طليعة التبيان (طليعة مُفصَّل البيان في حال ابن أبي سُفيان)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين.

إذن إخواني وأخواتي تكلَّمنا عن الإمام المقريزي – رحمه الله تعالى – المُؤرِّخ والأديب والشهير في رسالته النزاع والتخاصم فيما بين أُمية وبني هاشم، طبعاً أحسن طبعة لهذه الرسالة بتحقيق العلّامة المُؤرِّخ بل أنا أُلقِّبه شيخ المُؤرِّخين في زمانه وعصره المرحوم الدكتور حسين مُؤنِس، حقَّقها تحقيقاً جيداً، وله كلام مُستجاد عن بني أُمية أيضاً في أوله، مع أنه غير مُتهَم على بني أُمية، بل يُدافِع عنهم ويرى أنهم ظُلِموا، وله كتاب آخر اسمه تنقية أصول التاريخ الإسلامي، يُدافِع عن بني أُمية ويرى أنهم ظُلِموا، على كل حال هذه وجهة نظر، لكنه حقَّق هذه الرسالة تحقيقاً جيداً.

أمسك الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم بكتاب وقال هذا مجموع رسائل المقريزي، جُمِعَت رسائل المقريزي هنا، تحقيق هذا سيئ جيداً لأسباب كثيرة من ضمنها التطبيعات، هناك تطبيعات للأسف، لا أدري هل هي تطبيعات – أخطاء مطبعية – أم أن المُحقِّقين الفاضلين لم يفطنا إلى وجه الحق فيها، الكلام أحياناً مُتداخِل وغير مفهوم، للأسف ضعف في التحقيق، فهذه طبعة دار الحديث بالقاهرة، الطبعة الأولى، سنة ألف وتسعمائة وثماني وتسعين، رسالة المقريزي، في رسالته النزاع والتخاصم يتحدَّث هنا عن البيت السُفياني ويقول فقد عرفنا كيف‌ كان‌ أبو سفيان‌ في‌ عداوته‌ للنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وسلّم‌ وفي‌ مُحارَبته‌ وفي‌ إجلابه‌ عليه‌ وغزوه‌ إيّاه‌، وعرفنا إسلامه‌ كيف‌ أسلم‌، وخلاصه‌ كيف‌ خلص‌ – أي تخلَّص من الموت وإلا كان سيُقتَل -، علي‌ أنه‌ إنما أسلم‌ علي‌ يد العبّاس رضيَ الله تعالى عنه، والعبّاس‌ هو الذي‌ منع‌ الناس‌ من‌ قتله‌ وجاء به‌ رديفاً إلي‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وسلّم‌، وسأله‌ أن‌ يشرّفه‌ وأن‌ يكرمه‌ وينوّه‌ به‌، وتلك‌ يد بيضاء – بعد كل الذي فعله أبو سُفيان النبي قبل فيه شفاعة العبّاس ورضيَ بإسلامه المدخول على نفاق وكذب، وسوف يأتيكم بيان هذا، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، وهذا باعترافه، حين قال له النبي تشهد كذا وكذا، أي الشهادتين، قال أما هذه يا محمد ففي النفس منها شيئ، النفس غير طيبة بأنك نبي ورسول، والعياذ بالله أُشرِب الكفر والنفاق الرجل، شيئ عجيب، والنبي قبل، لا تُوجَد مُشكِلة، يقول وتلك يد بيضاء، لكن نُريد أن نرى كيف كافأها بنو أبي سُفيان، أبناؤه وأحفاده كيف كافأوا هذه اليد؟ لقد رأينا ورأى التاريخ، إِنَّا لِلّهِ ۩- ونعمة‌ غرّاء ومقام‌ مشهور وخبر غير منكور، فكان‌ جزاء ذلك‌ من‌ بنيه‌ أن‌ حاربوا عليّاً وسمّوا الحسن‌ – هذا واضح عند المقريزي، قال أنا مُؤرِّخ فلا تُعلِّمني – وقتلوا الحُسين‌ وحملوا النساء – مَن النساء؟ آل البيت، أي بنات محمد – علي‌ الأقتاب‌ – أقتاب الجمال – حواسر، وكشفوا عورة‌ علي‌ّ بن‌ الحُسين‌ – زين العابدين عليه السلام – حين‌ أُشكِل‌ عليهم‌ بلوغه‌ كما يُصنَع‌ بذراري‌ المُشرِكين‌ إذا دُخلت‌ ديارهم‌ عنوة‌، وبعث مُعاوية بن أبي سُفيان إلى اليمن بُسر بن أرطأة فقتل ابني عُبيد الله بن عبّاس وهما غلامان – من أهل بيت النبي أيضاً – لم يبلغا الحلم، فقالت أمهما عائشة بنت عبد الله بن عبد الدار بن الدبان ترثيهما:

يَا مَنْ أَحَسَّ ببنَيَّ اللَّذَيْنِ هُمَا                         كَالدُّرَّتَيْنِ تَشَظَّي‌ عَنْهُمَا الصَّدَفُ.

إلى آخر الكلام، شعر مُؤثِّر جداً، يُمكِن أن تقرأوه بطوله في الكامل لابن الأثير الجزري المُحدِّث والمُؤرِّخ، موجود بطوله.

قال وقتلوا لصلب عليّ بن أبى طالب – أبناء أبي سُفيان جزاء ما النبي عفا عنهم وعن أبيهم بعد مُحارَبة دامت زُهاء عشرين سنة مُستمِرة، من السنة الأولى للبعثة إلى سنة الفتح في السنة الثامنة، واحد وعشرون سنة تقريباً، قال النبي لا يهم وعفونا، الحمد لله جزوه هذا الجزاء عليه السلام، ونُدافِع عنهم! والله إني لأشعر أن هذا الدفاع يُسقِط رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشعر أنه يُسقِطه – رضيَ الله عنه تسعة، ولصلب عقيل بن أبى طالب رضيَ الله عنه تسعة، ولذلك قالت نائحتهم:

عَيْـنُ جُـودِي‌ بِعَـبْـرَةٍ وَعَـويـلِ                       وَانْـدُبي‌ إنْ نَـدَبْـتِ آلَ الرَّسُـولِ.

تِسْـعَـةٌ مِنْـهُـمْ لِصُـلْـبِ عَـلِـي‌ٍّ                         قَدْ أُصِـيـبُـوا وَتِـسْــعَةٌ لِعَـقِـيلِ.

على يد بني أُمية ويُقال رضيَ الله عنهم واجتهدوا فأخطأوا!

قال هذا وهم يزعمون أن عقيلاً أعان معاوية على على، فإن كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب – قال هم بيت الكذب، بنو أُمية أكذب عباد الله -، وإن كانوا صادقين فما جزوه خيراً قد ضربوا عنق مُسلِم بن عقيل – ابنه قتلتموه – صبراً وقتلوا معه هانئ بن عروة؛ لأنه آواه ونصره….. في قصة استشهاد الحُسين طبعاً بالكوفة، وبعد ذلك ماذا يقول المقريزي؟

وأكلت هند كبد حمزة، فمنهم آكلة الأكباد – الآن يعود ويتحدَّث عن بني أُمية بشكل عام، عن البيت السُفياني وليس عن الجزاء، فهذا قبل ذلك لأنه في أُحد -، ومنهم كهف النفاق – هذا لقب مَن؟ مَن هو كهف النفاق؟ أبو سُفيان، هو كهف النفاق، يأوي إليه المُنافِقين دائماً -، ونقروا بين لحيي الحُسين رضيَ الله عنه – عُبيد الله بن زياد لعنة الله عليه، المنسوب لهم – ونبشوا زيداً وصلبوه وألقوا رأسه في عرصة الدار تطؤه الأقدام وتنقر دماغه الدجاج…. الله أكبر يا أخي، يُوجَد كلام طويل، يُمكِن أن تقرأوا الرسالة بطولها أيضاً، وهي زُهاء سبعين صفحة، أي أنها ليست طويلة، تُقرأ في مجلس، الله أكبر، إلى أن يقول في الصحيفة خمس وثلاثين – أي صفحة خمس وثلاثين – وأبو سفيان هذا هو أبو معاوية – انظر إلى المقريزي، يقول وأبو سُفيان هذا هو أبو مُعاوية، هل تُريد أن تعرف مَن هو أبو سُفيان؟ أبو مُعاوية، هل تعرف مُعاوية؟ هذا أبوه، انظر إلى هذا المُؤرِّخ، اذهب بالله عليك وعلِّم هذا المُؤرِّخ، قل له أنت لا تفهم ونحن أفهم منك! هذا المقريزي -، ولم يزل بعد إسلامه بعد هو وابنه معاوية من المُؤلّفة.

يقول لم يزل، عند المقريزي لم يحسن إسلامهما، قد تقول لي كيف يقول من المُؤلَّفة؟ سوف يُجَّن طبعاً جنون هؤلاء لأنهم لا يعرفون، كيف تجرؤ أن تقول مُعاوية من المُؤلَّفة؟ مُعاوية من المُؤلَّفة، وسوف يثبت لكم هذا، وابن تيمية يقول أنه من المُؤلَّفة، قطعاً من المُؤلَّفة، والذهبي وابن حجر العسقلاني وابن الأثير في أُسد الغابة قالوا من المُؤلَّفة، وسوف يثبت لكم هذا، وسوف نهتم بهذه الحقيقة، هل هو من المُؤلَّفة أم من الذين أسلموا عام القضية؟ وعندي مبحث طويل دقيق – بإذن الله تعالى – في مسألة إسلام مُعاوية ومتى أسلم وهل هو من المُؤلَّفة أو ليس من المُؤلَّفة، نُريد أن نعرف الحقائق، هذه طريقة لبحث الحقائق، نوع من التدريب، استفدوا منه كتدريب لبحث الحقائق والمُقارَنة، ثم يقول ومنهم ومنهم.

يقول في الصحيفة الثانية والثلاثين وهى أم مُعاوية – عن هند – بن أبى سُفيان الذي – سوف نرى الصلة الآن، أعني صلة الموصول – قاتل عليّ بن أبى طالب رضيَ الله عنه، وأخذ الخلافة من الحسن بن عليَ رضى الله عنهما واستلحق زياد بن سُمية مرزيته واستخلف على الأمة ابنه يزيد القرود ويزيد الخمور.

يقول يزيد القرود ويزيد الخمور، كان مشهوراً بهذا، يلعب بالقردة والخمر، على مدار الأربع والعشرين ساعة يشرب الخمر والعياذ بالله، قال هذا مُعاوية وهذه أمه وهذا أبوه.

نأتي الآن إلى الصحيفة الرابعة والأربعين، وقال أبو بكر بن أبى شيبة، حدَّثنا حشرج بن نباته قال: حدثنى سعيد بن جهمان، قلت لسفينة – مَن سفينة؟ الصحابي المعروف، مولى رسول الله رضيَ الله عنه، حديث الخلافة يرويه سفينة أيضاً، أعني حديث الخلافة بعد ثلاثون، وهذه تتمته عند البعض وهو صحيح -: إن بنى أمية يزعمون أن الخلافة فيهم – خلفاء أيضاً هم كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ – فقال: كذب بنو الزرقاء – في الصحيح كذبت ـستاه بني الزرقاء، وسوف يأتي هذا، أي أنهم سبه، قال كذبت أستاه، جمع إست – بل هم ملوك من أشر ملوك، وأول الملوك: مُعاوية.

هذا ليس كلام سفينة، المُحقِّقان وضعا فقط الفاصلة وهذا خطأ، هذا من كلام المقريزي، هذا ليس في رواية سفينة، المُحقِّقان ظنا أن هذا من كلام سفينة وهذا خطأ طبعاً، وقد علَّقت أنا بهذا، هذه الجملة للمقريزي، يقول سفينة بل هم ملوك من أشر – أي من شر، أصل شر أشر، لكن لا تُوجَد مُشكِلة، فهذا ليس لحناً، أصل شر أشر، وأصل خير أخير، فلان خير من الفلان بمعنى أنه أخير من فلان، فلان شر من فلان بمعنى أنه أشر من فلان، فكلاهما صحيح فصيح – ملوك، قال المقريزي وأول الملوك مُعاوية، وهذا صحيح طبعاً، هؤلاء الملوك الذين وُصفوا بما وُصفوا الآن، فهذا المقريزي رحمة الله تعالى عليه!

نأتي الآن إلى الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى، مَن هو الإمام الصنعاني؟ لسنا مُحتاجين أن نُعرِّف به طويلاً أو كثيراً أيها الإخوة، لأنه إمام مشهور جداً، وهو إمام يمني رحمة الله تعالى عليه، من أئمة اليمن الكبار، كان في الأصل زيدياً، مثل سلفه العظيم محمد بن إبراهيم بن الوزير، فهو كان زيدياً، مثل خلفه العظيم محمد بن عليّ الشوكاني، فهو كان زيدياً، مثل صالح بن مهدي المُقبِلي كان زيدياً، لكن هؤلاء وغيرهم لما استبحروا في العلم والنظر والمُحاكَمة والمُقايَسة والمُقارَنة انتهوا إلى الاجتهاد والتعويل على الدليل وحده، ولذلك – بفضل الله – وهم زيدية صاروا يعتمدون على مُعظَم مصادر أهل السُنة ويأخذون بها، البخاري ومُسلِم والسنن، ويردون أشياء مُحدَّدة بنظر دقيق، يُعوِّلون على الدليل، أين الدليل؟ وهؤلاء امُتحِنوا جميعاً في حياتهم بمحن عظيمة جداً جداً، لأن هناك تعصباً، امتُحِنوا ورُموا بالنصب، أنهم من أعداء أهل البيت وأنهم وأنهم، لأنهم يُعوِّلون على كتب أهل السُنة، ولكن لهم نظر – لهم نظر دقيق – في هذه الأمور، الإمام الصنعاني اسمه الأمير طبعاً، محمد بن إسماعيل يُلقَّب بالأمير الصنعاني الكحلاني رحمة الله تعالى عليه، الإمام الصنعاني وصفه الإمام محمد بن عليّ الشوكاني في البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع – وهو كتاب مُهِم في التراجم، أراد أن يُثبِت به الإمام الشوكاني أن الاجتهاد لم ينقطع، وأن بعد القرن السابع هناك مُجتهِدون، فوقفه كتابه على ترجمة مَن يرى فيهم توفر شرط الاجتهاد، اسمه البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع – بأنه مُجتهِد مُطلَق، وهذا عجيب، رجل علّامة بشكل غير عادي وشاعر مُفلِق، شاعر كبير، أنا قرأت أشياء كثيرة في ديوانه، عنده شعر رائق وجميل جداً جداً، رحمة الله تعالى عليه، فالإمام الصنعاني من ضمن شعره الآتي، اسمعوا ماذا يقول، وهذه قصيدة كتبها سنة ألف ومائة وسبع وثلاثين هجرية، هو من أهالي القرن الثاني عشر، فهو كتبها في ألف ومائة وسبع وثلاثين، يقول:

عجبت لقومٍ ينسبون مقالةً                   إليَّ كأني لستُ من نسل حيدر.

قال هناك أُناس فهموا أنني أُدافِع عن مُعاوية وربما أتولاه، قال معاذ الله، أعوذ بالله، انظر إلى هذا، لا تقل لي هذا إمام زيدي، ليس زيدياً، هذا إمام مُجتهِد مُطلِق يُعوِّل على الدليل، وسوف ترى أنه علّامة مُوعِب، يشهد بأنه عرف ما حوته بطون الدفاتر كل الدفاتر، لم يكد يترك شيئاً إلا نقَّره وبحثه، شيئ عجيب الإمام الصنعاني، وطبعاً من كتبه المشهورة جداً عندنا سُبل السلام في أربعة مُجلَّدات، الطبعة الشهيرة هذه، وعنده توضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار لابن الوزير، شرحه في علم الدراية، في علم مُصطلَح الحديث، وعنده الروضة الندية، وعنده كتب كثيرة جداً، يقول:

عجبت لقومٍ ينسبون مقالةً                   إليَّ كأني لستُ من نسل حيدر.

يظنون أني أجحد الشمس ضوؤها             وأزعم أن الصبح ليس بنيِّر.

أأرضى الطليق ابن الطليق وقد بغى       وقاد لحرب المُرتضى كل مُجتر؟

مَن هو الطليق ابن الطليق؟ مُعاوية بن أبي سُفيان، قال هل أنا أرضى هذا؟ هل أنا أتولى هذا؟ مَن هو المُرتضى؟ لقب الإمام عليّ عليه السلام، لقبه الإمام المُرتضى، أبو الحسن الندوي – رحمة الله عليه – عنده كتاب اسمه المُرتضى، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فهذا لقبه، يقول وقاد لحرب المُرتضى كل مُجتر، أي كل مَن تجارأ على هذه البائقة، ثم أخذ يصف الإمام بأليس، يقول أليس عن الإمام عليّ، أليس أليس أليس أليس أليس، ثم يقول:

وزوَّجه الزهراء سيدة النسا                   بوَحي وسائل كل راو ومخبر.

وأدخله تحت الكساء وحسبه                       بذلك فخرا دونه كل مفخر.

وكم ذا عسى أمليه من عَدِّ فضله             ومن رام عدَّ الشهب لم يتيسر.

ثم يقول:

وهل لابن هند غير كل قبيحة؟                 ومَن ذا الذي فيه يشك ويمتري؟

قال أين حسنات مُعاوية؟ مُعاوية ليس له إلا القبائح، يقول لم يحطب إلا في حبل القبائح مُعاوية، مَن هذا؟ الإمام الصنعاني، يقول:

وهل لابن هند غير كل قبيحة؟                 ومَن ذا الذي فيه يشك ويمتري؟

أليس الذي أجرى الدماء مُراقة               بصِفِّين من أصحاب خير مُطهر؟

وهو عليّ عليه السلام.

وقاد طغام الشام من كل وجهة                         يُقاتِل بغياً كل بَرٍّ وخيِّر.

وأورد عمَّاراً حياضاً من الردى                 سقى جدثاً قد ضمه كل مُمطر؟

وسبَّ أمير المؤمنين مُجاهِراً                     وألزم أن يُتلى على كل منبر.

من مراسيم مُعاوية – هذه اسمها المراسيم – أن يُسَب عليّ على كل منبر في أعقاب خُطب الجُمعة، يُلعَن وليس يُسَب فقط، يُلعَن ويُتهَم بالنفاق، شيئ لا يُصدَّق، ماذا يقول؟ انظر إلى الفقه الآن، هنا تُوجَد فتوى – لقد أفتى – مأخوذة من صريح السُنة الصحيحة المُستفيضة، قال:

فقد عاد لعن اللاعنين جميعه                   عليه كذا مَن سنَّ سُنة مُنكر.

الله أكبر، من أين أفتى هذه الفتوى الإمام الأمير الصنعاني؟ حديث مَن لعن أحداً أو شيئاً لا يستحق اللعن ترجع عليه مُباشَرةً، أأنت تلعن عليّاً يا مُجتري؟ شيئ غريب، أين كان عقل مُعاوية لو كان عنده عقل وحلم؟ أين عقلك في هذا؟ قالوا لا يا أخي، هذا شعر، ابن الأمير الصنعاني وشعر أيضاً! لم يثبت هذا عن مُعاوية! كيف لم يثبت؟ أنا أقول لكم هذا تواتر واشتُهِر واستفاض، وسوف تكون عندنا حلقة أو حلقات فقط بحيالها عن هذا الموضوع، والأمر لا يزال طويلاً، نحن لم نزهق، الحكاية لا تزال طويلة، سوف تكون عندنا حلقات عن أن مُعاوية لعن وأمر باللعن والسب، قالوا لم يثبت هذا، كيف لم يثبت؟ سوف نرى مَن الصادق ومَن الذي يفتري، وإلا ما شاء الله الأمير الصنعاني كذّاب ولا يعرف أيضاً، سوف نرى الحقيقة!

قال:

فقد عاد لعن اللاعنين جميعه           عليه كذا مَن سنَّ سُنة مُنكر.

وكم من جنايات جناها تجارياً             وأبرزها جهراً ولم يتستر.

تجاريا تعني تجارؤاً وتجاسراً، لا يهمه هذا ويقتحم المُحرَّمات!

وكم من جنايات جناها تجارياً            وأبرزها جهراً ولم يتستر.

أمُجتهِداً يُدعى ابن هند مُحقِّقاً؟     ومَن قال هذا فهو لا شك مُفتري.

قال وبعد ذلك تقول اجتهد! كيف اجتهد؟ قال هل هذه الأفعال تُسمى اجتهاداً؟ ألا تباً لهذا الاجتهاد، إذا هذا هو الاجتهاد فتعساً وبؤساً لكل اجتهاد من قبيل هذا الاجتهاد!

أمُجتهِداً يُدعى ابن هند مُحقِّقاً؟     ومَن قال هذا فهو لا شك مُفتري.

ومَن قال هذا فهو فدمٌ مغفلُ         جسور على قول الجهالة مجتري.

المُراد بفدم أنه أحمق غبي وبليد، هذا معنى فدم، قال الذي يدّعي أن مُعاوية في جناته مُجتهِد إنسان غبي، بليد جريء ولا يفهم شيئاً، أرأيت؟ كلام شديد.

وما هو إلا ماكرٌ مُتحيّلٌ                   على المُلك حتى ناله بتجبر.

مَن هو المقصود بقوله وما هو إلا؟ مُعاوية، رجع الكلام إلى مُعاوية، قال هو ليس مُجتهِداً مُحقِّقاً، هو رجل صاحب أخاديع وأفائك وأزعومات!

وما هو إلا ماكرٌ مُتحيّلٌ                 على المُلك حتى ناله بتجبر.

ملك جبّار كما قال سفينة!

ولولاه ما أضحى يزيد مُؤمراً       يدار عليه في الضحى كل مُسكِر.

أصبح أمير المُؤمِنين وخليفة المُسلِمين رجل سكّير، “معبيها دائماً” كما يُقال بالعامية، رجل سكّير خمّير، بسبب مَن؟ مُعاوية، هو الذي جعله خليفة على الناس بالسيف وبالرشوى!

إلى أن قال:

أيجهل مثلي منصب الحق بعدما       عرفت يقيناً ما حوى كل دفتر؟

قال أنا رجل واسع الاطلاع، أنا قرأت كل الكتب، وفعلاً أنا أقول لكم والله العظيم الذي يقرأ ويقرأ كثيراً يتحرَّر ويفهم الحقيقة شاء أم أبى، هذا ينطبق أي أحد، يبدو بعد توفيق الله طبعاً وتزكيته – كل شيئ بتوفيق الله، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا ۩ – وكشفه الغُمة عن المُتحيِّر المُتردِّد المُستريب تأتي القراءة والاطلاع، بقدر ما تقرأ أكثر وتقرأ للكل – لكل المذاهب والطوائف كل الأدلة – تنجلي عنك غُمة العصيبة، يبدأ يلوح لك الحق بالدليل فتفهم، الصنعاني قال لا، ليس مثلي مَن يُغَش أو يتحيَّر أو يتهوَّك، قال لا، قال:

أيجهل مثلي منصب الحق بعدما       عرفت يقيناً ما حوى كل دفتر؟

وحقَّقت من علم الدراية كلما               يُحقِّقه في العلم كل مُحرِّر.

علم الدراية هو علم أصول الحديث، اسمه علم الدارية، وقلنا لكم عنده توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، وهو كتاب عظيم، من أكثر ما استفدت منه من كتب الدراية، عظيم جداً، حقَّقه العلّامة المصري مُحي الدين عبد الحميد رحمة الله عليه، ومطبوع عن طريق دار الفكر البيروتية، كتاب مُمتاز أنصح به، يقول وحققت من علم الدراية كلما أي كل ما.

وحقَّقت من علم الدراية كلما                 يُحقِّقه في العلم كل مُحرِّر.

وكم خُضتُ من بحر الرواية أبحراً     وسآلت عن تحقيقها كل مُخبِر.

أما في الرواية والأسانيد والمتون خُضت أبحراً!

وكم خُضتُ من بحر الرواية أبحراً     وسآلت عن تحقيقها كل مُخبِر.

هذا كلامه في هذه القصيدة، في سُبل السلام باب قتال أهل البغي يقول الحديث دليل على أن الفئة الباغية مُعاوية ومَن في حزبه – طبعاً في الحلقات المُقبِلة في الأسبوع القادم إن شاء الله سنبدأ بحديث الفئة الباغية والتفصيل فيه إن شاء الله – والفئة المُحِقة علي رضي الله عنه ومَن في صحبته، وقد نقل الإجماع مِن أهل السُنة بهذا القول جماعة من أئمتهم كالعامري وغيره وأوضحناه في الروضة الندية.

الآن له كلام مُهِم جداً في قضية الصحابة وعدالة الصحابة، خُلاصته مع التفصيل حتى ذكرت في مُحاضَراتي عن عدالة الصحابة، لكن مُهِم أن أقرأه بطوله من رسالته الجميلة الجيدة – تُقرأ أيضاً في مجلس – ثمرات النظر من علم الأثر، رسالة بسيطة وموجودة على الشبكة العنكبوتية، أي أنها مُتاحة ويُمكِن لأي أحد أن يُنزِّلها لأنه مجانية، اسمها ثمرات النظر، وهي في زُهاء مائة صفحة، يتكلَّم فيها عن موضوعه ثم يتكلَّم عن مُعاوية وعن خُلاصة رأيه في مُعاوية أيضاً، نُريد أن نقرأ ماذا قال الأمير الصنعاني – رحمة الله عليه – في ثمرات النظر في علم الأثر!

قال بعد أن عرَّف أيضاً بالصحابة وجليل موقعهم وعظيم خطرهم وما ينبغي لهم إلا أن تفسير الصحابي بمَن لقيه صلى الله عليه وآله وسلم – تقول لي الصحابي هو الذي لقيَ النبي أو رآه ولو حتى ساعة أو سُويعة من النهار أو من الليل مُؤمِناً به ومات ذلك – أو بمن رآه وتنزيل – أي إلا أن كذا – تلك الممادح عليه فيه بعد يأباه الإنصاف – كيف تُعرِّف الصحابي على هذا النحو وتأتي بكل الآيات والأحاديث وتقول لي هذه تنزل عليه لأنه رأى النبي؟ قال هذا أنا أراه حيدة عن طريق الإنصاف -، ولا يُقال – وهذا كلام جيد – لرعية الملك أصحاب الملك – هؤلاء رعية، يا أخي هناك رعية النبي، هؤلاء رعية لو النبي لو افترضناه ملكاً وحاشاه لأنه أعظم من كل ملوك الدنيا ولك أن تتصوَّر هذا، هو سيد المُرسَلين هؤلاء رعية، لا تقل لي أصحابه، هؤلاء رعيته، مائة وعشرة آلاف تُوفيَ عنهم، هؤلاء رعية الرسول وأتباعه، ليسوا أصحابه، أصحابه مَن لهم لون اختصاص به، هذه الصُحبة كما عرَّفنا ولا نُعيد ما قلنا وقد ذكرنا هذا بالتفصيل بفضل الله – وإن رأوه ورآهم ولقوه ولقيهم بل أصحابه مَن لهم به اختصاص وهم طبقات في ذلك مُتفاوتة، نعم هذا اللفظ الذي هو لفظ الصاحب – الصحابي أو الصاحب – فيه توسع في اللُغة – وقد ذكرت هذا في مُحاضَرتي – كثير يُطلَق على من لابس أي شيء ولو مِن الجمادات (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ۩) (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۩) و (أَصْحَابُ النَّارِ ۩) – أصحاب الرس وثمود، أصحاب السفينة، قال الله فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ۩، وإلى آخره – وعلى مَن ليس على ملة مَن أضيف إليه (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ ۩)…. إلى أن قال وإذا تقرَّر هذا – انظر إلى كلام العلماء الأئمة – فهو وإن صح الإطلاق على مَن لاقاه صلى الله عليه و سلم ولو لحظة – أي لُغوياً – من ليل أو نهار إلا أن الممادح القرآنية والأحاديث النبوية والصفات الشريفة العلية التي كانت هي الدليل على عدالتهم وعلو منزلتهم ورفعة مكانهم تخص الذين صحبوه صُحبة مُحقَّقة ولازموه مُلازَمةً ظاهرة، الذين قال الله تعالى فيهم (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ۩) فهذه الصفات إما كاشفة أو مُقيِّدة – الصفة إما أن تكون كاشفة وإما أن تكون مُقيِّدة، ما معنى صفة كاشفة؟ وما معنى صفة مُقيِّدة؟ حين نقول صفة مُقيِّدة فالصفة المُقيِّدة هي التي تُميِّز بين الموصوف وبين غيره مما ليس من حقه أن يدخل في حيز الموصوف، هذه صفة مُقيِّدة، الصفة الكاشفة هي التي لو لم تذكرها فهي معروفة أنها من حق الموصوف ذكرتها أم لم تذكره، كقوله صلى الله عليه وسلم مثلاً التارك لدينه المُفارِق للجماعة، اختلفوا فيه، هل قوله عليه السلام المُفارِق للجماعة صفة مُقيِّدة أو صفة كاشفة؟ والأرجح أنها صفة كاشفة، لماذا؟ بحسب الاجتماع السياسي أو الاجتماعي الديني في زمان رسول الله واضح أنه لم تكن هناك مُجتمَعات مثل اليوم، مُجتمَعات المُواطَنة Citizenship كما يُقال، لم يُوجَد مُجتمَع مُواطَنة ووطن يحمي الجميع، المُسلِم واليهودي والمُشرِك وإلى آخره، هذا لم يكن موجوداً، كان الاجتماع السياسي على أسس دينية، فأنت إذا كنت مُسلِماً تكون مع مُعسكَر المُسلِمين حتى لو كنت مُنافِقاً، لكنك مُسلِم في الظاهر، وإذا كنت مُشرِكاً تلتحق بالمُشرِكين مُباشَرةً فتُفارِق للجماعة، فهذه صفة كاشفة، بمعنى أن كل مَن ترك دينه فارق الجماعة، ليس هناك مَن يترك دينه ويبقى في الجماعة فتكون الصفة مُقيِّدة، بمعنى أن هناك مَن يترك الدين ويبقى وهناك مَن يترك ويلتحق بالكفر فتكون مُقيِّدة، لكنها ليست مُقيِّدة، بل هي صفة كاشفة، وهذا هو الأرجح، هل وضح لكم الفرق بين المُقيِّدة والكاشفة؟ هذا كلام العلم، وأنا أعرف طبعاً أن هناك مَن سيسمع هذه الحلقات وهو والله في حياته لم يسمع لا بكاشفة ولا بمُقيِّدة ومع ذلك يخرج يرد علينا وعلى أمثالنا ويظن أنه يفهم، لكن هؤلاء لا يعرفون ولا يفهمون شيئاً – وعلى كل تقدير فليس كل من رآه له هذه الصفات ضرورة وكذلك الصفات التي بعدها في قوله تعالى (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ ۩).

سُبحان الله حين قرأت هذا الكلام خطر لي شيئٌ عجيب، وأيضاً لم أقرأه لأحد، فأسال الله إن كان حقاً أن ينفعنا به وهو من عند الله تبارك وتعالى، وإلا فهو من نفسي والشيطان، والله بريء منه ورسوله، هل تعرفون ما هو؟ هذه الآية بالذات – مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ۩ – على أنها كما حقَّقنا القول فيها في دروس عدالة الصحابة هي مما نزل عقيب صُلح الحُديبية، فقولاً واحداً ينبغي ألا تُقتبَس هذه الآية لتُنسَب بها فضائل وممادح إلى مُعاوية وأمثال مُعاوية، لا علاقة لمُعاوية بهذه الآية، بالله عليكم لا نُحِب أن تكذبوا على الأُمة، يكذبون على الأُمة ويقولون أليس مُعاوية صحابياً بهذه الطريقة التي عرفنا بها الصحابي؟ سلَّمنا، من باب إرخاء العنان للخصم سلَّمنا، صحابي على طريقتكم في تعريف الصحابي، علماً بأننا ليس عندنا أي مُشكِلة في التعريف، ليس عندنا أي مُشكِلة فسمه صحابياً، لكن ما ينبني على ذلك كما قال العلّامة الأمير الصنعاني هو ألا تجعل له فضائل ومزايا أصحاب الصُحبة الحقيقية، صُحبة المُلازَمة وطول العهد والنُصرة والهجرة وما إلى ذلك، لا يا حبيبي، هذا الغلط، كيف تُساوي بين هذا وهذا؟ لا، هذا ممنوع، فلا علاقة لنا بهذا ولا مشاحة في الاصطلاح، على كل حال هذه مما نزل عقيب الحُديبية، ثم أنك حين تسمع أنهم يُدلِّسون على الناس، يقولون العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أي سبب؟ هل هناك سبب؟ هل يُوجَد سبب لنزول هذه الآية؟ ليس لها علاقة، القضية ليست بحكاية العبرة، القضية بالعموم هنا، هذه مسألة من مسائل العموم في أصول الفقه، ونحن نعرف أن الاسم الموصول من ألفاظ العموم، أليس كذلك؟ لكن هل كل موصول على عمومه؟ هذا يتعلَّق بالصلة، يا جماعة يتعلَّق بالصلة، الصلة أيها الإخوة إن حُمِلَت على معهود مُستحيل أن يكون الموصول عاماً، أي يعم كل أحد، كلام غير معقول، كيف؟ ما معنى الكلام هذا؟ حين قال الله تعالى مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ ۩ هذا الاسم الموصول لفظ من ألفاظ العموم، هذا صحيح، لكنه يعم مَن؟ يُدخِلون فيه مُعاوية وأبو سُفيان الذي أسلم عام الفتح، وهذه عقيب الحُديبية، قال وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩، إذن الصلة هي ماذا؟ المعية، الصلة هي المعية، وهذه المعية متى كانت؟ كانت أيام الحُديبية، قبلها وأيامها في ذلك الوقت من الذين وُصِفوا في الآية بأنهم أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ۩، مَن الكفّار وقت ذاك؟ مُعاوية وأبو سُفيان وأمثال هؤلاء، فلا يُمكِن أن يدخل مُعاوية وأبوه في الآية بطرفين، أي بجهتين، من جهة أنه مُؤمِن وصحابي ومن جهة أنه كافر، هذا تناقض، لا يُمكِن أن يقول بهذا مُفسِّر، لكن ما شاء الله مشائخ العصر اليوم يضحكون على الناس، هذا يُقال مائة ألف مرة في التلفزيونات Televisions، يقولون الصحابة وقال تعالى يا عدنان إبراهيم مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩، وبعضهم حتى لا يحفظ القرآن ويتكلَّم ويقول يا عدنان، هل تحفظ القرآن أنت؟ أنت لا تحفظه ولا تفهم تفسيراً، هذا لا يُمكِن، أنت دون أن تفهم تفسيره يا مسكين، وقد أعربت عن هذا بجهل وغباوة شديدة، أي بهذا القول، كأنه حاجنا، يقول قال الله مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ ۩ وهو مسكين، لا علاقة لهم بالعلم، على كل حال الذي لاح لي اليوم وأنا أقرأ هذا الكلام الصنعاني شيخ عجيب يا أخي، يقول الله وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۩، الله أكبر يا أخي، هذا القرآن، الآية واضحة أنها في الصحابة الذين بعد عهدهم – أرأيت؟ – والذين تمادت مُدتهم مع رسول الله، هؤلاء مثل الزرع يا إخواني، ونبت الزرع وفرَّق وأشطأ وقصة طويلة، ليس مَن جاء وأسلم فأصبح صحابياً ودخل في الآية، ليس له علاقة بالآية، هل فهمتم؟ هذا – سبحان الله – شيئ غريب، القرآن عجيب يا أخي، برهانه لمَن تأمله منه فيه، القرآن برهانه منه فيه، لا تُوجَد شجرة أو دوحة أو سنديانة عظيمة تُصبِح سنديانة في خمس دقائق لأنه رأت الرسول، لا يا حبيبي، هذه قصة طويلة، هؤلاء فعلاً الصحابة، وهذه هي الآية، هذا إذا تركنا التفسير إلى الآن بحسب قواعد الأصول وتقييد هذا العموم، لابد أن يُقيَّد هذا العموم، لماذا؟ لأن الصلة معهودة، معروف مَن الذين كانوا معه وقت ذاك، ليس لها علاقة بالطُلقاء وأبناء الطُلقاء يا جماعة، لأنها عقيب الحُديبية، هذا واضح جداً، علماً بأنهم يُحرِّجون ويحتازون كثيراً، مثلاً ابن تيمية – رحمة الله عليه – يقول لك الآية التي فيها قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ۩، بعض العلماء ماذا يقول لك؟ يقول لك المُراد بقوله الْقُرْبَىٰ ۗ ۩ فاطمة وعليّ وأبنائهم، أي الذُرية، لكن ابن تيمية يقول مُستحيل، ليس لها علاقة، يا أخي الله يقول إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ۩، إن فسَّرنا الْقُرْبَىٰ ۗ ۩ بأنها قُربى بمحمد – أي آل محمد – تعم، قال لا، السورة مكية، في تلك الأيام كان عليّ شاباً صغيراً، وإنما نكح فاطمة في المدينة – وهذا الكلام صحيح – ولم يكن هناك أي زواج ولا حسن ولا حُسين، كيف تحمل الآية المكية على شيئ سوف يحدث فيما بعد، ما شاء الله هنا يُدقِّق، هو دقيق هنا، لكن في الآية التي تقول مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩ أدخل أبا سُفيان ومُعاوية، ما شاء الله على العلم وعلى الحيدة والموضوعية والنزاهة العلمية، قال الله وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ۩، قال لا، ليس لها علاقة بعليّ وفاطمة، السورة مكية، هذه الآيات مدنية، لكنه قال لا، السورة مكية، ثم أن هذا حدث في المدينة، فهذا شيئ وهذا شيئ، جيد ونحن نقول لكم هذه الآيات نزلت بعد الحُديبية – عقيب الحُديبية – وليس لها علاقة بالطُلقاء وأبناء الطُلقاء، لا تكذبوا على أُمة محمد، احكوا الحقيقة، فسِّروا كتاب الله بما ينبغي لجلال كلام الله، لا تلعبوا على الدين، يلعبون يا أخي، لا أدري ما هذا، نسأل الله أن يرزقنا الإنصاف، اللهم آمين يا رب.

نعود إلى كلام العلّامة الأمير الصنعاني، يقول – رحمة الله تعالى عليه – والمُحدِّثون وإن أطلقوا أن كل الصحابة عدول فقد ذكروا قبائح لجماعة لهم رؤية – ما المُراد بهذا؟ صُحبة، قالوا الصحابي مَن رأى النبي، فهؤلاء لهم رؤية – تُخرِجهم عن عموم دعوى العدالة – قال ليس أنا مَن يقول وإنما علماء الحديث، تكلَّموا في بعض الصحابة وطعنوا فيهم، وهذا صحيح، ليس الزيدية وليس الروافض وليس عدنان إبراهيم وليس الإمام الصنعاني وإنما المُحدِّثون، مثل الذهبي وغير الذهبي، ومثل الدارقطني، ومثل ابن عبد البر، وذكرت لكم أنماطاً من هذا، وسوف نأتي إليه – كما قال الحافظ الذهبي في النُبلاء في مروان بن الحكم لعنه الله ما لفظه – مَن الذي لعنه؟ الصنعاني وليس الذهبي، الصنعاني لعنه، قيل لا تلعن يا عدنان، اللعن عندك أسهل من الماء، هل أنت تفهم شيئاً؟ يا أخي نحن نلعن مَن لعنه الله ورسوله ومَن لعنه كبار رجال الأُمة يا رجل، وأنت لا تعرف الذي نلعنه مَن هو، اذهب واقرأ عنه وسوف تلعنه مثلنا ألف ألف مرة حين تعرف ماذا أحدث في الإسلام وماذا فعل بالإسلام وأهل بيت رسول الله، يقول لا تلعن، يظن أننا نلعن هكذا كنوع من الاستحماق وما إلى ذلك، لا يا أخي، نلعن مَن يستحق اللعن إلى يوم الدين، لعنة الله عليهم، فماذا يقول الصنعاني؟ كما قال الحافظ الذهبي في النُبلاء في مروان بن الحكم لعنه الله، فماذا قال الذهبي في مروان؟ اللعن من الصنعاني طبعاً حتى نكون دقيقين – بعد سياق طرف من أحواله وحضر الوقعة يوم الجمل وقتل طلحة ونجا وليته ما نجا انتهى.

الذهبي يدعو عليه ويقول وليته ما نجا، يا ليته قُتِل، مَن؟ مروان بن الحكم، وعند بعض العلماء له صُحبة، مُختلَف في صُحبته، قالوا له رؤية أيام طرد النبي أباه اللعين، وهو الحكم بن أبي العاص الذي كان – كما قلنا – يُقلِّد مشية النبي ويُدلِع له لسانه، لعنة الله عليه إلى يوم الدين، يُدلِع للنبي لسانه – يُخرِج لسانه للنبي – من خلفه، ويتهفَّن على النبي، يقوم بعمل حركات ويتخلَّج وما إلى ذلك، وليس هذا فحسب، لقد تجسَّس على بيوت النبي، هذا معروف، الحكم بن أبي العاص هو الذي خرج النبي وفي يده مدرة وأراد أن يطعن بعينه، ولو ناله لطعن في عينه، كيف يأتي ويتجسس علىّ في بيتي؟ النبي مع زوجته ويتجسس عليه الحقير، لا يُوجَد مَن هو أحقر، وأين كان هذا؟ هو من مُسلِمة الفتح، وانتقل إلى المدينة، أنت في مدينة رسول الله، في مدينة الأنصار والمُهاجِرين، في مدينة أحبابه وأشياعه وحزبه وطائفته، يستطيع أن يقتلك شر قِتلة يا لعين، ومع ذلك غره حلم النبي، يمشي خلفه ويُقلِّده ويُدلِع له لسانه ويتجسَّس عليه، حتى التفت النبي ذات مرة فرآه خلفه يتخلَّج فقال له كُن كذلك، فبقيَ يتخلَّج إلى أن مات لعنة الله عليه، لعنه الله، النبي لعنه وطرده إلى الطائف، لعل هذا إكراماً لسيدنا عثمان وما إلى ذلك، لأنه عم سيدنا عثمان، هو عمه لأبيه، أي صنو أبيه، فهو أخو أبي سيدنا عثمان للأسف، علماً بأن أحد الأسباب التي أغضبت المُسلِمين أو الذين ثاروا على سيدنا عثمان رضوان الله عليه – كما قلنا هناك زُهاء خمسة عشر سبباً لكن هذا أحد الأسباب – أنه أعاد الحكم إلى المدينة، أبو بكر – رضوان الله عليه – رفض، عثمان قال أرجعه فقال لا يرجع، النبي طرده فلا يرجع، هذا لا يرجع إلى المدينة، ممنوع أن يرجع، ولم يرجع في مُدة عمر، جاء عثمان وأكرمه، وقد جاء صعلوكاً ليس عنده شيئ، ألبسه أحسن لباساً وأعطاه مئات الألوف، وحين مات بنى فسطاطاً على قبره، غضب الناس، كيف تفعل هذا برجل لعنه الرسول؟ تجسس على بيت الرسول وفعل كذا وكذا، فرضيَ الله عن سيدنا عثمان، كان شديد الشفقة على قرابته، يُحِب بني أُمية كثيراً، كان يُحِب قرابته، وهذا في حد ذاته من حيث هو لا يُذَم، لكن الذي يُذَم إن خرج بصاحبه عن حد الشرع وما يجب من إقامة أمر الله، هذا يُذَم، فالحق أحق أن يُتبَع، لا يُوجَد في الدين قريبي وعمي وخالي، من المفروض أن هذا غير موجود، على كل حال هذا اجتهاد من سيدنا عثمان، وبعضهم قال لعله كان استرخص من النبي لكي يُرجِعه في يوم من الأيام إذا تمكَّن من هذا، هكذا يفترضون احتمالات من عندهم، قالوا لعله، وباب الاحتمال واسع وفسيح، على كل حال هذا مروان وهو ابنه، أي مروان بن الحكم، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، هذا أبوه وهذا ابنه، فالنبي لعنه وما في صُلبه.

نعود إلى كلام العلّامة الأمير الصنعاني، يقول وفي الميزان – ميزان الاعتدال في نقد الرجال للحافظ الذهبي – مروان بن الحكم له أعمال مُوبِقة نسأل الله السلامة رمى طلحة بسهم وفعل وفعل – قال عنده أفاعيل، مَن الذي قتل طلحة بن عُبيد الله في الجمل؟ مروان رماه بسهم فقتله، يقولون عادي ولا مُشكِلة هنا، لماذا يا إخواني؟ هذا طلحة، أمروان أعز عليكم من طلحة؟ هناك قاعدة مُهِمة، وهم سوف ينزعجون من كلامي، لكن هذه القاعدة أنا أفهمها، القاعدة هي إذا تعلَّق الأمر ببني أُمية فإن هؤلاء يُعتبَرون رُتبة عالية جداً جداً، المفروض ألا يُنال منهم أحد، وحسناتهم تُضاعَف وسيئاتهم مغفورة ومطمورة مما لا يُذكَر ولا يُشهَر ويُسكَت عنه، أما إذا تعلَّق الأمر بأحد آخر يقع في بني أُمية أو يسبهم أو يثلبهم اللعائن تتوالى عليه ويُجرَّح وتُسقَط عدالته وإلى آخره، شيئ غريب يا أخي، هذا قتل طلحة بن عُبيد الله، أحد العشرة المُبشَّرين بالجنة، الشهيد الحي والصحابي الجليل، قتله وقال لا أطلب بعدم اليوم بدم عثمان أحداً، أي أنني أخذت بثأري، يا ملعون هل قتل طلحة عثمان؟ طلحة ألَّب عليه، هذا ما حدث كما قلت لكم، نعم ألَّب وحرَّض لكنه لم يُباشِر ولم يقتله ولم يرفع عليه سيفاً، بماذا تقتله يا ملعون؟ قال هذا ثأر، ثأرت لعثمان، لكن هذا لا يهمهم، البخاري روى عن مروان بن الحكم، وسوف نرى كيف اعتذر العلماء، كيف تروي عنه؟ طبعاً روى حديثاً واحداً ومقروناً، روى حديثاً واحداً، وأبو داود رواه، مُسلِم لم يرو عنه رفض والبقية، المُهِم ماذا يقول؟ وفعل وفعل -، فهذا تصريحٌ – يقول الصنعاني – بفسقه، وقال في ترجمة طلحة من النُبلاء – سير أعلام النُبلاء – إن مروان بن الحكم قاتل طلحة – الذي قتل طلحة مروان – ثم قال – أي الذهبي – قاتل طلحة في الوزر كقاتل علي رضي الله عنه، وقال ابن حزم – وأنتم تعرفون ابن حزم رحمه الله، عنده هوى أُموي كبير ما شاء الله، لكنه هنا نطق بالحق رغم أنه يُبرِّر لبني أُمية، ورأينا ما شاء الله كيف برَّر قتل عليّ، قال ابن مُلجِم مُجتهِد، عجيب يا ابن حزم، عجيب والله يا أبا محمد، غفر الله لك – في أسماء الخلفاء والأئمة أن مروان بن الحكم أول من شق عصا المسلمين بلا شُبهة ولا تأويل – قال لا تُوجَد شُبهة، لا تقل اجتهد فأخطأ – وذكر أنه – أيضاً ابن حزم ذكر أن مروان – قتل النُعمان بن بشير – هذا الصحابي تعرفونه، أول مولود وُلِد للأنصار في الإسلام، وطبعاً هذا كان من رؤوس أشياع الأُمويين، وكان معهم في حروبهم وفي كل شيئ، وفي النهاية انتهى به الأمر إلى أن قتلوه، كان معهم ضد الإمام عليّ طبعاً وضد مَن مع الإمام عليّ – أول مولود في الإسلام للأنصار صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم – صاحب حديث الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مُشتبِهات المعروف – وذكر أنه خرج على ابن الزُبير بعد أن بايعه على الطاعة – أي مروان بن الحكم، فهو ناكث، بايع ثم خرج -، وقال ابن حبان في صحيحه – العلّامة ابن حبان صاحب الأنواع والتقاسيم المعروف بالصحيح، صحيح ابن حبان – عائذاً بالله – أي عياذاً بالله – أن يُحتَج بمروان وذريته في شيء من كتبنا، وكل مِن أئمة الحديث تكلم بما هو وقع منه.

قال معروف مروان ومعروفة بوائق مروان، كل المُحدِّثين يعرفون ماذا فعل مروان فأعوذ بالله أن أُورِد له أو لذريته أي شيئ في كتابي هذا، مَن ذريته؟ عبد الملك بن مروان والجماعة الآخرين – ما شاء الله – الجبابرة، من صُلب عبد الملك أربعة جبابرة خرجوا والعياذ بالله، شيئ لا يُصدَّق والعياذ بالله حين تقرأ عنهم، طبعاً سنعقد بعد أن نهي موضوع مُعاوية حلقة خاصة – اليوم سوف تأخذون فقط شيئاً بسيطاً – عن تقييم بني أُمية، عن حسناتهم وسيئاتهم، ماذا فعلوا؟ شيئ غريب، سوف تسمعون بأشياء موجودة وثابتة لكن لا يُسمَع بها، يُسكَت عنها، فتنة! سوف نرى ماذا فعل بنو أُمية، أعني جبابرة بني أُمية.

يقول الأمير الصنعاني والعجب من الحافظ ابن حجر – أي العسقلاني، أمير المُؤمِنين في الحديث – حيث قال مروان بن الحكم يُقال له رؤية فإن ثبتت – أي إن ثبتت صُحبته ورُؤية النبي – فلا يُعرَّج على مَن تكلَّم فيه – لأنه صحابي، وهذا كلام ليس له معنى -، ثم قال فأما قتل طلحة فكان فيه مُتأوِّلاً – هذا خلافاً لكلام مَن؟ كلام الذهبي وكلام ابن حزم، قال لا، هو مُتأوِّل، اجتهد فأخطأ، وهذا يعني أن عنده أجر في النهاية لأنه قتل طلحة، وهذا عجيب – كما قرره الإسماعيلي – أبو بكر صاحب المُستخرَج – وغيره، ثم قال إنما حمل عنه مَن روى عنه البخاري عن مروان أنه قبل خروجه على ابن الزُبير – هكذا العبارة وهي ركيكة، يعتذر ابن حجر عن البخاري، أي يُقيم عُذراً للبخاري، لماذا البخاري روى حديث مروان؟ وإن كان حديثاً واحداً في الحقيقة لماذا رواه؟ قال لأنه رواه عن مَن تحمَّل عن مروان قبل أن يفعل مروان ما فعل، أي حين كان سليماً نظيفاً، كيف عرفتم هذا؟ الله أعلم، هل فعلاً هكذا الموضوع؟ لا ندري، لكن هذا الكلام مُلزِم ومُهِم جداً يا جماعة، وسنرى لماذا، لأن هذا يعني أمراً هاماً، إذا كنت تحكم عليه بأنه ليس أهلاً أن تُتحمَل عنه الرواية بعد أن فعل ما فعل فأنت تُسقِط عدالته، انتبه إلى أن كلام ابن حجر مُتناقِض، وقد تنبَّه الصنعاني إلى التناقض وقال هذا كلام مُتناقِض، هذا الكلام ليس علمياً، أنت مُتناقِض هكذا، هو بعد أن فعل ما فعل خرج عن حد الصُحبة أو لم يخرج؟ عندك لم يخرج، وأنت قلت إن ثبتت له فلا يُعرَّج على مَن تكلَّم فيه، ثم عُدت وقُلت قبل وبعض، كلام مُتناقِض، كلام ركيك، هو هكذا، الكلام إن لم يكن حقاً واضحاً يتناقض، لا إله إلا الله، قال الله وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ۩، والصنعاني تنبَّه إلى هذا التناقض، وأنا أول ما قرأته تنبَّهت إليه، ويتنبَّه له كل طالب علم أصلاً، هذا لا يحتاج إلى عبقرية، بعُشر ذكاء تتنبَّه له، فهذا الاعتذار إذن، قال قبل خروجه على ابن الزُبير، وقال قتله لطلحة كان مُتأوِّلاً وهذا لا يقدح فيه – ثم قال وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مُسلِم انتهى.

مُسلِم لم يعتمده كما قلنا!

فقوله إن ثبتت له رؤية فلا يُعرَّج على مَن تكلَّم فيه هو محل التعجب – يقول الصنعاني عجب، يقول هذا يبعث على العجب – كادت الرؤية تُجاوِز حد العصمة – هذا كما قلنا، يتكلَّمون كأن الصحابي معصوم يا جماعة، يقول الصنعاني كادت الرؤية تُجاوِز حد العصمة، لكن المفروض ألا تُجاوِز وإنما تُجاوِر، ومُمكِن حتى أن تكون تُجاوِز كما هو مكتوب، صارت كأنها أعظم من العصمة – وأن لا يخرج مَن ثبتت له بقتل نفس معصومة ولا غيرها من المُوبِقات – المفروض أن لا يخرج وإنما وأن لا يُجرَح، هذه أخطاء في الطباعة كلها، فالمفروض وأن لا يُجرَح مَن ثبتت له بقتل نفس معصومة، ما المقصود بالجرح؟ حتى لو قتل أو فعل أي مُوبقة ممنوع يُجرَح أو يُجرَّح، يُقال يُجرَح أو يُجرَّح -، وكلام الذهبي – يقول الصنعاني – فيه هو الإنصاف دون كلام الحافظ – الذهبي كلامه صحيح، يقول نجا وليته ما نجا، وقال فعل وفعل – وأن العمدة تحري الصدق، وأما اعتذاره بأنه قتل طلحة مُتأوِّلاً فعذرٌ لا يبقى معه لعاصٍ معصية – انتهى الأمر، بعد ذلك يزني أو يلوط أو يقتل أو يسرق أو يفعل ما يُريد وسوف يُقال اجتهد وتأوَّل، ما هذا يا أخي؟ ما باب الاجتهاد العجيب جداً هذا؟ ما هو حد الاجتهاد؟ شيئ غريب – بل يُدّعي له التأويل وهو كتأويل – الآن هذا مُهِم فانتبهوا إليه، هذا بيت القصيد واللينة التي لها طلعٌ نضيد – مَن تأول لمُعاوية في فواقره – يقول مُعاوية له فواقر، ما معنى فواقر؟ ما يكسر الظهر، له عظائم الأمور والعياذ بالله، عظائم المناكر، قال تأوَّلوا له، بماذا تأوَّلوا له؟ بالخطأ في الاجتهاد، اجتهد فأخطأ، قال هذا من جنس هذا، يقول الصنعاني كلام لا يروج علينا، لا يروج ولا نقبله – أنه مُجتهِد أخطأ في اجتهاده مع أنه قد نقل العلّامة العامري الإجماع على أنه باغٍ – قالوا بغى واجتهد في البغي وأخطأ أيضاً في اجتهاده، لكن هذا الكلام لا يُمرَّر على الصنعاني، فماذا قال؟ – والباغي غير مُجتهِد – شطر جُملة ما أجملها! قوية، من الصعب أن تدحضها أو أن تُزِّفها – في بغيه وإلا لما سُمي باغياً.

لأن كلمة البغي هي الظلم، البغي هو التعدي والظلم، أليس كذلك؟ والباغي لنا علينا سبيل، قال الله إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ ۩ في الشورى، لنا علينا سبيل، مأمورون بقتاله يا إخواني، أليس كذلك؟ وبعد ذلك هل تعرفون كيف؟ لو لم يكن كذلك فهو مُجتهِد والمُجتهِد يُؤجَر فيُعلَم أن له أجراً واحداً ويُذكَر بأنه مأجور لا موزور، وكيف يكون مأجوراً غير موزور ثم نصمه بوصمة البغي ونقول عنه الباغي؟ هل تعرفون هذا مثل ماذا؟ مثل ما ذكرت ذات مرة في خُطبة إن كنتم تذكرون يا إخواني وإن شاء الله أنتم على ذُكر، ذكرت مرة أن بعض الناس يتتابعون ويندلعون في تبديع الناس وتضليل الناس ويقول لك الواحد منهم هذا مُبتدِع وضال، يا أخي هذا الذي تُسميه مُبتدِعاً وضالاً رجل من علماء الدين – مثلاً – ومن أئمتنا – من الاحناف أو الشافعية أو المالكية أو غيرهم – اجتهد وأخطأ، وحكم رسول الله فيه أنه مأجور بأجر واحد، قال نعم هو أخطأ ومأجور لكن هو مُبتدِع! والله لا يجتمعان، لا يجتمع أن يكون مأجوراً – وهذا يعني أنه ممدوح في النهاية على ما بذل من سعي – وأن يكون مُبتدِعاً لأن المُبتدِع ضال، كيف يكون ضالاً ثم يكون مأجوراً؟ وهل أجرٌ في الضلالة؟ تناقض يا جماعة، هذا تناقض، قد تقول لي إذن ماذا؟ أنا أقول لك الصحيح أنه يكفيك في التنبيه على خطئه والتنفير من مسلكه في اجتهاده أن تقول أخطأ، هذه اسمها التخطئة وليس التضليل والتبديع، لا تقل لي ضل وابتدع، هذا خطأ، وإنما هو – والعياذ بالله – أحياناً نوع من التسرع والمُشاكَسة، وأحياناً نوع من سواد النفس ورمي الناس بالعظائم، أنت تتحدَّث عن إمام مُجتهِد أو عالم كبير أو إنسان فاضل بأنه مُبتدِع وضال، ليس مُبتدِعاً ولا ضالاً بل هو مأجورٌ بأجر واحد، أخطأ في اجتهاده فيما ترى أنت، وقد يراه غيرك مُصيباً في اجتهاد، كذلكم نقول في مسألة البغي لا تقل لي باغٍ ومأجور بأجر واحد، هذا غير صحيح، إن ثبت أنه باغٍ فهو ضالٌ ببغيه وليس له أجر، لذلك سماه داعية النار، قال ويدعونه إلى النار، النبي يقول بُغاة يدعون إلى جهنم، وأنتم ما شاء الله على علمكم تقولون مُجتهِدون ولهم أجر واحد لخطئهم في الاجتهاد، ما شاء الله لهم أجر واحد وهم دُعاة إلى النار، فيُمكِن أن تدعو إلى النار ولك أجر واحد، نبرأ إلى الله من مثل هذا الخلط والخبط، ونُتابِع – إن شاء الله – في حلقة مُقبِلة فالسلام عليكم ورحمة الله.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: