إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۩ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ۩ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ۩ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ۩ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ۩ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ۩ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

واقعة نوح – ولا نقول أسطورة نوح، إنما واقعة نوح، لأنها حق، خبرها أتى من لدن الحق، لا إله إلا هو – واقعةٌ لا تخلو تقريباً ثقافة بشرية من أسطورة تتناولها، حتى أن المُختَصين عدوا زُهاء خمسمائة أسطورة عالمية (في الثقافات العالمية) تتحدَّث عن الطوفان العظيم، ورجل صالح أو مُبارَك استثنائي قام بإنقاذ بعض ما أنقذ مع نفسه وأحياناً مع نفسه وزوجه وبعض قراباته، خمسمائة أسطورة! أتى ذلك مصداقاً لقوله – تبارك وتعالى – وَجَعَلْنَاهَا ۩… أي السفينة وخبر هذا الفلك أو خبر هذه السفينة المدعوة في العهد القديم بالتابوت أيضاً، آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩، خمسمائة أسطورة! إذن آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩.

على كل حال ربما على غير ما تتوقعون لن نكسر – أي لن نُخصِّص – هذه الخُطبة ونُخصِّصها للحديث عن الطوفان العظيم، هذه مسألة أُخرى، وتحتاج إلى مقام أطول وأوسع، وإنما سنتحدَّث عن مسألة أُخرى أيضاً، زاد الشغب في الأوقات الأخيرة، وشأنها في هذا شأن مسائل كثيرة، زاد الشغب والتشغيب بها في الفضاء السيبيري كما يُقال أو السايبري كثيراً جداً في الأوقات المُتأخِّرة، إنها مسألة عمر نوح – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وبحسب هذه الآية فعلى الأقل عُمِّر هذا النبي من أولي العزم المُبارَك الميمون تسعمائة وخمسين سنة، على الأقل! وأكثر جماهير علماء المُسلِمين يرون أخذاً بظاهر الآية أن هذه الفترة (أعني تسعمائة وخمسين سنة) هي فقط مُدة مكوثه داعياً إلى الله في قومه، أما كم مكث قبل ذلك؟ وكم مكث بعد ذلك؟ فهذا شأن آخر، فالظاهر (بحسب ظاهر الآية) أنه عُمِّر أكثر من هذه الفترة، ربما زُهاء ألف وأربعمائة سنة، كما ذهب إليه غير واحد.

أما العهد القديم – الجينيسيس Genesis بالذات، أو سفر التكوين، كتاب التكوين من العهد القديم – فيرى أن مُدى عمر نوح – عليه الصلاة وأفضل السلام – تسعمائة وخمسون سنة، تسعمائة وخمسون سنة! ستمائة سنة، كان في قومه، ودعاهم إلى الله في جُزء كبير منها، ثم أمره الله – تبارك وتعالى – أن يعتزلهم، وأن يشرع في بناء الفلك، ثم جاء الطوفان، وكان ما كان، في أربعين يوماً، ثم بعد ذلك – تقول التوراة – عاش فيهم بعد الطوفان – أي فيمَن نجى معه، ولم ينج معه إلا سبعة، هو وسبعة، أي ثمانية، هو وزوجته وأبناؤه الثلاثة: سام وحام ويافث، وأزواجهم، أي زوجاتهم، ولا تذكر التوراة أنه أعقب أو خلَّف أو وُلِد له بعد الطوفان، هم ثمانية إذن بنوح عليه الصلاة وأفضل السلام – ثلاثمائة وخمسين سنة. عاش بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة، ثم تُوفيَ، فكان تمام عمره على وجه البسيطة والمعمورة تسعمائة وخمسين سنة. هكذا تقول التوراة.

على كل حال الشُبهة التي تتردد في محافل وفي دواوين وفي مواقع كثيرة جداً على النت Net وفي غيرها: كيف يُمكِن لبشر، وكيف يتأتى أن يعيش بشر من البشر هذه المُدة المُتمادية، هذه المُدة الطويلة جداً، غير المعروفة، وغير المأنوسة في عادات البشر وفي تواريخهم؟

في العصور السابقة – أعزتي، إخواني وأخواتي – هذه لم تكن شُبهة قوية، في العصور السابقة – الوسطى طبعاً – سواء لدى المُسلِمين أو لدى أهل الكتابين (اليهود والنصارى) هذه لم تكن شُبهة أصلاً قوية، صحيح تُخالِف مُعتاد الناس، تُخالِف مُتوسِّط أعمار البشر في تلك الأحقاب والعصور، ولكن العقل الوسيط كان يقبل مثل هذه الأخبار، عادي جداً! العقل الوسيط الإسلامي واليهودي والنصراني كان يقبل انقلاب البشر إلى حجر، والحجر إلى بشر، وأشياء كثيرة في باب السحر والمسوخ، وأشياء مثل هذه، وهذا طبيعي.

ولذلك نجد علّامة كبيراً من وزن عبد الجبار الهمداني – رحمة الله تعالى عليه، أعظم عقلية اعتزالية في عصره وفي عصور كثيرة بلا شك، وصاحب المُغني، صاحب المُغني طبعاً في أصول الاعتزال في عشرين مُجلَّداً على ما وصلنا – يقول في كتابه العظيم تنزيه القرآن عن المطاعن حين فسَّر هذه الآية من سورة العنكبوت: فإن قيل كيف يتأتى لبشر أن يعيش هذه المُدة غير المعروفة في العادة – في مُعتاد الناس -، فإننا نقول هذا كلام يتأدى أو يجر أو ينجر إلى الإلحاد والتعطيل. وهذا ليس جواب الشُبهة طبعاً، يقول هذا الكلام لا يُريده إلا إنسان يُريد أن ينتهي به الأمر إلى تعطيل الله عن صفاته، بما فيها صفة القدرة، صفة القدرة! وهذا معنى التعطيل، تعطيل الله عن صفاته والإلحاد، أي في أسماء الله وصفاته، وليس الإلحاد بالمعنى الحديث (إنكار وجود الله)، لا يُعرَف هذا في لُغة المُسلِمين ولا حتى في القرآن الكريم، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۩، ليس في وجوده، فِي أَسْمَائِهِ ۩، قال والله على ذلك قدير. والله على ذلك قدير. هذا الجواب، انتهى! الله قادر على هذا.

بعض كبار علماء العصر مثل العلّامة الطبطبائي من إخواننا الإثنا العشرية في تفسيره العظيم بلا شك والاستثنائي الميزان، لم يخرج عن هذا الجواب، أن هذا داخل في حيز القدرة، سيد قطب في الظلال لم يخرج عن هذا الجواب، وهذا داخل في حيز القدرة.

وواضح أن مثل هذا الجواب لم يعد يُقنِع الفرد المُعاصِر، لا يُقنِع ابنك ولا ابنتك ولا أبناءنا، لا يُقنِعهم! يقولون إنه داخل في حيز القدرة، لكن يُخالِف ليس فقط المُعتاد والمرأي والمعيش والمأنوس، بل كل الأثبات والوثائق التاريخية. وقد يقول لي أحدهم تاريخ ماذا؟ أين التاريخ؟ نقول له السجل الحفري، الــ Fossil record، السجل الحفري للبشر ولأشباه البشر – أي الــ Hominines -، ولدينا سجل حفري كبير جداً وغني وثري، لدينا أجناس الأسترالوبيثكس Australopithecus أو القرد الجنوبي، هذه تعود وترقى إلى سبعة ملايين سنة، الأسترالوبيثكس Australopithecus، الــ Australopithecus africanus مثلاً، الــ Australopithecus afarensis، نسبةً إلى عفار Afar في أثيوبيا، لوسي Lucy! المعروفة بلوسي Lucy، من ثلاثة ملايين فاصل اثنين من عشرة من المليون سنة، من ثلاثة ملايين ومائتي ألف سنة، عمر لوسي Lucy، الحجم صغير، والأعمار صغيرة.

على كل حال لكي نضع الشُبهة في نصابها الحقيق بها علمياً نقول الآتي عن السجل الحفري عموماً، هو – كما قلت – غني جداً، لدينا تقريباً ثمانية آلاف أُحفورة في السجل الحفري، المُختَص بالبشر وأشباه البشر، ثمانية آلاف أحفورة! بعض الناس يظن أن ليس لدينا أحافير، يقولون لا تُوجَد أحافير، وأين الأحافير؟ وأين الحلقات المفقودة؟ لا يعرفون شيئاً، السجل الحفري البشري وشبه البشري ثمانية آلاف قطعة فيه، ثمانية آلاف قطعة! وطبعاً القطعة قد تكون سناً، أي Tooth، قد تكون أسناناً أو سناً واحدة، وقد تكون هيكلاً عظمياً شبه مُكتمِل أو مُكتمِلاً.

العلماء يعرفون بدقة مُعجِبة – تُثير العجب يا إخواني – وبدقة قريبة بشكل غير عادي من الواقع والحقيقة أنهم يستطيعون تقدير عمر الكائن من خلال سنة واحدة، سن واحد! حين يأخذون السن، يعرفون أن هذا الكائن هلك أو مات عن أي سنة، يعرفون هذا، سواء في الأحياء (في البشر الحاليين) أو في البشر الفائتين الماضين الغابرين، أو في أشباه البشر، من ملايين السنين، من السن يعرفون! هذا مات وعمره تقريباً كان أربعين سنة، مات وعمره تقريباً كان ثلاثين سنة، مات تقريباً وعمره كان عشرين أو خمس وعشرين سنة، من السن!

كل هذه اللُقى والأحافير تُؤكِّد أن البشر القدماء وأسلاف البشر وأسلاف أسلاف البشر من هذه الأناسي أو أشباه البشر أو الــ  Hominines – يا إخواني انتبهوا إلى أمرين، ثمة أمران – كانوا يعيشون أعماراً قصيرة، بين العشرين والثلاثين سنة، لم تُوجَد أعمار تصل إلى خمسين وستين وسبعين سنة، لا يُوجَد الكلام هذا، ولا يُوجَد مائة ومائتان، لا يُوجَد أبداً، لا يُوجَد أي دليل حفري، كلها تُؤكِّد أن أعمارهم كانت قصيرة جداً، وأحجامهم كانت صغيرة، أي عموماً كلما مضينا باتجاه نُقطة الحاضر مع الزمان من الماضي الغابر يحصل أمران، هناك تعاظم وتضخم وازدياد في أمرين: في الجسم أو في الحجم، فلوسي Lucy هذه كانت صغيرة، هكذا! يحدث هذا في الحجم أو في الجسم، وأيضاً في ماذا؟ في العمر، وطبعاً بخصوص البشر هناك تضخم في الدماغ – أي الــ Brain -، مع استثناءات بسيطة، ولكن هذا هو الخط العام.

الفكرة العامة للأسف الشديد لدى الناس الذين ليس لهم طبعاً قاعدة علمية حقيقية والناس في العصور الوسطى الغابرة مُعاكِسة تماماً، وهم يستندون على بعض النصوص الدينية، حتى المُسلِمون عندهم بعض النصوص، أن الله خلق آدم ستون ذراعاً، ولم يزل الخلق ينقصون. هذا يُخالِف كل السجل الأحفوري، لكله تماماً كان مُناقِضاً، الحمد لله القرآن ليس فيه شيئ من هذا، بالعكس! القرآن فيه إشارة إلى عكس هذا تماماً، ما رأيكم؟ القرآن فيه إشارة تُؤكِّد حقائق السجل الأحفوري، في قوله – تبارك وتعالى – يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۩، الخلق يزداد ولا ينقص، النصوص تقول الخلق ينقص. للأسف هذه النصوص حتى النبوية الحديثية أنا أعتقد أنها مُتأثِّرة بالتراث الكتابي، أو الأدبيات الكتابية – أي الــ Biblical literature -، في العهد القديم بالذات، العهد القديم بالذات! يظنون أن البشر القدماء كانوا أضخم بكثير، وكانوا عمالقة، وكانوا كباراً، وكانت أعمارهم طويلة جداً. غير صحيح!

هناك الفراعنة على فكرة، من أقدم الحضارات البشرية على الإطلاق الحضارة الفرعونية، عمرها الآن تقريباً – الآن هذا عمرها، ليس عُمِّرت، هي عُمِّرت ثلاثة آلاف سنة، لكن عمرها الآن تقريباً هو هذا – سبعة آلاف سنة، أي أقدم من السومرية، المشهور أن الحضارة السومرية كانت أقدم حضارة، الحضارة السومرية ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، الحضارة الفرعونية حوالي أربعة آلاف قبل الميلاد، وخمسة آلاف في تقديرات أُخرى أيضاً شائعة قبل الميلاد، سبعة آلاف سنة! ولدينا الآن أيضاً المومياوات – أي الــ Mummies – هذه وأجساد كثيرة مُحنَّطة، مثل الجسم المُعاصِر، وأحياناً أصغر قليلاً، أليس كذلك؟ وواضح هذا في أياديهم وأرجلهم، سبعة آلاف سنة! من أين أتت هذه الأساطير والخُرافات: أن الإنسان القديم كان عملاقاً، وكان يعيش فترات طويلة؟ غير صحيح، وهذا يتوافق مع ما في السجل الأحفوري.

مُشكِلة! لا أقول مُعضِلة، لو كانت مُعضِلة، لقلنا ليس لها حل. لكن هذه مُشكِلة، ولذلك لابد أن نُصوِّر الشُبهة بطريقة علمية مُحترَمة، لا نكذب على أنفسنا، ولا نكذب على الحقائق ولا الوثائق، هذه هي الحقائق، وهذه هي الأدلة والوثائق، فما الجواب؟

كما قلت في العصور الإسلامية الوسيطة لم يكن العلماء يرون في هذا إشكالاً أصلاً، ينفصلون بسطر واحد أو بكلمة واحدة: داخل في حيز القدرة، والسلام عليكم. انتهى كل شيئ! والناس تُسلِّم، لكن في العصر هذا نحتاج إلى جواب علمي، نحتاج أن ننفصل بطريقة علمية، وإلا – انتبهوا – شُبهة واحدة علمياً ومنهجياً غير قادرة، غير مُهيأة، وغير مُرشَّحة أن تُزعزِع إيمان إنسان، لكن حين تُوجَد شُبهتان وثلاث شُبهات وعشر شُبهات وخمسون شُبهة ومائة شُبهة، تحصل مُشكِلة هنا، تُصبِح مُشكِلة!

وطبعاً هذه المُشكِلة قائمة الآن، أن هناك عشرات الشُبهات تُثار على الكتاب والسنة، عشرات! فلابد أن يتصدى الفكر المُسلِم والعقل المُسلِم بطريقة جدية، بطريقة جدية وصارمة! لمُعالَجة ومُواجَهة وكشف هذه الشُبهات، هل هذا واضح يا إخواني؟ وإلا تُصبِح مُشكِلة لدى الجيل، مُشكِلة إيمانية – كما نقول للأسف الشديد -، والله هذا الوضع جديد، هذا وضع جديد – كما نقول دائماً – وغير مسبوق في تاريخ أمتنا، لأن هذا الانفتاح مُخيف، الانفتاح خطير! أنت الآن لا تُواجِه مُشكِّك الحي ومُشكِّك المدينة وارتيابي الدولة، أنت تُواجِه مُشكِّكي العالم، تُواجِه تراثات عالمية، فكراً عالمياً، ضخاً وزخماً إعلامياً وعلمياً رهيباً، من العالم كله، من كل الثقافات، وخاصة الثقافة الغربية السائدة والمُهيمنة، فالمسألة أخطر مما نظن، أخطر مما نظن وهي كذلك بلا شك يا إخواني وأخواتي.

مِن أوائل مَن تصدى لهذه الشُبهة في العصر الحديث – من الأوائل، وليس الأول – المُفكِّر الكبير الموسوعي الأستاذ عباس العقاد – رحمة الله تعالى عليه -، طبعاً قبل العقاد أبو العلاء المعري – هذا العبقري الكبير، وهذا العقل المُشاغِب والمُستفِز – أيضاً تصدى لهذه المُشكِلة، وهو رأى شيئاً غير طبيعي في أن يُنسَب هذا للأقدمين أو لبعض الأقدمين وفي رأسهم نوح. طبعاً بالنسبة للعهد القديم وسفر التكوين بالذات من العهد القديم ليس نوحاً أطول البشر أعماراً، بل جده، جده الأول ميتوشالح، ميتوشالح عُمِّر تسعمائة وتسعة وستين عاماً، أو تسعمائة وتسعاً وستين سنةً، أي تسعمائة وسبعين تقريباً، فهو أطول البشر أعماراً بحسب الكتاب المُقدَّس، عُمِّر تسعمائة وتسع وستين سنة، أي تسعمائة وسبعين سنة تقريباً، نوح لبث فيهم تسعمائة وخمسين، تسعمائة وخمسين! هل هذا واضح؟ هذا هو، في حين أن أبا نوح لامخ عاش سبعمائة وسبعاً وسبعين سنة، أقل! أقل من أبيه وأقل من ابنه، وهكذا! 

طبعاً آدم في التوراة عاش تسعمائة وثلاثين سنة، أبو البشرية عاش تسعمائة وثلاثين سنة، وغير هذا. جارد وغير جارد، أرقام كثيرة، كلها هكذا قريبة من الألف، قريبة من الألف وفوق الخمسمائة، كثيرة وعجيبة. فالمعري لم يُسغ هذا، وشعر أن في الأمر شُبهة، وقال:

وَاِدَّعوا لِلمُعَمِّرينَ أُموراً           لَستُ أَدري ما هُنَّ في المَشهورِ. 

أَتَراهُم فيما تَقَضّى مِنَ                الأَيّام، عَدّوا سَنيِّهُم بِالشُهورِ. 

وَاِدَّعوا، أي نسبوا.

وَاِدَّعوا لِلمُعَمِّرينَ أُموراً           لَستُ أَدري ما هُنَّ في المَشهورِ. 

أَتَراهُم فيما تَقَضّى مِنَ الأَيّ               امِ عَدّوا سَنيِّهُم بِالشُهورِ. 

أَتَراهُم فيما تَقَضّى مِنَ                الأَيّام، عَدّوا سَنيِّهُم بِالشُهورِ. 

وهذه لفتة عبقرية من حكيم المعرة.

كُلَّما لاحَ لِلعُيونِ هِلالٌ                   كانَ حَولاً لَدَيهِمُ في الدُهورِ.

قال يُمكِن هذا، أُريد أن أنفصل عن هذه الشُبهة أو أنفصل من هذه الشُبهة. أي المعري، خطير الرجل هذا، وهكذا الفكر الحُر، يقول ربما كانوا يعدون الشهر سنة. ربما! فنوح عاش كم؟ ألف شهر، ألف شهر! والألف شهر كم؟ ثمانين سنة، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۩، الألف شهر تُساوي ثمانين سنة تقريباً، ثمانين أو ثلاثاً وثمانين. ويختلف طبعاً الحساب إذا كانت السنة شمسية، فإنه يكون أقل، أو إذا كانت السنة قمرية، فإنه يكون أكثر، كونها أقصر من السنة الشمسية، أي من حيث عدد الأيام، هذه ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وربع اليوم، لكن تلك ثلاثة وخمسة وستون يوماً، وهي تدور حولها، هذا واضح، فهذا أيضاً جواب حقيق بأن يُذكَر، وإن لم يرتضه الأستاذ العقاد وأمثاله، لكن هذا جواب مُهِم يا إخواني.

لماذا جواب المعري مُهِم؟ واضح من قراءة الــ Calendars أو التقاويم البشرية والثقافات – وهذه مسألة أنثروبولوجية وتاريخية أيضاً – أن الثقافات البشرية والمُجتمَعات البشرية وخاصة كلما أوغلنا في الماضي والقِدم لا تتفق على حساب السنة، على مدلول السنة، ما هي السنة؟ ليس دائماً السنة من اثني عشر شهراً، لا! هناك ثقافات تتعامل مع السنة بالفصول، فهناك ثقافات تعد السنة فصلين: فصل الإمطار أو المطر، وفصل الجفاف. فقط هناك فصلان. ولذلك في الثقافات البدائية كان يُعَد ويُحسَب للسنة رأسان، رأسان: رأس السنة الزراعية، ورأس السنة الديوانية. وهذه تتفق مع كون السنة لها ماذا؟ فصلان مثلاً، قريبة منها! بعض الثقافات والحضارات البدائية ترى أن السنة فيها أربعة فصول، وإلى اليوم تقريباً نحن نرى ماذا؟ الفصول الأربعة، نرى هذا الرأي، بعضها ترى أن السنة فيها خمسة فصول، بعضها ترى غير ذلك، مثل ثقافة مَن يُسمونهم هنود ساحل النهر، وهم قريبون من كندا، وطبعاً هم الأصليون، الهنود الأصليون! قريبون من كندا حالياً، هكذا كان موقعهم، يرون أن السنة فيها ستة فصول، ستة فصول! إلى الآن بعض الشعوب الآسيوية ترى أن السنة فصلان، وهي ستة أشهر. السنة عندهم ستة أشهر وليس اثني عشر شهراً.

ولذلك يا إخواني وأخواتي هذا مُهِم لكي نُدقِّق، وهذه الشُبهة ليست سهلة – كما قلنا -، عمر نوح والعلم والــ Fossil record والمشاكل هذه، إذن لابد وأن نكون دقيقين، لأن هذا قرآن، ومُستحيل أن الله يغلط، حاشا لله! لأنه يأتيك هذا المُشبِّه والمُشاغِب بكل استخفاف – هذا بكل استخفاف – ويقول لك انظر، أليس هذا القرآن من عند الله؟ كيف هو من عند الله؟ لو كان من عند الله، يستحيل أن الله كُلي العلم، كُلي الدراية والمعرفة، يغلط هذه الغلطة، يُعطي بشراً أعماراً تصل إلى تسعمائة وخمسين سنة! هذا غير موجود، والعلم يُؤكِّد أن هذا مُستحيل ولم يحدث وغير حادث إلى الآن، وهذا… وهذا… ويبدأ يشغب! 

هذا استخفاف، ليس هكذا يكون النقاش العلمي، وليس هكذا يكون الباحث التاريخي، عيب الكلام هذا، عيب! أي هذا لو قرأ مُقرراً بسيطاً في الأنثروبولوجيا Anthropology التاريخية، لن يقول الكلام هذا، أليس كذلك؟ لو قرأ كُتيباً بسيطاً في علم التقاويم وتاريخ التقاويم، لن يقول هذا أيضاً، هكذا هو فقط، أي وكأن مفهوم السنة مفهوم أبدي أزلي وكل الحضارات والثقافات مُتفِقة ما هي السنة وأنها اثنا عشر شهراً وكل شهر كذا وكذا يوماً وكذا… لا! هذا غير صحيح، البشرية لم تتفق على هذا، وهي مُختلِفة.

ولذلك تلحظون الآتي، وهنا – أي الآن – ستبدأ المسألة تصب في رصيد القرآن، لن نسحب من رصيده، بالعكس! هو الآن سيزداد ويرتفع، أي رصيد القرآن – بفضل الله عز وجل -، تُلاحِظون أن القرآن الكريم حين يتحدَّث عن السنة في مواضع كثيرة يأتي الحديث غير مقطوع، غير مُغلَق، من أظهرها وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ۩… وهذا التركيب يحتاج حتى إلى بحث وحده، لماذا لم يقل ثلاثمائة سنة؟ ثلاثمائة سنة! قال ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ۩، ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ۩ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۩… عجيب! ألم تقفوا مع هذه الآية؟ غريب! لماذا يقول قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ ۩؟ أنت يا ربنا أخبرت الآن، أنت الذي قلت الآن للتو هذا، قلت وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ۩، لماذا قلت اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۩؟ 

هذه معناها أنه يفتح لك ماذا؟ هامشاً للأخذ في الحساب أن مفهوم السنة مُتفاوِت من ثقافة إلى ثقافة ومن حضارة إلى حضارة، فكم لبثوا بالضبط في الواقع؟ الله يقول لك أنا أعلم كم لبثوا. عجيب! أي ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ۩ ربما هؤلاء الفتية الصالحون لبثوا في حساب قوم ثلاثمائة سنة، نعم في حسابهم لبثوا ثلاثمائة سنة، لكن في حساب ثقافات أُخرى ربما تكون المُدة أكثر أو أقل، وربما تكون أقل بكثير.

أما العام (كلمة العام) في القرآن الكريم، فلا ترد في مثل هذه الموارد، إذا ذُكِرت كلمة عام، كأنها لفظة كونية، أتت وهي غير مُشكَّك فيها. وهي السنة الآن المُتعارَف عليها في العالم، أنها اثنا عشر شهراً، وكل شهر كذا وكذا يوماً، هذا العام، العام لا يرد في القرآن الكريم مُشكَّكاً، يرد دائماً مقطوعاً وصارماً وبشكل واضح، وعلى فكرة هذا سر بعض الاستثناء: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ۩… عجيب! كيف تستثني العام من السنة؟ لم يقل فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين، أي إلا خمسين سنة، أو يُصرِّح فيقول إلا خمسين سنة، لم يقل هكذا! قال أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ۩.

وما انفصل به بعض المُعاصِرين وبعض القدماء من أن هذا إشارة إلى أن السنين في الجدب والقحط والتعب وأن العام في الرخاء غير دقيق، غير دقيق! يأتي في موارد كثيرة، ولكنه غير مُطرِد، غير مُطرِد! بدليل ما في سورة يوسف – عليه الصلاة وأفضل السلام -، قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ۩، واضح أن هذه السنين التي يزرعون فيها – ما شاء الله – ويحصدون، أنها سنين ماذا؟ رخاء وعطاء، وليست شدة، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ۩، وهذا أول رد على مثل هذه المُحاوَلة، أليس كذلك؟ ولذلك هذه السبع السنين التي زرعوا فيها دأباً وحصدوا هي المُشار إليها بماذا؟ بــ سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ۩… وبــ سَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ ۩… إذن هي رغد وهناء، وليست شدة وجدباً وقحطاً، غير دقيق هذا، والقرآن أعمق من هذا هنا، في هذه المسألة بالذات، انتبهوا!

إذن أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ۩… العام في القرآن دائماً دقيق ومقطوع ومعروف ما هو، أما السنة فتختلف، ولذلك وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ ۩… هل قال عام؟ لم يقل كألف عام، قال كَأَلْفِ سَنَةٍ ۩، كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ۩، قال مِّمَّا تَعُدُّونَ ۩، إذن معناها أن هذه إشارة إلى أن هذا العد يختلف أيضاً من ثقافة إلى ثقافة ومن حضارة إلى حضارة. قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ۩، قال سِنِينَ ۩، وليس أعواماً، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ۩، الأمر يتعلَق بالسنين، فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ۩، إذن هم عادون، وليس عاداً واحداً، يختلف، المسألة تختلف! الوثائق والتاريخ يقول إنها تختلف، مفهوم السنة ودلالة السنة تختلف من ثقافة إلى ثقافة ومن حضارة إلى حضارة، ولا زالت مُختلِفة كما قلنا أيضاً، ليست مسألة منتهية، في حين أن العام ليس كذلك، العام ليس كذلك.

هذه مسألة، وهناك مسألة أُخرى، وفي الحقيقة هذه ليست لي، لاحظها بعض الأفاضل – جزاه الله خيراً -، قال لك أنا لاحظت الآتي عن اللبث في القرآن الكريم. فاللبث هذا قد يتعلَّق بالمُدة، كم لبث: يوماً، سنة، مائة سنة؟ وأين لبث؟ إذا تعلَّق بالأين، بالأينية، بالمكان، يُذكَر فيه المكان، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ۩ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ ۩… في بطن الحوت، إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩، وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ۩، وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ۩… فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ۩، دائماً يتعدى اللبث بماذا؟ بالحرف (في)، طبعاً حرف الظرفية! في حين أن الأمر (أمر اللَبْث) إذا تعلَّق بالزمان، عموماً في كل الموارد القرآنية لا يُعدى بشيئ، تُذكَر المُدة وينتهي الأمر، إلا في هذا الموضع: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ۩… هل قال ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث إلا ألف سنة خمسين عاماً؟ لم يقل هذا، قال فَلَبِثَ (فِيهِمْ) ۩… أقول هذا بين قوسين، فَلَبِثَ (فِيهِمْ) ۩… لماذا(فِيهِمْ) ۩؟ ما الأمر انتهى، قل فَلَبِثَ ۩… فقط، وأنت تقول وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ ۩… والقرآن بلاغة، القرآن هو دستور البلاغة، صراط البلاغة، أي لفظة زائدة، ما ثمة حاجة إليها، فلتُحذَف، لا! لماذا ذُكِرت هذه اللفظة؟ في حين أنه قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ۩… قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ۩. لأن هذا في الأرض، أي المكان كما قلنا، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ۩، لماذا هنا فَلَبِثَ (فِيهِمْ) ۩؟ ذكرها! اللبث هنا، وذكر المُدة، مع أن المقصود المُدة، وليس المكان طبعاً، المقصود المُدة! 

قد تكون – والله أعلم، هذه مُجرَّد اجتهادات يا إخواني، يُصيب المرء فيها ويُخطيء – إشارة إلى ماذا؟ إلى أن لهؤلاء القوم الملبوث فيهم نظام عد خاصاً، نظام عد مُختلِفاً، يعدون بطريقة مُختلِفة، كيف يحسبون السنوات؟ ما مفهوم السنة عندهم؟ ما كذا؟ الله أعلم، مُختلِف! ولذلك قال لك هم عندهم هذا. ولما جاء الاستثناء، الاستثناء جاء مقطوعاً بهذا المعنى، ليس مُردَّداً، ليس مُشكَّكاً بهذه الطريقة إذن، قال إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ۩، هذه مسألة حقيقةً بالتوقف عندها وأخذها بعين الاعتبار.

الأستاذ العقاد نحا ناحية أُخرى، هي التي نحا إليها كثيرٌ من المُعاصِرين، وفي الحقيقة من باب كرامة العلم وبركته أن يُعزى القول إلى قائله، بحسب علمي المُتواضِع والبسيط أول مَن أشار إلى هذه المُقارَبة الأستاذ العقاد، في كتابه العظيم إبراهيم أبو الأنبياء. والمسألة ليست بكثرة الصفحات وليست بكثرة المُؤلَّفات، بالإضافة، بالاجتهاد الأصيل، بالأصالة، كتاب بسيط هكذا، لكن فيه مُقارَبات عجيبة ودقيقة وجميلة.

فهناك كتاب إبراهيم – عليه السلام – أبو الأنبياء للعقاد، أشار فيه إلى الألواح المسمارية في متحف أشمول، أي Ashmolean Museum بأكسفورد، وفعلاً هذه موجودة إلى اليوم ومشهورة، وهذا المُتحَف هذا اسمه، قال هذه الألواح المسمارية ذكرت لملوك سومر – مع أنه ذكر بابل، وفي الحقيقة هي ليست ببابل، أي أن هذه غلطة بسيطة من العقاد، بابل جاءت بعد سومر، والحضارة البابلية جاءت بعد الحضارة السومرية، واللُغة البابلية بعد اللُغة السومرية، وإن كُتبت كلتاهما بالخط المسماري، الذي ليس فيه طبعاً صور كالخط المصري، لا! وإنما خط مسماري، هذا أصل الكتابة الحقيقية، المسماري! على كل حال هذا هو – مُدداً مُغرِقة في الخيالية. فإذن ذكرت هذه الألواح – الآن سأذكر عنها نُبذة سريعة وقصيرة، لكي تعرفونها – مُدداً لحُكم ملوك سومر مُغرِقة في الخيالية، ألوف السنين! ملك – قال لك – حكم ثمانية وعشرين ألف سنة. قريب من تسعة وعشرين ألف! حكم ثمانية وعشرين ألف وثمانمائة، وهو ألوليم Alulim، اسمه الملك ألوليم Alulim، في إريدو Eridu، وطبعاً كان لدينا في الألفية الثالثة قبل الميلاد اثنتا عشرة دويلة مدينة، كان هناك اثنتا عشرة دويلة مدينة، دويلة مدينة! أي دولة المدينة، مثل Athens قديماً في وقتها، هذه دويلة ماذا؟ المدينة، دويلة صغيرة، دويلة المدينة في جنوب العراق، فيما يُعرَف ببلاد سومر، مهد الحضارة السومرية، بين النهرين، أي ميسوپوتاميا Mesopotamia، هذه ميسوپوتاميا Mesopotamia، جميل! ومنها طبعاً كيش Kish، وسلالة كيش Kish الأولى وكيش Kish الثانية، ومنها إريدو Eridu، ومنها نيبور Nippur، ومنها أوما Umma، و… بلاد كثيرة! اثنتا عشرة دويلة مدينة، جميل.

فيقول وواحد آخر حكم ستاً وثلاثين ألف سنة. المجموع يصل إلى حوالي خمسة وستين ألف سنة تقريباً، هذان اثنان فقط، ملكان حكما خمسة وستين ألف سنة، كيف؟ أرقام مهولة ومُخيفة، قال لك هذا هو. وليس هذا فحسب، في الحقيقة طبعاً هذه الألواح المسمارية عثر عليها الباحث الأمريكي الألماني الأصل هيرمان هيلبريخت Hermann Hilprecht، وهيرمان هيلبريخت Hermann Hilprecht نشرها في سنة ألف وتسعمائة وست، في مطلع القرن العشرين، أي غبر عليها أكثر من قرن إلى الآن، ولا تزال بازلاً Puzzle، لا تزال لُغزاً، حيَّر العلماء ودارسي التاريخ القديم، وخاصة تاريخ الشرق الأدنى القديم، أي History of the Ancient Middle East، تاريخ الشرق الأدنى القديم! لا يزال لُغزاً إلى الآن، بعد مائة سنة من الدراسات والأبحاث ومُحاوَلات التفسير، إذن يا أخي هذا لُغز حيَّر العلماء المُتخصِّصين، فهل حين يأتي شيئ يعتلق به في القرآن الكريم تعتبره غلطاً وخطأً وتقول إن القرآن تأليف والتوراة أيضاً تأليف وهيا نكفر بالأديان؟ ما لك يا رجل؟ تُوجَد مُقارَبات أُخرى إذن، المسألة لها أصولها، ودعونا نرى كيف ونُقارِبها، أليس كذلك؟ أي أن المسألة تاريخية في نهاية المطاف، المسألة تاريخية!

فعثر عليه، وبعد أن عثر عليه إلى الساعة عُثِر بعد ذلك على زُهاء ثمانية عشر لوحاً مثل لوح هيلبريخت Hilprecht، أي هيرمان هيلبريخت Hermann Hilprecht، لكن يبقى أشملها وأفضلها وأحسنها حالةً هو لوح مَن؟ هيرمان هيلبريخت Hermann Hilprecht، وهو في الحقيقة Prism أو موشور أو منشور. له أربعة وجوه، وفي كل وجه عمودان، إذن كم عدد الأعمدة؟ ثمانية أعمدة، ومرقوم عليه أسماء ملوك سومر يا إخواني قبل الطوفان، وأنتم ستقولون لي هل قلت الطوفان؟ طبعاً، وقد قلنا لكم إن الطوفان هذا مذكور في خمسمائة أسطورة، وليس فقط في ثقافة واحدة، وطبعاً هذه الحضارة السومرية، وأول نص يذكر الطوفان العظيم غير النص الكتابي الذي هو في الجينيسيس Genesis أو في سفر التكوين أسطورة جلجامش Gilgamesh، التي عُثِر عليها في أول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أعتقد – على ما أذكر – في ألف وثمانمائة وست وخمسين، أي في أول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، جلجامش Gilgamesh! أسطورة جلجامش Gilgamesh أول نص غير ديني وغير كتابي يذكر أسطورة أو واقعة الطوفان، ولكن هي مذكورة كأسطورة هنا، هذه الأسطورة السومرية، وهناك أسطورة إنكي Enki البابلية، قصص كثيرة على كل حال إذن.

فهذه الأعمدة تُؤرِّخ لهؤلاء الملوك الثمانية، التي يذكر العمود أو الموشور هذا – أي الــ Prism هذا – أنهم نزلوا من السماء، أي الــ Official kingship أو الملوكية الرسمية هبطت من السماء في بلدة إريدو Eridu، في بلدة إريدو Eridu! ثم حكموا، ثمانية! ألوليم Alulim هذا حكم – كما قلنا – تقريباً ثمانية وعشرين ألف وثمانمائة سنة، بعد ذلك جاء رجل آخر، أعتقد اسمه ألانجر Alalgar، حكم ستة وثلاثين ألف سنة، ثم الثالث، فالرابع… ثمانية! مجموع حُكم الثمانية أكثر من مائتي وواحد وأربعين ألف سنة، مَن قال هذا؟ اللوح، اللوح ذكر هذا. وكانوا يُؤرِّخون بنظام يظن العلماء أنه نظام ستيني، بعضهم يقول مُحتمَل أنه خليط من الستيني والعشري، وبعضهم يُشكِّك في المسألة، لكن مذكور! وعندهم وحدات مُعيَّنة، وحدة السار Sar، السار تُساوي ثلاثة آلاف وستمائة، وهذا يُؤكِّد أنه نظام ستيني في الظاهر، ثم النير Ner، النير Ner يُساوي ستمائة، ووحدة – هذه آخر شيئ – أعتقد اسمها السوس Sos، هذا على ما أذكر، وتُساوي ستين، السار Sar يُرمَز إليه بالمسمار، المسمار هكذا معناه السار Sar، فإذا واحد حكم خمس سارات Sars يكون حكم ثمانية عشر ألف سنة، وكذلك إذا حكم ثماني سارات Sars، اضرب ثلاثة آلاف وستمائة في ثمانية، أعتقد الناتج سيكون حوالي ثمانية وعشرين ألفاً، ومن ثم سيكون ناتجهم ثمانمائة، وهكذا! ماذا إذن عن ثماني سارات Sars ونير Ner؟ لأن النير Ner ماذا؟ ستمائة، النير Ner مسمار، وفي المُنتصَف مسمار آخر أُفقي يُنصِّفه، هذا رمز النير Ner، هكذا يُمكِن أن تقرأوها، هي ليست صوراً، ولكن هذه كتابة مسمارية، على كل حال هذه طريقتهم، فهذه مُشكِلة كبيرة وبازل Puzzle، أي هذا لا يزال بازلاً Puzzle كبيراً، أي لُغزاً كبيراً، كيف يحكمون آلاف السنين وعشرات ألوف السنين؟ ما القضية؟

الآن مواقف العلماء المُختَصين من هذه القضية يا إخواني انتظمت في ثلاثة: 

الموقف الأول، منهم مَن ظن أن المسألة برمتها مُجرَّد افتعال وتلفيق، اصطناع! اسمه اختلاق بالعربية، ائتفاك، أي Completely artificial, اختلاق! اختلاق بنسبة مائة في المائةقال لك انس. لا! أيضاً هذا تهاون، وهذا ليس موقف مُؤرِّخ جاد، ليس موقف مُورِّخ جاد!

الموقف الثاني، وأيضاً ليس موقف مُؤرِّخ عاقل ومُؤرِّخ عقلاني ومُؤرِّخ علمي، قال لك لا، نأخذ بظاهر هذه الإثباتات، أو ما يُسمى بثبت الملوك السامري. الآن في اللُغة العلمية يُمكِن إذا أردت أن تبحث عن هذه القوائم، وليس فقط الحديث عن أول ثمانية، والملوك الذين حكموا أيضاً بعد الطوفان – وهي أسر وسلالات كثيرة – يُمكِن حين تُريد أن تقف عليهم جميعا، وبالأسماء وبالمُدد، والمُدد في تناقص، المُدد بعد الطوفان صارت في تناقص، إلى أن بلغت في الأخير إلى مُدد عادية جداً، ملك يحكم عشرين سنة، أو ثماني وعشرين سنة، أو ثماني سنوات، في الأخير! تنقص باستمرار، كما في التوراة أيضاً، وكأن التوراة مُتأثِّرة بهذا، كما في التوراة! في تناقص مُستمِر، هناك تناقص مُستمِر، ادخل على شيء يُسمونه ماذا؟ يُسمونه ثبت أو قائمة أو جدول الملوك السامري، أي Sumerian King List، اكتب هكذا: Sumerian King List، في الويكيبيديا Wikipedia، تر كل هذا مُفصَّلاً، مُفصَّلاً! كل هذه العائلات والسلالات، لكن تبقى المسألة كما قلت، الموقف الثاني موقف غير عقلاني، غير علمي، وأكيد غير مقبول، قالوا نأخذ بظاهره، ويبدو أن هؤلاء الملوك كانوا آلهة حقيقيين، وهذا الذي يُفسِّر طول أعمارهم. وواضح أن مَن ادّعى أنه مُؤرِّخ ويقول بهذا، لابد أن يكون ذا خلفية دينية مُغرِقة في ماذا؟ في التسليم الأعمى، لكي يُنقِذ ماذا؟ الكتاب المُقدَّس، وأن أعمار الأنبياء وعمر ميتوشالح وعمر لامخ وعمر نوحن أعمار حقيقية وعادية، ولكن هذا لا يقبله مُؤرِّخ يحترم المنطق العلمي والمنهج العلمي.

بقيَ إذن رقم ثلاثة الآن، مُحاوَلات تصطف في أكثر من قائمة كما يُقال أو في أكثر من صورة وشكل، وهي كثيرة جداً، كثيرة جداً هذه المُحاوَلات! منها – مثلاً كما قلنا – الاختلاف في دلالة السنة.

ألا تُلاحِظون يا إخواني أنه تقريباً ما من ثقافة – بما فيها الثقافة العربية والثقافة الإسلامية، عموماً عربية وغير عربية – تخلو من التعامل مع الزمن بلُغة ماذا؟ بلُغة خيالية، وبلُغة رمزية، بلُغة توظيفية! وهذا طبيعي، البشر يفهمون هذا، ولأن هذا له أساس سيكولوجي وأحياناً له أساس واقعي أيضاً.

ألبرت أينشتاين Albert Einstein أبو النسبية، أحسن مَن فهم الزمان علمياً، أستاذ الدنيا في فهم الزمان علمياً ألبرت أينشتاين Albert Einstein، سُئل مرة أن يُبسِّط مفهوم النسبية، فقال حين يجلس الرجل أو رجلٌ إلى امرأة حسناء، تمر الساعة وكأنها دقيقة، وحين يجلس الرجل نفسه على موقد يشتعل ناراً، تمر الدقيقة وكأنها ساعة. قال هذه النسبية. العرب كانت تقول الانتظار موت أحمر. وقت الانتظار طويل جداً، حين تنتظر شيئاً يكون وقت الانتظار طويلاً، وقت الانتظار يكون طويلاً جداً! أليس كذلك؟ مع أن في الأخير موضوعياً الوقت هو نفسه، الدقيقة ستون ثانية، والساعة ستون دقيقة، ولا يُوجَد غير هذا، عادي! قال لك لا، هذه مسألة لها أساس سيكولوجي.

وهناك مسألة فيها ما هو أكثر من هذا الآن أيضاً، تقريباً كثير من الثقافات أيضاً تحتوي على أساطير وحكايا من باب هذه أو من قبيل هذه الحكاية:

مر أحدهم بمقُبرة – أي المقبرة -، فوجد مكتوباً: مات عن يومين، مات عن عشرة أيام، مات عن سنة، مات عن سنة ونصف، مات عن تسعين يوماً. فقال ما هذا؟ ما المقبرة هذه؟ هل كلهم ماتوا صغاراً؟ هل الكل هكذا؟ الكل هكذا؟ قالوا نحسب الزمان والعمر بطريقة ثانية، قال كيف إذن؟ كيف تحسبون؟ انظر إلى هذا، لا يحسبونها موضوعياً، أي دورة القمر أو دورة الأرض أو دورة الشمس قديماً، فهم كانوا يعتقدون أن الشمس تدور بحسب هذا المعنى، لا! هذا لا يهمهم، يقولون نحن نحسب الأعمار بعدد الأيام الهنيئة التي عاشها الفرد، فبعض الناس وُلد وعاش وقضى حياته في غم وهم ونكد، بعضهم لم ير يوماً سعيداً إلا يوماً واحداً، فهذا عاش يوماً، فقال لك مات عن يوم، عاش يوماً هذا المسكين وبعد ذلك مات، مع أنه قد يكون عاش ماذا؟ سبعين سنة.

على فكرة في الأدبيات الفرعونية القديمة (الأدبيات الفرعونية المصرية القديمة) كانوا يقولون مات عن مائة وعشر سنين. عن مائة وعشر سنين! ما معنى هذا إذن؟ أي Ages، هذه One hundred and ten years، كيف عن مائة وعشر سنين؟ يقصدون بهذا التعبير أنه عاش حياة كريمة وهنيئة، وساهم في الهيئة الاجتماعية أو في المُجتمَع مُساهَمات مقدورة ومشكورة، يُعبَّر عن هذا في الأدبيات الفرعونية القديمة بأنه مات عن ماذا؟ عن مائة وعشر، مع أنه قد يكون مات عن كم؟ عن عشرين سنة.

أعمار الشعب المصري إلى عشية حملة نابليون Napoléon على مصر هل تعرفون كم كنت؟ مُتوسِّط عمر الفرد المصري من ثلاثين إلى أربع وثلاثين سنة، وهذا قبل أقل من مائتي سنة، هذا هو! فكيف بالمصريين القدماء؟ الشيئ نفسه، عاشوا ثلاثين أو خمساً وعشرين سنة، وهكذا البشر كانوا يعيشون على فكرة، ولكن هم كانوا يقولون مائة وعشر، مات عن مائة وعشر، يقصدون ماذا؟ كان فرداً مُوفَّقاً مسعوداً مُبارَكاً ميمون النقيبة، وساهم إسهامات مقدورة ومشكورة في مُجتمَعة، فمات عن مائة وعشر!

(هو صحيح الهوى غلاب؟ معرفش أنا، والهجر قالوا مرار وعذاب، واليوم بسنة). هذا هو! هذا حتى في الأدبيات المصرية الحديثة، هذه السيدة! تقول لك واليوم اليوم بسنة. هي تقول هكذا! اليوم اليوم بسنة. طبعاً يوم العذاب ويوم الهجر ويوم الصرام ويوم القطيعة، بكم؟ بسنة، ويوم الوصال، بل سنة الوصال، بماذا؟ بساعة، الساعات الجميلة تطير بسرعة، السنوات الجميلة تطير بسرعة، والعكس مع الأوقات الصعبة، كوقت إنسان في السجن، اليوم فعلاً بسنة، لكن وقت إنسان في جنات ونعيم أو في رغد العيش، السنة فيه بيوم، أليس كذلك؟ هذا معروف.

وهناك ما هو أكثر من هذا، دعونا ندخل في الجد قليلاً، وهذا جد، هذا جد! هذا جد لكن هكذا البشر كانت تعيش إذن، ومَن قال لك إن الشعوب القديمة السومرية والبابلية كانت تتعامل مع الزمان بجدية كاليندرية – نسبة إلى Calendar – تقويمية دقيقية، ولا تُدخِل الخيال، ولا تُدخِل التجربة الشعورية والاجتماعية، ولا تُدخِل الرمزية في الحساب؟ من أين أتيت بهذا؟ مَن قال لك هذا؟ البشر دائماً يُدخِلون هذه الأشياء في حساباتهم.

النبي المُحمَّد – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – ماذا يقول؟ يومٌ من إمام عادل خيرٌ من عبادة ستين سنة. هذا هو، قال لك يوم بستين. الله قال وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ۩، إذن القضية نسبية، هذا اليوم الإلهي، ولذلك هناك الأشخاص الإلهيون، والحمد لله تاريخ المُسلِمين حفل بالكثير من هؤلاء الأشخاص الإلهيين، وهذه ليست أساطير وليست خوارق، هذه أشياء محسوبة ومعدودة ومكتوبة، فهم حسبوا عمر الإمام النووي، وجدوا أنه مات وعمره خمس وأربعون سنة، وأن الكُتب التي تركها كثيرة جداً، والنووي ليس من فترة ما قبل التاريخ طبعاً، في القرن السابع الهجري، وكُتبه كلها مثبوتة إلى اليوم، ومنها ما هو بخطه، وتوجد منها نسخ إلى الآن، قالوا لك هذا مُستحيل، هذا الرجل بدأ التأليف وهو فوق الخمس وعشرين تقريباً أو حوالي العشرين، ومات عن خمس وأربعين، كيف ألَّف كل هذه المُجلَّدات؟ وانظر إلى تأليفات النووي بالذات، فهي ليست بتقميشات ولا ترقيعات ولا تلفيفات، تحريرات! كل شيئ عنده مُحرَّر على ميزان الذهب، شيئ عجيب هذا الرجل، مُؤلَّفاته عجيبة دقيقة جداً جداً، موزونة! وهو عقله موزون هكذا، فقالوا لك هذه لو قسمناها على أيام عمره، فسوف يكون له في كل يوم كذا وكذا كراسة، وهذا شيئ لا ينسلك في العقل، ولكن هذا الذي حصل، وهذا الذي حصل أعجب منه مع ابن شاهين الظاهري، وحصل مع الإمام السيوطي، الذي ترك تقريباً ألف مُؤلَّف، من ضمنها تفسير في ثلاثين مُجلَّداً، مجمع البحرين ومطلع البدرين، وأعتقد لا يزال محفوظاً إلى الآن في مكتبة الموصل، إن شاء الله لا يكون حُرِق مع الحروب الأخيرة.

على كل حال كيف هذا؟ أشخاص إلهيون، أي ربانيون، صادقون، عندهم صلة حقيقية بالله، يُبارَك في أعمارهم، فيُصبِح اليوم بسنة ربما أو بشهر أو بعشرة أيام أو بغير ذلك، بحسب بركة هذا الشخص، موجودة هذه ويعرفها مَن عاشها ومَن أكرمه الله – تبارك وتعالى – بها، هل هذا واضح يا إخواني؟ هذه مسألة – كما قلت – معيشة، يُوجَد شيئ هنا غير طبيعي، الزمن نسبي على مُستويات عدة، الزمن نسبي على ماذا؟ على مُستويات عدة، مُتعدِّدة ومُتراكِبة.

فالنبي حين يقول لك إن يوماً من إمام عادل (حاكم عادل) يعدل عبادة ستين سنة – أي أفضل من عبادة ستين سنة أو يعدلها -، تفهم أن هذا معناه ماذا؟ معناه أن الواقع يقول هذا، ومحمد عبده فهم هذا، الشيخ محمد عبده فهم هذا في آخر حياته، وهو صاحب المُحاوَلات الإصلاحية الكثيرة والكبيرة، وهو الذي لم يكن راضياً عن نتائجه وأحس بأنها أُجهضت وما إلى ذلك، فكأنه غضب وندم على تدخله في السياسة، قال مَن لهذه الأمة بإمام عادل – أي حاكم عادل، قال بإمام عادل -، يُيسّر الله ويُجري على يديه في خمس سنين ما لا يجري على أيدي الوعاظ والعلماء والفقهاء والمُصلِحين في خمسمائة سنة! هذا هو، ولذلك إذن غير بعيد أن الشعوب القديمة – سومرية وغير سومرية، وربما الشعب الذي بُعِث فيه نوح، أي كل هذه الشعوب – كانت تنظر هذه النظرة إلى الأشخاص الاستثنائيين، كأصحاب الرسالات، والملوك بالذات والحكّام، وربما مَن سُموا بعد ذلك أو قبل ذلك بالأنبياء، إلى آخره! كانت تنظر إلى أيامهم على أنها ماذا؟ على أنها استثنائية، واليوم منه بسنة، أو بعشر سنين، أو ربما بألف سنة. فبهذه الطريقة نأتي ونرى حاكماً حكم ستة وثلاثين ألف سنة، وحتى لو حكم أربعين ألف سنة، فسنقول هناك أربعون ألف سنة، ومن المفروض أن كل سنة هنا بماذا؟ بيوم، لأن اليوم بسنة، واليوم اليوم بسنة. فيكون عندك أربعون ألف يوم، ومن ثم يكون الناتج تقريباً مائة وتسع سنوات، معقول! أما إذا كان يومه بعشر سنين، فسيكون الناتج عندك أقل من إحدى عشرة سنة، أي حكم إحدى عشرة سنة، هذا معقول، وهم كانوا يُعبِّرون بهذه الطريقة.

الآن هل قوم نوح سلكوا مثل هذا المسلك؟ هل كانت لهم مثل هذه الطريقة في الحساب والعد؟ احتمال. فتكون هناك ألف سنة، عاشها نوح. ألف سنة وليس ألف عام إذن، انتبه إلى هذا، أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ۩، هذه معروفة، ومعناها أن هناك اثني عشر شهراً إذن، أي هناك خمسون عاماً مضروبة في اثني عشر شهراً، وهذا واضح، هذا العام، العام بالمعنى المُؤكَّد الآن والمُقرَّر للسنة في الثقافة المُعاصِرة وفي العصر الحاضر، ومن ثم ربما تكون ألف سنة من نوح – عليه السلام – بألف شهر، ربما هي ألف شهر، هذا مُمكِن! ومن المُمكِن أن تكون ألف يوم، وهذا قليل، أي هناك ثلاث سنوات دعا فيها إلى الله، وهذا مُمكِن، عيسى دعا أقل من ثلاث سنوات، ثم انتهى أمره، ولكن نوح لم يكن كذلك، وهذا واضح، على أن القرآن العظيم لفتنا إلى شيئ ذي بال، وهو ماذا يا إخواني وأخواتي؟

حين ذكر مُدة لبث نوح في قومه لم يُخرِجها مخرج الإعجاز أبداً، والقرآن أكَّد أن هذه لم تكن مُعجِزة، كانت شيئاً عادياً ومُتعارَفاً عليه، الآن الاحتمال ثنائي، مُزدوَج: ربما كان عادياً مأنوساً مُتعارَفاً عليه، لأن أعمار قومه جميعاً كانت كذلك، وهذا لا يُؤكِّده العلم – كما قلت -، ولا السجل الحفري، ولا الدراسات المُوثَّقة، لا تُؤكِّد هذا! ولذلك لا نميل إليه، ولا نستروح إليه. وربما كان هذا لأن نظام عدهم كان ماذا؟ مُختلِفاً. يحسبون ماذا؟ اليوم بسنة، اليوم بسنة وربما أكثر أو أقل، هذه مسالة لا تزال مفتوحة للدرس والبحث، لماذا؟ من أين أخذنا هذا؟

أول شيئ من قوله – تبارك وتعالى – إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ۩ في الشعراء، أَخُوهُمْ ۩… لو كان نوح عُمِّر وحده استثناءً – أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ۩ -، على الأقل في الدعوة، وهم يموتون بطريقة عادية، أي يموتون عن عشرين سنة أو خمسين سنة أو أربعين سنة أو ستين سنة، كيف يكون أخاهم؟ هو أخٌ لأي جيل؟ هناك أجيال كثيرة، وبعد ذلك قال فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ ۩، أخذ مَن وهناك أجيال كثيرة؟ مئات الأجيال ذهبت دون أن تُعاقَب، فهل عُوقِب آخر جيل فقط؟ غير معقولة!

ولذلك من الواضح أن هناك شيئاً مُوحَّداً هنا: إما الأعمار مُوحَّدة، وإما نظام العد مُختلِف ومُوحَّد أيضاً، هل هذا واضح؟ فمَن عاشوا عاشوا أيضاً الشيئ نفسه إذن، ومن ثم حين تكون الألف سنة في الأخير بسبعين سنة، يكونون قد عاشوا أيضاً سبعين سنة أو ستين سنة، أي الشيئ نفسه! بدليل أنهم قالوا ماذا؟ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا ۩… هل هذا واضح؟ لو هم عاشوا خمسين أو ستين سنة، وهو عاش خمسمائة أو ستمائة أو سبعمائة سنة، فكيف سيكون هو بشراً مثلهم؟ هذه بحد ذاتها أكبر آية على أن هذا الرجل إلهي مُستثنى، ولكن هم لم يروا هذا، لأن الوضع لم يكن هكذا، أي أنهم يموتون ويعيشون أعماراً عادية، وهو عُمِّر كاستثناء وكمُعجِزة. للأسف بعض المُفسِّرين لدينا ذكرها كُمعجِزة، وهذه ليست مُعجِزة، ولا فيها أي إعجاز، والقرآن يُؤكِّد على أنها مسألة طبيعية عادية، وليست إعجازية، هل هذا واضح؟

وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ۩، لا يُوجَد فضل – قالوا له -، أنت إنسان عادي، مثلك مثلنا، كيف هو عادي وقد عُمِّر؟ لا، لأنه لم يكن هكذا، أنت تظن أنه كان هكذا، في (المُؤمِنون) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ۩، إذن واضح هذا، أن هذه ليست مسألة إعجازية، عادية! وقلنا – هذا لكي نُؤكِّد، ويكون تفكيرنا دقيقاً قليلاً – إما أنهم كانوا يعيشون نفس الأعمار المُتطاوِلة، وهذا لا يتفق مع العلم والحقائق والسجل الحفري بالذات، وإما أن نظام العد مُختلِف، نظام العد مُختلِف! كما قلنا إما على الطريقة الرمزية التبركية الخيالية، فاليوم بسنة، اليوم بعشر سنين، مُمكِن! وإما بحسب ما ذهب إليه أحد الباحثين، وقد ذهب إلى الآتي في مُحاوَلة حقيقةً أثارتني، ففيها شيئ من الجدة، فيها شيئ من الأصالة، وفيها شيئ من الذكاء.

قال الذي أراه – هو يقول هذا – بحسب ما علمت من نظام العد السومري (من نظام العد السومري، أي في الحضارة السومرية) أنهم كانوا يعتمدون النظام الخماسي، وليس دائماً الستيني، بل الخماسي! وأتى بادلة على ذلك، وربما نُفصِّل فيها – كما قلت – في الأسبوع المُقبِل، ولذلك الألف سنة في نظام عد خماسي هي خمسمائة سنة، وليست ألفاً كما نظن، خمسمائة سنة! إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ۩، ثم بعد ذلك عمل قفزة أُخرى عجيبة، وهي مُثيرة، قال هناك نظام السُباعيات، وهو نظام في العد اعتمدته الجماعة القمرانية. وعودوا طبعاً – وأيضاً هذا يحتاج إلى تفصيل – إلى وثائق قمران، فهناك كهف قمران الذي عُثِر عليه قبل حوالي نصف قرن أيضاً، وهذه قصة كبيرة لها علاقة بتاريخ الكتاب المُقدَّس وتوثيقه تاريخياً، الجماعة القمرانية – في فلسطين طبعاً – كانوا يعتمدون نظام العد السُباعي، أي كانوا يعتمدون نظاماً سُباعياً في التقويم، باختصار نظام العد السُباعي يا إخواني يرى الآتي عن العام، وهو اثنا عشر شهراً، سواء كانت قمرية أو شمسية هذه الشهور، أي الاثنا عشر شهراً، دعونا نقول هناك ثلاثمائة وستون يوماً في المُتوسِّط، وهذه فيها سبع سنين، تحتوي على سبع سنين، فتكون تقريباً السنة خمسين يوماً، كل سنة هي خمسون يوماً، وكل عام فيه ماذا؟ فيه سبع سنين، ذهب هذا الباحث وقال لك هناك خمسمائة سنة يُمكِن أن تُقسَم على سبع، ومن ثم يكون الناتج عندك تقريباً هو ماذا؟ الناتج هو واحد وسبعون ورُبع سنة، قل هناك واحد وسبعون. وقال لك هذا عمر نوح، أي واحد وسبعون سة، عاش إحدى وسبعين سنة بهذا النظام. وقال شيئاً غريباً! قال لفظة سنين في القرآن الكريم وردت في ثنتي عشرة مرة – أي هناك ثنتا عشرة مرة تتعلق بها، فإذن هي وردت في ثنتي عشرة مرة -، ولفظة سنة وردت في سبع مرات. وأعجب من هذا – وهذا شيئ لافت جداً – أنه قال ترتيب سورة نوح في القرآن الكريم نزولاً – من الفاتحة، البقرة، آل عمران… إلى نوح – هو واحد وسبعون. واحد وسبعون! كأنها مفتاح عمر نوح، واحد وسبعون! وهذه حسبة غير عادية، أن النظام السومري نظام عد خُماسي، الألف بخمسمائة، والخمسمائة تقسم على سبعة في نظام السبعات أو السباعيات، فيكون الناتج هو واحد وسبعون، وسورة نوح ترتيبها هو واحد وسبعون.

والأعجب من هذا أن نوحاً – عليه السلام – ذُكِر تقريباً – وربما أكون أخطأت هنا – في ثماني وعشرين سورة عبر ثلاث وأربعين مرة، وحين نجمع ثماني وعشرين وثلاثاً وأربعين، يكون الناتج هو واحد وسبعون. غريب! 

هناك مفاتيح ومُحاوَلات جادة، وأنا شديد الفرح أن في المُسلِمين – بفضل الله – مثل هذه العقول الطُلعة، العقول الذكية، العقول واسعة الثقافة، تقرأ هنا وهنا وهنا وهنا، وتربط ما تقرأ، وتُحاوِل أن تستخرج الجديد، ومن ثم تكون هناك أصالة في البحث، أخطأوا أو أصابوا، فهم مأجورون، جزاهم الله خيراً، وجزاهم جزاء شاكر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۩.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربي آت نفوسنا تقواها، زكها انت خير مَن زكاها، أنت وليها ومولاها. نعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن علم لا ينفع، ومن عمل لا يُرفَع، ومن دعوة لا تُسمَع، ومن الجوع فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة.

ربي تقبَّل توبتنا، وأجب دعوتنا، واغسل حوبتنا، واسلل سخيمتنا، وثبِّت حُجتنا، وارفع بُرهاننا، وارفع مقامنا وذكرنا في الآخرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اجعلنا من عبادك الصالحين، أصلِحنا لك بما أصلحت به عبادك الصالحين، ربنا حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك برحمتك يا أرحم الراحمين.

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ۩، آتنا أفضل ما أتيت عبادك الصالحين من خيري الدنيا والآخرة، وأكفنا ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين. 

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ۩، اغفر لنا ولوالدينا، ارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، اشف مرضانا ومرضى المُسلِمين.

اللهم زِدنا ولا تنقصنا، أعطِنا ولا تحرمنا، أكرِمنا ولا تُهِنا، وانصرنا على مَن بغى علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله) 

فيينا 15/2/2019

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: