إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ۩ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۩ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ۩ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۩ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ۩ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ۩ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

عبر القرون والمسلمون على اختلاف طوائفهم تقريباً سُنةً وشيعة وغير ذلكم يدرسون ويُعلِّمون أن المسيح عيسى بن مريم – عليه وعلى رسولنا الصلوات والتسليمات وآل كلٍ جميعاً – رُفِعَ إلى السماء وافياً تاماً بروحه أو بنفسه وبدنه، فهو ثمة في السماء الثانية إلى أن يأذن الله – سبحانه وتعالى – في آخر الزمان بعودته ونزوله فينزل إلى الأرض كرةً ثانية ليقتل المسيح الدجَّال – مسيح الضلالة – ثم يمكث في الأرض على أصح الروايات أربعين سنة حتى يأذن الله – تبارك وتعالى – أخيراً بوفاته وموته ويقبره المسلمون – كما في الروايات – إلى جانب أخيه محمدٍ صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم تسليماً كثيراً.

لكن في مطلعِ العصر الحديث اختلفت هذه الرؤية، ووجدنا جماعةً من كبار علماء وأئمة الإسلام لهم اجتهادٌ في هذه المسألة التي ظللنا ودأبنا على اعتقاد أنها من أصول الاعتقاد ومن مسائل الديانة، جاء هذا النفر من العلماء والأئمة الأجلاء باجتهادٍ جديد زعموا وادّعوا إنه هو المٌوافِق لكتاب الله – تبارك وتعالى – ولسُنن الله الماضية في أنبيائه ورسله، وفي رأسهم الإمام المُجدِّد مُفتي مصر محمد عبده رحمة الله تعالى عليه، أنكر أن يكون عيسى رُفِعَ بروحه ونفسه وأنكر عودته في آخر الزمان، وتابعه على ذلك الإمام السلفي المُجدِّد محمد رشيد رضا في تفسير المنار وادّعى – رحمة الله تعالى عليه – أن هذه عقيدة نصرانية ظل النصارى يدأبون على إقناع المسلمين بها حتى نجحوا في ذلك، فتسلَّلت إلى نصوصهم الدينية مُخالِفةً نصوص كتاب الله تبارك وتعالى، بعد ذلك أتى شيخ الأزهر الشيخ الإمام الأكبر مصطفى المراغي وأكَّد الاجتهاد عينه، عيسى لم يُرفَع حياً ولن يعود في آخر الدنيا، تبعه الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت – رحمة الله تعالى عليه – في فتواه الشهيرة المُطوَّلة التي نشرها في الرسالة وهى مطبوعة إلى أيام الناسِ هذه في كتابه الشهير الفتاوى، هى مطبوعة على طولها في زُهاء عشرين صحيفة، أي عشرين صفحة، ثم رأينا الإمام المُجتهِد الشيخ محمد أبو زهرة – رحمة الله تعالى عليه – في لواء الإسلام عدد ذي الحجة سنة ثلاث وستين وتسعمائة وألف يُنكِر هذه العقيدة ولا يعدها من عقائد الإسلام، يُنكِر أن عيسى رُفِعَ حياً تاماً وافياً ويُنكِر عودته في آخر الزمان، وفي العدد نفسه – ذاته – الشيخ العلَّامة الداعية محمد الغزالي – رحمة الله تعالى عليه – أتى بأدلة زائدة وأنكر العقيدتين جميعاً، على أن الشيخ الغزالي عاد بعد ذلك في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم – نحو تفسير موضوعي لسور القران الكريم – وفتح باباً لاحتمال أن ينزل عيسى مع تأكيده أنه تُوفيَ وفاة طبيعية، مات كما يموت الأنبياء ولم يُرفَع حياً كما نعتقد لكن يُمكِن أن يعود في آخر الزمان، فتح باباً لم يجزم به كما يُريد بعض الناس أن يُفهِمونا، لم يجزم به لكن قال هذا غير مُحال، كأنه تردَّد للأمانة العلمية، الدكتور المُؤرِّخ الإسلامي أحمد شلبي – رحمة الله تعالى عليه – له بحثٌ أيضاً في هذه المسألة لخَّص فيه أطراف أقوال هؤلاء أو جُملة ماتعة منهم في كتابه مُقارَنة الأديان في الجزء الخاص بالديانة المسيحية أو النصرانية، العلَّامة الأزهري مُفسِّر القرآن الكريم الدكتور محمد محمود حجازي أنكر ذلك في تفسيره، عيسى لم يُرفَع حياً ولن يعود في آخر الزمان، إلى غير هؤلاء مثل الدكتور حسن الترابي ولا يزال حياً، هو من علماء المسلمين الأحياء، رحمة الله على الاموات وأبقى الله الأحياء ذُخراً للإسلام والمسلمين، هؤلاء نفر ليسوا قليلين، وهناك كثيرون مِن مَن هم أقل منهم درجة ورُتبة سايروهم في هذا الاجتهاد.

لماذا قدَّمت بهذه المُقدَّمة؟ حتى لا يُقال هذا قولٌ بدع ما سُبِقت إليه أو هذا قول يُخوِّل لنا أن نُخرِج من الملة، لست أول مَن قال بهذا، ولكنني مُقتنِع ولي أدلتي الخاصة أيضاً مما فتح الله – تبارك وتعالى – به علىّ ولم أُسبَق إليها من النظر في كتاب الله وغيره وربما أسوقها في هذا المقام ومقامات أخرى إن قدَّر الله – سبحانه وتعالى – ويسَّر، على ماذا اعتمدت الأمة عبر القرون الطويلة المُتتابِعة في تأسيسها للاعتقادِ بهذه العقيدة العجيبة وهى عقيدة نصرانية؟ هى في الحقيقة وفي الأصل عقيدة يهودية نصرانية، اليهود يعتقدون أن مسيحهم المُنتظَر الموعود سيعود في آخر الزمان وسينتصر لهم من سائر أعدائهم أو من جميع أعدائهم، فهو مسيح موعود، وأما النصارى فيعتقدون بعودة المسيح على أنهم يرونه رباً ونوراً من نور ولا يرونه رسولاً بشراً عبداً لله عادياً كما يرى اليهود والمسلمون، هم يرونه رباً ويقولون سيعود هذا الرب، فالمسألة فيها دعم لشُبهة الربوبية التي أثَّرت على مسار الديانة النصرانية، أن يكون ظل حياً ورُفِعَ روحاً وبدناً وسيعود في آخر الزمان ويعم به دينه العالم والعالمين، أي يعم بعودته ونزوله دينه العالمين، وعلى كل حال على ماذا اعتمد واتكأ هؤلاء العلماء وهم جماهير الأمة سُنةً وشيعة؟ الإباضية يختلفون هنا، إباضية المغرب وإباضية المشرق، مُعظم إباضية المشرق لا يُؤمِنون بعودة عيسى، أما إباضية المغرب فلهم روايات في هذه المسألة، وعلى كل حال هذه مسائل أفراقية، اعتمدوا على أشياء كثيرة سأُحاوِل أن أُلخِّصها على سبيل الاستعجال والأمانة العلمية، وتقريباً لن أترك منها شيئاً، خاصة المُتعلِّق بكتاب الله، أما الأحاديث فلها مقام آخر!

اعتمدوا على قوله تبارك وتعالى وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۩، قالوا هذه إشارة، هو من المُقرَّبين، إذن لأنه رُفِعَ بروحه أو بنفسه وبدنه فهو في السماء، وهذا لا معنى له، لأن الأنبياء المُتواجِدين في السماء أكثر من خصوص عيسى – عليه السلام – بل معه في السماء الثانية ابن خالته يحيى، وهناك آدم وهناك موسى وهناك يوسف وهناك إدريس وهناك إبراهيم ، وتعلمون جميعاً حديث المعراج، ثم أن إذا كانت كلمة المُقرَّب والمُقرَّبون تجعل الإنسان مُقرَّباً على النحو – أستغفر الله – الحسي كأنه مرفوع فإذن ماذا نفعل بالمُقرَّبين من صالحي هذه الأمة؟ قال الله فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ۩ وقال أيضاً وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۩ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۩، عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – ليس وحده فقط مُقرَّباً، لكن هو التشبث، لأنها دعوى عريضة أعرض من الغبراء فلا يزالون يتشبَّثون بأذيال شُبهات الدليل، وهذا ليس فيه دليل لا من قريب ولا من بعيد، بل أعجب وأغرب بعضهم فتشبَّث بأذيال قوله عز من قائل وَجِيهاً ۩، قالوا هذا من وجاهته، قلنا موسى أيضاً كان وجيهاً، فهل رُفِعَ روحاً وبدناً؟ ما هذا؟ ما هذه الطريقة في تأسيس الاعتقاد على مثل هذه الشُبهات الواهية جداً؟ قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ۩، هل موسى أيضاً رُفِعَ لموضع كلمة أو لموقع كلمة وجيه؟ هذا عجبٌ من العجب، وهذا كان أولاً.

ثانياً قالوا قال الله – تبارك وتعالى – وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا ۩، وعيسى مات أو ارتفع أو رُفِعَ أو ولّى وذهب – حتى نكون مُنصِفين مع الحقائق كما يُصوِّرها أصحابها وزاعموها – شاباً في الثالثة أو في الرابعة والثلاثين عليه الصلاة والسلام، والله يقول وَكَهْلا ۩، إذن متى؟ لابد أن يعود ليُكلِّم الناس كهلاً، وهذا لا موضع فيه للاستدلال البتة لا من قريب ولا من بعيد، وهو غالط من ناحيتين، الناحية الأولى ليس لدينا نصٌ يُعتمَد لا من كتاب الله ولا من صحيح السُنة – نص مُعتمَد – أن عيسى ولَّى وهو ابن ثلاثة وثلاثين أو أربعة وثلاثين، هذا غير صحيح، هذا في مأثورات الإسرائيليين، بل لدينا بعض النصوص عن رسول الله وهى أيضاً غير صحيحة أنه كان ابن مائة وخمسين سنة، وفي نص آخر كان ابن مائة وعشرين سنة، وأن النبي – عليه السلام – قال ما من نبيٍ بعثه الله إلا عاش نصف الذي كان قبله، وما أُراني ذاهباً إلا على رأس الستين، فالنبي كان يقول هذا لأن عيسى كان ابن مائة وعشرين، إذن لا يُوجَد لدينا دليل قطعي صريح صحيح أن عيسى ولَّى وهو ابن كذا وكذا، هذا غير صحيح، هذه كلمات، على أن لو سلَّمنا وأخذنا بهذا المشهور – وهو أشهر الأقوال لأنه مشهور عند الإسرائيليين وحتى عند مُؤرِّخي المسلمين – أنه تولَّى وهو ابن أربع وثلاثين تقريباً – عليه السلام – فإن الكهولة لغةً في أرجح الأقوال كما في متن اللغة وكما في كتب ومُعجَمات اللغة هى ما بعد الثلاثين، ما بعد الثلاثين يُقال له كهل، فعيسى نعم تولَّى كهلاً، لماذا؟ لأن بحسب الأدبيات المُقدَّسة وبحسب أدبيات أهل الكتاب عيسىلم يلبث ولم يبق نبياً رسولاً إلا زُهاء سنتين، وبعضهم يقول أقل من سنتين، سنة ونيف فقط، وانتهى إلى النهاية التي اختُلِف فيها واختلف فيها أهل الملل والأديان، هذه هى الكهولة، فما بعد الثلاثين كهولة، ولذا هو كهلٌ، ثم إن الآية لم تُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى هذا المعنى، وإنما أُوتيَ بقوله وَكَهْلا ۩ للاحتراس والاحتراز، لأنه حين قال وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ۩ سيظن ظانٌ بل سيظن ظانون كثيرون – كثرٌ من الناس – أنه ربما لُبِسَ بشيطان وسكنه جنيٌ – والعياذ بالله – فهو ينطق على لسانه، علماء البلاغة يُسمّون هذا الاحتراس، احتراساً واحترازاً من خطور هذا الخاطر الرديء بقلب أحدهم قال تعالى وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ۩، ليس عن شُبهة إبليسية أو شُبهة من تلبس جني، هذا إسمه الاحتراس، لا علاقة له بما أرادوا وبما ذهبوا إليه على أن الكهولة بعد الثلاثين، انتهينا من هذه النُقطة، نأتي الآن إلى أقوى أدلتهم، وهى الآية الكريمة الجليلة التي تلوتها من سورة آل عمران، قال الله إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ۩، إذن قال الله إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ۩، فقالوا الله يقول إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ۩ إذن هو صرَّح بأنه يرفعه إليه، فلو كان يرفعه روحاً أو نفساً فقط لما كان في هذا وجه اختصاص وامتياز، كل الأرواح تُرفَع في البداية ولكن ماذا يُفعَل بها بعد ذلك؟ اختلاف على أزيد ربما من عشرات الأقوال، تقصى ابن القيم الجوزية في الروح على ما أذكر أكثر أطرافها، فهناك أقوال كثيرة، ماذا يُفعَل بالنفوس أو بالأرواح بعد أن تعود من السماء؟ الله أعلم، أقوال كثيرة جداً، فليس فيه وجه اختصاص ولا امتياز لعيسى إن كان الرفع بالروح، فلابد أن يكون بالروح والبدن،وفسَّروا كلمة مُتَوَفِّيكَ ۩ وهى ضد ما أرادوا، ضد مقصودهم تماماً، والترتيب يُعاكِس قصدهم، الله لم يقل إني رافعك ومُتوفيك، وإنما قال إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ۩، والوفاة إذا أُطلِقَت تنصرف إلى الموت وهذا معروف، إذا أُطلِقَت في حق الإنسان وما من قرينة زائدة فتنصرف إلى الموت، هذه توفية الموت، الله يقول اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ۩ ويقول أيضاً تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ۩ فضلاً عن أنه يقول حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ۩ ويقول قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ۩، هذه هى الوفاة وهذه هى التوفية، تنصرف إلى الموت، لكنهم قالوا الآية فيها تقديم وتأخير والتوفية هنا بمعنى آخر، اخترعوا معنىً جديداً ثالثاً لا تعرفه العربية، وأعلنا قبل سنين أننا نتحدى في كل أدبيات العرب شعراً ونثراً أن تأتونا بالتوفية بحيث تعني أن الإنسان يُقبَض روحاً وبدناً، هذا مُستحيل لأن العرب لم تعرف هذا، لذلك أصاب المحز الإمام المُجدِّد المُفسِّر الطاهر بن عاشور – رحمة الله تعالى عليه – في التحرير والتنوير حين قال فتفسيرُ الوفاة أو التوفية بأنها أخذُ واستيفاء الروح والبدن جُملةً إحداث معنىً جديد في العربية، هذا لم تعرفه اللغة، أين هذا في العربية؟ وسنتحدَّث بعد ذلك حين نكر على أدلتهم بالإدحاض وبيان تهافتها بتحقيق المقام في التوفية، وعلى كل حال أتوا بمعنى جديد وقالوا التوفية ليس بمعنى الموت، وطبعاً ليس بمعنى النوم، إنما بمعنى أخذه تاماً وافياً وذلك روحاً وبدناً، قالوا والآية من باب المُقدَّم والمُؤخَّر كما رووا عن قتادة بن دعامة السَّدوسي، قالوا فيها تقديم وتأخير، أي أن أصل الآية إني رافعك ومُتوفيك، وكأن يُعجِز الله أن يقول إني رافعك ومُتوفيك فذهب يقول إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ ۩، وهذا شيئٌ عجيب جداً، هذه تكلفات باردة، من أجل ماذا؟ من أجل أن تصح عقيدة هى من أسس الاعتقاد النصراني!

ويل ديورانت Will Durant بعد أن تحدَّث عن المسيح وعن القيامة وعن الصعود وعن عقيدة الرجعة والعهد الألفي السعيد – الملينيوم Millennium – قال ولولا عقيدة رجعة أو عودة عيسى ما قامت المسيحية، من أعظم أسس الديانة النصرانية أن تعتقد أنه سيعود، ثم قال وأنتم تعتقدون بهذا، ليس محمدكم هو الذي يعود وإنما عيسى، يسوع هو الذي يعود وليس محمد – محمد المُرسَل رحمةً للعالمين – هو الذي يعم دينه العالمين، يسوع حين يعود يعم دينه العالمين حتى وإن زعمتم أنه دين محمد، ولكن يسوع وليس محمداً، انتبهوا إلى هذا، فهذه يُقال عنها أنها – ما شاء الله – عقائد جيدة تخدم الإسلام وتخدم القرآن وتخدم مُقرَّرات اعتقادنا، وهذا غير صحيح، هذه من أعظم ما خُدِمَت به النصرانية، لكن نعود إلى أدلتهم، قالوا هذا من باب المُقدَّم والمُؤخَّر، أيضاً من أقوى وأظهر ما استدلوا به قول الحق – سبحانه وتعالى – في سورة النساء، قال الله وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً ۩ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ۩ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۩، قالوا مرةً أُخرى صرَّح بأنه رفعه إليه، إذن هو مرفوع – نأخذها على وجهها – روحاً وبدناً إلى السماء الثانية على حسب اعتقاد المسلمين في أحاديث المعراج، قال الله بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۩ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ۩، إذن الله يقول وَإِن مِّنْ ۩، وَإِن ۩ هنا نافية بمعنى (ما)، ما من أحدٍ من أهل الكتاب إِلاَّ – فيها قسم – لَيُؤْمِنَنَّ ۩، هذه لام القسم هنا، فالله يُقسِم على إيمان هذا الكتابي، لأن هذه لام القسم، قال الله إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ۩، قالوا اختلف العلماء في مرجع الضمير، طبعاً في قوله إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩ يُوجَد قول تسالم عليه مُعظم المُفسِّرين تقريباً عبر الأعصار المُتعاقِبة وهو أن الضمير المجرور في إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩ يُراد به عيسى، أي ليُؤمِّنن بعيسى، أما في قوله قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ اختلف هنا المُفسِّرون، منهم مَن قال قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ أي قبل موت عيسى، وهذا يُساعِد الذين يعتقدون بعقيدة رجعة عيسى وعودة عيسى، لأنهم قالوا معنى قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ قبل موت عيسى، وهذا أمر عجيب، أهل الكتاب أكثرهم كفرة به، فكيف يُؤمِنون به؟ قالوا حين يعود، لأنه سيعود فلا يبقى كتابيٌ إلا آمن به، وهكذا هى العقيدة النصرانية، وهكذا هى العقيدة اليهودية ولكن ليس في المسيح عيسى بن مريم إنما في مسيحهم هم،عودوا إلى الإصحاح الحادي عشر من سفر إشعياء من واحد إلى عشرة وسوف تقرأون عقيدة اليهود في المسيح المُنتظَر وعودته، كيف يعود؟ يعود فيتسالم البشر بل الكائنات كلها على وجه البسيط – على وجه الأرض – فلا يسوؤن ولا يُسيئون ولا يُجرِمون، بل يكون معرفة الرب في قلب كل الناس كالماء في البحر، أي أن الدين سيكون واحداً، والمسيحيون يقولون بهذا، والمسلمون من أسف ينسبون إلى الرسول أنه قال هذا، يقولون تكون الملة ملة واحدة، والقرآن يُكذِّب هذا تماماً لأنه قال وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ۩، القرآن يقول هذه سُنن إلهية، ستقوم الساعة والناسُ مُختلِفون، لن يمر يومٌ ولن يأتي يومٌ يتطابق الناسُ فيه كلهم على عقيدة واحدة، لا على سبيل الاقتناع ولا على سبيل الإكراهِ والإلجاء أو حتى على سبيل آخر تتدخل فيه يد الغيب بأن تُميت كل غير المُوحِّدين وغير المسلمين كما تقول الأحاديث عن أبي هريرة وكما يقول سفر إشعياء، وسوف أقف بكم على هذه المسألة!
مُقارَنة الأديان علمٌ خطير، وأنا أقول لكم – وطبعاً هذه لا أقولها جُزافاً لكن لابد أن أقولها الآن – على المسلمين أن يستعدوا، أنا أُوجِّه الكلمة للعلماء والدارسين والمُفكِّرين وأقول لهم عليكم أن تستعدوا أيضاً في الدورة القابلة – في الدورة القادمة -وذلك ربما في عشر سنين على الأكثر إلى شُبهات عظيمة ستطم علينا من باب مُقارَنة الأديان، وهى شُبهات خطيرة وخطيرة جداً، أخطر مما تظنون، يُراد بها إثبات أن دينكم أساطير وأن دينكم ركام من الأساطير وأنه يُخالِف الحقائق التاريخية ويُخالِف البينات والوثائق وهو نوع من تحريف الكتاب المُقدَّس، وسوف يكون هذا بالأدلة والمُقارَنات، فعليكم أن تدرسوا هذا جيداً، عليكم أن تُحرِّروا عقائدكم يا أيها المسلمون شيعةً وسُنة بشكلٍ جيد وإلا فإن أبناءكم في مهب الرياح وبناتكم في مهب الرياح، المسألة خطيرة وحسَّاسة، لكن نترك هذا التحذير، وعلى كل حال هذا وقته، نحن دائماً علينا أن نُنازِل الشر والشُبهات كما قال حُذيفة كانوا الناس يسألون الرسول – عليه السلام – عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، والشر بدأ الآن يزحف، أي شر الإلحاد وشر هذه العلوم العجيبة، مع أن هذه العلوم لو أحكم المسلمون أسسها وبرزوا فيها وحذقوها لكانت مدداً لنُصرة دينهم، ولكن بغير ذلك ستكون سيفاً يُشذِّب أعضاء هذا الدين، فيتركه بلا قوة وبلا مُنة وبلا تماسك، وأنا أعني ما أقول لكن أعود إلى موضوعي، قالوا هذه الآيات من أقوى الأدلة التي نستند إليها، نحن نُرجِّح أن الضمير في قوله إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ يُراد به عيسى، أي قبل موت عيسى، لماذا؟ الأحاديث الصحيحة تقول هذا، النبي فسَّره هكذا، الصحابة فسَّروا مرجع الضمير هكذا، إذن نحن نقول بهذا وعليه الجمهور، وهذا دليل لديهم.

أخيراً استدلوا بآيات الزخرف، قال الله وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ۩ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ۩ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ۩ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ۩ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ۩، إذن الله يقول في آية سورة الزخرف وَإِنَّهُ – الحديث عن ابن مريم – لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ۩، أي وإن عيسى – عليه السلام لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ۩، فُسِّر العِلم هنا بالعَلم، أي لعَلمٌ ولشرطٌ للساعة، علمٌ من أعلامها وشرطٌ من أشراطها، فهو من أشراط الساعة ومن أمارات الساعة ومن أعلام الساعة، كيف يكون من أعلام الساعة؟ لأنه سيعود، سوف يعود وينزل من السماء واضعاً يديه على أجنحة ملكين أو جناحي ملكين عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، قيل هى إحدى منارات الأموي وهى أصغرها وأنزلها، بيضاء بَيْنَ مَهْرُوذَتَيْنِ – نوع من الثياب – وإلى آخر الحديث، قالوا هذه إشارة إلى أن الساعة قد اقتربت، إشارة إلى أن الساعة قد دنت وأصبحت وشيكة، قالوا هذه الآية كالنص، ومن عجبٍ أن بعض هؤلاء تهوكوا بل تهوروا وتورطوا فأطلقوا التكفير بغير تأثم ولا تحرج، قالوا فمَن أنكر نزوله وعودته فقد كفر، وكأن هذا من أصول الإيمان ومن أسس الدين، وهذا أمرٌ عجيب، كيف يُقال فقد كفر؟ أين هذه العقيدة؟ إذن كفر كل مَن ذكرت من العلماء الأجلاء، كفر أبو زهرة والشيخ الغزالي والشيخ محمد عبده ورشيد رضا وشلتوت والمراغي، فشيوخ الأزهر كفروا لأنهم جهلة لا يعرفون العلم، أما أنتم فتعرفونه، تُرسِلون التكفير إرسال المُسلَّمات هكذا بكل سهولة، وتُكفِّرون الأمة وتُكفِّرون مَن يستخدم عقله بل مَن يستشير كتاب الله – تبارك وتعالى – ويرجع إليه، لأنكم جعلتم الروايات والأحاديث والأخبار مُقدَّمة على كتاب الله، يفعلون هذا إذا صح لديهم حديث، المُهِم أن يكون في الصحيح – في البخاري أو مسلم – مهما كان خرافياً ومهما كان كذباً، وهنا قد يقول لي أحدكم يا إخي اربَعْ عَلَى ظَلْعِكَ، يا رجل اتق الله لقد جننتنا، هل أنت تصف حديثاً في الصحيحين بأنه خُرافي وكذب؟ نعم، وسأقف بكم اليوم – واذهبوا وتحدوا بهذا مَن شئتم – على أحاديث كذب وواضح أنها كذب وهى في الصحيحين، بالله عليكم وعليكم وكل مَن بلغه هذا الكلام أو سمعه هل تعتقدون أن النبي فعلاً أجاب بهذا الجواب عن ذاكم السؤال؟ واسمعوا النبأ لأن له علاقة بموضوعنا، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك – طبعاً هنا سوف يقول أحدهم انظروا إليه لأنه ينتقد البخاري ومسلم ويسكت عن الشيعة، لكن أنا لا أسكت لا عن الشيعة ولا عن السُنة، الشيعة لديهم مثل هذا الكثير والكثير، وهم يعتقدون بالدجَّال وبالمهدي وبعودة عيسى، هذه عندهم عقيدة كعقيدة أهل السُنة وأقوى لأن المسائل مُترابِطة عندهم كما هى مُترابِطة لدينا، وخاصة فيما يتعلَّق بالمهدي والدجَّال وعيسى، جريمة أن تُنكِر هذه العقيدة، يقولون هذه عقيدة، هذا نفس الشيئ، لذا ما أقوله هنا أقوله هناك، وعلى كل حال اسمعوا إلى هذا الحديث المُخرَّج في الصحيحين عن أنس بن مالك رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – أنه قال سأل رجلٌ الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – يا رسول الله متى الساعة؟ أي متى القيامة؟ فنظر – عليه الصلاة وأفضل السلام – إلى غُلامٍ صغير منهم من أزد شنوءة – هذه القبيلة المشهورة – فقال إن عُمِّرَ هذا – إذا كتب الله له عمراً – لم يُدرِكه الهرم حتى تقوم الساعة، وهذا يعني أن النبي يقطع بأن الساعة ستقوم في أقل ربما من تسعين سنة، هذا الغُلام وهو ابن عشر سنوات أو ابن بضع عشرة سنة إن عُمِّرَ وكان له عمر لن يُدرِكه الهرم – قبل أن يهرم – حتى تقوم الساعة، عجيب يا رسول الله، هل أنت قلت هذا؟ والله العظيم يقشعر قلبي من الداخل، أُقسِم بالله العظيم على هذا، لكن طبعاً اذهبوا إلى الشرّاح – إلى ابن رجب وفتح الباري مثلاً – وسوف ترون التكلفات الباردة التي لا معنى لها، النبي أفصح مَن نطق بالضاد والحديث واضح، يقول قبل أن يهرم هذا الساعة تقوم، هل صحيح يا رسول الله أنت قلت هذا؟ والله حاشاه، والله الذي لا إله إلا هو حاشاه، لأنه هو الذي بلَّغنا قول الله تعالى ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ۩ وبلَّغنا قول الله يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۩ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ۩، ومع ذلك يقولون كيف يا عدنان تُشكِّك في الصحاح؟ أنا لا أُريد مَن يُشكِّك في قرآني وفي ديني، لا أُريد مَن يُكفِّر هذا الجيل ولا هؤلاء الناس، الناس لهم عقل ولهم قلب ولهم حب وعشق لنبيهم وكتابهم، فلا تُشكِّكوا الناس في قرآنهم من أجل البخاري ومسلم، مع احترامي – على الرأس والعين والله العظيم – للبخاري ومسلم، لكنهم بشر وجهدهم بشر، وهذا الجهد البشري مدغول ومدخول وفيه أخطاء وفيه مصائب، علينا أن نكون واضحين إزاء هذه المصائب كالسيف القاطع، لا يُمكِن أن نُقايض كتاب الله بسُنة تُنسَب إلى النبي، والحمقى – وهم كثيرون في هذه الأمة – مِمَن ينتحلون إسم العلم والعلماء والمشيخة يُوقِعون في وهل الناس أن الحديث إذا كان في الصحيحين يعني أن النبي قاله حتماً، يا أخي من أين لكم أنه قاله؟ هل قال النبي هذا حتماً؟ قالوا حديث الآحاد وإن لم يُفد علماً لا تُؤخَذ منه عقيدة لكن إن احتفت به قرائن أو حفت به قرائن قد يُفيد الاعتقاد وقد يُفيد العلم، مثل ماذا؟ قالوا كونه مُخرَّج في الصحيحين، يا سلام، من أين أتيتم بهذه القاعدة التي لا معنى لها؟ هذا الحديث المُخرَّج في الصحيحين والله العظيم – أُقسِم وأنا على منبر رسول الله – لا أقبله طرفة عين، ولا اُشكِّك في نبيي ولا اُشكِّك في كتابي وديني، قال إن عُمِّرَ هذا لم يُدرِكه الهرم حتى تقوم الساعة، علماً بأن هذا وضح جداً في أحاديث كثيرة أخرى، يروي الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يقول إني لأرجو أن أُدرِك عيسى بن مريم – قال مُمكِن، المهدي والدجَّال وكل هذا يأتون بسرعة ويخرج عيسى وأُسلِّم عليه لأنه أخي – فإن عجل بي الموتُ فمَن أدركه منكم – هل يُخاطِبكم أنتم أم يُخاطِب أصحابه؟ طبعاً أصحابه، لا تقل لي النبي قال منكم وهذه تعم، يا سلام، تعم ماذا؟ هو يقول لك أنا تقريباً سأدركه لكن من المُمكِن أن يعجل بي الموت – فليُقرأه مني السلام، أي أنه يجزم بأن أصحابه طبعاً سيُدرِكون المسيح، وهذا طبعاً مثل حديث أنس في الصحيحين، ويا أخي هذا كذب فحسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل على هذه الأحاديث التي تُريد فعلاً أن تسلخ هذه الأمة من دينها، الحمد لله ولطف من الله أن هذه الأمة في جمهورها – ومعذرةً والله العظيم لكل الناس – جاهلة، أنا لا أفتري لأن مُعظم الأمة جاهلة، قد يقول لك أحدهم هل هذا في البخاري ومسلم؟ لأنه لم يسمع به في حياته ولم يقرأه، هذه الأمة لا تقرأ أصلاً، أنا أقول لكم لكن لو كانت تقرأ وتُنقِّر وتُفتِّش وتبحث لكفر كثيرٌ منها مُنذ الحين، كما يُلحِد شبابنا الآن، بدأوا يقرأون فلسفة ودوكنز Dawkins وتطور وتصميم وغير تصميم فبدأوا يُلحِدون لأن الخطاب بائس، ونفس الشيئ سيحدث غداً حين يُفتِّشون في البخاري ومسلم والأحاديث الصحيحة، ومن ثم سوف يقولون لك تفضل هذا، هذا يعني أن الحكاية كلها كذب في كذب، الحكاية كلها كذبٌ في كذب في كذب، ثم يأتي الحديث بعد ذلك عن أحاديث الدجَّال وعيسى، متى؟ متى ينزل عيسى؟ متى يظهر الدجَّال الملعون؟ بعد فتح القسطنطينية، والحديث واضح جداً جداً جداً جداً في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان، يفتحون القسطنطينية فينما هم يُقسِّمون الغنائم إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح – المسيح الدجَّال، أي مسيخ الضلالة – قد خلفكم في أهلكم فيخرجون وهو باطل حتى إذا أتوا الشام – كل هذا في أيام وفي أسابيع – فهم يصطفون لمُلاقاة العدو إذ نزل المسيح بن مريم والدجَّال موجود، أين هذا يا بابا؟ القسطنطينية فُتِحَت من خمسمائة سنة وانتهى الأمر، أي قسطنطينية؟ وأي دجَّال؟ وأي عيسى يعود؟ ما القصة هنا؟ يُقال لي هذا في صحيح مسلم، قطع الله لسانك، قطع الله لساني وقطع الله عقلك، ليس لي لسان وليس لك مخ وليس لك عقل، كيف يُقال هذاحديث صحيح؟ واسمع التأويلات الفارغة من باب لعل ولعل، ولعل ولعل لا تنفع في موضوع حديث أنس وفي موضوع فليقرأه مني السلام، لكن في حديث القسطنطينية يُقال لعل القسطنطينية تعود إلى الكفار، لا يا أخي، لا علَّل الله هذه اللعل، لا لبَّى الله هذا الرجاء، وأُقسِم بالله يا أخي على هذا، قالوا مُمكِن هذه القسطنطينية – اسطنبول – ترجع للكفار مرة ثانية ويرجع كذا وكذا، من أين لكم أنها تُفتَح مرتين وتُغزى؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ تكلفات باردة عجيبة من أجل تصحيح أحاديث لأنها في الصحاح وكأن النبي قطعاً قالها، لكنه ما قالها ولا درى بها وحسبنا الله ونعم الوكيل، وحتى لا أنسى أقول لكم اضربوا كشحاً أو ليتاً بل كشوحاً عن هذه الأحاديث فقط مرحلياً لنصف ساعة ثم اقرأوا الأدلة من كتاب الله وتوهموا خلو ذهنياتكم وأذهانكم من هذه الأحاديث، ليس في كتاب الله آية واحدة تُصرِّح بعودة المسيح، بل فيه آيٌ وآي وسُنن إلهية ومُعبَّر عنها بلفظٍ رباني مُعجِز بليغ بديع قاطع ماضٍ شافٍ كافٍ أنه مات كشأن إخوانه المُرسَلين، أليس هو نبي؟ أليس هو رسول؟ ألم يمت مَن كانوا قبله؟ وهو أيضاً مات، قال الله مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۩، الله قال مثله مثلهم، ألم يموتوا؟ وهو مات أيضاً، ولذلك قال تعالى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم لا يا عدنان لأن من المُمكِن أن يكون الله قال إلا عيسى بن مريم ونحن أمة جاهلة لا تقرأ، لكن الله لم يقل هذا، الرواة وأبو فلان وأبو علان قالوا ابن مريم استثناء، لكن الله لم يقل أنه استثناء، وإنما قال هذه سُنة كونية، قال الله وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ ۩، وقال أيضاً قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۩، إذن الله يقول خَلَتْ ۩، أي انقرضت وبادت وفنيت، مثلما فنت الرسل قبل عيسى فنيت الرسل قبل محمد، والمقصود هنا أصالة مَن بالذات؟ عيسى، هذه الآية إشارة إلى عيسى بالذات ثم بعد ذلك إلى مَن قبل عيسى، لماذا؟ لأن أولى الأنبياء بعيسى محمد عليه السلام، قال أنا أولى الناس بابن مريم، ليس بيني وبينه نبيٌ، إذن أول مَن ينضوي تحت هذه الآية هو عيسى بن مريم، وهو خلا كما قال الله، أي مات وفنيَ، لذلك قال العلَّامة الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير في جامع العتبية عن الإمام مُؤسِّس المذهب مالك بن أنس – رضوان الله عليه – أنه قال مات عيسى عن ثلاثٍ وثلاثين سنة، إذن هو قال مات، والله قال فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ۩ وقال أيضاً إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ۩ فضلاً عن أنه قال قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۩، إذن هو يقول أنه مات، ومن ثم الإمام مالك قال مات، وعلى كل حال لا تُوجَد لزومية بين أنه مات وأنه لن يعود، بعضهم يقول مات وسيعود، وبعضهم يقول مات ولن يعود، ونحن مع الفريق الثاني، فهو مات ولن يعود، وسوف نرى هذا قرآنياً.

إذن احتجوا أيضاً بآية الزخرف التي تقول وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ۩، ثم احتجوا بأحاديث، وأنا وقفت بكم الآن على بعض الأحاديث الآن لأن الجوالان في ميدان تقييم هذه الأحاديث ومُقارَنتها وإبراز ما بينها من تعارض وتنافر وتشاكس وتخالف يطول جداً جداً جداً ويحتاج إلى مُحاضَرات، ولعلنا إن يسَّر الله نفعل هذا قريباً بإذن الله تعالى، فنتكلَّم عليها سنداً ومتناً على أن بعضها في الصحاح، هذه المُتخالِفة المُتشاكِسة المُتكاذِبة والمُكذِّبة أيضاً لصريح كلام رب العالمين سنتحدَّث عنها وحدها، لكن أنا وقفت بكم عمداً وعن قصدٍ على بعضٍ منها لكي تعلموا أنها من المُحال أن تصح عن سيد الخلق عليه الصلاة وأفضل السلام،
تُحدِّثنا أيها الراوي – لا أقول أيها الرسول وإنما أقول أيها الراوي – أيها المُخرِّج عن مسيح دجَّال وعن المسيح بن مريم بعد فتح القسطنطينية، وقد فُتِحَت القسطنطينية، فأين هذا؟ يُقال يقتسمون الغنائم ويحدث هذا في أيام ويظهر هذا وهذا، لكن هذا لم يحدث، أين هذا؟ من أين أتيتم بهذه الأحاديث والمرويات؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نعود الآن إلى الشطر الآخر من الخُطبة، كيف نُجيب عن أدلتهم؟ وما هى أدلتنا التي ندفع بها مُعتقَدهم ونُؤكِّد أن عيسى مات ولن يعود إلى الدنيا؟ حتماً لن يعود، القرآن يقول حتماً لن يعود، مُحال أن يعود، لماذا؟ أولًاً احتجاجهم بآية وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۩ أجبنا عليه سريعاً، أما احتجاجهم بآية إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ۩ فإننا نقول أن الوفاة بالتأمل في مواقعها والتوفية كالاستيفاء بمعنى واحد، الوفاة والتوفية أو الاستيفاء مواقع هذه المادة في كتاب الله – تبارك وتعالى – تُطلَق أصالةً على وفاة الموت، أي توفية الموت، إن أُريدَ بها غير توفية الموت رأينا قرينة تُؤكِّد هذا، فمثلاً يقول الله في الزمر اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ۩، إذن هذه وفاة الموت، أي توفية الموت، وهنا قد يقول أحدكم كيف توفية الموت؟ هل معنى الآية الله يُميت الأنفس حين موتها؟ لا، لماذا يُسمّي الله – تبارك وتعالى – الموت توفية؟ لماذا يجعل الله الموت من باب التوفية وقسماً من أقسام التوفية؟ هل تعرفون لماذا؟ هذه نُكتة عجيبة جداً جداً جداً بفضل الله تبارك وتعالى، درءاً لاعتقادٍ وثنيٍ دهريٍ يرى أن الموت إفناء وإعدام نهائي مُطلَق، مَن مات انتهى لا يعود كما كان يقول الكفار، إن هى إلا أرحام تدفع وأرضٌ تبلع، ولا قيامة ولا بعث، وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ ۩، وانتهى كل شيئ بمفعول الزمان، لكن الله يقول لا، الذي يموت يُتوفى، قال الله وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ ۩ من قبل أن يبلغ الأشد وهو صغير يُتوفى، لماذا؟ لماذا يقول يُتَوَفَّىٰ ۩؟ إشارةً إلى المحفوظية – حين أقول استوفيت ديني أُريد توفيته وأخذته تاماً – وإشارة إلى أن حقيقة الإنسان في جوهره الروحاني وليس في بدنه الجسماني الترابي الطيني، وهذا على عكس ما أراد الدهريون والملاحدة والمُشرِكون والطبائعيون فانتبهوا، الله يقول لا، ولذلك أنا أتوفاك، كيف تتوفاني والبدن في التراب؟ قال لك هذا ليس عليه مُعوَّل، حتى يوم القيامة – هناك رأي لعلماء العقيدة يقول هذا – من المُمكِن أن يُخلَق لك بدن جديد، ليس شرطاً أن يُعيد الله نفس الذرات – الذرات نفسها – وقد قال تعالى بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ۩ وقال أيضاً أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ۩، سمَّاه خلقاً جديداً، هذا هو الفهم للقرآن الكريم، ولكن أين الجوهر؟ الجوهر باق، الروح والنفس باقية، الله يقول هذه توفية، ولذلك أراد بعضهم أن يُشكِل علينا فقال لو كان ذلك كذلك لصار معنى الآية الله يُميت الأنفس حين موتها، لكن هذا غير صحيح، أنت لم تفهم الآية أصلاً، أنت لم تفهم سر ولطف هذا التعبير القرآني الدقيق، تقول الآية الكريمة اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۩، ما المعنى؟ يعني يتوفاها في منامها، إذن هما توفيتان واستيفاءان، توفية الموت وتوفية النوم، ولا ثالث لهما في كتاب الله بخصوص الإنسان، وهناك توفية الأجر وتوفية الحساب، قال الله فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۩ وقال أيضاً إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩، يُعطونه تاماً وافياً غير منقوص، أي بغير منقصة، فهذه معاني وموارد أخرى، لكن بخصوص الإنسان توفيتان، توفية الموت وتوفية النوم، العلَّامة ابن عاشور يقول مواقع هذه الكلمة تحملنا على فهم أنها حيثما وردت كلمة توفية بخصوص الإنسان يُراد بها الموت، إذا فسَّرتها بغير الموت قل لي أين القرينة؟ نُريد قرينة، ولذلك قال العلَّامة رحمة الله عليه – وهو من مُدقِّقي المُفسِّرين، هو معروف وخاصة في العربية، ابن عاشور معروف أنه في العربية رجلٌ لا يُشق له غبار ولا يُطار له في مطار، نوَّر الله ضريحه بشآبيب الرحمة – فلذلك اعتقاد أن التوفية في آية عيسى هذه تعني استيفاء عيسى روحاً وبدناً إحداث معنىً في العربية جديد، هذا لم تعرفه العربية، من أين أتيتم بهذا؟ قال هذا كذب على العربية، هذه الأشياء لا تُؤخَذ بالقياس وإنما تُؤخَذ بالسماع، هل عندك دليل؟ لكن أنتم تلبَّستكم عقيدة نصرانية ففسَّرتم بها كتاب الله، أليس كذلك؟ كما تسلَّلت إلى مروياتكم الحديثية فشنأتم بها وجه الكتاب ولبَّستم معانيه وألبستموها أثواباً من الإغماض والإشكال والتشبيه والتلبيس على الناس، فصار الناس في حيرى وصار بعضهم يُكفِّر بعضاً، وهذا أمرٌ عجيب، من المُتأخِّرين العلَّامة المُفسِّر الشيخ الشعرواي – رحمة الله عليه رحمة واسعة – يقول برفع عيسى حياً روحاً وبدناً ويقول بعودته ولكنه يقول المسألة كلها مَن آمن بها أو كفر بها لا تقتضي عند الإيمان بها زيادة في الدين ولا عند الكفر بها نقصاً من الدين، وهذا قول وسط، لماذا؟ تأثَّراً من الشيخ الشعراوي بآراء أساتيذه من شيوخ الأزهر العظام مثل مفتي مصر عبده والشيخ المراغي والشيخ شلتوت والشيخ أبي زهرة والعلماء الكبار، فهو تأثَّر وقال يبدو أن المسألة ليست من مسائل الاعتقاد، وهذا الذي ذهبت إليه قبل أسابيع، فرِّقوا بين أصول الإيمان وبين مسائل قد نُصدِّق بها فلا تزيدنا إيماناً في أصول الإيمان وقد نُكذِّب بها فلا تجعلنا خارجين من دائرة الإيمان ولُحمة الإسلام ورحمة الرحمن حتى نُكفَّر بها ويُقال هذا كفر وهذا زنديق، لا ليس هكذا، فهذا رأي الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه.

إذن نأتي الآن الآية التي تقول إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ۩، بحسب اللغة وبحسب مواقع الاستعمال في الكتاب الأعز مُتَوَفِّيكَ ۩ تعني مُميتك ميتةً طبيعية، هم أرادوا قتلك وإهانتك، والآن سأُدلي بمعنى أيضاً لم أُسبَق إليه، تقول الآية الكريمة إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ ۩، ما موقع التطهير هنا؟ التطهير من ماذا؟ هناك كلمات كثيرة عودوا إليها في أمهات كتب التفسير، الذي أرتاح إليه جداً – بفضل الله تبارك وتعالى – أن قول الله مُطَهِّرُكَ ۩ هنا فيها إشارة إلى اعتقاد اليهود – ومن هنا أهمية الدرس المُقارَن للأديان حتى نعرف – أن مَن يُوضَع ومَن يُصلَب على خشبة فهو ملعون، يُقال هذا نجس ملعون، لكن الله يقول لا، لن أسمح بأن يُوضَع يسوع أو عيسى على خشبة، قال وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ۩، وبهذا أيضاً نُزيِّف رأي القاديانية الأحمدية ومَن لف لفهم، وكان الشيخ العلَّامة أحمد ديدات تأثَّر بهذا، وهو أن عيسى وُضِعَ على الصليب وصُلِب في ما يظهر لكنه لم تنزهق روحه – أي لم تزهق – ولم تنزهق نفسه، ثم دُليَ عن الخشبة بعد قليل إلى آخر القصة – قصة مريم المجدلية ومريم أمه والرشوة لحرَّاس القبر وإلى آخره – طبعاً، واليهود يرون أن مَن يُصلَب فهو ملعون ونجس، لكن الله يقول وَمُطَهِّرُكَ ۩، كأنه يقول لم يُصلَب، ولا يُقال لمَن وُضِعَ على الصليب دون أن يُصلَب ويموت إنه صُلِب، المفروض يكون هكذا، وإنما مَن يُقتَل على الصليب هو المصلوب، فالله يُنكِر هذا وهذا، إذن الله يقول مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ ۩، وقد فهمنا معنى وَمُطَهِّرُكَ ۩، والترتيب مُهِم لأن الله قال وفاة ثم رفعة، ومن ثم يُقولون أن هنا تُوجَد رفعة لأن الله يقول وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ۩ وكأنهم – أستغفر الله العظيم – يُشيرون إلى ما وقر في صدورهم من عقائد فاسدة وخيالاتٍ كاسدة، وهى أن الله – والعياذ بالله – يُوشِك أن يكون له مكان حسي وإن كان فوق المكان وفوق السماوات السبع على كرسيه وفي عرشه بالمعنى الذي يليق بجلاله لأن عندهم بعض العقائد التجسيمية، لكن حاشا لله، تقول الآية الكريمة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩، لا يُقال أن الله له مكان يتمكن فيه، حاشا لله، كيف هذا وهو مُمكِّن المكان ومُزمِّن الزمان؟ كيف هذا وهو خالق الظروف والأزمان لا إله إلا هو؟ إذن أين كان قبل أن يُمكِّن المكان؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ هذا يليق بالمخلوقات وبالمُحدَثات، فقالوا الله يقول وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ۩، وقلنا الجواب من جهتين، أولاً في قوله عز من قائل وَرَافِعُكَ ۩ الرفعة ليس بالضرورة أن تكون رفعة مكان، بل هى رفعة مقام ومكانة، قال الله وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ۩ وقال أيضاً يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۩ وفي إدريس قال وَرَ‌فَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ۩، إذن الرفعة رفعة معنوية، رفعة مقام ومكانة، وليست مكان حسي، وهذه واحدة، لكنهم قالوا هذا لن ينفع، لماذا؟ قالوا لأن الله – تعالى – قال وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ۩، يا سلام، هل لله مكان حسي فعلاً يُرفَع إليه عيسى؟ هل أنتم مُصِرون على التجسيم والتشبيه – والعياذ بالله – والعقائد الفاسدة؟ إذن أين أنتم من قول الله تعالى على لسان لوط – حكايةً لقول لوط عليه السلام – وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ۩ لم يقل لربي وإنما قال إِلَى رَبِّي ۩، لو قال مُهاجِر لربي لكان المعنى لأجل ربي وجهاداً في سبيل ربي، لكنه لم يقل لـ وإنما قال إِلَى ۩ التي يتوصل بها من مكان إلى مكان، وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ۩، هل الله في فلسطين إذن والعراق تخلو منه؟ هل هكذا تفهمون القرآن الكريم؟ هل هذا قصار فهمكم للغة العربية؟ هل هذه ذائقتكم اللغوية؟ هذا قولٌ حكايته رده، لا نرده بأكثر من أن حكيه،مُجرَّد أن تحكيه تكون حكايته رده كما يُقال وقد حكيناه، وإنما الرفعة رفعة مقام ومكانة، قال الله مُتَوَفِّيكَ ۩ أي مُميتك ميتةً طبيعية، وإلى اليوم هناك بلدة في كشمير في الهند فيها قبر بل هو مُقام عظيم لرجل يُعتقَد أنه من كبار الصالحين، أهل تلك البلدة – سريناغار Srinagar – يعتقدون أن هذا الرجل وفد عليهم قبل ألف وتسعمائة سنة وأنه من سُلالة الملوك وأنه أحد الأنبياء وإسمه يوز أساف Yuz Asaph، يقولون إسمه يوز أساف Yuz Asaph أما اسمه الحقيقي فهو عيسى، والنصارى الذين ذهبوا إلى كشمير ورأوا هذا وهذه المعلومات التي تُؤثَر من مئات السنين قالوا قد يكون أحد الحواريين أو أحد تلامذة ورسل عيسى، فهل يُمكِن أن يكون عيسى بعد أن نجَّاه الله – تبارك وتعالى – هاجر من بلدة فلسطين وذهب إلى هناك وعُمِّرَ هناك وتُوفيَ هناك وفاة طبيعية كما يعتقد القاديانية؟ القاديانية يعتقدون بهذا، والله أعلم بالحقيقة، المسألة قيد الدرس ورهن التحقيق والبحث، ولكن هذا مُمكِن، لماذا؟ عيسى لم يُقتَل على الصليب ولم يُرفَع حياً روحاً وبدناً وإنما مات ميتة طبيعية بدلالة قول الله إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ۩ وقوله فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ۩ فضلاً عن قوله قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۩، وهناك آيات كثيرة عن هذا، هذه سُنن لكن الله – تبارك وتعالى – أعلم.

نأتي الآن إلى آية النساء، قال وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۩ إلى أن يقول بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۩، فقالوا صرَّح بالرفع، وقد أجبنا عن الرفع، إنه رفع المكانة والمقام، انتبهوا إلى أن آية النساء نُحكِّم فيها آية آل عمران، لماذا؟ وعدٌ وإنجازه، وعدٌ وتنجيزه، أين وعد الله في آل عمران؟ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ۩، هذا وعد حقَّقه الله وأنجزه ونفَّذه فأخبر بقوله بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۩، هنا فقط اكتفى واجتزأ – سبحانه وتعالى – بالرفع، فالمفروض أن هذا الرفع يكون في سياق الوعد تاماً كاملاً، والوعد هو بماذا؟ بالتوفية والرفع والتطهير، فكأنه يقول بل توفاه الله ورفعه وطهَّره منهم فلم يصلبوه، عيسى لم يُصلَب ولم يُقتَل، هذا هو، هذه تفعل في هذه، لأن هذا وعد وهذا تحقيقه، لا تأخذ الرفع وحده، لأنه إخبار عن تحقيق الله لوعده ولموعدته لعيسى عليه السلام، قال الله – تبارك وتعالى – وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ۩ معنى قوله إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩ أي بعيسى، وهذا هو الذي عليسه مُعظم المُفسِّرين، الشيخ ابن عاشور له رأي وأنا لم أقرأه لغيره، وهو رأي وجيه جداً – سبحان الله – عند التأمل، فلا أدري كيف غاب عن مَن سلف، قال إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩ الضمير المجرور راجع إلى الرفع المُعبَّر عنه بالفعل، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۩ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩، أي بالرفع، هذا عيسى رُفع ولم يُصلَب ولم يُقتَل ولم يُهَن، لم يكن ملعوناً على خشبة كما يُروِّج اليهود أعداء عيسى، رفض الله هذا وقال بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۩ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩، على كل حال مُعظم المُفسِّرين يقولون أن المُراد بقوله إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩ هو عيسى، وأنا عندي رأي أيضاً ولكن المقام يضيق عنه جداً، وهو أن المُراد بقوله إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩ هو محمد، أي ليُؤمنن بمحمد وليس بعيسى ولا بالرفع، وعندي أدلة على هذا لكن هذا يحتاج إلى وقت وإلا سوف يذهب وقت الخُطبة، وعلى كل حال عيسى المُراد من قول الله إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩ على المشهور، قال الله قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ فقالوا قبل موت عيسى، لكن هذا القول ضعيف مُباشَرةً، لماذا؟ النظم يُؤكِّد أنه ضعيف، لأن الآية تتحدَّث عن عموم الكتابيين، تعم كل كتابي يهودياً كان أو نصرانياً، تقول وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ ۩، وقلنا وَإِن ۩ هنا نافية بمعنى (ما)، أي ما من أهل الكتاب أحدٌ إلا، وما بعدها يُشبِه أن يكون صفتاً لهذا المحذوف (أحدٌ)، ففي السياق تعميم، ولكن إذا أرجعنا الضمير في قوله قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ – الضمير في موته – إلى عيسى تُصبِح فقط مُختَصة بمَن يُدرِك عيسى من الكتابيين فقط، أما أهل الكتاب قبل ذلك وهم كثيرون إلى الآن وإلى أن ينزل عيسى – إن نزل – فلا علاقة لهم، أليس كذلك؟ وهذا مُخالِف لظاهر الآية، الآية تعم الكتابيين، تقول الآية وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ۩، ويُقسِم الله تبارك وتعالى، هذا قسم إلهي لأن هذه لام القسم في قوله لَيُؤْمِنَنَّ ۩، أرأيتم؟ ولكن التفسير الثاني الذي قال به ابن عباس – وهو إحدى الروايتين وأحد القولين – وقال به مُجاهِد وقال به عكرمة وقال به الضحاك وقال به ابن سيرين ورجَّحه الزمخشري ومال إليه النووي وكثيرون – النووي قال هذا القول الصحيح – هو أن قول الله لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ يعني قبل موت الكتابي، ما من كتابي إلا يرى الحقيقة ويعلم أن عيسى بن مريم كما أخبر الله، إن كان الكتابي نصرانياً يعلم أن عيسى عبد الله ورسوله، وأنه لم يمت مصلوباً كما تعتقد أيها النصراني أبداً، وإنما مات على النحو الذي أخبر عنه كتاب الله، وإن كان الكتابي يهودياً علم وأيقن هذا اليهودي أن عيسى لم يكن ملعوناً ولا ابن خنا والعياذ بالله – أستغفر الله العظيم – وإنما كان عبد الله ورسوله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ ۩، هكذا كان عليه السلام، فاليهودي والنصراني يرى الحقيقة، لكن هل ينفعه إيمانه هذا؟ لا ينفعه، للأسف الإمام الطبري بعد أن ذكر الأقوال – ذكر قولين ووجَّه كلاً – استروح إلى القول المشهور قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ أي قبل موت عيسى وليس موت الكتابي، وذهب يُضعِّف هذا القول الثاني على أنه ظاهر وقوي وهو الذي يلتئم بالعموم في الآية التي تقول وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ ۩، لماذا؟ قال لأنه لو صح هذا التفسير أو هذا الوجه – هذا معنى كلام ابن جرير رحمة الله تعالى عليه – لوجب أن يُورَّث هذا الكتاب وأن يرثه المسلمون فقط من أبنائه وورثته وليس النصارى واليهود، لأنه أسلم وآمن، لكننا نرد على ابن جرير ونقول له كلامك غير صحيح بالمرة رضوان الله عليك، لماذا؟ لأن الإيمان في هذه الساعة نعم أقسم الله عليه وسمّاه إيماناً لكنه لا يُفيد، لا يُفيد بنصوص كتاب الله تبارك وتعالى، قال في آخر غافر – المُؤمِن – عز من قائل فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ۩ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۩، هل سمّاه إيماناً أم لم يُسمّه؟ سمّاه إيماناً وقال لا ينفع، انتبهوا لأن هذا – سبحان الله – ابن جرير، مَن أنا ومَن ابن جرير؟ مَا نَحْنُ فيمن مَضَى إلاّ كبَقْلٍ في أُصولِ نَخْلٍ طُوالٍ، ولكن يفتح الله على مَن شاء، ابن جرير أخطأ هنا فنقول له أخطأت، مَن خطَّأنا فليرد علينا، هذا علم واجتهاد في المسائل، لا يُوجَد لعب، وهذا خطأ، فرعون الملعون حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۩، ماذا قال الله له؟ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ۩، أي قال له هذا لن ينفع الآن، قال الله وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۩، والآيات كثيرة على أن مثل هذا الإيمان مع تسميته – وهذا أهم ما في المقام – إيماناً لا ينفع صاحبه، هذا ابن جرير لم يلتفت إليه فأخطأ في الترجيح، قال هذا غير راجح لأجل كذا وكذا وكذا، وهذا غير صحيح، إذن الصحيح أن المُراد بقول الله إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ هو عيسى ۩، والمُراد بقوله قَبْلَ مَوْتِهِ ۩ أي قبل موت الكتابي، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ۩، ليس فيها أي دليل إذن بهذا التوجيه وهذا الرأي القوي المُلتئم بالعموم فيها على أنه يعود في آخر الزمان ثم يموت، هذا غير صحيح، فلا تُكفِّروا الناس بهذا على الأقل، رسالة الخُطبة لا تُكفِّروا الناس بأشياء غير ثابت أنها من أصول الدين يا أخي، اعتقدوا بها ما شئتم أن تعتقدوا لكن لا تُكفِّروا، وأنا طبعاً أعلم والله أن مثل هذه التحقيقات وهذه المُباحَثات تُزعِج المسلمين، السُني كما الشيعي، هل تعرفون لماذا؟ الناس بطبعهم يميلون إلى مثل هاته العقائد لأنها أيدولوجية للمساكين، هذه أيدولوجية الضعفاء والمقهورين، وأنتم تعرفون هذا، ولذلك مثل هذه العقائد عرفتها كل الأمم، تقريباً ما من أمة إلا عندها عقيدة مشيحانية وعقيدة مهدوية، يُقال يأتي شخص في آخر الزمان ومحمول على السحاب وينتقم لنا ويُرسي العدل ويضع الأمور في نصابها، هذا في كل الأمم ولسنا بدعاً من الأمم، فلما تقتل لي هذه العقيدة تكون مُصيبة، لماذا؟ لأنك تُريد أن تُحمِّلني أنا الآن مسئولية أن أنهض بنفسي وبأمتي، ونعم هذا ما نُريده، لكنه قال لك لا، نحن لا نُريد هذا، نحن قومٌ كُسالى، نُريد أن ننام على حس هذه العقائد – لا أقول أساطير أو خُرافات حتى لا أجرح شعور أحد – وبعد ذلك سوف تنصلح الأمور، لكن هذا خطأ، هذه أيدولوجية الضعفاء وأيديولوجية المساكين تُبرِّر استقالة الأمة من مهامها الحضارية والبنائية والتنموية والدينية الروحية حتى وإلى آخره.

أخيراً قال الله وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ۩، قالوا وَإِنَّهُ ۩ أي عيسى، عيسى لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ۩، ما معنى عِلم؟ ما معنى إنه لعِلم؟ قالوا عَلم، وهذا غير صحيح، فرقٌ بين العِلم والعَلم وإن كان العلَم مأخوذاً من العِلم، فتفسير العِلم بالعَلم على تكلف شديد، وإنما هو من باب المُبالَغة في الوصف، قال الله وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ ۩ كما نقول فلانٌ عدل وفلانٌ ظلم وفلانٌ كفر وهكذا، فهذا من باب المُبالَغة، لكن الضمير في قوله وَإِنَّهُ ۩ يعود إلى القرآن الكريم، قيل وَإِنَّهُ ۩ القرآن الكريم، وأنا أستروح إلى هذا وسوف أقول لكم لماذا الآن، وقيل وَإِنَّهُ ۩ محمد عليه السلام، وهذا قوي أيضاً، وقيل وَإِنَّهُ ۩ عيسى، لماذا عيسى بالذات؟ لأن عيسى خُلِقَ من غير أب وعيسى أحيا الموتى وعيسى ينزل قبل يوم القيامة فصار عِلماً للساعة، إذن هذه الأقوال في هذه المسألة، وأنا أُرجِّح أنه القرآن العظيم، هل تعرفون لماذا؟ لأنه مثل هذه الصيغة تكاد تكون وقفاً على القرآن العظيم، وبالذات في هذه السورة الجليلة، أي سورة الزخرف، قال الله حم ۩ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ۩ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ۩ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ۩ إذن قال الله وَإِنَّهُ ۩، ما المُراد بقوله وَإِنَّهُ ۩؟ القرآن، هذا في نفس السورة في أول الآية الرابعة، قال الله وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ۩ وفي الآية الرابعة والأربعين وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ۩ مَن هو؟ القرآن، وفي أي سورة؟ الزخرف، إذن المُراد مِن قوله وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ۩ هو القرآن بإجماع المُفسِّرين، والمُراد من قوله وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ۩ هو القرآن بإجماع المُفسِّرين، وبالتالي المُراد من قوله وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ۩ هو القرآن أيضاً، إذن المُراد هو القرآن، قال الله وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۩ وقال أيضاً وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩ فضلاً عن أنه قال وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ۩ وقال وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ۩ وإنه وإنه، يا أخي هذا التعبير مُختَّص بالقرآن فلماذا ذهبتم مرة إلى محمد ومرة إلى عيسى بالذات؟ لماذ؟ تفكيك القرآن، تفكيك أواصر القرآن الكريم، وليس هذا فحسب، اقرأوا السياق، واضح جداً أن هذه الآيات الكريمة – أيها الإخوة – من سورة الزخرف تتحدَّث وتحاج أناساً كافرين جاحدين بالساعة، لا يُؤمِنون بالقيامة، لا يُؤمِنون بالساعة، ولذلك في البداية يقول وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ۩،أي يصدون في خويصات أنفسهم، قال الله وَلَمَّا ضُرِبَ ۩، أين ضُرِبَ؟ في القرآن الكريم طبعاً، مَن الذي ضرب؟ الله لا إله إلا هو، وأين ضرب هذا المثل؟ في القرآن، فصدَّ كفار العرب وكفار قريش خاصة وكذَّبوا القرآن وقالوا هذا لا نُؤمِن به عن عيسى، نسمع بعيسى ولكن لا نُؤمِن بهذا المثل على هذه الطريقة، قال الله وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ – فقابلوا مثلاً بمثل – إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ۩ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا ۩، لمَن؟ انتبهوا إلى هذا، لماذا يُؤكِّد القرآن هنا في هذا السياق بالذات أن عيسى هو مثلٌ لبني إسرائيل؟ كان يُمكِن لله أن يقول وجعلناه مثلاً للعالمين كما قال فيه وفي أمه آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩، ولكنه هنا قال مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ۩، لماذا؟ ليدل على محصورية رسالته ومخصوصيتها، فلا يُقال هذا بالذات من بين الأنبياء جميعاً وفي مُقدَّمِهِم مُقدَّمَهُم – عليه الصلاة وآله والتسليمات والتبريكات – هو الذي يعود بعد ذلك ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً نوراً دون محمد أو غير محمد!

للأسف أدركنا الوقت أيها الإخوة، في الخُطبة الثانية سأذكر على سبيل السرعة – إن شاء الله – والإعجال بعض المُلاحَظات التي تلتئم بسُنن الله الكونية المُعبَّر عنها بالصيغ القرآنية الشرعية، وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ۩.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

في هذه السورة أيضاً – أي في سورة الزخرف – يقول الحق تبارك وتعالى قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ۩هذا في نفس السورة، أي في السورة نفسها، لكن تفكَّروا وتأمَّلوا وتدبَّروا في هذه العقيدة، عقيدة أن عيسى رُفِعَ تاماً وافياً روحاً وبدناً، والعجيب أنهم استدلوا على أنه رُفِعَ كذلك بأن النبي رآه في السماء الثانية، ويا للعجب، وقد رأى معه – كما قلت – ابن خالته ورأى غيره من الأنبياء، وأنا سأقول لكم بحسب أحاديث المعراج إن كان مُجرَّد لُقي النبي لنبيٍ آخر أو رسول آخر في السماء – إن كان هذا بمُجرَّده – دليلاً على أن هذا النبي رُفِعَ وافياً تاماً بدناً وروحاً فإن الأولى ليس عيسى وإنما موسى، هل تعرفون لماذا؟ لأنه التقاه مرتين، مرة في السماء ومرة عند الكثيب الأحمر قائماً يُصلي كما في صحيح مسلم، إذن يبدو أن موسى هو الذي بقيَ تاماً وافياً، غير صحيح، لا هذا ولا هذا، هذا عالم الأرواح، هذا عالم المثال، هذا عالم آخر، من أين لكم ما تقولون؟ ثم إنه لقيه مع ابن خالته، وهذا الحديث صحيح قطعاً، أنا استطيع أن أُقسِم أن النبي قال هذا وأنه رأي عيسى ويحيى في سماء واحدة، هل تعرفون لماذا؟ ليس لأنهما ابني خالة فقط، لأن الله – تبارك وتعالى – قال عن يحيى وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ۩ وقال عيسي – عليه السلام – وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ۩، مشابه عجيبة جداً جداً جداً جداً، وهنا قد يقول لي أحدكم عيسى لم يُقتَل ويحيى قُتِل، لكن من أين لك هذا؟ هذا كلام الإسرائيليين كما يقول العلماء، اقرأ كلام ابن جرير الطبري وكلام ابن كثير وقد قال الأرجح أنه لم يُقتَل وإنما تُوفيَ وفاة طبيعية لقول الله تعالى وَيَوْمَ يَمُوتُ ۩،
وأي نقيض ومُعارِض للتسليم والسلامة من أن يُقتَل يحيى قتلاً؟ هذا مُستحيل طبعاً، هذا كذب، ثم يُقال ودُفِعَت رأسه لبغي وشربت فيها الخمر، حاشا لله أن يفعل هذا برأس نبي، هذا غير صحيح، الله سلَّمه عند موته فمات ميتةً طبيعية كما سلَّم عيسى،
هذه الآية أيضاً تقول وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ – إذن عيسى له مولد – وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ۩، واضح أنه سياق سُنني طبيعي لأنه وُلِد ومات ويُبعَث كما يُولَد كل منا ويموت ويُبعَث، لا يُوجَد أي استثناء، لو هناك مسألة رفع وافياً تاماً ثم يعود بعد ذلك ثم يُتوفى فإن هذه مسألة إعجازية خوارقية كان ينبغي أن تُذكَر في هذا الاختزال البيوجرافي، هذا اختزال وتكثيف لحياة عيسى، قال الله هذه مراحل ثلاثة مثل مراحل يحيى، هل يحيى سوف يعود؟ لن يعود، وهذا نفس الشيئ أيضاً.

في آخر سورة المائدة – ذكرت هذا مرة وتأمَّلوا في هذا جيداً جداً – وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ – أين قال الله هذا؟ بإجماع المُفسِّرين يقول له هذا يوم القيامة في موقف الدينونة والحساب – أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚإِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ۩ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ – بالله هنا افتحوا آذانكم جيداً يا إخواني وأخواتي، أصغوا جيداً إلى كلام الملك لا إله إلا هو، المليك المُقتدِر – وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ ۩، أي مُدة دوامي فيهم، انتبهوا إلى هذا، إذن عيسى يقول بكلمة واضحة قاطعة أنا أديت الشهادة على القوم الذين بُعِثت فيهم مُدة بقائي فيهم ومُدة دوامي، أنهم لا يعبدون إلا الله وحده لا إله إلا هو، ثم يقول فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي – هنا بمعنى مت – كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۩، فهذا يعني لو عاد عيسى لكان حتماً ولابد أن يُذكَر هنا، كان ينبغي أن يقول له فلما توفيتني ثم بعثتني – ثم عُدت بي وأنزلتني – وجدتهم غيَّروا وبدَّلوا فأنكرت عليهم وتبرّأت منهم، لكن هذا غير مذكور، عيسى لم يعد ولم يعرف ولم يطلع على ما فعل قومه بدينه من بعده، كل الشهادة مؤداة في هذا النطاق فقط مُدة دوامه، وفي مُدة دوامه لم يحصل أنه دُعيَ إلهاً لا هو ولا أمه من دون الله، القرآن واضح، هذه سورة المائدة فلا تقل لي البخاري ومسلم وابن فلان وأبو علان، هذا لا يُعنينا الآن، قرآن عظيم هنا، وهو واضح جداً، ولذلك النبي – عليه الصلاة والسلام – له حديث نقبله لأنه مع القرآن تماماً، فنحن لا نقبل ونرفض بالتشهي، يقولون عدنان وغير عدنان يُحكِّم عقله بالتشهي، وهذا غير صحيح يا أخي، نحن نُحكِّم كتاب الله الواضح الصريح القطعي، يُوجَد حديث لابن عباس في صحيح البخاري في كتاب التفسير وهو حديث الحوض، كيف يُختلَج ويُؤخَذ بأُناس من أصحابه ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي أصحابي، فيُقال إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك -هذا في صحيح البخاري-، فأقول كما قال العبد الصالح وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ ۩، الملائكة ماذا تقول لمحمد عليه السلام؟ إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، أنت لا تعرف، لماذا تستنجد لهم؟ لماذا تقول أصحابي أصحابي؟ هؤلاء ارتَدوا بعدك وهؤلاء غيَّروا دينك بعدك – والحديث في البخاري – وأنت لا تعرف، قال إذا كنت لا أعرف فأنا عندي عذر مثل عيسى الذي لا يعرف ماذا حصل بعده، هل فهمتم الآية؟ هل فهمتم الحديث؟ الحديث في البخاري، هذا حق يُطابِق حقاً، قال فأقول كما قال العبد الصالح وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ ۩، في تتمة الحديث يُقال له إنهم لم يزالوا مُرتَدين بعد أن فارقتهم، قالوا له هؤلاء ارتَدوا، جماعة طبعاً من الصحابة – جماعة من أصحابه – تركوا الدين والعياذ بالله، فالحديث واضح إذن.

أخيراً لصالح مَن يُقال ويُؤكَّد أن عيسى الذي جُعِلَ إلهاً وابن إله لم يمت ميتة طبيعية وصُعِدَ به إلى السماء روحاً وبدناً؟ وهو هناك – عند النصارى – جالسٌ إلى جانب والده – أستغفر الله العظيم – لأن في العقيدة النصرانية كل أحد لابد أن يُقدِّم كشف حساب لعيسى، كل أحد من مُحِسن ومن مُسيء لابد أن يفعل هذا، فيُثيب هذا ويُعذِّب هذا، لابد أن يُقدَّم كشف حساب، وبعد ذلك ينزل في آخر الزمان – ينزل عيسى في العهد الألفي السعيد – ليُدين الخلائق أيضاً ويطبع العالم كله بطابع عقيدة واحدة وملة واحدة، واليهود يعتقدون نفس الاعتقاد ولكن في مسيحهم، كما قلت لكم عند اليهود في سفر إشعياء الإصحاح الحادي عشر ينزل مسيحهم المُنتظَر، وحين ينزل يضرب بقضيب الحق – يُوجَد عنف طبعاً، عنف بني إسرائيل – ويقتل المُنافِقين بنفَسه، بمُجرَّد نفَسه المُنافِقون الكفار يموتون، انتبهوا لأن هذا المعنى ذُكِرَ في حديث أبي هريرة، يقول فلا يحل لكافرٍ يجد نفَسه أو ريح نفَسه إلا مات، ونفَسه يبلغ ما بلغ طرفه، هل هذا قاله النبي أم قاله سفر إشعياء؟ هذا سفر إشعياء وهو منقول لنا، هذه نُسخة – Copy – كربونية، ومع ذلك ننقله ونقول أن النبي قال وروى أبو فلان وأبو علان، انتبهوا واقرأوا أديان مُقارَنة، وليس هذا فحسب، انظروا إلى هذا الشيئ الغريب، القرآن يقول وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ۩ مسلمون مع يهود مع نصارى وهكذا، هذه ملل إلى يوم الدين لن تتوحَّد، هذه سُنة الله في الخلق، لأن الإنسان مُختار – هو كائن مُختار – طبعاً، والله لا يشاء أن يجبر الناس على عقيدة على الرغم منهم، الله لا يُريد هذا، فالدنيا فيها المُؤمِن وفيها الكافر، ولكن سفر إشعياء ماذا يقول؟ يقول تُصبِح معرفة الرب في قلوب الناس جميعاً كما الماء يُغطي البحر، وهذا مذكور في حديث أبي هريرة، تُصبِح الملة واحدة، الله يُهلِك الملل كلها إلا ملة التوحيد، أي سيبقى دين واحد، وهذا مُخالِف لسُنة الله ومُخالِف لكتاب الله تبارك وتعالى، وليس هذا فحسب، في أحاديث أبي هريرة وغير أبي هريرة يُقال ويُحطِّم – يُكسِّر ويُدمِّر – البيع والكنائس، أي لن تبقى إلا المساجد، وهذا غلط لأن الله يقول وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ ۩، من حكمة الله وإرادة الله أن تبقى هذه الأشياء موجودة، الله لا يُريد أن يطمسها ولا أن يُدمِّرها، هذه سُنن كونية لله، والله يلفت النظر إليها، وليس هذا فحسب أيضاً، في سفر إشعياء تُصبِح الدنيا كلها أمنة وسلاماً ومحبة، والنمار – أي النمور – ترعى مع الأبقار، والذئاب ترعى مع الأغنام والشياه، والصبية الصغار يلعبون بالأفعونات -بالحيات والثعابين – وإلى آخره، وهذا تماماً مذكور عن رسول الله من رواية أبي هريرة، يتحدَّثون عن الذئب والغنم والبقرة والدبة، يقول أبو هريرة أن الرسول قال الكلام هذا أو نُسِبَ إلى أبي هريرة – الله أعلم – أنه قاله، فهذا يكون مع هذا والصبي يلعب بالحية، يضع يده في جحر الحية فلا تُؤذيه، يُلقي الله الأمنة، فهل هذا كلام نبوي أم كلام إشعيا؟ هذا من العهد القديم وصحَّحه فلان وصحَّحه الشيخ العلَّامة فلان، يا جماعة هذه عقائد أُخرى، عقائد إسرائيلية تسلَّلت إلى ديننا تحت إسم حديث وروى فلان وأخرج فلان، وهى تُناقِض كتاب الله تبارك وتعالى، وأختم بالتذكير الآتي:

لو كان لنبيٍ واحد من بين النبيين والمُرسَلين أن يعود إلى الدنيا ولو كان لهذا العائد إلى الدنيا في آخر مُدتها وزمانها قبل أن يُطوى بساطها أن يُوحِّد الملل على ملة واحدة ويجعل الدين ديناً واحداً لكان الأحرى والأقمن والأخلق والأجدر هو صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، لماذا؟ وحده القائل فضلت على النبيين بخمس، ومن ضمنها أنه بُعِثَ للناس كافة، قال الله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۩ وقال أيضاً وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩ فضلاً عن أنه قال قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ۩، هو الرسول العالمي العالمي، لماذا العالمي لا يُبعَث ولا يجمع الناس على دين واحد؟ لماذا؟ لأن هذا لم يصح عنه ولم يقله الله؟ لكن لماذا يعود رسول غير عالمي؟ لماذا يعود عيسى – عليه الصلاة والسلام – وهو ليس رسولاً عالمياً إنما هو رسول لبني إسرائيل ومضروب مثلاً له ومُرسَل فيهم؟ لماذا هو الذي يُبعَث قبل القيامة ويُوحِّد الملل والأديان؟ هل تعرفون هذا يخدم ماذا؟ يخدم شُبهة الإلهية فيه، سوف يقولون لك لأنه إله ابن إله ونور ابن نور، الرسول – عليه السلام – لما ناقش وفد نجران – نصارى نجران – في السنة التاسعة ماذا قال لهم؟ قال لهم ألستم تُقرِون أن الولد يُشبِه أباه؟ قالوا بلى يا محمد، قال فإن ربنا حيٌ لا يموت وإن عيسى أتى عليه الفناء، أي أن عيسى مات، لكن الله لا يموت، قال الله فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ۩.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُفقِّهنا الدين وأن يُعلِّمنا التأويل وأن يفتح علينا بالحق وهو خير الفاتحين.

اللَّهُمَّ اهْدِنِا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، اللهم أصلِحنا وأصلِح بنا، واهدنا واهد بنا، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اللهم أنصر الإسلام وأعز المُسلِمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين، اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا وما جنينا على أنفسنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (13/4/2012)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليقان 2

اترك رد

  • ما أجمل القصة عندما تترابط أحداثها بحبكة متينة تُقنِع العقول السليمة الراشدة و تتسلسل حلقاتها و تتماسك فلا حلقة مفقودة بينها و لا مدعاة لتضارُب الأفكار و تنافر بعضها مع بعض … زاد الله الشيخ عدنان رِفعةً و جزاه عنا خيراً كما يحدث الناس بما يحترم عقولهم و لا يجعلها تتخبط هنا و هناك بل يجعلها على محجة بيضاء لا لبسَ فيها و لا تشويش …
    وعندي إضافة يمكن أن تفيد في هذا المجال و هي لغوية ، في الآية { و لو نشاء لجعلنا منكم ملائكةً في الأرض يخلفون و إنه لعلمٌ للساعة فلا تمترن بها } الضمير في { إنه } يعود على المصدر المستور ( الجَعْل ) أي هذا الجَعل من الناس الموحدين مَن يشبه الملائكة و يشبه عيسى حيث يختص الله سبحانه فئة من الصالحين و يقربهم و يوليهم عنايته الخاصة ليحققوا مراده العزيز ـ و جملة { لجعلنا منكم ملائكة } تشبيه بليغ على نحو القول مثلاً : سأجعل منك صلاح الدين أو خالد بن الوليد أي يشبهه كثيراً و هذا الاستنتاج بالاعتماد على الآيتين { وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقربين * و يكلم الناسَ في المهدِ و كهلاً و من الصالحين } فالأغلب أن حرف الجر [ من ] هنا يفيد التبعيض و النوع لا يفيد الوصف و هذا المعنى ل [ مِن ] لا يتوقف على الآيات المعنية بعيسى عليه السلام بل جاءت في كل الأنبياء المذكورين في القرآن لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم اجتمعت فيه فضائل كل النبيين و هو إمامهم و سيدهم فمثلاً قال عن ابراهيم { و آتيناه أجره في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين } فإذا كان نبياً ما معنى وصفِهِ بأنه من الصالحين ؟ إلا أن يكون معنى [ مِن ] هنا لا يفيد الوصف بل النوع و التبعيض كما أن الآخرة هنا لا تعني القيامة بل آخر الزمان { و ثلة من الآخِرين } ، أي أن إبراهيم سيكون أمثاله في أمة محمد آخر الزمان ، على نحو قول النبي [ فلان مني و أنا منه ] فعيسى عليه السلام نبي و لا درجة أعلى من النبي حتى المقربون هم أدنى درجة من النبيين أي أن المعنى هو أن الله تعالى يختار من المقربين من أمة محمد و كذلك من صالحيها من يجعلهم يحملون كثيراً من صفات الملائكة أي ما يكون شأنهم أعجب من عيسى عليه السلام الذي ولد من أم بلا أب فالله تعالى قال { إن يشأ يُذهبكم و يأتِ بخلقٍ جديد و ماذلك على الله بعزيز } و هذا الخلق الجديد ليس بالضرورة بعد الموت بل أثناء الحياة قال سبحانه { و ما نحن بمسبوقين *على أن نبدل أمثالكم و ننشئكم فيما لا تعلمون } و هذا ما يسمى بالنشأة الأخرى التي تتعلق بمعرفة الله القلبية و ما هو من شأن مدارج السالكين و قد قال أحد العارفين [ ليست أعماركم مذ ولدتكم أمهاتكم و لكن أعماركم مذ عرفتم الله ] و أما كلمة { وجيهاً في الدنيا و الآخرة } فالآخرة هنا لا تعني يوم القيامة الكبرى بل هي الآخرة التي هي ظرف للمظروف [ الآخِرين } في الآيات من سورة الواقعة { ثلة من الأولين و قليلٌ من الآخِرين } أي آخر الزمان و إلا فلماذا يخصه الله بالوجاهة يوم القيامة مع أن كل الأنبياء ذوو وجاهة عظيمة في ذلك اليوم فالأغلب أن هذه الوجاهة هي من صفة أولئك الذين سيجعلهم الله من أمة حبيبه المصطفى صلى الله عليه و سلم ممن يشبهون عيسى عليه السلام أما كلمة [ في المهد ] فالمهد إسم من أسماء الأرض { الذي جعل لكم الأرض مهداً و جعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون } [ 9 ـ الزخرف ] و للمزيد من تأكيد هذا المعنى أنها وردت في نفس سورة الزخرف التي وردت فيها الآية عن عيسى حيث أن المجال في هذه الآيات مجال تشبيه و كناية أي هي من الآيات المتشابهات التي يدخل فيها التشبيه البليغ و الاستعارة و الكناية و لأنه كما شرح الدكتور عدنان عن كلمة { متوفيك } أي أعلمهُ لعيسى عليه السلام أنه لن يُصلَب البتة بل سيُرفَع و سيطول عمره إلى أن يُتوفى وفاة طبيعية بعد عمر طويل على نحو { و لا أنا عابد ما عبدتم } أي في المستقبل أيضاً لن أعبد ما تعبدون ـ و كم كان توضيح الشيخ عدنان رائعاً في هذه الناحية و ناحية الرفع و التطهير حيث يستلزم هذا الرفع أ ن يكون شأنه تابع لشأنه تعالى و منه أي يكلم الناس في أرض الله متى شاء الله فعندما يرفع الله عبده إليه يعني ذلك أنه يطوي له الأرض و يسخر له الزمان و المكان بقيةَ عمرهِ .. كما وضح أن عيسى الناصري هو إلى بني اسرائيل خاصة أما هذا ( الجَعل في الزمن الآخِر في المهد ـ مهد الأرض فهو في كافة معمورة الأرض ، أي يبثه الله بَثاً كشأن آدم على أن البَثّ لا يعني الولادة بل النشر في الأرض هنا و هناك { خلقكم من نفسٍ واحدة و جعل منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساءَ } سبحان من قال { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة } لم يتزامن الفعل الماضي مع تاليه بل جاءت { تصبح } لا [ أصبحت ] لتنبيهنا إلى أن الله تعالى لا يحكمه زمان البتة .. كما فك اللبس أيضاً في شأن يحيى عليه السلام فكم من يظنون أن رأس يحيى قُطع و معمول عليه مقام ! يا لقلة الثقة بكتابنا العزيز القائل في يحيى نفس ما قيل في عيسى و كم كنتُ أتعجب أن كيف يجتمع قطع رأس و سلام في نفس الوقت ؟؟؟ .. و كيف يجتمع صلب مع رفع و تطهير ؟؟ .. فقد بانت الحقائق أخيراً و زال الالتباس … فأين من يسمع و يعي ؟ …

  • كما يطلب فضيلة الأخ الدكتور عدنان “من خطّأنا فليرد علينا”. أنا لا أخطّأ هنا بالضرورة. بل العكس أعتقد أن النص القرآني هو نص ديني، وبالتالي كنص أدبي هو نص مفتوح يمكن قراءته بطرق متعددة ويمكن تفسيره على أكثر من مستوى. بل أكثر من ذلك أعتقد أن من يخطّأ هو على الغالب شخص لا يقبل الفهم الليبرالي للنص وللدين وبالتالي من الصحيح أن يوصف بأنه تكفيري وفاشي وبالتالي أن تضعه السلطات على القوائم السوداء. لكن بالفعل أنا أرحج، أو أميل أو أفضل، رأي الطبري. السبب هو أن الإيمان بعيسى قبل موته (أي موت عيسى) يعني أن الإيمان قائم على التعاليم وليس على معجزة القيامة. وهذه على ما رأي هي فحوى رسالة الإسلام. فتعاليم الأناجيل أكثر من رائعة ولا غبار عليها لكن المشكلة أن كل التعاليم لم تعد تهم بل المهم الإيمان بالقيامة، أي قيامة المسيح. المسيحيون حتى اليوم لا يقولون لبعضهم بعد الصلاة “تقبل الله” أو نحوه بل يقولون “حقاً قام”.
    ملاحظة ثانية، وأنا هنا “أخطّأ” الأخ العزيز الدكتور عدنان ابراهيم، مسيح اليهود “يـأتي” أو “يظهر” ولكن لا “يعود” أو “ينزل”. وهذا طبيعي، فالجماعة تحتاج إلى بطل يكون القائد المؤسس (موسى ويوشع، ثم داوود) وإلى بطل آخر يعيد للجماعة وحدتها وعزتها. وكلمة مسيح هنا، أي عند اليهود، تعني مبارك ليكون البطل وليكون ملك. لا شيء غير طبيعي، أو غير منطقي.

%d مدونون معجبون بهذه: