداد والأعمام – يشترطون الشروط التي هي بمثابة معاجز على الشباب الذي يُريد أن يستعف وأن يتحصَّن، يطلبون الشقق والأموال والأرصدة وأشياء عجيبة جداً جداً، وللأسف يأتي مشايخ المُسلِمين ويُقِرون هذا ويُقِرون أشياء عجيبة ما أنزل الله بها من سُلطان، لوائح وقوائم غريبة جداً جداً، تُكبِّل الزوج تكبيلاً، تجعله ينكص ويخاف ويشعر أنه مُقبِل على أمر عظيم، الزواج!

ما كان جهاز فاطمة بنت محمد – عليهما الصلوات والتسليمات -؟ سقاء – وعاء من جلد يُوضَع فيه اللبن والماء، ورحوان، مُثنى رحى، لتطحن الحبوب والبقول، ووسادة من أدم – من جلد – حشوها ليف، وجلد ضأن، جلد شاة، يقول الإمام عليّ أضعه تحتنا أو نلتحف به في الليل، وفي النهار نعلف به الناضح، الجمل أو الناقة التي ينضحون عليها الماء، نضع لها فيه العلف، وقعب لبن هكذا يشربون فيه، هذا هو جهاز فاطمة بنت محمد – عليها الصلاة وأفضل السلام -، لا إله إلا الله!

وتعبت تعباً شديداً في حياتها، انقضت حياتها وحياة زوجها في تعب وفي نصب وفي زُهد وفي قلة وفي فقر، حتى لقد صح أن الإمام عليّاً – عليه السلام – قال لها يوماً يا ابنة رسول الله، والله لقد سنوت حتى شكوت صدري أو اشتكيت صدري، سنوت أي سقيت على الدابة، يحمل الدلاء ويسقي، قال لقد سنوت، سنا يسنو سنواً، قال والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، قالت وأنا والله لقد طحنت وعملت بيدي حتى مجِلت يداي، أي ثخنتا، وظهر فيهما ما أشبه بالبثر من كثرة العمل، مجِلت اليد بالكسر، قالت حتى مجِلت يداي، قال لها وقد ساق الله لرسول الله سبياً، فاذهبي إلى أبيكِ فاستخدميه، اطلبي لنا خادماً منه، اطلبي لنا خادماً.

قال فاذهبي إلى أبيكِ فاستخدميه، فجاءت فاطمة تستخدم أباها رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فرأته فقال لها ما الذي أتى بك يا فاطمة؟ فاستحيت، قالت لأُسلِّم عليك يا أبتِ، ثم عادت، فقال عليّ ما فعلتِ؟ قالت استحييت، فجلس معها، فغدا عليهما النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وهما في لفاعٍ، أي في لحاف لهما، إذا وضعاه على رؤوسهما بدت أقدامهما، وإذا وضعاه على أقدامهما بدت رؤوسهما – عليهما السلام -، فقر وقلة! في رواية دخل النبي معهما في اللفاع، دخل معهما في اللفاع، أي في اللحاف، وقال ألا أُخبِركما بخير مما سألتماني عنه؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال إذا أخذتما مضاجعكما فسبِّحاه الله ثلاثاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين، وكبِّراه أربعاً وثلاثين، فالمجموع مائة، فذلكما خير لكما من خادم، يُعطي الإنسان قوة، وجرِّبوا هذا، شيئ عجيب هذا، هذا من العلم الإلهي، فذلكم خير لكما من خادم.

يقول أبو الحسن – عليه السلام – فوالله ما تركتهن مُذ علَّمنيهما رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فقا له ابن الكواء – أحد أتباعه، ثم خرج بعد ذلك، صار من الخوارج، معروف ابن الكواء، صار من رؤوس الخوارج – يا إمام ولا ليلة صفين؟ أي في ليلة الحرب مع أهل الشام لم تترك؟ قال قاتلكم الله يا أهل العراق، أي ما أشد تعمقكم وتنقيركم! قال ولا ليلة صفين؟ صدِّق، هو قال لك وحلف بأنه لم يتركهن مُنذ علَّمه رسول الله إياهن، فقال ولا ليلة صفين؟ قال قاتلكم الله يا أهل العراق، ولا ليلة صفين، لم أتركهن، هكذا! عمل، عمل بما أدَّبه الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام -، حياة صعبة.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُلحِقنا بهؤلاء الأشراف الصالحين، وأن يُسيِّرنا في سيرهم وفي نهجهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين، وصحابته المُبارَكين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم ألهِمنا رُشدنا، وأعِذنا من شر نفوسنا، اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، اللهم أرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنباه.

اللهم ارزقنا حُبك وحُب مَن أحبك وحُب العمل الذي يُقرِّبنا إلى حُبك، اللهم ارزقنا حُبك وحُب نبيك – عليه الصلاة وأفضل السلام – وأهل بيته المُكرَّمين المُطهَّرين أجمعين، يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، إلهنا ومولانا رب العالمين، اللهم أصلِحنا وأصلِح لنا أزواجنا وأبناءنا وبناتنا وأهلينا وذُرياتنا وإخواننا وأخواتنا وآباءنا وأمهاتنا أجمعين يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك ونبتهل إليك بالدعاء والضراعة أن تنصر الإسلام والمُسلِمين، اللهم انصر الإسلام وأعِز المُسلِمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم انصر مَن نصر عبادك المُسلِمين، واخذل مَن خذل عبادك المُؤمِنين.

اللهم عليك بيهود، فإنهم قد بغوا وطغوا وتعدوا يا رب العالمين، اللهم خُذهم جميعاً أخذ عزيز مُقتدِر، اللهم لا تُغادِر منهم أحداً، اللهم اقتلهم جميعاً بدداً، اللهم أرِنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم يا رب العالمين، وأدِر عليهم دائرة السوء، فإنهم لا يُعجِزونك، وخُذ معهم الأمريكان المُجرِمين الوالغين يا رب العالمين، فإنهم لا يُعجِزونك، إلهنا ومولانا، يا جبّار، يا قهّار، يا عزيز، يا مُنتقِم، يا سريع الحساب.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(27/12/2002)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: