بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً.

إذن في صحيح البخاري أيها الإخوة ورد في حديث الإفك أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال لأم المُؤمِنين عائشة – رضوان الله عليها – إن كنتِ ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه، وفي رواية معمر ثم توبي إليه، وفي رواية أبي أُويس إنما أنتِ من بنات آدم، إن كنتِ أخطأتِ فتوبي، قال الداودي أمرها بالاعتراف ولم يندبها إلى الكتمان المُفرِّق بين أزواج النبي وغيرهن، كيف؟ قال أزواج النبي – في رأي الداودي – يفترقن وينمزن من أزواج غير الأنبياء، أزواج غير الأنبياء إذا ألمت إحداهن بشيئ فتُندَب ويُستحَب لها أن تكتم، بسبب خراب البيوت وما إلى ذلك، أما أزواج الأنبياء إذا ألمت بشيئ إحداهن فينبغي – يقول الداودي هكذا – أو يُندَب أن تعترف للنبي بهذا، لأن النبي حتماً سيُطلِّقها، لأنه لا يسوغ له أن يُبقيها في عصمته، هذه تُصبِح خبيثة، كيف تبقى خبيثة مع طيب؟ بل هو أطيب الطيبين، قال فيجب على أزواجه – انظر إلى هذا، لم يقل حتى ينبغي الآن – الاعتراف بما يقع منهن ولا يكتمنه إياه لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك بخلاف سائر النساء فأنهن تدين إلى الستر. أي على أنفسهن.

يقول الحافظ: وتعقبه عياض – عياض اليحصبي – بأنه ليس في الحديث ما يدل على ذلك ولا فيه أنه أمرها بالاعتراف وإنما أمرها أن تستغفر الله وتتوب إليه أي فيما بينها وبين ربها.

الآن فإذ قد وضح ما ذكرنا وأبنا فما الذي يبقى من معنى كونهن أمهات للمُؤمِنين؟ ما المزية إذن؟ غير معصومة، غير محفوظة من الإثم وحتى من الشرك ومن الكفر ومن كذا ومن كذا، إذن ما معنى أنها أم المُؤمِنين؟ ولا يعني أنها تدخل الجنة حتماً لأنها أم المُؤمِنين، ما معنى هذا؟ أنا أقول لكم بكل تبسيط، معنى كونهن أمهات للمُؤمِنين أنه لا يحل لمُؤمِن أن ينكح إحداهن، فقط! ليست أماً حقيقية، ليست كأمي الحقيقية، والآن سآتيكم بفوائد لطيفة جداً جداً تُؤكِّد هذا.

أولاً الذي يدل لذلك وعليه أنه لا يجوز الخلوة بإحداهن، أليس كذلك؟ شرعاً ممنوع أن تخلو بها وتقول هذه أمي، أنا أخلو بأمي! لو كانت أماً حقيقية لك لجاز لك أن ترى منها ما تراه من أمك، أليس كذلك؟ وهو ما يراه المحرم من محرمه، وهذا لم يقل به أحد من الأمة، هذا كان أولاً، لو كانت أماً حقيقية لجاز لك أن تخلو بها وهذا لم يقل به أحد، كيف وقد قال تعالى في الأحزاب وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۩؟ وهذه الآية سبب نزولها أيها الإخوة فيما روى أبو جعفر بن جرير الطبري كالآتي، وهذا الموضوع شنَّع عليه فيه مرتين الشيخ الداهوم بارك الله فيه وأصلحه، أن عدنان يقول الصحابة فيهم فاجر، أنا لم أقل، أبو جعفر بن جرير روى هذا عن عمر، ورواه غير أبي جعفر، يا رسول الله لو حجبت نساءك فإنهن يدخل عليهن البر والفاجر، الشيخ الداهوم وشيعته غير قادرين على أن يُصدِّقوا أن الصحابة فيهم فجرة، والله هذه مُشكِلتك، فيهم فجرة، فيهم مُنافِقون، فيهم فسقة، فيهم ملاعين، فيهم من أهل النار يا حبيبي، ماذا أفعل معك؟ الأمور واضحة، خرجت قليلاً عن طوري فسامحني.

على كل حال هذا كان أولاً، ثانياً يدل على أنهن لسن أمهات فيما سوى ما ذكرت أنه يجوز نكاح بناتهن، هل يجوز لأحد أن ينكح أخته؟ لو كانت أماً حقيقية لي فابنتها ستكون ماذا؟ أختي، وأختها ستكون ماذا؟ خالتي، وهلم جرا، غير صحيح، يجوز أن أنكح بنات إمهات المُؤمِنين، ولذلك أم سلمة زوَّجت بناتها، أليس كذلك؟ زينب بنت أم سلمة تزوَّجت، يتزوَّجها أي مُسلِّم، لا تُوجَد مُشكِلة، يجوز! يجوز نكاح أخواتهن؟ طبعاً بإجماع الأمة، بإجماع الأمة! عائشة أم المُؤمِنين وأسماء ماذا؟ أخت أم المُؤمِنين، تزوَّجها الزُبير، أليس كذلك؟ وهكذا، أم حبيبة بنت أبي سُفيان أم المُؤمِنين ولها أخت أُخرى تزوَّجها أحد المُسلِمين، يجوز، وهلم جرا.

إذن لسن أمهات على الحقيقة وبالإطلاق أبداً أبداً، فقط أمهات بالمعنى الذي ذكرنا، فقط معنى واحد، من حيث أو من حيثية حُرمة نكاحهن أبداً، الله قال تحريم مُؤبَّد على كل رجال الأمة، هل هذا واضح؟ وليس هذا فحسب، بعد ذلك لا يُقال – كما قلت – لأخواتهن خالات المُؤمِنين، لا تقل لي هذه خالة المُؤمِنين، هذه أمي وهذه خالتي – غير صحيح – وهذه أخت المُؤمِنين، زينب بنت أم سلمة أخت المُؤمِنين! لا يُقال هذان هي أخت أخيها وليست أختي، لا يُقال هذا، قد يقول أحدهم لكن هناك خال المُؤمِنين، مسألة خلافية وذكر فيها الخلاف ابن تيمية رحمه الله، وذكر فيها الخلاف الأئمة كلهم، ابن كثير ذكرها في التفسير، ونقل عن الشافعي أنه هل يُقال لمُعاوية خال المُؤمِنين، أي كونه أخ أم حُبيبة؟ فقال الشافعي لا يُقال ذلك، وهذه الطبعات الحجرية القديمة من ابن كثير، وأما الطبعات المُحدَثة فقد حُرِّف بعضها وحذفوا كلمة “لا”، فقال يُقال ذلك، والثابت عن الشافعي بطرق أُخرى وسياقات أُخرى أن مذهبه أنه لا يُقال لمُعاوية خال المُؤمِنين ولا لغير مُعاوية، لا لمُعاوية ولا لغير مُعاوية، تعرفون لماذا؟ لأن أم المُؤمِنين ليست أماً حقيقية لنا، ولو ساغ أن تكون أماً حقيقية أو صحَّ لقيل نعم لأخيها خال المُؤمِنين ولأختها خالة المُؤمِنين ولبنتها أخت المُؤمِنين ولأبيها جد المُؤمِنين، لا يُقال هذا، هل فهمتم؟ ليست قضية مقطوعة أنه خال المُؤمِنين، عملوا أفلام ومسرحيات: خال المُؤمِنين مُعاوية، برنامج الدفاع عن خال المُؤمِنين! يضحكون على الناس، وليس هذا فحسب، سيأتيكم ما هو أعجب.

هل أمهات المُؤمِنين أمهات للمُؤمِنات أم أمهات للمُؤمِنين فقط؟ إذا فهمنا أن المغزى والمقصود من كونهن أمهات للمُؤمِنين هو فقط حُرمة نكاحهن والتزوج بهن من طرف أي مُؤمِن أو مُسلِم سنُرجِّح أنهن لسن أمهات للمُؤمِنات، فقط للمُؤمِنين، وهذا ثابت عن أم المُؤمِنين عائشة بسندٍ صحيح رواه البيهقي ورواه ابن سعد، دخلت عليها امرأة فقالت لها يا أمه – أي يا أمي -، قالت لست لكن بأم، إنما أنا أختكن – أنتِ أختي -، إنما أنا أم رجالكم، انظر إلى عائشة، فقيهة عائشة، تعرف هذا، كيف تقولين أمي؟ والله حلو أيضاً أن تقول لي وأنا امرأة صغيرة في السن، في مثل سني وتقول أمي، لم يُعجِب عائشة هذا، قالت لست لكن بأم، إنما أنا أختكم، إنما أنا أم رجالكم، عائشة تفهم القصة، هل أنتم تظنون جدياً أنها أم المُؤمِنين من كل النواحي؟ غير صحيح قالت لها، فلا أدري يا أخي يا شيخ عثمان وإخوانه الفضلاء ما وجه الاستدلال بأنهن أمهات المُؤمِنين على دخولها في الجنة بغير سبق حساب أو عذاب وما إلى ذلك؟ ما دخل هذا في هذا؟ من أين؟ ما هذه الطريقة في التفقه والاستنباط والتفسير لكتاب الله تبارك وتعالى؟ ينبغي أن يكون العلم أدق من هذا بكثير، وأن نُحقِّق وأن نُعمِّق فيه النظر والله المُستعان، وهذا الحديث – كما قلت لكم – رواه ابن سعد والبيهقي ورواه أيضاً ابن المُنذِر والإمام أحمد في باقي مُسنَد الأنصار، وفي النهاية قالت ولكني أختكن.

أبو بكر بن العربي صاحب العواصم من القواصم نقل عنه القرطبي قوله وهو الصحيح، ما المُراد بقوله وهو الصحيح؟ أنه لا يُقال أنهن أمهات للمُؤمِنات، قال لا، غير صحيح، الصحيح أنه لا يُقال، مع أن القرطبي – أبا عبد الله صاحب الجامع لأحكام القرآن – رجَّح العموم، قال لا، هن أمهات للمُؤمِنين وأمهات للمُؤمِنات، لكن واضح أن القول ذاك أقوى بإذن الله تبارك وتعالى.

نأتي الآن إلى قضية أُخرى وهي قضية ميسون بنت بحدل الكلبية، قال هذا الرجل تحدَّث عن مُسلِمة شريفة عفيفة: ميسون بنت بحدل، مُسلِمة؟ قال نعم، مُسلِمة هذه، هذه أم يزيد طبعاً، هذه أم يزيد الخبيث الملعون المهتوك الستر، لعنة الله عليه إلى يوم الدين، لعنة الله على مَن رضيَ ومَن سعى ومَن خبّأ وأوضع بقتل أبي عبد الله الحُسين – عليه السلام – إلى يوم الدين، وهو ملعون، لعناه أو لم نلعنه هو ملعون في نفس الأمر وفي الواقع بإذن الله تبارك وتعالى، لا كلام في هذا، فأولاً أخي الشيخ عثمان الخميس – حفظه الله – أراد أن يُوهِم المُشاهِدين أن ميسون امرأة مُسلِمة وعدنان إبراهيم نسبها إلى الزنا – والعياذ بالله – وأن يزيد هذا ابن حرام، طبعاً أنا ذكرت هذا ولا أدري في أي مُحاضَرة، هو أتى بمقطع وكنت غاضباً جداً لأنني ذكرت الرواية المشهورة التي تُثبِت أن يزيد عبث وقرع ثنيتي أبي عبد الله – عليه السلام – بقضيب حديد كان معه ثم تكلَّم في جماله، لا يُعجِبه جمال الحُسين، المهتوك الملعون هذا – يزيد – لا يُعجِبه جمال أبي عبد الله الحُسين عليه السلام، فطبعاً أنا غضبت وقلت هذا ابن حرام، لا يفعل هذا إلا ابن حرام قلت، وفعلاً يقولون ميسون هذه – والعياذ بالله – ارتكبت الفاحشة وإلى آخره، كلمة فظيعة هي حقيقةً قلتها في حال غضبي والآن سأذكر ما انتهى إليه تحقيقي في المسألة، فطبعاً شيئ غير سهل أن تأمر وأن تفرح وأن تُظهِر الشماتة بقتل أبي عبد الله الحُسين وتُقطَع رأسه وتُوطأ الخيول جسده الشريف ويُؤتى ببناته وأخواته وبقية أهل بيته أُسارى من العراق إلى الشام في حر الصيف، شيئ غير معقول، وتعبث بثنيتيه يا ملعون! لعنة الله عليه إلى يوم الدين، والحقيقة لا أكذب عليكم أنا في باطني – ليس عندي دليل، الآن سأقول لكم قصارى ما عندي وما هو في الكتب – كأني مُوقِن أنه لا يفعل هذا إلا ابن زنا، سأقولها الآن: ابن حرام، النبي قال لعليّ – عليه السلام – لا يُبغِضك إلا المُذعذَع، قال ما المُذعذَع يا رسول الله؟ قال ولد الزنا، وهذا الحديث أورده وأكَّد صحته العلّامة محمد بن محمد بن محمد بن الجزري المُقريء الكبير، له كُتيب صغير في مناقب الإمام عليّ عليه السلام، كُتيب لطيف جداً، وذكر هذا الحديث، قال لا يُبغِض عليّاً إلا ابن حرام، ولد زنا والعياذ بالله، ولذلك أورد أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق أن الصحابة كانوا يُبِّورون أولادهم بعليّ، ما معنى يُبوِّرون؟ يمتحنون، يعرف الواحد منهم هل ابنه من ظهره أم أخطأت زوجته فيه، فيحمل أحدهم ابنه – ابن عساكر روى هذا – فإذا أقبل عليّ – عليه السلام – يقول له يا بُني انظر، ذاك الرجل ما تقول فيه؟ فإن مدحه وأعرب عن حُبه عرف أنه ابنه وإلا قال له ألحق بأمك، يُطلِّق أمه ويقول له اذهب مع أمك، لا أُريدك، هذا ما رواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ولك أن تتخيَّل هذا، فكيف بمَن فعل بالحُسين ما فعل؟ فلعنة الله عليه وعلى شيعته وأنصاره وأعوانه، لا نمتري في هذا.

على كل حال نعود حتى لا يذهب بنا الحديث شعوباً، نعود إلى ميسون بنت بحدل، الشيخ عثمان الخميس – بارك الله فيه – اغتر بما ورد في الموسوعة الشعرية عن ميسون أنها شاعرة إسلامية، يقيني أن أخي الشيخ عثمان لو قرأ أي كتاب في الأدب – أنا قرأت هذه الكُتب وأنا صغير بفضل الله، قرأت موسوعة شوقي ضيف كلها وأنا صغير في الإعدادية – أو في تاريخ الشعراء والأدباء والأدب العربي لما وقع في هذه الغلطة الكُبرى، كلمة شاعر إسلامي أو شاعرة إسلامية لا تعني أبداً أنه شاعر مُسلِم أو شاعرة مُسلِمة، إسلامي غير مُسلِم – انتبه – في كُتب الأدب، لذلك الأخطل عُد إلى ترجمته، الشاعر النصراني الشهير الذي كان يتعلَّق صليباً ضخماً من ذهب، صليب كبير إلى سُرته من ذهب، ويأتي لحيته تقطر بالخمر، لأنه نصراني، ويأتي مجالس بني أُمية يذم الأنصار والعياذ بالله منه، يذم الأنصار أحباب رسول الله ووصية رسول الله، يذمهم! وَالْلُّؤْمُ تَحْتَ عَمَائِمِ الْأَنْصَارِ، في ترجمته يقول الأخطل شاعر إسلامي كبير، ما معنى إسلامي؟ في العهد الإسلامي وليس مُسلِماً يا شيخ عثمان، افهم كلامي ولا تغضب مني، أبو عُبيدة المُؤرِّخ الكبير للشعراء والأدباء ماذا قال؟ شعراء الإسلام الأخطل ثم جرير والفرزدق، شعراء الإسلام! والأخطل نصراني قولاً واحداً، لم يُسلِم لحظة لله، فشاعر إسلامي يا شيخ عثمان لا تعني شاعراً مُسلِماً، فاغتر هو بأن ميسون ذُكِرَت بأنها شاعرة إسلامية، هذا أولاً.

ثانياً نقل عن ابن كثير – الحافظ الكبير رحمة الله عليه – في البداية والنهاية وصفه لها بأنها كذا وكذا وأنها ديّنة، إذا أراد ابن كثير ديّنة على طريقة قومها في حُوران بني كلب النصارى نعم، وإن أراد أنها ديّنة بالإسلام فأنا أقول الآن من هذا المنبر لو استظهر الشيخ عثمان الخميس ومن قبله ابن كثير بالإنس والجن على أن يُثبِت أن ميسون بنت بحدل أسلمت لما استطاع، وأنا أتحداه وأتحدى كل مُؤرِّخي الأدب، وأنا أعرف هذا وقرأته من صغري، ميسون لم تُسلِم لحظةً، تعرفون لماذا؟ ميسون تزوَّجها مُعاوية وهو والٍ وليس خليفة، تزوَّجها وهو والٍ، بقيَت عنده أشهراً يسيرة، يقول المُؤرِّخون مُديدة، بقيت عنده مُديدة، ليست مُدة وإنما مُديدة، ثم عافته بل شبَّهته بالعلج العلوف، وهذا ثابت في كل كُتبنا، سبته لأن مثل مُعاوية لا يُحَب – أكيد – ولا يُعاشَر، سبته، قالت علج، انتبهوا وأنا سأُفسِّر لكم، أما أن تقول لي لدي نص أنها أسلمت فأنا أقول لك أتحدى، أرفع راية التحدي، وإلا أنا إنسان فعلاً صاحب دعوى عريضة وأتحدَّث فيما لا أفهم، لم تُسلِم لحظة.

الله يقول يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ۩، هذه لم تُؤمِن ولم تُسلِم، على أني أستغفر الله فعلاً من وقوعي في عِرضها لأني اعتمدت على روايات أنا أقول لك تاريخية تذكر أنها – والعياذ بالله – تعاطت الفاحشة مع سفاح وإن ذكرت أنا في ذلك المقطع مع سرجون وهذا غير صحيح، ليس سرجون وإنما رجل اسمه سفاح، وذكر هذا أحد علماء السُنة في الديار الهندية وهو الصاحبي في كتابٍ له، لكن أنا اختبرت هذا ولم أجد دليلاً حقيقياً ولا إسناداً يُعتبَر، كلام هكذا! فأستغفر الله من هذه الكلمة، ليس عندي دليل على أنها واقعت الفاحشة، ليس عندي دليل حقيقةً، أنا عائد وأستغفر الله من هذه الكلمة على أنها منقولة في هذه الكتب التاريخية والأدبية، أما أنها أسلمت مُستحيل، وأما أنها كانت طبعاً شديدة التصون والعفاف فأسطورة أيضاً لا نمتلك عليها دليلاً، لماذا؟ ابن كثير أتى برواية أن مُعاوية دخل عليها بخصيٍ معه – يبدو أنها كانت في ثياب البذلة – فغضبت، مَن هذا الذي دخلت به علىّ؟ قال لها هذا خصي، قالت له وتحسب أن المُثلى – أنت مثَّلت به، هذا المسكين خصتوه، أي رضضتم أُنثييه – تُحِل له مني ما حرَّم الله؟ فقال انظر إلى هذا، أقول هذا حديث هيان بن بيان، هذه رواية رواها ابن عساكر قبل ابن كثير لكن بلا أي إسناد، أسطورة! رواها بغير سند، هكذا يُحكى، ما هذا؟ هذا كلام فارغ، أين الأسانيد؟ أنا الآن اعترفت بخطئي، ليس عندي أي سند مقبول أنها عافست سفاحاً فرجعت عنه وأستغفر الله حقيقةً، لكن هذه العفة أكذوبة أيضاً، لا دليل على أنها ما شاء الله عفيفة، سنرى الآن ماذا قالت وهي تذم مُعاوية وتحن إلى أهلها في حواران، تقول:

لَبَيْتٌ تخفِقُ الأرواحُ فيه                               أحبُّ إليَّ من قصرٍ مُنيفِ.

ولُبسُ عَباءَةٍ وَتَقَرُّ عَيني                             أَحَبُّ إليَّ مِن لُبسِ الشُفوفِ.

وخَرقٌ مِن بَني عَمِّي نَحيفٌ                             أَحَبُّ إليَّ مِن عِلجٍ عَلِـيفِ.

(ملحوظة) حين قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم (لَبَيْتٌ تخفِقُ الأرواحُ) قال: أي الرياح، جمع ريح، وحين قال (ولُبسُ عَباءَةٍ وَتَقَرُّ) قال: احفظها هكذا، لا تقل لي وتقرُ نحوياً، درَّسنا لكم هذا في النحو قديماً، تقول وَتَقَرُّ بمعنى وأن تَقَرُّ، وحين قال (وخَرقٌ) قال: رجل أحمق قالت، أهبل، وحين قال (مِن بَني عَمِّي نَحيفٌ) قال: غضبانة من ماذا؟ من سمنة مُعاوية والكرش الكبير، تشعر بالقرف وحُقَّ لها، تقول وخَرقٌ، بصراحة لا تعتبوا على عدنان إبراهيم، اعتبوا على ميسون التي ورم أنفكم لها، غضبوا لماذا أنا أغضب لما فعل يزيد الملعون الهتّيك بأبي عبد الله – عليه السلام – ابن رسول الله، وغضبوا كيف أنا أطعن في عرض أمه ميسون، هي طعنت في مُعاويتكم وشبَّهته بالعلج العلوف، يُعلَف كالدابة، اذهبوا ودافعوا عنها، والله إنكم تتناقضون، ثم ذكر قولها (أَحَبُّ إليَّ مِن عِلجٍ عَلِـيفِ) واستتلى قائلاً: وكلمة علج – هكذا يبدو لمَن تأمَّل – بماذا تُنبيء؟ أنها لم تُسلِم، انتبهوا! المُسلِمون طبعاً كانوا يقولون للكفّار: العلج، العلج، العلوج، الصحابة يقولون العلوج! وهي تقول الآن لرجل مُسلِم في الظاهر وهو مُعاوية العلج، قالت له أنت العلج، رجل علج أنت، لأنها كافرة به وبدينه، ولذلك فعلاً مُباشَرةً طلَّقها، فقلت هنا امرأة تذم زوجها على أنه والٍ غني مُتموِّل، لماذا قلت أنه والٍ؟ لأن متى وُلِدَ يزيد؟ هكذا يكون الدرس العلمي، لابد أن تنتبه إلى كل شيئ، لو قلت امرأة تذم خليفة لن يكون هذا صحيحاً، خليفة ماذا؟ كلام فارغ، تذم والياً، لأن يزيد تولَّد أو وُلِد سنة ست وعشرين للهجرة، مُعاوية مات في سنة ستين وصار خليفة في سنة أربعين، لا يزال بينه وبين الخلافة كم؟ أربع عشرة سنة، هذا يعني أنه في تلك الأيام كان ماذا؟ كان لا يزال والياً، هذا الذم الظاهر بحيث يُروى عنها ويتناقله الرواة إشارة أكثر من واضحة إلى شدة بِغضتها له وصرَّحت أنها تفضِّل أياً من أبناء عمومتها على مثله، العلج في اللُغة – كما قلت لكم – هو الكافر المُخالِف في الديانة وقد يكون سميناً، وفي الأصل هو العير، هل تعرفون ما هو العير؟ الحمار، العير! عير الحي والوتد، العير هو الحمار، قيل هو الحمار أو الحمار الوحشي، لكن هو يعم الحمارين: الإنسي والوحشي، واختُصَ بعد ذلك وصار أكثر إطلاقاً على الحمار الوحشي، والرجل إذن من كفّار العجم يُسمى ماذا؟ يُسمى علجاً، فهي وصفته بأنه عليج عليف، بعضهم حرَّفها إلى عنيف، لكن كيف يُقال عنيف؟ العلج لا يُقال عنه عنيف، قالت علج عليف، رأت أنه على مدار الأربع والعشرين ساعة يأكل، من يوم ما قال النبي لا أشبع النبي بطنه وهو يأكل، وهذه قصة حلوة أيضاً نُفسِّر بها لا أشبع الله بطنه ولماذا طلَّق ميسون، فماذا قال إذن؟ سوف نرى.

قال ما رضيت حتى جعلتني علجاً فطلَّقها، لماذا كبَّرتم الحكاية كأنها – ما شاء الله – امرأة مُسلِمة وصيّنة وديّنة وما إلى ذلك؟ وضعت يزيد عند أهلها في المشهور وقيل وضعته عند مُعاوية ثم أخذته حين طلَّقها وعادت إلى أهلها وهو صغير، ويزيد ورُبّيَ مُعظَم حياته على الإطلاق في حُوارن، بلدة في سوريا نصرانية إلى اليوم بالمُناسَبة، فيها ثلاث كنائس، كان فيها كنائس كبيرة ولم تستسلم للفاتحين الإسلاميين فدمَّروها وقتلوا كثيرين مِمَن فيها، لذلك عندها حقد إلى اليوم، وكان قائد الفتوح خالد بن الوليد رضوان الله عليه، لكن بقيَ فيها إلى الآن ثلاث كنائس قديمة، وهذه بلدة مَن؟ ميسون بنت بحدل الكلبية، بنو كلب كلهم طبعاً نصارى، وبالمُناسَبة مُعاوية هو الذي أقنع سيدنا عثمان بن عفان – رضوان الله عليه – أن يتزوَّج نائلة بنت الفرافصة الكلبية والتي اختلف المُؤرِّخون في إسلامها والأرجح أنها أسلمت، نائلة سيدة فاضلة والأرجح أنها أسلمت، بعضهم قال لا، لم تُسلِم، بقيت على نصرانيتها، وإذا وقع الشك في إسلام نائلة وهي زوج الرجل العفيف التقي الخشوع الطيب – سيدنا عثمان الذي يختم كتاب الله كل يوم مرة – فمن باب أولى ألا تُسلِم ميسون إلى يوم الدين وقد تزوَّجت مُعاوية العلج العليف، هو هذا، ما الذي يُغريها بالإسلام يا شيخ عثمان؟ بالله عليك اقرأ التاريخ قراءة علمية، هي لم تجد نفسها مُغراة أن تبقى معه أصلاً يوماً زائداً، قالت آخذ أي واحد من رجال عمي أحسن لي من مُعاوية هذا العلج العليف، لا أُريده، لا أُريد قصوره ولا أُريد أمواله، لا أُريده!

فعلاً يزيد رُبّيَ في حُواران هذه مع أمه وأهل أمه، وبالحري – (ملحوظة) ذكر أحد الحضور أن يزيد تربّى على النصرانية فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أحسنت – رُبّيَ على النصرانية، سمعت أن للعلّامة المُؤرِّخ السوري الكبير سُهيل زكّار له كتاب يُثبِت فيه نصرانية يزيد وأنه لم يُسلِم، سوف يُقال رافضي، رافضي ماذا؟ سُني علوي من نسل رسول الله، سُهيل زكّار – أمتع الله به – الذي كتب وحقَّق ونشر إلى اليوم زُهاء ثلاثمائة وخمسين مُجلَّداً، ولك أن تتخيَّل هذا، هذا المُؤرِّخ العظيم له كتاب يُثبِت فيه نصرانية يزيد وأنه لم يُسلِم، إسلام في الظاهر، ولذلك ذكر ابن الأثير الجزري في الكامل في التاريخ وغيره ابن الأُثير مِمَن سبق أنه لما مات مُعاوية يزيد لم يكن في دمشق أصلاً، كان في حُواران عند أهل أمه، كان شاباً، في سنة ستين هذا، أي من ست وعشرين إلى ستين، أربع وثلاثين سنة عمره كان، المفروض هذا، أليس كذلك؟ من ست وعشرين إلى ستين، إذن أربع وثلاثون سنة، ولم يكن حينها في دمشق، وجاء بعد عشرة أيام، وأبوه طبعاً مدفون من عشرة أيام، فقام وصلى على قبره، أي صلاة المُسلِمين، الدكتور سُهيل زكّار يعتقد بتحقيقه في البحث التاريخي أن يزيد لم يكن مُسلِماً وكان نصرانياً، ومن ضمن الأدلة التي يُمكِن – أنا لم أقرأ بحثه لأنه لم ينشره – أن يُعوِّل عليها الدكتور سُهيل زكّار – بارك الله فيه – أن يزيد ورد عنه ورُويَ عنه اتخذ مُعلِّماً نصرانياً لابنه خالد، تعرفون خالد بن يزيد؟ كان عالماً في الكيمياء وعنده بعض العلوم الدنيوية وما إلى ذلك، اسمه خالد بن يزيد، مشهور هذا، كان عقلية علمية مادية، هذا خالد بن يزيد الذي تزوَّج أمه بعد ذلك مروان بن الحكم، عائلة وسخة كلها، والله عائلة وسخة، عائلة وسخة! هل تعرفون لماذا؟ هذا مروان بن الحكم الذي غضب علىّ الشيخ عثمان حين لعنت أبيه، لعنة الله عليه لأنه ملعون، وسوف تأتيكم في حلقة كاملة الأحاديث الصحيحة التي صحَّحها الشيخ الألباني أيضاً وتقول أن الحكم هو لعين رسول الله وطريد رسول الله، لماذا غضبت يا شيخان عثمان حفظك الله؟ هو ملعون، كيف لا ألعن مَن صحَّ أن النبي لعنه يا رجل؟ تلعن الصحابي الجليل؟ صحابي والنبي لعنه، ماذا أفعل له؟ فلعنة الله عليه، الحق أحق أن يُتبَع، الحق بالدليل، الحكاية ليست كما يُظَن، يُقال صحابي وكأن كلمة صحابي تعني أنه نبي أو رسول، فهذا لا ينفع طبعاً، إذا كان الصحابي نبياً أو رسولاً فعلاً لا ينفع أن تجرحه بأي طريقة، هل هذا ينفع؟ لكن إذا كان الصحابي غير نبي وغير رسول يختلف الأمر، لا أعرف المنطق الذي ينطلقون منه، على كل حال المُهِم مروان بن الحكم تزوَّج أم خالد بن يزيد، هي زوجة مَن؟ زوجة يزيد، تزوَّجها من أجل أن يُذِل خالد بم يزيد، حقد! يحقدون على بعضهم أيضاً، كره شديد! مُعاوية كان يكره مروان ويكره أباه، لأن مُعاوية لم يكن عنده أولاد ذكور وهذا كان عنده أولاد ذكور ومن ثم كان يكرهه، مُغتاظ! كان مُغتاظاً من هذه القضية، أنا ليس عندي أولاد ذكور وهو عنده أولاد ذكور، وأرادوا أن يغلبه وفعلاً غلبه أخذوا الخلافة فيما بعد، فقط حكم مُعاوية ويزيد حكم سنتين ونصف وابنه حكم ستة أشهر وانتهى الفرع السُفياني، جاء الفرع المرواني، أولاد الحكم بن أبي العاص، إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين اتخذوا عباد الله خولاً ومال الله دولاً ودين الله دغلاً، والحديث صحيح أيضاً، وسوف نأتي به في المرة الجائية حين نتحدَّث عن لعن الحكم وما ولد، على الأقل الحكم لعين رسول الله، رجلاً لعيناً النبي سماه، يخرج عليكم رجلٌ لعينٌ، فخرج الحكم والعياذ بالله منه، صحَّحه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، سوف نأتي به ونقرأه، علماً بأننا طبعناه هنا.

نرجع إلى موضوعنا، فهو يُريد أن يُذِله، اختلف ذات مرة معه – مروان بن الحكم بن أبي العاصي اختلف مع خالد بن يزيد بن مُعاوية بن أبي سُفيان – فقال له يا ابن الرطبة ولك أن تتخيَّل هذا، طعن في أمه، في فرج أمه، قال له أمك رطبة، معروف هذا! شيئ له علاقة بالمسألة الخاصة، فطبعاً أذله وكسر رأسه، قال له أمانة قد خُنتها، إخص عليك قال له، هذه الأسرار لا تُفشى، البعيد أخذت أمي لكي تُفشي سرها وما يتعلَّق بمتاعها أمام الناس؟ فغضب المسكين، هذا مُهِم لكي تفهموا مَن مُعاوية ومَن أولاد عمه حاشا الصالحين فيهم كسيدنا عثمان وعمر بن عبد العزيز، قلة! وإلا بشكل عام – والعياذ بالله منهم يا أخي – سيئون، والعياذ بالله منهم، أعان الله رسول الله وأحفاده وأبناءه على هذه العائلة، وهؤلاء هم الذين ذبَّحوا أهل بيت رسول الله، مَن الذين ذبَّحوا أهل بيت رسول الله؟ مَن هم؟ هذه أمور واضحة يا إخواني، فدخل على أمه مُغضَباً، قال له يا أمه هذا ما أردتِ؟ تزوَّجتيه حتى يسبني هذا السب على رؤوس الناس؟ قال لي يا ابن الرطبة! قالت له لا عليك منه بعد الساعة، لن تسمع منه شيئاً يُؤذيك، هي منهم أيضاً، فجاءت في الليل ووضعت له السُم، مروان بن الحكم تعرفونه؟ صحابي، قال عنه الحافظ ابن حجر فإن ثبتت صُحبته فلا يُؤثِّر فيه طعن ولا قول، هذا الصحابي الجليل قليل الأدب – قال لخالد يا ابن الرطبة أمام الناس، يسب المرأة في متاعها – زوجته وليس أنا تكرهه، وضعت له السُم، وذهب ينام فجاءت هي وخوادمها ووصيفاتها وغممنه بوسادة، وضعوا وسادة على رأسه فمات، ولذلك هو من المذكورين في قتلى النساء، هناك أُناس ماتوا على أيدي النسوان وهذا منهم، عرفتم كيف مات مروان؟ تسمعون عنه دائماً، لكنهم لم يقولوا لنا كيف مات هذا الخبيث ابن الخبيث، اللعين ابن اللعين، الوزغ ابن الوزغ، قاتل طلحة، ألا تُحِبون العشرة المُبشَّرين بالجنة؟ مَن الذي قتل طلحة؟ وهذا ثابت عنه، لا تقل لي غير هذا، هذا ثابت وسوف نقرأه، مروان بن الحكم رماه بسهم، قال الذهبي: وقتل طلحة، رماه بسهم ثم نجا لا نُجي، يقول الذهبي لا نُجي، لا أنجا الله البعيد، أرأيت؟ يقولون يا أخي قطع الله لسانك! قطع الله لسان الجهل والله، والله أطلق الله لسان العلم والفهم وقطع الله لسان الجهل والتدليس وقلة العلم وقلة القراءة وقلة الفهم، ما هذا يا أخي؟ الله المُستعان.

على كل حال موضوع ميسون هذا خُلاصة ما عندي فيه، المرأة لم تُسلِم ساعةً، طعنت في زوجها ووصفته بالعلج العليف، تأدى ذلك إلى طلاقها، أخذت ابنها وربّته قطعاً على النصرانية وأخلاق النصارى، بقيَ عامة حياته هناك في حُواران، قل أن كان يأتي إلى دمشق، ربّى هو ابنه أيضاً على النصرانية لأنه أمر أو عهد بتثقيفه وتعليمه إلى راهب مسيحي أو كاهن مسيحي، أما قضية الزنا وما الزنا ذكرتها كُتب الأدب، ذكرها العلّامة الصاحبي – هندوشاه الصاحبي – صاحب تجارب السلف، هذا من أعلام القرن الثامن وهو علّامة سُني، لكن في الحقيقة لم أجد دليلاً يستند بأنها واقعت الفاحشة فأنا عائد عن هذا وأستغفر الله تبارك وتعالى.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: